أعْلامُ
النِّساءِ المُؤمِنَاتِ
تأليف مُحَمَّد الحَسُّونْ / اُم عَلي مَشكُور
دار الأسوة للطباعة والنّشر
ايران
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله حمداً دائماً أبداً ، والصلاة والسّلام على البشير النذير والسراج المنير ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى أهل بيته وخاصّته وحامّته ، ووديعته في اُم ّته حتى ورود حوضه ، حيث يرث الله الأرض ومَن عليها . واللعنة الدائمة المتّصلة المترادفة المتواصلة على شانئيهم وغاصبيهم ما أوجب الحقّ تعالى لهم حتى قيام القيامة وملامة النفس اللّوامة ، حيث يخسأ أقوام فلا يتكلّمون ، ويبتهج آخرون إذ يتنعمون .
وبعد
قبل عدّة سنوات خَرجت الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، الذي نال ـ بحمد الله تعالى ـ استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام والاُخوة المثقّفين . فقد بعث إلينا بعضهم رسائل يُعربون فيها عن تقديرهم لهذا المجهود ، ويحثّوننا على الاستمرار في البحث عن المزيد من التراجم . كما قامت بتعريفه عدّة صحف ومجلاّت في داخل الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ، فللّه درّهم وعليه أجرهم .
وها هي الطبعة الثانية نُقدّمها بين يدي القارىَ الكريم ، بعد نفاد نسخ الطبعة الاُولى ، ولابُدّ هنا من الاشارة إلى عدّة نقاط :
الاُولى : المقصود بالعَلميّة في هذا الكتاب : هو أن يكون للمرأة موقف يُقتدى به ، بغضّ النظر عن مستواها العلمي والثقافي . فنحن نذكر الراويات والمحدّثات والمجتهدات
والفقيهات والمؤلّفات والأديبات والشاعرات ، وغيرهن ، باعتبار أنّ كلّ واحدة منهنّ يمكن أن تصبح قدوة في الدور الذي أدّته في الحياة .
وإلى جانب ذلك كلّه نذكر المجاهدات وصاحبات المواقف البطوليّة وإن كُنَّ اُم ّيات لا يقرأن ولا يكتبن ، فالحاضرات في واقعة الطف ، والمشاركات في ثورة العشرين العراقية ، نعتبر كلّ واحدةٍ منهنّ عَلماً وصاحبة موقف بطولي يُقتدى به .
الثانية : المقصود بالإيمان هو المعنى الخاص لا العام ، فنذكر مَن تيّقنا أنّها مؤمنة أو غلب الظنّ القوي على ذلك .
الثالثة : بعض التراجم احتلّت مساحةً كبيرةً من هذا الكتاب ، والبعض الآخر لم تستوعب ترجمتها سوى عدّة سطور رحمه الله وذلك ناشىَ عن المعلومات المتوفّرة لدينا عن المترجَم لها ، أو حجم الدور الذي أدّته في الحياة .
الرابعة : لم نجعل كتابنا هذا علميّاً جافّاً ، ولا ثقافياً سطحيّاً ، بل أمر بين أمرين . فجمعنا بين الجانب العلمي الرزين ، حيث وقفنا على النقاط العلميّة التي تحتاج إلى وقفة وتأمّل . وبين الجانب الثقافي العام ، فحاولنا قدر الامكان تبسيط لغة الكتاب والابتعاد عن استعمال المصطلحات الغريبة .
وتعرّضنا أيضاً في أثناء سرد التراجم إلى ذكر نكاتٍ ثقافيّة ومعلومات اضافيّة ترتبط بصاحبة الترجمة : إمّا بتعريف بسيط لوالدها أو زوجها ، وإمّا بتسليط بعض الأضواء على واقعة معيّنة ، وإمّا بذكر بيت شعرٍ أو عدّة أبي ات اقتضت الحاجة إليها .
كلّ ذلك من أجل أن نجعل مساحة الاستفادة من هذا الكتاب كبيرة ، خصوصاً لنساء عصرنا ، فقد أخبرنا بعض الأخوة والأخوات بأنّهم استفادوا من المعلومات المدرجة فيه عند كتابةِ مقالٍ مُعيّن يُنشر في الصحف والمجلاّت ، أو في تهيئة محاضرة تُلقى في بعض المناسبات .
وأخيراً فإنّنا نؤكد بأنّ التراجم المذكورة في هذا الكتاب لا تُمثّل العدد الواقعي للنساء المؤمنات اللواتي كان لهنّ مواقف في الحياة ، بل هذا ما تعرّفنا عليه وتوصّلنا إليه خلال
مطالعاتنا ومتابعاتنا القاصرة . فالرجاء من القرّاء الكرام أن لا يضنّوا علينا بأيّة ملاحظة أو تصويب ، فالعصمة لله وحده ، والمرء قليل بنفسه كثير بأخيه ، والحمد لله ربّ العالمين .
محمّد الحسّون ـ اُم علي مشكور
23 محرّم 1418هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله سابغ النعم ، واهب الحكم . والصلاة والسّلام على رسوله العَلَم الأعلم ، ذي الخُلق المعظّم ، الذي شهدت بفضله ياسين والقلم ، سيّدنا ومولانا ، نبيّنا ومقتدانا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى آله كاشفي الظلم ، وهداة العرب والعجم ، وعلى صحبهم الأخيار وتابعيهم من شتى الاُم م ، ولأعدائهم أسفل درك في جهنم .
وبعد ،
لقد حظيت المرأة المسلمة بمراتب عُليا في ظلّ دينها الحنيف ، فبيّضت بمواقفها الصحائف ، وأعلنت شموخ شخصيتها ، من خلال أدوارها المشرّفة في كلّ مجال وحين . فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد ، فالفقه والحديث ، والشعر والنثر ، والجهاد : إمّا بالحضور في سوح المعارك ، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور .
ولكن ، للأسف لم يطّلع العالم ـ والمرأة خصوصاً ـ على هذه الأسرار ، حيث ضياؤها مخفيّ في غور المكتبات ، وأسماء أعلام نساء الدين الحنيف مبعثرة في أوراق صارت طعاماً للحشرات والآفات ، وذلك ناتج من عدم اهتمام المؤرخّين بالمرأة .
فعندما لاحظنا وتعرّفنا على مواقف المرأة في مختلف الأزمنة والعصور ، خطرتْ في بالنا فكرة تأليف كتاب جامع لأكبر عدد ممكن من أعلام نساء الإيمان ذوات المواقف المشهودة . فتوكلنا على الحيّ القيّوم ، وشرعنا بتأليف هذا الكتاب ، واستمر عملنا الدؤوب
في فترة تجاوزت الثلاث سنين ، وهو الآن بين يديك أيها القارىء الكريم ، فأملنا ورجاؤنا الوحيد أن تُعطي للكتاب حقّه ، وتتّخذين أيتها الاُخت المؤمنه هذه النسوة قدوة لك واُسوة حسنة رحمه الله لكي تنتهي إلى ما انتهت إليه تلك النساء من كمال ورفعة شأن وشموخ شخصيّة .
وكان منهجنا في تأليفه هو البحث عن كلّ كتاب يتعرّض لتراجم النساء ، صالحها وطالحها ، مستقلة أو منضمّة إلى تراجم الرجال . والله يعلم ما حجم المعاناة التي كنّا نعانيها في سبيل الحصول على هذه الكتب ، فكتاب من هذا الصديق ، وآخر من تلك المؤسسة أو المركز العلمي ، وهكذا نسعى وراء كلّ كتاب نسمع به ، فجزى الله الذين أعارونا كتبهم أحسن جزاء المحسنين .
وعند حصولنا على كتاب فيه تراجم نقوم بإستقرائه ، ونثّبت الصالح منه ، وأثناء ذلك نتعّرف على كتب اُخرى فنسعى للحصول عليها ، ونثّبت ما نراه جيّداً منها ، وبذلك نكون قد استقرأنا عدداً كبيراً من الكتب سجّلناها في آخر الكتاب في فهرس للمصادر ، وبعض المصادر التي لم نحصل عليها كنّا ننقل عنها بالواسطة .
وبعد فترة من العمل الجاد والمثابر تجمّعت لدينا ترجمة أربعمائة امرأة تقريباً لهنّ دور في المجتمع الإسلامي ، وتخيّرنا هنا بين أمرين :
الأول : تقديم التراجم بعد أخذها من الموسوعات دون الرجوع إلى المصادر الرئيسية التي اعتمد عليها مؤلفو هذه الموسوعات .
الثاني : الرجوع إلى كلّ المصادر الرئيسية المعتمدة ، وجعل الموسوعات مجرد كشّاف لمعرفة أكبر عدد ممكن من التراجم ، فأعلام النساء ، وأعيان الشيعة ، ومعجم رجال الحديث ، وغيرها من الموسوعات تعتمد على مصادر رئيسية .
فاخترنا الأمر الثاني مع ما فيه من الصعوبة البالغة ، فكنّا نذهب إلى المكتبات أو نجلب بعض الكتب إلى البيت من أجل التعرّف على صحّة ما هو موجود في الموسوعات ، وتثبيت أرقام صفحات تلك المصادر ، وقد استغرقت هذه العمليّة وقتاً كبيراً . ونتيجة لذلك فقد تعرّفنا على ما وقع فيه بعض المؤلّفين من أخطاء ، ونشير إلى بعضها على سبيل المثال لا
الحصر :
ففي معجم رجال الحديث نرى أنّ السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه يذكر اُمي الصيرفي ـ وهو راوٍ للحديث ـ في الجزء23 المختص بالنساء ، ويقول :
اُمي الصيرفي : روى الشيخ بسنده عن حنان عن اُمي الصيرفي أو بينه وبينه رجل ، عن عبدالملك بن عمير القبطي . التهذيب : الجزء9 ، باب ميراث أهل الملّة المختلفة ، الحديث1311 .
ثم قال : كذا في الطبعة القديمة على نسخة ، وفي نسخة اُخرى منها : حنان ، عن أبي الصيرفي ، وهو الموافق لما رواه في الإستبصار الجزء4 ، باب انه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر ، الحديث715 ، وفيه : عبدالملك بن عمر القبطي أيضاً ، والوافي والوسائل كما في هذه الطبعة من التهذيب (1) .
وعند مراجعتنا للمصادر نرى أنّ اُمي الصيرفي رجل وليس امرأة ، وقد اشتبه الأمر على السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه فحسبه امرأة وذكره في الجزء 23 المختص بذكر النساء . علماً بأنّه ذكر اُمي الرواني في مكان آخر من معجمه ، قال :
اُمي الرواني : من أصحاب الصادق عليه السلام ، ذكره البرقي وقال : صيرفي كوفي ، وفي كتاب سعد : مرادي (2) .
وفي أعيان الشيعة قال السيّد محسن الأمين :
شراجة الهمدانية : قد وقعت في طريق الصدوق رحمه الله في باب ما يجب من التعزير والحدود في رواية شعيب العرقوفي ، عن أبي بصير ، وليس لها ذكر في كتب الرجال (3) .
وعند مراجعتنا للفقيه نجد الرواية هكذا :
1 ـ معجم رجال الحديث 23 : 182 ، رقم 15598 .
2 ـ معجم رجال الحديث 3 : 233 رقم 1537 .
3 ـ أعيان الشيعة 7 : 335 .
وخرج أمير المؤمنين عليه السلام بشراجة الهمدانية فكاد الناس يقتل بعضهم بعضاً من الزحام ، فلمّا رأى ذلك أمر بردّها حتى خفّت الزحمة ، ثم اُخرجت وأغلق الباب ، قال : فرموها حتى ماتت ، ثم أمر بالباب ففتح ، قال : فجعل مَن دخل يلعنها . . . . . . (1)
ويتّضح من هذه الرواية أنّ شراجة الهمدانية امرأة زانية أقام الإمام علي عليه السلام عليها الحدّ ، فاشتبه الأمر على السيّد الأمين فحسبها واقعة في طريق الصدوق ، وأوردها في كتابه المختص بذكر سِير وتراجم أعيان الشيعة رجالاً ونساءً . علماً بأنّه يذكر عدداً كبيراً من النساء وفي نهاية الترجمة يقول : ولا نعلم أنّها من شرط كتابنا ـ أي من الشيعة ـ وذكرناها لذكر الشيخ لها .
وعند مراجعتنا لكتاب الرجال للشيخ الطوسي رحمه الله نرى أنّه لم يقتصر على ذكر ترجمة الشيعة فقط ، بل حتى أنّه يذكر أسماءً عُرفت بعداوتها لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، إذاً فمجرد ذكر الشيخ لأحد لا يستلزم كونه شيعياً ، إلاّ إذا دلّت قرائن اُخرى على ذلك .
وفي تراجم أعلام النساء قال مؤلّف الكتاب الشيخ محمّد حسين الأعلمي الحائري :
زرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الكوفية ، كانت ممن يُعين عليّاً يوم صفين ، فقال عليه السلام لأصحابه : أيكم يحفظ كلام الزرقاء ؟
فقال القوم : كلنّا نحفظه يا أمير المؤمنين .
قال : فما تشيرون عليّ فيها ؟
قالوا : نشير عليك بقتلها .
قال : بئس ما أشرتم عليَّ به ، أيحسن بمثلي أن يتحدّث الناس أني قتلت اُم رأة بعد ما ملكتُ وصار الأمر لي ، ثم دعا كاتبه في الليل فكتب إلى عامله في الكوفة أن أوفد إليّ الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدّة
1 ـ من لا يحضره الفيه 4 : 16 ، حديث 28 .
من فرسان قومها ، ومهّدها وطاءً ليناً واسترها بستر خصيف ، والتفصيل في بلاغات النساء ص32 (1) .
وعند مراجعتنا لبلاغات النساء وغيره من المصادر الاُم وجدنا أنّ الشيخ الحائري وقع في خطأ فظيع لايُغتفر ، إذ أنّ الكلام المتقدّم : ( أيكم يحفظ كلام الزرقاء . . . . . ) هو لمعاوية ابن أبي سفيان وليس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو واضح لأي قارىء متأمّل ، إذ كيف يشير أصحاب علي عليه السلام ـ لو كان الكلام لعلي عليه السلام ـ بقتلها وقد نصرته في حرب صفين .
ولعلّ الحائري اشتبه عليه الأمر عندما قرأ عبارة ( أمير المؤمنين ) ، فتصوّرَ أنّ الكلام للإمام علي عليه السلام ، وغاب عنه أنّ معاوية بن أبي سفيان يلقّب بهذا اللقب زوراً ، وهو أمير الفاسقين لا غير .
وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه الشيخ الحائري ، فهناك أخطاء كثيرةً وزّلات كبيرة في كتابه المذكور ، فمثلاً أخطأ عند ذكر « زوج سكينة » ، إضافة إلى أنّه ذكر تراجم عدد من النساء الطالحات ، فنراه يذكر فريدة المغنية ويصفها بجودة الغناء ، ثم يذكر قرّة العين ، تلك المرأة المنحرفة التي اتفق الجميع على لعنها والبراءة منها ، ويذكر أيضاً العجوز المكّارة ، وكيف أنّها كانت تجيد المكر في سبيل إغراء الفتيات وايقاعهنّ في الرذيلة .
ونراه أيضاً يختار ترجمة الأيام الاُولى من حياة فضل الشاعرة ، ولا يتعرّض لسوء عاقبتها وانحرافها ، وغير ذلك من التراجم التي كان الأولى عدم ذكرها .
ولا ندري ما غرض الشيخ الحائري من ذكر أمثال هذه التراجم ، أهو لتكبير حجم الكتاب ؟ أو لكثرة عدد التراجم ؟ أو لأي شيء ؟ . ولا شك ولا ريب أنّ هكذا كتاب لا فائدة فيه ، وبالأخص عند قراءة فتيات عصرنا له ، حيث إنّهنّ يتطّلعنَ لمعرفة المكانة السامية للمرأة في الإسلام ، وما أدّته من أدوار بطوليّة ومشرّفة عَبرَ التأريخ الإسلامي .
ولم يكتف الشيخ الحائري بذلك ، بل صدّر كتابه بمقدمة أخذت من حجم الكتاب 189
1 ـ تراجم أعلام النساء 2 : 118 .
صفحة ، تعرّض فيها لبعض ما يتعلّق بالمرأة كالحجاب ، والزواج والحث عليه ، وصفات الزوجة ، والكفاءة ، وحقّ الزوجة والأولاد ، ثم أفرد باباً خاصاً تحت عنوان : « كيفية المعاشرة والمجامعة مع النساء » ، وليته لم يكتب هذا الباب ولم يتعرّض لهذا الموضوع رحمه الله لأنّه ليس من شأنه ، ولمنافاته لغرض الكتاب .
فإن قلتَ : ألم يتعرّض غيره من العلماء لهذه المواضيع في كتب شتى معروفة لدى الكثير من الناس ؟
قلنا : إنّهم تعرّضوا لذلك في كتب ترفيهية على شكل كشكول ، أو كتب كان الغرض الأساسي منها هذه المواضيع ، لا كما فعله الشيخ الحائري ، فإن الغرض من كتابه ذكر تراجم النساء . ولو أن فتاةً قرأت هذا العنوان « تراجم أعلام النساء » وأخذت هذا الكتاب وفتحته فرأت فيه هذا الباب ، فما عساها أن تقول ؟ ! .
وفي رياحين الشريعة ذكر المحلاّتي ترجمة فضيلة الشاعرة نقلاً عن فوات الوفيات لمحمّد بن شاكر الكتبي ، وقد أثنى عليها ، وذكر بعضاً من أشعارها ، وقال :
إنّها كانت شيعية ، لها اعتبار عند الخلفاء ، وكانت تتوسّط لأهل مذهبها عندهم (1) .
وعند مراجعتنا لفوات الوفيات وجدنا أنّ اسم هذه الشاعرة « فضل » وليس « فضيلة » ، ثم إنّ المحلاتي ذكر قسماً من ترجمتها من فوات الوفيات ولم يذكر الترجمة كاملة ، حيث فيها :
وعشقت ـ فضل ـ سعد بن حميد ، وكان من أشد الناس نصباً وانحرافاً عن آل البيت رضي الله عنهم ، وكانت فضل نهاية في التشيع ، فلمّا هوته انتقلت إلى مذهبه ولم تزل على ذلك إلى أن توفّيت (2) .
فيتّضح من هذا سوء عاقبتها وانحرافها عن أهل البيت : علماً بأنّ اسم الكتاب « رياحين
1 ـ رياحين الشريعة 5 : 38 .
2 ـ فوات الوفيات 3 : 185 رقم 393 .
الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة » ، فكان الأفضل عدم ذكرها . وعند مطالعة هذا الكتاب نجد تراجماً كثيرة جداً لا ينطبق عليها هذا العنوان ، فهذه مغنّية ، وتلك جارية جميلة عند العباسيين ، واُخرى شاعره مبدعه ووو . . . . ثم انّه عقد باباً خاصاً لذكر النساء الطالحات والمعروفات بالفحشاء أمثال النابغة اُم عمرو بن العاص ، وهند ، وزوجة أبي لهب ، وسجاح ، وفطام ، وامرأة لوط ، وغيرهنّ من النساء .
وفي أعلام النساء قال عمر رضا كحالة :
اُم علي بنت محمّد بن مكي العاملي الجزيني ، فقيهة فاضلة عابدة ، وكان والدها المتوفى سنة 786هـ . يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع اليها (1) .
وهذا خطأ واضح ، إذ أنّ اُم علي هي زوجة الشهيد الأوّل محمّد بن مكي الجزيني العاملي وليست بنته ، وابنته هي اُم الحسن فاطمة المدعوة بست المشايخ ، وكانت فاضلة صالحة عابدة ، تروي عن أبي ها وعن ابن معيّة شيخ أبي ها . علماً بأنّ كحالة قد ذكر اُم الحسن بنت الشهيد الأوّل في موضع لاحق من كتابه (2) .
والغريب في الأمر أنّ الشيخ محمد رضا الحكيمي ذكر ترجمة اُم علي في كتابه أعيان النساء (3) يلا نقلاً عن كحالة في أعلام النساء ، ولم يكلّف نفسه ولو قليلاً بمراجعة ما اعتمد كحالة في هذه الترجمة ، لذلك نراه يقع في عين الخطأ الذي وقع فيه كحالة ، علماً بأنّه قد ذكر اُم الحسن ست المشايخ في صفحة لاحقة من كتابه (4) .
وبعملنا هذا نكون قد حصلنا على ترجمة أربعمائة امرأة مؤمنة لهنّ دور مشرّف في المجتمع الإسلامي ، وفي هامش كلّ ترجمة أكبر عدد ممكن من المصادر التي توصّلنا
1 ـ أعلام النساء 3 : 332 .
2 ـ أعلام النساء 4 : 139 .
3 ـ أعيان النساء : 335 .
4 ـ أعيان النساء : 510 .
إليها . واقتصرنا في بحثنا على مَن تَيَقَنّا أنّها مؤمنة أو غلب الظنّ على ذلك رحمه الله لأنّا لم نجد مَن كتب بهذه الصورة ، إضافة إلى اعتقادنا بفائدة هكذا بحث وتأثيره في المجتمع ايجابياً ، لا كمن كتب عن صالح النساء وطالحهنّ ، فهذه مغنّية مشهورة ، وتلك زانية معروفة ، واُخرى فائقة في الجمال لا غير .
ولا ندّعي أنّنا قد حقّقنا كُلَ ما كنّا نصبوا إليه ، ولا يمثّل هذا العدد الذي ذكرناه ـ كمّاً ونوعاً ـ حقيقة الأدوار البطولية التي أدّتها المرأة المؤمنة ، بل انّه يعكس لنا بعضاً من المواقف المشرّفة التي وقفتها المرأة المؤمنة ، فحتماً هناك عدد كبير من التراجم التي لم نتعرّف عليها ، لعلّنا نعرفها وننشرها في الطبعة الثانية لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
وقبل أن تتعرّف عزيزي القارىء على ما أوردناه من تراجم في هذا الكتاب ، لابدّ لك من التعرّف على الأدوار التي مرّت بها المرأة ، سواء قبل الإسلام أو في عالمنا الحاضر . ومن أجل أن تُجيب عن تلك التخرّصات والإفتراءات والأراجيف التي يطلقها أعداء الإسلام اليوم ، وما يثيرونه من شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ، ويدّعون بأنّ النظام الإسلامي قد حرم المرأة من حقوقها ، وجعلها في سجن مفتاحه بيد الرجل ، وأنقصها ميراثها ، وفرض عليها الحجاب ، ومنعها من التعلّم ، إذاً فالمرأة المسلمة مظلومة دون غيرها من النساء .
ومن أجل أن نتعرّف على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي ، وما أعطاها الإسلام من حقوق وما فرض عليها من واجبات ، لابدّ من دراسة أحوال المرأة وحقوقها في المجتمعات الاُخرى ، سواء تلك التي كانت قبل الإسلام ، أو التي نعاصرها الآن من مجتمعات غربية وشرقية ، والتي تدّعي التحضّر والتمدّن . ثم نقارن بينها وبين ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق ، ونعرف مَن الذي بخسَ حقّها وظلمها وأنزلها إلى الحضيض وجعلها تبعاً للرجل ، بل لعبة في يده يميل إليها متى جاع وينبذها نبذ النواة متى شبع .
نستطيع أن نُقسّم الاُم م التي سبقت الإسلام إلى : اُم م متمدّنة ، واُخرى غير متمدّنة .
ونقصد بالمتمدّنة : تلك التي تحكمها بعض الرسوم والعادات الموروثة ، كبلاد الصين والهند ومصر وايران .
وغير المتمدّنة : هي المجتمعات الوحشيّة والهمجيّة التي لا ضابط لها في الحياة غير القوّة والسطوة ، شأنهم في ذلك شأن الحيوان ، كبلاد أفريقيا واستراليا وأمريكا القديمة . وكانت المرأة في المجتمعات المتمدّنة أفضل نوعاً ما من المجتمعات غير المتمدّنة .
حياة النساء في هذه الاُم م كحياة الحيوانات بالنسبة إلى الرجل ، فكما أنّ للرجل حقّاً في امتلاك الحيوانات والاستفادة من لحمها وشعرها وصوفها وحليبها ، والركوب عليها وحمل الأثقال من مكان إلى آخر ، وغيرها من التصرّفات المشروعة ، بل حتى غير المشروعة من قتل وايذاء . كذلك كانت المرأة عندهم ، كانت حياتها تبعيّة لحياة الرجل ، وأنّها لم تُخلق لذاتها بل خلقت لأجل الرجل ، ووجودها فرع لوجود الرجل ، ومكانتها مكانة الطفيلي بالنسبة للرجل ، وليس لها من حقوق إلاّ ما رآه الرجل حقّاً له أوّلاً .
فكان لوليّها ـ الأب أو الزوج ـ أن يبيعها ، أو يهبها ، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو الإستيلاد ، أو لأيّ غرض من أغراض الإقراض . بل كان له أن يسوسها حتى بالقتل ، أو يتركها حتى تموت ، أو يذبحها ويأكل لحمها في المجاعات .
وفي مقابل هذا كلّه ما كان على المرأة إلاّ أن تطيع الرجل وتنفّذ أوامره ، فهي تقوم بأمر البيت وتربية الأولاد ، وكل ما يحتاجه الرجل . بل كانت تقوم بأعمال شاقّة فوق قدرتها وطاقتها ، فهي تحمل الأثقال ، وتعمل الطين وغيرها من الحرف والصناعات .
ولكلّ اُمّة من هذه الاُم م خصائل وخصائص وعادات وتقاليد وآداب وسنن خاصة بها ،
ورثتها من التي سبقتها ، نتعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى .
الاُمم المتمدّنة :
كانت المرأة في هذه الاُم م أرفه حالاً بالنسبة إليها من الاُم م غير المتدّنة ، فلم تقتل ولم يؤكل لحمها ولم تستقرض ، وكان لها حقّ تملّك بعض الأموال من الإرث وغيره ، إلاّ أنّها كانت تحت ولاية الرجل وقيمومته ، فلا استقلال لها ولا حريّة ، فلا تنجز عملاً إلاّ بعد موافقة وليّها ، ولا تتدخل في شؤون الحياة أبداً ، بل كان عليها أن تختص ب اُم ور البيت والأولاد ، وأن تطيع الرجل في كلّ ما يأمرها ، وتُمنع من أي معاشرة خارج منزلها ، وليس لها أن تتزوّج بعد موت زوجها ، بل إمّا أن تُحرق معه ، أو تبقى ذليلة بعده ، أو يتزوجها بعض محارمها .
وكان للرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، ويلحق الأولاد بأقوى الأزواج . وفي أيام الحيض كان عليها أن تنفرد عن عائلتها بمأكلها ومشربها رحمه الله لأنّها نجسة خبيثة . ولكلّ اُم ة من هذه الاُم م مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع نتعرض لها بإيجاز .
ساد شرع حامورابي في المجتمع الآشوري ، فكانت القوانين التي تطبّق هي القوانين التي وضعها حامورابي في لوحته المعروفة ، والتي منها تبعيّة المرأة للرجل ، وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل .
ومن السلبيات التي كانت سائدة آنذاك أنّ الزوجة إن لم تُطع زوجها ، أو استقلت بعمل معيّن دون مشاورته ، كان يحقّ للرجل أن يخرجها من بيته ، أو يتزوّج عليها زوجة اُخرى ، ويتعامل مع الاُولى معاملة ملك اليمين . بل انّ الزوجة إن أخطأت في تدبير شؤون المنزل كان لزوجها أن يرفع أمرها إلى القاضي ، ثم يغرقها في الماء .
اذاً فالمرأة الآشورية كانت ملكاً للرجل ، لا فرق بينها وبين الحيوان ، فالرجل يمسكها متى أراد ، ويطلّقها متى شاء . وله الحقّ في أن يحرمها من التملك ، وما عليها إلاّ تنفيذ أوامر الرجل .
لم تكن المرأة السومريّة أفضل من الآشوريّة ، بل كانت تُعامل معاملة فَضّة غليظة ، شأنها شأن المـرأة في جميع الشعوب في تلك الأزمنة ولم تكن مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجـاورة ، فكانوا يعاملونها على أنّها تابعـة للرجل ، وما خلقت إلاّ لإسعاد الرجل .
تعتبر الروم من أقدم الاُم م وضعاً للقوانين المدنيّة ، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ، ثم أخذوا في تكميله تدريجياً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولربّ البيت ـ وهو زوج المرأة وأبو أولادها ـ نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت ، كما كان هو يعبد مَن تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الإختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض .
وكانت النساء ـ نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت ـ أردأ حالاً من الرجال حتى الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهنّ لم يكنّ أجزاء للاجتماع المدني ، فلا تسمع لهنّ شكاية ، ولا تنفذ لهنّ معاملة ، ولا تصح منهنَّ في الاُم ور الإجتماعية مداخلة ، لكن الرجال أعني الذكور من الأدعياء ـ فإن التبنّي وإلحاق الولد بغير أبي ه كان معمولاً شائعاً عندهم ، وكذا في اليونان وايران والعرب ـ كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الإستقلال ب اُم ور الحياة مطلقاً لأنفسهم .
ولم يكنّ أجزاءً أصيلة في البيت ، بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ،
فكانت القرابة الإجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، وأمّا النساء فلا قرابة بينهن كالاُم مع البنت ، والاُخت مع الاُخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين ، أو الاُم مع الابن ، أو الاُخت مع الأخ ، أو البنت مع الأب . ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة ، نعم القرابة الطبيعية ـ وهي التي يوجبها الإتصال في الولادة ـ كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربّه لها .
وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبي ها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما . يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالإزدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ، لا بالإرث رحمه الله لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبي ها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها (1) .
وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى من الناس . أمّا سرد المقالات الخليعة والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب المكشوف .
1 ـ انظر : الميزان في تفسير القرآن 2 : 264 .
في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند الروم ، فقد كان الإجتماع المدني وكذا الإجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع جرائمها بالإستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل .
اذاً كانت المرأة في عصر اليونانيين في غاية الإنحطاط وسوء الحال من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الإجتماعية ، فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم ، فهي تقضي وقتها في المنزل تغزل وتنسج وتخيط ثيابها وثياب زوجها وأطفالها ، وليس لها من الثقافة شيئاً أبداً حيث كانت تمنع من الذهاب إلى المدارس .
كان المجتمع الصيني يعيش حالة فوضى ، فهو أقرب الى الوحوش من البشر ، لا يضبطهم قانون ولا عادات ، والأبناء يعرفون اُم هاتهم دون آبائهم ، وكانوا يتزاوجون بدون حشمة ولا حياء ، حتى ظهر الحكيم « فوه ـ سي » سنة 2736 قبل الميلاد ، ووضع لهم القوانين وسنّ لهم الأنظمة .
إلاّ أنّ المرأة لم تحصل من هذه القوانين على حقّها ، بل حتى على درجة من الكرامة . فاعتبرها القانون تابعة للرجل ، تنفّذ أوامره وتقضي حاجته ، ولا ميراث لها بل الميراث للذكور فقط . والزواج بالمرأة يعتبر نوعاً من اشتراء نفسها ، ولا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء ، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها ، ويحقّ لمجموعة من الرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والأستفادة من أعمالها .
تعتبر بلاد الهند ذات حضارة عريقة تتصف بطابع العلم والتمدن والثقافة منذ القدم ، ومع ذلك كلّه نراهم يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها . فالمرأة عندهم مملوكة ل أبي ها أو لزوجها أو لولدها الكبير ، محرومة من جميع الحقوق الملكية حتى الإرث ، وعليها أن ترضى بأي زوج يقدّمه أبوها أو أخوها ، وهي مرغمة أن تعيش معه إلى آخر حياته ، ولا يحقّ لها أن تطلب الطلاق مهما كانت الأعذار ، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها ، ولا تخالط العائلة رحمه الله لأنها نجسة خبيثة .
إضافة الى هذا كلّه ، فإنّهم يحرقونها مع زوجها إذا مات ، فكان من عادتهم إذا مات رجل منهم يحرقونه بالنار ، ويأتون بزوجته ويلبسونها أفخر ثيابها وحليّها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران .
ويعتقد الهنود أيضاً أنّ المرأة هي مصدر الشر والإثم والانحطاط الروحي والخلقي .
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، والمجتمع المصري يتميّز بطابع التمدن والرقي . إلاّ أنّ المرأة كانت تعيش الإضطهاد والحرمان ، وتعامل معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم ، وللرجل أن يتزوّج باُخته ، فلا مانع من ذلك ولا رادع ، وكانوا يعتقدون أنّ المرأة لا تصلح لشيء إلاّ ل اُم ور المنزل وتربية الأولاد ، لذلك فهم لا يدعوها تخرج من البيت إلاّ لعبادة الآلهة .
ويعتقدون أنّ فيضان النيل ناتج عن غضبه عليهم ، لذلك يجب عليهم تقديم قرابين له في كلّ عام ، فيختارون أجمل فتاة عندهم ويلبسونها أفخر الملابس ويزيّنوها كأنها عروس ليلة زفافها ، ثم يلقونها في النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم!!!
فكم أخذ النيل فتيات عرائس نتيجة للخرافات السائدة آنذاك ، وبسبب امتهان كرامة
المرأة وظلمها وحرمانها .
لم تكن المرأة الفارسية أوفر حظّاً من صويحباتها الهنديات والمصريات ، فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء ، وهو يعاقبها لأي إساءة أو تقصير في حقّ زوجها .
يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب « الإسلام وتنظيم الاُسرة » : نلاحظ أنّ قوانين « زرادشت » كانت جائرة وظالمة بحقّ المرأة ، فإنّها كانت تعاقبها أشد عقوبة إذا صدر عنها أي خطأ أو هفوة ، بعكس الرجل فإنّها قد أطلقت له جميع الصلاحيات ، يسرح ويمرح وليس من رقيب عليه . فله مطلق الحرية رحمه الله لأنّه رجل ، ولكن الحساب والعقاب لا يكون إلاّ على المرأة .
ويقول أيضاً : كان أتباع « زرادشت » يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمّع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة كان لا مفرّ لها من الإنتحار ، وقد ظلّ هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد الساسانيين خفّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تسجن جزاء عدم إخلاصها أوّل مرّة ، حتى إذا كررت عملها صار لا مفرّ لها من الإنتحار .
ويقول أيضاً : بينما كان يحقّ للرجل من أتباع « زرداشت » أن يتزوّج من امرأة غير زرادشتيه ، فإنّه لم يكن يحقّ للمرأة أن تتزوّج من رجل غير زرداشتي ، وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الإضطهاد والحرمان . وأمّا الرجل فله الحريّة في التصرّف على هواه وهو المالك رحمه الله لأنّه رجل .
يسكن العرب الجاهيلة في شبه الجزيرة العربية ، وهي منطقة جافة حارّة جدبة الأرض ، معظمهم قبائل بدويّة بعيدة عن الحضارة والمدنيّة . يعيشون بشنِ الغارات والسلب والنهب ،
ويتّصلون بإيران من جانب ، وبالروم من جانب ، وببلاد الحبشة من جانب آخر .
إذاً فحياتهم حياة قساوة وتوحّش فرضتها البيئة عليهم ، لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم ، وربما تجد عندهم بعض العادات الهنديّة والمصريّة والروميّة والإيرانيّة .
ولم يكن العرب ينظرون إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ، ولم يعطوها درجة من الكرامة ، فهي فاقدة الإستقلال في حياتها ، تابعة ل أبي ها أو لزوجها ، لا يحقّ لها التصرّف بأي شيء إلاّ بموافقة وليّها ، ولا تملك شيئاً ولاترث ـ حتى لو كان من نتاج عملها ـ بل هي وما تملك لوليها . وليس لها المطالبة بأي شيء رحمه الله لأنّها لا تذود عن الحِمى في الحرب . وزواجها يرجع إلى أمر وليّها ، وليس لها حقّ الإعتراض ولا المشورة .
ويحقّ للولد أن يمنع أرملة أبي ه من الزواج ، بأن يضع عليها ثوبه ويرثها كما ورث أبي ه ، ويحقّ له أن يتزوّجها بغير مهر ، أو يزوّجها لمن يشاء ويأخذ مهرها . وبقيت هذه العادة سائدة عندهم حتى بُعث النبّي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحرّم الله هذا الزواج ، حيث إنّ كبشة بنت معن بن عاصم امرأة أبي قيس بن الأسلت انطلقت إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقالت له : إنّ أبا قيس قد هلك ، وإنّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم نزلت الآية الكريمة : ﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ (1) ، فهي أوّل امرأة حرمت على ابنزوجها .
روي عن ابن عباس أنّه قال :
إذا مات الرجل وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه فيمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوّجها ، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت . وظلّ هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك : ﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ (2)
وكان العربي في الجاهلية يغتم ويضيق صدره إذا ولدت زوجته بنتاً ، بينما كان يفرح ويستبشر إذا جاءه ولد ، وأشار الله سبحانه إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : ﴿ واذا بُشّر أحدهم
1 ـ النساء : 21 .
2 ـ تفسير الطبري 4 : 207 .
ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم ﴾ (1) .
كانوا يعاملونها معاملة حقيرة حتى أنّهم جعلوا صفة الضعف والصغار والهوان ملازمة لها ، واستعملوا كلمة المرأة في الإستعارة والكناية والتشبيه ، بها يقرّع الجبان ، ويؤنّب الضعيف ، ويلام المخذول المستهان والمستذل المتظلم .
قال الشاعر زهير بن أبي سلمى يهجو حِصن بن حذيفة الفزاري :
وقد أكثر الشعراء في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد ، وعجزها عن العمل والمقاومة ، في حين أن البنين أقوى منهنّ ، ويتاح لهم ما لا يتاح لهنّ .
قال أحدهم :
ولعلّ أبرز مظاهر ظلم المرأة في الجاهلية هي مسألة وأد البنات ، تلك العادة القبيحة اللاإنسانية التي كانت واسعة الانتشار في تلك الأيام في الجزيرة العربية عند أهل البادية في الصحراء وفي بعض المدن المتحضّرة .
ويختلف سبب الوأد عند القبائل ، فمنهم من يَئد البنات غيرة على العرض ومخافة من لحوق العار رحمه الله لأنّهم أهل سطو وغزو ، وكانت الذراري تساق مع الغنائم ، ويؤخذ السبي فتكون بناتهم عند الأعداء ، وهذا منتهى الذل والعار .
قال أحد شعرائهم :
1 ـ النحل : 58 .
2 ـ الكشّاف 4 : 367 ، الصحاح 5 : 2016 ، لسان العرب 1 : 504 « قوم » .
وكانت بنو تميم وكندة من أشهر القبائل تئد البنات خوفاً رحمه الله لمزيد الغيرة .
ومنهم من يئد البنات لا لغيرة أو خوف من عار ، بل إذا كانت مشوّهة أو بها عاهة ، مثلاً إذا كانت زرقاء أو سوداء أو برشاء أو كساح ، ويمسكون من البنات من كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذلّ وعلى كره منهم .
ومنهم من يئد البنات خوف الفقر والفاقة رحمه الله لأنّ العرب يعيشون في أرض قاحلة لا كلأ فيها ولا ماء ، فتمرّ عليهم سنون شديدة قاسية ، فيضطرون لأكل العلهز ، وهو الوبر بالدم ، وذلك من شدةّ الجوع ، وإلى هذا أشار تعالى في قوله :
﴿ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ﴾ (1) .
وقال عزّ وجل :
﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرّموا ما رزقهم الله إفتراءً على الله قد ضلّوا وما كانوا مهتدين ﴾ (2) .
وقال تعالى :
﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً ﴾ (3) .
وأوّل من وأد بنته هو قيس بن عاصم ، في قصة معروفة يرويها لنا التأريخ ، وهي أنّ بني تميم منعوا الملك النعمان ضريبة الأتاوة التي كانت عليهم ، فجرّد عليهم النعمان أخاه الريان مع إحدى كتائبه ، وكان أكثر رجالها من بني بكر بن وائل ، فإستاق النعمان سبي ذراريهم ، فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر وكلموه في الذراري ، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء ، فأية امرأة اختارت زوجها ردّت إليه ، فشكروا له هذا الصنيع . وكانت من بين النساء بنت قيس بن عاصم ، فاختارت سابيها على زوجها ، فغضب
1 ـ الأنعام : 151 .
2 ـ الأنعام : 140 .
3 ـ الإسراء : 31 .
قيس بن عاصم ونذر أن يدسّ كل بنت تولد له في التراب ، فوأد بضع عشرة بنتاً .
وقيل : إنّ أوّل قبيلة وأدت من العرب هي قبيلة ربيعة ، وذلك على ما يروى أنّ قوماً من الأعراب أغاروا على قبيلة ربيعة وسبوا بنتاً لأمير لهم ، فاستردّها بعد الصلح وبعد أن خيّروها بين أن ترجع إلى أبي ها أو تبقى عند مَن هي عنده من الأعداء فاختارت سابيها وآثرته على أبي ها ، عند ذلك غضب الأمير وسنّ لقومه قانون الوأد ، ففعلوا غيرة منهم وخوفاً من تكرار هذه الحادثة .
ومن خلال هذه القصة التي سنذكرها ، يتّضح لنا مدى فظاعة هذا العمل وشناعته ، وقساوة قلوب القائمين به وخلوّها من الرحمة والرأفة والشفقة :
روي أنّ رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان مغتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مالك تكون محزوناً ؟ »
فقال : يا رسول الله ، إنّي أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألاّ يغفره الله لي وإن أسلمت .
فقال له : « أخبرني عن ذنبك ؟ » .
فقال : يا رسول الله ، إني كنتُ من الّذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت ، فتشفّعت إليّ امرأتي أن أتركها ، فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء ، فخطبوها فدخلتني الحميّة ، ولم يحتمل قلبي أن اُزوّجها ، أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني اُريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرَّت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألاّ أخونها .
فذهبتُ إلى رأس بئر فنظرتُ في البئر ، ففطنت الجارية أني اُريد أن اُلقيها في البئر ، فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي ؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أَبت لا تظيع أمانة اُمي ، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت قتلتني ، ومكثت هناك حتى انقطع صوتها ، فرجعت .
فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وقال : « لو اُم رت أن اُعاقب أحداً بما فعل في
الجاهلية لعاقبتك » .
وفي بعض كتب التأريخ أنّ العرب كانوا يحفرون حفرة ، فإذا ولدت الحامل بنتاً ولم يشأ أهلها الإحتفاظ بها رموها في تلك الحفرة ، أو أنهّم كانوا يقولون لل اُم بأن تهيء ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها ، فإذا زيّنت وطيّبت أخذها أبوها إلى حفرة يكون قد احتفرها فيدفعها ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة في الأرض .
عرفنا فيما سبق حالة المرأة في المجتمعات التي سبقت الإسلام ، وكيف أنّهم كانوا يعاملونها معاملة مزرية ، وينظرون إليها نظرة تبعيّة ، ويحرمونها من أبسط حقوقها .
أمّا المرأة العصرية ، والتي تسير تحت ظلّ الحضارة الغربيّة أو الشرقيّة ، فإنّها لم تصبح أحسن حالاً من تلك التي عاشت في العصور السابقة ، مع فارق الأساليب .
فهي تعيش في مجتمع يدّعي الحضارة والمساواة ، ويدّعي أنّه ضمن للمرأة كلَ ما تحتاجه من حقوق ، والواقع عكس ذلك تماماً . فإن كانت المجتمعات السابقة تنظر للمرأة نظرة تبعيّة محضة ، فاليوم يسيطر الرجل على المرأة ، وينال منها ما يريد بإسم الحريّة والمساواة .
فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش أقصى درجات الإنحطاط والتمتّع والفساد ، وخير دليل على ذلك شهادة زعيمي الشرق والغرب :
يقول كندي :
إنّ الشباب الأمريكي مائع منحل منحرف غارق في الشهوات ، وإنّه من بين كلّ سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين بسبب انهماكهم في الشهوات ، واُنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا .
وقال خروشوف :
إنّ الشباب الشيوعي قد بدأ ينحرف ويفسده الترف .
إذاً فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش اليوم حياةً بعيدةً عن القيم والأخلاق ، فهمُّ كلّ فرد منهم سدّ حاجته ، لذلك نراهم يلهثون وراء لقمة العيش وبأي اُسلوب كان .
ومن الطبيعي أن تجري المرأة هذا الجريان في حياتها ، حيث انعدام الروابط العائليّة ، فما أن تبلغ البنت سن الرابعة عشر حتى يتوجّب عليها أن تسعى وراء سد حاجاتها ، والحصول على ما يكفل لها ذلك .
فالمرأة في الجتمع الغربي والشرقي وإن حصلت على بعض الحقوق من جانب معيّن ، إلاّ أنّها فقدت كرامتها وشرفها وعزّها من جانب آخر . فالرجل لا ينظر لها إلاّ نظرة تبعيّة ، يسخّرها لما تقتضيه مصلحته ، فينال منها ما يريد لسدّ جوعه الجنسي ، وينبذها عند شبعه ، يجعلها مادة للدعاية المحضة ، يجعل صورتها على كلّ بضاعة بائرة : على الملابس ، السكاير ، قناني المشروبات ، معجون الأسنان ، وحتى على الأحذية ، وغيرها من السِلع .
وأصبح من المحتّم عليها أن تسعى وراء لقمة العيش بأيّ عمل كان ، حتى أنّها تبيع شرفها وكرامتها مقابل ذلك ، ففي إحدى التقارير المرفوعة سابقاً إلى البرلمان البريطاني :
إنّ كثيراً من الزانيات في لندن لسن من المحترفات المتفرّغات لهذه المهنة ، وإنما هنّ من صغار الموظفات ومن طالبات الجامعات أو من المعاهد ، اللواتي يمارسن البغاء إلى جانب أعمالهن ليحصلن على دخل إضافي يمكّنهن من الإنفاق عن سعة على الثياب المغرية وعلى مستحضرات التجميل .
لذلك شاع الفساد والانحلال في هذه المجتمعات ، فهم لا ينظرون إلى المرأة إلاّ أنها اُلعوبة في أيديهمم يتمتّعون بها متى شاؤا . وقلّت نسبة الزواج الشرعي هناك ، فقد جاء في مقال نشرته إحدى الصحف الألمانية : إنّ الأولاد الصغار بين 14 ـ 16 سنة الّذين يتأهلون للعمل يقولون حينما يبحث أمر الزواج أمامهم : أنا أتزوّج ؟ لماذا ؟ ! إنني أستطيع الحصول من أي فتاة في العمل على كلّ ما اُريد دون أن أتزوّجها .
وفي بعض الإحصائيات الصادرة عام 1966م في بريطانيا : إنّ واحدة من كلّ خمس من الإنكليزيات اللواتي تجاوزن سن الخامسة عشر لا تزال عذراء ، ويتوقّع علماء الإجتماع في
سنة 1967م أن تفقد العذرية معناها في انكلترا .
وأصبحت الفتاة عندهم لا تعبأ إن سلب شرفها واُعتدي على كرامتها ، بقدر ما يهمها الجانب المادي الذي سيطر على الحياة اليوميّة تماماً . ففي ألمانيا الغربية اعتدى اثنى عشر شاباً في يوم واحد على بنت عمرها 14 سنة ، وبعد انتهاء عملية الإغتصاب توجّهت هذه الفتاة إلى الشرطة لتخبرهم بفقدان محفظتها!!!
وكنتيجة طبيعية لهذا المسلك كثرت الجرائم والاعتداءات وأصبحت شيئاً مألوفاً عندهم ، ففي ألمانيا الغربية لا يمر يوم واحد دون أن تُقترف جريمة غصب واعتداء .
بل وأصبح الشذوذ الجنسي عندهم عملاً مقبولاً ، لا معارض له ، ففي اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية يوجد نادي تنتشر فروعه في كبريات المدن الألمانية ، وهو يدير عمليات تعارف غير مشروعة بين أعضائه من الرجال والنساء ، كما تتم عن طريقه عمليات تبادل مؤقت للزوجات .
أما بريطانيا فتنغمس في الفجور إلى حدود مذهلة ، حتى أنّ الدعوة إلى إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجال استطاعت أن تظفر بالاباحة في مجلسي اللوردات والنوّاب ، وبارك هذه الاباحة معظم الشعب الإنكليزي وعلى رأسه أساتذة الجامعات والأطباء والمفكّرون ، بل وحتى رجال الكنيسة!
وما ذكرناه من معلومات واحصائيات فهي قليلة جدّاً وقديمة نشرت قبل عشرين عاماً تقريباً ، فما ظنّك بما يحصل اليوم ، وقد تطوّرت الأساليب والطرق بشكل كبير جداً .
ومن هذا يتضح جليّاً أمام كلّ منصفٍ وواعٍ مدى الإنحطاط الذي وصلت إليه المرأة عندهم ، فكرامتها مسلوبة وشرفها مباع ، وهي تعيش في الرذيلة بما لهذه الكلمة من معنى .
والتحدّث عن هذا الجانب واستيعابه يحتاج إلى وقت كبير ، ولا تكفيه هذه المقدّمة المختصرة ، وقد كتب عن هذا الموضوع الكثير من علمائنا ومفكرينا ، فمن شاء الإطلاع أكثر فعليه بتلك الكتب .
لقد عرفنا في ما سبق من البحث حالة المرأة في الاُمم الغابرة ، وحالتها في يومنا هذا عند مَن يدّعي التقدّم والحضارة . وعرفنا كيف أنّ الشعوب التي سبقت الإسلام كانت تعامل المرأة معاملة ذلّ وهوان وتبعيّة واضطهاد ، فبعضهم يعتبرها سلعة تباع وتشترى ، وليس لها حقّ الإعتراض على أي شيء ، والبعض الآخر ينظر إليها نظرة احتقار وازدراء ، وبعضهم يجعلها رجس من عمل الشيطان ومصدر كل ذنب وخطيئة ، ومادة الإثم وعنوان الإنحطاط .
وهكذا بقيت المرأة حائرة ضائعة لا تدري ما تفعل ، ولا تجد مَن يساعدها في محنتها ، ولا ترى أمامها إلاّ طرقاً مغلّقة محاطة بالقيود التعسفية .
وأمّا المرأة العصريّة التي تعيش في الغرب أو الشرق أو البلدان التابعة لها ثقافياً ، فقد عرفناها اُلعوبة بيد الرجل ، ومادة للدعاية المحضة . يطلبها الرجل لسدّ حاجته ، وينبذها نبذ النواة عند شبعه ، يضع صورتها على كلّ سلعة غير رائجة ، حتى أنّه امتهن كرامتها ووضع صورتها على الأحذية . نراها تلهث وراء لقمة العيش ، وتبيع كرامتها وشرفها في سبيل حفنة من النقود .
أمّا الإسلام ـ وهو الدين الحنيف الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله ـ فقد أعزّ المرأة وانتشلها من حضيض الذل ومرارة الحرمان ، وجعل لها المكانة العليا في المجتمع ، وساوى بينها وبين الرجل في أكثر المجالات .
ونستطيع أن نقول وبكلّ جزم : إنَّ الشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي منحت المرأة الكثير من الحقوق ، وحباها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بفيض من الرعاية والعناية واللطف ، ووضعها في المكان اللائق بها . فشخصيتها تساوي شخصية الرجل في حريّة الإرادة والعمل ، ولا تفارق حالها حال الرجل إلاّ في ما تقتضيه صفتها الروحيّة الخاصة بها المخالفة لصفة الرجل الروحيّة .
قال العلاّمة الطباطبائي في ميزانه : وأمّا الإسلام فقد أبدع في حقّها أمراً ما كانت تعرفه
الدنيا منذ قطن بها قاطنوها ، وخالفهم جميعاً في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أوّل يوم وأعفت آثارها ، وألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويّتها إعتقاداً ، وما كانت تسير فيها سيرتها عملاً .
أما هويتها :
فإنّه بيّن أنّ المرأة كالرجل إنسان ، وأنّ كلّ إنسان ذكراً أو اُنثى فإنّه إنسان يشترك في مادتّه وعنصره إنسانان ذكر واُنثى ، ولا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى ، قال تعالى :
﴿ يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ (1) .
فجعل تعالى كلّ إنسان مأخوذاً مؤلفاً من إنسانين ذكر واُنثى ، هما معاً وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده ، وهو سواء كان ذكراً أو اُنثى مجموع المادة المأخوذ منهما ، ولم يقل تعالى مثل ما قاله القائل :
وإنّما اُمهات الناس أوعية
ولا قال مثل ما قاله الآخر :
بل جعل تعالى كلاً مخلوقاً مؤلّفاً من كلّ ، فعاد الكلّ أمثالاً ، ولا بيان أتم ولا أبلغ من هذا البيان ، ثم جعل الفضل في التقوى .
وقال تعالى :
﴿ إنّي لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكر واُنثى بعضكم من بعض ﴾ (2) .
فصرّح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيع عند الله ، وعلل ذلك بقوله : ﴿ بعضكم من بعض ﴾ فعبرّ صريحاً بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة : ﴿ إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى ﴾ ،
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ آل عمران : 195 .
وهو أنّ الرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل والسنخ .
ثم يبينّ أنّ عمل كلّ واحدٍ من هذين الصنفين غير مضيّع عند الله ، لا يبطل في نفسه ولا يعدوه إلى غيره ﴿ كلّ نفس بما كسبت رهينة ﴾ (1) .
وإذا كان لكلّ منهما ما عمل ، ولا كرامة إلاّ بالتقوى ، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته ، والعلم النافع ، والعقل الرزين ، والخلق الحسن ، والصبر والحلم . فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان ، أو المليئة علماً ، أو الرزينة عقلاً ، أو الحسنة خلقاً ، أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممنّ لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام كان مَن كان ، فلا كرامة إلاّ بالتقوى والفضيلة .
وفي معنى الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى :
﴿ مَن عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانو يعملون ﴾ (2) .
وقوله تعالى :
﴿ ومَن عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ﴾ (3) .
وقوله تعالى :
﴿ ومَن يعمل من الصالحات من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً ﴾ (4) .
وقد ذمّ الله سبحانه الإستهانة بأمر البنات بمثل قوله وهو من أبلغ الذم :
﴿ واذا بُشّر أحدهم بالاُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما
1 ـ المدّثّر : 38 .
2 ـ النحل : 97 .
3 ـ المؤمن : 40 .
4 ـ النساء : 124 .
بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ﴾ (1) .
ولم يكن تواريهم إلاّ لعدّهم ولادتها عاراً على المولود له ، وعمدة ذلك أنّهم يتصوّرون أنّها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتّع بها ، وذلك نوع من غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن ، فيعود عاره إلى بيتها وأبيها .
وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم ، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربّون ، فتراهم يعدّون الزنا عاراً لازماً على المرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصرّ ، مع أنّ الإسلام قد جمع العار والقبح كلّه في المعصية ، والزاني والزانية سواء فيها .
فإنّ الإسلام ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بالإرادة والعمل ، فإنّهما متساويان من حيث تعلّق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء ، وقد قال تعالى : ﴿ بعضكم من بعض ﴾ (2) ، فلها أن تستقل بالإرادة ، ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجها كما للرجل ذلك من غير فرق ، ﴿ لها ما كسبت وعليها ما أكتسبت ﴾ (3) .
فهما سواء فيما يراه الإسلام ويحقّه القرآن ، والله يحقّ الحقّ بكلماته ، غير أنّه قررّ فيها خصلتين ميّزها بهما الصنع الإلهي :
إحداهما : أنهّا بمنزلة الحرث في تكوّن النوع ونمائه ، فعليها يعتمد النوع في بقائه ، فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث ، وتمتاز بذلك عن الرجل .
الثانية : أنّ وجودها مبنيّ على لطافة البنية ورقة الشعور ، ولذلك أيضاً تأثير في أحوالها والوظائف الإجتماعية المحوّلة إليها .
1 ـ النحل : 59 .
2 ـ آل عمران : 195 .
3 ـ البقرة : 286 .
فهذا وزنها الإجتماعي ، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع ، وإليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما وما يختص به أحدهما في الإسلام ، قال تعالى :
﴿ ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما أكتسبوا وللنساء نصيب مما أكتسبن وسئلوا الله من فضله إنّ الله كان بكل شيء عليماً ﴾ (1) .
يريد أنّ الأعمال التي يهديها كلّ من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل ، وأنّ من هذا الفضل ما تعيّن لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث ، وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها ، فلا ينبغي أن يتمناه متمن .
ومنه ما لم يتعيّن إلاّ بعمل العامل كائناً مَن كان ، كفضل الإيمان والعلم والتقوى وسائر الفضائل التي يستحسنها الدين ﴿ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ﴾ (2) ( وسئلوا الله من فضله ) (3) والدليل على هذا الذي ذكرناه قوله تعالى بعده : ﴿ الرجال قوّامون ﴾ (4) .
فهي تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية والحقوق الإجتماعية ، فلها أن تستقل فيما يستقل به الرجل من غير فرق من إرث ولا كسب ولا معاملة ، ولا تعليم وتعلم ولا اقتناء حقّ ولا دفاع عن حقّ ، وغير ذلك ، إلاّ في موارد يقتضي طباعها ذلك .
وعمدة هذه الموارد : أنهّا لا تتولّى الحكومة والقضاء ، ولا تتولّى القتال بمعنى المقارعة ، لا مطلق الحضور والإعانة على الاُمور كمداواة الجرحى مثلاً ، ولها نصف سهم الرجل في الإرث .
وعليها الحجاب وستر مواضع الزينة ، وعليها أن تُطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها .
1 ـ النساء : 32 .
2 ـ الجمعة : 4 .
3 ـ النساء : 32 .
4 ـ النساء : 34 .
وتدورك ما فاتها بأن نفقتها في الحياة على الرجل : الأب أو الزوج ، وأنّ عليه أن يحمي عنها منتهى ما يستطيعه ، وأنّ لها حقّ تربية الولد وحضانته .
وقد سهّل الله لها أنّها محميّة النفس والعرض حتى عن سوء الذكر ، وأنّ العبادة موضوعة عنها أيام عادتها ونفاسها ، وأنّها لازمة الإرفاق في جميع الأحوال .
والمتحصّل من جميع ذلك أنّها لا يجب عليها في جانب العلم إلاّ العلم باُصول المعارف ، والعلم بالفروع الدينية ( أحكام العبادات والقوانين الجارية في الإجتماع ) .
وأمّا في جانب العمل ، فأحكام الدين ، وطاعة الزوج فيما يتمتّع به منها .
وأمّا تنظيم الحياة الفرديّة بعمل أو كسب بحرفة أو صناعة ، وكذا الورود فيما يقوم به نظام البيت ، وكذا المداخلة في ما يصلح المجتمع العام ، كتعلّم العلوم واتخاذ الصناعات والحِرف المفيدة للعامة والنافعة في الإجتماعات مع حفظ الحدود الموضوعة فيها ، فلا يجب عليها شيء من ذلك .
ولازمه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد ـ من علم أو كسب أو شغل أو تربية ، ونحو ذلك ـ كلّها فضلاً لها تتفاضل به ، وفخراً لها تتفاخر به ، وقد جوّز الإسلام بل ندب إلى التفاخر بينهنّ ، مع أنّ الرجال نهوا عن التفاخر في غير حال الحرب .
والسّنة النبوية تؤيّد ما ذكرناه ، ولولا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يسعه هذا المقام لذكرنا طرفاً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع زوجته خديجة ، ومع بنته سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومع نسائه ومع نساء قومه ، وما وصّى به في أمر النساء ، والمأثور من طريقة أئمة أهل البيت ونسائهم كزينب بنت علي ، وفاطمة وسكينة بنتي الحسين ، وغيرهنّ .
وأمّا الأساس الذي بنيت عليه هذه الأحكام والحقوق فهو الفطرة ، وقد علم من الكلام في وزنها الإجتماعي كيفية هذا البناء ، ونزيده هاهنا إيضاحاً فنقول :
لا ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام الإجتماع وما يتصل بها من المباحث العلمية ، أنّ الوظائف الإجتماعيّة والتكاليف الاعتبارية المتفرّعة عليها يجب انتهاؤها إلى الطبيعة ، فخصوصية البنية الطبيعية الإنسانيّة هي التي هدت الإنسان إلى هذا الإجتماع النوعي الذي لا
يكاد يوجد النوع خالياً عنه في زمان ، وإن أمكن أن يعرض لهذا الإجتماع المستند إلى اقتضاء الطبيعة ما يخرجه عن مجرى الصحة إلى نقص الخلقة ، أو عن صحته الطبيعية إلى السقم والعاهة .
فالإجتماع بجميع شؤونه وجهاته ، سواء كان اجتماعاً فاضلاً أو اجتماعاً فاسداً ينتهي بالتالي إلى الطبيعة ، وإن اختلف القسمان من حيث إنّ الإجتماع الفاسد يصادف في طريق الإنتهاء ما يفسده في آثاره ، بخلاف الإجتماع الفاضل .
فهذه حقيقة ، وقد أشار إليها تصريحاً أو تلويحاً الباحثون عن هذه المباحث ، وقد سبقهم إلى بيانه الكتاب الإلهي فبيّنه بأبدع البيان ، قال تعالى : ﴿ الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ﴾ (1) .
وقال تعالى : ﴿ الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى ﴾ (2) .
وقال تعالى : ﴿ ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها ﴾ (3) .
إلى غير ذلك من آيات القدر .
فالأشياء ـ ومن جملتها الإنسان ـ إنّما تهتدي في وجودها وحياتها إلى ما خلقت له وجهزت بما يكفيه ويصلح له من الخلقة ، والحياة القيّمة بسعادة الإنسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة والفطرة انطباقاً تاماً ، وتنتهي وظائفها وتكاليفها إلى الطبيعة انتهاءً صحيحاً ، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى :
﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله الذي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ﴾ (4) .
والذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف والحقوق الإجتماعية بين الأفراد ـ على أنّ
1 ـ طه : 50 .
2 ـ الأعلى : 3 .
3 ـ الشمس : 8 .
4 ـ الروم : 30 .
الجميع إنسان ذو فطرة بشرية ـ أن يساوي بينهم في الحقوق والوظائف من غير أن يحبا بعض ويضطهد آخرون بإبطال حقوقهم ، لكن ليس مقتضى هذه التسوية التي يحكم بها العدل الإجتماعي أن يبذل كلّ مقام اجتماعي لكلّ فرد من أفراد المجتمع ، فيتقلّد الصبي مثلاً على صباوته والسفيه على سفاهته ما يقلده الإنسان العاقل المجّرِب ، أو يتناول الضعيف العاجز ما يتناوله القوي المقتدر من الشؤون والدرجات ، فإنّ في تسوية حال الصالح وغير الصالح إفساداً لحالهما معاً .
بل الذي يقتضيه العدل الإجتماعي ويفسّر به معنى التسوية : أن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه وينزّل منزلته ، فالتساوي بين الأفراد والطبقات إنّما هو في نيل كلّ ذي حقّ خصوص حقّه من غير أن يزاحم حقّ حقّاً ، أو يهمل أو يبطل حقّ بغياً أو تحكيماً ونحو ذلك ، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى : ﴿ ولهنّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة ﴾ (1) ، فإنّ الآية تصرّح بالتساوي في عين تقرير الإختلاف بينهن وبين الرجال .
ثم إنّ اشتراك القبيلين ـ أعني الرجال والنساء ـ في اُصول المواهب الوجوديّة ـ أعني : الفكر والإرادة المولدتين للإختيار ـ يستدعي اشتراكها مع الرجال في حريّة الفكر والإرادة ، أعني الإختيار ، فلها الإستقلال بالتصرّف في جميع شؤون حياتها الفردية والإجتماعية عدا ما منع عنه مانع .
وقد أعطاها الإسلام هذا الإستقلال والحريّة على أتمّ الوجوه كما سمعت فيما تقدّم ، فصارت بنعمة الله سبحانه مستقلة بنفسها ، منفكة الإرادة والعمل عن الرجال وولايتهم وقيمومتهم ، واجدة لما لم تسمح لها به الدنيا في جميع أدوارها ، وخلت عنه صحائف تأريخ وجودها ، قال تعالى : ﴿ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ﴾ (2) .
لكنّها مع وجود العوامل المشتركة المذكورة في وجودها تختلف مع الرجال من جهة اُخرى ، فإنّ المتوسطة من النساء تتأخر عن المتوسط من الرجال في الخصوصيات الكماليّة
1 ـ البقرة : 228 .
2 ـ البقرة : 234 .
من بنيتها ، كالدماغ والقلب والشرايين والأعصاب والقامة والوزن ، على ما شرحه فن وظائف الأعظاء ، واستوجب ذلك أنّ جسمها ألطف وأنعم ، كما أنّ جسم الرجل أخشن وأصلب ، وأنّ الإحساسات اللطيفة كالحب ورقة القلب والميل إلى الجمال والزينة أغلب عليها من الرجل ، كما أنّ التعقّل أغلب عليه من المرأة ، فحياتها حياة إحساسيّة كما أنّ حياة الرجل حياة تعقلية .
ولذلك فرّق الإسلام بينهما في الوظائف والتكاليف العامة الإجتماعية التي يرتبط قوامها بأحد الأمرين ـ أعني التعقل والإحساس ـ فخصّ بمثل الولاية والقضاء والقتال بالرجال ؛ لاحتياجها المبرم إلى التعقل ، والحياة التعقلية إنّما هي للرجل دون المرأة . وخصّ مثل حضانة الأولاد وتربيتها وتدبير المنزل بالمرأة ، وجعل نفقتها على الرجل ، وجبر ذلك له بالسهمين في الإرث ( وهو في الحقيقة بمنزلة أن يقتسما الميراث نصفين ثم تعطي المرأة ثلث سهمها للرجل في مقابل نفقتها ، أي للإنتفاع بنصف ما في يده ، فيرجع بالحقيقة إلى أنّ ثلثي المال في الدنيا للرجال ملكاً وعيناً وثلثيها للنساء انتفاعاً ، فالتدبير الغالب إنّما هو للرجال لغلبة تعقلهم ، والانتفاع والتمتع الغالب للنساء لغلبة إحساسهن ) ، ثم تمم ذلك بتسهيلات وتخفيفات في حق المرأة .
فإن قلت : ما ذكر من الإرفاق البالغ للمرأة في الإسلام يوجب انعطالها في العمل ، فإنّ ارتفاع الحاجة الضروريّة إلى لوازم الحياة بتخديرها وكفاية مؤنتها بايجاب الإنفاق على الرجل يوجب إهمالها وكسلها وتثاقلها عن تحمل مشاق الأعمال والأشغال ، فتنمو على ذلك نماءً رديئاً ، وتنبت نباتاً سيئاً غير صالح لتكامل الإجتماع ، وقد أيّدت التجربة ذلك .
قلتُ : وضع القوانين المُصلِحة لحال البشر أمر ، وإجراء ذلك بالسيرة الصالحة والتربية الحسنة التي تنبت الإنسان نباتاً حسناً أمر آخر ، والذي اُصيب به الإسلام في مدّة سيرها الماضي هو فقد الأولياء الصالحين والقوام المجاهدين ، فارتدت بذلك أنفاس الأحكام ، وتوقفت التربية ، ثم رجعت القهقري .
ومن أوضح ما أفادته التجارب القطعية أنّ مجرد النظر والإعتقاد لا يثمر أثره ما لم يثبت
في النفس بالتبلغ والتربية الصالحين ، والمسلمون في غير برهة يسيرة لم يستفيدوا من الأولياء المتظاهرين بولايتهم القيمين باُمورهم تربية صالحة يجتمع فيها العلم والعمل ، فهذا معاوية يقول على منبر العراق حين غلب أمر الخلافة ما حاصله : إني ما كنت اُقاتلكم لتصلّوا أو تصوموا فذلك إليكم ، وإنّما كنت اُقاتلكم لأتأمر عليكم وقد فعلت ، وهذا غيره من الأمويين والعباسيين فمن دونهم ، ولولا إستضاءة هذا الدين بنور الله الذي لا يطفأ ﴿ والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ﴾ (1) .
ولم تخل المرأة إما أن تكون بنتاً ، أو زوجة ، أو اُمّاً .
وفي كلّ الحالات نرى أنّ الإسلام يهتم بها اهتماماً بالغاً ، ويوصي بها كثيراً ، ويظهر ذلك جلياً في كتاب الله وسنّة نبيّة صلى الله عليه وآله وسلم .
إنّ مطالعة سريعة للسنة النبويّة ، ولسيرة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم ، تكفينا لمعرفة مدى الإهتمام البالغ الذي أولاه الإسلام للبنت ، والذي ظهر جليّاً من خلال قول وعمل وتقرير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنّ علماءنا الأعلام أفردوا أبواباً مستقلة في كتبهم الحديثية لما ورد في شأن البنت على لسان المعصومين عليهم السلام ، مثل باب كراهة كراهة البنات ، باب تحريم تمنّي موت البنات ، باب استحباب زيادة الرقة على البنات والشفقة عليهن أكثر من الصبيان ، باب استحباب طلب البنات واكرامهن .
فهي ريحانة يشمها أبوها ، ونعم الولد البنات ملطّفات مجهّزات مؤنسات مباركات ، والبنات حسنات والحسنات يثاب عليها ، والأرض تقلّها ، والسماء تظلّمها والله يرزقها ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أبا بنات .
1 ـ الميزان في تفسير القرآن : 268 .
روى ابراهيم الكرخي عن ثقة حدّثه قال :
تزوجتُ بالمدينة فقال لي أبو عبدالله عليه السلام : « كيف رأيتْ ؟ »
قلت : ما رأى رجل من خير في امرأة إلاّ وقد رأيته فيها ، ولكن خانتني .
فقال : « وما هو ؟ »
قلتُ : ولَدتْ جارية .
فقال : « لعلك كرهتها ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ آباؤكم وأبناءكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعا ﴾ (1) . (2)
وعن حمزة بن حمران رفعه قال :
اُتي رجل وهو عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاُخبر بمولود أصابه ، فتغيّر وجه الرجل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « مالك ؟ » .
فقال : خير .
فقال : « قل » .
قال : خرجتُ والمرأة تمخض ، فاُخبرت أنّها ولدت جارية .
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « الأرض تقلّها ، والسماء تظلّها ، والله يرزقها ، وهي ريحانة تشمها » (3) .
وعن الجارود بن المنذر قال :
قال لي أبو عبدالله عليه السلام : « بلغني أنّك ولد لك ابنة فتسخطها ، وما عليك منها ، ريحانة تشمّها ، وقد كفيت رزقها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بنات » (4) .
1 ـ النساء : 11 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 101 حديث 1 .
3 ـ وسائل الشيعة 15 : 101 حديث 2 .
4 ـ وسائل الشيعة 15 : 103 ، حديث 3 .
وقال الحسين بن سعيد اللحمي :
ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبدالله عليه السلام فرآه متسخطاً فقال له : « أرأيت لو أنّ الله أوحى إليك أن أختار لك أو تختار لنفسك ؟ ما كنتّ تقول ؟ »
قال : كنتُ أقول : يا ربّ تختار لي .
قال : « فإن الله عزّ وجلّ قد اختار لك » ، ثم قال : « إنّ الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى عليه السلام ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ﴿ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكوة وأقرب رحماً ﴾ (1) أبدلهم الله عزّ وجلّ به جارية ولدت سبعين نبياً » (2) .
وعن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال :
بُشّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بابنة فنظر إلى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم ، فقال : « ما لكم ؟ ريحانة أشمها ، ورزقها على الله عزّ وجل » ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم أبا بنات (3) .
وروى أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال :
« البنات حسنات والبنون نعم ، والحسنات يثاب عليها ، والنعمة يسأل عنها » (4) .
وعن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي العسكري ، عن آبائه ، عن الصادق عليهم السلام
« إنّ رجلاً شكا إليه غمّه ببناته ، فقال : الذي ترجوه لتضعيف حسناتك
1 ـ الكهف : 81 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 103 ، حديث 4 .
3 ـ وسائل الشيعة 15 : 103 ، حديث 5 .
4 ـ وسائل الشيعة 157 : 103 ، حديث 7 .
ومحو سيئاتك فأرجه لصلاح حال بناتك ، أما علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لما جاوزت سدرة المنتهى وبلغت قضبانها وأغصانها رأيتُ بعض ثمار قضبانها أثداؤه معلّقة يقطر من بعضها اللبن ، ومن بعضها العسل ، ومن بعضها الدهن ، ومن بعضها شبه دقيق السّميد ، ومن بعضها الشياب ، ومن بعضها كالنبق ، فيهوى ذلك كلّه نحو الأرض ، فقلت في نفسي أين مقر هذه الخارجات ؟ فناداني ربّي : يا محمّد هذه أنبتها من هذا المكان لأغذو منها بنات المؤمنين من اُم تك وبنيهم ، فقل لآباء البنات لا تضيق صدوركم على بناتكم ، فإنّي كما خلقتهن أرزقهن » (1)
وعن عمر بن يزيد أنّه قال ل أبي عبدالله عليه السلام :
إنّ لي بنات ، فقال : « لعلك تتمنى موتهن ، أما إنك إن تمنيت موتهن ومتنَ لم تؤجر يوم القيامة ، ولقيت الله حين تلقاه وأنت عاصٍ » (2) .
وروى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرقّ منه على الذكور ، وما من رجل يُدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة » (3) .
وعن أحمد بن عبدالرحيم ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
« البنات حسنات والبنون نعمة ، وإنما يثاب على الحسنات ويسأل عن النعمة » (4) .
وعن أحمد بن الفضل ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
1 ـ وسائل الشيعة 157 : 103 ، حديث 8 .
2 ـ وسائل الشيعة 157 : 103 ، حديث 1 .
3 ـ وسائل الشيعة 157 : 104 ، حديث 1 .
4 ـ وسائل الشيعة 15 : 104 ، حديث 2 .
« البنون نعيم والبنات حسنات ، والله يسأل عن النعيم ويثيب على الحسنات » (1) .
وروى السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم الولد البنات ، ملطّفات مجهّزات مؤنسات مباركات » (2) .
الزواج هو الوسيلة السليمة لارتباط الرجل بالمرأة ، وبه قضى الإسلام على الفوضى التي كانت سائدة في الجاهلية وما قبلها من الاُمم المتأخّرة ، وبه حصلت المرأة على عزّها وكرامتها وصانت شرفها ، وأصبح لها شأن في الحياة ، ولم تعدّ مجرد متعة يتمتع بها الرجل وقت حاجته .
قال الله تعالى في كتابه العزيز : ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ﴾ (3) ، ولتسكنوا إليها : أي لتطمئنوا ، إذاً فهي وسيلة للراحة والطمأنينة والوِد الذي يجعل الرابطة قوية بين الرجل والمرأة .
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام الرجلَ أن يعاشر زوجته بالإحسان والمعروف ، وأن يعفو عن ذنبها ويكرمها ، كلّ ذلك في سبيل المحافظة على طهارة المرأة وعزّتها ، حتى لا تكون متعة رخيصة للرجل .
روى محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي
1 ـ وسائل الشيعة 15 : 104 ، حديث 3 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 100 ، حديث 2 .
3 ـ الروم : 21 .
طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة » (1) .
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
إنّ لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني ، وإذا خرجتُ شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت لي : ما يهمك ؟ إن كنتَ تهتم لرزقك فقد تكفّل لك به غيرك ، وإن كنتَ تهتم لأمر آخرتك فزادك الله هماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « وهذه مِن عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد » (2) .
وفي رسالة أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام عبّر عن الزوجة بأنها « ريحانة وليست قهرمانة » (3) .
وقال إسحاق بن عمار :
قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً ؟ قال : « يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها » (4) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« من اتخذ زوجة فليكرمها » (5) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
« استوصوا بالنساء خيراً ، فإنّهن عندكم عوان » (6)
وقال أيضاً :
« خيركم خيركم لنسائكم وبناتكم » (7) .
1 ـ وسائل الشيعة 14 : 121 ، حديث 4 .
2 ـ وسائل الشيعة 14 : 17 ، حديث 14 .
3 ـ وسائل الشيعة 14 : 120 ، حديث 1 .
4 ـ وسائل الشيعة 14 : 121 ، حديث 1 .
5 ـ مستدرك الوسائل 14 : 249 ، حديث 16617 .
6 ـ مستدرك الوسائل 14 : 255 ، حديث 16636 .
7 ـ مستدرك الوسائل 14 : 251 ، حديث 16621 .
اهتمت الشريعة الإسلامية بشأن الاُم كثيراً ، وأعطتها كثيراً من الحقوق التي أوجبتها على بنيها ، كلّ ذلك وفاءً لما تقدّمه الاُم من خدمات جليلة في سبيل أبنائها ، وإعدادهم ذلك الإعداد الجيّد لكي يكونوا علماء المستقبل وأبناء الوطن الأوفياء .
فمنذ أن تحمل الاُم طفلها في بطنها فهي تعاني من آلام ومشاكل غير خفيّة على أحد ، وعند الولادة تتحمّل أوجاعاً لا يعرفها إلاّ الاُم وحدها .
ثم بعد ذلك تسهر على تربية ولدها وترعاه بكلّ ما تسطيع ، حتى أنّها تفضّله على نفسها ، تجوع من أجل أن تُشبعه ، وتعرى من أجل أن تكسوه ، وتسهر الليالي من أجل أن ينام طفلها نوماً هادئاً ، إلى غير ذلك من المتاعب الكثيرة .
ثم بعد هذا كلّه فهي المعلّمة الاُولى للطفل ، والمدرسة الصغيرة له ، توجّه أولادها نحو الفضيلة والكمال .
وتتضح جليّاً مكانة الاُم ومنزلتها في قوله تعالى :
﴿ ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته اُمّه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ﴾ (1)
وقال تعالى :
﴿ فلا تقل لهما اُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ﴾ (2) .
وفي قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المشهور : « الجنة تحت أقدام الاُمهات » .
وروى ثابت بن دينار ، عن زين العابدين عليه السلام أنه قال :
« وأمّا حقّ اُمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبالِ أن
1 ـ الأحقاف : 15 .
2 ـ الإسراء : 23 .
تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحّي وتظلك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، وانك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه » (1) .
وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال :
« جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله مَن أبرُّ ؟
قال : أُمك .
قال : ثم مَنْ ؟
قال : اُمك .
قال : ثم مَن ؟
قال : اُمك .
قال : ثم مَنْ ؟
قال : أبوك » (2) .
وقال زكريا بن ابراهيم لأبي عبدالله عليه السلام :
إنّي كنت نصرانياً فأسلمت ، وإنّ أبي و اُمّي على النصرانيّة وأهل بيتي ، و اُمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم ؟
قال : « يأكلون لحم الخنزير » ؟
قلت : لا ، ولا يمسونه .
فقال : « لا بأس ، وانظر اُمّك فبرها ، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك » ، ثم ذكر أنه زاد في برّها على ما كان يفعل وهو نصراني ، فسألته فأخبرها أنّ الصادق عليه السلام أمره ، فأسلمت (3) .
1 ـ وسائل الشيعة 11 : 135 حديث 1 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 207 ، حديث 1 .
3 ـ وسائل الشيعة 15 : 207 ، حديث 2 .
وعن المعلّى بن قيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« جاء رجل وسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : مَن برّ الوالدين ؟
فقال : ابرر اُمك ، ابرر اُمك ، ابرر اُمك ، ابرر أباك ، ابرر أباك ، ابرر أباك . وبدأ بالاُم قبل الأب » (1) .
وروى جابر عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال :
« قال موسى عليه السلام : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك بك ثلاث مرات ، قال : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك باُمك مرّتين ، قال : يا ربّ أوصني ، قال : اُوصيك بأبيك . فكان لأجل ذلك يقال : إنّ للام ثلثي البر وللأب الثلث » (2) .
الحجاب لغة : الستر ، كما صرّح به جمع من اللغويين وأصحاب المعاجم (3) .
وهو حكم شرعي فرضته الشريعة الإسلاميّة على المرأة ، وأوجبت عليها اتباعه والالتزام به ، ودلّ على ذلك القرآن والسنّة .
قال الله تعالى :
﴿ يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ﴾ (4) .
والجلابيب ، جمع جلباب : وهو الثوب الواسع ، أوسع من الخمار ودون الرداء ، تلويه المرأة على رأسها ، وتبقي منه ما ترسله على صدرها .
1 ـ وسائل الشيعة 15 : 208 ، حديث 3 .
2 ـ وسائل الشيعة 15 : 208 ، حديث 4 .
3 ـ الصحاح 1 : 107 ، مجمع البحرين 2 : 34 « حجب » ، وغيرهما من المصادر .
4 ـ الأحزاب : 59 .
وقيل : الجلباب : هو الملحفة ، وكلّ ما يستر به من كساء أو غيره .
ومعنى ﴿ يدنين عليهن من جلابيبهن ﴾ أي يرخينها عليهن بها وجوههن وأعطافهن (1) .
وقال تعالى :
﴿ قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلاّ لبعولتهنَّ أو آبائهنَّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنَّ أو اخوانهنّ أو بني اخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير اُولي الإربة من الرجال أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهنّ وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾ (2) .
وهناك أحاديث كثيرة وردت عن المعصومين سلام الله عليهم في وجوب الحجاب وتحديده ، ذكرها علماؤنا في كتبهم الحديثية .
ولم يوجب الدين الإسلامي الحجابَ على المرأة إلاّ لحفظ كرامتها وشرفها ، وصون عزّها ، وليحافظ عليها من الذئاب المفترسة الذي لا يخلو مجتمع منهم .
إذاً فرض الحجاب لمصلحتها الدنيويّة قبل أن تكون لمصلحتها الاُخرويّة ، ففي الدنيا تعيش المرأة المحجّبة مصونة محترمة في المجتمع ، وفي الآخرة لها جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار .
ويمكننا أن نقول لدعاة القومية : إنّ الحجاب عادة قوميّة وشرقيّة قبل أن تكون دينية ، فلماذا لا نتمسك بها تمسكنا بعاداتنا الاُخرى ، ونحن نشاهد أن الشعوب الاُخرى تتمسّك بعاداتها وإن كانت مضرّة أو متوحّشة أحياناً . وهل بإمكاننا أن نقول للمجتمع الغربي أو الشرقيّ : اُتركوا عادتكم ؟ إذاً فلماذا نترك نحن عاداتنا مع ما فيها من الخير والصلاح .
وقد كثر الكلام عن الحجاب لا من غير المسلمين فحسب ، بل من المسلمين
1 ـ انظر : الصحاح 1 : 107 ، مجمع البحرين 2 : 23 « جلب » .
2 ـ النور : 31 .
والمسلمات اللواتي خُدعن بمظهر الحضارة البرّاق ، وأخذوا يطلقون الشبهات والأراجيف والتخرّصات علينا ، ويدّعون بأن الإسلام قد ظلم المرأة إذ فرض عليها الحجاب .
ولا أدري ماهو نوع الظلم بفرض الحجاب ؟ ! وهل أنّ خروج المرأة محجّبة وذهابها إلى معاهد العلم والتربية ، وهي تؤدي دورها في هذا المجتمع ظلماً ؟ ! أم أنّهم يريدون منها أن تسفر عن وجهها ومحاسنها لكي يشبعوا غرائزهم ، وما مطالبتهم بحريّة المرأة حرصاً عليها ، بل لحاجة في نفس يعقوب .
وهل في الإسلام ذرّة ظلم ؟ ! بل وهل ظلم الدين الإسلامي مخلوقاً من مخلوقات الله حتى يظلم المرأة ؟ ! فما هي إلاّ شبهات المستعمرين وأعداء الدين .
وقد أحسن الرصافي في الردّ عليهم بقوله :
والشيء العجيب أنّ الفتاة المسلمة قد انخدعت بهذه الأباطيل ، واستجابت لدعاة السوء دُعاة الرذيلة والتبرج ، وقد أعمت المدنيّة الزائفة بصيرتها ، وأوحت لها أنّ التقدّم والرقي إنّما هو بترك ما كان عليه الآباء والأجداد ، فنراها تركت تراثها العظيم ، وانحدرت إلى أسفل درك بفضل الإستهتار والخلاعة والتبرّج ، كلّ ذلك كي لا تتصف بالرجعية .
قال الشاعر الاُزري :
ولو أنّ الفتاة المسلمة راعت الاحتشام في ملبسها وتصرّفاتها وحركاتها وأخفت زينتها إلاّ لمن أجازه الشرع ، لكان ذلك أعفى لها وأتقى ، ولكانت في حصن حصين من أن تقع في مزالق الفوضى مخدوعة ببريق كلام المفسدين دعاة السفور .
ولقد أحسن الشاعر حينما قال :
ويقولون : إنّ الحجاب يعارض تعلّم المرأة ويمنع من تطورّها وسيرها في مضمار المدنيّة!!! والحقيقة على العكس من ذلك ، فمتى كان الحجاب عائقاً من ذهاب المرأة إلى المدارس والمعاهد العلميّة لإرتشاف العلم ، ومتى كانت الأزياء الخليعة والملابس الشفّافة سبباً لتعلّم المرأة وتقدّمها ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يحثّ المرأة على طلب العلم ـ في حديثه المشهور : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » .
وأحسن الشاعر الاُزري بقوله :
وهو يرد بذلك على المعرّي الذي يحارب تعلّم المرأة بقوله :
ولا شكّ ولا ريب أنّ المرأة المتعلّمة أفضل من الجاهلة ، فهي تستطيع وبكلّ جدارة إدارة بيتها بما يرضي الله وزوجها ، وتستطيع أيضاً أن تربّي أولادها تربية صالحة تعدّهم للمستقبل ، فهي المعلّم الأوّل والمدرسة الاُولى التي يتخرّج منها العلماء والمفكرون .
قال الشاعر :
والمرأة الجاهلة يأخذها العجب والغرور فلا تراها إلاّ منشغلة بنفسها وزينتها ، تحاول أن تظهر بغير وجهها الحقيقي ، وتتصوّر بعملها هذا قد ازدادت جاهاً ورفعة ، وهي في الواقع قد انطمست في دياجير الجهل .
قالت احدى الشاعرات :
وقال آخر :
ولا شك أنّ هكذا امرأة يكون ضررها على المجتمع وخيماً ، فلا تعلّم أبناءها إلاّ سيء الأخلاق ، وما ورثته من عادات بالية أكل الدهر عليها وشرب ، فشأنها شأن المعلم السيء .
يقول شوقي في ذلك :
وبعد كلّ ما قرأته معي عزيزي القارىء عن الحجاب ـ وإن كان قليلاً لا يفي بالمطلوب ـ ألا ترى من الأجدر بنا نحن أبناء الإسلام أن نحرص على نساء أمّتنا الإسلامية ، ونحاول بكلّ ما اُوتينا من قوّة أن نقف سدّاً منيعاً أمام التيار الإلحادي الذي لا هدف له سوى هدم قِيمنا ، وبالتالي القضاء على ديننا الحنيف .
وأنتِ اُختي القارئة أليس الأجدر بكِ أن تحافظي على حجابك صوناً لعزّتك وكرامتك وشرفك ، وتكونين قد جمعتِ سعادة الدارين ، ففي الدنيا محترمة موقّرة ، والجميع ينظر إليك نظرة إجلال وتقدير ، وفي الآخرة جنات عدن تجري من تحتها الأنهار .
عرفنا أنّ الاُمم السابقة قد حرمت المرأة من الإرث ، وإن جوّزه بعضها لها فمنعها من التصرّف فيه إلاّ بإذن الرجل .
أما الشريعة الإسلامية السمحاء والتي أعطت المرأة كلّ حقوقها ، فقد جوّزت لها الإرث ، وجعلت نصيبها نصف نصيب الرجل . وكثر الكلام حول هذا الموضوع ، واُثيرت شبهات وشبهات ، وادّعى أعداء الإسلام أنّه قد ظلم المرأة إذ أنقصها إرثها ، وأجاب علماؤنا عن هذه الشبهة بجوابات وافية منهم العلاّمة الطباطبائي في ميزانه حيث قال :
وأما كون سهم الرجل في الجملة ضعف سهم المرأة ، فقد اُعتبر فيه فضل الرجل على المرأة بحسب تدبير الحياة عقلاً ، وكون الإنفاق اللازم على عهدته ، قالى تعالى :
﴿ الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من
أموالهم ﴾ (1)
والقوام من القيام ، وهو إدارة المعاش ، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقّل ، فإن حياته حياة تعقلية ، وحياة المرأة إحساسية عاطفية . وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبّرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات إحساس عاطفي ، وهذا الإعطاء والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء ، فيغلب تدبير التعقل على تدبير الإحساس والعواطف ، فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة .
وقد تدورك هذا الكسر الوارد على النساء بما أمر الله سبحانه الرجل بالعدل في أمرها ، الموجب لاشتراكها مع الرجل فيما بيده من الثلثين ، فتذهب المرأة بنصف هذين الثلثين من حيث المصرف وعندها الثلث الذي تتملكها وبيدها أمر ملكه ومصرفه .
وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب أنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف ، فللرجل ملك ثلثي الدنيا وله مصرف ثلثها ، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها ، وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقّل على روح الإحساس والعواطف في الرجل . والتدبير المالي بالحفظ والتبديل والإنتاج والإسترباح أنسب وأمسّ بروح التعقل وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقل في المرأة ، وذلك بالمصرف أمسّ وألصق ، فهذا هو السر في الفرق الذي اعتبره الإسلام في باب الإرث والنفقات بين الرجال والنساء .
وينبغي أن تكون زيادة روح التعقل بحسب الطبع في الرجل ومزيته على المرأة في هذا الشأن هو المراد بالفضل الذي ذكره الله سبحانه في قوله عزّ من قائل : ﴿ الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ﴾ ، دون الزيادة في البأس والشدة والصلابة ، فإن الغلظة والخشونه في قبيل الرجال وإن كانت مزية وجودية يمتاز بها الرجل عن المرأة ، وتترتب
1 ـ النساء : 34 .
عليها في المجتمع الإنساني آثار عظيمة في أبواب الدفاع والحفظ والأعمال الشاقة وتحمّل الشدائد والمحن والثبات والسكينة في الهزائز والأهوال ، وهذه شؤون ضرورية في الحياة لا يقوم لها قبيل النساء بالطبع .
ولكن النساء أيضاً مجهزات بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للمجتمع عنها في حياته ، ولها آثار هامة في أبواب الاُنس والمحبة والسكن والرحمة والرأفة وتحمل أثقال التناسل والحمل والوضع والحضانة والتربية والتمريض وخدمة البيت ، ولا يصلح شأن الإنسان بالخشونة والغلظة لولا اللينة والرقة ، ولا بالغضب لولا الشهوة ، ولا أمر الدنيا بالدفع لولا الجذب .
وبالجملة ، هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة تتعادل بهما كفتا الحياة في المجتمع المختلط المركب من القبيلين ، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه ﴿ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ﴾ (1) ، ﴿ ولا يظلم ربك أحداً ﴾ (2) ، وهو القائل : ﴿ بعضكم من بعض ﴾ (3) وقد أشار إلى هذا الإلتئام والبعضية بقوله في الآية : ﴿ بما فضّل الله بعضهم على بعض ﴾ .
وقال أيضاً :
﴿ ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مَودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾ (4)
وانظر إلى عجيب بيان الآيتين حيث وصف الإنسان ـ وهو الرجل بقرينة المقابلة ـ بالإنتشار وهو السعي في طلب المعاش ، وإليه يَعود جمع أعمال إقتناء لوازم الحياة بالتوسل
1 ـ النور : 50 .
2 ـ الكهف : 49 .
3 ـ آل عمران : 195 .
4 ـ الروم : 20 ـ 21 .
إلى القوة والشدة حتى ما في المغالبات والغزوات والغارات ، ولو كان للإنسان هذا الانتشار فحسب لا نقسم أفراده إلى واحد يكر وآخر يفر .
لكن الله سبحانه خلق النساء وجهزهن بما يوجب أن يسكن إليهن الرجال وجعل بينهم مودّة ورحمة ، فاجتذبن الرجال بالجمال والدلال والمودّة والرحمة ، فالنساء هنّ الركن الأوّل والعامل الجوهري للإجتماع الإنساني .
ومن هنا ما جعل الإسلام الإجتماع المنزلي وهو الإزدواج هو الأصل في هذا الباب ، قال تعالى :
﴿ يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ (1)
فبدأ بأمر ازدواج الذكر والاُنثى وظهور التناسل بذلك ، ثم بنى عليه الإجتماع الكبير المتكوّن من الشعوب والقبائل .
ومن ذيل الآية يظهر أنّ التفضيل المذكور في قوله : ﴿ الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ﴾ ، إنما هو تفضيل في التجهيز بما ينتظم به أمر الحياة الدنيوية ، أعني المعاش أحسن تنظيم ، ويصلح به حال المجتمع إصلاحاً جيداً . وليس المراد به الكرامة التي هي الفضيلة الحقيقيّة في الإسلام ، وهي القربى والزُلفى من الله سبحانه ، فإنّ الإسلام لا يعبأ بشيء من الزيادات الجسمانية التي لا يستفاد منها إلاّ للحياة المادية ، وإنّما هي الوسائل يتوسل بها لما عند الله .
وقد تحصّل من جميع ما قدّمناه أنّ الرجال فضّلوا على النساء بروح التعقّل الذي أوجب تفاوتاً في أمر الإرث وما يشبهه ، لكنها فضيلة بمعنى الزيادة ، وأمّا الفضيلة بمعنى الكرامة التي يعتني بشأنها الإسلام فهي التقوى أينما كانت (2) .
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ الميزان 4 : 215 .
اهتمت الشريعة السمحاء بالمرأة أي اهتمام حتى جعلتها في مصاف الرجل ، ولم يبخس الإسلام ذرّة من حقوقها ، كما رأيناه في الاُمم السابقة والحاضرة .
وما نسمعه من هنا وهناك من أنّ الإسلام منع المرأة من العمل فذلك مجرد تخرّصات لا أساس لها ، ومَن يطالع القرآن والسنّة بدقة وفهم لا يجد نصّاً شرعيّاً يحرّم العمل على المرأة ، بل أن الشريعة تجوّز للمرأة العمل وامتلاك ما حصلت عليه ، قال تعالى :
﴿ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب ممّا اكتسبن وسئلوا الله من فضله إنّ الله بكل شيء عليماً ﴾ (1) .
إلاّ أنّ المرأة بطبيعة تكوينها الجسماني وما تمتلكه من أحاسيس وعواطف تؤهلها لأن تقوم بعمل مهم جداً ، وهو تربية الأطفال واعدادهم للمستقبل ، فالاُم هي المدرسة الاُولى والمعلّم الأوّل للطفل ، فإن صلحت صلح المجتمع .
وممّا لاشك فيه أنّ الرجل لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل عوضاً عن المرأة ، وَدوُرِ الحضانة لا تعطينا إلاّ أطفالاً يحملون عقداً نفسية جرّاء ابتعادهم عن حنان الاُم وعطفها .
إذاً أليس الأفضل أن تبقى المرأة في البيت تربّي أطفالها بكلّ عطف وحنان ، ويذهب الرجل إلى العمل ، ويكفيها بذلك السعي وراء لقمة العيش وما تعانيه في سبيل ذلك . وهذا لا يعني أنّها تبقى تابعة له ما دامت غير مستقلة مادياً ، فالزوج المؤمن الواعي يقدّر عملها ويعرف مكانتها في الإسلام .
وقد شاهدنا في أيامنا هذه ما تعانيه العائلة المسلمة من نزول المرأة الى ميدان العمل ، وما ترتّب عليه من مشاكل أدى في كثير من الأحيان إلى الطلاق الذي هو أبغض حلال عند الله . فالزوج والزوجة يخرجان إلى العمل صباحاً ، والأطفال إمّا في دوُرِ الحضانة أو عند مربية
1 ـ النساء : 32 .
جاهلة ، وكلاهما لا هم لهما سوى الحصول على بعض النقود في مقابل عملهم ، فلا يهمهم أتعلّم الطفل العادات الحسنة أم السيئة ، مَرِض أم حافظ على صحته ، وبالتالي يكبر الطفل وينمو ونفسه مملوءة بالعُقد والأمراض التي يصعب معالجتها .
الزواج أصل من الاُصول الإجتماعية ، والبشر منذ أوّل تكوينه وحتى اليوم لم يترك هذا العمل الإجتماعي ، وقد دأبت الاُمم والمجتمعات على وضع قوانين واُسس تنظّم هذا الإقتران . ووضع الإسلام هذا العمل على أساس خلقة الذكر والاُنثى كلّ حسب تكوينه الجسماني وميوله وإحساسه وعواطفه ، لا على أساس تشريك الزوجين مساعيهما في الحياة دون النظر إلى قابلية كلّ واحدٍ منهما .
فالإسلام نظّم هذا الإقتران وفق دستور دقيق ضمنَ خلاله حقوق كلّ من الزوجين ، والتعرّض لهذا الموضوع واستيعابه يحتاج لمزيد من الوقت ، ولا تكفه هذه الوريقات القليلة ، إلاّ أنّ هناك ثمة إشكالات أشكلها البعض على هذا الدستور ، وادّعى فيه ظلم المرأة من خلال : هدف الزواج ، سيطرة الذكور على الإناث ، تعدد الزوجات ، الطلاق . وأجاب العلاّمة الطباطبائي عنها قائلاً :
1 ـ النكاح من مقاصد الطبيعة :
أصل التواصل بين الرجل والمرأة ممّا تبيّنه الطبيعة الإنسانية بل الحيوانية بأبلغ بيانها ، والإسلام دين الفطرة ، فهو مجوّزه لا محالة .
وأمر الإيلاد والإفراخ ـ الذي هو بغية الطبيعة وغرض الخلقة في هذا الإجتماع ـ هو السبب الوحيد والعامل الأصلي في تقليب هذا العمل في قالب الإزدواج ، واخراجه من مطلق الإختلاط للسفاد والمقاربة إلى شكل النكاح والملازمة .
ولهذا ترى أنّ الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معاً ـ كالطيور في حضانة بيضها
وتغذية أفراخها وتربيتها ، وكالحيوان الذي يحتاج في الولادة والتربية إلى وكر تحتاج الإناث منه في بنائه وحفظه إلى معاونة الذكور ـ يختار لهذا الشأن الإزدواج ، وهو نوع من الملازمة والإختصاص بين الزوجين الذكور والإناث منه ، فيتواصلان عندئذٍ ، ويتشاركان في حفظ بيض الإناث وتدبيرها وإخراج الأفراخ منها ، وهكذا إلى آخر مدّة تربية الأولاد ، ثم ينفصلان إن انفصلا ، ثم يتجدد الإزدواج ، وهكذا .
فعامل النكاح والإزدواج هو الإيلاد وتربية الأولاد ، وأمّا إطفاء نائرة الشهوة ، أو الإشتراك في الأعمال الحيويّة كالكسب وجمع المال وتدبير الأكل والشرب والأثاث وإدارة البيت ، فاُم ور خارجة عن مستوى غرض الطبيعة والخلقة ، وإنّما هي اُمور مقدّمية أو فوائد مترتبة .
ومن هنا يظهر أنّ الحريّة والإسترسال من الزوجين ، بأن يتواصل كلّ من الزوجين مع غير زوجه أينما أراد ومهما أراد من غير امتناع ـ كالحيوان العجم الذي ينزو الذكور منه على الإناث أينما وجدها ـ على ما يكاد يكون هو السنّة الجارية بين الملل المتمدنّة اليوم ، وكذا الزنا وخاصة زنا المحصنة منه .
وكذا تثبيت الإزدواج الواقع وتحريم الطلاق والإنفصال بين الزوجين ، وترك الزوج وإتخاذ زوج آخر ما دامت الحياة تجمع بينهما .
وكذا إلغاء التوالد وتربية الأولاد وبناء الإزدواج على أساس الإشتراك في الحياة المنزليّة ، على ما هو المتداول اليوم بين الملل الراقية ، ونظيره إرسال المواليد إلى المعاهد العامة المعدّة للرضاع والتربية ، كلّ ذلك على خلاف سنة الطبيعة ، وقد جهّز الإنسان بما ينافي هذه السنن الحديثية على ما مرت الإشارة إليه .
نعم ، الحيوان الذي لا حاجة في ولادته وتربيته إلى أزيد من حمل الاُم إياه وإرضاعها له وتربيته بمصاحبتها ، فلا حاجة طبيعية فيه إلى الإزدواج والمصاحبة والإختصاص ، فهذا النوع من الحيوان له حريّة السفاد بمقدار ما لا يضر بغرض الطبيعة من جهة حفظ النسل .
وإياك أن تتوهم أنّ الخروج عن سنّة الخلقة وما تستدعيه الطبيعة لا بأس به بعد تدارك
النواقص الطارئة بالفكر والرؤية مع ما فيه من لذائذ الحياة والتنعم ، فإنّ ذلك من أعظم الخبط ، فإن هذه البنيات الطبيعية التي منها البنية الإنسانية مركّبات مؤلفة من أجزاء كثيرة ، تستوجب بوقوع كلّ في موقعه الخاص على شرائطه المخصوصة به وضعاً هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة ، وهو المناسب لكمال النوع ، كالمعاجين والمركّبات من الأدوية التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف ومقادير وأوزان وشرائط خاصة ، لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الأثر .
فالإنسان مثلاً موجود طبيعي تكويني ذو أجزاء مركّبة تركيباً خاصاً ، يستتبع أوصافاً داخلية وخواص روحية تستعقب أفعالاً وأعمالاً ، فإذا حوّل بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها يستتبع ذلك إنحرافاً وتغيّراً في صفاته وخواصه الروحية ، وانحرف بذلك جميع الخواص والصفات عن مستوى الطبيعة وصراط الخلقة ، وبطل بذلك إرتباطه بكماله الطبيعي والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة .
واذا بحثنا في المصائب العامة التي تستوعب اليوم الإنسانية ، وتحبط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة ، وتهدد الإنسانية بالسقوط والإنهدام ، وجدنا أنّ أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى ، وتمكّن الخرق والقسوة والشدة والشره من نفوس الجوامع البشرية ، وأعظم أسبابه وعلله الحرية والإسترسال والإهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الأولاد ، فإنّ سنة الإجتماع المنزلي وتربية الأولاد اليوم تميت قرائح الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع من الإنسان من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش .
وأمّا تدارك هذه النواقص بالفكر والرؤية فهيهات ذلك ، فإنها كسائر لوازم الحياة وسيلة تكوينية اتخذتها الطبيعة وسيلة لردّ ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين إليه ، لا لإبطال سعي الطبيعة والخلقة وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشر عنها ، ولو استعمل الفكر الذي ـ هو أحد وسائل الطبيعة ـ في تأييد ما أفسد من شؤون الطبيعة ، عادت هذه الوسيلة أيضاً فاسدة منحرفة كسائر الوسائل ، ولذلك ترى أنّ الإنسان اليوم كلّما أصلح
بقوة فكره واحداً من المفاسد العامة التي تهدد اجتماعه ، أنتج ذلك ما هو أمر وأدهى ، وزاد البلاء والمصيبة شيوعاً وشمولاً .
نعم ، ربما قال القائل من هؤلاء : إنّ الصفات الروحية التي تسمّى فضائل نفسانية هي بقايا من عهد الأساطير والتوحّش ، لا تلائم حياة الإنسان الراقي اليوم ، كالعفة والسخاء والحياء والرأفة والصدق .
فإنّ العفة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه .
والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه ، على أنه تعويد للمساكين بالبطالة في الإكتساب وبسط يده لذلّ السؤال .
والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضميره .
والرأفة تضعف القلب .
والصدق لا تلائم الحياة اليومية .
وهذا الكلام بعينه من مصاديق الإنحراف الذي ذكرناه .
ولم يدرِ هذا القائل أنّ هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرويّة ، التي لو ارتفعت من أصلها لم يعش المجتمع بعدها في حال الإجتماع ولا ساعة .
فلو ارتفعت هذه الخصال وتعدّى كلّ فرد إلى ما لكلّ فرد من مختصات الحقوق والأموال والأعراض ، ولم يسخ أحد ببذل ما مسّت إليه حاجة المجتمع ، ولم ينفعل أحد من مخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين ، ولم يرأف أحد بالعَجزة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومن في تلوهم ، وكذب كلّ أحد لكلّ أحد في جميع ما يخبر به ويعدّه ، وهكذا تلاشى المجتمع الإنساني من حينه .
فينبغي لهذا القائل أن يعلم أنّ هذه الخصال لا ترتحل ولن ترتحل عن الدنيا ، وأنّ الطبيعة الإنسانيّة مستمسكة بها حافظة لحياتها ما دامت داعية للإنسان إلى الاجتماع .
وإنّما الشأن كلّ الشأن في تنظيم هذه الصفات وتعديلها بحيث توافق غرض الطبيعة والخلقة في دعوتها الإنسان إلى سعادة الحياة ، ولو كانت الخصال الدائرة في المجتمع
المترقي اليوم فضائل للإنسانية معدلة بما هو الحري من التعديل ، لما أوردت المجتمع مورد الفساد والهلكة ، ولأقر الناس في مستقر أمن وراحة وسعادة .
ولنعد إلى ما كنّا فيه من البحث فنقول : الإسلام وضع أمر الإزدواج ـ فيما ذكرناه ـ موضعه الطبيعي ، فأحلّ النكاح وحرّم الزنا والسفاح ، ووضع علقة الزوجية على أساس جواز المفارقة وهو الطلاق ، ووضع هذه العلقة على أساس الإختصاص في الجملة على ما سنشرحه ، ووضع عقد هذا الإجتماع على أساس التوالد والتربية ، ومن الأحاديث النبوية المشهورة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « تناكحوا تناسلوا تكثروا » .
2 ـ إستيلاء الذكور على الإناث :
ثم إنّ التأمل في سفاد الحيوانات يعطي أنّ للذكور منها شائبة إستيلاء على الإناث في هذا الباب ، فإنّا نرى أنّ الذكر منها كأنّه يرى نفسه مالكاً للبضع مسلّطاً على الاُنثى ، ولذلك ما ترى أنّ الفحولة منها تتنازع وتتشاجر على الإناث من غير عكس ، فلا تثور الاُنثى على مثلها إذا مال إليها الذكر ، بخلاف العكس ، وكذا ما يجري بينها مجرى الخطبة من الإنسان ، إنما يبدأ من ناحية الذكران دون الإناث ، وليس إلاّ أنّها ترى بالغريزة أنّ الذكور في هذا العمل كالفاعل المستعلي ، والإناث كالقابل الخاضع ، وهذا المعنى غير ما يشاهد من نحو طوع من الذكور للإناث في مراعاة ما تميل إليه نفسها ويستلذه طبعها ، فإنّ ذلك راجع إلى مراعاة جانب العشق والشهوة واستزادة اللذة ، وأمّا نحو الإستيلاء والإستعلاء المذكور ، فإنه عائد إلى قوّة الفحولة وإجراء ما تأمر به الطبيعة .
وهذا المعنى ـ أعني لزوم الشدّة والبأس لقبيل الذكور ، واللين والإنفعال لقبيل الإناث ـ مما يوجد الإعتقاد به قليلاً أو كثيراً عند جميع الاُمم حتى سرى إلى مختلف اللغات ، فسمّي كلّ ما هو شديد صعب الإنقياد بالذكر ، وكل ليّن سهل الإنفعال بالاُنثى ، يقال : حديد ذكر ، وسيف ذكر ، ونبت ذكر ، ومكان ذكر ، وهكذا .
وهذا الأمر جارٍ في نوع الإنسان ، دائر بين المجتمعات المختلفة والاُمم المتنوعة في
الجملة ، وإن كان ربما لم يخل من الإختلافات زيادة ونقيصة .
وقد اعتبره الإسلام في تشريعه ، قال الله تعالى : ﴿ الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ﴾ (1) ، فشرع وجوب إجابتها له إذا دعاها إلى المواقعة إن أمكنت لها .
3 ـ تعدد الزوجات :
وأمر الوحدة والتعدد فيما نشاهده من أقسام الحيوان غير واضح ، ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحد الإناث وتختص بالذكور ، لما أنّ الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الأفراخ وتربيتها ، وربما تغيّر الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة ، أعني بالتأهيل والتربية كما يشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها .
وأمّا الإنسان فاتخاذ الزوجات المتعددة كانت سنّة جارية في غالب الاُمم القديمة كمصر والهند والصين ، بل والفُرس والروم واليونان فإنهم كانوا ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدناً يصاحبونها ، بل وكان ذلك عند بعض الاُمم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه كاليهود والعرب ، فكان الرجل منهم ربما تزوّج العشرة والعشرين وأزيد ، وقد ذكروا أنّ سليمان الملك تزوّج مئات من النساء .
وأغلب ما كان يقع تعدد الزوجات إنما هو في القبائل ، ومَن يحذو حذوهم من سكّان القرى والجبال ، فإنّ لرب البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء ، فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الإستيلاد ؛ ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم ، وليكن ذلك وسيلة يتوسّلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم على ما في كثرة الإزدواج من تكثّر الأقرباء بالمصاهرة .
وما ذكره بعض العلماء أنّ العامل في تعدد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنّما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم ، كأعمال الحمل والنقل والرعي والزراعة والسقاية والصيد والطبخ
1 ـ النساء : 34 .
والنسج ، وغير ذلك ، فهو وإن كان حقاً في الجملة ، إلاّ أن التأمل في صفاتهم الروحية يعطي أنّ هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمية عندهم ، وما ذكرناه هو الذي يتعلّق به قصد الإنسان البدوي أولاً وبالذات ، كما أنّ شيوع الإدّعاء والتبنّي أيضاً بينهم سابقاً كان من فروع هذا الغرض .
على أنّه كان في هذه الاُمم عامل أساسي آخر لتداول تعدد الزوجات بينهم ، وهو زيادة عدّة النساء على الرجال بما لا يتسامح فيه ، فإنّ هذه الاُمم السائرة بسيرة القبائل كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات وقتل الفتك والغيلة ، فكان القتل يُفني الرجال ، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلاّ بتعدد الزوجات .
والإسلام شرّع الإزدواج بواحدة ، وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط التمكن من القسط بينهن ، مع إصلاح جميع المحاذير المتوجّهة إلى التعدد على ما سنشير إليها ، قال تعالى : ﴿ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ﴾ (1) .
وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات :
أولاً : أنّه يضع آثار سيئة في المجتمع ، فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيّب آمالهن ، ويسكن فورة الحب في قلوبهن ، فينعكس حسّ الحبّ على حسّ الإنتقام ، فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد ، ويقابلن الرجال بمثل ما أساؤوا إليهن ، فيشيع الزنا والسفاح والخيانة في المال والعرض فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت .
وثانياً : أنّ التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود والمتراءى من عمل الطبيعة ، فإنّ الإحصاء في الاُمم والأجيال يفيد أنّ قبيلي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً ، فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد ، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة .
وثالثاً : أنّ في تشريع تعدد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة ، وتقوية لهذه القوة في المجتمع .
1 ـ البقرة : 228 .
ورابعاً : أنَّ في ذلك حطّاً لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال ، وهو تقويم جائر حتّى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سوّى فيه بين مرأتين ورجل كما في الإرث والشهادة وغيرهما ، ولازمه تجويز التزوّج بإثنتين منهنّ لا أزيد ، ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه .
وهذه الإشكالات ممّا اعترض بها النصارى على الإسلام ، أو مَن يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع .
والجواب عن الأول : ما تقدّم غير مرّة في المباحث المتقدّمة أنّ الإسلام وضع بنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية ، فالمتّبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الإجتماعية دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف .
وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية ، فإنّ من المسلّم في الأبحاث النفسية أنّ الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة تختلف كماً وكيفاً بإختلاف التربية والعادة ، كما أنّ كثيراً من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مثلاً مذمومة عند الغربيين وبالعكس ، وكل اُمّة تختلف مع غيرها في بعضها .
والتربية الدينية في الإسلام تقيم المرأة الإسلامية مقاماً لا تتألم بأمثال ذلك عواطفها ، نعم المرأة الغربية حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ، ولقّنت بذلك جيلاً بعد جيل استحكم في روحها عاطفة نفسانية تضاد التعدد ، ومن الدليل على ذلك الإسترسال الفظيع الذي شاع بين الرجال والنساء في الاُم م المتمدنة اليوم .
أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة مع كل مَن هَووها وهوتهم من نسائهم من محارم وغيرها ، ومن بكر أو ثيب ، ومن ذات بعل أو غيرها ، حتى أنّ الإنسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا ، سواء في ذلك الرجال والنساء ، ولم يقنعوا في ذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعاً قَلّ ما يسلم منه فرد ، حتى بلغ الأمر مبلغاً رفعوا قبيل سنوات إلى برلمان بريطانيا العظمى أن يبيح لهم اللواط سنّة قانونية وذلك بعد شيوعه بينهم ، وأمّا
النساء وخاصة الأبكار وغير ذوات البعل من الفتيات فالأمر فيهن أغرب وأفظع .
فليت شعري كيف لا تأسف النساء هنا ، ولا يتحرجن ، ولا تنكسر قلوبهن ، ولا تتألم عواطفهن حين يشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن ؟
وكيف لا تتألم عواطف الرجال وإحساساته حين يبني بفتاة ثم يجدها ثيباً فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ، ثم لا يلبث حتى يباهي بين الأقران أن السيدة ممن توفرت عليها رغبات الرجال وتنافس في القضاء منها العشرات والمئات!!
وهل هذا إلاّ أنّ هذه السيئات تكررت بينهم ، ونزعة الحرية تمكنت من أنفسهم ، حتى صارت عادة عريقة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والإحساسات ولا تستنكرها النفوس ؟ فليس إلاّ أنّ السنن الجارية تميل العواطف والإحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها .
وأمّا ما ذكروه من استلزام ذلك إهمالهن في تدبير البيت وتثاقلهنّ في تربية الأولاد وشيوع الزنا والخيانة ، فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك ، فإنّ هذا الحكم جرى في صدر الإسلام ، وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتأريخ أن يدّعي حصول وقفة في المجتمع من جهته ، بل كان الأمر بالعكس .
على أنّ هذه النساء اللاتي يتزوّج بهن على الزوجة الاُولى في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك ، أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة ، إنما يتزوّج بهن عن رضاء ورغبة منهن ، وهنّ من نساء هذه المجتمعات ، ولم يسترفقهن الرجال من مجتمعات اُخرى ، ولا جلبوهن للنكاح من غيره هذه الدنيا ، وإنمّا رغبن في مثل هذا الإزدواج لعلل اجتماعية ، فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدد الزوجات ، ولا قلوبهن تتألم منها ، بل لو كان شيء من ذلك فهو من لوازم أو عوارض الزوجية الاُولى ، أعني أنّ المرأة اذا توحّدت للرجل لا تحب أن ترد عليها وعلى بيتها اُخرى ؛ لخوفها أن تُميل عنها بعلها ، أو تترأس عليها غيرها ، أو يختلف الأولاد ونحو ذلك ، فعدم الرضاء والتألم فيما كان إنّما منشؤه حالة عرضية ( التوحد بالبعل ) لا غريزة طبيعية .
والجواب عن الثاني : أنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مختل
من وجوه :
منها : أنّ أمر الإزدواج لا يتكىء على هذا الذي ذكروه فحسب ، بل هناك عوامل وشرائط اُخرى لهذا الأمر :
فأولاً : الرشد الفكري والتهيؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال ، فالنساء وخاصة في المناطق الحارة إذا جزنَ التسع صلحن للنكاح ، والرجال لا يتهيأون لذلك غالباً قبل الست عشرة من السنين ، وهو الذي اعتبره الإسلام للنكاح .
ومن الدليل على ذلك : السنّة الجارية في فتيات الاُمم المتمدّنة ، فمن الشاذ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سن البلوغ القانوني ، فليس إلاّ أنّ الطبيعة هيأتها للنكاح قبل تهيئتها للرجال لذلك .
ولازم هذه الخاصّة أن لو اعتبرنا مواليد ست عشرة سنة من قوم ( والفرض تساوي عدد الذكورة والإناث فيهم ) كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال ـ وهي سنة أوّل الصلوح ـ مواليد سنة واحدة ، وهم مواليد السنة الاُولى المفروضة ، والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين ، وهي مواليد السنة الاُولى إلى السابعة ، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة ، وهي سن بلوغ الأشد من الرجال ، حصل في السنة الخامسة والعشرين على الصلوح من الرجال مواليد عشرة سنين ، ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة ، وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى حصل لكلّ واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة .
وثانياً : أنّ الإحصاء كما ذكروه يبيّن أنّ النساء أطول عمراً من الرجال ، ولازمه أن تهيء سنة الوفاة والموت عدداً من النساء ليس بحذائهن رجال .
وثالثاً : أنّ خاصة النسل والتوليد تدوم في الرجال ، أكثر من النساء ، فالأغلب على النساء أن ييئسن من الحمل في سن الخمسين ، ويمكن ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك ، وربما بقيت قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي وهي مائة سنة ، فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد ـ وهو ثمانون سنة تقريباً ـ ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريباً ، وإذا ضم هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أنّ الطبيعة والخلقة أباحت للرجال التعدي من الزوجة
الواحدة إلى غيرها ، فلا معنى لتهيئة قوة التوليد والمنع عن الإستيلاد من محل شأنه ذلك ، فإنّ ذلك مما تأباه سنة العلل والأسباب الجارية .
ورابعاً : أنّ الحوادث المبيدة لأفراد المجتمع من الحروب والمقاتل وغيرهما تحلّ بالرجال وتفنيهم أكثر منها بالنساء بما لا يقاس ، كما تقدّم أنّه كان أقوى العوامل لشيوع تعدد الزوجات في القبائل ، فهذه الأرامل والنساء العزّل لا محيص لهن عن قبول التعدد ، أو الزنا ، أو خيبة القوة المودعة في طبائعن وبطلانها .
ومما يتأيد به هذه الحقيقة ما وقع في ألمانية الغربية قبل مدة : أظهرت جمعية النساء العزّل تحرجها من فقدان البعولة ، وسألت الحكومة أن يسمح لهن بسنّة تعدد الزوجات الإسلامية حتى يتزوّج مَن شاء من الرجال بأزيد من واحدة وترتفع بذلك غائلة الحرمان ، غير أنّ الحكومة لم تجبهن في ذلك ، وامتنعت الكنيسة من قبوله ورضيت بفشو الزنا وشيوعه وفساد النسل به .
ومنها : أنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال والنساء في العدد مع الغض عمّا تقدّم إنّما يستقيم فيما لو فرض أن يتزوّج كل رجل في المجتمع بأكثر من الواحدة إلى أربع من النساء ، لكن الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك ، ولا يسع ذلك بالطبع إلاّ لبعضهم دون جميعهم ، والإسلام لم يشرّع تعدد الزوجات بنحو الفرض والوجوب على الرجال ، بل إنّما أباح ذلك لمن استطاع أن يقيم القسط منهم ، ومن أوضح الدليل على عدم استلزام هذا التشريع حرجاً ولا فساداً أنّ سير هذه السنّة بين المسلمين ، وكذا بين سائر الاُمم الذين يرون ذلك لم يستلزم حرجاً من قحط النساء واعوازهن على الرجال ، بل بالعكس من ذلك اعدّ تحريم التعدّد في البلاد التي فيها ذلك اُلوفاً من النساء حرمن الازدواج والاجتماع المنزلي واكتفين بالزنا .
ومنها : أنّ الإستدلال المذكور مع الإغماض عن ما سبق إنّما يستقيم لو لم يصلح هذا الحكم ، ولم يعدّل بتقييده بقيود ترتفع بها المحاذير المتوهمة ، فقد شرط الإسلام على مَن يريد من الرجال التعدّد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش ،
وفرض عليهم نفقتهن ثم نفقة أولادهن ، ولا يتيسّر الإنفاق على أربع نسوة مثلاً ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك إلاّ لبعض اُولي الطول والسعة من الناس لا لجميعهم ، على أنّ هناك طرقاً دينية شرعية يمكن أن تستريح إليها المرأة فتلزم الزوج على الإقتصار عليها والإغماض عن التكثير .
والجواب عن الثالث : أنّه مبني على عدم التدبير في نحو التربية الإسلامية ومقاصد هذه الشريعة ، فإنّ التربية الدينية للنساء في المجتمع الإسلامي الذي يرتضيه الدين بالستر والعفاف والحياء وعدم الخرق تنمّي المرأة وشهوة النكاح فيها أقل منها في الرجل ( على الرغم ممّا شاع أنّ شهوة النكاح فيها أزيد وأكثر ، واستدل عليه بتولّعها المفرط بالزينة والجمال طبعاً ) ، وهذا أمر لا يكاد يشك فيه رجال المسلمين ممن تزوّج بالنساء الناشئات على التربية الدينية ، فشهوة النكاح في المتوسطة تعادل ما في أكثر من امرأة واحدة بل والمرأتين والثلاث .
ومن جهة اُخرى من عناية هذا الدين أن يرتفع الحرمان في الواجب من مقتضيات الطبع ومشتهيات النفس ، فاعتبر أن لا تختزن الشهوة في الرجل ولا يحرم منها ، فيدعوه ذلك الى التعدّي إلى الفجور والفحشاء ، والمرأة الواحدة ربما اعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة ، كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك ، والإسراع في رفع هذه الحاجة الغريزية هو لازم ما تكرر منّا في المباحث السابقة من هذا الكتاب : أنّ الإسلام يبني المجتمع على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية ، فبقاء الإنسان على حالة الإحساس الداعية إلى الإسترسال في الأهواء والخواطر السوء كحال التعزّب ونحوه من أعظم المخاطر في نظر الإسلام .
ومن جهة اُخرى من أهم المقاصد عند شارع الإسلام تكثّر نسل المسلمين ، وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد .
فهذه الجهات وأمثالها هي التي اهتم بها الإسلام في تشريع تعدّد الزوجات دون ترويج أمر الشهوة وترغيب الناس إلى الإنكباب عليها ، ولو أنصف هؤلاء المستشكلون كانت هذه
السنن الإجتماعية المعروفة بين هؤلاء البانين للإجتماع على أساس التمتع المادي أولى بالرمي بترويج الفحشاء والترغيب إلى الشره من الإسلام الباني للإجتماع على أساس السعادة الدينية .
على أنّ في تجويز تعدد الزوجات تسكيناً لثورة الحرص التي هي من لوازم الحرمان ، فكلّ محروم حريص ، ولا هم للممنوع المحبوس إلاّ أن يهتك حجاب المنع والحبس ، فالمسلم وإن كان ذا زوجة واحدة فإنّه على سكن وطيب نفس من أنّه ليس بممنوع عن التوسع في قضاء شهوته لو تحرّجت نفسه يوماً إليه ، وهذا نوع تسكين لطيش النفس وإحصان لها عن الميل إلى الفحشاء وهتك الأعراض المحرّمة .
وقد أنصف بعض الباحثين من الغربيين حيث قال : لم يعمل في إشاعة الزنا والفحشاء بين الملل المسيحية عامل أقوى من تحريم الكنيسة تعدد الزوجات .
والجواب عن الرابع : أنّه ممنوع ، فقد بيّنا في بعض المباحث السابقة عند الكلام في حقوق المرأة في الإسلام : أنّه لم تحترمالنساء ولم تراع حقوقهن كل المراعاة أي سنّة من السنن الدينية أو الدنيوية من قديمها وحديثها بمثل ما احترمهن الإسلام ، وسنزيد في ذلك وضوحاً .
وأمّا تجويز تعدد الزوجات للرجل فليس بمبني على ما ذكر من إبطال الوزن الإجتماعي وإماتة حقوقهن والإستخفاف بموقفهن في الحياة ، وإنّما هو مبني على جهات من المصالح تقدّم بيان بعضها .
وقد اعترف بحسن هذا التشريع الإسلامي ، وما فيه منعه من المفاسد الإجتماعية والمحاذير الحيوية ، جمع من باحثي الغرب من الرجال والنساء ، ومَن أراده فليراجع إلى مظانّه .
وأقوى ما تشبّث به مخالفوا سنّة التعدد من علماء الغرب ، وزوّقوه في أعين الناظرين ما هو مشهود في بيوت المسلمين ، تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة : ضرتان أو ضرائر ، فإنّ هذه البيوت لا تحتوي على حياة صالحة ولا عيشة هنيئة ، ولا تلبث الضرتان من
أوّل يوم حلّتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد حتى أنّهم سمّوا الحسد بداء الضرائر ، وعندئذٍ تنقلب جميع العواطف والإحساسات الرقيقة التي جبلت عليها النساء من الحب ولين الجانب والرقة والرأفة والشفقة والنصح وحفظ الغيب والوفاء والمودّة والرحمة والإخلاص بالنسبة إلى الزوج وأولاده من غير الزوجة وبيته وجميع ما يتعلّق به إلى أضدادها .
فينقلب البيت الذي هو سكن للإنسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومي وتألّم الروح والجسم من مشاق الأعمال والجهد في المكسب ، معركة قتال يستباح فيها النفس والعرض والمال والجاه ، ولا يؤمن فيه من شيء لشيء ، ويتكدّر فيه صفو العيش ، وترتحل لذة الحياة ، ويحل محلّها الضرب والشتم والسب واللعن والسعاية والنميمة والرقابة والمكر والمكيدة ، واختلاف الأولاد وتشاجرهم ، وربما انجر الأمر إلى همّ الزوجة بإهلاك الزوج ، وقتل بعض الأولاد بعضاً أو أباهم ، وتتبدل القرابة بينهم إلى الأوتار التي تسحب في الأعقاب سفك الدماء وهلاك النسل وفساد البيت .
أضف إلى ذلك ما يسري من ذلك إلى المجتمع من الشقاء وفساد الأخلاق والقسوة والظلم والبغي والفحشاء وانسلاب الأمن والوثوق ، وخاصة إذا اُضيف إلى ذلك جواز الطلاق ، فإباحة تعدد الزوجات والطلاق يُنشِئآن في المجتمع رجالاً ذوّاقين مترفين ، لا همّ لهم إلاّ اتباع الشهوات والحرص والتولّع على أخذ هذه وترك تلك ، ورفع واحدة ووضع اُخرى ، وليس فيه إلاّ تضييع نصف المجتمع واشقاؤه وهو قبيل النساء ، وبذلك يفسد النصف الآخر .
هذا محصّل ما ذكروه ، وهو حقّ ، غير أنّه إنّما يرد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه ، ومتى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم ؟ وقد فقدوا منذ قرون الحكومة الصالحة التي تربّي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة ، بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده هي طبقة الحكّام والولاة على المسلمين ، والناس على دين ملوكهم .
ولو اشتغلنا بقصّ بعض السير الجارية في بيوت الملوك ، والفضائح التي كان يأتي بها
ملوك الإسلام وولاته منذ أن تبدّلت الحكومة الدينية بالملك والسلطنة المستبدة ، لجاء بحياله تأليفاً مستقلاً .
وبالجملة لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمّن سعادة عيشتهم ، ونحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط ، والذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء والأولاد وإن كان على كل نفس ما اكتسب من إثم ، وذلك أنّ سيرة هؤلاء الرجال وتفديتهم سعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم وصفاء مجتمعهم في سبيل شرههم وجهالتهم هو الأصل لجميع هذه المفاسد والمنبت لكلّ هذه الشقوة المبيدة .
وأما الإسلام فلم يشرع تعدّد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كلّ رجل ، وإنّما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة ، واعتبر الصلاح القاطع في ذلك ، ثم استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها ، فأباح عند ذلك التعدد حفظاً لمصلحة المجتمع الإنساني ، وقيّده بما ترتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة ، وهو وثوق الرجل بأنّه سيقسط بينهن ويعدل ، فمن وثق من نفسه بذلك ووفّق له فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات ، وأمّا هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم ، ولا كرامة عندهم إلاّ ترضية بطونهم وفروجهم ، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلاّ أنّها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته ، فلا شأن للإسلام فيهم ، ولا يجوز لهم إلاّ الإزدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك والحال هذه .
على أنّ في أصل الإشكال خلطاً بين جهتين مفترقتين في الإسلام ، وهما جهتا التشريع والولاية .
وتوضيح ذلك : أنّ المدار في القضاء بالصلاح والفساد في القوانين الموضوعة والسنن الجارية عند الباحثين اليوم ، هو الآثار والنتائج المرضية أو غير المرضية الحاصلة من جريانها في الجوامع ، وقبول الجوامع لها بفعليتها الموجودة وعدم قبولها ، وما أظن أنّهم على غفلة من أنّ المجتمع ربّما اشتمل على بعض سنن وعادات وعوارض لا تلائم الحكم المبحوث
عنه ، وأنّه يجب تجهيز المجتمع بما لا ينافي الحكم أو السنّة المذكورة حتى يرى إلى ما يصير أمره ، وماذا يبقى من الأثر خيراً أو شراً أو نفعاً أو ضرّاً . إلاّ أنّهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يريده ويستدعيه المجتمع بحاضر إرادته وظاهر فكرته كيفما كان ، فما وافق إرادتهم ومستدعياتهم فهو القانون الصالح ، وما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح .
ولذلك لما رأوا المسلمين تائهين في أودية الغي ، فاسدين في معاشهم ومعادهم ، نسبوا ما يشاهدونه منهم من الكذب والخيانة والخنى وهضم الحقوق وفشو البغي وفساد البيوت واختلال الإجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم ، زعماً منهم أنّ السنّة الإسلامية في جريانها بين الناس وتأثيرها أثرها كسائر السنن الإجتماعية التي تحمل على الناس على إحساسات متراكمة بينهم ، ويستنتجون من ذلك أنّ الإسلام هو المُولّد لهذه المفاسد الاجتماعية ، ومنه ينشأ هذا البغي والفساد ( وفيهم أبغى البغي وأخنى الخنى ، وكل الصيد في جوف الفراء ) ، ولو كان ديناً واقعياً وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمّنة لصلاح الناس وسعادتهم لأثرت فيهم الآثار المسعدة الجميلة ، ولم ينقلب وبالاً عليهم!
ولكنهم خلطوا بين طبيعة الحكم الصالحة المُصلِحة ، وبين طبيعة الناس الفاسدة المُفسدة ، والإسلام مجموع معارف أصلية وأخلاقية ، وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء ، إذا اُفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد المجتمع وانحرافها في التأثير ، كالأدوية والمعاجين المركبة التي تحتاج في تأثيرها الصحي إلى سلامة أجزائها وإلى محل معد مهيأ لورودها وعملها ، ولو اُفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الإنسان المستعمل لها شرائط الإستعمال بطل عنها وصف التأثير ، وربّما أثّرت ما يضاد أثرها المترقب منها .
هب أنّ السنّة الإسلامية لم تقوِ على إصلاح الناس ومحق الذمائم والرذائل العامة ؛ لضعف مبانيها التقنينية ، فما بال السنة الديمقراطية لا تنجح في بلادنا الشرقية أثرها في البلاد الاوربية ؟
وما بالنا كلما أمعنا في السير والكدح بالغنا في الرجوع على أعقابنا القهقري ، ولا يشك شاك أنّ الذمائم والرذائل اليوم أشد تصلّباً وتعرّقاً فينا ـ ونحن مدنيّون متنوّرون ـ منها قبل
نصف قرن ونحن همجيون ، وليس لنا حظ من العدل الإجتماعي وحياة الحقوق البشرية والمعارف العامة العالية وكل سعادة اجتماعية إلاّ أسماء وألفاظاً نسمعها .
فهل يمكن لمعتذر عن ذلك إلاّ بأنّ هذه السنن المرضية إنّما لم تؤثّر أثرها لأنكم لا تعملون بها ، ولا تهتمون بإجرائها ، فما بال هذا العذر يجري فيها وينجع ولا يجري في الإسلام ولا ينجع ؟ .
وهب أنّ الإسلام لِوهن أساسه ( والعياذ بالله ) عجز عن التمكن في قلوب الناس والنفوذ الكامل في أعماق المجتمع ، فلم تدم حكومته ولم يقدر على حفظ حياته في المجتمع الإسلامي ، فلم يلبث دون أن عاد مهجوراً ، فما بال السنّة الديمقراطية ـ وكانت سنّة مرضية عالمية ـ ارتحلت بعد الحرب العالمية الكبرى الاُولى عن روسيا وانمحت آثارها وخلفتها السنّة الشيوعية ؟ وما بالها انقلبت إلى السنّة الشيوعية بعد الحرب العالمية الكبرى الثانية في ممالك الصين ولتوني واستوني وليتواني ورومانيا والمجر ويوغسلاوي وغيرها ، وهي تهدد سائر الممالك وقد نفذت فيها نفوذاً ؟
وما بال السنّة الشيوعية بعد ما عمّرت ما يقرب من أربعين سنة ، وانبسطت وحكمت فيما يقرب من نصف المجتمع الإنساني ، ولم يزل دعاتها وأولياؤها يتباهون في فضيلتها أنّها المشرعة الصافية الوحيدة التي لا يشوبها تحكّم الاستبداد ولا استثمار الديمقراطية ، وأنّ البلاد التي تعرّقت فيها هي الجنة الموعودة .
ثم لم يلبث هؤلاء الدعاة والأولياء أنفسهم دون أن انتهضوا قبل سنتين على تقبيح حكومة قائدها الوحيد ( ستالين ) ، الذي كان يتولّى إمامتها وقيادتها منذ ثلاثين سنة ، وأوضحوا أنّ حكومته كانت حكومة تحكّم واستبداد واستبعاد في صورة الشيوعية ، ولا محالة كان له التأثير العظيم في وضع القوانين الدائرة وإجرائها وسائر ما يتعلّق بذلك ، فلم ينبثق شيء من ذلك إلاّ عن إرادة مستبدة مستعبدة وحكومة فردية تحيي اُلوفاً وتميت اُلوفاً وتسعد أقواماً وتشقي آخرين ، والله يعلم مَن الذي يأتي بعد هؤلاء ويقضي عليهم بمثل ما قضوا به على مَن كان قبلهم .
والسنن والآداب والرسوم الدائرة في المجتمعات ( أعم من الصحيحة والفاسدة ) ، ثم المرتحلة عنها لعوامل متفرّقة أقواها خيانة أوليائها وضعف إرادة الأفراد المستنين بها كثيرة يعثر عليها مَن راجع كتب التواريخ .
فليت شعري ما الفرق بين الإسلام من حيث أنّه سنّة اجتماعية وبين هذه السنن المتقلبة المتبدّلة ، حيث يقبل العذر فيها ولا يقبل في الإسلام ؟ نعم كلمة الحق اليوم واقعة بين قدرة هائلة غربية وجهالة تقليد شرقية ، فلا سماء تظلّها ولا أرض تقلّها .
وعلى أي حال يجب أن يتنبّه مما فصلناه أنّ تأثير سنة من السنن أثرها في الناس وعدمه ، وكذا بقاؤها بين الناس وارتحالها لا يرتبط كل الإرتباط بصحتها وفسادها حتى يستدل عليه بذلك ، بل لسائر العلل والأسباب تأثير في ذلك ، فما من سنة من السنن الدائرة بين الناس في جميع الأطوار والعهود إلاّ وهي تنتج يوماً وتعقم آخر ، وتقيم بين الناس برهة من الزمان وترتحل عنهم في اُخرى لعوامل مختلفة تعمل فيها ، ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ﴾ (1) .
وبالجملة فالقوانين الإسلامية والأحكام التي فيها تخالف بحسب المبنى والمشرب سائر القوانين الإجتماعية الدائرة بين الناس ، فإنّ القوانين الإجتماعية التي لهم تختلف باختلاف الأعصار وتتبدل بتبدل المصالح ، لكن القوانين الإسلامية لا تحتمل الإختلاف والتبدل من واجب أو حرام أو مستحب أو مكروه أو مباح ، غير أنّ الأفعال التي للفرد من المجتمع أن يفعلها أو يتركها ، وكلّ تصرّف له أن يتصرّف به أو يدعه فلولي الأمر أن يأمر الناس بها أو ينهاهم عنها ويتصرف في ذلك كأن المجتمع فرد والوالي نفسه المتفكرة المريدة .
فلو كان للإسلام والٍ أمكنه أن يمنع الناس عن هذه المظالم التي يرتكبونها باسم تعدد الزوجات وغير ذلك من غير أن يتغيّر الحكم الإلهي بإباحته ، وإنَّما هو عزيمة إجرائية عامة لمصلحة نظير عزم الفرد الواحد على ترك تعدد الزوجات لمصلحة يراها لا لتغييرٍ في
1 ـ آل عمران : 11 .
الحكم ، بل لأنه حكم إباحي له أن يعزم على تركه (1) .
1 ـ تفسير الميزان .
وقبل أن تقرأ ما سنذكر من تراجم ، لابدّ من تعريف سريع لبعض المجالات التي أدّت المرأة المؤمنة من خلالها أدواراً رائعة ومشرّفة ، ونستطيع أن نقول : لا يخلو مجال لم تشارك المرأة أخاها الرجل فيه ، إلاّ تلك التي اختصّ الرجل بها لمزايا معيّنة فيها .
ففي علم الفقه تطالعنا أسماء لامعة لفقيهات مشهورات عرّفهن التأريخ الإسلامي لنا ، كالفقيهة حميدة الرويدشتي ، وفاطمة الرويدشتي ، و اُم علي زوجة الشهيد الأوّل محمد بن مكي الجزيني العاملي ، وبنته المعروفة بست المشايخ ، والفقيهة العالمة المجتهدة العلوية الأمينية الأصفهانية ، وغيرهن ممن سوف تطّلع عليهن في هذا الكتاب .
وفي علم الحديث نجد كثيراً من النساء روينَ الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والأئمة الأطهار عليهم السلام ، حتى أنّك تجد أبواباً مستقلة في ذكر الراويات ، خصّصها مؤلفو كتب التراجم ، وقسّموهن إلى عدّة أقسام حسب المروي عنه ، فهذه راوية عن النبّي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتلك عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أو الحسن والحسين عليهما السلام ، أو بقية المعصومين عليهم السلام ، أمثال : اُم سلمة ، اُم غانم ، اُم البراء ، اُم البداء ، حبّابة الوالبية ، اُم الوشاء ، اُم هاني ، سعيدة ، نضرة ، وغيرهن .
وفي مجال الحصول على إجازات للرواية من العلماء الأعلام فقد تعرّفنا على بعض النساء اللواتي حصلن على إجازات للرواية ، مثل : ست المشايخ ، فاطمة التلعكبري ، بنتا
الشيخ الطوسي ، شرف الأشراف وفاطمة بنتا السيّد ابن طاووس ، بنت السيّد ابن شدقم ، ست العشيرة ، العلوية الأمينية الأصفهانية ، وغيرهن .
وهناك عدد كبير من النساء المؤلّفات اللواتي شاركن الرجال في تأليف الكتب في شتى المجالات ، مثل : حميدة الرويدشتي ، العلوية الأصفهانية ، العلوية الشهيدة آمنة الصدر ( بنت الهدى ) ، زينب فوّاز العاملّية وغيرهن .
وفي مجال الشعر نجد شاعرات مبدعات نظمنَ الشعر الحماسي والعقائدي ، وعبّرنَ عن مبدأهن وأهدافهن بواسطة الشعر ، مثل : اُم البنين ، أروى بنت عبدالمطلب ، أسماء بنت عقيل ، ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ، اُم ذر الغفاري ، اُم الهيثم النخعية ، درّة العلماء ، بنت الهدى ، وغيرهن .
وكثير منهن كنّ على درجة عالية من البلاغة ، حتى أنهن أدهشنَ الرجال ببلاغتهن ، مثل سفانة بنت حاتم الطائي ، سودة بن عمارة الهمدانية ، الزرقاء بنت عدي ، بكارة الهلاليةُ ، درامّية الحجونيّة ، اُم سنان المذحجّية ، اُم البراء بنت صفوان ، أروى بنت الحارث ، وغيرهن .
وإنّ بعض هذه النسوة يمكن عدّهن من اللواتي قُلْنَ كلمة الحقّ أمام السلطان الجائر ، حيث وقفن أمام معاوية بن أبي سفيان ، ودافعنَ عن الإمام علي عليه السلام بكلّ جرأة وصلابة ، وأسمعنَ معاوية ومَن معه كلاماً شديداً .
وللمرأة المؤمنة أيضاً دور فعّال وَذِكْرٌ حسن فيما يتعلّق بواقعة الطف ، سواء مَن حضرنَ الواقعة أو لم يحضرن ، مثل : الرباب ، طوعة ، فكيهة ، اُم حبيب ، رملة ، اُم خلف ، اُم وهب وزوجته ، حسنية ، خوصاء ، وغيرهن .
ولم تقتصر الشهادة على الرجال فقط ، بل نجد أنّ المرأة المؤمنة قد شاركته في الحصول على هذا الوسام ، مع أنّ الشريعة الإسلامية أسقطت الجهاد عن المرأة ، إلاّ أنّها قد نالت الشهادة في بعض الوقائع ، مثل : اُم عمار بن ياسر أوّل شهيد في الإسلام ، اُم وهب ، درّة الصدف ، زوجة شعبان المهدي ، العلوية بنت الهدى ، سلوى البحراني ، أمل العامري ،
وغيرهن .
وهناك مجالات اُخرى أدّت المرأة المؤمنة فيها أكثر من موقف ، والتي سوف نتعرف عليها أثناء مطالعة الكتاب .
أمّا نساء أهل البيت : وفي مقدّمتهن سيّدتنا فاطمة الزهراء ، و اُم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، وزينب بنت علي عليه وعليها السّلام التام ، وسكينة وفاطمة وبقية النساء اللواتي تعلّمنَ في بيوت أذن الله لها أن ترفع ، فإنّا ذكرناهن بشيء من التفصيل حسبما توفّر لدينا من مصادر .
وفي الختام نقدّم جزيل شكرنا وتقديرنا للّذين أعارونا بعض الكتب ، أو أرشدونا إلى أماكن تواجد البعض الآخر . وكلّنا أمل من العلماء الأعلام والأخوة المحققين أن ينبّهونا على ما وقعنا فيه من الأخطاء ، وأن يرشدونا إلى التراجم التي لم نذكرها ، ليتسنّى لنا نشرها في الطبعة اللاحقة إن شاء الله تعالى .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم أعداء الله أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .
محمّد الحسّون ـ أم علي مشكور
بلدة قم الطيبة
التاسع من شعبان عام 1409 هـ
1 آبش خاتون
آبش خاتون بنت الأتابك سعد بن أبي بكر الزنكي .
عالمة ، فاضلة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة . تلقّت من العلوم والثقافة ما جعلها من أندر وأعلم نساء عصرها . كانت محبّة للعلم ، تجالس العلماء كثيراً ، وقد عملت على نشر التشيّع في ربوع حكومتها .
وهي ملكة جليلة ، نشأت وترعرت في بلاط أبيها ، وكانت ذات عقل راجح ورأي صائب ، ذات دين وصلاح وشجاعة . وهي آخر ملكات آل الأتابك السلغري في شيراز ، انتهت بها حكومتهم في ايران .
توفيّت في سنة 685هـ في تبريز ، ودفنت في مقابر ( جرنداب ) ، وبعد مدّة من الزمن نَقلت بنتها ( كردوجين ) رفاتها إلى شيراز ودفنت في مدرستها التي تُعرف باسمها ( مدرسة آبش خاتون ) أو ( مدرسة خاتون قيامه ) ، وقد وقفت جميع أموالها وثروتها على أن يُصرف ريعها في سبيل الإسلام ونشر العلم .
ذكرها أكثر المؤرّخين والكتّاب ، منهم رشيد الدين فضل الله في ( جامع التواريخ ) ، والآيتي في ( تأريخ الوصاف ) ، وحمد الله المستوفي في ( تأريخ گزيدة ) ، وخواند أمير في ( تأريخ حبيب السير ) ، والفسائي في ( فارسنامه ناصري ) (1) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 3 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، تذكرة الخواتين : 76ـ77 ، دائرة المعارف تشيّع 1 : 8 ، زنان سخنور 1 : 2 ، مرآة الخيال : 336 .
2 آتوني حياة الهروي
أديبة ، فاضلة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة والشعر في كلّ من هرات وخراسان في القرن العاشر الهجري ، ذات سلطة ونفوذ ، وعقل راجح ، ورأي صائب .
نشأت في هرات وخراسان إحدى المراكز العلميّة آنذاك ، وتزوّجها العالم الشاعر ملا بقائي ، وكانا من المقرّبين إلى الوزير الأمير نظام الدين علي شير الجغتائي الهروي المتوفّى سنة 906هـ ، وكان هذا الوزير كثيراً ما يستشيرها في ادارة شؤون المملكة .
ذكرتها معظم كتب التراجم ، ووصفتها بأنّها من ربّات الجمال البارع والحسن الباهر ، لها اليد الطولى في الأدب والشعر ، بديعة النظم ، ذات لسان فصيح ومنطق مبين ، سريعة البديهة ، خفيفة الروح ، حسنة الحديث ، جميلة الصحبة ، كانت تجالس العلماء والشعراء .
ذكرها المير علي شيرلودي في كتابه مرآة الخيال قائلاً : إنّها مشهورة بـ ( آتوني ) ، وأدرج قسماً من شعرها (1) .
وقال عنها صاحب كتاب جواهر العجائب : إنّ اسمها حياة ، وهي من مدينة هرات وزوجة الشاعر ملا بقائي ، ثم ذكر شيئاً عن حياتها ، ونقل قسماً من شعرها (2) .
وفي كتاب تذكرة الخواتين قال الميرزا محمّد ملك : كانت تتخلّص في شعرها بـ ( توني ) ، ثم ذكر قسماً من شعرها (3) .
وعبّر عنها الآغا بزرك الطهراني في الذريعة بالفاضلة الشاعرة (4) .
ونقل علي أكبر المشير عن مجموعة مخطوطة في مكتبة ملك الوطنيّة بطهران : أنّ اسمها
1 ـ مرآة الخيال : 336 .
2 ـ جواهر العجائب : 128 .
3 ـ تذكرة الخواتين : 76 .
4 ـ الذريعة 9||1 : 2 .
بي بي آتوني ، ثم ترجم لها وذكر أكثر أقوال المؤرّخين (1) .
3 آرايش بيگم
الأميرة آرايش بيگم بنت الأمير اسكندر بن قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرام خواجة التركمانية .
شاعرة فارسية ، كان أبوها من اُمراء طائفة قراقوينلو التركمانية ، وقتل سنة 841هـ ، أما هي فقد استدل القاضي السيّد نور الله التستري الشهيد سنة 1019هـ في كتابه ( مجالس المؤمنين ) على تشيّعها وتشيّع عشيرتها بشعر كان منقوشاً على خاتمها ، وهو :
أي : أنّ آرايش اسكندر يلهج لسانها بذكر آل علي في مصاعب الدنيا والآخرة .
4 آرزوئي السمرقنديّة
أديبة ، فاضلة ، شاعرة ، متكلّمة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة في القرن الحادي عشر للهجرة في سمرقند ، توفيّت بعد سنة 1052هـ .
ذكرها الأمير شير علي خان اللودي في كتابه مرآة الخيال ، ووصفها بأنّها صاحبة جمال بارع وحسن باهر ، وأنّ لها طبعاً موزوناً ، وصلت إلى أعلى مراتب الكمال والمجد الأدبي (3) .
وذكر ديوانها الشيخ أقا بزرك الطهراني في الذريعة قائلاً : ديوان آرزوئي السمرقندية ، الشاعرة (4) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 3 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، دائرة المعارف تشيع 1 : 8 .
2 ـ مجالس المؤمنين 2 : 367 ، رياحين الشريعة 3 : 32 .
3 ـ مرآة الخيال : 337 .
4 ـ الذريعة 9||1 : 5 .
ولها ذكرٌ جميل في كثير من المؤلّفات التأريخية والأدبية (1) .
5 آغا بيگم
آغا بيگم بنت ابراهيم خان بن بناه خان جوانشير ، تُلقّب بـ ( آغا باجي ) ، وتتخلّص في شعرها بـ ( طوطي ) .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، زاهده ، ذات طبع سليم وذوق أدبي رائع ، من ربّات الفصاحة والبلاغة ، متكلّمة ، خطيبة ، لها ديوان شعر .
قرأت على أكابر علماء آذربايجان ، ولمّا بلغت سن الرشد تزوّجها السلطان فتح علي الشاه القاجاري ، وانتقلت إلى طهران واستقرّت في قصر زوجها . إلاّ أنّ الحياة السائدة في العائلة المالكة لم تعجبها ، فكرهت الأمراء والوزراء ، بل كرهت زوجها وهجته في قصيدة شعرية .
هاجرت إلى مدينة قم ، واعتكفت هناك ، وانصرفت إلى العبادة والتبّتل إلى أن وافاها الأجل سنة 1248هـ ، ودفنت في قم .
ذكرها الوزير محمّد حسن خان اعتماد السلطنة في كتابه ( خيرات حسان ) (2) ، وصاحب ( تذكرة الخواتين ) (3) ، ومحمّد علي تربيت في ( دانشمندان آذربايجان ) (4) ، وغيرهم (5) .
6 آغا بيگم الطباطبائيّة
آغا بيگم بنت السيّد محمّد علي ابن السيّد عابد ابن السيّد علي ابن السيّد محمّد الطباطبائي النجفي الأصفهاني البروجردي .
1 ـ تذكرة الخواتين : 59 ، ريحانة الأدب 1 : 47 ، زنان سخنور 1 : 3 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 3ـ4 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ خيرات حسان 1 : 11 .
3 ـ تذكرة الخواتين : 11ـ12 .
4 ـ دانشمندان آذربايجان : 8 .
5 ـ انظر مستدرك أعيان الشيعة 3 : 3 نقلاً عن الأستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
من أفاضل نساء عصرها ، فقيهة ، مُحدّثة ، عابدة ، زاهدة ، متكلّمة ، خطيبة .
أخذت المقدّمات والعربية على أفاضل علماء عصرها ، ثم تفقّهت على رجال اُسرتها ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت السيّد علي الطباطبائي البروجردي ورُزقت منه السيّد حسين البروجردي المرجع الديني الكبير المتوفى سنة 1380هـ .
توفّيت في بروجرد سنة 1323هـ ، ونُقل رفاتها إلى مدينة النجف الأشرف ، ودُفنت في وادي السّلام حسب وصيتها (1) .
7 آغا كوچك القاجاريّة
آغا كوچك بنت الأمير سيف الله ميرزا سردار مفخم القاجاري .
من ربّات الفصاحة والبلاغة في القرن الثالث عشر للهجرة ، أديبة ، فاضلة ، شاعرة ، متكلّمة . ولدت في البلاط القاجاري وترعرت في بيوتات السلاطين ، وأخذت العلم على جملة من أفاضل عصرها ، ونبغت في الأدب والشعر .
وكانت اُمّها الأميرة آغا بيگم بنت الميرزا عبدالكريم من الأميرات الصفويات ، لذا ينتهي نسبها من جهة الأب إلى السلطان فتح علي القاجاري ومن جهة الام إلى السلاطين الصفوية .
ذكرها وأثنى عليها جمع من المؤلّفين منهم الميرزا محمّد حسن خان اعتماد السلطة في خيرات حسان ، وعلي أكبر مشير سليمي في زنان سخنور ، والمحلاتي في رياحين الشريعة (2) .
8 آغنة دوست السبزواريّة
ويقال لها آغادوست بنت درويش قيام السبزواري .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 8 نقلاً عن الاُستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، خاندان آية الله بروجردي : 132 ، دائرة المعارف تشيّع 1 : 120 .
2 ـ خيرات حسان 1 : 11 ، زنان سخنور 1 : 8 ، رياحين الشريعة 3 : 322 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 4 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
عالمة ، فاضلة ، نابغة عصرها في علم العروض والقوافي ، ولها أشعار جيّدة (1) .
ذكر ديوانها ، الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة قائلاً : ديوان آغنة دوست بنت درويش قيام السبزواري ، الفاضلة الشاعرة العالمة بالعروض والشعر (2) .
واعتبر الوزير الايراني محمّد حسن خان اعتماد السلطنة في كتابه خيرات حسان آغادوست و آغنة دوست اثنتين ، حيث ترجم لهما في مكانين من كتابه ، مع اتحاد الأشعار التي ذكرها لهما (3) .
وذكرها أيضـاً تحت عنوان آغنـه دوست علي أكبر مشير سليمـي في كتابه زنان سخنور (4) .
وذهب الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة إلى اتحادهما (5) .
9 آفاق بيگه
آفاق بيگه بنت الأمير علي الجلائري الهراتي ، ويقال لها آقا بيگه الهراتية الجلائرية ، توفّيت سنة 905هـ .
أديبة ، شاعرة ، فاضلة ، من ربّات البر والاحسان ، ومشاهير نساء عصرها ، مُحبّة للعلم والعلماء .
ترعرعت في بلاط أبيها ، وأخذت العلم وفنون الأدب على كبار علماء عصرها . ولمّا بلغت سن الرشد تزوّجت الأمير درويش علي كتابدار ، شقيق الوزير الأمير علي شير نوائي المتوفى سنة 906هـ والذي ذكرها وأثنى عليها في كتابه مجالس النفائس الذي الّفه سنة 895هـ (6) .
1 ـ مرآة الخيال : 337 .
2 ـ الذريعة 9||1 : 9 .
3 ـ خيرات حسان 1 : 12 و 153 .
4 ـ زنان سخنور 1 : 8 .
5 ـ حكاه عنه السيّد حسن الأمين في مستدركات أعيان الشيعة 3 : 4 .
6 ـ مجالس النفائس : 164 .
كما ذكرها وأثنى عليها الأمير شير علي خان اللودي في كتابه مرآة الخيال الذي ألّفه في سنة 1102هـ قائلاً : كانت من الشاعرات المعاصرات للسلطان حسين بايقرا في بلدة هراة ، ومرجعاً للخاص والعام ، ومن أهل الثراء والجاه ، ولها ديوان عامر وخدم وحشم وأملاك وأسواق ومقاطعات زراعية ، تُنفق من مالها الخاص على العلماء والشعراء وأهل الفضل (1) .
وذكرها أيضاً بالمدح والثناء الشيخ الطهراني في الذريعة (2) .
وذكر السيّد حسن الأمين فيما استدركه على أعيان والده ، نقلاً عن الاستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة قوله : كان دارها في مدينة هرات مجمع الاُدباء والشعراء والعلماء وأهل الفضل ، تحب مجالستهم ومعاشرتهم ، وقد عيّنت رواتب شهرية تدفع لبعض شعراء وعلماء هرات (3) .
10 آمنة الصدر « بنت الهدى » (4)
السيّدة الجليلة العلويّة الشهيدة آمنة الصدر بنت آية الله الفقيه المحقّق السيّد حيدر الصدر ، أحد كبار علماء الإسلام في العراق .
اُمّها من عائلة علميّة مرموقة ، معروفة في الأوساط العلمية ، وهي اُخت المرجع الديني آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين .
أخواها : السيّد اسماعيل الصدر ، وآية الله العظمى المرجع الديني الكبير والمفكّر الإسلامي العظيم الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر ، نابغة زماننا هذا ، ومُفجّر الثورة الإسلامية في العراق .
فالشهيدة بنت الهدى تنحدر من عائلتين علميّتين معروفتين في جهادهما ومواقفهما
1 ـ مرآة الخيال : 336 .
2 ـ الذريعة 9||1 : 9 .
3 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 7 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
4 ـ ما يرد في ترجمتها مأخوذ من معلوماتنا الخاصة عن الشهيدة بنت الهدى ، ومن كتاب « عذراء العقيدة والمبدأ الشهيدة بنت الهدى » لمؤلّفه جعفر نزار حسين .
البطولية .
ولدت رضوان الله تعالى عليها في مدينة الكاظمية المقدّسة سنة 1357هـ 1937م ، وترعرّت في أحضان والدتها وأخويها ، إذ أنّ والدها قد فارق الحياة وعمرها آنذاك سنتان .
نشأت في حجرِ الإيمان وحضن التقوى ، وقد تكلّفت والدتها وأخواها تعليمها وتربيتها .
تعلّمت القراءة والكتابة في بيتها دون أن تدخل المدارس الرسميّة ، ثم درست النحو والمنطق والفقه والأصول وباقي المعارف الإسلامية ، واطّلعت على المناهج الرسمية التي تدرّس في المدارس ، ودرستها في بيتها ، وبذلك تكون قد جَمعت بين الدراسة الحديثة وبين دراسة المعارف الإسلامية .
كانت وَلعة بمطالعة الكتب ، غير مُقتصرة على الكتب الإسلاميّة ، فقد تناولت كتباً غير دينيّة أيضاً . ولأنّها من عائلة فقيرة فقد كانت تستعير الكتب من هنا وهناك ، بل كانت تصرف ما يُعطى لها من مبلغ بسيط لسدّ حاجاتها الضرورية في شراء بعض الكتب التي ترغب في قرائتها .
عُرفت رحمها الله بالذكاء الوقّاد ، وسُرعة الحفظ ، وقابليتها العالية على جذب النساء إليها بعذوبة لسانها ولطافة منطقها ، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها إلاّ قد اُعجبت بها وأصبحت من مريداتها .
كانت رحمها الله تستغل كلّ وقتها ، وتستفيد من كلّ شخصية يمكنها أن تُفيدها بطريقة أو اُخرى ، فكانت تستغل فراغ السيّد الشهيد الصدر في أوقات راحته ، وتنهل من علمه ومعارفه الإسلامية .
وعبرَ هذه الصفحات القليلة نحاول إلقاء الضوء على بعض المهام التي قامت بها الشهيدة بنت الهدى :
دورها التبليغي :
لعبت الشهيدة بنت الهدى ـ رحمها الله ـ دوراً فعّالاً وملموساً في هداية الفتيات
ـ وبالأخص العراقيات ـ ورجوعهن إلى التمسّك بتعاليم الدين الحنيف ، فمَنْ كان قريباً منها يعرف ذلك جيداً . فكم من فتاة ، بل عائلة كادت أن تخرج عن دينها وتصهرها الحضارة المستوردة من الغرب أو الشرق ، لولا وقوف الشهيدة بنت الهدى إلى جانبها وانقاذها من الغرق في عالم التبرّج والرذيلة ، فكانت بحقّ رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق .
تتّصف رحمها الله باُسلوب تبليغي عذب ومؤثّر ، فلم تجلس مع امرأة إلاّ وأثّرت عليها ، ودخلت إلى قلبها عبرَ الكلمات اللطيفة والمنطق العذب الذي كانت تستعمله مع النساء .
لقد عَرفت بنت الهدى رحمها الله أنّ التبليغ في أوساط النساء يمكن أن يؤدّي دوراً فعّالاً في تقدّم الحركة الإسلاميّة عموماً ، لذلك نجدها تعقد جلسات دوريّة في بيتها وفي بيوت اُخرى ، وبالتعاون مع بعض النساء المريدات لها واللواتي لهنّ اطّلاع على ما يجري في العراق من محاولات لإفساد المرأة العراقية .
ولم تكتفِ الشهيدة بذلك ، بل كانت ـ وحين سماعها بوجود جماعة من النسوة في بيت معيّن ـ تُسارع إلى الحضور في أوساط النساء عندما ترى أنّ الجوَ مناسب . وقد استطاعت بعملها هذا أن تُربّي عدداً من النساء ، حيث أصبحت كلّ واحدة منهن معلّمة لمجموعة من الفتيات والنساء .
ولم تكتفِ الشهيدة بنت الهدى بهذا القدر من التبليغ ، بل تعدّته إلى مجال أوسع وأكثر فائدة ، وهو مخاطبة الفتاة العراقية والعربية عموماً عَبرَ مجلّة « الأضواء » التي أصدرتها جماعة العلماء في النجف الأشرف (1) .
فما أن عَلِمتْ أنّ العدد الأوّل سيصدر حتى بادَرت وكَتبت فيه مقالاً لطيفاً وظريفاً ، تحث فيه الفتاة المسلمة على الإلتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم الانجرار وراء الغرب والشرق ، قالت :
« فما أجدرنا اليوم ـ إذ تُمتحن رسالتنا الحبيبة بشتى المحن ـ أن نرفع مشعل
1 ـ كانت رحمها الله تكتب مقالاتها وكتبها بتواقيع مستعارة ، هي : ( بنت الهدى ) ، ( اُم ّ الولاء ) ، ( آ ـ ح ) ، ( آ ـ ح ـ ا ) انظر معجم الاسماء المستعارة وأصحابها ، ليوسف أسعد داغر : 33 و 68 و 83 و 180 .
الدعوة الإسلامية ، ونستثمر علومنا وتعلّمنا في سبيل الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن نذكر دائماً وأبداً أنّ نبيّ الرحمة قد أوصانا بطلبه وجعله فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ؛ لكي يكون للمرأة المسلمة نصيبها من الدعوة إلى مبدئها ونظامها الخالد ، ولكي تكون قادرة على صدّ هجمات المغرضين وردّ دعايات المرجفين ، لا لتتلاعب بها الريح مُصفرة أو مُحمرة ، شرقية كانت أو غربية ، ولكن لكي تسير على الطريق المهيع السوي ، وتتمسّك بالإسلام ديناً ومبدأ ونظاماً ، ولكي تتفهمه لترى فيه كلّ ما تطمح إليه مِن تقدّم ورقي وازدهار ، فلا تعود تتطفّل على المبادىء الدخيلة والأفكار المستوردة » (1) .
وفي عدد آخر من مجلّة الأضواء قالت بنت الهدى ـ مخاطبة الفتاة المسلمة ، طالبةً منها الصمود والتحدّي والمقاومة أمام كلّ الاغراءات المبذولة آنذاك ـ :
« كوني مثلاً يُقتدى به ولا تكوني اُلعوبة تقتدي ، كوني متبوعةً لا تابعة ، قاومي الاغراءات ، اصمدي أمامَ كلّ شيء ، فإنّي لأعلم أنّ العقبات أمامك كثار ، وأن دربك لا يخلو من شوك وعثار ، لكن النكوص عار ، والتراجع شنار ، فالموت أولى من ركوب العار ، والعار أولى من دخول النار » (2) .
وقالت أيضاً :
« وكم مِن اللواتي مَشِينَ وراء النفير الأجنبي ، ونزعنَ حجابهن في غفلةٍ وغرور ، أخذنَ يتراجعنَ وبدأنَ يستفقنَ مِن كابوس المفاهيم الخاطئة التي أملاها علينا الاستعمار الغاشم ، بعد أن أرادَ أن يستعمرنا في كلّ شيء حتى في أعزّ وأطهر ما عندنا ، وهو المرأة » (3) .
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد الأوّل للسنة الاُولى ، ذي الحجة 1379هـ ، حزيران 1960م .
2 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الثانية ، 1381هـ ، 1961م .
3 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الثانية 1381هـ ، 1961م .
وفي عدد آخر قالت :
« لا تقعد بكنّ هذه التخرّصات ، ولا تثنيكنّ أمثال هذه النفحات المشؤومة ، بل تزيدكنّ عزماً وقوّة وشدّة ومضاء ، لتثبتن لهنّ صواب نهجكن وخطأ سيرهن المتعرّج ذات اليمين وذات اليسار ، ولتوضحن لهنّ أنّهنّ هنّ اللواتي رجعن بسلوكهن إلى أبعد عصور الجاهلية حيث لا أحكام ، ولا قوانين ، ولا مثل ومفاهيم » (1) .
وردّاً على ما يحَتج به مستوردوا التحضّر ، الذّين يدعون إلى تبرّج المرأة ولحوقها بحضارة الشرق أو الغرب ، قالت بنت الهدى :
« هل يمكن لاُمّة ـ أياً كانت ـ أن تتقدّم وتتحضّر بحضارات أجنبية لا تمتّ لها بصلة لتكون بذلك متقدّمة ؟ ! فإنّها لم تتقدّم خطوة ، ولم تزدهر لحظة ، وإنّما الأفكار الخارجية والدعايات الأجنبية هي التي تقدّمت وازدهرت على حسابنا ، نحن أعداءها الحقيقين » (2) .
وعن شخصية المرأة المهدّدة قالت :
« وذلك نتيجة سوء فهمها للإسلام والبعد عن روحه ومفاهيمه من ناحية ، ونتيجة تغذية الثقافة الاستعمارية المسمومة التي غزت بلادنا من ناحية ثانية ، إذ نشرت مفاهيمها المناقضة للإسلام ، والتي لا تنطوي في الحقيقة إلاّ على القضاء على أصالة المرأة واُنوثتها وكرامتها » (3) .
وبصدد الردّ على شعارات : تحرير المرأة ، حقوق المرأة ، مساواة المرأة ، قالت الشهيدة بنت الهدى :
« أنغام سمعناها ، وسنسمعها أيضاً ما دام المكروب الأجنبي يسري في عروق
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
2 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
3 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
مجتمعنا المسكين ، وما دمنا متمسّكين بمبدئنا الحقّ ، داعينَ إلى نهجه القويم » (1) .
الإشراف على مدارس الزهراء عليها السلام :
تُعدّ مدارس الزهراء عليها السلام من أعمال « جمعية الصندوق الخيري الإسلامي » ، وهي أكبر المؤسسات الجهادية التي تشكّلت في العراق عام 1958م ، متبنّية أهداف الإسلام الحنيف في كافة لجانها التعليمية والثقافية والاجتماعية والطبّية ، وبجميع فروعها القائمة بمدينة البصرة والديوانية والحلّة والكاظمية وبغداد حيث يكون مركزها فيها .
كانت هذه الجمعية تشرف على العديد من الفعاليات الخيرية الإسلامية ، منها شؤون الرعاية الإجتماعية ، وتسهيل العلاج المجاني في مستوصفات طبّية خاصة ، كما كانت تضمّ كليّة اُصول الدين في بغداد ، إضافة إلى مدارس الإمام الجواد عليه السلام للبنين بمرحلتيها الإبتدائية والثانوية بمدينة الكاظمية .
وفي عام 1967م أصبحت الشهيدة بنت الهدى المشرفة على مدارس الزهراء عليها السلام في مدينة النجف الأشرف والكاظمية ، إضافة لإشرافها على مدرسة دينية اُخرى في مدينة النجف الأشرف . فكانت رحمها الله تشرف على تنظيم هذه المدارس ، وتعيّن المناهج الدراسية التربوية الإسلامية لها ، وتحلّ كلّ ما تواجهه هذه المدارس من مشاكل وصعوبات .
فكانت تقسّم أيام الإسبوع بين النجف والكاظمية ، فبالإضافة إلى الدروس التي كانت تُلقيها على الطالبات ، كانت لديها محاضرات تربوية تُلقيها على المعلّمات بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدرسة . وبعد الظهر كانت لديها لقاءات مع طالبات الجامعة حيث تجيب على أسئلتهن ، وتُلقي عليهنّ محاضرات ودروساً في المعارف الإسلامية .
وفي عام 1972م وبعد صدور قانون تأميم التعليم ، استقالت الشهيدة بنت الهدى من
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ ، 1960م .
عملها بعد أن عرفت أنّها لن تستطع أن تؤدّي دورها الرسالي ، وقد حرصت الدولة على إبقاء بنت الهدى في هذه المدارس ، وبعثت لها كُتباً رسمية تُطالبها بالعودة إليها ، إلاّ أنّها رفضت ذلك ، وحينما سُئلت عن سبب رفضها للطلبات الرسمية قالت :
« لم يكن الهدف من وجودي في المدرسة إلاّ نوال مرضاة الله ، ولما انتفت الغاية من المدرسة بتأميمها فما هو جدوى وجودي بعد ذلك ؟ ! » (1) .
القصة الإسلامية :
لم تقتصر الشهيدة بنت الهدى في عملها التبليغي على إلقاء المحاضرات والدروس ، والكتابة في مجلّة الأضواء الإسلامية ـ بالرغم ما لهذين المنبرين من دور كبير في توعية الفتيات المسلمات وجعلهنّ أقرب إلى عقيدتهن ورسالتهن الإسلامية ـ بل تعدّته إلى مجال أوسع ورحاب أكبر ، وهو كتابة القصة الإسلامية الهادفة ، والتي تستطيع بواسطتها أن تُوصل صوتها ودعوتها للحقّ إلى أكبر عدد من النساء في العالم العربي .
فبدأت بكتابة القصة ، آخذه بنظر الإعتبار أولوية الهدف وثانوية الجانب الفني ، مخالفة في ذلك الاُدباء العراقيين حيث يُعيرون أهمية كبرى للجانب الفني ويفضّلونه على الهدف .
وقد أشارت رحمها الله إلى هذه النظرة الخاطئة عند الاُدباء بقولها :
« استحال بعض اُدبائنا مع كلّ الأسف إلى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا أقل ، أفكارهم غريبة عنهم ، بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم ، تستهويهم الصيحة ، وتطريهم النغمة ، وتسكرهم الرشفة ، فيغنّون بأمجاد الأعداء وهم في غفلة ساهون ، ويهلّلون للأفكار السامّة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئاً ، قد تشبّعوا بالثقافة الأجنبية التي أدخلها الإستعمار إلى بلادنا منذ عهد بعيد ، وهي التي انحرفت بجيلنا الناشىء ذات اليمين وذات اليسار ،
1 ـ مُلحق صحيفة الجهاد الصادر بتأريخ 20 جمادى الآخرة 1403هـ ، 4 نيسان 1983م .
وحرصت على تشويه انتاجاتنا الأدبية بكلّ أشكالها ونواحيها ، ومن جراء هذا الفهم الخاطىء للثقافة الدخيلة انتشرفي ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجّه نحونا نحن بنات الإسلام بالذات » (1) .
إذاً فكتابتها للقصة لم تكن عن هواية أو احتراف ، بل لهدف معيّن ، وهو مخاطبة الجيل الناشيء باُسلوب قصصي بسيط ، وإيصال التعاليم الإسلامية إليه وبهذا الاُسلوب ، وقد أشارت الشهيدة رحمها الله إلى هذا المعنى بقولها :
« إنّ تجسيد المفاهيم لوجهة النظر الإسلامية في الحياة هو الهدف من هذه القصص الصغيرة » (2) .
وقالت أيضاً :
« ولهذا فإنّ أيّ فتاة سوف تقرأ في هذه القصص « مجموعة صراع » أحداثاً عاشتها بشكل أو بآخر ، أو تفاعلت معها ، أو مرّت قريباً منها » .
ثم تقول :
« سوف تجد في كلّ قصة الموقف الايجابي الذي تفرضه وجهة النظر الإسلامية في الحياة ، والبون الشاسع بين نظافة هذا الموقف وطهارته وتساميه ، وبين الإنخفاض والإنحطاط الذي تُمثّله وجهات النظر الاُخرى في الحياة » (3) ؟ .
وقالت أيضاً :
« فلستُ قصّاصة ولا كاتبة للقصة ، بل انّي لم أحاول قبل الآن أن أكتب قصة » (4) .
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد التاسع للسنة الاُولى ربيع الثاني 1380هـ ، تشرين الأول 1960م .
2 ـ مقدّمة قصة : « صراع من واقع الحياة » .
3 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
4 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
وقالت أيضاً :
« ما قمتُ به لا يعدو عن كونه محاولة بنّاءة لفتح الطريق وتعبيده ، بغية السير في إحياء جهاز اعلامي صامت من أجهزة الإعلام التي تواكب سيرنا ونحن في بداية الطريق » (1) .
واستطاعت بنت الهدى رحمها الله ـ ومن خلال القصص التي كتبتها ـ أن تضع حلولاً لكثير من المشاكل التي تواجهها العوائل المسلمة في العالم الإسلامي الذي غزاه فكر الشرق والغرب .
فهي تعالج بدقة متناهية وباُسلوب لطيف مسألة الزواج ، وما آلت إليه نظرة المسلمين اليوم بالنسبة لهذا الأمر المهم ، حيث أصبح الزوج الأمثل هو الذي لديه ثروة طائلة أو شهادة مرموقة ، أمّا الأخلاق والتمسّك بتعاليم الدين الحنيف فهي أفكار رجعية يجب محاربتها . والزوجة المثلى هي التي تملك جمالاً فائقاً وإن كان كاذباً ، حيث تجلس صاحبته ساعات وساعات في صالة التجميل لتخفي وجهها الحقيقي وتَظهر بوجهٍ آخر أكثر جمالاً من واقعها .
العمل الإسلامي ، معاناة المرأة العاملة ، السخرية ، التشويه ، الجمال ، التجميل ، الحجاب . كلّ هذه عناوين لمشاكل عالجتها الشهيدة بنت الهدى في قصصها وبأسلوب مُقنع ، مستعملة في ذلك العبارات السلسة ، والكلمات الرقيقة .
وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثير من المشاكل العائلية ، وقد أقبلت الفتيات ـ ولا زالت ـ على اقتناء هذه القصص وقرائتها ، وطبعت عدّة طبعات ، مما يدلّ على طلب القرّاء لها .
وقامت دار التعارف للمطبوعات مؤخّراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلّدات صغيرة ، وهي تحتوي على :
(1) الفضيلة تنتصر .
1 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
(2) ليتني كنتُ أعلم .
(3) امرأتان ورجل .
(4) صراع مع واقع الحياة .
(5) لقاء في المستشفى .
(6) الخالة الضائعة .
(7) الباحثة عن الحقيقة .
(8) كلمة ودعوة .
(9) ذكريات على تلال مكّة .
(10) بطولة المرأة المسلمة .
(11) المرأة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
ونقل السيد حسن الأمين عن الاستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة انّها رحمها الله ألّفت كتاباً اسمه ( المرأة وحديث المفاهيم الاسلامية ) وطبعته بتوقيع ام الولاء (2) .
شعرها :
لم تكن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله شاعرة مُحترفة أو مكثرة ، ولم تكتب الشعر عن هواية ، بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت ، وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال كتابة الشعر الهادف الذي يسمو بصاحبه إلى أعلى درجات الرحمة والرضوان ، لذلك أخذت على عاتقها كتابة مقاطع شعرية عَبّرت من خلالها عمّا يهيج في خاطرها ، وعمّا تُعانيه المرأة المسلمة من انحطاط في مستواها الثقافي الديني .
ونورد هنا ما تيسّر لنا معرفته من شعرها :
1 ـ انظر معجم المؤلّفين العراقيين 1 : 34 ، معجم المطبوعات النجفية : 97و 108 و 264 و 213 .
ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 4 .
قالت رحمها الله :
إي وربّي
إي وربّي
إي وربّي
إي وربّي
إي وربّي
إي وربّي
وقالت رحمها الله :
وقالت أيضاً :
وقالت رحمها الله تعالى :
وقالت أيضاً :
وقالت أيضاً :
وفي مكان آخر قالت :
ولها مقطوعة توجيهية نظمتها ردّاً على تسمية فتيات الاُمة « رجعيات » قالت فيها :
« رجعية » إن قِيلَ عَنْك! فَلا تُبالـي وإصْمديِ
قُولي : أنـا بنتُ الرسالـةِ ، مِنْ هُداها اهتديِ
لَمْ يُثْنني خَجَلي عَـنْ العَليـا ، وَلَمْ يُغلل يديِ
كلا ، ولا هـذا الحجابُ يُعيقني عَـنْ مَقْصَديِ
فَغَداً لَنا ، أُختاه ، فامضي في طَرِيقكِ واصعديِ
والحقُ يـا اُخْتاه يَعْـلو فـوقَ كيـدِ المُعتديِ
وقالت تصف ذهابها إلى بيت الله الحرام :
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
وقالت رحمها الله في كتابها : « كلمة ودعودة » :
وقالت فيه أيضاً :
جهادها واستشهادها :
تُعدّ الشهيدة بنت الهدى رحمها الله رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق ، فلم تتصدّ لهذا العمل ولم تقم بمهامّه غير السيّدة آمنة الصدر ، في الوقت الذي تصدّى للعمل الإسلامي في أوساط الرجال عددٌ من العلماء والمفكّرين والشباب الملتزمين .
فلم تكتفِ الشهيدة رحمها الله بأن تُجاهد بلسانها وكتاباتها ، بل تعدّته إلى أكبر من ذلك ، حيث عاشت مع الحركة الإسلامية التي نظّمها وسيّرها وقادها أخوها المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر رضوان الله تعالى عليه . كانت مع الحركة الإسلامية منذ انبثاقها ، وما مشاريعها الإجتماعية ، ونشاطاتها الثقافية إلاّ جزءً من الحركة الإسلامية المنظّمة .
عاصرت الشهيدة بنت الهدى عدّة أحداث سياسية هامة :
منها : اعتقال الحكومة العراقية المجرمة للشهيد الصدر في مستشفى الكوفة عام 1972م .
ومنها : أحداث عام 1974م ، حيث اعتقل عدد غفير من كوادر الحركة الإسلامية في العراق ، واعدام خمسة منهم .
ومنها : أحداث عام 1977م ، حيث انتفضت مدينة النجف الأشرف ، تلك الإنتفاضة الحسينية الجماهيرية التي أرعبت نظام بغداد ، ممّا حدى بهذا النظام أن يعدم عدداً من الشباب الحسينيين الأبرياء بحجّة خروجهم على القوانين واثارتهم الشغب ، واستدعت الحكومة آنذاك الشهيد الصدر إلى بغداد وعاتبته على عدم تلبية طلباتهم في شجب هذا الأعمال واستنكارها .
وكانت الشهيدة رحمها الله تعيش عن قرب من هذه الأحداث ، حيث منحتها حسّاً سياسياً تستطيع بواسطته ادراك ما يجري حولها ، وما سيؤول الأمر إليه .
ومنها : أحداث عام 1979م ، هذا العام الذي شهد تحرّكاً سياسياً واسعاً في العراق ، حيث جاءت الوفود ومن شتى أنحاء العراق مجدّدة البيعة للإمام الصدر ، طالبة منه المسير قدماً في تطبيق حكم الله في الأرض ، فأحسّت حكومة بغداد بخطورة الموقف وتفاقمهِ ، وخوفاً من أن يفلت زمام الأمر منها أقدمت على اعتقال السيد الشهيد الصدر في 19 رجب .
وهنا بدأ دور الشهيدة بنت الهدى لتقف موقفاً بطولياً ، يُعبِّر عن عمق الإيمان وإحساسها بخطورة المرحلة . فخرجت من دارها ـ دار السيّد الشهيد ـ وذهبت إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهناك نادت بأعلى صوتها : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الظليمة الظليمة ، أيها الناس هذا مرجعكم قد اُعتقل . فعلم الناس بالخبر ، وسرعان ما انتشر ، وما هي إلاّ ساعات حتى خرجت تظاهرة كبرى في مدينة النجف الأشرف ، مُعلنة عن سخطها واستنكارها لإعتقال السيّد الشهيد الصدر ، فسارعت الحكومة لإطلاق سراحه خوفاً من توسّع رقعة المظاهرات .
وما أن وصل الخبر إلى بقية المدن العراقية حتى خرجت تظاهرات واسعة في بعضها مثل بغداد ، والكاظمية ، والفهود ، وجديدة الشط ، والنعمانية ، والسماوة . وقد خرجت أيضاً تظاهرات في بلدان اسلامية اُخرى ، مثل لبنان والبحرين وايران .
وعندما عرفت السلطة خطورة الموقف فرضت الإقامة الجبرية على السيّد الشهيد وعائلته بهدف منعه من الإتصال بالحركة الإسلامية ، وتمهيداً لتصفية أقطاب التحرك الإسلامي ، ومن ثمّ تصفية السيد الشهيد جسدياً . وفعلاً فقد أقدمت حكومة البعث الصليبية على جريمة كبرى حيث اعتقلت الشهيد الصدر واُخته العلوية بنتالهدى في يوم السبت 19 جمادي الاُولى سنة 1400هـ ، الموافق 5||4||1980م ، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تمّ تنفيذ حكم الإعدام بالسيّد الصدر واُخته العلوية آمنة الصدر .
وستبقى هذه الجريمة وصمة عار في جبين كل مَنْ ينتمي إلى حزب البعث ، بل وفي جبين مَنْ يدّعي القومية والتقدّمية .
وبهذا أفلَ نجم المعلّمة الكبيرة والمرشدة العظيمة العلوية بنت الهدى ، وفازت برضوان الله وجنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار .
11 آمنة بنت الشرّيد
زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي رحمه الله .
كانت فصيحة اللسان ، حاضرة الجواب ، من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ومناصريه ، أسْمَعَتْ معاوية بن أبي سفيان في محاورتها معه كلاماً قارصاً وجواباً لاذعاً .
روى ابن أبي طيفور في بلاغات النساء عن العباس بن بكّار ، قال : حدّثنا أبوبكر الهذلي ، عن الزهري . وسهل بن أبي سهل التميميّ ، عن أبيه ، قالا : لما قُتل علي بن أبي طالب عليه السلام ، بعث معاوية في طلب شيعته ، فكان في مَنْ طَلَبَ عمرو بن الحمق الخزاعي ، فراغ منه ، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ، ثم أنّ عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله ، وبعث برأسه إلى معاوية ، وهو أوّل رأسٍ حُملَ في الإسلام .
فلمّا أتى معاوية الرسول بالرأس ، بعث به إلى آمنة في السجن وقال للحرسي : إحفظ ما تتكلّم بهِ حتى تؤديه إليَّ ، واطرح الرأس في حجرها . ففعل هذا ، فارتاعت له ساعة ، ثم
وضعت يدها على رأسها وقالت :
واحزناه لِصغره في دار هوان ، وضيق من ضيمة سلطان ، نفيتموه عني طويلاً ، وأهديتموه إليَّ قتيلاً ، فأهلاً وسهلاً بمن كُنتُ له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية ، إرجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه : أيْتَمَ الله وِلْدَكَ ، وأوحش منكَ أهلكَ ، ولا غفرَ لكَ ذنبكَ .
فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالتْ ، فأرسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم إياس بن حسل أخو مالك بن حسل ، وكان في شدقيه نتوء عن فيه ؛ لعظمٍ كان في لسانه وثقل إذا تكلّم .
فقال لها معاوية : أأنتِ يا عدوّة الله صاحبة الكلام الذي بلغني به ؟
قالت : نعم ، غير مُنازعة عنه ، ولا مُعتذرة منه ، ولا مُنكرة له ، فلعمري لقد اجتهدتُ في الدعاء إن نفعَ الاجتهاد ، وأنّ الحقّ لمن وراء العباد ، وما بلغت شيئاً من جزائك ، وانّ الله بالنقمة من ورائك .
فأعرض عنها معاوية ، فقال إياس : اُقتل هذه يا أميرالمؤمنين ، فوالله ما كان زوجها أحقّ بالقتل منها .
فالتفتت إليه ، فلما رأته ناتىء الشدقين ثقيل اللسان ، قالت :
تباً لك ، ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع ، ثم أنتَ تدعوه إلى قتلي كما قتلَ زوجي بالأمس ﴿ إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّارَاً في الأَرْضِ ، وَمَا تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِين ﴾ (1) .
فضحكَ معاوية ثم قال : لله دَركِ اُخرجي ، ثم لا أسمع بكِ في شيء من الشام .
فقالت :
و أبي لأخرجنّ ، ثم لا تسمع لي في شيء من الشام ، فما الشام لي بحبيب ، ولا أعرج فيها على حميم ، وما هي لي بوطن ، ولا أحنّ فيها إلى سَكن . ولقد
1 ـ القصص : 19 .
عظم فيها دَيني ، وما قرّت فيها عيني ، وما أنا فيها إليكَ بعائدة ، ولا حيث كنتُ بحامدة .
فأشار إليها ببنانه اُخرجي ، فخرجت وهي تقول :
واعجبي لمعاوية يكف عنّي لسانه ، ويشير إلى الخروج ببنانه ، أما والله ليعارضنه عمرو بكلامٍ مؤيّد سديد أوجع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد .
فخرجت وتلقّاها الأسود الهلالي ، وكان رجلاً أسودَ أصلعَ أسْلَعِ (1) أصْعَلَ (2) ، فسمعها وهي تقول ما تقول ، فقال : لمن تعني هذه ؟ ألأميرالمؤمنين تعني ، عليها لعنة الله!!! .
فالتفتت إليه ، فلما رأته قالت :
خزياً لك وجدعاً ، أتلعنني واللعنة بين جنبيك ، وما بين قرنيك إلى قدميك ، إخسأ يا هامة الصعل ، ووجه الجعل ، فاذلل بكَ نصيراً ، واقلل بكَ ظهيراً .
فبهتَ الأسلع ينظر إليها ، ثم سأل عنها فاُخبر ، فأقبل إليها مُعتذراً خوفاً من لسانها .
فقالت : قد قبلتُ عذركَ ، وإن تعد أعد ، ثم لا استقبل ولا اُراقب فيك .
فبلغ ذلك معاوية ، فقال : زعمتَ يا أسلع أنّك لا تواقف مَنْ يغلبك ، أما علمتَ أنّ حرارة المتبول ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف الخصام ، أفلا تركتَ كلامها قبل البصبصة منها والاعتذر إليها ؟
قال : إي والله يا أميرالمؤمنين ، لم أكن أرى شيئاً من النساء يبلغ معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة ، حالستها فإذا هي تحمل قلباً شديداً ، ولساناً حديداً ، وجواباً عتيداً ، وهالتني رعباً وأوسعتني سبّاً .
ثم التفت معاوية إلى عبيد بن أوس فقال : إبعث لها ما تقطع به عنها لسانها ، وتقضي به ما ذكرت مِنْ دَينها ، وتخفّ به إلى بلادها ، وقال : اللهم اكفني شرّ لسانها .
1 ـ الأسْلَع : الأبرص . لسان العرب 8 : 160 « سلع » .
2 ـ الأصْعَل : دقيق الرأس والعنق . لسان العرب 11 : 378 « صعل » .
فلمّا أتاها الرسول بما أمر به معاوية قالت : يا عجبي لمعاوية ، يقتل زوجي ، ويبعث إليّ بالجوائز ، فليتَ أبي كرب سدّ عني حرة صلة ، خذ من الرضعة ما عليها (1) . فأخذت ذلك وخرجت تُريد الجزيرة ، فمرّتْ بحمصٍ فقتلها الطاعون ، فبلغ ذلك الأسلع ، فأقبل إلى معاوية كالمبشّر له ، فقال له : أفرغ روعك يا أميرالمؤمنين ، قد استجيبت دعوتك في ابنة الشريد ، وقد كُفيتَ شرَّ لسانها .
قال : وكيفَ ذلك ؟
قال : مَرّتْ بحمصٍ فقتلها الطاعون .
فقال له معاوية : فنفسكَ فبشّر بما أحببت ، فإنّ موتها لم يكن على أحد أروح منه عليك ، ولعمري ما انتصفتَ منها حين أفرغت عليك شؤبوباً (2) وبيلاً .
فقال الأسلع : ما أصابني من حرارة لسانها شيء إلاّ وقد أصابكَ مثله ، أو أشدّ منه (3) .
وقال الشيخ المفيد في الاختصاص : بعث معاوية بن أبي سفيان برأس عمرو بن الحمق إلى امرأته فوضع في حجرها ، فقالت :
سترتموه عني طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلاً ، فأهلاً وسهلاً من هدية غير قالية ولا مقلية . بلّغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول : طلب الله بدمه ، وعجّل الوبيل من نقمه ، فقد أتى أمراً فريّاً ، وقتلَ باراً تقيّاً ، فأبلغ أيها
1 ـ هكذا ورد في المصادر المتوفّرة لدينا من دون توضيح ، وبعد التتبع ظهر أنّ هذا الكلام عبارة عن مثلين دُمجا ، وحصل لهما تصحيف في بعض عبارتهما :
ففي مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمّد النيسابوري 2 : 194 رقم 3350 : « ليت حظي من أبي كَرِبٍ أن يَسُدّ عنّي خيره خَبلَهُ » ، قيل : نزلت بقوم شدّة فقالوا لعجوز عمياء : أبشري فهذا أبوكرب قد قرب منا ، فقالت هذا القول ، وأبوكرب ، تُبَّع من تبابعة اليمن .
وقال الجوهري في الصحاح 4 : 1365 « رضف » : الرَضْفُ : الحجارة المحماة يُوغَر بها اللبن ، واحدتها : رَضْفَةٌ ، وفي المثل « خُذ من الرَّضْفَة ما عليها » .
2 ـ الشؤبوب : الدفعة من المطر وغيره . لسان العرب 2 : 479 « شأب » .
3 ـ بلاغات النساء : 59 .
الرسول معاوية ما قلت .
فبلّغ الرسول ما قالت ، فبعث إليها فقال لها : أنتِ القائلة ما قلتِ ؟
قالت : نعم غير ناكلة عنه ، ولا مُعتذرة منه .
قال لها : اُخرجي من بلادي .
قالت : أفعل والله ما هو لي بوطن ، ولا أحنّ فيها إلى سجن ، ولقد طال بها سهري ، واشتد بها عبري ، وكثر فيها دَيني من غير ما قرّت به عيني .
فقال عبدالله بن أبي سرح الكاتب : يا أميرالمؤمنين إنّها منافقة فألحقها بزوجها .
فنظرت إليه فقالت : يا من بين لحيتيه كجثمان الضفدع ، ألا قلتَ من أنعمك خلعاً ، واصفاك كساءً ؟ إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب ، واتخذ العباد كالأرباب ، فأنزلَ كفره في الكتاب .
فأومأ معاوية إلى الحاجب باخراجها ، فقالت : واعجباه من ابن هند يشير إليّ ببنانه ، ويمنعني نوافذ لسانه ، أما والله لأبقرنّه بكلام عتيد كنوافذ الحديد أوما أنا بنت الشريد (1) .
وعمرو بن الحمق الخزاعي عدّه الشيخ من أصحاب علي عليه السلام ، ومن أصحاب الحسن عليه السلام (2) .
وعدّه البرقي من شرطة الخميس من أصحاب علي عليه السلام قائلاً : عمرو بن الحمق ، عربيّ خزاعي (3) .
وروى ابن شهر آشوب عن كتاب فضائل الصحابة : أنّ علياً عليه السلام قال : أسلمتُ قبل الناس بسبع سنين . . . . . . وعن تأريخ بغداد وعدّة كتب اُخرى عن حبّة العرني أنّه عليه السلام قال : بُعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء . ثم قال : وقد روى وجوه الصحابة وخيار
1 ـ الاختصاص : 17 . وانظر : أعيان الشيعة 2 : 95 ، رياحين الشريعة 3 : 326 ، أعيان النساء : 20 ، أعلام النساء 1 : 11 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسى : 47 ، 69 .
3 ـ رجال البرقي : 4 .
التابعين وأكثر المحدّثين ذلك ، وعدّ منهم عمرو بن الحمق ، وذكر أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام جعله في حرب الجمل وفي حرب صفين على الكمين ، وعدّه من أصحاب الحسن بن علي عليهما السلام الذين من خواص أبي ه (1) .
وعدّه الشيخ المفيد في الاختصاص من أصفياء أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام (2) .
وعدّه الكشي ـ في ترجمة اُويس ـ من حواري أميرالمؤمنين عليه السلام ، وروى عن جبرئيل ابن أحمد الفاريابي ، قال : حدّثني محمّد بن عبدالله بن مهران ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم ، رفعه قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية ، فقال لهم : « إنّكم تضلّون ساعة كذا في الليل فخذوا ذات اليسار ، فإنّكم تمرّون برجلٍ فاضلٍ خيّرٍ في شأنه ، فتسترشدونه ، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه ، فيذبح لكم كبشاً فيطعمكم ، ثم يقول فيرشدكم ، فاقرأوه مني السلام ، واعلموه أنّي قد ظهرت بالمدينة » .
فمضوا فضلّوا الطريق ، فقال قائل منهم : ألمْ يقلْ لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تياسروا ، ففعلوا ، فمرّوا بالرجل الذي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسترشدوه ، فقال لهم الرجل : لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ، ففعلوا فأرشدهم الطريق ، ونسوا أن يقرأوه السّلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : فقال لهم الرجل ـ وهو عمرو بن الحمق رضي الله عنه ـ أَظَهَرَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ؟ فقالوا : نعم ، فلحق به ولبث معه ما شاء الله .
ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ارجع إلى الموضع الذي منه هاجرت ، فإذا تولّى أميرالمؤمنين عليه السلام فأته » ، فانصرف الرجل حتى إذا تولّى أميرالمؤمنين عليه السلام الكوفة أتاه وقام معه بالكوفة .
ثم أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قال له : « ألك دار ؟ » .
قال : نعم .
1 ـ مناقب ابن شهر آشوب 2 : 7 ، 3 : 654ـ169 ، 4 : 40 .
2 ـ الاختصاص : 15 .
قال :
« بعها واجعلها في الأزد ، فإنّي غداً لو غبت لَطُلِبْتَ ، فتمنعك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجهاً إلى حصن الموصل ، فتمرّ برجل مُقعد فتقعد عنده ، ثم تستقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك ، فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم ، وامسح بيدك على وركيه فإن الله يمسح ما به وينهض قائماً فيتبعك . وتمرّ برجل أعمى على ظهر الطريق ، فتستقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك ، فأخبره وادعه إلى الإسلام فإنّه يسلم ، وامسح يديك على عينيه فإنّ الله عزّ وجلّ يُعيده بصيراً ، فيتبعك ، وهما يواريان بدنك في التراب ، ثم تتبعك الخيل ، فإذا صرت قريباً من الحصن في موضع كذا وكذا ورهقتك الخيل فأنزل عن فرسك ومرّ إلى الغار ، فإنّه يشترك في دمك فسقة الجن والإنس » .
ففعل ما قال أميرالمؤمنين عليه السلام ، قال : فلمّا انتهى إلى الحصن قال للرجلين : اصعدا فانظرا هل تريان شيئاً ؟
قالا : نرى خيلاً مقبلة ، فنزل عن فرسه ودخل الغار وعاد فرسه ، فلمّا دخل الغار ضربه أسود سالخ فيه ، وجاءت الخيل فلمّا رأوا فرسه عائداً قالوا : هذه فرسه وهو قريب ، فطلبه الرجال فأصابوه في الغار ، فكلمّا ضربوا أيديهم إلى شيء من جسمه تبعهم اللحم ، فأتوا به إلى معاوية ، فنصبه على رمح ، وهو أوّل رأسٍ نُصب في الإسلام .
ثم أنّ الكشي ذكرَ بعد ذلك كتاباً للحسين عليه السلام إلى معاوية ، وفيه قوله عليه السلام : « أولستَ قاتلِ عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ العبد الصالحَ الذي أبلته العبادةَ فنحلَ جسمه واصفرّ لونه ، بعدما آمنته وأعطيته من عهود اللهِ ومواثيقه مالو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربّك واستخفافاً بذلك العهد » (1) .
1 ـ رجال الكشي : 9 ، 38 ، 46 .
وقال المفيد في الاختصاص : حدّثنا جعفر بن الحسين ، عن محمّد بن جعفر المؤدّب :
الأركان الأربعة : سلمان ، والمقداد ، وأبوذر ، وعمار . هؤلاء الصحابة . ومن التابعين : اُويس ابن أنيس القرني الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر ، وعمرو بن الحمق . وذكر جعفر ابن الحسين أنّه كان من أميرالمؤمنين بمنزلة سلمان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال أيضاً : حدّثنا جعفر بن الحسين ، عن محمّد بن جعفر المؤدّب ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، رفعه قال : قال عمرو بن الحمق الخزاعي لأميرالمؤمنين عليه السلام :
والله ما جئتك لمالٍ مِنْ الدنيا تُعطينيها ، ولا لإلتماس سلطان ترفع به ذكري ، إلاّ لأنّك ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأولى الناس بالناس ، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين ، وأبوالذرية التي بقيت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والأنصار . . . . . إلى أن قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « اللهم نوّر قلبه باليقين ، وأهدهِ إلى الصراط المستقيم ، ليس في شيعتي مائة مثلك » (1) .
12 آمنة الطباطبائيّة
آمنة بنت عبّاد بن علي بن حمزة الطباطبائي العلوي الأصفهاني .
عالمة ، فاضلة ، مدرّسة للعلوم الإسلامية ، مُحدّثة ، ذات صلاح ودين ، ومن ربّات الفصاحة والبلاغة والمحدّثات في أواخر القرن الخامس ومطلع القرن السادس الهجري .
سَمِعَتْ الحديث من أبي محمّد رزق الله التميمي ، وتصدّرت للتدريس بأصفهان .
ذكرها عمر رضا كحالة في أعلام النساء عن كتاب التحبير للسمعاني (2) ، والمحلاّتي في رياحين الشريعة (3) ، والسيّد حسن الأمين في مستدركات أعيان الشيعة نقلاً عن رياحين
1 ـ الاختصاص : 15 ، وانظر معجم رجال الحديث 13 : 87 .
2 ـ أعلام النساء 1 : 14 .
3 ـ رياحين الشريعة 3 : 323 .
الشيعة للأستاذ عبدالحسين الصالحي (1) .
13 آمنة البغداديّة
العلوية آمنة بنت أبي محمّد الشريف قريش البغدادي ، ينتهي نسبها إلى الإمام الحسين عليه السلام .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، فقيهة ، من أكابر النساء المؤمنات في مطلع القرن السابع للهجرة في بغداد .
ولدت في بغداد ، وقرأت على أبيها الشريف قريش البغدادي المتوفى سنة 620هـ ، ثم حضرت على الشيخ أبي طالب المبارك بن علي الصيرفي البغدادي ، وقرأت عليه كتاب فضل الكوفة تأليف أبي عبدالله محمّد بن علي الحسيني الشجري المتوفى سنة 455هـ .
وقد قرأت معها هذا الكتاب اُمّها شرف النساء بنت أبي طالب واُختها فاطمة ، وقرأه معها أيضاً أخوها محمّد ، وكتبَ أبوهم في آخره بلاغ القراءة بتأريخ 560هـ ، وتوجد هذه النسخة النفيسة من هذا الكتاب في المكتبة الظاهرية بدمشق ، وعنّها مصوّرة في مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام في مدينة النجف الأشرف (2) .
14 آمنة البهبهانيّة
آمنة بيگم بنت المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني الحائري .
ولدت في كربلاء حدود سنة 1160هـ ، وتوفيّت فيها حدود سنة 1243هـ ، ودفنت عند نجلها السيد محمّد المجاهد المتوفى سنة 1242هـ في المقبرة الخاصّة المجاورة لمدرسة البقعة في سوق التجّار فيما بين الحرمين .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 6 .
2 ـ الثقات العيون في سادس القرون : 237ـ238 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة : 136ـ137 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 6 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
عالمة ، فاضلة ، مجتهدة ، من أفقه نساء عصرها ، متكلّمة ، واعظة ، اُصوليّة ، محقّقة ، مُحدّثة جليلة ، ذات سند قويم ، مؤلّفة ، كثيرة الزهد ، عظيمة الورع .
ولدت ونشأت في كربلاء ، وأخذت المقدّمات وفنون الأدب وعلوم العربية على أعلام اسرتها ، وتخرّجت في الفقه والاُصول والحديث على والدها المؤسس المجدد الوحيد البهبهاني الحائري المتوفى سنة 1205هـ .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمّتها السيّد علي الطباطبائي الحائري المتوفّى سنة1231هـ صاحب كتاب الرياض ، ورُزقت منه ولدان : السيّد محمّد المجاهد المتوفى سنة1242هـ والسّيد مهدي الطباطبائي الحائري المتوفى سنة 1250هـ .
ذكرها السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في ذيل ترجمة ولدها السيّد محمّد المجاهد قائلاً : لصاحب الترجمة أخ اسمه السيّد محمّد مهدي أصغر منه كان أيضاً عالماً جليلاً ، اُمهما بنت الآغا البهبهاني وكانت عالمة فقيهة (1) .
ونقل السيّد حسن الأمين ـ فيما استدركه على أعيان والده ـ عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة عدداً من مؤلّفاتها قائلاً : ولها مؤلّفات في الفقه والاُصول منها : مبحث الحيض من كتاب الرياض لزوجها السيّد علي الطباطبائي الحائري ، ورسالة في النفاس ، وكتاب الطهارة وغيرها .
وكلّها موجودة في مكتبة آل صاحب الرياض في كربلاء (2) .
15 آمنة المجلسي
آمنة بنت المولى محمّد تقي المجلسي ، واخت العلاّمة الكبير محمّدباقر المجلسي ، وزوجة المولى محمّد صالح المازندراني .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، مجتهدة ، مُحدّثة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعلوم الإسلامية ، أديبة ، شاعرة ،
1 ـ أعيان الشيعة 9 : 443 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 62 .
من ربّات الفصاحة والبلاغة ، ذات ورع كبير وزهد شديد .
أخذت العلم وفنون الأدب والعربية وعلم النحو والصرف والبديع والمنطق على أفاضل رجال اُسرتها ، وتخرّجت في الفقه والحديث والتفسير على والدها المجلسي الأوّل المتوفى سنة 1070هـ ، وربما أخذت عن أخيها المجلسي الثاني المتوفى سنة 1111هـ بعض العلوم الاسلامية .
تصدّرت للتدريس والافادة والإرشاد ، فكانت من نوابغ نساء عصرها ، وكان زوجها مع فضله يستفسر منها في حلّ بعض المسائل العلميّة ، والفقهيّة المستعصية ، خصوصاً العبارات الواردة في كتاب قواعد الأحكام للعلاّمة الحلّي .
قال الشيخ محمّد علي المدرّس التبريزي في كتابه ريحانة الأدب ما ترجمته : صادف زوجها الشيخ محمّد صالح المازندراني مسألة فقهيّة مشكلة مستعصية عجز عن حلّها ، وتركها إلى اليوم الثاني ، فكتبتها آمنة بيگم مشروحة ومبسوطة وحلّت ابهاماتها ووضعتها في غرفة زوجها ، وعند رجوع زوجها ليلاً شاهد شرح المسألة المستعصية ، ففرح فرحاً شديداً وسجد لله يشكره على نبوغ زوجته آمنة بيگم (1) .
لها مؤلّفات كثيرة منها : شرح على ألفية ابن مالك ، شرح على شواهد السيوطي ، مجموعة المسائل الفقهية ، ديوان شعر كُتب بعضه على لوحة قبرها .
ترجمها وأثنى عليها جمع من الكتّاب ، منهم : معاصرها الميرزا عبدالله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء (2) ، والسيّد الروضاتي في روضات الجنّات (3) ، والسيّد محسن الأمين ذكرها في موضعين من كتابه : سمّاها في الأول (4) ، ولم يسمّها في الثاني (5) ، وولده السيّد حسن الأمين في
1 ـ ريحانة الأدب 5 : 148 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
3 ـ روضات الجنّات 2 : 118 .
4 ـ أعيان الشيعة 2 : 95 .
5 ـ أعيان الشيعة 3 : 607 .
مستدركات أعيان الشيعة (1) ، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب (2) ، والمحلاّتي في رياحين الشريعة (3) ، وعمررضا كحالة في أعلام النساء (4) .
16 آمنة القزوينيّة
آمنة بنت الشيخ محمّدعلي ابن الشيخ عبدالكريم ابن الشيخ محمّديحيى ابن المولى محمّد شفيع بن محمّد رفيع بن فتح الله .
عالمة ، فاضلة ، مدرّسة للعلوم الإسلامية ، شاعرة ، زاهدة ، عابدة ، متورّعة .
وُلدت في قزوين سنة 1202هـ ، وتزوّجت الشيخ محمّد صالح البرغاني حدود سنة 1219هـ ، وتوفّيت حدود سنة 1269هـ .
قرأت المقدّمات على أخيها الشيخ عبدالوهاب القزويني ، ثم حضرت الفقه والاُصول على زوجها المذكور ، وأخذت الحكمة والفلسفة العالية عن الشيخ الملا الحكميّ القزويني في المدرسة الصالحية ، كما حضرت درس الشيخ أحمد الأحسائي في قزوين ، حتى بلغت درجة عالية في العلم والفضل ، وكان زوجها يأمر النساء بالاقتداء بها والرجوع إليها في أحكام الدين .
أنشأت رحمها الله حوزة علمية نسائية في كلّ من كربلاء وقزوين ، وأخذت على عاتقها تدريس النساء العلوم الاسلامية العالية .
لها إجازات في الرواية مفصّلة من زوجها وأخيها والشيخ أحمد الأحسائي ، ولها بعض الرسائل مع أبي الثناء محمود الآلوسي وذلك حين نزلت بنتها قرّة العين في دار الآلوسي ببغداد ، ولها قصيدة طويلة تقع في أربعمائة وثمانين بيتاً في لسان حال السيّدة زينب الكبرى سلام الله
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 8 .
2 ـ الكنى والألقاب 2 : 62 و 97 .
3 ـ رياحين الشريعة 3 : 329 .
4 ـ أعلام النساء 1 : 9 .
عليها (1) .
17 آمنة بنت الإمام الكاظم عليه السلام
من ربّات العبادة والصلاح ، والزهد والتقوى ، كانت من طبقة الأشراف .
حكى خادم روضتها أنّه كان يسمع عندها قراءة القرآن في الليل ، وينسب إليها المشهد المعروف باسمها بمصر بالقرافة الصغرى .
وروى سادن روضتها : أنّ رجلاً جاء بعشرين رطلاً من الزيت ، وعاهد الخادم أن يوقدها في ليلة واحدة ، فجعله الخادم في القناديل ، فلم يوقد منه شيء ، فتعجّب الخادم من ذلك ، ورآها في المنام فقالت له : يا فقيه ردّ عليه زيته واسأله من أين اكتسبه ، فإنّا لا نقبل إلاّ الطيّب .
فلمّا أصبح جاء إلى الرجل الذي أعطاه الزيت وقال له : خُذْ زيتك .
فقال : لِمَ آخذه ؟
فقال : إنّه لم يوقد منه شيء ، ورأيتها في المنام فقالت : لا تقبل إلاّ الطيّب .
فقال صَدَقَتْ السيّدة ، إني رجل مكّاس .
فقال : قفْ وخذه (2) .
18 آمنة بنت وهب
آمنة بنت وهب بن عبدمناف ، من قريش ، اُم النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 2 : 7 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، دائرة المعارف تشيّع 1 : 236 .
2 ـ انظر : عمدة الطالب : 196 ، الإرشاد : 303 ، كشف الغمة 2 : 236 ، نورالأبصار : 198 ، إعلام الورى : 312 ، الفصول المهمة : 242 ، تاج المواليد : 124 ، تذكرة الخواص : 351 ، مطالب السؤل 1 : 65 ، أعلام النساء 1 : 17 ، معجم البلدان 5 : 142 ، أعيان الشيعة 2 : 104 ، تحفة العالم 2 : 23 ، تأريخ الأئمة : 20 ، المستجاد من كتاب الإرشاد : 444 ، الصراط السوي : 389 ، الأنوار النعمانية 1 : 380 ، تأريخ قم : 199 ، فاطمة بنت موسى الكاظم عليه السلام : 32 ، رياحين الشريعة 3 : 325 .
كانت أفضل امرأة في قريش نسباً ومكانة ، امتازت بالذكاء وحسن البيان .
ربّاها عمّها وهيب بن عبدمناف ، وتزوّجها عبدالله بن عبدالمطلب ، فحملت بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ورحل عبدالله بتجارة إلى غزّة ، فلمّا كان في المدينة عائداً مرض فمات بها ، وولدت آمنة بعد وفاته ، فكانت تخرج كلّ عام من مكّة إلى المدينة فتزور قبره وأخوال عديّ بن النجار ، فمرضت في إحدى رحلاتها هذه وتوفيت بموضع يقال له « الأبواء » بين مكّة والمدينة ، ولابنها من العمر ست سنين ، وقيل : أربع (1) .
19 اُخت المولى رحيم الأصفهاني
ذكرها المولى عبدالله الأفندي الأصفهاني في الرياض قائلاً :
وأيضاً الآن بأصفهان اُخت المولى رحيم الأصفهاني الساكن بمحلّة كران ، من العلماء والكتّاب ، ورأيتُ خطّها وبعض فوائدها ، ومن ذلك شرح اللمعة بخطّها في غاية الجودة ، وهي تكتب بخطّ النسخ ، والنستعليق ، وقد قرأتْ على والدها وأخيها أيضاً (2) .
ونقل هذا الكلام السيّد الأمين في الأعيان في موضعين (3) ، والمحلاّتي في الرياحين (4) .
20 أروى بنت الحارث الهاشميّة
أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم ، ابنة عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال ابن سعد في الطبقات : اُمّها غزية بنت قيس بن طريق بن عبدالعزى بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر .
1 ـ انظر أعيان الشيعة 1 : 218 ، الأعلام للزركلي نقلاً عن : طبقات ابن سعد 1 : 59 ، السيرة النبوية لابن هشام 1 : 53 و 57 ، تأريخ الإسلام للذهبي 1 : 21 و 35 ، تهذيب الاسماء واللغات 1 : 22 و 24 ، الدر المنثور : 16 ، سفينة البحار 1 : 44 ، عيون الأثر 1 : 24 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 409 .
3 ـ أعيان الشيعة 2 : 275 ، 3 : 222 .
4 ـ رياحين الشريعة 4 : 195 .
تزوّجها أبووداعة بن صبرة بن سعيد بن سعد بن سهم فولدت له : المطلب ، وأباسفيان ، و اُم جميل ، و اُم حكيم ، والربعة بني أبي وداعة (1) .
وهي من ربّات الفصاحة والبلاغة ، كانت أغلظ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان ، حيث أسمعته ومن معه كلاماً قارصاً .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : روى ابن عائشة ، عن حمّاد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : دخلتْ أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب على معاوية ابن أبي سفيان بالموسم ، وهي عجوز كبيرة ، فلمّا رآها قال : مرحباً بك يا عمّة .
قالتْ :
كيف أنتَ يابن أخي ، لقد كفرتَ بعدي بالنعمة ، وأسأتَ لابن عمّك الصحبة ، وتسمّيتَ بغير اسمك ، وأخذت غيرَ حقّك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام (2) . ولقد كفرتم بما جاء به محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأصعر منكم الخدود (3) ، حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون .
فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظّاً ونصيباً وقدراً ، حتى قبض الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم مغفوراً ذنبه ، مرفوعاً درجته ، شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت فيكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وصار ابن عمّ سيّد المرسلين فيكم بعد نبيّنا بمنزلة
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 50 .
2 ـ في العقد الفريد : من غير دِين كان منك ولا من آبائك ، ولا سابقة في الإسلام .
3 ـ في العقد : فأتعس منكم الجدود ، وأضرع منكم الخدود .
الجَدُّ : الحظ والسعادة . لسان العرب 3 : 108 ( جدد ) .
أضرع : أذل . لسان العرب 8 : 221 ( ضرع ) .
هارون من موسى ، حيث يقول : ﴿ يابن اُم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ﴾ (1) ، ولم يجتمع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنّة وغايتكم النار .
قال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك ، وغضي منه طرفك .
قالت : ومن أنتَ لا اُم لك ؟
قال : عمرو بن العاص .
قالت : يابن اللخناء النابغة (2) أتكلمني ؟ ! أربع على ضلعك (3) ، وأعن بشأن نفسك ، فوالله ما أنتَ من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادّعاك ستة من قريش كلّهم يزعم أنّه أبوك (4) ، ولقد رأيتُ اُمّك أيام منى بمكّة مع كلّ عبدٍ عاهر ، فأتمْ بهم فإنك بهم أشبه .
فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ساخَ بصرك ، مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك .
قالت : يا بُني أتتكلم ؟ ! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنّك لشبههِ في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دماته ، ولقد رأيتُ الحكمَ مادّ القامة ظاهرَ الاُمة وسبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلاّ كقرابة الفرس الظامر من الأتان المقرب ، فاسأل
1 ـ الأعراف : 150 .
2 ـ في العقد الفريد : النبّاغة .
قال الطريحي في مجمع البحرين 5 : 16 ( نبغ ) : نبغ الشيء ينبغ نبوغاً : أي : ظهر . ومنه « ابن النابغة » لعمرو بن العاص ، لظهورها وشهرتها في البغي .
علماً بأنّ اسم اُم عمرو بن العاص هو النابغة من بني عنزة ، كما قاله ابن حجر في الاصابة 3 : 2 .
3 ـ أربع على ضلعك : افعل بقدر ما تُطيق ، ولا تَحمل عليها أكثر ممّا تُطيق . لسان العرب 8 : 244 « ظلع » .
4 ـ في العقد الفريد : فسألت اُمك عنهم ، فقالت : كلّهم أتاني ، فانظروا أشبههم به فألحقوه ، فغلب عليك شبه العاص بن وائل ، فلحقتَ به .
اُمك عما ذكرتُ لك فإنّها تُخبرك بشأن أبيك إنْ صدقتْ .
ثمّ التفت إلى معاوية فقالت : والله ما عرّضني لهؤلاء غيرك ، وانّ اُمّك هذه للقائلة يوم اُحد في قتل حمزة رحمه الله :
فأجبتُها :
فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره ، ثم قال لها معاوية : عفا الله عمّا سلف ، يا خالة هاتِ حاجتك .
قالت : مالي إليك من حاجة ، وخرجت عنه .
فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلّمها مَنْ في المجلس جميعاً لأجابت كلّ واحدٍ بغير ما تجيب به الآخر ، وأنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم ، وبعثَ لها قبل رحيلها فأكرمها وعادتْ إلى المدينة .
وفي رواية قال لها معاوية : يا عمّة أقصدي قصد حاجتك ودعي عنك أساطير النساء .
1 ـ في العقد الفريد : بعد .
2 ـ في العقد الفريد : تَرِمّ .
ورَمَّت عظامه وأرمَّت : اذا بليت . لسان العرب 12 : 253 « رمم » .
قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار .
قال : ما تصنعين يا عمّة بألفي دينار ؟
قالت : اشتري بها عيناً خرَّارة في أرض خَوّارة (1) تكون لولد الحارث بن عبدالمطلب .
قال : نِعْمَ الموضع وضعتيها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
قالت : اُزوّج بها فتيان عبدالمطلب من أكفائهم .
قال : نِعْمَ الموضع وضعتيها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
قالت : أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام .
قال : نِعْمَ الموضع وضعتيها ، هي لك نعم وكرامة .
ثم قال : أما والله لو كان عليٌّ ما أمرَ لَكِ بها .
قالت : صدقتَ ، إنّ علياً أدّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به . وأنتَ ضيّعت أمانتك وخنت الله في ماله ، فأعطيتَ مالَ الله مَنْ لا يستحقه ، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها ، ودعانا إلى أخذ حقّنا الذي فرض الله لنا ، فشغل بحربك عن وضع الاُمور مواضعها . وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به ، إنّما سألتك من حقّنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقّنا ، أتذكر علياً فضّ الله فاك وأجهد بلاءك ، ثم علا بكاؤها وقالت :
1 ـ أرض خوّارة : ليّنة سهلة . لسان العرب 4 : 262 ( خَوَرَ ) .
والخرّارة : عين الماء الجاريه ، سميت خرّارة لخرير مائها ، وهو صوته . لسان العرب 4 : 234 ( خرر ) .
فأمر معاوية لها بستة آلاف دينار ، وقال لها : يا عمّة انفقي هذه في ما تُحبين ، فإذا احتجتيني فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك (2) ومعونتك إن شاء الله .
ومن شعرها قالت ترثي أباها :
روى ذلك أيضاً ابن عبد ربّه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن العباس بن بكار ، قال : حدّثني عبدالله بن سليمان المدني وأبوبكر الهذلي : أنّ أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب دخلت على معاوية وهي عجوز ، فلما رآها معاوية قال : مرحباً بك وأهلاً يا عمة . . . . . . (3) .
قال الزركلي : إنّها توفّيت حدود سنة 50هـ .
نعم ، هكذا كنّ نساء العقيدة والمبدأ يتحلّين بالشجاعة والصبر والثبات على ما أنعم الله عليهنّ بمعرفة الولاية الحقّة ، فتراهنَّ في حياة الإمام عليّ سلام الله عليه يقفنَ إلى جنبه يجاهدن بلسانهن ، ويحضرن معه واقعة صفين يحرّضن الرجال على القتال بشعرٍ أو نثرٍ ، وبعد استشهاده عليه السلام واغتصاب معاويةالخلافة نراه يبعث وراءهن قاصداً إذلالهنَّ واظهار نفسه أمام
1 ـ هكذا ورد ، والصحيح : الصيام .
2 ـ الصَّفَدُ بالتحريك : العطاء . الصحاح 2 : 498 ( صفد ) ، تاج العروس 2 : 400 ( صفد ) .
3 ـ انظر : الأربعون حديثاً لمنتجب الدين ، الحكاية العاشرة : 89 ، وعنه : ( احقاق الحق 8 : 810 ، مقصد الراغب : 186 ( مخطوط ) مرسلاً ، البحار 42 : 118 مرسلاً عن قتادة ) ، أعيان الشيعة 3 : 245 ، رياحين الشريعة 3 : 333 ، أعيان النساء : 24 ، الدر المنثور ، 25 ، بلاغات النساء : 27 ، العقد الفريد 1 : 357 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 50 ، الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 227 ، أعلام النساء 1 : 29 ، الاعلام للزركلي 1 : 290 .
الناس بأنه يتحلّى بالعفو عند المقدرة إذ يعفو عنهن ويكرم بعضهن ، إلاّ أنهنَّ يقفنَ موقفاً بطولياً ويسمعنَ معاوية ومن معه كلاماً قارصاً يدل على ثبات عقيدتهن ورسوخها ، نعم إنّها كلمة حقٍّ عند سلطان جائر .
كل هذا سنلاحظه في ترجمة : آمنة بنت الشريد ، بكارة الهلالية ، سودة بنت عمارة ، عكرشة بنت الأطلش ، اُم الخير بنت الحريش البارقية ، دارمية الحجونية الكنانية ، الزرقاء بنت عدي اليمانية ، اُم سنان ، اُم البرّاء بنت صفوان .
21 أروى بنت ربيعة الهاشميّة
أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم ، اُم يحيى وواسع بن حبان بن منقذ .
مُحدّثة ، روى حديثها عطاف بن خالد ، عن اُمّه ، عن اُمّها .
وذكرها الدارقطني في كتاب الاُخوة ، وقال : تزوّجها حبان بن منقذ الأنصاري فولدت له ولداً ، ويقال بل اسمها هند (1) .
22 أروى بنت عبدالمطلب الهاشميّة (2)
أروى بنت عبدالمطلب بن هاشم ، عمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت فصيحة اللسان ، بليغة الكلام ، شاعرة ، وهي صحابية جليلة ، دافعتْ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت تشجّع ولدها على اتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : اُمّها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم .
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 245 ، رياحين الشريعة 3 : 332 ، اُسد الغابة 5 : 390 ، الإصابة4 : 227 .
2 ـ انظر ترجمتها في : اُسد الغابة 5 : 227 ، أعلام النساء 1 : 32 ، أعيان الشيعة 3 : 245 ، أعيان النساء : 28 ، الاستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 244 ، الإصابة 4 : 22 ، الطبقات الكبرى 8 : 42 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 4 : 52 ، رياحين الشريعة 3 : 331 ، سيرة ابن هشام 1 : 113 و114 و179 .
وفي الاستيعاب : اختلف في اُم أروى بنت عبدالمطلب : فقيل : اُمّها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن مخزوم ، فلو صحّ هذا كانت شقيقة عبدالله والزبير و أبي طالب وعبدالكعبة و اُم حكيم و اُميمة وعاتكة وبرة .
وقيل : بل اُمّها صفيّة بنت جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة ، فلو صح هذا كانت شقيقة الحارث بن عبدالمطلب . وأهل النسب لا يعرفون لعبدالمطلب إلاّ من المخزومية ، إلاّ صفيّة وحدها فإنّها من الزهرية .
وقال في الطبقات : تزوّجها في الجاهلية عمير بن وهب بن عبدمناف بن قصي ، فولدت له طليباً ، ثم خلف عليها أرطأة بن شرحبيل بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي ، فولدت له فاطمة ، ثم أسلمت أروى بنت عبدالمطلب بمكّة وهاجرت إلى المدينة .
ثم روى بسنده أن طليبَ بن عمير أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ، ثم خرج فدخل على اُمه أروى فقال : تبعتُ محمّداً وأسلمتُ لله .
فقالت له : إنَّ حقَّ مَنْ وازرتَ وعضدتَ ابن خالك ، والله لو كنّا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه وذببنا عنه .
قال : فما يمنعك يا اُمي من أن تسلمي وتتبعيه ، فقد أسلم أخوك حمزة .
فقالت : أنظر ما تصنع أخواتي ثم أكون احداهن .
قال : فإنّي أسألكِ بالله إلاّ أتيته فسلّمتِ عليه وصدّقتيه وشهدت أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله .
ثم كانت تعضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسانها ، وتحضّ ابنها على نصرته والقيام بأمره .
وروى أيضاً : أنّ أباجهل وعدّة من كفار قريش عرضوا للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فآذوه ، فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه ضربة شجّه بها ، فأخذوه وأوثقوه ، فقام دونه أبولهب حتى خلاّه ، فقيل لأروى : ألا ترين ابنك قد صيّر نفسه غرضاً دون محمّد .
فقالت : خير أيامه يوم يذب عن ابن خاله وقد جاء بالحقِّ مِنْ عند الله .
فقالوا : ولقد تبعتِ محمّداً ؟
قالت : نعم ، فأخبر بعضهم أبالهب فقال لها : عجباً لك ولإتّباعك محمّداً وترك دين عبدالمطلب .
فقالت : قد كان ذلك ، فقم دون ابن أخيك واعضده وامنعه ، فإنْ يظهر أمره فأنت بالخيار أنْ تدخل معه أو تكون على دينك ، فإنْ يصب كنت قد أعذرت في ابن أخيك .
فقال أبولهب : ولنا طاقة بالعرب قاطبة جاء بدين وحدث ثم انصرف .
فقالت أروى يومئذٍ :
وفي الاستيعاب : أروى بنت عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، عمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ذكرها أبوجعفر العقيلي في الصحابة ، وذكر أيضاً عاتكة بنت عبدالمطلب ، وهما مختلف في اسلامهما ، وأمّا محمّد بن اسحاق ومَن قال بقوله فذكر أنّه لم يسلم من عمّات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ صفيّة ، وغيره يقول : إن أروى وصفيّة أسلمتا جميعاً ، ثم حكى عن محمّد بن عمر الواقدي أنّه روى بسنده : أنّه لما أسلم طليب بن عمير ودخل على اُمه أروى بنت عبدالمطلب ، وذكر نحواً مما مرّ عن الطبقات .
وفي الاستيعاب أيضاً : كان لعبدالمطلب ست بنات عمّات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ اُم حكيم يقال لها البيضاء ، ويقال إنّها توأمة عبدالله ، وقد اُختلف في ذلكَ ولم يختلف أنّها شقيقته وشقيقة أبي طالب والزبير ، كانت عند بكر بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبدمناف ، فولدت له عامراً وبنات ، وهي القائلة ، إنّي لحصان فما أتكلم ، وصناع فما أعلم .
2 ـ عاتكة بنت عبدالمطلب ، كانت عند اُميّة بن المغيرة المخزومي ، فولدت له عبدالله وزهيراً وقريبة ، وهي التي رأتْ قبل بدر راكباً أخذ صخرة من بني قبيس فرمى بها إلى الركن فتفلّقت الصخرة ، فما بقيت دار من دور قريش إلاّ دخلتها منها كسرة غير دور بنيزهرة ، فقال أبوجهل : ما رضيت رجالكم أن تتنبّأ يا بني هاشم حتى تنبّأت نساؤكم .
3 ـ برة ، كانت عند أبي رهم بن عبدالعزى العامري ، ثم خلّف عليها بعده عبدالأسد بن هلال المخزومي ، وقيل : كان عليها قبل أبي رهم .
4 ـ اُميّمة ، كانت عند جحش بن رئاب ، أخي بني غنم بن داود بن أسد بن خزيمة ، وهي اُم عبدالله وعبيدالله و أبي أحمد وزينب .
5 ـ أروى ، كانت تحت عمير بن وهب بن مناف بن قصي فولدت له طليباً ، ثم خلف عليها كلدة بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي فولدت له أروى .
6 ـ صفية اُم الزبير .
وكانت أروى شاعرة كأخواتها ، ومن شعرها ما رثت به أباها عبدالمطلب في حياته ، وذلك أنّه جمع بناته في مرضه وأمرهنّ بأن يقلْنَ في حياته ما يردنَ أنْ يرثينه بعد وفاته ، ليسمع ما تريد أن تقول كلّ واحدةٍ منهنّ ، فأنشأت كلّ واحدةٍ منهنّ أبياتاً في رثائه ، فقالت أروى وهي تبكي أباها :
وفي الإصابة : ذكر محمّد بن سعد : أنّ أروى هذه رثت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنشد لها أبيات :
23 إرياسة آل عمر
إرياسة بنت خنجر ، زوجة إمهيدي آل صالح ، من رؤساء عشيرة آل عمر .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، خاطبت عطيّة آل دخيل ، وقد أمسكت بزمام فرسه عندما عاد من وقعة له مع الأتراك في منطقة الديوانيّة ، وكانت أكبر منه سنّاً ، فقالت :
24 الأسديّة
زوجة علي بن مظاهر الأسدي .
مؤمنة ، موالية لأهل البيت عليهم السلام ، حضرت واقعة الطف مع زوجها ، وأبت أن تترك عيال الحسين عليه السلام وحدهم ، بل واستهم بكلّ ما جرى عليهم ، ولها محاورة لطيفة مع زوجها تدلّ علىّ عمق إيمانها وحبّها للإمام الحسين عليه السلام .
ففي ليلة عاشوراء ، وحينما جمع الحسين عليه السلام أصحابه ليستعلم حالهم ، وبعد أن تكلّموا ما تكلّموا ، وخطب هو عليه السلام فيهم ، وكان ممّا قال : « ومَن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد » .
فقام علي بن مظاهر وقال : لماذا يا سيّدي ؟
فقال عليه السلام : « إنّ نسائي تُسبى بعد قتلي ، وأخاف على نسائكم من السبي » .
فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته ، فقامت زوجته اجلالاً له ، فاستقبلته وتبسّمت في وجهه ، فقال لها : دعيني والتبسّم .
1 ـ البلام : حبل يشدّ به عيدان ، يوضع داخل فم الحيوان الأهلي الرضيع لئلا يمتص حليب اُمّه .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 353 .
فقالت : يا ابن مظاهر انّي سمعتُ غريب فاطمة خطب فيكم ، وسمعتُ في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول .
قال : يا هذه إنّ الحسين عليه السلام قال لنا : « ألا ومَن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمّها ؛ لأنّي غداً اُقتل ونسائي تُسبى » .
فقالت : وما أنت صانع ؟
قال : قومي حتى الحقك ببني عمّك بني أسد .
فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت : والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر ، أيسرّك أن تُسبى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا آمنة من السبي .
أيسرّك أن تُسلب زينب عليها السلام ازارها من رأسها وأنا أستتر بازاري .
أيسرّك أن تذهب من بنات الزهراء عليها السلام أقراطها وأنا أتزيّن بقرطي .
أيسرّك أن يبيّض وجهك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسوّد وجهي عند فاطمة الزهراء عليها السلام ، والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء .
فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام وهو يبكي ، فقال له الحسين عليه السلام : « ما يبكيك ؟ » .
فقال : يا سيّدي أبت الأسديّة إلاّ مواساتكم .
فبكى الحسين عليه السلام ، وقال : « جُزيتم منا خيراً » (1) .
25 أسماء
صحابية جليلة ، رواية للحديث ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها جماعة منهم ثابت .
أخرج لها الشيخ الكليني في اُصول الكافي حديثاً ، قال عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن ثابت ، عن أسماء قالت : قال
1 ـ معالي السبطين 1 : 340 .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أصابه همّ أو غمّ أو كرب أو بلاء أو لأواء فليقل : الله ربّي ولا أشرك به شيئاً ، توكّلت على الحيّ الذي لا يموت » (1) .
26 أسماء القزوينيّة
أسماء بنت العلاّمة الكبير السيّد ميرزا صالح ابن العلاّمة الفقيه السيّد مهدي القزويني الحلّي .
تُدعى بـ « سومة » وتُعرف بـ « الحبّابة » ؛ تكريماً لمقامها الرفيع ومنزلتها الاجتماعيّة العالية .
تزوّجت ابن عمّها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني ، وأنجبت منه ابنتها ملوك ، والتي كانت أديبة فاضلة ، تأتي ترجمتها في حرف الميم .
كانت أسماء عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة باللغتين الفُصحى والدارجة ، من ربّات النفوذ الاجتماعي ، ذات عقل راجح ، ولها منزلة اجتماعيّة مرموقة ، يحترمها الجميع ، وكلمتها مسموعة وأمرها مطاع عند العشائر العراقيّة .
ذكر لها السيّد جواد شبر في كتابه أدب الطف بيتين من الشعر في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ، هما :
ثم قال : ولدت في الحلّة الفيحاء حدود سنة 1283هـ ، ونشأت في كنف والدها ، وكانت للبيئة في نفسها أثر في بلورة ذهنيّتها ، فالأجواء العلميّة التي كانت تعيشها والمجالس الأدبيّة التي تُعقد في مناسبات كانت تؤثّر أثرها وتدفع بهذه الحرّة للشعر والأدب . فلا تفوتها النادرة الأدبيّة ، أو الشاردة المستملحة ، فهي تكتب هذه ، وتحفظ تلك ، وتحدّث بالكثير منها .
ثم ذكر بنتها ملوك قائلاً : كانت تتحدّث عن امّها ، وكيف كانت واسطة لحلّ النزاعات العائليّة ، فكثيراً ما قَصدتْ العوائل المتنافرة ولطّفت الجوّ ، وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام .
وتتحدّث عن اُمّها ومكانتها الأدبيّة ، وتروي شعرها باللغتين الفصحى والدارجة .
واشتهر عن أسماء أنّها تميّزت بشخصيّة قويّة ، وبأسلوب جميل في الحديث ، وكان مجلسها في الحلّة عامراً بالمتأدّبات وذوات المعرفة .
اُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعدّدة ، وتوفّيت بعد سنة 1342هـ ، ونُقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرّها الأخير ، واُقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء ، وسارع الشعراء إلى رثائها .
وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبيّة ، وهي كثيرة .
كتبت إلى صديقة لها تعزّيها بوفاة والدتها :
خطبٌ نازل ، ومصاب هائل ، ورزيّة ترعد منها المفاصل ، وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ، ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ، ولا يفتدى بها بالطارف والتليد ، وعمّت كلَّ قريب وبعيد . غير أنّ الذي أطفى لهيبها ، وسكّن وجيبها التسليم للقدر والقضاء ، وانّك الخلف عمّن مضى . فلم تُفتقد مَن أنتِ البقيّة ، ولم تذهب مَن فيك شمائلها ، فذكراها بكِ لم تزل مذكورة ، وكأنّها حيّة غير مقبورة . فلا طرقت بيتكِ الطوارق ، ولا حلّت بساحة ربعكِ البوائق ، ودمت برغم أنف حقود ، لا نرى فيكِ إلاّ ما يغيظ الحسود .
الداعية العلويّة أسماء
1 رجب المرجّب 1332 هـ
الرسالة الثانية التي كتبتها إلى شقيقها السيّد هادي ، لنجاته من حادثة رعناء سنة
1328هـ ، وكانت يومئذٍ في الحلّة وهو في الهنديّة :
غمام جود الوافدين إذا أمحل النادي ، وشمس صباح السّارين وبدرها ( الهادى ) ، حفظك الرحمن من طوارق الأسواء بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله النجباء .
أمّا بعد ، فنحن بحمد الله المتعال ما زلنا في السرور ، وما نزال ـ سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرود ـ من ذوي فضل عميم ، يشعر أنّ الله قد حباك بنعمته الوافية ، وخصّك بسلامته الكافية ، ونجّاك من هذه الرائعة ، فيالها من قارعة ، فحمدنا الله على ذلك ، وشكرناه على ما هذا لك ، وإلاّ لتركت مقلة المجد عبرى ، ومهجة الفخر حرّا ، وأحنيت على وجدٍ منا الضلوع ، ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع ، وتمثلنا بقول من قال :
ثم قال السيّد جواد شبّر معلّقاً على هذه الحادثة :
وسبب كتابة هذه الرسالة ( كما روى الخطيب السيّد محمّد رضا في مؤلّفه : الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ص64 في ترجمة السيّد باقر ابن السيّد هادي المذكور ما نصّه ) :
إنّ السيّد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه ، تحدق به جريدة من الخيل ، منهم ولده السيّد باقر وجماعة من خاصته وخدمه ، وأخوه المرحوم السيّد حسن ، وكان الوقت صيفاً ، فانعقد المجلس في الفضاء بجنب مضيف من قصب .
فبينما الناس قد شغلوا بنصب الموائد ، وإذا بصوت الرصاصُ يلعلع من فئة لها ثأر مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان على رأس السيّد هادي خادم واقف يقال له ( محصول ) ، فأصابته رصاصة فسقط على أثرها قتيلاً ، كما قتل ساقي الماء واُصيب آخرون ، ثم ثار الحيّ ومن كان مدعواً للوليمة ، فانهزم الغزاة راجعين . أما السيّد هادي فقد ثبت في مكانه لم يتحرّك ولم ينذعر .
وعندما رجع السيّد هادي إلى بلاده سجد ولده السيد باقر شكراً لله على سلامة والده ، وكتب من فوره إلى عمّ أبيه في الفيحاء أبي المعزّ السيّد محمّد هذين البيتين :
فأجابه السيّد يخاطب السيّد هادي :
27 أسماء العامريّة الأشبيليّة
قال الشيخ الحائري في كتابه « تراجم أعلام النساء » نقلاً عن « لسان الميزان » : كانت أسمات حسنة شيعية ، من شعرها :
28 أسماء العقيليّة
أسماء بنت عقيل بن أبي طالب .
قال ابن الأثير في تأريخه : لما دخلَ البشير على عمرو بن سعيد ، فقال : ما وراءَك ؟
قال : ما سرّ الأمير ، قُتِلَ الحسين بن علي!!!
فقال : نادِ بقتله ، فنادى ، فصاح نساء بني هاشم ، وخرجتْ ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول :
1 ـ أدب الطف 9 : 86 ، وانظر مستدركات أعيان الشيعة 3 : 32 ، مجلّة الموسم العدد12 صفحة373 .
2 ـ تراجم أعلام النساء 1 : 225 ، ولم نجد لها ذكراً في الطبعة المتوفّرة لدينا من لسان الميزان .
فلمّا سمع عمرو أصواتهن ضحكَ وقال :
والأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد بن الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمر ابن معدي كرب .
ثم قال : واعية كواعية عثمان (1) .
وذكر ذلك الطبري في تأريخه ، إلاّ أنّه ذكر البيتين الأوّلين فقط (2) .
وقال ابن شهر آشوب في المناقب : لما قُتلَ الحسين عليه السلام خرجت أسماء بنت عقيل تنوح وتقول :
وذكر ابن كثير في تأريخه عين الأبيات المذكورة أعلاه ، ثم قال : وقد روى أبومخنف عن سليمان بن أبي راشد ، عن عبدالرحمن بن عبيد أبي الكنود : أنّ بنت عقيل هي التي قالت هذا الشعر ، وهكذا حكى الزبير بن بكار : أنّ زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب هي التي قالت حين دخل آل الحسين المدينة النبويّة . وروى أبوبكر بن الأنباري بإسناده : أنّ زينب بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، وهي زوج عبدالله بن جعفر اُم بنيه ، رفعت خباءها يوم
1 ـ الكامل في التأريخ 4 : 88 .
2 ـ تأريخ الطبري 5 : 466 .
3 ـ مناقب آل أبي طالب 4 : 116 .
كربلاء يوم قتل الحسين وقالت هذه الأبيات ، فالله أعلم (1) .
29 أسماء بنت عميس (2)
من المسلمات الأوائل ، ومن اللواتي هاجرن الهجرتين ، حيث أسلمت قبل دخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بمكة ، وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ، ثم هاجرت إلى المدينة المنوّره .
وهي من المؤمنات المواليات لأميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ـ قبل أن تتزوّج منه ـ ولسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها .
روت الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين .
وعَبر هذه الأسطر المتعدّدة والوريقات القليلة نُلقي الضوء على جوانبٍ من حياة هذه المرأة العظيمة ، راجين من الله الأجر والثواب ، ومن نساء هذه الاُمة الإقتداء بسيرة هذه المرأة الصالحة .
1 ـ البداية والنهاية 8 : 198 . وانظر : مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيّد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .
2 ـ انظر ترجمتها في : إختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) : 63 رقم 111 ، و 113 ، اُسد الغابة 5 : 395 ، إعلام الورى : 217 ، أعلام النساء 1 : 57 ، أعيان الشيعة 3 : 300 ، أعيان النساء : 36 ، التهذيب : 469 ، الخصال : 363 ، الأعلام للزِرِكِلي 1 : 306 ، الدر المنثور : 35 ، السيرة النبوية لابن هشام 1 : 275 و 346 ، السيرة النبوية لابن كثير 2 : 5 ، الإصابة 4 : 231 رقم51 ، الطبقات الكبرى 8 : 280 ، العقد الفريد 3 : 337 و 5 : 17 و 7 : 300 ، الكامل في التأريخ 2 : 78 ، الكاشف 3 : 420 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 364 ، تأريخ الطبري 2 : 331 ، تقريب التهذيب 2 : 586 ، تنقيح المقال 3 : 400 ، جامع الرواة 2 : 455 ، رجال أبوعلي : 368 ، رجال الشيخ : 34 ، رياحين الشريعة 3 : 346 ، كشف الغمة 1 : 351 ، لسان الميزان 7 : 522 ، مجمع الرجال 7 : 170 ، مستدرك الحاكم النيسابوري 3 : 159 ، مشيخة الصدوق ( من لا يحضره الفقيه ) 4 : 28 ، معجم رجال الحديث 14 : 230 و 23 : 171 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 116 و130 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 .
نسبها :
هي أسماء بنت عميس بن مَعْد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر ابن ربيعة بن معاوية بن زيد بن مالك بن نَسْر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهو جماع خثعم ، هكذا ساق نسبها في الطبقات الكبرى .
وفي الاستيعاب قال : ( ابن الحارث بن تيم ) بدل ( ابن تيم بن الحارث ) ، و ( جماعة ) بدل ( جماع ) ، وزاد بعد خثعم : ابن أنمار ، وقال : على الإختلاف في أنمار ، ثم قال : وقيل أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن قحافة بن عامر بن زيد بن بشير بن وهب الله الخثعمية من خثعم .
وفي اُسد الغابة عن ابن مندة : عميس بن مغنم بن نسيم بن مالك بن قحافة بن تمام بن ربيعة بن خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان ، قال : وقد اختلف في أنمار : منهم من جعله من معد ، ومنهم من جعله من اليمن وهو أكثر ، قال : ولا شك أنّ ابن مندة قد أسقط من النسب شيئاً فإنّه جعل بينها وبين معد تسعة آباء ، ومن عاصرها من الصحابة بل من تزوجها بينه وبين معد عشرون أباً كجعفر و أبي بكر وعلي عليه السلام ، وقد يقع في النسب تعدّد بزيادة رجل أو رجلين ، أمّا إلى هذا الحد فلا .
اُمّها :
هند ، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جُرَش .
أخواتها :
في الاستيعاب : هي اُخت ميمونة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، واُخت لبابة اُم الفضل زوجة العباس ، واُخت أخواتها ، فأسماء واُختها سلمى واُختها سلامة الخثعميات هنّ أخوات ميمونة لاُم ، وهنّ تسع ، وقيل : عشر أخوات لاُم وست لاُم وأب .
أزواجها :
تزوّجها أوّلاً جعفر بن أبي طالب ، وهاجر وهي معه إلى أرض الحبشة ، فولدت له هناك عبدالله ومحمّداً وعوناً ، وقَدِمَ بها جعفر المدينة عام خيبر ، ثم قتل عنها بمعركة مؤتة شهيداً في جمادى الاُولى سنة 8 من الهجرة ، فتزوّجها أبوبكر ، فولدت له محمّداً ، نَفست به بذي الحليفة ، وفي رواية بالبيداء ، وهم يريدون حجّة الوداع ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تستثفر بثوب ثم تغتسل وتحرم وهي نفساء .
ثم توفّي عنها أبوبكر فتزوّجها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، فولدت له يحيى وعوناً .
وفي الإستيعاب : ولدت له يحيى ولا خلاف في ذلك ، وزعم ابن الكلبي أنّ عون بن علي اُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية .
قال السيّد محسن الأمين في الأعيان : وإنّما لم يتزوّجها علي عليه السلام بعد قتل أخيه جعفر ؛ الله لأنّ فاطمة الزهراء كانت حيّة .
وفي اُسد الغابة : قيل : إنّ أسماء تزوّجها حمزة ، وليس بشيء ، إنّما التي تزوّجها حمزة اُختها سلمى بنت عميس . وكان لمحمّد بن أبي بكر يوم توفّي أبوه ثلاث سنين أو نحوها ، فربّاه أميرالمؤمنين عليه السلام ، فهو ربيبه في حجره ، ومن هنا جاءه التشيع وجاءه أيضاً من قبل اُمّه .
مع الحديث الشريف :
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من الصحابيات ، ونسب الميرزا في كتابيه إلى رجال الشيخ عدّها من أصحاب علي عليه السلام أيضاً ، ولكن سائر النسخ خالية عن ذكره .
روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ستين حديثاً .
وقال الدارقطني : انفرد بالإخراج عنها مسلم ، ولم يذكر عدد ما أخرج لها .
روى عنها ابناها عبدالله وعون ابنا جعفر بن أبي طالب ، وحفيدها القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وحفيدتها اُم عون بنت محمّد بن أبي جعفر ، وسعيد بن المسيب ، وعبيدالله بن رفاع ،
وأبوبردة بن أبي موسى ، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن شدّاد بن الهاد وهو ابن اُختها ، وأبوزيد المدني ، وعمر بن الخطاب ، وعروة بن الزبير ، وأبوموسى الأشعري .
وأخرج لها الشيخ الصدوق في الفقيه رواية قال : فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت : فبينما رسول الله نائم ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام ، ففاته العصر حتى غابت الشمس ، فقال : « اللهم إنّ علياً كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس » ، قالت أسماء فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعدما غربت ، ولم يبق جبل ولا أرض إلاّ طلعت عليه ، حتى قام علي عليه السلام وتوضأ وصلّى ، ثم غربت .
مع فاطمة الزهراء عليه السلام :
اختلف المؤرّخون في وجود أسماء بنت عميس في ليلة زفاف الزهراءسلام الله عليها .
فمنهم من قال بوجودها .
ومنهم مَن أنكر ذلك ، وقال : إنّ التي حضرت زفاف الزهراء عليها السلام هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري .
ومنهم مَن قال : إنّ سلمى بنت عميس زوجة حمزة هي التي حضرت زفاف الزهراءسلام الله عليها .
ونقل هذه الأقول مع أدلتها السيّد محسن الأمين في الأعيان حيث قال : وروى كثير من أهل الآثار في خبر تزويج فاطمة عليها السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر النساء بالخروج فخرجْنَ مسرعات إلاّ أسماء بنت عميس ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قالت أسماء : فلما رأى سوادي قال : « مَن أنتِ ؟ » .
قلت : أسماء بنت عميس .
قال : « ألم آمرك أن تخرجي ؟ » .
قلت : بلى يا رسول الله وما قصدت خلافك ، ولكني كنتُ حاضرة وفاة خديجة ، فبكتْ
خديجة عند وفاتها ، فقلت لها : أتبكين وأنت سيّدة نساء العالمين ، وأنت زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومبشّرة على لسانه بالجنة .
فقالت : ما لهذا بكيت ، ولكن المرأة ليلة زفافها لابدَّ لها من امرأة تفضي إليها سرّها وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا وأخاف أن لا يكون لها من يتولّى أمرها حينئذٍ .
قالت أسماء بن عميس : فقلت لها : سيّدتي لك عهد الله عليّ إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في ذلك الأمر .
فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : « أسأل الله أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم » .
وممّن صرح بوجود أسماء بنت عميس في زفاف الزهراء عليها السلام الحاكم في المستدرك ، فإنّه روى فيه بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : كنتُ في زفاف فاطمة الزهراءسلام الله عليها ـ إلى أن قالت ـ فرجع فرأى سواداً بين يديه ، فقال : « مَن هذه ؟ » .
فقلت : أنا أسماء .
قال : « أسماء بنت عميس ؟ » .
قلت : نعم .
قال : « جئت في زفاف ابنة رسول الله ؟ » .
قلت : نعم ، فدعا لي .
وفي كتاب كفاية الطالب في مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب تأليف محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658هـ في خبر تزويج فاطمة عليها السلام في حديث قال : فأقبلا ـ علي وفاطمة ـ حتى جلسا مجلسهما ، وعندهما اُمهات المؤمنين ، وبينهن وبين علي حجاب ، وفاطمة مع النساء ، ثم أقبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتّى دقّ الباب ، ففتحت له الباب أم أيمن فدخل ، وخرجت النساء مسرعات وبقيت أسماء بنت عميس ، فلمّا بصرت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبلاً تهيأت لتخرج ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « على رسلك ، مَن أنتِ ؟ » .
فقالت : أنا أسماء بنت عميس ، بأبي أنت و اُمي إن الفتاة ليلة بنائها لاغنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها .
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ما أخّرك إلاّ ذلك ؟ » .
فقالت : إي والذي بعثك بالحق ما أكذب والروح الأمين يأتيك .
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ناوليني المخضب واملئيه ماءً » .
فنهضت أسماء بنت عميس فملأت المخضب ماء ثم أتته به ، فملأ فاه ثم مجّه فيه ثم قال : « اللهم انّهما منّي وأنا منهما فأذهب عنهما الرجس وطهّرهما تطهيراً » .
ثم دعا فاطمة عليها السلام فقامت إليه وعليها النقبة وأزارها ، فضرب كفاً من ماء ما بين ثدييها ، واُخرى بين عاتقها ، وباُخرى على هامتها ، ثم نضح جلدها وجسدها ثم التزمها ثم قال : « اللهم انّهما منّي وأنا منهما فكما أذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطيراً فطهّرهما » .
ثم أمرها أن تشرب بقية الماء ، وتتمضمض ، وتستنشق ، وتتوضاً .
ثم دعا بمخضب آخر فصنع كما صنع بالآخر ، ودعا علياً عليه السلام فصنع به كما صنع بصاحبته ، ودعا له كما دعا لها ، ثم أغلق عليهما الباب وانطلق .
فزعم عبدالله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنّه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ، ما شرك معهما في دعائه أحداً .
قال محمّد بن يوسف : هكذا رواه ابن بطّة العكبري الحافظ ، وهو حسن عال ، وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح ، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، وهي التي تزوّجها أبوبكر فولدت له محمّد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فلما مات أبوبكر تزوّجها علي بن أبي طالب فولدت له . وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلاّ غلطاً وقع من بعض الرواة أو من بعض الورّاقين ؛ لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة عليها السلام إنّما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري ، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر في أرض الحبشة وهاجر بها الهجرة الثانية ، وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلّهم بأرض
الحبشة ، وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، وكانت وقعة بدر واُحد والخندق وغيرها من المغازي ، إلى أن فتح الله عزّوجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرى خيبر في سنة سبع ، وقدم المدينة وقد فتح الله عزّوجلّ على يديه ، وقد قدم يومئذٍ جعفر بامرأته وأهله ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « ما أدري بأيّهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر » .
وكان زواج فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة ، فيتّضح من هذا أنّ أسماء المذكورة في هذا الحديث إنّما هي أسماء بنت يزيد ، ولها أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها شهر بن حوشب وغيره من الناس ، حقّق ذلك مؤلف هذا الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي من كتب الحفّاظ من نقلة الأخبار .
وعلّق على ذلك السيّد الأمين في الأعيان قائلاً : اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن ، بأن يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس ، لأنّها أعرف ، لكن ينافي ذلك ما مرَّ من أنّها حضرت وفاة خديجة ، وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة ، مع أنّه ورد ذكر جعفر في خبر زفاف فاطمة عليها السلام في غير موضع من سيرة الزهراء عليها السلام ، فإذا كان قد وقع الإشتباه في أسماء فكيف وقع في جعفر ، على أنّه من الممكن الإشتباه في ذكر جعفر أيضاً كما وقع في ذكر أسماء ، فظنّ الراوي وجوده مع وجود زوجته أسماء .
واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف هي سلمى بنت عميس زوجة حمزة ، وأنّ بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها ، وتبعه الباقون ، وسلمى يمكن شهودها وفاة خديجة ، والله العالم .
وممّا لا يختلف فيه المؤرخون أنّ أسماء بنت عميس حضرت وفاة الزهراءسلام الله عليها ، وصنعت لها نعشاً ، وهو أوّل نعش صنع في الإسلام ، وحضرت تغسيلها أيضاً .
قال السيّد محسن الأمين : ومما يدلّ على اختصاص أسماء بأهل البيت عليهم السلام وشدّة حُبها لهم وللزهراء عليها السلام ، أنّها كانت موضع سرّها ومحلّ حوائجها ، فلمّا مرضت أرسلت خلفها وشكت
إليها أنّ المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها إلاّ ثوب ، فذكرت لها أسماء النعش المغطّى الذي رأته بأرض الحبشة ، فاستحسنته الزهراء عليها السلام حتى ضحكت بعد أن لم تكن ضحكت بعد أبيها غير تلك المرّة ودعت لها .
وحضرت أسماء وفاتها وأعانت علياً عليه السلام على غسلها ، ولم تدع أحداً يدخل عليها من اُمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها . فقد ذكر جماعة أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لما مرضت دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً ، وفي رواية أنّ أسماء بنت عميس قالت للزهراء عليها السلام : إني كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً فإن أعجبك أصنعه لك ، فدعت سريراً فأكبته لوجهه ، ثم دعت بجرائد فشدّتها إلى قوائمه وجعلت عليه نعشاً ، ثم جللته ثوباً ، فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام : « اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار » .
وفي الاستيعاب : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت لأسماء بنت عميس : « إنّي استقبحت ما يصنع بالنساء ، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها » .
فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ألا اُريك شيئاً بأرض الحبشة ، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً .
فقالت فاطمة : « ما أحسن هذا وأجمله ، تعرف به المرأة من الرجل » .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضاً شديداً فقالت : « يا أسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغتُ ؟ ! اُحمل على السرير ظاهراً » .
فقالت أسماء : لعمري ، ولكن أصنع لكِ نعشاً كما رأيتُ يصنع بأرض الحبشة .
قالت : « فأرينيه » .
فأرست أسماء إلى جرائد رطبة وجعلت على السرير نعشاً ، وهو أوّل ما كان النعش ، قالت أسماء : فتبسّمت فاطمة وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلاّ يومئذٍ .
وروى ابن عبدالبر في الاستيعاب : أنّ فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس : « إذا أنا مُتُ فغسليني أنت وعلي ولا تُدخلي عليّ أحداً » .
ومثله روى أبونعيم في الحلية ثم قال : فلما تُوفّيت غسّلها علي وأسماء .
وفي روضة الواعظين : أنّ فاطمة عليها السلام لما نُعيت إليها نفسها ، دعت اُم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف علي فأحضرته ـ إلى أن قال ـ فغسّلها علي عليه السلام في قميصها ، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس .
قال ابن عبدالبر في الاستيعاب : غسّلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت : غسّلتُ أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان علي هو الذي يباشر غسلها وأسماء تُعينه على ذلك ، وبهذا يرتفع استبعاد بعضهم أنّ تغسّلها أسماء مع علي وهي أجنبية عنه ؛ لأنّها كانت يومئذٍ زوجة أبي بكر .
وفي بعض الأخبار : أنّه أمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء ، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب و اُم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس .
قال ابن عبدالبر في الاستيعاب : فلما توفّيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر فقالت : إنّ هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد جعلت لها مثل هودج العروس ، فجاء فوقف على الباب فقال : يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبيّ أن يدخلْنَ على بنت رسول الله ، وجعلتِ لها مثل الهودج .
فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعتُ وهي حيّة ، فأمرتني أن أصنع لها ذلك .
قال أبوبكر : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف .
وفي بعض الروايات : أنّ أسماء كانت عندها حين وفاتها ، وأنّها أمرتها أن تأتي ببقية حنوط أبي ها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتضعه عند رأسها .
ما يدلّ على مكانتها :
فبالإضافة إلى ما مرّ من أحاديث ومواقف ، هناك أحاديث ووقائع اُخرى تدل على رفعة
منزلة هذه المرأة وعلوّ مكانتها في الإسلام ، نذكر منها :
روى الصدوق في الخصال ، باب الأخوات من أهل الجنة : حدّثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول :
« رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسمّاهن : أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم الفضل عند العباس اسمها هند ، والغميصاء اُم خالد بن الوليد ، وعزّة كانت في ثقيف عند الحجّاج بن غلاّط ، وحميدة ولم يكن لها عقب » .
وفي الاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسألها عن تعبير المنام ، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره .
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى : أنّه لما قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر : يا حبشية سبقناكم بالهجرة .
فقالت : إي لعمري لقد صدقتَ ، كُنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُطعم جائعكم ويعلّم جاهلكم ، وكنّا البعداء الطرداء ، أمّا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلأذكرن له ذلك .
فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فقال : « للناس هجرة واحدة ، ولكم هجرتان » .
وفي رواية اُخرى لابن سعد أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال : « كذب مَن يقول ذلك ، لكم الهجرة مرتين : هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إليّ » .
وروى ابن سعد في الطبقات أيضاً عن أسماء أنها قالت : أصبحتُ في اليوم الذي اُصيب فيه جعفر وأصحابه ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد هنأت ـ يعني دبغت ـ أربعين إهاباً من ادم ، وعجنت عجينتي ، وأخذت بنيَّ فغسلت وجوههم ودهنتهم ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « يا أسماء أين بنوجعفر ؟ » .
فجئت بهم إليه ، فضمّهم وشمّهم ، ثم ذرفت عيناه فبكى .
قفلت : يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء ؟
قال : « نعم ، قتل اليوم » ، فقمتُ أصيح ، فاجتمع إلي النساء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي صدراً » ، ودخل على ابنته فاطمة وهي تقول : « واعمّاه » ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « على مثل جعفر فلتبكِ الباكية » ، ثم قال : « اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شُغلوا عن أنفسهم اليوم » .
وفي الاصابة : لمّا بلغها قتل ولدها محمّد بمصر ، قامت إلى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخبت ثدياها دماً .
وقال الكشي في رجاله : حدّثني محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمّيّان ، قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف القمّيّ ، قال : حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « كان مع أميرالمؤمنين عليه السلام من قريش خمسة نفر ، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية ، فأما الخمسة : محمّد بن أبي بكر رحمة الله عليه أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس ، وكان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال و . . . » .
وروي أيضاً عن محمّد بن مسعود قال : حدّثني علي بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن زحل عمر بن عبدالعزيز ، عن جميل بن درّاج ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، قال : ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبدالله عليه السلام ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : « رحمه الله ، وصلّى عليه ، قال لأميرالمؤمنين عليه السلام يوماً من الأيام : أبسط يدك اُبايعك .
فقال : أوما فعلت ؟
قال : بلى ، فبسط يده فقال : أشهد أنّك إمام مفترض الطاعة وأنّ أبي في النار . فقال أبوعبدالله عليه السلام : كان انجابه [ النجابة ] من قبل اُمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها ، لا من قبل أبيه » .
وفي إعلام الورى : وفي مسند الرضا عليه السلام : عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : « حدّثني أسماء بنت عميس ، قالت : لمّا كان بعد الحول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في
اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء : فداك أبي و اُمي ممّ بكاؤك ؟
قال : من ابني هذا .
فقلت : إنّه ولد الساعة .
قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي .
ثم قال : يا أسماء لا تخبرين فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثم قال لعلي : أي شيء سمّيت ابني هذا ؟
قال : ما كنتُ لاسبقك بإسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسمّيه حرباً .
فقال رسول الله : ما كنتُ لأسبق باسمه ربي ، فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يُقرئك السّلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون .
فقال : ما اسم ابن هارون ؟
قال : شبير .
قال : لسان عربي .
قال : سمّه الحسين ، فسمّاه الحسين ، ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره ورقاً ، وطلا رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهلية ، وأعطى القابلة فخذ كبش .
قبرها :
وفي معارف الرجال قال الشيخ حرز الدين : يُنسب لها مرقد في العراق بضواحي « الهاشميّة » على نهر « الجربوعية » بعد نهري « السفاح » و « القاسم » في أراضي قبيلة « الجوازرية » ، وقفنا عليه سنة 1315هـ بعد زيارتنا لمرقد القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ، فكان القبر المنسوب لها عليه قبة متوسطة الحجم والإرتفاع ، موشاة ببعض الحجارة الملوّنة بالقاشي الأزرق ، وكان عليها آثار القِدم ، وفي نفس الوقت كانت محكمة
البناء سميكة الجدران (1) .
30 أسماء الأنصاريّة
أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرىء القيس الأشهلية الأنصارية ، تكنّى بأم سلمة .
كانت غاية في الشجاعة وفصاحة اللسان ، وهي صحابيّة جليلة ، يُعبّر عنها بـ ( خطيبة النساء ) .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدداً من الأحاديث ، وروى عنها عدّة منهم : محمود بن محمّد ، وشهر بن حَوشب ، وإسحاق بن راشد .
وَفَدَتْ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جماعة من النساء ، فقالت :
بأبي أنت و اُمّي يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليكَ ، إنّ الله عزّوجلّ بعثك إلى الرجال والنساء كافّة ، فآمنّا بك وبآلهتك ، وإنّا معشر النساء محصورات مقصورات ، قواعد في بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم . وانّكم معشر الرجال فُضّلتم علينا بالجُمَعِ والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحجّ بعد الحجّ ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عزّوجلّ . وأنّ الرجل إذا خرج حاجّاً ، أو معتمراً ، أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربّينا لكم أولادكم ، أفما نُشارككم هذا الأجر والخير ؟
فالتفتَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه فقال : « هل سَمعتم مقالةَ امرأةٍ أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ؟ ! » .
فقالوا : بلى والله يا رسول الله .
1 ـ مراقد المعارف 1 : 140 .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « انصرفي يا أسماء ، وأعلِمي مَن ورائكِ من النساء أنّ حُسن تبعّل إحداكنّ لزوجها ، وطلبها لمرضاته ، واتّباعها لموافقته ، يعدل ما ذكرتِ للرجال » .
فانصرفتْ أسماء وهي تُهلّل وتُكبّر استبشاراً بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
31 أسيري الأردكانيّة
أسيري بنت صدرالدين الأردكاني مؤلّف كتاب « مرصع الحواشي » ، وجدّة السيّد محمّد علي المدرّس اليزدي المعروف بـ« وامق » .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة من شاعرات القرن الثاني عشر ، لها مهارة عالية في علم الطب ، وصاحبة خطّ جميل ، ولها شعر كثير باللغة الفارسيّة ، مذكور في كتب التراجم والسير (2) .
32 افتخار أمين
العلويّة افتخار بنت السيّد أحمد ابن السيّد محمّد تقي أمين التجّار الأصفهاني .
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة .
ولدت في أصفهان سنة 1332هـ ، ودرست العلوم الإسلامية على يد أفاضل عصرها ، وفي مقدّمتهم العالمة الفاضلة المجتهدة العلويّة أمينة الأصفهانية « نصرت أمين » ، حيث حضرت عندها كثيراً ، وتخرّجت عليها ، فعدّت من تلامذتها المقرّبين .
من مؤلّفاتها المطبوعة كتاب « چهل حديث أمين يا هشتصد وبيست موعظة » ، طبع أوّلاً في النجف الأشرف سنة 1386هـ ، وثانياً في أصفهان سنة 1398هـ .
مدحها وأثنى عليها العلاّمة الكبير آية الله السيّد علي الفاني رحمة الله عليه ، وذلك في تقريض كتابها ، حيث قال :
1 ـ انظر الاصابة 4 : 234 ، الاستيعاب ( المطبوع بهامش الاصابة ) 4 : 238 .
2 ـ تأريخ تذكرههاى فارسى 2 | 2337 .
مع أنّ عدد النساء اللواتي وصلنَ إلى درجة عالية في كسب المعارف الإسلاميّة قليل ، فمنهنّ الفاضلة الكاملة السيّدة افتخار أمين ، التي بادرت إلى أخذ الكمالات النفسية عند الشريفة الحكيمة العالمة المفسّرة « السيّدة نصرت أمين » .
توفّيت في الخامس عشر من جمادى الاُولى سنة 1397هـ في أصفهان ، ودفنت في مقبرة عائلتها الواقعة في تخت فولاذ ، ورثاها وأبّنها بعض الشعراء ، منهم أخوها الحاج مهدي أمين (1) .
33 إفخيتة الفتلاويّة
إفخيتة بنت عبود الفتلاوي ، من عشيرة آل فتلة ، التي كانت تسكن منطقة الفرات الأوسط ، وبالخصوص منطقة الشاميّة في محافظة الديوانيّة .
شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، ومجاهدة ، شاركت في أحداث ثورة العشرين مشاركة فعّالة ، فكانت تارة تُضمّد الجرحى من أبناء عشيرتها ، وتارة اُخرى تُشجّع الرجال على القتال وتشحذ همهم بواسطة الشعر الحماسي التي كانت تنشده وسط الجموع الذاهبة لساحة المعركة ، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك ، حيث حملت السلاح وأرادت التوجّه لقتال الأنگليز ، فمنعها أبناء عشيرتها .
وقد قدّمت هذه الشاعرة المجاهدة ولدها « اگريزي » كأوّل شهيد من هذه المنطقة ، ورثته بأبيات شعريّة ملؤها الحزن والأسى ممزوجاً بالفخر والاعتزاز ، منها :
1 ـ انظر : بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية أو « تأريخ علمى واجتماعى أصفهان در دو قرن أخير » ، بانوى مجتهد ايرانى : 43 .
34 اُم ابن ادريس
بنت شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى سنة 460هـ .
قال الأفندي الأصفهاني في رياض العلماء في ترجمة بنت المسعود الورّام : لم أعلم اسمها ، جدّة ابن ادريس الحلّي من طرف اُمّه .
كانت فاضلة عالمة صالحة ، وقد مرّ في ترجمة ابن ادريس أنّ اُم ابن ادريس بنت الشيخ الطوسي ، و اُمّها بنت المسعود الورّام . وكانت اُم ابن ادريس فيها الفضل والصلاح ، وقد أجازها واُختها بعض العلماء . وحينئذٍ فبنت الشيخ الطوسي كانت فاضلة لابنت المسعود الورّام فلاحظ (2) .
وذكر السيّد محسن الأمين نصّ ما ورد في الرياض وأضاف قائلاً : لا مانع من أن تكون بنت المسعود فاضلة عالمة صالحة ، وبنت الشيخ الطوسي فيها الفضل والصلاح (3) .
ونقل هذا الكلام أيضاً الشيخ ذبيح الله المحلاتي في الرياحين (4) .
وفي موضع آخر من الرياض قال الأفندي الأصفهاني وتحت عنوان « بنتا الشيخ الطوسي » : قد كانتا فاضلتين عالمتين ، وكانت إحداهما اُم ابن ادريس كما سبق في ترجمته ، وقد أجازهما بعض العلماء ، ولعلّ المجيز أخوهما الشيخ أبوعلي ابن الشيخ الطوسي أو والدهما الشيخ الطوسي (5) .
واستشكل المحدّث النوري في مستدرك الوسائل على هذا بقوله : قولهم إنّ اُم ابن ادريس
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 354 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
3 ـ أعيان الشيعة 2 : 275 و 3 : 487 .
4 ـ رياحين الشريعة 4 : 224 .
5 ـ رياض العلماء 5 : 409 .
بنت شيخ الطائفة فإنّه في الغرابة بمكان يكاد يلحق بالمحال في العادة ، فإنّ وفاة الشيخ في سنة 460هـ ، وولادة ابن ادريس كما ذكروا في سنة 543هـ ، فبين الوفاة والولادة 83 سنة ، ولو كانت اُم ابن ادريس في وقت إجازة والدها لها في حدود سبعة عشر سنة مثلاً ، كانت بنت الشيخ ولدت ابن ادريس في سنة مائة سنة تقريباً ، وهذه من الخوارق التي لابدّ أن تكون في الإشتهار كالشمس في رابعة النهار (1) .
35 اُم أبي نصر
اُم أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب .
جدّها ـ أبو اُمّها ـ أبوجعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ .
عالمة ، فاضلة ، مُوثّقة ، مؤمنة ، راوية للحديث .
روى عنها ابنها أبونصر هبة الله بن محمّد الكاتب .
وروت هي عن اُم ها اُم كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ ، كما في بعض أحاديث الغَيبة للشيخ الطوسي ، منها :
قالت : حدّثتني اُم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه ، قالت :
كان أبوالقاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلاً لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ويلقى بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصّيصاً به حتى أنّه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه ؛ لقربه منه وأنسه .
قالت : وكان يدفع إليه في كلّ شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له ، غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل فرات وغيرهم ؛ لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم ، فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه ، وما كان
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 471 .
يحتمله من هذه الأمر ، فمهّدت له الحال في طول حياة أبي ، إلى أن انتهت الوصية إليه بالنصّ عليه ، فلم يختلف في أمره ، ولم يشكّ فيه أحد إلاّ جاهل بأمر أبي أوّلاً ، مع ما لستُ أعلم أنّ أحداً من الشيعة شكّ فيه .
قال الراوي : وقد سمعتُ هذا من غير واحد من بني نوبخت قدس سرهم ، مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره (1) .
36 اُم أبيها
اُم أبيها بنت عبدالله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب .
من المحدّثات والراويات ، روت عن أبيها أحاديث كثيرة ، وروى عنها الحسن المثنى ، والحسن بن محمّد .
تزوّجت عبدالملك بن مروان في أيام ولايته على الشام ، ثم طلّقها فتزوّجها بعده علي ابن عبدالله بن العباس وماتت عنده (2) .
37 اُم أحمد
اُم أحمد بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
راوية من راويات الحديث ، ورد اسمها في طريق عدّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام ، مع بعض الاختلافات :
ففي الكافي روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن موسى ، عن اُمه و اُم أحمد بنت موسى قالتا :
كنا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية ونحن نُريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس :
1 ـ رجال النجاشي : 440 ، رقم 1185 ، الغَيبة : 227 ، تنقيح المقال 3 : 290 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، رياحين الشريعة 3 : 257 .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 356 .
« اغتسلا اليوم لغدٍ يوم الجمعة ، فإنّ الماء بها غداً قليل » ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة (1) .
وقال السيّد الخوئي رحمه الله معلّقاً عليها : هكذا وردت الرواية في الطبعة القديمة ، والمرآة على نسخةٍ ، وفي نسخةٍ اُخرى : و اُم أحمد بن موسى (2) .
ورواها الشيخ بسنده عن الحسين بن موسى بن جعفر ، عن اُمّه و اُم أحمد بن موسى بن جعفر عليه السلام (3) .
وقال السيّد الخوئي رحمه الله معلّقاً عليها أيضاً : كذا في هذه الطبعة ، لكن في الطبعة القديمة عن اُمّه و اُم أحمد بنت موسى بن جعفر ، وفي نسخةٍ منها : عن اُمّه و اُم أحمد ابني موسى بن جعفر ، وفي ثالثة : ( ابنتي ) بدل ( ابني ) ، والنسخة المخطوطة : اُمّه و اُم أحمد ابنة موسى بن جعفر عليه السلام (4) .
ورواها الصدوق في الفقيه ، إلاّ أن فيه : الحسن بن موسى بن جعفر . . . . . . (5) .
وفي الوافي والوسائل نقلاً عن الفقيه مثله ، وعن الكافي والتهذيب : الحسين في كليهما ، وبنت موسى في الوافي فقط ، وفي الوسائل نسختان (6) .
ثم انّ اُم أحمد هذه من أوصياء الامام موسى بن جعفر عليه السلام ، روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام : حدّثنا الحسين بن أحمد بن ادريس ، قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا محمّد بن أبي الصهبان ، عن عبدالله بن محمّد الحجال : أنّ ابراهيم بن عبدالله الجعفري حدّثه عن عدّة من أهل بيته :
1 ـ الكافي 3 : 42 حديث 6 باب وجوب الغسل يوم الجمعة .
2 ـ معجم رجال الحديث 23 : 172 .
3 ـ التهذيب 1 : 365 حديث 1110 باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة .
4 ـ معجم رجال الحديث 23 : 172 .
5 ـ الفقيه 1 : 61 حديث 227 باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام .
6 ـ الوافي 2 : 161 ، وسائل الشيعة 2 : 949 حديث 2 باب استحباب تقديم الغسل يوم الخميس عند خوف قلّة الماء يوم الجمعة .
إنّ أباابراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام أشهد على وصيته : إسحاق بن جعفر بن محمّد ، وابراهيم بن محمّد الجعفري ، وجعفر بن صالح ، ومعاوية بن جعفر ، ويحيى بن الحسن بن زيد ، وسعد بن عمران الأنصاري ، ومحمّد بن الحارث الأنصاري ، ويزيد بن سليط الأنصاري ، ومحمّد بن الحارث الأنصاري ، ويزيد بن سليط الأنصاري ، ومحمّد بن جعفر الأسلمي ، بعد أن أشهدهم أنّه يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث مَن في القبور ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ ، وأنّ الحساب حقّ ، والقصاص حقّ ، وأنّ الوقوف بين يدي الله عزّوجلّ حقّ ، وأنّ ما جاء به محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حقّ حقّ حقّ ، وأنّ ما نزل به الروح الأمين حقّ ، على ذلك أحيى ، وعليه أموت ، وعليه اُبعث إن شاء الله .
أشهدهم أنّ هذه وصيّتي بخطي ، وقد نسختُ وصية جدي أمير المؤمنين عليه السلام ، ووصايا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ووصية محمّد بن علي الباقر ، ووصية جعفر بن محمّد عليهم السلام قبل ذلك حرفاً بحرف ، وأوصيت بها إلى علي ابني وبني بعده معه إن شاء الله ، فإن آنس منهم رشداً وأحب اقرارهم فذاك له ، وإن كرههم وأحب أن يُخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه ، أوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وصبياني الذي خلّفت وولدي ، وإلى ابراهيم والعباس واسماعيل وأحمد و اُم أحمد و . . . (1) .
وفي رياحين الشريعة : أنّها كانت امرأة عظيمة ، وكان الإمام الكاظم عليه السلام حين مسافرته إلى العراق قد وضع عندها ودائع الإمامة ومواريث الأنبياء التي كانت موضوعة في سلّة ، وقال لها : مَن طلب هذه الودائع والمواريث فهو الإمام بعدي ، واعلمي حينئذٍ انني قد فارقت
1 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 33 باب نسخة وصية موسى بن جعفر عليهما السلام .
الدنيا .
قال العلاّمة المجلسي في جلاء العيون : عندما طلب الرضا عليه السلام هذه الودائع منها اشتد بكاؤها وعويلها ، فقالوا لها : ما بكِ ؟
قالت : اُقسم بالله انّه قد قضى نحبه سيّدي ومولاي ومؤنس قلبي موسى بن جعفر ، إنّه أعلمني بما يحدث (1) .
38 اُم اسحاق بنت سليمان
راوية للحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، روى عنها ابن ابنها محمّد بن العباس بن الوليد (2) .
ذكر الكليني في الكافي روايتها ، قال : محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن محمّد بن موسى ، عن محمّد بن العباس بن الوليد ، عن أبيه ، عن اُمّه اُم اسحاق بنت سليمان ، قالت : نظر إليَّ أبوعبدالله عليه السلام وأنا أرضع أحد إبنيَّ محمّد أو اسحاق فقال :
« يا اُم اسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد ، وارضعيه من كليهما ، يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً » (3) .
ورواها الشيخ الطوسي في التهذيب أيضاً (4) .
39 اُم أسلم صاحبة الحصاة
صحابيّة جليلة ، موالية لأهل البيت عليهم السلام ، عمّرت حتّى أدركت الإمام زينالعابدين علي بن
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 358 . وانظر : جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 71 .
2 ـ جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال ، 3 : 70 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، رياحين الشريعة 3 : 360 . معجم رجال الحديث 23 : 173 .
3 ـ الكافي 6 : 40 حديث 2 باب الرضاع ، كتاب العقيقة .
4 ـ التهذيب 6 : 108 حديث 366 باب الحكم في أولاد المطلقات من الرضاع .
الحسين عليهما السلام .
في تنقيح المقال نقلاً عن مدينة المعاجز عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ذكر اسمه قال : حدّثنا محمّد بن ابراهيم ، قال : أخبرنا موسى بن اسماعيل بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدّثني جعفر بن زيد بن موسى ، عن أبي ه ، عن آبائه عليهم السلام قالوا :
« جاءت اُم أسلم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو في منزل اُم سلمة ، فسألتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت ، خرج في بعض الحوائج والساعة يجيء ، فانتظرته عند اُم سلمة حتى جاء صلى الله عليه وآله وسلم .
فقالت اُم أسلم : بأبي أنت و اُمي يا رسول الله ، إنّي قد قرأتُ الكتب وعلمتُ أنّ لكلّ نبيّ وصي ، فموسى له وصي في حياته ووصيٌّ بعد موته ، وكذلك عيسى ، فمَن وصيك يا رسول الله ؟
فقال لها : يا اُم أسلم وصيي في حياتي وبعد مماتي واحد ، ثم قال : مَن فعل فعلي هذا فهو وصيي ، ثم ضرب بيده إلى حصاة في الأرض ففركها باصبعه فجعلها شبه الدقيق ثم عجنها ثم طبعها بخاتمه ، ثم قال : مَن فعل فعلي هذا فهو وَصيي في حياتي وبعد مماتي .
فخرجتُ من عنده فأتيتُ أميرالمؤمنين عليه السلام فقلت : بأبي أنت و اُمي وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال : نعم يا اُم أسلم ، فضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق ، ثم عجنها فختمها بخاتمه ، ثم قال : يا اُم أسلم مَن فعل فعلي هذا فهو وصيي .
فأتيتُ الحسن عليه السلام وهو غلام فقلت له : يا سيدي أنت وصي أبيك ؟
فقال : نعم يا اُم أسلم ، ثمّ ضرب بيده وأخذ حصاة ففعل بها كفعلهما .
فخرجتُ من عنده فأتيتُ الحسين عليه السلام وإنّي استصغره لسنّه فقلت : بأبي أنت و اُمّي أنت وصي أخيك ؟
فقال : نعم يا اُم أسلم ، آتيني بحصاة ، ثمّ فعل كفعلهم .
فعمّرت اُم أسلم حتى لحقت بعلي بن الحسين عليهما السلام بعد قتل الحسين عليه السلام في منصرفه فسألته : أنت وصي أبيك ؟
فقال : نعم ، ثم فعل كفعهم صلوات الله عليهم أجمعين » .
وأقول : أقل ما تفيده هذه الرواية كون اُم أسلم إماميّة ، حسنة الحال ، مورد عناية أهل بيت الرحمة صلوات الله عليهم أجمعين » (1) .
40 اُم الأسود الشيبانيّة
اُم الأسود بنت أعين بن سنسن الشيبانيّة ، اُخت زرارة .
عالمة ، فاضلة ، راوية للحديث ، وهي أوّل مَن عرف التشيّع من عائلتها آل أعين ، وصارت سبباً لتشيّعهم .
وآل أعين أكبر عائلة معروفة بتشيّعها ، كانوا في الكوفة ، أكثرهم رجالاً وأعياناً ، وأطولهم مدّة وزماناً ، أوّلهم أدرك السجاد عليه السلام ، وآخرهم عاش حتى أوائل الغيبة الكبرى ، وكان من بينهم العلماء والفقهاء والرواة والقرّاء والاُدباء ، ومن أشهرهم زرارة بن أعين وأربعة عشر نفر من أقربائه ذُكروا في كتب التراجم والسيّر (2) .
قال أبوغالب الزراري في رسالته إلى ابن ابنه محمّد بن عبيدالله بن أحمد عند ذكر أبناء أعين : ولهم اُخت يقال لها اُم الأسود ، ويقال إنّها أوّل مَن عرف هذا الأمر ـ التشيّع ـ منهم من جهة أبي خالد الكابلي (3) .
وقال الشهيد الثاني زين الدين العاملي قدس سره في الدراية : ومثال الثمانية : زرارة ، وبكير ،
1 ـ تنقيح المقال 3 : 70 ، وانظر بحار الأنوار 25 : 185 ـ 190 .
2 ـ انظر : منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، رجال أبوعلي الحائري : 368 ، تنقيح المقال 3 : 70 ، رياحين الشريعة 3 : 357 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 .
3 ـ رسالة أبوغالب الزراري مع شرحها للسيّد محمّد علي الموحد الأبطحي : 21 .
وحمران ، وعبدالله ، وعبدالرحمان ، ومالك ، وقعنب ، وعبدالله بنوأعين من رواة الصادق عليه السلام ، وفي بعض الطرق : نجم بن أعين فيكون من أمثلة التسعة ، ولو اُضيف اليهم اُختهم اُم الأسود صاروا عشرة (1) .
ومن هذا يُعلم أنّها من العلماء والرواة مع أخوتها ، وأنّها تروي عن الإمام الصادق عليه السلام .
وقال العلاّمة الحلّي رحمه الله في الخلاصة : اُم الأسود بنت أعين ، عارفة ، قاله علي بن أحمد العقيقي ، وهي التي أغمضت زرارة (2) .
41 اُم أنس بن مالك
صحابية جليلة ، وراوية من راويات الحديث ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروت عنها اُم سليمان (3) .
أخرج لها الشيخ الطوسي رحمه الله في التهذيب رواية ، قال : عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن يحيى المعاذي ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن محمّد بن حفص ، عن حفص بن غياث ، عن ليث بن عبدالملك ، عن أبي بشير ، عن حفصة بنت سيرين ، عن اُم سليمان ، عن اُم أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« إذا توفّيت المرأة فأرادوا أن يغسّلوها فليبدأوا ببطنها فلتمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حُبلى ، فإن كانت حُبلى فلا تحرّكيها ، فإذا أردتِ غسلها فابدَأي بسفليها فألقي على عورتها ثوباً ، ثم خذي كرسفة فاغسليها فأحسني غسلها ، ثمّ أدخلي يدكِ تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرّات ، وأحسني مسحها قبل أن توضّئيها ، ثم وضّئيها بماء فيه سدر » (4) .
1 ـ الدراية : 137 .
2 ـ الخلاصة : 191 .
3 ـ معجم رجال الحديث 23 : 174 .
4 ـ التهذيب 1 : 302 حديث 880 .
42 اُم أوفى العبديّة
قال الثعالبي في ثمار القلوب : إنّ اُم أوفى العبديّة دخلت على عائشة فقالت : يا اُم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً ؟
فقالت : قد استحقّت النار .
قالت : إنّه أصغر ممّا تظنّين .
فقالت : قد استوجبت النار .
قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أبنائها الكبار اُلوفاً ؟ تُعَرِّض بيوم الجمل .
فقالت : خذوا بيد عدوة الله (1) .
43 اُم البداء
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام أبي جعفر الصادق عليه أفضل الصلاة والسّلام (2) .
وذكرها السيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث (3) .
44 اُم البرّاء
راوية للحديث ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه ، وقال : وقيل هي حبّابة الوالبية (4) .
1 ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : 256 | 356 ، وانظر : أعيان الشيعة 3 : 475 ، رياحين الشريعة 3 : 362 ، أعيان النساء : 46 .
2 ـ رجال البرقي : 62 .
3 ـ معجم رجال الحديث 23 : 174 .
4 ـ رجال الشيخ : 102 .
كما وعدّها أيضاً البرقي في رجاله من أصحاب الإمام السجاد سلام الله عليه (1) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : ما يفيده ظاهر كلام الشيخ كونها إماميّة ، وحالها مجهول ، ويبعد كونها حبّابة الوالبية ، إن كنية حبّابة اُم الندى ، إلاّ أن تكون لها كنيتان (2) .
45 اُم البرّاء بنت صفوان
من الشاعرات المواليات لأميرالمؤمنين عليه السلام ، والحاضرات معه صفين ، لها شعر تحضّ الرجال وتُشجعهم على القتال في مواجهة العدو ، ولها شعر ترثي به الإمام علي عليه السلام بعد أن قتله ابن ملجم لعنه الله .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدّثنا العباس بن بكّار ، حدّثنا سهيل بن أبي سفيان التميميّ ، عن أبيه ، عن جعدة بن هبيرة المخزومي قال : استأذنت اُم البرّاء بنت صفوان بن هلال على معاوية ، فأذن لها ، فدخلت في ثلاث دروع (3) تسحبها ، قد كانت على رأسها كوراً (4) كهيئة المنسف (5) ، فسلّمت ثم جلست ، فقال : كيف أنتِ يا بنت صفوان ؟
قالت : بخير يا أميرالمؤمنين .
قال : كيف حالك ؟
قالت : ضعفتُ بعد جلد ، وكسلتُ بعد نشاط .
قال : شتان بينك اليوم وحين تقولين :
1 ـ رجال البرقي : 62 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 70 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 180 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 455 ، رجال أبوعلي : 368 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 .
3 ـ درع المرأة : قميصها . الصحاح 3 : 1026 ( درع ) .
4 ـ كار العمامة على رأسه يكورها : أي لاثها ، أي أدارها . الصحاح 2 : 809 ، القاموس المحيط 2 : 129 ( كوَرَ ) .
5 ـ المِنْسَفُ : ما يُنسفُ به الطعام ، وهو شيء طويل منصوب الصدر ، أعلاه مرتفع . الصحاح 4 : 1431 ( نسف ) .
قالت : قد كان ذاك يا أميرالمؤمنين ، ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : ﴿ عفا الله عمّا سلف ﴾ (2) .
قال : هيهات أما أنّه لو عاد لعدتِ ، ولكنه اخترمَ دونك ، فكيف قولك حين قتل ؟
قالت : نسيته يا أميرالمؤمنين .
فقال بعض جلسائه : هو والله حين تقول يا أميرالمؤمنين :
فقال معاوية : قاتلكِ الله يا بنت صفوان ، ما تركتِ لقائلٍ مقالاً ، اُذكري حاجتك .
قالت : هيهات بعد هذا والله لا سألتك شيئاً ، ثم قامت فعثرت فقالت : تَعِسَ شانِىء علي .
فقال : يا بنت صفوان زعمتي أن لا أحبّه .
قالت : هو ما علمت (3) .
46 اُم بكر
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام .
1 ـ عَرَّدَ الرجل تعريداً : إذا فرّ . الصحاح 2 : 508 ( عَرَدَ ) .
2 ـ المائدة : 90 .
3 ـ بلاغات النساء : 75 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، أعيان النساء : 46 ، رياحين الشريعة 3 : 366 .
وذكرها أيضاً السيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث (1) .
47 اُم جعفر بنت محمّد بن جعفر
راوية من راويات الحديث ، روت عن أسماء بنت عميس ، وروى عنها عمارة بن مهاجر .
ذكرها الصدوق في المشيخة في طريقه إلى أسماء بنت عميس (2) .
48 اُم حبيبة
صحابية جليلة ، راوية للحديث ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) ، وتبعه في ذلك ابن داود في رجاله (4) . ولها ذكرٌ في جامع الرواة (5) ، ومعجم رجال الحديث (6) .
49 اُم حذيفة اليمان
من الصحابيات لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد سألت حذيفة يوماً : أي وقتٍ كُنتَ فيه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال : في الوقت الذي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي فقال لي :
« يا حذيفة هل التفتّ إلى الحالة التي كنتُ عليها » ؟
قلت : نعم يا رسول الله .
1 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 .
2 ـ انظر : مَن لا يحضره الفقيه ( المشيخة ) 4 : 28 ، تكملة الرجال 2 : 702 ، تنقيح المقال 3 : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، رياحين الشريعة 3 : 371 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 32 .
4 ـ رجال ابن داود : 223 .
5 ـ جامع الرواة 2 : 455 .
6 ـ معجم رجال الحديث 23 : 175 .
قال : « لقد بشّرني الملك بأنّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة ، وفاطمة ابنتي سيّدة نساء أهل الجنة » .
قاله الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة نقلاً عن ابن مندة و أبي نعيم (1) .
50 اُم حرام بنت ملحان
صحابية جليلة ، ذكرها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وفي الإستيعاب : اُم حزام بنت ملحان بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجّار ، زوج عبادة بن الصامت ، واُخت اُم سليم ، وخالة أنس بن مالك . لم أقف لها على اسم صحيح ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها . ودعا لها بالشهادة ، فخرجت مع زوجها عبادة غازية في البحر ، فلمّا وصلوا إلى جزيرة قبرص خرجت من البحر فقرّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ودفنت في موضعها ، وذلك في إمارة معاوية وخلافة عثمان (3) .
وفي تنقيح المقال : اُم حرام بنت ملحان الأنصارية الخزرجيّة البخاريّة .
الضبط : حرام : بالحاء ، والراء المهملة ، والألف ، والميم على ما في اُسد الغابة وغيره ، وبالزاي المعجمة على ما في رجال الشيخ رحمه الله .
وملحان : بكسر الميم ، وسكون اللام ، وفتح الحاء المهملة بعدها ألف ونون ، من أسماء الرجال ، ومنه ابن الحائل ملحان بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير ، وإليه يُنسب جبل ملحان المطلّ على تهامة ، واسم الجبل ريشان فيما حسبه ياقوت في المعجم .
عدّها جمع ـ منهم الشيخ في رجاله وابن عبدالبر وابن مندة وأبونعيم وابن الأثير ـ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 376 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 33 .
3 ـ الإستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 443 .
وفي اُسد الغابة : أنّ اسمها الرميصاء ، وقيل القميصاء ، ولا يصح لها اسم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها ، وأخبرها أنّها شهيدة .
وقال المامقاني في نهاية كلامه : ويستفاد من اكرام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إياها وزيارتها لها وقيلولته عندها حسنها ، والله العالم (1) .
51 اُم الحسن بنت ابن شدقم
اُم الحسن بنت الحسن بن علي بن الحسين بن علي ، المعروف بابن شدقم الحسيني المدني .
عالمة ، فاضلة ، كاملة ، أجازها الشيخ عزّالدين الحسيني ابن الشيخ عبدالصمد ابن الشيخ شمس الدين محمّد الجبعي العاملي الحارثي الهمداني المتوفى سنة 984هـ والد الشيخ البهائي ، كما وأجازها والدها الحسن بن علي بن الحسين المشهور بابن شدقم ، ولاخوتها السيّد محمّد والسيّد علي والسيّد حسين ، كتبها لهم عام تشرّفه بمكّة المعظّمة ونزوله بدار والدها بعد يوم الغدير سنة 983هـ ، وكانت هذه الاجازة مختصرة (2) .
52 اُم الحسن
اُم الحسن بنت عبدالله ابن الإمام محمّد الباقر عليه السلام .
عدّها الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (3) .
وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : ظاهره كونها إماميّة ، إلاّ أني لم أقف على اسمها ولا حالها ، وربما يشكل الأمر بتصريح صاحب عمدة الطالب بأن الباقر عليه السلام أعقب من أبي عبدالله
1 ـ تنقيح المقال 3 : 71 . وانظر : نقد الرجال : 412 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، جامع الرواة 2 : 455 ، رياحين الشريعة 3 : 374 ، معجم رجال الحديث 23 : 175 ، أعيان الشيعة 3 : 476 ، اُسد الغابة 5 : 574 .
2 ـ رياض العلماء 1 : 253 ، الذريعة 1 : 186 رقم 962 ، رياحين الشريعة 3 : 375 .
3 ـ رجال الشيخ : 341 .
الصادق عليه السلام وحده ، فإن ظاهره نفي كون ولد للباقر عليه السلام اسمه عبدالله ، فتفحّص (1) .
53 اُم الحسن
اُم الحسن بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : اُم الحسن بنت الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، روت الحديث ، أخرج لها الحاكم في المستدرك في وفاة فاطمة الزهراء عليه السلام رواية عن أخيها جعفر بن محمّد ، رواها عيسى بن عبدالله العلوي عن أبيه عنها . ويمكن كونها بنت عبدالله ونسبت إلى جدها ، ويؤيده أنّهم لم يذكروا في أولاد الباقر عليه السلام مَن اسمها اُم الحسن أو تكنّى باسم الحسن ، وإنّما ذكروا زينب و اُم سلمة ، وقيل : إنّ اُم سلمة هي زينب (2) .
وفي المستدرك على الصحيحين : أخبرنا أبوالحسين بن يعقوب الحافظ ، أخبرنا أبوالعباس الثقفي ، حدّثني علي بن عقيل بن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، حدّثني عيسى بن عبدالله العلوي ، عن أبيه ، عن اُم الحسن بنت أبي جعفر محمّد بن علي ، عن أخيها جعفر بن محمّد قال :
« ماتت فاطمة رضي الله عنها وهي بنت إحدى وعشرين ، وولدت على رأس سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم » (3) .
54 اُم الحسن النخعيّة
راوية للحديث ، روت عن الإمام علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام ، وروى عنها أبوزهرة .
أخرج لها الشيخ الكليني رحمه الله روايةً في الكافي ، قال : أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ،
1 ـ تنقيح المقال 3 : 71 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 180 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 7 : 180 ، أعيان الشيعة 3 : 476 ، رياحين الشريعة 3 : 376 ، معجم رجال الحديث 23 : 175 .
2 ـ أعيان الشيع 3 : 476 .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 163 .
عن أبي زهرة ، عن اُم الحسن ، قالت :
مرَّ بي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : « أي شيء تصنعين يا اُم الحسن ؟ » .
قلت : أغزل .
فقال : « أما أنه أحلّ الكسب » ، أو « من أحلّ الكسب » .
وروى ذلك أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب (1) .
55 اُم الحسين
اُم الحسين بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
راوية من راويات الحديث (2) .
روى الكليني في الكافي : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد ابن محمّد ، عن الحسين بن موسى ، عن اُمه و اُم أحمد بنت موسى قالتا :
كنّا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : « اغتسلا اليوم لغدٍ الجمعة ، فإنّ الماء بها غداً قليل » ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة (3) .
ورواها أيضاً الصدوق في الفقيه ، والشيخ الطوسي في التهذيب (4) .
وقد ذكرناها في ترجمة اُم أحمد بنت موسى مع بعض الاختلافات ، فراجع .
1 ـ الكافي 5 : 311 حديث 32 باب النوادر ، التهذيب 6 : 382 حديث 1127 باب المكاسب ، جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 71 ، رياحين الشريعة 3 : 376 ، معجم رجال الحديث 23 : 175 .
2 ـ جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 71 ، رياحين الشريعة 3 : 358 ، معجم رجال الحديث 23 : 172 و 175 .
3 ـ الكافي 3 : 42 حديث 6 باب وجوب الغسل يوم الجمعة .
4 ـ الفقيه 1 : 61 حديث 227 باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمّام ، التهذيب 1 : 365 حديث 1110 باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة .
56 اُم الحصين الأحمسيّة
اُم الحصين بنت إسحاق الأحمسيّة ، كما في الاستيعاب .
وهي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، روت عنه ، وروى عنها العيزار بن حريث ، ويحيى بن حُصين ، وشهدت مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع (1) .
57 اُم حكم الهاشميّة
اُم حكم بنت الزبير بن عبدالمطلب بن هاشم .
تزوّجها ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ، فولدت له أربعة أولاد وبنتين .
راوية للحديث ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قاله الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة (2) .
58 اُم حكيم الهاشميّة
اُم حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب بن هاشم ، عمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
اُم ها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم .
وهي توأمة عبدالله ، وقد اُختلف في ذلك ، ولم يختلف أنّها شقيقته وشقيقة أبي طالب والزبير . كانت عند كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبدمناف ، فولدت له عامراً وبنات ، وهي القائلة : إنّي لحصان فما أتكلم ، وصناع فما أعلم .
كانت فصيحة اللسان ، بليغة الكلام ، شاعرة .
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 34 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 71 أعيان الشيعة 3 : 476 معجم رجال الحديث 23 : 175 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 445 .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 380 .
ومن شعرها ما رثت به أباها عبدالمطلب في حياته ، وذلك إنّه جمع بناته في مرضه وهنّ : أروى ، و اُم حكيم البيضاء ، و اُميمة ، وبرة ، وصفيّة ، وعاتكة ، وأمرهنّ بأن يقلْن في حياته ما يردن أن يرثينه بعد وفاته ليسمع ما تريد أن تقول كلّ واحدة منهنّ ، فأنشأت كلّ واحدة منهنّ أبياتاً في رثائه ، فقالت اُم حكيم :
59 اُم حكيم الخوليّة
اُم حكيم بنت عمرو بن سفيان الخوليّة .
راوية للحديث ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من الراويات عن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : لم أقف على اسمها ولا حالها .
والخوليّة : إمّا بفتح الخاء المعجمة ، وسكون الواو ، وفتح الباء المثناة من تحت ، والهاء ، نسبة إلى خولان بن أبي ، بطن من كهلان من القحطانيّة .
أو بكسر الخاء ، وفتح الواو ، وكسر اللام ، وتشديد الياء ، نسبة إلى جدّ له مسمّى بخولة (2) .
1 ـ انظر : اُسد الغابة 5 : 227 ، أعلام النساء 1 : 32 ، أعيان الشيعة 3 : 247 ، رياحين الشريعة 3 : 380 .
2 ـ انظر : رجال الشيخ : 66 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 476 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .
60 اُم حكيم التيميّة
اُم حكيم بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر .
كانت عالمة ، فاضلة .
تزوّجها القاسم بن إسحاق بن عبدالله بن جعفر الطيّار فولدت له داود ، وكان مشهوراً بأبي هشام الجعفري ، قد أدرك الرضا والجواد والعسكريين عليهم السلام ، وشهد كثيراً من معاجزهم .
و اُمّها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر جدّة اُم ّ الصادق عليه السلام ، و اُم القاسم مرواريد بنت السلطان يزدجرد ، وهي اُخت السيّدة شهر بانو اُم الإمام زين العابدين عليه السلام ، فيظهر من ذلك أن القاسم ابن خالة الإمام السجاد عليه السلام وكان من أصحابه (1) .
61 اُم حميد الأنصاريّة
راوية للحديث .
قال ابن عبدالبر في الإستيعاب : اُم حميد الأنصاريّة امرأة أبي حميد الساعدي ، حدّثنا الوارث بن سفيان ، حدّثنا القاسم بن أصبغ قال : حدّثنا أحمد بن زهير قال : حدّثنا هارون ابن معروف قال : حدّثنا ابن وهيب قال : حدّثنا داود بن قيس ، عن عبدالله بن سويد الأنصاري ، عن عمته اُم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت :
يا رسول الله إنّي أحبّ الصلاة معك .
قال : قال لها : « قد علمتُ أنّك تُحبين الصلاة معي ، وصلاحتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاحتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي » .
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 376 .
قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء في بيتها وأظلمه ، وكانت تصلّي فيه حتى لقيت الله تعالى (1) .
62 اُم خارجة
امرأة زيد بن ثابت .
راوية للحديث ، أدركت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
أورد ابن أبي عاصم من طريق عبيدالله بن أبي زياد ، قال : حدّثنا أبوبكر بن عبدالله بن أبي ربيع ، حدّثتني اُم خارجة امرأة زيد بن ثابت قالت :
أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حائط ومعه أصحابه إذ قال : « أوّل رجل يطلع عليكم فهو من أهل الجنة » ، فليس أحد منّا إلاّ وتمنّى أن يكون من وراء الحائط .
قالت : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا حسّاً ، فرفعنا أبصارنا إليه ينظر مَن يدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « عسى أن يكون علياً » فدخل علي بن أبي طالب .
وذكر أبونعيم إنّ مكيّ بن ابراهيم تابعه عن أبي بكر ، وأخرجه ابن مندة من وجهين عن أبي عبدالكريم الحراني ، عن محمّد بن عبدالله بن أبي صعصعة ، عن أبي ه ، عن اُم خارجة بنت سعد بن الربيع ، عن أبي مرشد (2) .
63 اُم خالد الخزرجيّة
وهي اُم أبي أيوب قيس بن عمرو بن امرىء القيس الخزرجي .
وأبوأيوب هو خالد بن زيد الأنصاري ، كان من مشاهير الصحابة لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن التابعين إلى أمير الموَمنين عليه السلام ، حضر معه كافة حروبه : الجمل وصفين والنهروان ،
1 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 446 ، وعنه في رياحين الشريعة 3 : 381 .
2 ـ اُسد الغابة 5 : 578 ، الإصابة 4 : 1246 ، رياحين الشريعة 3 : 381 .
وذهب إلى إسلامبول للجهاد ، فمرِضَ فيها ومات ، ومزاره معروف هناك يزوره الناس .
و اُم خالد هذه كانت عمياء ، فأبصرتْ حينما مسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عينها ، فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة واستقبلته قبيلتا الأوس والخزرج ، وأراد كلّ واحد منهم نزول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته ، وقاموا يأخذون بناقته ويجرّون بها إلى بيوتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« ذروها حتى تصل إلى أي بيتٍ من بيوتكم فتقف عنده ، فإنّ الذي وقفت عنده فهو منزلي » .
فمشت الناقة حتى وقفت عند بيت أبي أيوب الأنصاري ، وكانت اُمه نائمة فناداها : قومي يا اُمّاه ، لقد شرّفنا كريم ربيعة ومضر محمّد المصطفى والرسول المجتبى ، وأخذت اُم أيوب برحله وساقته إلى بيتها ، وكانت اُم أبي أيوب فقيدة البصر فقالت : واحسرتاه ليتني كنتُ بصيرة لكي أرى وجه سيّدي ، فمسحَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيده على عينيها فأبصرت ، وكانت أوّل معجزة ظهرت في المدينة على يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
64 اُم خِدَاش
راوية من راويات الحديث ، روت عن علي بن أبي طالب سلام الله عليه (2) .
65 اُم خلف
زوجة مسلم بن عوسجة ، و اُم ولده خلف ، اللذين استشهدا مع سيّدهما الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء .
وهي من المؤمنات الموالايات لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم ، ومن المجاهدات اللواتي حضرنَ أرض كربلاء ، فبعد مصرع زوجها مسلم بن عوسجة نراها تبعث ولدها خلف
1 ـ انظر رياحين الشريعة 3 : 364 .
2 ـ طبقات ابن سعد 8 : 485 ، أعلام النساء 1 : 318 نقلاً عن طبقات الأتقياء لابن حبان .
ليدافع عن الحسين عليه السلام وعياله .
قال ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة نقلاً عن عطاء الله الشافعي في كتاب روضة الأحباب : لما رأى خلف مقتل أبيه برز مثل الأسد ، فقال له الحسين عليه السلام : « إن خرجت وقُتلتَ ستبقى اُمك في الصحاري وحيدة » .
فوقفت اُمّه في طريقه وقالت له : يا بني اختر نصرة ابن بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على سلامة نفسك ، وإن اخترتَ سلامتك لن أرضى عنك ، فبرز لهم وحمل عليهم ، و اُمه تناديه من خلفه : أبشر يا ولدي إنّك ستُسقى من ماء الكوثر ، فقتلَ ثلاثين منهم ، ثم نال شرف الشهادة بعدها .
وقد أرسل أهل الكوفة رأسه إلى اُمّه فاحضتنت الرأس وقبّلته وبكت ، وبكى معها آخرون (1) .
66 اُم الخير
امرأة صالحة عابدة ناسكة ، من الشيعة ، ضحّت من أجلِ عقيدتها ومبدئها .
كانت عالمة ، عارفة بأحكام دينها ، بليغة اللسان .
قال الكشي : حدّثني محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني علي بن الحسن بن فضال ، عن العباس بن عامر و جعفر بن محمّد بن حكيم ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبي بصير ، قال :
كنتُ جالساً عند أبي عبدالله عليه السلام إذ جاءت اُم الخير ـ التي قطعها يوسف ـ تستأذن عليه ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : « أيسركَ أن تشهد كلامها » .
فقلت : نعم جعلت فداك .
فقال : « أما الآن فأذن لها » ، فأجلسني على الطنفسة (2) ، ثم دخلت وتكلّمت ، فإذا هي امرأة بليغة . فسألته عن فلان وفلان ، فقال لها : « تَولّيهما » .
قالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما .
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 305 .
2 ـ الطنفسة : البساط الذي له خمل رقيق .
قال : « نعم » .
قالت : فإنّ هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما ، وكثير النواء يأمرني بولايتهما فأيّهما أحبّ إليكَ ؟
قال : « هذا والله وأصحابه أحبّ إليّ من كثير النواء وأصحابه ، إنّ هذا يخاصم فيقول : ﴿ من لم يحكم بما أنزل الله فاُلئك هم الكافرون ﴾ (1) ، ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فاُولئك هم الظالمون ﴾ (2) » ؟ ، ﴿ ومن لم يحكم بما أنزلالله فاُولئك هم الفاسقون ﴾ (3) .
فلمّا خرجت قال : إنّي خشيت أن تذهب فتخبر كثيراً فيشهرني بالكوفة ، اللهم إنّي اليك من كثير بريء في الدنيا والآخرة (4) .
وأخرج هذه الرواية أيضاً ثقة الإسلام الشيخ الكليني في الكافي ، إلاّ أنّه سمّاها « اُم خالد » (5) .
وقال الكشي أيضاً : حدّثني محمّد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، قال : يوسف بن عمر وهو الذي قتل زيداً وكان على العراق ، وقطع يد اُم الخير ، وهي امرأة صالحة على التشيّع (6) .
وقد ورد ذكرها في مصادر اُخرى (7) .
67 اُم الخير البارقيّة
اُم الخير بنت الحُريش بن سراقة البارقيّة .
1 ـ المائدة : 44 .
2 ـ المائدة : 45 .
3 ـ المائدة : 47 .
4 ـ رجال الكشي : 241 رقم 441 .
5 ـ الكافي 8 : 101 حديث 71 ، وعنه في الوسائل 20 : 197 حديث 1 .
6 ـ رجال الكشي : 242 رقم 442 .
7 ـ تنقيح المقال 3 : 71 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، التحرير الطاووسي : 332 ، رجال أبوعلي : 368 ، أعيان الشيعة 3 : 376 ، رياحين الشريعة 3 : 381 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .
تابعيّة ، لم ترَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ورأت أصحابه ، وهي من أهل الكوفة ، معروفة بالذكاء والفصاحة والبلاغة ، والولاء لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه . حضرت معه حرب صفين ، وخطبت خطبةً بليغة .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدّثني عبدالله بن سعد ، قال : حدّثنا ابراهيم بن عبدالله المقدمي ، قال : أخبرنا محمّد بن الفضل المكي ، قال : أخبرنا ابراهيم بن محمّد الشافعي ، عن خالد بن الوليد المخزومي ، عن سعد بن حذافة الجمحي . وحدّثونيه عن العباس بن بكار ، عن عبيدالله بن عمر الغساني ، عن الشعبي ، قال :
كتبَ معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ اُم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية ، رحلة محمود الصحبة غير مذمومة العاقبة ، واعلم أنّي مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً وبالشرّ شرّاً .
فلمّا وردَ الكتاب عليه فأقرأها الكتاب ، فقالت اُم الخير : أما أنا فغير زائغة عن طاعة ، ولا معتلة بكذب ، ولقد كنتُ اُحب لقاء أميرالمؤمنين ، لاُمور تختلج في صدري ، تجري مجرى النفس ، يغلي بها غلي المِرجل (1) بحب البُلسُن (2) يُوقد بجزل (3) السَمُرُ (4) .
فلمّا حملها وأراد مفارقتها قال : يا اُم الخير إنّ معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك في الخير خيراً ، وبالشر شراً ، فانظري كيف تكونين .
قالت : يا هذا لا يطمعك والله بِرّك بيّ في تزويقي الباطل ، ولا يؤنسنك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحقّ .
فسارت خير مسير ، فلمّا قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً ، ثم أذن لها في اليوم الرابع ، وجمع لها الناس ، فدخلت عليه فقالت : السّلام عليك يا أميرالمؤمنين .
1 ـ المِرجَل : قدر من نحاس . الصحاح 4 : 1705 « رجل » .
2 ـ البُلسُن بالضم : حبّ كالعدس . الصحاح 5 : 2080 « بلسن » .
3 ـ الجَزِل : ما عظم من الحطب ويبس . الصحاح 4 : 1655 « جزل » .
4 ـ السَمُرُ : من شجر الطلح . الصحاح 2 : 689 « سمر » .
فقال : وعليكِ السّلام ، بالرغم والله منكِ دعوتيني بهذا الإسم .
فقالت : مَه يا هذا ، فإنّ بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه .
قال : صدقتِ يا خالة ، وكيف رأيتِ مسيرك ؟
قالت : لم أزل في عافية وسلامة حتى اُوفدت إلى ملك جزل ، وعطاء بذل ، فأنا في عيش أنيق ، عند ملك رفيق .
فقال معاوية : بحسن نيتي ظفرتُ بكم ، وأعنتُ عليكم .
قالت : مَه يا هذا ، والله من دحض المقال ما تردي عاقبته .
قال : ليس لهذا أردناك .
قالت : إنّما أجري في ميدانك ، إذا أجريت شيئاً أجريته ، فاسأل عمّا بدا لك .
قال : كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر ؟
قالت : لم أكن والله رويته قبل ، ولا زوّرته (1) بعد ، وإنّما كانت كلمات نفثهنّ لساني حين الصدمة ، فإن شئت أن اُحدّث لك مقالاً غير ذلك فعلت .
قال : لا أشاء ذلك ، ثم التفتَ إلى أصحابه فقال : أيّكم حفظ كلام اُم الخير ؟
قال رجل من القوم : أنا أحفظه يا أميرالمؤمنين كحفظي سورة الحمد .
قال : هاته .
قال : نعم ، كأنّي بها يا أميرالمؤمنين وعليها برد زبيدي (2) كثيف الحاشية ، وهي على جمل أرمك (3) ، وقد اُحيط حولها ، وبيدها سوط منتشر الضفر ، وهي كالفحل يهدر في شقشقته (4) ، وتقول :
1 ـ زوّرته : حسّنته وقوّمته . الصحاح 2 : 674 « زور » .
2 ـ لعلّه منسوب إلى زبيد ، بلدة باليمن .
3 ـ الرمكة : من ألوان الإبل ، يقال : جمل أرمك : هو الذي اشتدت كُمتَتُه حتى يدخلها سواد . الصحاح 4 : 588 « رمك » .
4 ـ شقشق الفحل شقشقة : هدر . الصحاح 4 : 1503 . « شقق » .
يا أيّها الناس اتّقوا ربكم ، إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ، إنّ الله قد أوضح الحقّ وأبان الدليل ، ونوّر السبيل ، ورفع العلم . فلم يدعكم في عمياء مبهمة ، ولا سوداء مدلهمّة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله ، أفراراً عن أميرالمؤمنين ، أم فراراً من الزحف ، أم رغبةً عن الاسلام ، أم ارتداداً عن الحقّ ؟ أما سمعتم الله عزّ وجل يقول : ﴿ ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم ﴾ (1) .
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول :
اللهم قد عِيلَ الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشر الرُعب ، وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع الكلمة على التقوى ، وألّف القلوب على الهدى ، واردد الحقّ إلى أهله . هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل ، والوصي الوفي ، والصدّيق الأكبر . إنّها إحن بدريّة ، وأحقاد جاهليّة ، وضغائن اُحديّة وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبدشمس .
ثم قالت :
﴿ فقاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا إيمان لهم لعلّهم ينتهون ﴾ (2) ، صبراً يا معاشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربّكم وثبات من دينكم . وكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة (3) ، لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض . باعوا الآخرة بالدنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وباعوا البصيرة بالعمى ، وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين حين تحلّ الندامة فيطلبون الإقالة . إنّه والله مَن ضلّ عن الحقّ وقع في الباطل ، ومَن لم يسكن الجنة نزل النار .
1 ـ سورة محمّد (ص) : 31 .
2 ـ التوبة : 12 .
3 ـ القسورة : الأسد . الصحاح 2 : 791 « قسر » .
أيّها الناس إنّ الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستبطأوا مدّة الآخرة فسعوا لها . والله أيّها الناس لولا أن تبطل الحقوق ، وتعطّل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان ، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه .
فالى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وزوج ابنته ، و أبي ابنيه ، خُلق من طينته ، وتفرّع من تبعته ، وخصّه بسرّه ، وجلعه باب مدينته ، وأعلمَ بحبّه المسلمين ، وأبانَ ببغضه المنافين ، فلم يزل كذلك يؤيده الله عزّوجلّ بمعونته ، ويمضي على سنن استقامته ، ولا يعرج لراحة اللذات ، وهو مُفلّق الهام ، ومكسّر الأصنام ، إذ صلّى والناس مشركون ، وأطاع والناس مرتابون . فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر ، وأفنى أهل اُحد ، وفرّق جمع هوازن ، فيالها وقائع زرعت قلوب قوم نفاقاً وردّة وشقاقاً .
وقد اجتهدتُ في القول ، وبالغت في النصيحة ، وبالله التوفيق ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
فقال معاوية : والله يا اُم الخير ما أردتِ بهذا إلاّ قتلي ، والله لو قتلتكِ ما حَرِجتُ في ذلك .
قالت : والله ما يسوءني يابن هند أن يجري الله على يدَي من يسعدني الله بشقائه .
قال : هيهات يا كثيرة الفضول ، ما تقولين في عثمان بن عفان ؟
قالت : وما عسيت أن أقول فيه ، استخلفه الناس وهم كارهون ، وقتلوه وهم راضون .
فقال معاوية : يا اُم الخير ، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه .
قالت : الله يشهد وكفى بالله شهيداً ما أردت بعثمان نقصاً ، ولقد كان سبّاقاً إلى الخيرات ، وانّه لرفيع الدرجة .
قال : فما تقولين في طلحة بن عبيدالله ؟
قالت : وما عسى أن أقول في طلحة ، اُغتيل من مأمنه ، واُوتي من حيث لم يحذر ، وقد وعده
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجنة .
قال : فما تقولين بالزبير ؟
قالت : يا هذا لا تدعني كرَجيع (1) الصَبيغ (2) يُعركُ (3) في المِركن (4) .
قال : حقاً لتقولين ذلك وقد عزمت عليك .
قالت : وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحواريه ، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ، ولقد كان سبّاقاً إلى كلّ مكرمة في الاسلام ، وإني أسألك بحق الله يا معاوية ، فإنّ قريشاً تحدّث أنّك أحلمها أن تسعني بفضل حلمك ، وأن تعفيني من هذه المسائل .
قال : نعم وكرامة وقد أعفيتك ، وردّها الى بلدها (5) .
وروى ذلك أيضاً باختلافٍ يسير في الألفاظ ابن عبدربّه ـ في العقد الفريد ، ضمن الوافدات على معاوية بن أبي سفيان ـ عن عبيدالله بن عمر الغساني ، عن الشعبي (6) .
68 اُم الخير الهاشميّة
اُم الخير بنت عبدالله بن الإمام الباقر عليه السلام .
راوية للحديث .
1 ـ الرَجيع : المُردد . الصحاح 3 : 1217 « رجع » .
2 ـ الصَبيغ : الثوب المصبوع . الصحاح 4 : 1322 « صبغ » .
3 ـ يُعرك : يُفرك . الصحاح 4 : 1599 « عرك » .
4 ـ المِركن : الإجانة التي تُغسل فيها الثياب . الصحاح 5 : 2126 « ركن » .
والمراد هنا : أي لا تجعلني كالثوب المصبوغ يُفرك في الآنية مرّة بعد اُخرى لاخراج البلّة منه ، شبّهت إلحاحه عليها بذلك .
5 ـ بلاغات النساء : 36 .
6 ـ العقد الفريد 1 : 354 . وانظر : أعيان الشيعة 3 : 476 ، أعيان النساء : 115 ، أعلام النساء 1 : 398 ، رياحين الشريعة 3 : 383 .
قال المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال : عدّها ابن داود ـ نقلاً عن كتاب الرجال للشيخ الطوسي ـ من أصحاب الصادق عليه السلام ، واستظهر الميرزا كونها اُم الحسن المتقدّمة ، ولا شاهد له ؛ لأن وجود بنت لعبد الله كنيتها اُم الحسن لا ينافي كون بنت له اُخرى كنيتها اُم الخير . ولعل غرضه أنّه حيث تفرّد ابن داود بذكر اُم الخير ، احتمل أن يكون ناشئاً من غلط نسخة رجال الشيخ رحمه الله التي عنده ، فكان ( الحسن ) في نسخته مبدّلاً بـ ( الخير ) ، وعلى كلّ حال فلم أتحقّق حال اُم الحسن .
وقد سها قلم جامع الرواة فنسب إلى ابن داود نقل كون اُم الخير بنت الإمام الباقر عليه السلام من أصحاب الصادق عليه السلام عن رجال الشيخ رحمه الله .
وفي بعض النسخ المصحّحة من رجال الميرزا كذا : اُم الخير بنت عبدالله الإمام اُم الباقر عليه السلام ، والظاهر أنّها اُم الحسن المتقدّمة ، وهذا غلط جزماً ؛ لعدم تعقّل كون بنت عبدالله الإمام اُم الباقر عليه السلام رحمه الله ضرورة كون اُم الباقر عليه السلام فاطمة بنت الحسن المكنّاة باُم عبدالله ، ولذا قيل : إن الباقر عليه السلام أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليه السلام .
وإنما نبّهنا على ذلك لئلا يغترّ من يرى نسخة مصححة تكون على ما نقلنا ، ثم إنّ كون عبدالله ابن الإمام الباقر عليه السلام ممّا تأبى عنه كتب الأنساب ، حيث صرّحوا فيها بانحصار عقب مولانا الباقر عليه السلام في الصادق عليه السلام ، إلاّ أن يريدوا بالعقب الذكور خاصة دون الإناث ، فتفحص (1) .
69 اُم الدرداء
صحابية معروفة ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها جماعة من الأصحاب والتابعين .
قال ابن حجر في الإصابة : اُم الدرداء الكبرى اسمها خَيْرة : بفتح المعجمة ، وسكون المثناة
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 34 ، رجال ابن داود : 224 رقم 17 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 455 ، تنقيح المقال 3 : 72 ، رياحين الشريعة 3 : 382 ، أعيان الشيعة 3 : 477 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .
من تحت (1) .
وفي موضع آخر قال : خيرة بنت أبي حدرد اُم الدرداء الكبرى ، سمّاها ابن حنبل ويحيى بن معين فيما رواه ابن أبي خيثمة عنهما ، وقالا : اسم أبي حدرد عبد ، وقالا : اُم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة ، وقال غيرهما : جهيمة .
وقال أبوعمر : كانت اُم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن ، وذوات الرأي فيهن ، مع العبادة والنسك . توفّيت قبل أبي الدرداء ، وذلك بالشام في خلافة عثمان ، وكانت حفظت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن زوجها .
روى عنها جماعة من التابعين منهم : ميمون بن مهران ، وصفوان بن عبدالله ، وزيد بن أسلم .
قال : و اُم الدرداء الصغرى لا أعلم لها خبراً يدلّ على صحبة ولا رؤية ، ومن خبرها أنّ معاوية خطبها بعد أبي الدرداء ، فأبت أن تتزوّج .
قلتُ : وروى ذلك أبوالزهراء ، عن جبير بن نفير ، عن اُم الدرداء أنّها قالت لأبي الدرداء : إنّك خطبتني إلى أبويّ في الدنيا فأنكحوني ، وإنّي أخطبك إلى نفسك في الآخرة ، قال : لا تنكحي بعدي ، فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان ، فقال لها : عليك بالصيام .
وفي تأريخ ابن عساكر : والذي ذكر أبوعمر إنّهم رووا عن اُم الدرداء الكبرى وهم من الرواة عن الصغرى ، إلاّ ميمون بن مهران فإنّه أدركها وروى عنها ، وبذلك جزم المزني وغيره .
وقال ابن مندة : خيرة اُم الدرداء ، وقيل اسمها هجيمة ، وتعقّبه ابن الأثير ، وقال ابن المديني : كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما اُم الدرداء ، إحداهما رأت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي خيرة بنت أبي حدرد ، والثانية تزوّجها بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي هجيمة الوصابية . وقال أبومسهر : هما واحدة ، ووهم في ذلك .
وأورد ابن مندة ل اُم الدرداء حديثاً مرفوعاً من طريق شريك ، عن خلف بن حوشب ، عن
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 448 رقم 1256 .
ميمون بن مهران ، قال : قلت لاُم الدرداء : سمعتِ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ؟
قالت : نعم ، دخلتُ عليه وهو جالس في المسجد فسمعته يقول : « ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن » .
وأخرج الطبراني من طريق زبان بن فائدة ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه إنّه سمع اُم الدرداء تقول :
خرجتُ من الحمّام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « مِن أينَ أقبلتِ يا اُم الدرداء ؟ » .
قلت : من الحمام .
قال : « ما منكنّ امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى اُمهاتها أو زوج إلاّ كانت هاتكة كلّ سترٍ بينها وبين الله » (1) .
وقال ابن الأثير في اُسد الغابة : أخبرنا أبوياسر بإسناده عن عبدالله بن أحمد ، حدّثني أبي ، أخبرنا ابن نمير ، أخبرنا فضيل بن غزوان ، سمعتُ طلحة بن عبيدالله بن كرير قال : سمعتُ اُم الدرداء قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« يُستجاب للمرء بظهر الغيب لأخيه ، فما دعا لأخيه بدعوة إلاّ قال الملك : ولك مثله » (2) .
70 اُم ذر الغفاري
زوجة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، الصحابي الجليل الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :
« ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر » .
وهي شاعرة من شواعر العرب ، لها صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن المواليات لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولها ذكر في وفاة أبي ذر .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يتبسّم قال لأبي ذر : « يا أباذر حدّثنا ببدء اسلامك » .
قال أبوذر : كان لنا صنم يقال له نهم ، فأتيته فصببت له لبناً وولّيت ، فحانت مني إلتفاتة
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 295 رقم 386 .
2 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 : 580 . وانظر : تهذيب التهذيب 12 : 493 ، رياحين الشريعة : 3 : 492 .
فإذا كلب يشرب ذلك اللبن ، فلما فرغ رفع رجليه فبال على الصنم ، فأنشأت أقول :
فسمعتي اُم ذر فقالت : لقد أتيتَ جرماً ، وأصبتَ عظماً ، حِينَ هجرت نهماً .
فلما أخبرتها بالخبر فقالت :
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « صدقتْ اُم ذر ، فما عبدالحجارة غير غاوٍ » (1) .
71 اُم ذريح العبديّة
شاعرة عربيّة موالية لأميرالمؤمنين علي عليه السلام ، حضرت معه يوم الجمل .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة نقلاً عن أبي مخنف : إنّ علياً دفعَ مصحفاً يوم الجمل إلى غلام اسمه مسلم ، ليدعو أهل الجمل إلى ما فيه ، فقطعوا يديه وقتلوه ، فقالت اُم ذريح العبديّة في ذلك :
تأمرهم بالغَيّ لا تنهاهُمُ (2)
وذكر الطبري في موضعين من تأريخه : إنّ التي رثته هي اُمه :
الأوّل : قال : حدثني عمر بن شيبة ، قال : حدّثنا أبوالحسن ، قال : حدّثنا شبر بن عاصم ،
1 ـ انظر : رياحين الشريعة : 3 : 392 ، اُسد الغابة 5 : 581 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 9 : 112 .
عن الحجّاج بن أرطأة ، عن عمّار بن معاوية الدهني ، قال :
أخذ علي مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : « مَن يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ » فقام إليه فتىً من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو فقال : أنا ، فأعرض عنه ، ثم كرّر كلامه سلام الله عليه ثانياً وثالثاً ، فكان الفتى يقوم له قائلاً : أنا ، فدفعه إليه ، فدعاهم فقطعوا يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدّماء تسيل على قبائه ، فقتل رضي الله عنه ، فقال علي : « الآن حلّ قتالهم » .
فقالت اُم الفتى بعد ذلك فيما ترثي :
قدْ خُضِبَتْ منه عَلَق لحاهُمُ (1)
الثّاني : قال : كتبَ إليّ السريّ عن شعيب ، عن سيف ، عن مخلّد بن كثير ، عن أبيه قال : أرسلنا مسلم بن عبدالله يدعو بني أبينا فرشقوه ـ كما صنع القلب بكعب ـ رشقاً واحداً فقتلوه ، فكان أوّل مَن قُتل بين يدي عائشة ، فقالت اُم مسلم ترثيه :
ويمكن أن يكون كل من اُمّه و اُم ذريح قد رثته ، والله أعلم (3) .
72 اُم رِعْلة القشيريّة
قال ابن الأثير في اُسد الغابة : اُم رِعْلة القشيريّة أوردها جعفر المستغفري ، روى باسناد
1 ـ تأريخ الطبري 4 : 511 .
2 ـ تأريخ الطبري : 4 : 529 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 477 .
عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس :
وفدتْ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم امرأة يقال لها اُم رِعلة القشيريّة ، وكانت امرأة ذات لسان وفصاحة فقالت : السلام عليكَ يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، إنّا ذوات الخدور ، ومحل أزر البعول ، ومربّيات الأولاد ، وممهّدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلّمنا شيئاً يقرّبنا إلى الله عزّوجلّ .
فقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « عليكنّ بذكر الله عزّ وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغضّ البصر ، وخفض الصوت » .
أخرجه أبوموسى (1) .
وقال ابن حجر في الإصابة : رعلة بكسر أوله وسكون المهملة ، ثم ذكر ما أورده ابن الأثير في اُسد الغابة وأضاف قائلاً : وفيه قالت :
يا رسول الله إنّي امرأة مقنية اقيّن النساء واُزينهنّ لأزواجهنّ ، فهل هو حوب فأثبط عنه ؟
فقال لها : « يا اُم رعلة قيّنيهن وزيّنيهن إذا كسدن » .
ثم غابت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقبلت في أيام الردة ، فذكر لها قصة في الحزن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتطوافها بالحسن والحسين أزقة المدينة تبكي عليه ، وأنشد لها مرثية منها :
ثم قال ابن حجر : ثم ساق أبوموسى بسنده عن ابن عياش : قدمت القشيرية مع زوجها أبي رعلة ، وكانت امرأة بدوية ذات لسان ، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بها معجباً ، وذكر نحوه ، وقال في آخر الحديث : فهاجت المدينة مأتماً فلم يبق دار من دور الأنصار إلاّ وأهلها يبكون (2) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ـ بعد ذكر ما قاله ابن الأثير وابن حجر ـ ومن تطوافها بالحسنين عليهما السلام ، وخطابها الزهراء عليها السلام بهذا الشعر يستظهر أنّها من شرط كتابنا (3) ،
1 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 : 582 .
2 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 449 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 478 .
أي من المؤمنات .
ومن هذا يظهر أنها كانت عالمة شاعرة فصيحة اللسان بليغة الكلام (1) .
73 اُم سعيد الأحمسيّة
راوية للحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام (2) .
وعدّها الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله من أصحاب الإمام الصادق (3) .
ثم إنّ الشيخ بعد ذلك متّصلاً قال : اُم ولد لجعفر بن أبي طالب ، فمنهم من جعل هذا متمّماً لكلامه الأوّل ، فمعناه : أنّ اُم سعيد الأحمسية هي اُم ولد لجعفر بن أبي طالب ، كالسيّد التفرشي ، والميرزا في رجاله . ومنهم من جعلهما متّحدين ، كالمولى القهبائي .
وعلى كلا التقديرين يستبعد بقاء اُم ولد لجعفر بن أبي طالب إلى زمان الصادق عليه السلام ، فإنّ جعفراً قد استشهد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : وظاهر عدّه ـ أي الشيخ الطوسي ـ إياها من غير غمز في مذهبها كونها إماميّة ، ويمكن استفادة حالها من رواية كامل الزيارات .
وقال أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات في باب ما روي أنّ الحسين سيّد الشهداء : حدّثني أبوالعباس الرزّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أبي داود المسترق ، عن اُم سعيد الأحمسية ، قالت :
كنتُ عند أبي عبدالله عليه السلام ، وقد بعثتُ من يكتري لي حماراً إلى قبور الشهداء ، فقال : « مايمنعك من زيارة سيّد الشهداء ؟ ! » .
1 ـ انظر : رياحين الشريعة 3 : 395 ، أعلام النساء : 142 .
2 ـ رجال البرقي : 62 .
3 ـ رجال الشيخ : 341 .
4 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 181 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، أعيان الشيعة 3 : 479 ، رياحين الشريعة 3 : 396 ، معجم رجال الحديث 23 : 176 .
قالت : قلت : ومَن هو ؟
قال : « الحسين عليه السلام » .
قلت : وما لمن زاره ؟
قال : « حجّة وعمرة مبرورة ، ومِن الخير كذا وكذا » ، وأشار ثلاث مرّات بيده (1) .
وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن اُم سعيد الأحمسية ، قالت :
جئتُ إلى أبي عبدالله عليه السلام فدخلتُ عليه ، فجاءت الجارية فقالت : قد جئتُ بالدابة ، فقال لي : « يا اُم سعيد أي شيء هذه الدابة ، أين تبغين تذهبين ؟ » .
قالت : قلتُ : أزور قبور الشهداء .
قال : « أخّري ذلك اليوم ، ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه » .
قالت : قلتُ له : مَن سيّد الشهداء ؟
فقال : « الحسين بن علي عليهما السلام » .
قالت : قلتُ : إني امرأة .
قال : « لا بأس لمن كان مثلك أن يذهب إليه ويزوره » .
قالت : قلتُ : أي شيء لنا في زيارته ؟
قال : « تعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها وخيرها كذا وكذا » ، قالت : وبسط يده وضمّها ضماً ثلاث مرات (2) .
وقال أيضاً : حدّثني أبي محمّد ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، جميعاً عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله القاسم الحارثي ، عن
1 ـ كامل الزيارات : 109 باب 37 ما روي من أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .
2 ـ كامل الزيارات : 110 باب 37 ما روي من أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .
عبدالله بن سنان ، عن اُم سعيد الأحمسية قالت :
دخلتُ المدينة فاكتريتُ البغل أو البغلة لأزور عليه قبور الشهداء ، قالت : قلتُ : ما أحد أحقّ أن أبدأ به من جعفر بن محمّد عليه السلام ، قالت : فدخلت عليه فأبطأت ، فصاح بي المكاري : حبستينا عافاكِ الله .
فقال لي أبوعبدلله : « كأنّ إنساناً يستعجلك يا اُم سعيد » .
قلتُ : نعم جعلتُ فداك ، إنّي اكتريت بغلاً لأزور عليه قبور الشهداء ، فقلت ما آتي أحداً أحقّ من جعفر بن محمّد عليه السلام .
قالت : فقال : « يا اُم سعيد فما يمنعكِ من أن تأتي قبر سيّد الشهداء » .
قالت : فطمعتُ أن يدلّني على قبر علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقلتُ : بأبي أنت و اُمي ومَن سيّد الشهداء ؟
قال : « الحسين بن فاطمة عليهما السلام ، يا اُم سعيد مَن أتاه ببصيرة واعية فيه كان له حجّة وعمرة مبرورة ، وكان له من الفضل هكذا وهكذا » (1) .
وقال أيضاً : حدّثني أبي ، وعلي بن الحسين ومحمّد بن الحسن رحمهم الله ، عن سعيد بن عبدالله ، عن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغمشاني ، عن اُم سعيد الأحمسية ، قالت :
دخلتُ المدينة فاكتريتُ حماراً على أن أطوف على قبور الشهداء ، فقلتُ : لابد أن أبدأ بابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأدخل عليه ، فأبطأتُ على المكاري قليلاً فهتف بي ، فقال لي أبوعبدالله عليه السلام : « ما هذا يا اُم سعيد » .
قلت له : جعلت فداك تكاريتُ حماراً لأدور على قبور الشهداء .
قال : « أفلا أخبرك بسيّد الشهداء ؟ » .
قلت : بلى .
1 ـ كامل الزيارات : 110 باب 37 ما روي من أن الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .
قال : « الحسين بن علي عليهما السلام » .
قلتُ : وانه سيّد الشهداء ؟
قال : « نعم » .
قلتُ : فما لمن زاره ؟
قال : « حجّة وعمرة ومن الخير هكذا وهكذا » (1) .
74 اُم سلمة
هي أم محمّد بن مهاجر .
راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها ابنها محمّد بن مهاجر (2) .
روى الشيخ الصدوق في العلل ، قال : أخبرني علي بن ابراهيم بن حاتم ، قال : حدّثني علي ابن محمّد ، قال : حدّثنا العباس ابن محمّد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن مهاجر ، عن اُمّه اُم سلمة قالت :
خرجتُ إلى مكة فصحبتني امرأة من المرجئة ، فلمّا أتينا الربذة أحرم الناس وأحرمتْ معهم ، فأخّرتُ احرامي إلى العقيق .
فقالت : يا معشر الشيعة تخالفون في كلّ شيء ، يُحرم الناس من الربذة وتُحرمون من العقيق . وكذلك تُخالفون في الصلاة على الميّت ، يكبّر الناس أربعاً وتكبّرون خمساً ، وهي تشهد على الله أنّ التكبير على الميّت أربع .
قالت : فدخلتُ على أبي عبدالله عليه السلام فقلتُ له : أصلحك الله ، صحبتني امرأة من المرجئة فقالت كذا وكذا ، فأخبرته بمقالتها ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :
1 ـ كامل الزيارات : 110 باب 37 ما روي من أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشهداء .
2 ـ جامع الرواة 2 : 456 ، رجال أبوعلي الحائري : 368 ، تنقيح المقال 3 : 72 ، أعيان الشيعة 3 : 479 ، رياحين الشريعة 3 : 396 ، معجم رجال الحديث 23 : 177 .
« كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلّى على الميّت كبّر فتشهّد ، ثم كبّر فصلّى على النبيّ ودعا ، ثم كبّر واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ثم كبّر فدعا للميّت ، ثم يكبّر وينصرف . فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين كبّر وتشهّد ، ثم كبّر فصلّى على النبيّ ، ثم كبّر فدعا للمؤمنين والمؤمنات ، ثم كبّر الرابعة وانصرف ولم يدع للميّت » (1) .
ورواه الكليني في الكافي باب الصلاة على الميّت (2) ، والشيخ في التهذيب (3) .
75 اُم سلمة الهاشميّة
اُم سلمة بنت الإمام أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام ، واُخت الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، زوجها محمّد الأرقط بن عبدالله الباهر ابن الإمام زين العابدين عليه السلام ، ولدها اسماعيل بن محمّد الأرقط .
راوية للحديث ، علّمها الإمام الصادق عليه السلام دعاءً حين مرض ولدها اسماعيل .
روى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن اسماعيل ، عن عبدالله بن عثمان أبي اسماعيل السرّاج ، عن عبدالله بن وضاح وعلي بن أبي حمزة ، عن اسماعيل بن الأرقط و اُمه اُم سلمة اُخت أبي عبدالله عليه السلام قال :
مرضتُ مرضاً شديداً حتى يأسوا منّي ، فدخل عليّ أبوعبدالله ، فرأى جزع اُمي عليّ ، فقال لها : « تَوضَّأي وصلّي ركعتين وقولي في سجودك : اللهم أنت وهبته لي ولم يك شيئاً فهبه لي هبة جديدة » ، فَفَعلتْ ، فأصبحتُ وقد صَنعتْ هريسة فأكلتُ منها مع القوم (4) .
1 ـ علل الشرائع : 303 .
2 ـ الكافي 3 : 181 حديث 3 .
3 ـ التهذيب 3 : 189 حديث 431 .
4 ـ الكافي 3 : 478 حديث 6 باب صلاة الحوائج .
ورواه الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده عن اسماعيل بن الأرقط (1) .
وأخرجه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار بسنده عن مكارم الأخلاق (2) .
وإنما سمّي عبدالله بالباهر ، لجماله وللنور الذي كان يشعّ من وجهه ، وهو من الرواة الثقات والفقهاء الفضلاء ، روى عدّة روايات عن آبائه عليهم السلام ، وتولّى صدقات أميرالمؤمنين عليه السلام ، وتوفي عن عمر قارب 75 سنة .
وسمّي محمّد بالأرقط ؛ للجدري الذي كان في جسمه ، وهو أيضاً من الفقهاء ومحدّثي المدينة (3) .
76 اُم سلمة الشيرازيّة
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة .
لها كتاب « الكلّيات في السّير والسلوك والعرفان » باللغة الفارسية ، طُبع في شيراز .
ذكرها الشيخ آغابزرك الطهراني في الذريعة (4) .
77 اُم سليط
صحابيّة جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر في الاستيعاب .
وهي من فواضل نساء عصرها ، بايعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وحضرت معه يوم اُحد .
قال عمر بن الخطاب : كانت اُم سليط تزفر لنا القرب يوم اُحد ، أي تحمل القرب المملوءة ماء .
1 ـ التهذيب 3 : 313 حديث 970 .
2 ـ مكارم الأخلاق : 395 ، بحارالأنوار 91 : 372 .
3 ـ انظر ترجمتها في : تكملة الرجال 1 : 190 ، أعيان الشيعة 3 : 479 و 404 ، ورياحين الشريعة 3 : 398 .
4 ـ الذريعة 5 : 69 رقم 270 .
تزوّجت بعد أبي سليط مالكَ بن سنان والد أبي سعيد الخدري ، فولدت له أباسعيد ، فهو أخو سليط بن أبي سليط لأمّه (1) .
78 اُم سليم النجاريّة
صحابيّة جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر أنّها التي عدّها ابن عبدالبر وابن مندة وأبونعيم ، وهي اُم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية الخزرجيّة النجاريّة . واختلف اسمها فقيل : سهلة ، وقيل : رملة ، وقيل : رميثة ، وقيل : مليكة ، والغميصاء ، والرميصاء .
تزوّجها مالك بن النضر بن مالك في الجاهلية ، فغضبَ عليها وخرج إلى الشام ومات هناك ، فخطبها أبوطلحة الأنصاري وهو مشرك ، فقالت : أما إنّي فيك لراغبة وما مثلك يُرد ، ولكنّك كافر وأنا امرأة مسلمة ، فإن تسلم فلكَ مهري ولا أسألك غيره ، فأسلم وتزوّجها وحسن إسلامه . وقد قيل : إنّها كانت من عقلاء النساء ، وإني اعتبرها من الحسان (3) .
وذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة ستّ نساء صحابيات تكنّى كلّ منهنّ اُم سليم وهنّ : اُم سليم بنت حكيم ، و اُم سليم بنت خالد ، و اُم سليم بنت سحيم الغفارية ، و اُم سليم بنت عمرو ابن عبّاد ، و اُم سليم بنت قيس بن عمرو ، و اُم سليم بنت ملحان (4) .
وفي الإستيعاب واُسد الغابة ذكر اثنتين فقط وهما : اُم سليم بنت سحيم اسمها أمة أو اُميّة بنت أبي الحكم الغفارية ، و اُم سليم بنت ملحان (5) .
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 32 ، نقد الرجال : 412 ، مجمع الرجال 7 : 180 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، أعيان الشيعة 3 : 479 ، معجم رجال الحديث 23 : 178 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 463 ، الاصابة 2 : 460 ، أعلام النساء 2 : 255 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 33 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 73 .
4 ـ الإصابة 4 : 460 .
5 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 456 ، اُسد الغابة 5 : 591 .
وفيه أيضاً : اُم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجّار ، اختلف في اسمها فقيل : سهلة ، وقيل : رميلة ، وقيل : رميثة ، وقيل : مليكة ، ويقال : الغميصاء أو الرميصاء .
كانت عند مالك بن النضر ـ أبي أنس بن مالك في الجاهلية ـ فولدت له أنس بن مالك ، فلمّا جاء الإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك . ثم خلف عليها بعده أبوطلحة الأنصاري ، خطبها مشركاً ، فلما علم أنّه لا سبيل له إليها إلاّ بالإسلام ، أسلم وتزوّجها وحسن إسلامه ، فولدت له غلاماً مات صغيراً ، ثم ولدت له عبدالله بن أبي طلحة ، فبورك فيه وهو والد اسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة الفقيه واخوته وكانوا عشرة ، كلّهم حُمل عنهم العلم .
وروت اُم سليم عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عدّة أحاديث ، وكانت من عقلاء النساء ، روى عنها ابنها أنس (1) . وفي الإصابة : إنّ طلحة خطب اُم سليم ـ قبل أن يسلم ـ فقالت له : يا أباطلحة ألستَ تعلم أن إلهك الذي تعبده نبت في الأرض ؟
قال : بلى .
قالت : أفلا تستحي تعبد الشجرة ، إن أسلمت فإنّي لا اُريد منك صداقاً غيره ، فأسلَمَ .
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يزورها فتتحفه بالشيء ، وانّه قال : « إنّي أرحمها ، قتل أخوها وأبوها معي » (2) .
79 اُم سليمان
راوية من راويات الحديث ، روت عن اُم أنس بن مالك ، وروت عنها حفصة بنت
1 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 455 .
2 ـ الإصابة 4 : 460 . وانظر : منهج المقال : 400 ، مجمع الرجال 7 : 181 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، أعيان الشيعة 3 : 479 ، رياحين الشريعة 3 : 406 .
سيرين .
قال الشيخ الطوسي في التهذيب : وروى محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن يحيى المعاذي ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن محمّد بن حفص ، عن حفص بن غياث ، عن ليث بن عبدالملك ، عن أبي بشير ، عن حفصة بنت سيرين ، عن اُم سليمان ، عن اُم أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« اذا توفّيت المرأة فأرادوا أن يغسّلوها فليبدأوا ببطنها فلتمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حبلى ، فإن كانت حبلى فلا تحرّكيها ، فإذا أردتِ غسلها فابدأي بسفليها فألقي على عورتها ثوباً ، ثم خذي كرسفة فاغسليها فأحسني غسلها ، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات ، وأحسني مسحها قبل أن توضّئيها ، ثم وضئيها بماء فيه سدر » .
ورواه في الاستبصار أيضاً (1) .
80 اُم سنان الأسلميّة
إحدى الراويات للحديث ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها ابن عباس ، وروت عنها ابنتها ثُبيتة بنت حنظلة الأسلميّة .
كانت من الصحابيات المحبّات لأهل البيت عليهم السلام ، ومن المجاهدات ، حيث تتصف بالشجاعة والهمة العالية .
أتت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد التوجّه إلى خيبر وقالت له :
يا رسول الله اُحبُّ أن أخرج معك ، أخرز السقاء ، واُداوي الجرحى ، وأنصر المجاهدين ، واحفظ لهم أمتعتهم ، وأسقي عطشاهم .
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لها : « تعالي معنا وكوني مع اُم سلمة » ، حيث كانت أكثر
1 ـ التهذيب 1 : 302 حديث 880 باب تلقين المحتضرين ، الاستبصار 1 : 207 حديث 727 باب تقديم الوضوء على غسل الميت .
أوقاتها معه صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
81 اُم سنان المذحجيّة
اُم سنان بنت خيثمة بن فرشة المذحجيّة .
شاعرة عربيّة ، معروفة بفصاحة اللسان ، والشجاعة والجرأة . من المواليات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، حضرت معه واقعة صفين ، وأنشدت شعراً حماسياً ، تُحرّض به الرجال على قتال أعداء الله والصبر في المعركة .
روى ابن عبدربّه في العقد الفريد عن سعيد بن حُذافة قال : حَبس مروان بن الحكم ـ وهو والي المدينة ـ غلاماً من بني ليث ، في جناية جناها ، فأتته جدّة الغلام اُم أبيه ، وهي اُم سنان بنت خيثمة بن فرشة المذحجيّة ، فكلّمته في الغلام فأغلظَ لها مروان . فخرجت إلى معاوية ، فدخلت عليه فانتسبت فعرفها ، فقال لها : مرحباً يا ابنه خيثمة ، ما أقدمكِ أرضنا وقد عهدتك تشتمينا وتُحضين علينا عدونا ؟
قالت : إنّ لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة ، وأعلاماً ظاهرة ، وأحلاماً وافرة ، لا يجهلون بعد علم ، ولا يسفهون بعد حلم ، ولا ينتقمون بعد عفو ، وإنّ أولى الناس باتباع ما سنَّ آباؤه لأنتَ .
قال : صدقتِ! نحن كذلك ، فكيف قولك :
1 ـ انظر : اُسد الغابة 5 : 592 ، الإصابة 4 : 462 ، رياحين الشريعة 3 : 410 .
قالت : كان ذلك يا أميرالمؤمنين ، وأرجو أن تكون لنا خَلفاً بعده .
فقال رجل من جلسائه : كيف يا أميرالمؤمنين وهي القائلة :
قالت : يا أميرالمؤمنين لسان نطقَ ، وقول صدقَ ، ولئن تحقّق فيك ما ظننا فحظك أوفر ، والله ما ورَّثك الشَنان (1) في قلوب المسلمين إلاّ هؤلاء ، فادحض مقالتهم وأبعد منزلتهم ، فإنّك إن فعلت ذلك تزد من الله قرباً ، ومن المؤمنين حُبّاً .
قال : وانّك لتقولين ذلك ؟
قالت : سبحان الله! والله ما مثلك مُدح بباطل ، ولا اعتذر إليه بكذب ، وأنّك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا ، كان والله عليٌّ أحب إلينا منك ، وأنتَ أحبُ إلينا من غيرك .
قال : ممّن ؟
قالت : من مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص .
قال : وبمَ أستحقّ ذلك عندك ؟
قالت : بسعة حِلمكَ وكريم عفوك .
قال : فإنّهما يطمعان في ذلك .
قالت : هما والله من الرأي على ما كنتَ لعثمان بن عفان رحمه الله .
قال : والله لقد قاربتِ ، فما حاجتك ؟
قالت : يا أميرالمؤمنين إنّ مروان تَبَنَّكَ (2) بالمدينة مَن لا يُريد البراح ، لا يحكم بعدل ، ولا يقضي بسنّة ، يتتبّع عثرات المسلمين ، ويكشف عورات المؤمنين ، حبس ابن ابني فأتيته فقال
1 ـ الشَنان : البغض . الصحاح 5 : 2146 ( شنن ) .
2 ـ تَبَنَّكَ : أقام . الصحاح 4 : 1576 ( نبك ) .
كيت وكيت ، فألقمته أخشن من الحجر ، وألعقته أمرّ من الصاب (1) . ثم رجعت إلى نفسي باللائمة وقلت : لمَ لا أصرف ذلك إلى مَن هو أولى بالعفو منه ، فأتيتك يا أميرالمؤمنين لتكون في أمري ناظراً وعليه مهدياً .
قال : صدقتِ ، لا أسألك عن ذنبه والقيام بحجّته ، اُكتبوا لها باطلاقه .
قالت : يا أميرالمؤمنين ، وأنى لي بالرجعة وقد نفد زادي وكلّت راحلتي ؟ فأمر لها براحلة وخمسة آلاف درهم (2) .
وروى ذلك أيضاً ابن طيفور في بلاغات النساء عن العباس بن بكار ، قال : حدّثني عبدالله ابن سليمان المديني ، عن أبيه ، عن سعد . . . . . . (3) .
ونقله عنهما السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ، وذكره الحكيمي في أعيان النساء (4) .
82 اُم شريك
صحابية جليلة ، راوية للحديث ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (5) .
وقال السيّد الأمين في أعيان الشيعة : والنساء اللاتي تكنّى باُم شريك من الصحابيات أكثر من واحدة :
1 ـ اُم شريك بنت أنس بن رافع بن امرىء القيس بن زيد الأنصاري ، من بني عبدالأشهل ، بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
2 ـ و اُم شريك بنت جابر بن حكيم :
1 ـ قال الجوهري : الصاب : عصارة شجر مُر . الصحاح 1 : 66 ( صوب ) . وقال الفيروزآباد : الصاب : شجر مُر ، ووهم الجوهري في قوله : عصارة شجر . القاموس المحيط 1 : 94 ( صوب ) .
2 ـ العقد الفريد 1 : 349 .
3 ـ بلاغات النساء : 63 .
4 ـ أعيان الشيعة 3 : 479 ، أعيان النساء : 238 .
5 ـ رجال الشيخ الطوسي : 33 .
ففي الطبقات الكبير لابن سعد : اسمها غزيّة بنت جابر بن حكيم ، وكان محمّد بن عمر الواقدي يقول : هي من بني معيص بن عامر بن لؤي ، وكان غيره يقول : هي دوسيّة من الأزد . ثم روى عن الواقدي بسنده : كانت اُم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي معيصية ، وأنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقبلها ، فلم تتزوّج حتى ماتت .
ثم روى بسنده : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تزوّج اُم شريك الدوسيّة .
وبسنده أيضاً : أنّ المرأة التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هي اُم شريك امرأة من الأزد .
وبسنده أيضاً : أنّ المرأة المقصودة من قوله تعالى : ﴿ وامرأة مؤمنة ﴾ (1) هي اُم شريك الدوسيّة .
وبسنده في حديث طويل حاصله : أنّه أسلم أبوالعكر زوج اُم شريك غزيّة بنت جابر الدوسيّة من الأزد ، فهاجر مع دوس حين هاجروا ، فجاء أهله إلى اُم شريك فقالوا : لعلّكِ على دينه ؟
قالت : أي والله ، فعذّبوها ، يطعمونها الخبز بالعسل ولا يسقونها ، ووضعوها في الشمس وهم قائظون ثلاثة أيام .
قالت : حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري ، وقالوا لها في اليوم الثالث : اُتركي ما أنت عليه ، فأشارت بإصبعها إلى السماء بالتوحيد ، وقد بلغ بها الجهد إذ وجدت برد دلو على صدرها فشربت ، ثم رفع ، ثم دلي فشربت ، هكذا ثلاث مرات ، واُهرقت عليها منه . فنظروا إليها فقالوا : من أين لك هذا يا عدوة الله ؟
قالت : إنّ عدوة الله غيري ، هذا من عند الله ، فأسرعوا إلى قربهم وأداواهم فوجدوها موكأة ، فأسلموا .
قال : وهي التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي من الأزد ، وكانت جميلة فقبلها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت عائشة : ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير ، قالت اُم شريك : أنا
1 ـ الأحزاب : 50 .
تلك ، فسمّاها الله مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ ، فلمّا نزلت هذه الآية قالت عائشة : إنّ الله ليسرع لكِ في هواك .
قال محمّد بن عمر الواقدي : رأيتُ من عندنا يقولون : إنّ هذه الآية نزلت في اُم شريك ، وأنّ الثبت عندنا أنّها امرأة من دوس من الأزد ، إلاّ في رواية أنّها من بني عامر بن لؤي معيصية .
وقال : روت اُم شريك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث منها بالإسناد عن سعيد بن المسيب عنها : أمرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الوزغان .
وفي الإستيعاب : اُم شريك القرشيّة العامريّة ، اسمها غزية ، وقيل غزيلة بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجر ، ويقال : حجر بن عيد بن معيص بن عامر بن لؤي ، وقيل في نسبها : اُم شريك بنت عوف بن جابر بن ضباب بن حجر بن عيد بن معيص بن عامر بن لؤي . يقال : إنّها التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، واختلف في ذلك وقيل في جماعة سواها ذلك .
روى عنها سعيد بن المسيب ، وجابر بن عبدالله .
ويقال : إنّها المذكورة في حديث فاطمة بنت قيس بقوله عليه السلام : « اعتدي في بيت اُم شريك » .
وقد ذكرها بعض في أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يصح من ذلك شيء لكثرة الإضطراب فيه . ومَن زعم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : كان ذلك بمكة ، وكانت عند أبي العكر بن سميّ بن الحارث الأزدي ، فولدت له شريكاً .
وقيل : كانت تحت الطفيل بن الحارث فولدت له شريكاً ، والأوّل أصح .
وقيل : إنّ اُم شريك الأنصارية تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يدخل بها ؛ لأنّه كره غيرة نساء الأنصار .
وفي الإصابة : غُزيلة بالتصغير ، وغزية بتشديد الياء ، وقيل : بفتح أوله ، قال أبوعمر : مَن زعم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكحها قال : كان ذلك بمكة .
وهو عجيب فإنّ قصة الواهبة نفسها إنّما كانت بالمدينة .
وفي اُسد الغابة : اُم شريك الدوسيّة من المهاجرات ، ذكرها ابن مندة ، وقال أبونعيم : هي عندي عامريّة .
وفي الإصابة : فعلى هذا تكون نسبتها إلى بني عامر من طريق المجاز ، مع أنّه يحتمل العكس بأن تكون قرشيّة عامريّة فتزوّجت في دوس .
ثم قال : والذي يظهر أنّ اُم شريك واحدة اختلف في نسبتها أنصاريّة أو عامريّة من قريش أو أسديّة من دوس ، واجتماع هذه الأنساب الثلاث ممكن ، كأن يقول : قرشيّة تزوّجت في دوس فنسبت إليهم ، ثم تزوّجت في الأنصار فنسبت إليهم ، أو لم تتزوّج بل هي نسبة أنصارية بالمعنى الأعم .
3 ـ و اُم شريك بنت جابر الغفارية :
في الاستيعاب : ذكرها أحمد بن صالح البصري في أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي اُسد الغابة : قال ابن حبيب : بايعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
4 ـ و اُم شريك بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة .
في الطبقات الكبرى لابن سعد : تزوّجها أنس بن رافع بن امرىء القيس بن زيد بن عبدالأشهل فولدت له الحارث بن أنس ، وأسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي اُسد الغابة : بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قاله ابن حبيب (1) .
83 اُم عطيّة الأوسيّة
صحابية جليلة ، عدّ الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله اُم عطيّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 480 . وانظر : نقد الرجال : 412 ، مجمع الرجال 7 : 181 ، جامع الرواة 2 : 456 ، معجم رجال الحديث 23 : 179 ، رياحين الشريعة 3 : 41
ولم يذكر اسمها ولا مائزاً لها (1) .
وفي تنقيح المقال : وقد ذكر في اُسد الغابة عدّة نساء مكنّيات بذلك عدّهن من الصحابيات :
اُم عطيّة الأنصارية الخافضة وستأتي ترجمتها .
و اُم عطيّة الأنصارية ، اسمها نسيبة بنت الحارث أو كعب ، المعدودة من أهل البصرة ، وكانت من كبار نساء الصحابة ، تغسّل الموتى ، وتغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسنذكر ترجمتها مفصلاً .
و اُم عطيّة الأوسية ، وقيل : اُم عصمة ، والأوّل أكثر .
والكلّ مجهولات الحال عندي ، إلاّ غسّالة الأموات ، فإنّ تمكين المسلمين إيّاها من تغسيل موتاهم يكشف عن وثاقتها ، ولا أقل حسن حالها (2) .
84 اُم عطيّة الأنصاريّة
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : اُم عطيّة الأنصارية أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وغزت معه ، وروت عنه .
قال محمّد بن عمر : شهدت اُم عطيّة خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم روى بسنده عن حفصة بنت سيرين ، عن اُم عطيّة قالت : غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات ، فكنتُ أصنع لهم طعامهم ، وأخلفهم في رحالهم ، وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى .
وبسنده عن حفصة ، عن اُم عطيّة : لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا النبي :
« اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً ، واجعلن في الخامسة ( وفي رواية : في الآخرة )
1 ـ رجال الشيخ : 33 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 73 ، اُسد الغابة 5 : 603 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 33 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، أعيان الشيعة 3 : 482 ، رياحين الشريعة 3 : 413 .
كافوراً أو شيئاً من كافور ، وإذا غسلتنها فأعلمنني » ، فلما غسّلناها أعلمناه فأعطانا حقوه وقال : « أشعرنها إياه » .
قال إسحاق الأزرق : حقوه : إزاره .
وبسنده عن شراحيل مولاة اُم عطيّة قالت : كان علي بن أبي طالب يُقيل عند اُم عطيّة (1)
وفي الإستيعاب : اُم عطيّة الأنصاريّة اسمها نسيبة بنت الحارث ، وقيل : نسيبة بنت كعب ، والثاني قاله يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ، وفيه نظر ؛ لأنّ نسيبة بنت كعب كنيتها اُم عمارة .
تعدّ اُم عطيّة من أهل البصرة ، وكانت من كبار نساء الصحابة ، تغزو كثيراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، شهدت غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحكت ذلك ، وحديثها أصل في غسل الميّت ، وكان جماعة من الصحابة والتابعين في البصرة يأخذون عنها غسل الميّت .
روى عنها أنس بن مالك ، ومحمّد بن سيرين ، وحفصة بنت سيرين (2) .
وفي تنقيح المقال قال المامقاني : فإنّ تمكين المسلمين إيّاها من تغسيل موتاهم يكشف عن وثاقتها ، ولا أقل حسن حالها (3) .
85 اُم عطيّة الخافضة
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من الصحابيات (4) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يذكر اسمها ولا ما يميّزها (5) .
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 455 .
2 ـ الاستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 471 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 73 .
4 ـ رجال الشيخ الطوسي : 33 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 73 . وانظر اُسد الغابة 5 : 603 ، رياحين الشريعة 3 : 414 .
86 اُم علاء الأنصاريّة
صحابيّة جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر وابن مندة وأبونعيم .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها خارجة بن يزيد بن ثابت ، وعبدالملك بن عمير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودها في مرضها .
وفي الطبقات الكبرى : قالت اُم العلاء : إنّ الأنصار تنافسوا في المهاجرين حتى اقترعوا عليهم ، فطار لنا في القرعة عثمان بن مظعون ، أي حين اقترعت الأنصار على المهاجرين في السكنى كما في رواية اُخرى .
قال : وشهدت اُم العلاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر (1) .
87 اُم علي زوجة الشهيد الأوّل
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، تقيّة ، عابدة . كان زوجها يثني عليها ، ويأمر النساء بالرجوع اليها .
ذكرها باجلال وإكبار الحرّ العاملي محمّد بن الحسن في القسم الأوّل من كتابه أمل الآمل ، المختصّ بتراجم علماء جبل عامل (2) . وذكرها أيضاً الأفندي الأصبهاني في الرياض (3) ، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب (4) ، والسيّد الأمين في أعيان الشيعة (5) ، والمحلاّتي في
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 34 ، منهج المقال : 400 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، أعيان الشيعة 3 : 483 ، رياحين الشريعة 3 : 144 ، معجم رجال الحديث 23 : 179 ، الطبقات الكبرى 8 : 459 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 472 .
2 ـ أمل الآمل 1 : 193 .
3 ـ رياض العلماء 5 : 404 .
4 ـ الكنى والألقاب 2 : 343 .
5 ـ أعيان الشيعة 3 : 483 .
رياحين الشريعة (1) ، والسيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث (2) .
وقال عمر رضا كحالة ـ وتبعه الحكيمي في أعيان النساء من دون تفحّص (3) ـ : اُم علي بنت محمّد بن مكي العاملي الجزيني ، فقيهة فاضلة عابدة ، وكان والدها المتوفى سنة 786هـ يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع إليها (4) .
وفي هذا الكلام خلط ، إذ أنّ اُم علي هي زوجة الشهيد محمّد بن مكي وليست ابنته ، وابنته هي اُم الحسن فاطمة المدعوّة بست المشايخ ، وكانت عالمة فاضلة صالحة عابدة ، تروي عن أبيها وعن ابن معيّة شيخ أبيها ، وستأتي ترجمتها مفصّلة في حرف الفاء . علماً بأن كحالة قد ترجم اُم الحسن بنت الشهيد في موضع لاحق من كتابه (5) .
والشهيد الأوّل هو الإمام شيخ الاسلام ، فقيه أهل البيت في زمانه ، ملك العلماء ، عَلم الفقهاء ، قدوة المحقّقين والمدقّقين ، أفضل المتقدّمين والمتأخرين ، شمس الملّة والدين أبوعبدالله محمّد ابن الشيخ جمال الدين مكي ابن الشيخ شمس الدين محمّد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني ، الشهيد بالشهير الأوّل أو بالشهيد مطلقاً .
ولد رحمه الله في قرية جزين في جبل عامل سنة 734هـ ونشأ وترعرع فيها ، ثم سافر إلى حواضر العالم الإسلامي آنذاك ، حاملاً معه هموم المسلمين عامة والطائفة الحقّة خاصّة .
جاهد بقلمه فخلّف لنا تراثاً قيّماً متمثّلاً في أكثر من عشرين مؤلّفاً في مختلف العلوم ، وجاهد بلسانه وخاض الصراع السياسي واقفاً أمام الفتن والطائفية البغيضة الموجودة آنذاك ، فأصبح بذلك علماً يشار له بالبنان ، فما كان من حسّاده ومبغضيه إلاّ أن يلفّقوا عليه تهمة هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ، فكان نتيجة ذلك أن قُتل بالسيف ، ثم صُلب ،
1 ـ رياحين الشريعة 3 : 415 .
2 ـ معجم رجال الحديث 23 : 179 .
3 ـ أعيان النساء : 335 .
4 ـ أعلام النساء 3 : 332 .
5 ـ أعلام النساء 4 : 139 .
ثم رُجم ، ثم اُحرق ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ولعنة الله على الظالمين .
فما أحلى حياة كحياة الشهيد ، قضاها بالدرس والتدريس والتبليغ والتأليف ونشر مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وما أحلى الموت اذا كان كموت الشهيد ، فإنه استشهد مظلوماً دفاعاً عن مبدأه وعقيدته ، وعن مذهب أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً (1) .
88 اُم عيسى بنت عبدالله
قال السيّد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث : عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (2) .
إلاّ أنّ النسخة المتوفّرة لدينا من رجال الشيخ خالية من هذا الإسم .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وظاهره كونها إماميّة ولكن حالها مجهول (3) .
89 اُم غانم صاحبة الحصاة
قال الطبرسي في إعلام الورى : وممّا شاهده أبوهاشم ـ يعني داود بن القاسم الجعفري ـ من دلائله ـ يعني الحسن العسكري عليه السلام ـ ما ذكره أبوعبدالله أحمد بن محمّد بن عيّاش ، قال :
1 ـ لمزيد الاطلاع عن حياة هذا العَلم انظر : أعيان الشيعة للأمين 10 : 135 ، الضياء اللامع للطهراني : 132 ، الفوائد الرضوية للقمي : 645 ، الكنى والألقاب له أيضاً 2 : 341 ، أمل الآمل للعاملي 1 : 181 ، تحفة الأحباب للقمي : 354 ، تكملة أمل الآمل للصدر : 364 رقم 354 ، تنقيح المقال للمامقاني 3 : 191 ، جامع الرواة للأردبيلي 2 : 203 ، حياة الإمام الشهيد لشمس الدين ، روضات الجنات للخوانساري 7 : 3 ، رياض العلماء للأفندي الأصبهاني 5 : 185 ، سفينة البحار للقمي 1 : 721 ، شهداء الفضيلة للأميني : 80 ، لؤلؤة البحرين للبحراني : 143 ، مجالس المؤمنين للشوشتري : 579 ، مستدرك الوسائل للنوري 3 : 437 ، مقابس الأنوار للكاظمي الدزفولي : 13 ، مقدمة الروضة البهية للآصفي .
2 ـ معجم رجال الحديث 23 : 179 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 73 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، رياحين الشريعة 3 : 415 ، أعيان الشيعة 3 : 483 .
حدّثني أبوعلي أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار وأبوجعفر محمّد بن أحمد بن مصلقة القميان ، قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف ، حدّثنا داود بن القاسم الجعفري أبوهاشم ، قال :
كنتُ عند أبي محمّد عليه السلام ، فاستؤذن لرجل من أهل اليمن ، فأذن له ، فإذا هو رجل جميل طويل جسيم ، فسلّم عليه بالولاية ، فردّ عليه بالقبول وأمره بالجلوس ، فجلس إلى جنبه ، فقلت في نفسي : مَن هذا ؟
فقال أبومحمّد : « هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي عليها » ، ثم قال : « هاتها » ، فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس ، فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع ، وكأنّي أقرأ الخاتم الساعة ( الحسن بن علي ) ، إلى أن قال : فسألته عن اسمه فقال : اسمي مهج بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن اُم غانم ، وهي الأعرابيّة اليمانيّة صاحبة الحصاة التي ختم فيها أميرالمؤمنين عليه السلام .
وقال أبوهاشم الجعفري في ذلك :
وقال السيّد العاملي في الأعيان : لم أجد هذا الخبر في مقتضب الأثر لأحمد بن محمّد بن عيّاش المطبوع ، وإنّما ذكر فيه خبر اُم سليم صاحبة الحصاة وقال : إنّها ليست بحبابة الوالبيّة
1 ـ إعلام الورى : 353 .
ولا باُم غانم صاحبتي الحصاة ، هذه اُم سليم غيرهما وأقدم منهما ، ولعلّ ابن عياش ذكره في غير مقتضب الأثر ونقله الطبرسي عنه (1) .
ومن هذا يعلم أن صاحبات الحصى ثلاث نساء : حبابة الوالبيّة ، و اُم سليم ، و اُم غانم .
وقال الشيخ الطوسي في الغَيبة : وقصته مع اُم غانم الأعرابية صاحبة الحصاة أيضاً ، التي طبع فيها أميرالمؤمنين عليه السلام ، وطبع بعده سائر الأئمة إلى زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام ، معروفة مشهورة (2) .
90 اُم فروة الأنصاريّة
قال السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز نقلاً عن ثاقب المناقب ، عن سمرة بن عطيّة ، عن سلمان رضي الله عنه ، في حديث طويل اُلخّص لك فائدته ، قال :
إنّ امرأة من الأنصار قُتلت تجنّياً بمحبّة علي عليه السلام يقال لها : اُم فروة ، وكان علي عليه السلام غائباً ، فلمّا وافى ذهب إلى قبرها ورفع رأسه إلى السماء وقال :
« اللهم يا محيي النفوس بعد الموت ، ويا منشيء العظام الدارسات بعد الفوت أحي لنا اُم فروة واجعلها عبرة لِمن عصاك » .
فإذا بهاتف : يا أميرالمؤمنين إمض لما سألت ، فرفس قبرها وقال : يا أمة الله قومي بإذن الله تعالى ، فخرجت اُم فروة من القبر وبكت وقالت : أرادوا إطفاء نورك ، فأبى الله عزّوجلّ لنورك إلاّ ضياءً ، ولذكرك إلاّ ارتفاعاً ولو كره الكافرون ، فردّها أميرالمؤمنين إلى زوجها ، وولدت بعد ذلك ولدين غلامين (3) .
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 483 .
2 ـ الغَيبة : 50 . وانظر : رياحين الشريعة 3 : 420 .
3 ـ مدينة المعاجز : 37 .
91 اُم فروة التيميّة
اُم الإمام الصادق عليه السلام ، وقيل : اسمها قريبة ، أو فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، و اُمها أسماء بنت عبدالرحمان بن أبي بكر ، وتكنّى باُم القاسم أيضاً ، وهذا معنى قول الصادق عليه السلام : « إنّ أبابكر ولدني مرتين » ، وفي ذلك يقول الشريف الرضي :
كانت من العارفات الصالحات ، وفي غاية الورع والتقوى ، روى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبدالله بن أحمد ، عن ابراهيم بن الحسن ، عن وهب بن حفص ، عن إسحاق بن جرير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
« كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأبوخالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه السلام » .
ثم قال : « وكانت اُمي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت ، والله يحب المحسنين » .
ثم قال : « وقالت اُمي : قال أبي : يا اُم فروة إني لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرّة ؛ لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب ، وهم يصبرون على مالا يعلمون » .
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على وثاقة اُم فروة ؛ لملازمة التقوى وحسن العمل ، ولشهادة الإمام الصادق عليه السلام لها .
وروى الكليني أيضاً بسنده عن عبدالأعلى قال : رأيتُ اُم فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة ، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى ، فقال لها رجل يطوف : يا أمة الله أخطأتِ السنّة ، فقالت : إنّا لأغنياء عن عملك (1) .
وعدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام (2) .
1 ـ الكافي 1 : 472 .
2 ـ رجال البرقي : 62 . وانظر : تكملة الرجال 2 : 71 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، أعيان الشيعة 1 : 659 و 3 : 483 و 8 : 390 ، رياحين الشريعة 3 : 16 ، أعيان النساء : 526 ، معجم رجال الحديث 23 : 179 .
92 اُم قيس الأسديّة
اُم قيس بنت محصن الأسديّة .
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر وابن مندة وأبونعيم وابن الأثير .
أسلمت بمكة قديماً ، وبايعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهاجرت إلى المدينة المنوّرة .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها وابصة بن معيد ، وعبيدالله بن عبدالله ، ونافع مولى خمنة بنت شجاع .
وقد اختلف في اسم أبيها ، فقيل : محصن : بالميم ، والحاء المهملة ، والصاد المهملة ، والنون .
وقيل محيص : بالميم ، والحاء ، والياء المثناة من تحت ، والصاد المهملة بغير نون .
وقيل : محيض : بالميم ، والحاء ، والياء المثناة من تحت ، والضاد (1) .
93 اُم كثير
زوجة همام بن الحارث النخعي .
كانت ذات فضل وإجلال ، وهي من المجاهدات المسلمات ، حضرت في معركة القادسيّة ، وكانت حاملة عموداً في يدها تمشي وراء المجاهدين بين القتلى ، تنقل القتلى إلى مواضعهم ، وتداوي الجرحى منهم وتنقلهم إلى مكان آمن خلف الجبهة (2) .
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 33 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، أعيان الشيعة 3 : 483 ، رياحين الشريعة 3 : 432 ، معجم رجال الحديث 23 : 180 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 485 .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 432 .
94 اُم كلثوم القرشيّة
اُم كلثوم بنت عقبة بن معيط بن أبان بن أبي عمرو ذكوان بن اُمية بن عبد شمس بن عبدمناف .
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
هاجرت سنة سبع في الهدنة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومشركي قريش ، وكانوا صالحوه على أن يردّ عليهم مَن جاءه مؤمناً ، وفيها نزلت ﴿ إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ﴾ (1) ، فإنّها لما هاجرت لحقها أخواها الوليد وعمارة ليردّاها فمنعها الله بالإسلام .
قال ابن إسحاق : قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألانه أن يردّها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل وقال : « أبى الله ذلك » . فتزوّجها زيد بن حارثة فقتل يوم مؤتة ، فتزوّجها الزبير فولدت له زينب ، ثم طلّقها فتزوّجها عبدالرحمان بن عوف فولدت له ابراهيم وحميداً ـ قيل ومحمّداً واسماعيل ـ ومات عنها ، فتزوّجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهراً وماتت .
روى عنها ابنها حميد ، وحميد بن نافع ، وغيرهما .
وروت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله :
« ليس بالكاذب الذي يقول خيراً ويمني خيراً ليصلح بين الناس » (2) .
1 ـ الممتحنة : 10 .
2 ـ انظر : رجال الشيخ : 33 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، أعيان الشيعة 3 : 7483 ، الطبقات الكبرى 8 : 23 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 488 .
95 اُم كلثوم الكبرى (1)
بنت الإمام علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين سلام الله عليه .
اُمها فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت من فواضل نساء عصرها ، ذات زهد وعبادة ، وبلاغة وشجاعة ، فهيمة جداً ، وذات فصاحة ، جليلة القدر ، عظيمة المنزلة عند أهل البيت عليهم السلام .
ولا يسعنا عَبر هذه الأسطر القليلة استيعاب كلّ جوانب حياتها ، التي ملؤها الدروس والعِبر لفتيات عصرنا الحاضر ، وإنّما نلقي الضوء على بعض مميّزات هذه العلوية المخدّرة ، وما مرّت بها من ظروف سياسية صعبة ، وما عاشته من ظلم وجور .
نعم ، إنّها لمحات عن سيرة حياتها المباركة ، راجين بذلك الأجر والثواب من الله سبحانه
1 ـ انظر ترجمتها في : أجوبة المسائل السرويّة للشيخ المفيد ( المطبوع ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 ، المسألة الخامسة عشر من أجوبة المسائل الحاجبيّة للشيخ المفيد ( مخطوط ) ، الإختصاص للشيخ المفيد : 151 و 159 ، اختيار معرفة الرجال ( الكشي ) : 400 ، الإرشاد للمفيد : 202 ، الإستغاثة : 90 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 49 ، اُسد الغابة 5 : 614 ، الإصابة 4 : 492 ، إعلام الورى : 204 ، أعلام النساء 4 : 255 ، أعيان الشيعة 1 : 327 و3 : 485 ، الأغاني : 16 : 93 ، اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام لعلي دخيل ، أنساب الأشراف 2 : 160 ، بحار الأنوار 42 : 94 ، البداية والنهاية 5 : 309 ، بلاغات النساء : 23 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 149 ، تزويج اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين تأليف الشيخ محمّدجواد البلاغي ، تزويج عمر لاُم كلثوم للشيخ سليمان بن عبدالله الماحوذي ، تكملة الرجال 2 : 711 ، تنقيح المقال 3 : 73 ، التهذيب 8 : 161 ، جواب السؤال عن وجه تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر للسيّد المرتضى ، الخصائص الحسينية : 187 ، الذريعة 2 : 396 رقم 3641 و 5 : 183 رقم 811 و 4 : 172 رقم 85 ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للطبري : 167 ، رسالة تزويج اُم كلثوم من عمر للسيّد ناصر حسين اللكهنوي ، ريحانة الأدب 6 : 234 ، رياحين الشريعة 3 : 244 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 : 14 ، الطبقات الكبرى 8 : 463 ، العِبر 1 : 16 ، العقد الفريد 7 : 97 ، الكافي 5 : 346 باب تزويج اُم كلثوم ، كشف الغمة في معرفة الائمة 1 : 440 ، الكنى والألقاب 1 : 218 ، اللهوف : 32 ، مثير الأحزان : 88 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، المسألة الموضّحة عن أسباب نكاح أمير المؤمنين عليه السلام للشيخ المفيد ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 37 ، مَن لا يحضره الفقيه 3 : 249 ، نفس المهموم : 184 ، نور الأبصار : 147 .
وتعالى ، ومن نساء هذه الاُمة المرحومة الإقتداء بهذه العالمة المجاهدة المؤمنة .
زواجها :
تُعدّ مسألة زواج اُم كلثوم من عمر بن الخطاب من المسائل المهمة التي يطرحها لنا التأريخ الإسلامي ، ومن القضايا التي طال البحث والنقاش ولا يزال حولها ؛ لأنّها تتعلّق بمسألة عقائدية هامة ، وهي مسألة الإمامة .
فالذي يذهب إلى وقوع هذا الزواج وصحته ، يستدل به على استقامة زوجها ، واعتراف عليّ سلام الله عليه به ، وإلاّ كيف يزوّجه ابنته .
والذي ينكر هذا الزواج ، أو يذهب إلى أنّه وقع نتيجةً لضغوطٍ مارسها عمر بن الخطاب على الإمام علي عليه السلام ، يستدل به على عدم استقامة ونزاهة عمر بن الخطاب ، وعدم اعتراف الإمام عليّ سلام الله عليه به .
وقد طال البحث والكلام حول هذه المسألة ، حتى أنّ بعض أصحابنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ أفردوا لها باباً خاصّاً في كثير من كتبهم ، كالشيخ المفيد رحمه الله ، حيث تطرّق إلى هذا الموضوع في المسألة الخامسة عشر من أجوبة المسائل الحاجبية ، وفي المسألة العاشرة من المسائل السروية ، بل أنّ بعض علمائنا رحمهم الله ألّفوا رسائل خاصة بهذا الموضوع ، منهم :
1) الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413هـ ، في رسالته التي سمّاها النجاشي في رجاله : المسألة الموضحة عن أسباب نكاح أميرالمؤمنين عليه السلام (1) ، وذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة (2) .
وتوجد نسخة خطيّة منها في مكتبة السيّد المرعشي النجفي رحمه الله ، ضمن المجموعة المرقمة 4087 ، وتقع هذه الرسالة في خمس أوراق ، وبإسم : إنكاح أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته من
1 ـ اختيار معرفة الرجال : 400 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 396 رقم 3641 .
عمر (1) .
2) السيّد المرتضى علي بن الحسين بن موسى ، علم الهدى المتوفّى سنة 436هـ في رسالته : جواب السؤال عن وجه تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته من عمر .
هكذا ذكرها الطهراني في الذريعة ، ثم قال : رأيته ضمن مجموعة من رسائله في مكتبة المولى محمّدعلي الخوانساري (2) .
وتوجد نسخة خطيّة منها أيضاً في مكتبة السيّد المرعشي النجفي رحمه الله في مدينة قم المقدسة ، ضمن المجموعة المرقمة 3694 ، وتقع في ثلاث أوراق ، وبإسم : إنكاح أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته من عمر (3) .
3) الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي المتوفّى سنة 1121هـ في رسالته : تزويج عمر لاُم كلثوم بنت علي عليه السلام ، ذكرها الشيخ الطهراني بهذا الإسم ، ثم قال : سُئل الماحوزي عن الخبر الوارد بذلك هل هو صحيح أم لا ؟ فقال في الجواب : لنا في هذه المسألة رسالة شريفة فليرجع إليها .
وقال : إنّه أنكر أبوسهل النوبختي ذلك ، وبالغ في الإنكار الشيخ المفيد ، وابن شهر آشوب في المناقب ، ويوجد السؤال ضمن مجموعة بخط تلميذ الماحوزي .
4) الشيخ محمّدجواد البلاغي المتوفّى سنة 1352هـ ، في رسالته : تزويج اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام وإنكار وقوعه ، ذكرها الطهراني في الذريعة في موضعين (4) .
5) السيد ناصر حسين اللكهنوي المتوفّى سنة 1361هـ ، له رسالة مستقلة في تزويج اُم كلثوم من عمر ، ذكرها استاذ المحقّقين السيّد عبدالعزيز الطباطبائي رحمه الله في تحقيقه لرسالة مقتل أميرالمؤمنين عليه السلام لابن أبي الدّنيا ، والتي نشرتها مجلة تراثنا الصادرة عن مؤسسة
1 ـ فهرست النسخ الخطيّة لمكتبة السيد المرعشي النجفي في قم 11 : 103 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5 : 183 رقم 811 .
3 ـ فهرست الكتب الخطيّة في مكتبة السيد المرعشي في قم .
4 ـ الذريعة 4 : 172 رقم 851 و 11 : 146 .
آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (1) .
وقد رأينا عند مطالعتنا القاصرة أنّ في هذه المسألة أربعة أقوال :
الأوّل : أنّ عمر بن الخطاب قد تزوج اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام برضىً منه ودون أي ضغط ، ويذهب إلى هذا القول اخواننا علماء أبناء العامة ، وتجد هذا واضحاً في كتبهم (2) .
الثاني : أنّ هذا الزواج قد وقع فعلاً ، ولكن نتيجةً لضغوط مارسها عمر بن الخطاب على الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، بل هدّده أن يفعل ما يفعل إن لم يزوّجه اُم كلثوم ، فاضطر الإمام عليه السلام إلى تزويجها من عمر وهو كاره لذلك ، وذهب إلى هذا القول أكثر علمائنا رضوان الله تعالى عليهم ، ومما يدلّ على ذلك :
1) روى الشيخ الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في تزويج اُم كلثوم فقال :
« إنّ ذلك فرج غُصبناه » (3) .
2) وروى أيضاً عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« لما خطب إليه قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إنّها صبية ، قال : فلقي العباس فقال له : مالي ، أبي ّ بأس ؟ ! قال : وما ذاك ؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لأعوّرن (4) زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمنّ عليه شاهدين بأنّه سرق ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه » (5) .
وذكر هذا الحديث أيضاً العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار (6) ، نقلاً عن الطرائف للسيّد ابن
1 ـ تراثنا : العدد 12 ص 89 .
2 ـ انظر : الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 463 .
3 ـ الكافي 5 : 346 حديث 1 باب تزويج اُم كلثوم .
4 ـ تعوير البئر : تطميمه . القاموس المحيط 2 : 101 .
5 ـ الكافي 5 : 346 حديث 2 باب تزويج اُم كلثوم .
6 ـ بحار الأنوار 42 : 94 حديث 22 .
طاووس ، ولكني لم أجده في النسخة المطبوعة من الطرائف .
3) وروى الكليني أيضاً في الكافي في باب المتوفّى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد وما يجب عليها عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمّد بن زياد ، عن عبدالله بن سنان ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها أتعتد في بيتنها أو حيث شاءت ؟
قال : « بل حيث شاءت ، إنّ علياً عليه السلام لما توفّي عمر أتى اُم كلثوم فانطلق بها إلى بيته » (1) .
رواه أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب (2) .
4) وروى الكليني عن محمّد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين ابن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، قال :
سألت أباعبدالله عليه السلام عن المرأة توفّي زوجها ، أين تعتد في بيت زوجها أو حيث شاءت ؟
قال : « بل حيث شاءت » ، ثم قال : « إنّ علياً عليه السلام لما مات عمر أتى اُم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته » (3) .
رواه أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب (4) .
5) قال الشيخ المفيد رحمه الله في المسألة العاشرة من المسائل السروية ـ وبعد أن ذهب إلى عدم ثبوت هذا الزواج ـ في توجيه هذا الزواج إن صح : وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل ؛ لأنّه يهدّده ويتوعّده ، فلم يلزم أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه كان مضطراً إلى ذلك خوفاً على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة كما قلنا : إنّ الضرورات توجب اظهار كلمة الكفر ، قال الله تعالى : ﴿ إلاّ مَنْ اُكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ﴾ (5) . وليس ذلك بأعجب من قوم
1 ـ الكافي 6 : 115 حديث 1 .
2 ـ التهذيب 8 : 161 حديث 557 .
3 ـ الكافي 6 : 115 حديث 2 .
4 ـ التهذيب 8 : 161 حديث 558 .
5 ـ النحل : 106 .
لوط عليه السلام ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : ﴿ هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم ﴾ (1) ، فدعاهم إلى العقد عليهنّ وهم كفّار ضلاّل ، وقد أذن الله تعالى في اهلاكهم .
وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة ابن أبي لهب ، والآخر أبوالعاص بن الربيع ، فلما بُعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبوالعاص بعد إبانة الإسلام فردّها عليه بالنكاح الأوّل ، ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم في حال من الأحوال كافراً ولا موالياً لأهل الكفر (2) .
6) قال أبوالقاسم الكوفي علي بن أحمد بن موسى بن الإمام الجواد المتوفّى سنة 352هـ : وأمّا تزويج عمر من اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام ، فإنّه حدّثنا جماعة من مشايخنا الثقات منهم جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، عن أحمد بن الفضل ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، قال : سألتُ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن تزويج عمر من اُم كلثوم فقال عليه السلام :
« ذلك فرج غُصبنا عليه » .
وهذا الخبر مشاكل لما رواه مشايخنا عامة في تزويجه منها ، وذلك في الخبر أنّ عمر بعث العباس بن عبدالمطلب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام يسأله أن يزوّجه اُم كلثوم ، فامتنع عليه السلام ، فلما رجع العباس إلى عمر بخبر امتناعه ، قال : يا عباس أيأنف من تزويجي ؟ ! والله لئن لم يزوّجني لأقتلنه ، فرجع العباس إلى علي عليه السلام فأعلمه بذلك ، فأقام علي عليه السلام على الامتناع ، فأخبر العباس عمر ، فقال له عمر : احضر في يوم الجمعة في المسجد وكن قريباً من المنبر لتسمع ما يجري ، فتعلم أني قادر على قتله إن أردت .
فحضر العباس المسجد ، فلمّا فرغ عمر من الخطبة قال : أيها الناس إنّ هاهنا رجلاً من أصحاب محمّد وقد زنى وهو محصن ، وقد اطلع عليه أميرالمؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ؟
فقال الناس من كلّ جانب : إذا كان أميرالمؤمنين اطّلع عليه فما الحاجة إلى أن يطّلع عليه
1 ـ هود : 78 .
2 ـ أجوبة المسائل السروية ( المطبوعة ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 .
غيره ، وليمض في حكم الله . فلمّا انصرف عمر قال للعباس : إمض إلى علي فأعلمه بما قد سمعته ، فوالله لئن لم يفعل لأفعلن .
فصار العباس إلى علي عليه السلام فعرّفه ذلك ، فقال علي عليه السلام : أنا أعلم أنّ ذلك مما يهون عليه ، وما كنتُ بالذي أفعل ما يلتمسه أبداً .
فقال العباس : لئن لم تفعله فأنا أفعله ، وأقسمت عليك أن لا تخالف قولي وفعلي . فمضى العباس إلى عمر فأعلمه أن يفعل ما يريد من ذلك . فجمع عمر الناس فقال : إنّ هذا العباس عمّ علي بن أبي طالب وقد جعل إليه أمر ابنته اُم كلثوم ، وقد أمره أن يزوّجني منها ، فزوّجه العباس بعد مدّة يسيرة فحملوها إليه .
وأصحاب الحديث إن لم يقبلوا هذه الرواية منّا ، فإنه لا خلاف بينهم في أنّ العباس هو الذي زوّجها من عمر .
وقد قيل لمن أنكر هذه الحكاية من فعل عمر : ما العلة التي أوجبت أن يجعل علي عليه السلام أمر ابنته اُم كلثوم إلى العباس دون غيرها من بناته ، وليس هناك أمر يضطره إلى ذلك وهو صحيح سليم ، والرجل الذي زوّجه العباس بزعمهم عنده مرغوب رضي فيه .
أتقولون : إنّه أنف من تزويج ابنته اُم كلثوم وتعاظم وتكبّر عن ذلك ؟ فقد نجده قد زوّج غيرها من بناته فلم يأنف من ذلك ولا تعاظم ولا تكبّر فيه ، وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته سيّدة نساء العالمين ، فلم يأنف ولم يتكبّر ولا وكّل في تزويجها .
أفتقولون : إنّ عليّاً عليه السلام رأى العباس أفضل منه وأقدم سابقة في الإسلام ، فجعل أمر ابنته إليه ؟ وهذا مالا يقوله مسلم ، وما بال العباس زوّج اُم كلثوم دون اُختها زينب بنت فاطمة عليها السلام من عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، والعباس حاضر فلم يوكله في تزويجها ولا أنف من ذلك .
فلم يبق في الحال إلاّ ما رواه مشايخنا مما سقنا حكايته ، وذلك مشاكل للرواية عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « ذلك فرج غُصبنا عليه » .
فكان من احتجاج جهّالهم أن قالوا : ما كان دعا علياً عليه السلام أن يسلّم ابنته غصباً على هذا
الحال الذي وصفتم .
فقيل لهم : هذا منكم جهل بوجوه التدبير ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى علياً عليه السلام بما احتاج إليه في وقت وفاته ، وعرّفه جميع ما يجري عليه من بعده من اُمّته واحداً بعد واحد ، فقال علي عليه السلام : « فما تأمرني أن أصنع ؟ » .
قال : « تصبر وتحتسب إلى أن ترجع الناس إليك طوعاً ، فحينئذٍ قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ولا تنابذنّ أحداً من الثلاثة فتلقي بيدك إلى التهلكة ، ويرتد الناس من النفاق إلى الشقاق » .
فكان عليه السلام حافظاً لوصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إبقاءً في ذلك على المسلمين المستضعفين ، وحفظاً للدين لئلا ترجع الناس إلى الجاهلية الجهلاء ، وتثور القبائل تريد الفتنة في طلب ثارات الجاهلية .
فلمّا جرى من عمر في حال خطبته لاُم كلثوم ما تقدّم به الحكاية فكّر علي عليه السلام فقال : إن منعته رام قتلي ، وإن رام قتلي فمنعته عن نفسي ، خرجت بذلك عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخالفت وصيته ، ودخل في الدين ما كان حاذره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ارتداد الناس الذي لأجلِهِ أوصاني بالصبر والإحتساب .
وكان تسليم ابنته اُم كلثوم في ذلك أصلح من قتله ، أو الخروج من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففوّض أمرها إلى الله ، وعلم أنّ الذي كان اغتصبه الرجل من أموال المسلمين و اُمورهم وارتكبه من إنكار حقّه وقعوده في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتغيير أحكام الله وتبديل فرائض الله ، أعظم عند الله وأفظع وأشنع من اغتصابه ذلك الفرج ، فسلّم وصبر واحتسب ، كما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنزل ابنته في ذلك منزلة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، إذ انّ الله عزّ وجلّ وصف قولها : ﴿ ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ﴾ (1) .
1 ـ التحريم : 11 .
ولعمري ، الذي كان قد ارتكبه فرعون من بني اسرائيل من قتل أولادهم واستباحة حريمهم في طلب موسى عليه السلام على ما ادّعاه لنفسه من الربوبية ، أعظم من تغلّبه على آسية امرأته وتزويجها ، وهي امرأة مؤمنة من أهل الجنة بشهادة الله لها بذلك .
وكذا سبيل الرجل مع اُم كلثوم كسبيل فرعون مع آسية ؛ لأنّ الذي إدّعاه لنفسه من الإمامة ظلماً وتعدّياً وخلافاً على الله ورسوله بدفع الإمام عن منزلته التي قدّرها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، واستيلاؤه على أمر المسلمين يحكم في أموالهم وفروجهم ودمائهم بخلاف أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أعظم عند الله من اغتصابه ألف فرج من نساء مؤمنات دون فرج واحد ، ولكن الله قد أعمى قلوبهم فهم لا يهتدون لحق ولا يعقلون عن باطل (1) .
7) قال الطبرسي في إعلام الورى : وأمّا اُم كلثوم فهي التي تزوّجها عمر بن الخطاب ، وقال أصحابنا : إنه عليه السلام إنما زوّجها بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال بشيء ، حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العباس بن عبدالمطلب فزوّجها إياه (2) .
8) وقال الشيخ عبدالنبي الكاظمي في تكملة الرجال : المشهور من الأصحاب والأخبار أنّه تزوّجها عمر بن الخطاب غصباً ، كما أصرّ السيّد المرتضى رحمه الله ، وصمّم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة ، وهو الأصح ، للأخبار المستفيضة .
وبهذه الأخبار انقطع ما قد شكّ به بعض الشاكّين من أنّه كيف جاز تزويج أمير المؤمنين عليه السلام إياه ، وهو على ما تعتقدونه لا يجوز نكاحه ، فإنّ الغصب والإضطرار أباح كلّ شيء .
وكذلك ما قد يقال : إنّه كيف يليق بأميرالمؤمنين عليه السلام تحمّل هذا الغصب ، فإنّ الشيمة الهاشمية والنخوة العربية لا تتحمّل هذا العار والذل ، وأمثال ذلك .
فإنّ هذه النصوص تحسم مادة هذه الاستبعادات ، وليس ذلك بأصعب من غصب
1 ـ الإستغاثة : 90 .
2 ـ إعلام الورى : 204 .
الخلافة ، فإنّ دونها الضلال والإضلال ، وهدم الدين ، ومحو شريعة سيدالمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
القول الثالث : وهو أنّ هذا الزواج لم يقع بتاتاً ، وإنّما هو من وضع أعداء آل البيت عليهم السلام ، وذهب إلى هذا بعض أصحابنا :
منهم الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، حيث قال في أجوبة المسائل السروية :
المسألة العاشرة : ما قوله حرس الله مهجته في تزويج أميرالمؤمنين عليه السلام بنته من عمر ابن الخطاب ، وتزويج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بنتيه زينب ورقية من عثمان ؟
الجواب : إنّ الخبر الوارد بتزويج أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر غير ثابت ، وهو من طريق الزبير بن بكّار ، وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متهماً فيما يذكره ، وكان يبغض أميرالمؤمنين عليه السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه عنه علي بن هشام ، وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه ، فظنّ كثير من الناس أنّه حق له رحمه الله لروايته رجل علوي ، وإنّما رواه عن الزبير بن بكار .
والحديث نفسه مختلق : فتارة يروي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام تولّى العقد له على ابنته .
وتارة اُخرى يروي عن العباس أنّه تولّى العقد له عنه .
وتارة يروي أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعد من عمر وتهديد لبني هاشم .
وتارة يروي أنّه كان عن إختيار وإيثار .
ثم انّ بعض الرواة يذكر أنّ عمر أولدها ولداً سمّاه زيد .
وبعضهم يقول : إنّه قتل من قبل دخوله بها .
وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقباً (2) .
ومنهم مَن يقول : إنّه قُتل ولا عقب له .
1 ـ تكملة الرجال 2 : 711 .
2 ـ قال الفيروزآبادي في المحيط 4 : 71 « هلل » : وذو الهلالين زيد بن عمر بن الخطاب ، اُمّه اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب . وقال محمّد مرتضى الزبيدي في تاج العروس 8 : 172 « هلل » : مات هو و اُمّه في يوم واحد وصلّي عليهما معاً .
ومنهم مَن يقول : إنّه و اُمّه قتلا .
ومنهم مَن يقول : إنّ اُمّه بقيت بعده .
ومنهم مَن يقول : إنّ عمر أمهر اُم كلثوم أربعين ألف درهم .
ومنهم مَن يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم .
ومنهم مَن يقول : كان مهرها خمسمائة درهم .
وبدء هذا ا لقول وكثرة الاختلاف فيه يبطل الحديثِ ولا يكون له تأثير على حال .
ثم أنّه لو صـح لكان له وجهـان لا ينافيان مذهـب الشيعة في ضـلال المتقدمين على أميرالمؤمنين عليه السلام :
أحدهما : أنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بحلية الشريعة ، وإن كان الأفضل ترك مناكحة مَن ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام ، إلاّ أنّ الضرورة متى قادت إلى مناحكة الضال مع اظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك وساغ ما لم يكن يحتسب مع الإختيار .
وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مُحتاجاً إلى التأليف وحقن الدماء ، ورأى أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحة بنته ، أثّر ذلك في الفساد في الدين والدنيا ، وإنّه إن أجاب إليه أعقب ذلك صلاحاً في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه .
والوجه الثاني : أنّ مناكحة الضال كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقها حرام ، إلاّ أن يخاف الإنسان على دينه ودمه فيجوز له ذلك ، كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الإيمان ، وكما يحلّ له الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات وإن كان ذلك محرّماً مع الإختيار .
وأميرالمؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل ؛ لأنّه يهدّده ويتوعّده ، فلم يُلزم أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه كان مضطراً إلى ذلك على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة ، كما قلنا : إنّ الضرورة توجب إظهار كلمة الكفر ، قال الله تعالى : ﴿ إلاّ مَن اُكره وقلبه مطمئن
بالإيمان ﴾ (1) . وليس ذلك بأعجب من قوم لوط عليه السلام ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : ﴿ هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم ﴾ (2) ، فدعاهم إلى العقد عليهنّ وهم كفّار ضلاّل وقد أذن الله تعالى في إهلاكهم .
وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة ابن أبي لهب ، والآخر أبوالعاس بن الربيع ، فلما بُعث صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبوالعاص بعد إبانة الإسلام ، فردّها عليه بالنكاح الأوّل . ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم تبعة فيما يحدث في العاقبة .
هذا على قول بعض أصحابنا ، وفريق منهم على أنّه تزوّج على الظاهر وكان باطنه مستوراً عنه ، وليس بمنكر أن يستر الله تعالى عن نبيه نفاق كثير من المنافقين ، وقد قال الله تعالى : ﴿ من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ﴾ ، فلا ينكر أنّ أهل مكة كذلك ، والنكاح على الظاهر دون الباطن على ما بيّناه .
ويمكن أن يكون الله عزّ وجلّ أباحه مناكحة مَن ظاهره الإسلام وإن علم من باطنه النفاق ، وخصّه بذلك ورخّصه له فيه ، كما خصّه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح ، وأباحه أن ينكح بغير مهر ، ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ، ولا في الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء ، وأشباه ذلك ممّا خصّ به وخطر على غيره من عامة الناس (3) .
وممّن ذهبوا إلى هذا القول العلاّمه الشيخ محمّد جواد البلاغي ، حيث ألّف رسالة في هذا الموضوع ذكرها الطهراني في الذريعة بقوله : رسالة في تزويج اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام وإنكار وقوعه للعلاّمه الشيخ البلاغي (4) .
وأنكر هذا الزواج أيضاً محمّدعلي دخيل في رسالته التي ألّفها عن حياة اُم كلثوم حيث
1 ـ النحل : 106 .
2 ـ هود : 78 .
3 ـ أجوبة المسائل السروية ( المطبوع مع عدّة رسائل للشيخ المفيد ) : 226 .
4 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 4 : 172 رقم 850 و 11 : 146 .
قال : ومن هذه الزواجات الوهميّة ـ وما أكثرها ـ زواج اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام من عمر بن الخطاب .
روى ابن عبدالبر وابن حجر وغيرهما : خطبها عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ، فقال : « إنّها صغيرة » .
فقال له : زوّجنيها يا أباالحسن فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد .
فقال له علي : « أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها فقد زوجتكها » ، فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ، فقالت ذلك لعمر .
فقال : قولي له : قد رضيت ، ثم وضع يده على ساقها فكشفها .
فقالت : أتفعل هذا ؟ ! لولا أنّك أميرالمؤمنين لكسّرت أنفك ، ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء .
فقال : « يا بنية إنّه زوجك » (1) .
وروى ابن سعد : تزوّجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قتل ، وولدت له زيد بن عمر ورقيّة بنت عمر ، ثم خلف على اُم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب فتوفّي عنها ، ثم خلف عليها أخوه محمّد بن جعفر بن أبي طالب ، فتوفّي عنها ، فخلف عليها أخوه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد اختها زينب بنت علي فقالت اُم كلثوم : إني لاستحي من أسماء بنت عميس أنّ ابنيها ماتا عندي وإنّي لأتخوّف على هذا الثالث ، فهلكت عنده ولم تلد منهم شيئاً (2) .
وذكروا أيضاً : أنّ عمر أمهر اُم كلثوم أربعين ألفاً (3) .
وروى البلاذري : أنّه أصدقها مائة ألف درهم (4) .
1 ـ اُسد الغابة 5 : 615 ، الإصابة 4 : 469 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 463 .
3 ـ الإصابة 4 : 469 ، البداية والنهاية 5 : 309 .
4 ـ أنساب الأشراف 2 : 160 .
وذكروا أيضاً : أنّها لما ماتت صلّى عليها عبدالله بن عمر وخلفه الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية وعبدالله بن جعفر ، وكبّر عليها أربعاً (1) .
وستعرف خلال البحث أن لا صحة لهذا الزواج ، وأنّها لم تتزوّج بغير ابن عمها عون بن جعفر ، مصداقاً للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة : « ونظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولاد علي وجعفر عليهم السلام فقال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا » (2) .
ولعلّ مصدر الوهم فيه : أنّ من زوجات عمر اُم كلثوم بنت جرول الخزاعية ـ اُم عبدالله بن عمر ـ ودائماً ينصرف الذهن في الاسماء إلى صاحب الشهرة ، كما أنّ هناك اُم كلثوم اُخرى خطبها عمر ، فجاءت الشبهة من هنا وهناك .
روى أبوالفرج : قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب : ألا تتزوج اُم كلثوم بنت أبي بكر ، فتحفظه بعد وفاته وتخلفه في أهله ؟
قال عمر : بلى إنّي لأحب ذلك ، فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إليّ بجوابها .
فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلى ذلك ، وقالت له : حبّاً وكرامة .
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة ، فقال لها : مالك يا اُم المؤمنين ؟ فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إنّ هذه الجارية حدثة ، وأردتُ لها ألين عيشاً من عمر .
فقال لها : عليّ أنا أكفيك ، وخرج من عندها فدخل على عمر فقال : بالرفاه والبنين ، قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله وخطبتك اُم كلثوم .
فقال : قد كان ذلك .
قال : إلاّ أنك أميرالمؤمنين رجل شديد الخلق في أهله ، وهذه صبية حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، وتصيح يا أبتاه ، فيغمك ذلك ، وتتألم له عائشة ، ويذكرون أبابكر فيبكون عليه ، فتتجدد المصيبة به مع قرب عهدها في كلّ يوم .
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 464 .
2 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 249 .
فقال له : متى كنت عند عائشة وأصدقني ؟
فقال : آنفاً .
فقال عمر : أشهد أنّهم كرهوني ، فتضمّنت لهم أن تصرفني عمّا طلبت وقد أعفيتهم ، فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر ، وأمسك عمر عن معاودتها (1) .
وأعود وأقول :
1) كيف يتجاوز الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام مهر السنّة ، وهو مهر أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنّ الإمام محمّد الجواد عليه السلام لما تزوّج اُم الفضل بنت المأمون وقد أنفق المأمون الملايين من الدنانير على حفل الزواج ، ولكن الإمام عليه السلام أمهرها خمسمائة درهم ، فقد قال في خطبة النكاح :
« الحمد لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته ، وصلّى الله على محمّد سيّد بريته ، والأصفياء من عترته . أمّا بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه : ﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ﴾ (2) ، ثم إنّ محمّد بن علي بن موسى يخطب اُم الفضل بنت عبدالله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوّجته يا أميرالمؤمنين ؟ » .
قال المأمون : نعم (3) .
2) كيف يدفع عمر هذا المهر وهو القائل : لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين اُوقية ، وإن كانت بنت ذي الغصة ـ يعني يزد بن الحصين الصحابي الحارثي ـ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال .
فقالت امرأة من صفّ النساء طويلة في أنفها فطس : ما ذاك لك .
1 ـ الأغاني 16 : 93 .
2 ـ النور : 32 .
3 ـ نور الأبصار : 147 .
قال : ولم ؟ !
قالت : لأنّ الله عزّ وجل قال : ﴿ وآتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً ﴾ (1) .
قال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ (2) .
3) أنكر هذا الزواج أعلام الطائفة كالشيخ المفيد وغيره من المتقدّمين ، وأفرد الشيخ البلاغي رسالة خاصة في النفي .
4) أورد الحاكم حديث الزواج في المستدرك ، وتعقّبه الذهبي في التخليص فقال : منقطع (3) ، والحديث المنقطع السند يكون مهملاً .
5) إنّ جلّ مَن ذكر زواجها من عمر ذكر أنّه تزوّج بها عون بن جعفر بعد قتل عمر (4) ، وعون هذا استشهد يوم تستر (5) سنة 17 للهجرة في خلافة عمر ، فكيف يتزوّج بها من بعده .
6) مرّ عليك كلام صاحب الطبقات والبداية والنهاية في زواج محمّد بن جعفر باُم كلثوم بعد أخيه عون ، وأغرب ما جاء في تهويس القوم في هذه المهزلة هو كلام ابن عبدالبر فقد قال : ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب هو الذي تزوّج اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر ابن الخطاب (6) .
وقال في نفس الكتاب : استشهد عون بن جعفر وأخوه محمّد بن جعفر في تستر (7) . مع العلم أنّ يوم تستر كان في خلافة عمر وقبل وفاته بسبع سنين ، فكيف يستقيم ما ذكره ؟ !
7) الصورة التي مرّت عليك من إرسال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ابنته إلى عمر ، وهو
1 ـ النساء : 20 .
2 ـ الأذكياء لابن الجوزي : 217 .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 142 .
4 ـ اُسد الغابة 5 : 615 ، الطبقات الكبرى 8 : 464 .
5 ـ الإصابة 3 : 44 .
6 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 3 : 346 .
7 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 3 : 347 .
يكشف عن ساقها ، وهي لا تعلم بالأمر ، فهل ترتضيها أنت أيها القاريء الكريم لنفسك فضلاً عن الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ؟ !
8) رووا : لما تأيّمت اُم كلثوم بنت علي من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها فقالا لها : إنّك ممّن قد عرفت سيّد نساء المسلمين وبنت سيّدتهن ، وإنك والله إن أمكنت علياً رُمّتك لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه ، فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكي على عصا ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه وذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة وآثرتكم على سائر ولدي ؛ لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتكم منه .
فقالوا : صدقت رحمك الله ، فجزاك الله عنّا خيراً .
فقال : اي بنية إنّ الله عزّ وجل قد جعل أمرك بيدك ، فأنا أحب أن تجعلينه بيدي .
فقالت : اي أبت ، إنّي امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء ، وأحب أن اُصيب ممّا تصيب النساء من الدنيا ، وأنا اُريد أن أنظر في أمر نفسي .
فقال : لا والله يا بنية ما هذا رأيك ، ما هو إلاّ من رأي هذين ، ثم قام وقال : والله لا اُكلّم رجلاً منهما أو تفعلين!! فأخذوا بثيابه ، فقالا : أجلس يا أبت فوالله ما على هجرانك من صبر ، اجعلي أمرك بيده ، فقالت : قد فعلت .
قال : فإني قد زوّجتك من عون بن جعفر ، وانّه لغلام ، وبعث لها بأربعة آلاف درهم وادخلها عليه ، أخرجه أبوعمر (1) .
ما أظن شخصاً يحمل ذرة من الإكبار والكرامة للإمامين الحسنين عليهما السلام يرتضي هذه الصورة ، كما هي لا تليق بالإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في الإصرار على طلب ما ليس له ، ويحلف بالله اذا لم يُعط ذلك ليهجر ولديه . إنّ مخترع هذا الزواج لو ذكره بدون هذه الرتوش لأمكن تصديقه ، ولكن كيف وقد جاء بهذه الطامات!
1 ـ اُسد الغابة 5 : 615 .
9) كيف يقدّم الحسن والحسين عليهما السلام عبدالله بن عمر للصلاة عليها مع جلالة منزلتهما ، وأنّهما أولى بالصلاة عليها ، وانحراف ابن عمر عنهما وعن أبيهما عليه السلام معلوم ؟ !
10) كيف يقبل الحسنان عليهما السلام بتكبير ابن عمر عليها أربعاً ، والذي عليه إجماع أهل البيت عليهم السلام هو خمس تكبيرات .
11) أجمعت كتب السِير والمقاتل على حضور اُم كلثوم واقعة كربلاء ، وذكروا مواقفها وخطبها ، فكيف يجتمع هذا مع وفاتها في حياة الإمام الحسن عليه السلام ؟ !
12) مرَّ عليك كلام صاحب الطبقات في زواج عبدالله بن جعفر بعد اُختها زينب ، وأقلّ ماورد في وفاة زينب عليها السلام أنها ماتت ليلة الأحد 14 رجب سنة 62هـ (1) .
القول الرابع : وهو أنّ الإمام علي عليه السلام لم يزوّج اُم كلثوم من عمر بن الخطاب ، وإنّما زوّجه جنّيّة تشبهها ، أو أنّه حين المواقعة تحول الجنية بينه وبينها ، وذكر هذا القول العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار نقلاً عن الخرائج والجرائح ، قال :
الصفّار ، عن أبي بصير ، عن جذعان بن نصر ، عن محمّد بن مسعدة ، عن محمّد بن حمويه ابن اسماعيل ، عن أبي عبدالله الربيبي ، عن عمر بن اُذينة ، قال : قيل لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ الناس يحتجون علينا ويقولون : إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام زوّج فلاناً ابنته اُم كلثوم ، وكان متكئاً فجلس وقال :
« أيقولون ذلك ؟ إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل ، سبحان الله ما كان يقدر أميرالمؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ ! كذبوا ولم يكن ما قالوا ، إنّ فلاناً خطب إلى عليّ عليه السلام بنته اُم كلثوم فأبى علي عليه السلام ، فقال للعباس : والله لئن لم تزوّجني لانتزعنّ منك السقاية وزمزم ، فأتى العباس علياً فكلّمه ، فأبى عليه ، فألح العباس ، فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة كلام الرجل على العباس ، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قا ل ، أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنّيّة من أهل نجران يهوديّة يقال لها سحيفة بنت جريرية ، فأمرها فتمثلت
1 ـ اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ، لعلي دخيل : 12 .
في مثال اُم كلثوم وحجبت الأبصار عن اُم كلثوم وبعث بها إلى الرجل ، فلم تزل عنده حتى أنّه استراب بها يوماً فقال : ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم ، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوَت الميراث وانصرفت إلى نجران ، وأظهر أميرالمؤمنين عليه السلام اُم كلثوم » (1) .
وقال الشيخ الكاظمي في تكملة الرجال : وأمّا ما وقع في بعض الأوهام من أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام زوّجه جنية تشبهها ، أو أنّه حين المواقعة تحول الجنية بينه وبنيها ، فذاك من التحكّمات ، بل خلاف ما دلّت عليه الأدلة (2) .
موقفها مع حفصة بنت عمر :
لمّا سارت عائشة إلى البصرة معلنةً الحرب على الإمام علي عليه السلام ، وسار علي سلام الله عليه لقطع الفتنة التي حلّت بالاُمّة من جراء نقض عائشة للبيعة ومعها طلحة والزبير ، ونزل عليه السلام ذاقار ، كتبت عائشة لحفصة كتاباً تخبرها بذلك وتسرّها بالنصر المزعوم .
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : لمّا نزل علي عليه السلام ذاقار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر : أمّا بعد فإنّي اُخبركِ أنّ علياً قد نزل ذاقار ، وأقام بها مرعوباً خائفاً لِما بلغه من عدّتنا وجماعتنا ، فهو بمنزلة الأشقر ، إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نُحر ، فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف ، فأمرتهن أن يقلْن في غنائهن : ما الخبر ما الخبر ، علي في السفر ، كالفرس الأشقر ، إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نحر .
وجعلت بنات الطلقاء يدخلْنَ على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء ، فبلغ اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، فلبست جلابيبها ، ودخلت عليهن في نسوة متنكرات ، ثم أسفرت عن وجهها ، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت .
فقالت اُم كلثوم : لئن ظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل ، فأنزل الله
1 ـ بحار الأنوار 42 : 88 حديث 16 .
2 ـ تكملة الرجال 2 : 718 .
فيكما ما أنزل (1) .
فقالت حفصة : كفى رحمك الله ، وأمرت بالكتاب فمزّق ، واستغفرت الله .
قال أبومخنف : روى هذا جرير بن يزيد ، عن الحكم .
ورواه الحسن بن دينار ، عن الحسن البصري .
وذكر الواقدي مثل ذلك .
وذكر المدائني مثله ، قال : فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار :
واقعة الطف :
لقد حضرت اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليه أرض كربلاء ، وشاهدت واقعة الطف ، وكلّ ما جرى على اخوتها وابنائهم وأنصارهم ، اذاً هي شريكة الحسين عليه السلام في أداء الرسالة المحمّدية ، وشريكة اُختها العقيلة زينب بنت علي عليه السلام ، وإن كانت اُم كلثوم أصغر من زينب ، إلاّ أنّ التأريخ يحدّثنا عن مواقف بطويلة وقفتها اُم كلثوم شأنها شأن اُختها العقيلة ، فبالإضافة إلى خطبتها المشهورة سجّل لنا التأريخ اسمها في وقائع متعدّدة :
1) روى السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب اللهوف وداع الحسين عليه السلام للعائلة ، قال : وجعلت اُم كلثوم تنادي : واأحمدها ، واعلياه ، وا اُماه ، واأخاه ، واحسيناه ، واضيعتنا بعدك يا أباعبدالله ، فعزّاها الحسين عليه السلام وقال لها :
« يا اُختاه تعزّي بعزاء الله ، فإنّ سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض
1 ـ إشارة لقوله تعالى : ( وإنْ تظاهرا عليه فإنَّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) .
2 ـ شرح نهج البلاغة 14 : 14 .
كلّهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون » .
ثم قال : « يا اُختاه يا اُم كلثوم ، وأنتِ يا زينب ، وأنتِ يا فاطمة ، وأنتِ يا رباب ، انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً ، ولا تقلنْ هجراً » (1) .
2) روى الشيخ التستري رحمه الله استغاثات الحسين عليه السلام ، وعزم الإمام زين العابدين عليه السلام على الجهاد ، فقال : فأخذ بيده عصاً يتوكأ عليها ، وسيفاً يجره في الأرض ، فخرج من الخيام ، وخرجت اُم كلثوم خلفه تنادي : يا بُني ارجع ، وهو يقول : « يا عمتاه ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله » .
فقال الحسين عليه السلام :
« يا اُم كلثوم خُذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم » ، فأرجعته اُم كلثوم (2) .
3) جاء في وداع الحسين عليه السلام للعائلة : إنّه عليه السلام أقبل على اُم كلثوم وقال لها :
« اُوصيك يا اُخيّة بنفسك خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء » (3) .
4) وبعد مصرع الحسين عليه السلام أقبل فرسه إلى الخيام ، ووضعت اُم كلثوم يدها على اُم رأسها ونادت : وامحمداه ، واجداه ، واأبتاه ، واأباالقاسماه ، واعلياه ، واجعفراه ، واحمزتاه ، واحسناه ، هذا حسين بالعراء صريع بكربلا ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، ثم غشي عليها (4) » .
5) وعند دخول السبايا مدينة الكوفة بتلك الحالة المزرية التي يحدّثنا بها التأريخ ، كانت اُم كلثوم تنظر إلى ذلك وقد اشتد بها الوجد ، وأمضَّ بها المصاب ، وزاد في وجدها أن ترى أهل
1 ـ اللهوف : 32 .
2 ـ الخصائص الحسينية : 187 .
3 ـ نفس المهموم : 184 .
4 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 37 .
الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم :
يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض (1) .
6) وعند رجوعهم إلى المدينة ، وبمجرد أن تلوح جدران المدينة لاُم كلثوم ، تتفجر باكية وهي تقول :
خطبتها :
لا شكّ ولا ريب أنّ الدور التبليغي الذي قُمْنَ به بنات الرسالة بعد مصرع الحسين عليه السلام ، كان له أكبر الأثر في توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الاُمور ، وبأنّهم آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لا خوارج كما يدّعي يزيد ، ومن اللواتي قُمْنَ بهذا الدور البطولي هي اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب .
قال السيّد ابن طاووس : خطبت اُم كلثوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّاً لكم وسحقاً .
ويلكم ، أتدرون أي دواهٍ دَهتكم ، وأي وزرٍ على ظهوركم حملتم ، وأي دماءٍ سفكتموها ، وأي كريمةٍ أصبتموها ، وأي صِبيةٍ سلبتموها ، وأي أموالٍ انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا أنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون .
ثم قالت :
1 ـ نفس المهموم : 213 .
2 ـ المنتخب للطريحي : 499 .
قال الراوي : فضجّ الناس بالبكاء والنوح ، ونشرت النساء شعورهنّ ، ووضعْنَ التراب على رؤسهنّ ، وخَمشْنَ وجوههنّ ، وضربْنَ خدودهنّ ، وعدوْنَ بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم ، فلم يُرَ باك ولا باكية أكثر من ذلك اليوم (1) .
شعرها :
قالت اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليه عندما رجعت إلى المدينة المنورة :
1 ـ اللهوف : 66 .
وأنشدت في خطبتها عدة أبي ات أولها :
96 اُم كلثوم الوسطى
بنت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وزوجة مسلم بن عقيل بن أبي طالب .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : في عمدة الطالب : محمّد بن عبدالله بن محمّد ابن عقيل بن أبي طالب ، اُمّه حميدة بنت مسلم بن عقيل ، اُمّها اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (3) .
فهذا يدلّ على أنّ مسلماً كان متزوجاً باُم كلثوم بنت عمّه علي بن أبي طالب ، وولد له منها بنت اسمها حميدة ، وحميدة هذه تزوّجها ابن عمها عبدالله بن محمّد بن عقيل ، وولدت له محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عقيل .
و اُم كلثوم هذه ـ التي هي زوجة مسلم بن عقيل ـ غير اُم كلثوم الصغرى التي كانت متزوّجة بأحد أعقابه ، فلا يمكن أن تكون زوجته ، وغير اُم كلثوم الكبرى أيضاً ؛ لأنّه لم يقل أحد أنّها كانت متزوّجة بمسلم .
1 ـ نسبَ الطريحي في منتخبه : 499 هذه القصيدة لاُم كلثوم ، ونقلها عنه الحاج علي دخيّل في كتابه « اُم كلثوم بنت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام » : 42 ـ والظاهر أن البيتين الأوّلين لها فقط ، كما نقلته أكثر المصادر ، أما بقية القصيدة فلعلّها من نظم أحد الشعراء . ويتّضح ذلك جلّياً من خلال البيتين السادس عشر والسابع عشر ، حيث تخاطب فيهما الإمام الحسن عليه السلام بقولها : يا عم ، عماه .
2 ـ اللهوف : 66 .
3 ـ عمدة الطالب : 32 .
ثم إنّ بنات أميرالمؤمنين علي عليه السلام اللواتي اسمهن أو كنيتهن اُم كلثوم هنّ ثلاث أو أربع ؛ اُم كلثوم وهي زوجة مسلم ولعلّها الوسطى ، و اُم كلثوم الصغرى الآتية ، و اُم كلثوم الكبرى زوجة عمر بن الخطاب ـ على قول ـ التي تزوّجها بعده عون بن جعفر ، ثم أخوه محمّد ، ثم أخوهما عبدالله بن جعفر ، والتي تقدّمت ترجمتها .
وهناك زينب الصغرى المكنّاة باُم كلثوم ، المنسوب إليها القبر الذي في قرية راوية شرقي دمشق ، كما نذكره في ترجمتها . فيمكن أن تكون هي زينب الصغرى ، وتكون هي و اُم كلثوم الصغرى واحدة ، ويكون المكنّيات باُم كلثوم ثلاثاً ، ويمكن أن تكون غيرها فيكُنَّ أربعاً : زينب الكبرى ، وزينب الصغرى المكناة باُم كلثوم ، و اُم كلثوم الكبرى ، و اُم كلثوم الصغرى ، والأخيرة اسمها كنيتها ، و اُم كلثوم زوجة مسلم بن عقيل ، والله أعلم .
ثم إنّ اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام التي كانت مع أخيها الحسين عليه السلام بكربلاء لا يُدرى أيّهن هي ، فيمكن أن تكون هي زوجة مسلم بن عقيل ، فتكون خرجت مع أخيها الحسين عليه السلام كما خرجت معه اُخته زينب ، وزوجها عبدالله بن جعفر حيّ بالمدينة ، فخرجت معه هي وولداها عون وجعفر . وقد خرج زوجها مسلم إلى الكوفة وخرج أولاده مع الحسين عليه السلام .
ويمكن أن يكون فيهم مَن هو من أولادها ، فهي أحقّ بالخروج مع أخيها الحسين عليه السلام من كلّ امرأة .
ويمكن أن تكون هي الصغرى ، ويمكن أن تكون هي الكبرى جاءت مع أخيها مع وجود زوجها .
وقد خطبت اُم كلثوم هذه ـ التي حضرت في كربلاء ـ خطبة بليغة ، مذكورة في كُتب السِير والتأريخ ، ونحن ذكرناها بكاملها في ترجمة اُم كلثوم الكبرى .
ومن أخبار اُم كلثوم : أنّ الحسين عليه السلام لما أوصى النساء يوم عاشوراء بدأ باُم كلثوم فقال : « يا اُختاه يا اُم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا فاطمة ، وأنت يا رباب انظرن إذا أنا قتلت فلا تشقّن عليّ جيباً ولا تخمشنّ عليّ وجهاً ، ولا تقلن هجراً » .
ولما جلس الحسين عليه السلام يوم الطف وجون مولى أبي ذر يصلح سيفه ، والحسين يقول : « يا
دهرُ اُفّ لك من خليل . . . . . » جعلت اُكلثوم تنادي : وامحمداه ، واعلياه ، وا اُماه ، واأخاه ، واحسيناه ، واضيعتاه بعدك يا أباعبدالله ، فعزّاها الحسين عليه السلام وقال لها : « يا اُختاه تعزّي بعزاء الله فإنّ سكان السموات يفنون ، وأهل الأرض كلّهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون » .
وروي أنّه لما قرب الذين معهم السبايا والرؤوس من دمشق دنت اُم كلثوم من شمر وكان في جملتهم فقالت له : لي إليك حاجة .
فقال : وما هي حاجتك .
قالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة ، وتقول لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها .
فلم يلتفت إلى كلامها ، وجعل الرؤوس على الرماح في أواسط المحامل بغياً منه وكفراً ، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى انتهى بهم إلى باب دمشق ، فوقفوا على درج باب الجامع حيث يقام السبي .
ولها خبر أيضاً في وفاة اُمها الزهراء عليها السلام ، فقد روي أنّ الزهراء عليها السلام لمّا توفّيت خرجت اُم كلثوم وعليها برقعها تجر ذيلها متجلّلة برداء وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، الآن فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً .
وانّ الإمام علي عليه السلام لما غسّل الزهراءسلام الله عليها لم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب و اُم كلثوم وفضة جاريتها ، وأسماء بنت عميس .
وقد حضرت وفاة أبي ها أميرالمؤمنين علي عليه السلام ، فلمّا ضربه ابن ملجم ، حملوه وأدخلوه داره ، فقعدت لبابة عند رأسه ، و اُم كلثوم عند رجليه ، ففتحَ عينيه فنظر إليهما فقال : « الرفيق الأعلى خير مستقراً وأحسن مقيلاً » .
ونادت اُم كلثوم عبدالرحمن بن ملجم : يا عدو الله قتلت أميرالمؤمنين ؟ !
قال : إنّما قتلت أباك .
قالت : يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس .
قال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ ، والله لقد ضربته ضربة لو قُسّمت بين أهل الأرض
لأهلكتهم (1) .
97 اُم كلثوم الصغرى
بنت أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : اُم كلثوم الصغرى زوجة عبدالله الأصغر بن عقيل .
وعقيل هذا إن اُريد به عقيل بن أبي طالب ، فليس له ولد يسمّى عبدالله ، بل له مسلم قتيل الكوفة منقرض ، ومحمّد بن عقيل ، قاله في عمدة الطالب .
وإن اُريد به عقيل بن محمّد بن عبدالله الأكبر ابن محمّد بن عقيل بن أبي طالب ، فإبنه عبدالله الأصغر بينه وبين عقيل بن أبي طالب خمسة آباء ، فكيف يتزوّج باُم كلثوم التي ليست بينها وبين علي أخي عقيل أحد ، فلذلك ظننتُ أنّ الصواب زوجة عبدالله الأكبر بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب (2) .
وقد مرّ الكلام سابقاً أنّ لعلي بن أبي طالب ثلاث بنات بهذه الكنية : اُم كلثوم الكبرى زوجة عمر ، و اُم كلثوم الوسطى زوجة مسلم بن عقيل ، و اُم كلثوم الصغرى التي كانت متزوّجة بأحد أعقاب عقيل .
98 اُم كلثوم العمري
اُم كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العُمري .
كان أبوها أحد السفراء الأربعة في الغَيبة الصغرى ، وهي جدّة أبي نصر هبة الله محمّد الكاتب اُم اُمّه .
كانت فاضلة ، جليلة ، راوية للحديث .
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 484 .
2 ـ أعيان الشيعة 3 : 485 .
روت عن أبيها أبي جعفر ، وروت عنها ابنتها اُم أبي نصر ـ والتي تقدّمت ترجمتها ـ وروى أبونصر المذكور عن اُمّه عن جدّته اُم كلثوم ، وأورد الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغَيبة كثيراً من الأخبار عنها ، نذكر بعضها :
قال : وبهذا الإسناد عن أبي نصر هبة الله بن محمّد ابن بنت اُم كلثوم بنت أبي جعفر العُمري قال : حدّثني جماعة من بني نوبخت منهم : أبوالحسن بن كثير النوبختي رحمه الله ، وحدّثتني به اُم كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان العُمري رضي الله عنه : أنّه حُمل إلى أبي رضي الله عنه في وقت من الأوقات ما ينفذه إلى صاحب الأمر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ من قم ونواحيها ، فلمّا وصل الرسول إلى بغداد ودخل على أبي جعفر وأوصل إليه ما دفع إليه وودّعه وجاء لينصرف ، قال له أبوجعفر : قد بقي شيء مما استودعته فأين هو ؟
فقال له الرجل : لم يبق شيء يا سيّدي في يدي إلاّ وقد سلمته .
فقال له أبوجعفر : بلى قد بقي شيء ، فارجع إلى ما معك وفتشه وتذكّر ما دفع إليك .
فمضى الرجل فبقى أياماً يتذكّر ويبحث ويفكّر فلم يذكر شيئاً ، ولا أخبره مَن كان في جملته ، فرجع إلى أبي جعفر فقال له : لم يبق شيء في يدي مما سُلّم إليّ وقد حملته إلى حضرتك .
فقال له أبوجعفر : فإنّه يقال لك : الثوبات السردانيان اللذان دفعمها إليك فلان بن فلان ما فعلا ؟
فقال له الرجل : إي والله يا سيّدي لقد نسيتهما حتى ذهبا عن قلبي ، ولست أدري الآن أين وضعتهما ، فمضى الرجل فلم يبق شيء معه إلاّ فتّشه وحلّه وسأل مَن حمل إليه شيئاً من المتاع أن يُفتش ذلك ، فلم يقف لهما على خبر ، فرجع إلى أبي جعفر فأخبره .
فقال له أبوجعفر : يقال لك : امضِ إلى فلان بن فلان القطّان ، الذي حملت إليه عدلين القطن في دار القطن فافتق أحدهما ، وهو الذي عليه مكتوب كذا وكذا فإنّهما في جانبه .
فتحيّر الرجل ممّا أخبره به أبوجعفر ، ومضى لوجهه فأخذهما وجاء بهما إلى أبي جعفر فسلّمهما إليه وقال له : لقد نسيتهما ؛ لأنّي لما شددت المتاع بقيا فجعلتهما في جانب العدل ليكون
ذلك أحفظ لهما .
وتحدّث الرجل بما رآه ، وأخبر به أبوجعفر عن عجيب الأمر الذي لا يقف عليه إلاّ نبي أو إمام من قبل الله الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور ، ولم يكن هذا الرجل يعرف أباجعفر وإنّما أنفذ على يده كما ينفذ التجّار إلى أصحابهم على يد مَن يثقون به ، ولا كان معه تذكرة سلمها إلى أبي جعفر ولا كتاب ؛ لأنّ الأمر كان حادّاً جداً في زمن المعتضد ، والسيف يقطر دماً كما يقال . وكان سرّاً بين الخاصّ من أهل هذا الشأن ، وكان ما يحمل به إلى أبي جعفر لا يقف ما يحمله على خبره ولا حاله ، وإنّما يقال : امضِ إلى موضع كذا وكذا فسلّم ما معك من غير أن يشعر بشيء ، ولا يدفع إليه كتاب لئلا يقف على ما يحمله منه (1) .
وقال أيضاً : قال أبوالعباس ، وأخبرني هبة الله بن محمّد ابن بنت اُم كلثوم بنت أبي جعفر العُمري رضي الله عنه ، عن شيوخه : لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمّد بن عثمان » إلى أن توفّي أبوعمرو عثمان بن سعيد رحمه الله ، وغسّله ابنه أبوجعفر محمّد بن عثمان وتولّى القيام به ، وجعل الأمر كلّه مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، كما تقدّم له من النصّ عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام ، وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة من المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، ولا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ، ولا يرجع إلى أحد سواه ، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام ظهرت على يده ، و اُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة ، وهي مشهورة عند الشيعة (2) .
وقال أيضاً : قال ابن نوح : أخبرني أبونصر هبة الله ابن بنت اُم كلثوم بنت أبي جعفر قال : كان لأبي جعفر العمري محمّد بن عثمان العمري كتب مصنّفه في الفقه ممّا سمعه من أبي محمّد الحسن عليه السلام ومن الصاحب عليه السلام ، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمّد وعن أبيه علي بن
1 ـ الغَيبة : 178 ، أعيان الشيعة 3 : 487 .
2 ـ الغَيبة : 220 .
محمّد عليهما السلام في كتب ترجمتها كتب الأشربة ، ذكرت الكبيرة اُم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه أنّها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده ، قال أبونصر : وأظنّها قالت : وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمّري رضي الله عنه وأرضاه (1) .
وقال أيضاً : قال ابن نوح : أخبرني أبونصر هبة الله بن محمّد ، قال : حدّثني علي بن أبي جيد القمي رحمه الله ، قال : حدّثنا أبوالحسن علي بن أحمد الدلاّل القمي ، قال : دخلتُ على أبي جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لاُسلّم عليه فوجدت ساجة ونقّاش ينقش عليها ، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، فقلت له : يا سيّدي ما هذه الساجة ؟
فقال لي : هذه لقبري تكون فيه اُوضع عليها ، أو قال : اُسند إليها ، وقد عرفت حينه ، وأنا في كلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن فيه فأصعد ، وأظنّه قال : فأخذ بيدي وأرانيه ، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عزّ وجلّ ودفنت فيه وهذه الساجة معي .
فلمّا خرجت من عنده أثبتُ ما ذكره ، ولم أزل مترقّباً به ذلك ، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبوجعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه .
قال أبونصر هبة الله : وقد سمعت هذا الحديث من غير علي ، وحدثتني به أيضاً اُم كلثوم بنت أبي جعفررضي الله تعالى عنهما (2) .
وقال أيضاً : عن هبة الله بن محمّد ابن بنت اُم كلثوم بنت أبي جعفر العُمري قال : حدّثتني اُم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه قالت : كان أبوالقاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلاً لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ويلقى بأسراره الرؤساء الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنّه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه ، لقربه منه واُنسه .
قالت : وكان يدفع إليه في كلّ شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له ، غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم ؛ لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم ،
1 ـ الغَيبة : 221 .
2 ـ الغَيبة : 223 .
فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً ؛ لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه ، وما كان يحتمله من هذا الأمر ، فمهّدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنصّ عليه ، فلم يختلف في أمره ولم يشكّ فيه أحد إلاّ جاهل بأمر أبي أوّلاً ، مع ما لست أعلم أنّ أحداً من الشيعة شكّ فيه ، وقد سمعتُ هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن زكريا وغيره (1) .
99 اُم كلثوم الروغنيّة القزوينيّة
اُم كلثوم بنت الشيخ كريم الروغني القرويني .
عالمة ، فاضلة ، فقيهية ، مُحدّثة ، من ربّات التُقى والصلاح .
ولدت حدود سنة 1243هـ في مدينة كربلاء المقدّسة ، وتوفّيت حدود سنة 1320هـ .
أخذت العلم على جملة من العلماء في القسم النسائي من المدرسة الصالحيّة بقزوين ، وحَضَرَتْ الفقه والاُصول على الشيخ محمّد صالح البرغاني ، وشقيقه الشهيد الثالث الشيخ محمّدتقي المستشهد عام 1263هـ ، و أبيها الشيخ كريم الروغني .
هاجرت إلى مدينة كربلاء المقدسة ، ثم إلى مدينة النجف الأشرف ، وحَضَرَتْ فيهما على أكابر علمائها ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الشيخ ابراهيم بن إسحاق الزنجاني ، فرُزقت منه أربعة أولاد ، كلّهم من أهل العلم والفضل وهم : الشيخ يوسف ، والشيخ إسحاق ، والشيخ مصطفى ، والشيخ عبدالكريم (2) .
100 اُم كلثوم بنت النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن سعد في الطبقات : اُم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُمها خديجة بنت خويلد بن
1 ـ الغَيبة : 227 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 43 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، تأريخ زنجان : 358 ، دائرة المعارف تشيّع 2 : 508 .
أسد بن عبدالعزى بن قصي .
تزوّجها عتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب قبل النبوة ، فلمّا بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل الله : ﴿ تَبَّت يَدا أبي لهب ﴾ (1) قال له أبوه أبولهب : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلّق ابنته ، ففارقها ولم يكن دخل بها (2) ، فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسلمت حين أسلمت اُمّها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أخواتها حين بايعه النساء ، وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخرجت مع عيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، فلم تزل بها .
فلما توفّيت رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلّف عثمان بن عفان على اُم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بكراً ، وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة ، واُدخلت عليه في هذه السنة من جمادى الآخرة ، فلم تزل عنده إلى أن ماتت ، ولم تلد له شيئاً ، وماتت في شعبان سنة 9 من الهجرة .
وروى ابن سعد أيضاً : أنّه نزل في حفرتها أبوطلحة ، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال : « فيكم أحد لم يقارب الليلة » ، فقال أبوطلحة : أنا يا رسول الله ، قال : « انزل » .
وروى أيضاً : أنّه نزل في حفرتها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، والفضل بن عباس ، واُسامة (3) .
وقال السيّد محسن الأمين في الأعيان : ولم ينزل بعلها في حفرتها مع أنّه أولى بدفنها من الأجانب ؛ لأنّه كان قد قارب في تلك الليلة ، كما ورد في روايات من أهل السنّة ، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « فيكم أحد لم يقارب الليلة » إيماء إلى مضمونها ، وفي شرحها تأويلات وتفصيلات لهم ، وذكر جميع ما ورد في ذلك لا تسمح به الأحوال (4) .
ثم انّ الروايات من الفريقين متّفقة على أنّ عثمان تزوّج اُم كلثوم بعد رقيّة ، إلاّ أن الموجود
1 ـ المسد : 1 .
2 ـ وقد مرّ في ترجمة اُم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ الذي فرّق بينهما هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
3 ـ الطبقات الكبرى 8 : 37 .
4 ـ أعيان الشيعة 3 : 486 .
في تكملة الرجال نقلاً عن قرب الإسناد عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : حدّثني جعفر بن محمّد عن أبيه قال : ولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة : القاسم ، والطاهر ، و اُم كلثوم ، ورقيّة ، وفاطمة ، وزينب . فتزوّج علياً فاطمة ، وتزوّج أبوالعاص بن الربيع ـ وهو من بني اُميّة ـ زينب ، وتزوّج عثمان بن عفان اُم كلثوم ولم يدخل بها حتى هلكت وزوّجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانها رقية ، ثم ولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اُم ابراهيم ، وهي مارية القبطية أهداها إليه صاحب الاسكندرية مع البغلة الشهباء وأشياء معها (1) .
وفي بعض أدعية شهر رمضان عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم : اللهمّ صلِّ على رقيّه و اُم كلثوم بنتي نبيّك . . . . . (2) .
وفي بعض المصادر أنّ التي تزوّجها عتبة بن أبي لهب هي رقية بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليست اُم كلثوم ، وسيأتي تفصيل ذلك وما ورد عليه من اشكالات في ترجمة رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
101 اُم كلثوم الصدرائيّة
اُم كلثوم بنت الفيلسوف الشهير صدر المتألّهين محمّد بن ابراهيم بن يحيى المعروف بملاّصدرا المتوفّى سنة 1050هـ ، وزوجة العلاّمة الفيلسوف المتألّه المولى عبدالرزّاق بن عليّ اللاّهيجي القمي المشتهر بالفيّاض المتوفى سنة 1051هـ ، و اُم العلاّمة الزاهد الحاج الميرزا حسن المعروف بالكاشفي المتوفى سنة 1121هـ .
ولدت في ليلة الأحد الثامن عشر من شهر رمضان سنة 1019 ، وتوفّيت حدود سنة 1090هـ .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، أديبة ، زاهدة . أخذت العلم والفلسفة على أبيها ، وقرأت الكثير على زوجها ، حتى برعت في كثير من العلوم الإسلاميّة . ويحكى عنها أنّها كانت تجالس
1 ـ تكملة الرجال 2 : 733 ، قرب الإسناد : 6 .
2 ـ أعيان الشيعة 3 : 486 .
العلماء ، وتتباحث معهم بفصاحة كاملة وبلاغة بارعة .
ذكرها وأثنى عليها كثيراً العلاّمة الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي رضوان الله تعالى عليه في مقدّمة كتاب معادن الحكمة (1) .
102 اُم كلثوم القزوينيّة
اُم كلثوم بنت الشهيد السعيد الشيخ محمّد تقي القزويني البرغاني المستشهد عام 1263هـ .
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعلوم الإسلامية .
ولدت حدود سنة 1224هـ ، وتزوّجت من ابن عمّها الشيخ عبدالوهاب القزويني حدود سنة 1239هـ ، وتوفّيت بعد سنة 1268هـ .
قرأت المقدّمات والعلوم العربيّة والأدب على عمّة والدها العالمة الفاضلة ماه شرف ، ثم أخذت الفقه والاُصول عن والدها وعمّها الشيخ محمّد صالح البرغاني ، وحَضَرَتْ في الحكمة والفلسفة على الشيخ الملا الحكميّ القزويني .
قامت ولفترة طويلة بتدريس النساء العلوم الإسلامية العالية في قزوين وطهران وكربلاء ، وأوقفت مكتبتها سنة 1268هـ على كافة طلاّب العلوم الدينيّة ، وجعلت التولية بيد زوجها ، ثم بعد وفاته بيد شقيق زوجها الشيخ حسن .
من مؤلّفاتها : تفسير سورة الفاتحة (2) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 43 نقلاً عن الأستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 151 ـ 16 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 2 : 68 نقلاً عن الأستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة دائرة المعارف تشيّع 2 : 508 .
103 اُم لقمان العقيليّة
اُم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : لمّا جاء نعي الحسين عليه السلام إلى المدينة ، خرجت اُم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام ، حاسرة ومعها أخواتها : اُم هاني ، وأسماء ، ورملة ، وزينب بنات عقيل بن أبي طالب ـ والظاهر أنّ رملة كانت أكبرهنّ ـ تبكي قتلاها بالطف وهي تقول :
وقال الصادق عليه السلام :
« ما اكتحلت هاشمية ، ولا اختضبت ، ولا رُئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قُتل عبيدالله بن زياد » .
وقالت فاطمة بنت أميرالمؤمنين عليه السلام : ما تحنّأت اُمرأة منّا ، ولا أجالت في عينها مِرْوداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيدالله بن زياد (1) .
وقد نسبت هذه الأبيات الشعريّة أو مشابهة لها لأسماء ولزينب و اُم لقمان بنات عقيل بن أبي طالب ، وقد ذكرنا ذلك في محلّه (2) .
104 اُم مبشر الأنصاريّة
اُم مبشر بنت البرّاء بن معرور ، امرأة زيد بن حارثة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . كانت من
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 36 .
2 ـ انظر : الكامل في التأريخ 4 : 88 ، تأريخ الطبري 5 : 466 ، البداية والنهاية 8 : 198 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 116 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيّد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .
كبار الصحابة . عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن مندة وأبونعيم .
روى عنها جابر بن عبدالله الأنصاري عدّة أحاديث ، وقال المامقاني في تنقيح المقال : وفي رواية جابر عنها نوع وثوق بها (1) .
105 اُم محمّد رضا الخالصي
أديبة ، صالحة ، زاهدة .
تخرّج بها ولدها محمّد رضا المتوفّى سنة 1370هـ (2) .
106 اُم محمّد بنت محمّد بن جعفر
راوية من راويات الحديث ، روت عن أسماء بنت عميس ، وروى عنها عمارة بن مهاجر .
ذكرها الصدوق في المشيخة في طريقه إلى أسماء بنت عميس .
واُختها اُم جعفر أيضاًمثلها راوية من راويات الحديث ، وقد مرّ ذكرها (3) .
107 اُم مسطح القرشيّة
اُم مسطح بنت أبي رهم أنيس بن عبدالمطلب بن عبدمناف القرشية المطلبيّة .
أنيس : في اُسد الغابة والإصابة بفتح الهمزة وكسر النون .
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : اُم مسطح بنت أبي رهم بن عبدالمطلب بن مناف بن
1 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 34 ، نقد الرجال : 412 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، جامع الرواة 2 : 456 ، أعيان الشيعة 3 : 487 ، رياحين الشريعة 3 : 466 ، معجم رجال الحديث 23 : 180 .
2 ـ أعلام النساء 5 : 28 عن حسين علي محفوظ .
3 ـ انظر : من لا يحضره الفقيه ( المشيخة ) 4 : 28 ، تكملة الرجال 2 : 702 ، تنقيح القمال 3 : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، رياحين الشريعة 3 : 371 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 .
قصي ، و اُمّها ريطة بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة .
تزوّجها أثاثة بن عباد بن المطلب بن مناف ، فولدت له مسطحاً ـ من أهل بدر ـ وهند .
وأسلمت اُم مسطح فحسن اسلامها ، وكانت من أشدّ الناس على مسطح حيث تكلّم مع أهل الافك (1) .
وقال ابن الأثير في اُسد الغابة : هي ابنة خالة أبي بكر ، اُمها بنت صخر بن عامر ، يقال : اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة ، لها ذِكرٌ في حديث الافك (2) .
وقال ابن حجر في الاصابة : اُم مسطح القرشية التيميّة ، ويقال : المطلبيّة ، هي بنت أبي رهم أنيس بن المطلب بن عبدمناف ، ويقال : بنت صخر بن عامر بن كعب بن تميم بن مرّة . هكذا حكى أبوموسى وهو غلط ، فإنّ هذا نسب سلمى اُم الخير والدة أبي بكر ، هي بنت صخر . . . . . .
ثبت ذكرها في الصحيحين في قصة الأفك حيث خرجت مع عائشة لقضاء الحاجة فعثرت ، فقالت : تعس مسطح .
فقالت عائشة : أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟ !
فقالت : أولم تعلمي ما قال ، فذكرت قصة الأفك ، وكان مسطح ممن تكلّم في ذلك (3) .
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، عن أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب السقيفة : أخبرنا أبوزيد ، حدّثنا محمّد بن يحيى ، حدّثنا غسان بن عبدالحميد ، قال : لمّا تخلّف علي عن البيعة واشتد أبوبكر وعمر في ذلك ، خرجت اُم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونادته يا رسول الله :
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 228 .
2 ـ اُسد الغابة 5 : 618 .
3 ـ الإصابة 4 : 496 رقم 1497 .
والمعروف أنّ هذين البيتين للزهراء سلام الله عليها .
108 اُم مسلم بن عبدالله
شاعرة عربيّة موالية لأميرالمؤمنين الإمام علي عليه السلام ، حضرت معه يوم الجمل .
روى الطبري في تأريخه عن عمر بن شبة ، قال : حدّثنا أبوالحسن ، قال : حدّثنا بشر بن عاصم ، عن الحجّاج بن أرطأة ، عن عمّار بن معاوية الدهني ، قال : أخذ عليّ مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : « مَن يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلىما فيه وهو مقتول » ؟
فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبي ض محشو ، فقال : أنا ، فأعرض عنه . ثم كرر كلامه سلام الله عليه ثانياً وثالثاً ، فكان الفتى يقوم له قائلاً : أنا ، فدفعه إليه ، فدعاهم ، فقطعوا يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى فدعاهم ، فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه ، فقتل رضي الله عنه .
فقال عليّ : « الآن حلّ قتالهم » .
فقالت اُم الفتى في ذلك فيما ترثي :
فقد خُضِبَتْ منه عَلق لحاهم (2)
وفي موضع آخر قال الطبري أيضاً : كتبَ إليّ السريّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن مخلّد بن كثير ، عن أبيه ، قال : أرسلنا مسلم بن عبدالله يدعو بني أبينا فرشقوه ـ كما صنع القلب بكعب ـ رشقاً واحداً فقتلوه ، فكان أوّل مَن قُتل بين يدي عائشة .
1 ـ شرح نهج البلاغة 6 : 43 ، أعيان الشيعة 3 : 487 .
2 ـ تأريخ الطبري : 4 : 511 .
فقالت اُم مسلم ترثيه :
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : إنّ التي رثته هي اُم ذريح العبدية ـ وقد مرّ ذكرها سابقاً ـ قائلة :
تأمرهم بالغَيّ لا تنهاهم (2)
ويمكن أن يكون كل من اُمّه و اُم ذريح قد رثته ، والله العالم (3) .
109 اُم معبد الخزاعيّة
هي عاتكة بنت خالد بن خُليف بن ربيعة بن أصرم الخزاعيّة .
زوجها ابن عمّها تميم بن عبدالعزى بن منقذ بن ربيعة بن أصرم .
كانت فصيحة اللسان ، مليحة البيان ، قويّة الجنان ، مُرحّبة بالضيف ، تهب ما كان عندها من الطعام للضيوف . كان منزلها بـ « قُدَيْد » ـ بين مكة والمدينة ـ ، وهي التي نزل عندها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما هاجر إلى المدينة المنوّرة .
روى ابن سعد في الطبقات عن محمّد بن عمر : حدّثني ابراهيم بن نافع ، عن ابن أبي نجيع ، عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر ، قال : وحدّثني حزام بن هاشم ، عن أبيه وغيره ، قالوا :
1 ـ تأريخ الطبري 4 : 529 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 9 : 112 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 477 .
ما شعرت قريش أين وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج من الغار في آخر ليلة الاثنين في السحر ـ وقال يوم الثلاثاء ـ بقُدَيْد ، فسمعوا صوتاً من أسفل مكة يتبعه العبيد والصبيان والنساء حتى انتهى إلى أعلى مكة ولا يرى شخصه :
وقال : أخبرنا محمّد بن عمر ، عن حزام بن هاشم ، عن أبيه ، عن اُم معبد ، قالت : طلع علينا أربعة على راحلتين فنزلوا بي ، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة اُريد ذبحها ، فإذا هي ذات در ، فأدنيتها منه فلمس ضرعها فقال : « لا تذبحيها » فأرسلتها .
قالت : وجئت باُخرى فذبحتها ، فطبخت لهم فأكل هو وأصحابه .
قلتُ : ومن معه ؟
قالت : ابن أبي قحافة ، ومولى ابن أبي قحافة ، وابن اُريقط وهو على شركه .
قالت : فتغدّى رسول الله منها وأصحابه وسفرتهم منها ما وَسِعَتْ سفرتهم ، وبقي عندنا لحماً كثيراً . وبقيت الشاة التي لمس رسول الله ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة زمان عمر بن الخطاب ، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة .
قالت : وكنّا نحلبها صبوحاً وغسوقاً (1) ، وما في الأرض قليل ولا كثير .
وكانت اُم معبد يومئذٍ مسلمة ، قاله محمّد بن عمر ، وقال غيره : بل قدمت بعد ذلك وأسلمت وبايعت (2) .
وروى ابن حجر في الاصابة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر وهو عامر بن فهيرة ودليلهما عبدالله بن اُريقط ، مرّوا على خيمة اُم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تسقي وتطعم بفناء الكعبة ، فسألوها لحماً وتمراً
1 ـ الغسوق : ظلمة أوّل الليل . القاموس المحيط 3 : 281 « غسق » .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 288 . وانظر : اُسد الغابة : 5 : 620 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 495 .
ليشتروه فلم يصيبوا عندها شيئاً ، وكان القوم مرملين وفي كسر الخيمة شاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا اُم معبد هل بها من لبن ؟ » .
قالت : هي أجهد من ذلك .
فقال : « أتأذنين لي أن أحلبها ؟ » .
قالت : نعم إن رأيت بها حلباً ، فمسح بيده على ضرعها وسمّى الله ودعا لها في شاتها ، فدرّت واجترت ، فدعا بإناء فحلب فيه حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت ، ثم سقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم ، ثم حلب فيه ثانياً ، ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها (1) .
ومن بلاغتها أنّه حينما قدم زوجها ورأى عندها لبن كثير سألها فأخبرته بما جرى ، فقال لها صفي لي هذا الرجل ؟
فقالت : رأيتُ رجلاً ظاهره الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثلجة ، ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره عطف ، وفي عنقه سطح ، وفي صوته صحل ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمتَ فعليه الوقار ، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق ، فصلاً لا نزر ولا هذر ، كأنّ منطقه خرزات منظم يتحدرن ، ربعة لا بائن من طول ولا تقتحمه عين من قصر ، غضّ بين غضين ، فهو أنظر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفّون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند (2) .
110 اُم المقدام الثقفيّة
رواية من راويات الحديث ، روت عن جويرية بن مسهر ، وروى عنها عبدالواحد بن المختار الأنصاري ، كما ذكره الشيخ الصدوق في المشيخة في طريقه إلى جويرية بن مسهر في
1 ـ الإصابة 4 : 497 .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 441 .
خبر ردّ الشمس بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
111 اُم موسى
سريّة الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
راوية للحديث ، روت عنه عليه السّلام ، وعن اُم سلمة .
وروى عنها مغيرة بن مقسم الضبي المتوفي سنة 136 أو غيرها .
وقال العجلي : كوفيّة تابعية .
قيل : اسمها فاختة ، وقيل : حبيبة .
وفي تهذيب التهذيب قال : أخرج حديثها البخاري والنسائي وابن ماجة القزويني في سننهما ، وقال الدارقطني : حديثها مستقيم (2) .
112 اُم نزار الملائكة
اسمها « سليمة » ، لُقّبت بـ « درّة العرب » و « وردة اليازجي » ، إلاّ أنّ كنيتها طغت على اسمها وألقابها . وقد سمّتها بنت الشاطىء في كتابها « الشاعرة العربيّة المعاصرة » بـ « سلمى » (3) .
ولدت في بغداد سنة 1908 م ، وتوفيّت في لندن سنة 1952م إثر عمليّة جراحية اُجريت لها ، ودفنت في العراق .
وهي شاعرة عراقيّة معروفة ، تُعدُّ في طليعة الشاعرات العربيات . عالجت في شعرها
1 ـ انظر : من لا يحضره الفقيه 4 : 28 ، تكملة الرجال 2 : 719 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، رياحين الشريعة 3 : 446 .
2 ـ انظر ترجمتها في أعيان الشيعة 3 : 488 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 485 ، تهذيب التهذيب 12 : 507 ، لسان الميزان 7 : 534 ، أعلام النساء 5 : 122 .
3 ـ الشاعرة العربيّة المعاصرة : 37 .
قضايا سياسيّة واجتماعية وقوميّة عديدة ، وحملت لواء الثورة على العادات البالية التي كانت سائدة آنذاك ، ووصل صوتها إلى جميع أنحاء العالم العربي . ونشرت لها الصحف والمجلاّت قصائد رائعة تعبّر عن مستواها الثقافي العالي ، وطبع ديوانها الأوّل باسم « حديقة الورود » في بيروت سنة 1867م .
وهي مع ذلك كلّه كانت محافظة على حجابها الإسلامي ، لم تختلط مع الرجال ، ممّا أثار تعجّب الكثير من الادباء آنذاك .
قالت الأديبة بنت الشاطىء : ومن العجب أن تكون أم نزار شاعرة جيلها الثائرة على الأغلال ، وهي التي لم تنطلق من قفص الحريم كما انطلقت جميلة العلايلي . . . صوت اُم نزار ينطلق من وراء الحجاب يُعلن عن الوجود الثوري للشاعرة العربيّه الحديثة (1) .
وقالت أيضاً : وفي تراث اُم نزار قصيدة عنوانها « المذياع الصامت » تعبّر عن موقفٍ مثيرٍ ، هو صمت المذياع لخلل فيه ، وكانت الشاعرة المحجّبة تتصل فيه بالعالم المسحور ، قالت :
وسجا الليل واعتكر
وتـغيّب بـالسهـر
أجهـد القلب بالفكر
1 ـ الشاعرة العربيّة المعاصرة : 42 .
وهو نايي ومزهري
ونـديمي ومخبري
بـأمانيّ مـعشري
فأنـا بيـن وحدتـي
وسكونـي ولهفتـي
رهن شجوٍ وحيرةٍ (1)
ومن شعرها ما خاطبت به قلبها الطموح :
1 ـ الشاعرة العربيّة المعاصرة : 43 ـ 44 .
وقالت مخاطبة النساء :
وقالت أثناء توجّه الجيوش العربيّة إلى فلسطين سنة 1948 م :
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 43 ـ 44 .
113 اُم هاني
رواية من روايات الحديث ، من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام ، روت عنه عليه السلام ، وروى عنها محمّد بن اسحاق واُسيد بن ثعلبة (1) .
روى ثقة الإسلام الكليني عن علي بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن وهب بن شاذان ، عن الحسن بن أبي الربيع ، عن محمّد بن إسحاق ، عن اُم هاني ، قالت :
سألتُ أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام عن قول الله تعالى : ﴿ فلا اُقسم بالخُنَّس الجوار الكُنّس ﴾ (2) ، فقال : « إمام يخنس سنة ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركتِ زمانه قرّت عينيك » (3) .
وروى أيضاً عن عدّة من أصحابنا ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمر بن يزيد ، عن الحسن بن الربيع الهمداني قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق ، عن اُسيد بن ثعلبة ، عن اُم هاني ، قالت :
لقيتُ أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام فسألته عن هذه الآية : ﴿ فلا اُقسم بالخُنَّس الجوار الكُنّس ﴾ ، قال : « الخنس : إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين ومائتين ، ثم يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل ، فإن أدركتِ ذلك قرّت عينك » (4) .
1 ـ انظر : جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، رياحين الشريعة 3 : 453 ، معجم رجال الحديث 23 : 181 .
2 ـ التكوير : 15 .
3 ـ الكافي 1 : 276 حديث 22 باب في الغَيبة .
4 ـ الكافي 1 : 276 حديث 23 باب في الغَيبة .
114 اُم هاني بيكي
اُم هاني بنت الحاج عبدالرحيم خان بيگلر بيكى يزد .
فاضلة ، أديبة ، لها ديوان شعر ، ذكره الطهراني في الذريعة ، وقال : ما تزوّجت إلاّ أخيراً ، وماتت بلا عقب ، نقل في ( نش يز ص 275 ) عن أحفاد أخيها : أنّ أشعارها توجد في ظهر كتب وقفتها ، وأورد غزلاً لها على طريق « يك ودو » (1) .
115 اُم هشام الأنصاريّة
اُم هشام بنت حارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجّار ، تزوّجها عمارة بن سعد بن قيس ، هكذا ذكر نسبها ابن سعد في الطبقات .
وهي صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبد البر وأبو نعيم وابن مندة وابن الأثير .
روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها حبيب بن عبدالرحمان بن يساف ، ويحيى بن عبدالله .
أسلمت قديماً ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعة الرضوان .
روى ابن سعد بسنده عنها أنّها قالت : لقد مكثنا سنة أو سنة وبعض سنة وأنّ تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحد ، وما أخذتُ ﴿ ق والقرآن المجيد ﴾ (2) إلاّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأها على الناس في كلّ جمعة إذا خطبهم (3) .
1 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9 | 1 : 96 رقم 587 .
2 ـ ق : 1 .
3 ـ انظر : رجال الشيخ الطوسي : 34 ، نقد الرجال : 412 ، مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال 7 : 400 ، جامع الرواة 2 : 456 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، الطبقات الكبرى 8 : 442 ، اُسد الغابة 5 : 623 .
116 اُم الهيثم النخعيّة
اُم الهيثم بنت الأسود ، ويقال : بنت العريان النخعيّة .
شاعرة ، تابعية من أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
ولم نجد من ذكرها بإسم غير اُم الهيثم ، ولعلّ اسمها كنيتها ، أو اشتهرت بالكنية ، وقد اختلفت كلماتهم في اسم أبيها :
فالشيخ المفيد في الارشاد ، وأبو مخنف فيما حكاه عنه أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين قالا : اُم الهيثم بنت الأسود النخعية .
وابن عبدالبر في الاستيعاب ، وابن الأثير في اُسد الغابة قالا : اُم الهيثم بنت العريان النخعية .
وابن حجر في الاصابة قال : اُم الهيثم النخعية .
ولعلّها نُسبت تارة الى أبيها ، واُخرى إلى جدها .
والذي عثرنا عليه من شعرها هو قصيدة ترثي بها أمير المؤمنين علياً عليه السلام ، وقد اختلفت رواية الرواة في هذه القصيدة اختلافاً كبيراً ، ويظهر أنّه وقع خلط من المؤرّخين بين هذه القصيدة وقصيدة أبي الأسود الدؤلي ، التي هي على وزنها وقافيتها ، حتى أنّ القصيدة المنسوبة إلى اُم الهيثم نسبها بعضهم بتمامها إلى أبي الأسود الدؤلي .
والظاهر أنّه لإتحاد الوزن والقافية بين القصيدتين اُدخل شيء من قصيدة اُم الهيثم في قصيدة أبي الأسود ، وبالعكس اشتباهاً ، كما وقع نظير ذلك في ميمية الفرزدق في مدح زين العابدين عليه السلام ، وميمية اُخرى للحزين الليثي أو الكناني في مدح بعض بني اُميّة ، كما نبّه عليه في الأغاني .
وقد ذكر هذه القصيدة ابن عبدالبر في الاستيعاب ، وتعبه ابن الأثير في اُسد الغابة ، وذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين عن أبي مخنف مع بعض الاختلافات لما في الاستيعاب ، ونحن نجمع بين الروايتين ، فنذكرها أولاً برواية الاستيعاب ، ثم نذكرها برواية
أبي مخنف .
في الاستيعاب : قال أبو الأسود ، وأكثرهم يرويها لاُم الهيثم بنت العريان النخعية .
وفي اُسد الغابة : من ذلك ما قاله أبو الأسود الدؤلي ، وبعضهم يرويها لاُم الهيثم بنت العريان النخعية :
وفي مقاتل الطالبيين : قال أبو مخنف ، وقالت اُم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثي أمير المؤمنين عليه السلام :
1 ـ هكذا وردَ ، والصحيح : الصيام .
1 ـ انظر : الإرشاد : 18 ، أعيان الشيعة 3 : 487 ، رياحين الشريعة 3 : 455 ، مقاتل الطالبيين : 43 ، الأغاني 12 : 329 ، تأريخ الطبري 5 : 150 ، الفصول المهمة : 139 ، مقتل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لابن أبي دنيا المطبوع في نشرة تراثنا العدد 12 السنة الثالثة .
117 اُم الوشاء
راوية للحديث ، روت عن أخيها ، وروى عنها ابنها الوشاء ووثّقها .
قال الكشي : حدّثني محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عبدالله بن محمّد بن خالد الطيالسي ، قال : حدّثني الوشاء ، عمّن يثق به ـ يعني اُمه عن خاله ـ قال : فقال عمرو بن الياس : قال : دخلتُ أنا و أبي الياس بن عمرو على أبي بكر الحضرمي وهو يجود بنفسه ، قال : يا عمرو ليست هذه بساعة الكذب ، إشهد على جعفر بن محمّد إنّي سمعته يقول : « لا تمسّ النار مَنْ مات وهو يقول بهذا الأمر » (1) .
118 اُم وهب الكلبيّة
اُم وهب بن حبّاب الكلبي ، وقيل : اُم وهب بن عبدالله بن حبّاب الكلبي .
من ربّاب الفروسيّة والشجاعة والحميّة ، مجاهدة من المجاهدات ، حضرت أرض كربلاء يوم عاشوراء وشهدت ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصائب ومحن ، وشاركتهم في مصائبهم إذ بعثت ولدها وهب بن حبّاب الكلبي ليقاتل بين يدي سيّده ومولاه أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، وكانت تُشجّعه وتحرّضه على القتال وتقول له : لا أرضى عنك حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام .
قال السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين عليه السلام ( اللهوف في قتلى الطفوف ) : وخرج وهب بن حبّاب الكلبي فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه امرأته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا اُماه أرضيت أم لا ؟
فقالت الاُم : ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام .
وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك .
1 ـ رجال الكشي : 416 حديث 789 ، معجم رجال الحديث 23 : 180 .
فقالت له اُمه : يا بُني أعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن نبيّك تَنل شفاعة جدّه يوم القيامة .
فرجع ، فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي و اُمي ، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك .
فقال الحسين عليه السلام : « جُزيتم من أهل بيت خيراً ، إرجعي إلى النساء رحمك الله » ، فانصرفت إليهن ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه (1) .
وقال الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام : ثم خرج وهب بن عبدالله بن حبّاب الكلبي ، وكانت معه اُمه فقالت له : قم يابني وانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال : أفعل يا اُماه ولا اُقصّر إن شاء الله ، ثمّ برز وهو يقول :
ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قَتل جماعة ، فرجع إلى اُمّه وامرأته فوقف عليهما فقال : يا اُماه أرضيتِ عني ؟
فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقالت له اُمرأته : أسألك بالله أن لا تفجعني بنفسكَ .
فقالت له اُمّه : لا تسمع قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليكون غداً شفيعك عند ربّك ، فتقدّم وهو يقول :
1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف : 44 .
ولا يخفى عليك عزيزي القاريء أنّ هناك امرأة اُخرى تكنى باُم وهب ، وهي : اُم وهب بنت عبد ، واسمها قمر ، أو قمري ، زوجة عبدالله بن عمير الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء ، تأتي ترجمتها في حرف القاف .
119 أمامة القرشيّة
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف القرشية .
اُمّها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوها ابن اُخت خديجة بنت خويلد اُم المؤمنين زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُمّه هالة بنت خويلد .
تزوّج أبو العاص زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الإسلام ، حيث سألت خديجة رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوّجه بها ، لأنّه ابن اختها ، فولدت علياً ـ مات صغيراً ـ وأمامة ، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحملها في الصلاة ، فإذا ركع وسجد وضعها ، فإذا قام حملها .
في الطبقات الكبرى لابن سعد واُسد الغابة وغيرهما من المصادر : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اُهديت له هدية فيها قلادة من جزع فقال : « لأدفعنها إلى أحبّ أهلي إليّ » ، فدعا أمامة بنت زينت فأعلقها في عنقها .
وهي التي أوصت فاطمة الزهراء أميرَ المؤمنين عليه السلام أن يتزوّج بها بعد وفاتها ، وقالت : « إنّها تكون لولدي مثلي » ، فتزوّجها الإمام عليّ عليه السلام بعد وفاة الزهراء ، وكانت الزهراء خالتها ، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أربعة ليس إلى فراقهن سبيل » ، وعدّ منهن أمامة بنت أبي العاص ، وقال : « أوصت بها فاطمة » .
وقد زوّجها منه عليه السلام الزبير بن العوّام ، وكان أبوها أبو العاص قد أوصى بها إليه ، فلمّا
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .
استشهد الإمام عليّ عليه السلام قالت اُم الهيثم النخعية .
وكان الإمام عليّ عليه السلام قد أمر المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب أن يتزوّج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع زوجته بعده ؛ لأنّه خاف أن يتزوّجها معاوية ، فتزوّجها المغيرة فولدت له يحيى ، وبه كان يكنّى ، وهلكت عند المغيرة ، وقد قيل : إنّها لم تلد لعلي ولا للمغيرة كذلك ، قال الزبير : إنّها لم تلد للمغيرة بن نوفل ، قال : وليس لزينب عقب .
وروي أنّ علياً سلام الله عليه لما حضرته الوفاة قال لأمامة بنت أبي العاص :
« لا آمن أن يخطبك هذا الطاغية بعد موتي ـ يعني معاوية ـ فإن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيتُ لكِ المغيرة بن نوفل عشيراً » .
فلمّا انقضت عدّتها كتبَ معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار ، فلمّا خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل : أنّ هذا قد أرسل يخطبني فإن كان لك بنا حاجة فأقبل ، وخطبها من الحسن بن علي عليهما السلام فزوّجها منه .
وروى الكليني في الكافي في باب النكاح من الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : إن في أولاد علي بن أبي طالب محمّد بن علي الأوسط ، اُمه أمامة بنت أبي العاص ، وهذا ينافي القول بأنّها لم تلد لعلي عليه السلام .
وروى الكليني في الكافي أيضاً عن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن فاطمة بنت علي ، عن أمامة بنت أبي العاص ابن الربيع و اُمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قالت : أتاني أمير المؤمنين علي عليه السلام في شهر
1 ـ في مقاتل الطالبيين : 43 نقلاً عن أبي مخنف ورد البيتان هكذا :
رمضان فاُتي بعشاء تمر وكمأة فأكل عليه السلام ، وكان يحبّ الكمأة (1) .
120 امرأة أشرف الحدّاد
سيّدة جليلة ، من ربّات العبادة والورع والزهد ، ومن فواضل نساء عصرها ، صاحبة إيمان واعتقاد بالأئمة عليهم السلام ، وخصوصاً الإمام الحسين صلوات الله عليه . لها حكاية عجيبة ولطيفةٌ تدلّ على درجة إيمانها وتعلّقها بسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، وتدلّ أيضاً على فضيلة زيارة عاشوراء .
قال المحدّث النوري في كتابه « دار السلام » : حدّثني الصالح التقي النقي المبرّأ من كلّ درن الحاج المولى حسن اليزدي ، المجاور في المشهد الغروي ـ وهو من الذين وفوا بحقّ المجاورة وأتعبوا أنفسهم في مجهود العبادة ، كثّر الله من أمثالهم وأصلح بالهم ومآلهم ـ ، عن العدل الثقة الأمين الحاج محمّد علي اليزدي ، قال :
كان رجل صالح فاضل في يزد مشتغل بنفسه ومواظب لعمارة رمسه ، يبيت في الليالي في مقبرة خارج بلد يزد تُعرف بالمزار ، وفيها جملة من الصلحاء ، وكان له جار نشأ معه من صِغر سنّه عند المعلّم إلى أن صار عشّاراً في أوّل كسبه ، وكان كذلك إلى أن مات ، ودفن في تلك المقبرة قريباً من المحلّ الذي كان يبيت فيه المولى المذكور ، فرآه بعد موته بأقل من شهر في المنام في زيّ حسن وعليه نضرة النعيم ، فتقدم إليه وقال له :
إنّي عالم بمبدئك ومنتهاك وباطنك وظاهرك ، ولم تكن ممنّ يحتمل في حقّه حسن في الباطن ، ويحمل فعله القبيح على بعض الوجوه الحسنة كالتقيّة أو الضرورة أو إعانة المظلوم وغيرها ، ولم يكن عملك مقتضياً إلاّ للعذاب والنكال فبما نلت هذا المقام ؟ !
1 ـ الكافي 6 : 369 حديث 1 باب الكمأة . وانظر ترجمتها في : تنقيح المقال 3 : 69 ، أعيان الشيعة 3 : 486 ، رياحين الشريعة 3 : 350 ، معجم رجال الحديث 23 : 181 ، أعيان النساء : 43 ، الطبقات الكبرى 8 : 39 ، تأريخ الطبري 5 : 154 ، الكامل في التأريخ لابن الأثير 3 : 397 ، اُسد الغابة 5 : 400 ، الإصابة 4 : 236 ، أعلام النساء 1 : 77 نقلاً عن منتخب أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للزبير بن بكّار والسمط الثمين للمحب الطبري .
قال : نعم الأمر كما قلت ، كنتُ مقيماً في أشدّ العذاب من يوم وفاتي إلى أمس ، وقد توفّيت فيه زوجة أشرف الحداد ودفنت في هذا المكان ، وأشار إلى طرف بينه وبينه قريب من مائة ذراع ، وفي ليلة دفنها زارها أبو عبدالله عليه السلام ثلاث مرّات ، وفي المرّة الثالثة أمر برفع العذاب عن هذه المقبرة ، فصرتُ في نعمة وسعة وخفض عيش ودعة .
فلمّا انتبه كان متحيّراً ، ولم تكن له معرفة بإسم الحداد ومحلّه ، فطلبه في سوق الحدادين فوجده فقال له : ألك زوجة ؟ قال : نعم ، توفّيت بالأمس ودفنتها في المكان الفلاني ، وذكر الموضع الذي أشار إليه .
قال : فهل زارت أبا عبدالله عليه السلام ؟
قال : لا .
قال : فهل كانت تذكر مصائبه ؟
قال : لا .
قال : فهل كان لها مجلس تذكر فيها مصائبه ؟
قال : لا .
فقال الرجل : وما تريد من السؤال ؟ فقصّ عليه رؤياه ، وقال : اُريد أن استكشف العلاقة التي بينها وبين الإمام الحسين عليه السلام .
قال : كانت مواظبة على زيارة عاشوراء .
ونعمَ ما قال الشاعر :
لكـي تلقى الإلـه قرير عين
عليه غبار زوّار الحسين (1)
1 ـ دار السلام 3 : 380 ، الغدير 6 : 12 ، أعيان النساء : 23 .
121 امرأة الحسن الصيقل
راوية من راويات الحديث ، روت عن أبي عبدالله عليه السلام ، وعن زوجها .
وروى عنها علي بن عقبة (1) .
روى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن عقبة ، عن امرأة الحسن الصيقل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا ينبغي الصياح على الميّت ، ولا شق الثياب » (2) .
وروى في الكافي أيضاً عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن امرأة الحسن الصيقل ، عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سُئل كيف تصلّي النساء على الجنازة إذا لم يكن معهن رجل ؟
قال : « يصففن جميعاً ولا تتقدّمهن امرأة » (3) .
ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب (4) .
122 امرأة من بني بكر بن وائل
قال السيّد ابن طاووس في كتابه « مقتل الحسين عليه السلام » : وروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلمّا رأت القوم قد اجتمعوا على نساء الحسين عليه السلام وفسطاطهن وهم يسلبوهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل تُسلب بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا حكم إلاّ لله ، يالثارات
1 ـ جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 70 ، أعيان الشيعة 3 : 474 ، معجم رجال الحديث 23 : 181 .
2 ـ الكافي 3 : 225 حديث 8 باب الصبر والجزع والاسترجاع .
3 ـ الكافي 3 : 179 حديث 1 باب صلاة النساء على الجنازة .
4 ـ التهذيب 3 : 326 حديث 1017 .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذها زوجها وردّها إلى رحله (1) .
123 الشهيدة أمل العامري
ذكرها الأخ جعفر حسين نزار في كتابه « عذراء العقيدة والمبدأ الشهيدة بنت الهدى » (2) ولم يذكر عنها شيئاً ، ولا نعرف نحن عن خصوصياتها شيئاً ، وبلا شك هي احدى المجاهدات الاسلاميات ، والثائرات الساخطات على نظام البعث الكافر في العراق ، اللواتي تحدّينَ أجهزة القمع والإرهاب العفلقية ، وأعلنَّ عن عقيدتهن الاسلامية .
124 اُميمة الهاشميّة
اُميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم ، عمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت شاعرة فصيحة اللسان ، بليغة .
قالت ترثي أباها :
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 55 .
2 ـ عذراء العقيدة والمبدأ : 285 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 246 .
125 أمينة الأنصاريّة
شاعرة عربية ، موالية لأمير المؤمنين عليه السلام .
قال نصر بن مزاحم في وقعة صفين : قالت أمينة الأنصارية ترثي أبا الهيثم مالك بن التيّهان ، وقد قُتل مع أمير المؤمنين علي عليه السلام بصفّين :
126 انجبدة
مجاهدة عراقيّة في منطقة الجنوب ، شاركت في بعض وقائع ثورة العشرين ، التي قادها علماء الدين آنذاك ، ونزلت إلى أرض المعركة مع أبناء عشيرتها .
وعندما سقط ولدها شهيداً ، اقتحمت النيران وحملت جثته عائدة بها إلى موقع الثوّار ، وهي ترتجز وتقول باللّهجة العاميّة العراقيّة : « عربيد اسم امّك يا هيبة » (2) .
127 أوراق بيگم
الأميرة أوراق بيگم بنت الأمير اسكندر بن قرا يوسف بن قرا محمّد بن بيرام خواجة التركمانية .
أديبة ، فاضلة ، شاعرة ، ذات عقل ورأي وحكمة ، كانت حيّة سنة 842هـ .
ولدت وترعرعت في بلاط أبيها ، وهي من أسرة آل قراقوينلو بطن من قبيلة التركمان ،
1 ـ وقعة صفين : 365 ، أعيان الشيعة 3 : 489 ، رياحين الشريعة 3 : 454 .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 373 .
كان جدّها قرا محمّد من مؤسسي دولت الخروف الأسود .
نَقشتْ على خاتمها هذا البيت من الشعر :
أي أنّ نفس أوراق بنت الشاه اسكندر تُحب آل حيدر .
128 بحريّة الخزرجيّة
بحريّة بنت مسعود الخزرجي .
في رياحين الشريعة : وهي اُم عمرو بن جنادة ، تُنسب لها الأبيات التي نظمتها اُم وهب .
وقد حضرت هذه المرأة واقعة الطف يوم العاشر من المحرم ، وحرّضت ولدها على الذهاب للحرب ، وقالت له : اُخرج يا بُني وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعند خروجه للحرب رآه الحسين عليه السلام فقال : « هذا شاب قُتل أبوه في المعركة ، ولعلّ اُمّه تكره خروجه » .
فقال الغلام : يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بأبي أنت و اُمي إنّ اُمي أمرتني بذلك ، وهي التي حمّلتني السيف ، فرخّصه الحسين عليه السلام ، حتى جاء المعركة فقال مرتجزاً :
فقاتل حتى نال شرف الشهادة ، فقطعوا الأعداء رأسه ورموا به إلى جيش الحسين عليه السلام ، فأخذت الاُم رأس ولدها ووضعته على صدرها ، وقالت : أحسنتَ يا ولدي ويا قرّة عيني ، وقامت وأخذت عمودَ خيمة وحملت على جيش ابن سعد ، وقالت مرتجزة باُرجوزة اُم وهب ، فأرسل إليها الحسين عليه السلام وأمرها بالرجوع (2) .
1 ـ مجالس المؤمنين 2 : 367 ، رياحين الشريعة 3 : 363 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 44 نقلاً عن الأستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابة المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ رياحين الشريعة 3 : 304 .
129 بدر التمام الدبّاس
بدر التمام بنت الحسين ـ وقيل : الحسن ـ بن محمّد بن عبدالوهاب الدبّاس . كان والدها من كبار شعراء الشيعة ، ويُعرف بالبارع .
وهي شاعرة ، رقيقة الشعر ، عدّها السيوطي في رسالته « نزهة الجلساء » من البارعات في نظم الشعر .
من شعرها :
ومنه :
130 برّة الهاشميّة
برّة بنت عبدالمطّلب بن هاشم ، عمّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت فصيحة اللسان ، بليغة ، شاعرة ، وهي صحابية جليلة .
قالت ترثي أباها :
1 ـ تأريخ بغداد ( المستفاد من ذيل تأريخ بغداد ) لابن الدّمياطي 19 : 266 رقم 209 ، أعيان الشيعة 3 : 546 ، رياحين الشريعة 4 : 71 .
131 بركة بنت ثعلبة
تكنّى باُم أيمن ، مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاضنتهُ ، أسلمت قديماً أوّل الإسلام .
قيل : كانت لاُخت خديجة ، فوهبتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل : كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل : كانت لعبدالله بن عبدالمطلب ، فلمّا ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما توفي أبوه حضنته حتى كبر .
أعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوّج باُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد ، وزوّجها عبيد بن زيد من بني الحارث بن الخزرج بمكة فولدت له أيمن ، ولما قُتل زوجها يوم حُنين شهيداً زوّجها النبيّ صلّى الله عليه وآله زيد بن حارثة ، فولدت له اُسامة أسوداً يشبهها ، فاُسامة وأيمن أخوان لاُم .
وهي مهاجرة جليلة من المهاجرات الاُول ، هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة .
روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها عدّة من الصحابة منهم : أنس بن مالك ، وجيش ابن عبدالله الضعاني ، وأبو زيد المدني .
وقد شهدت اُم أيمن اُحداً وحنيناً وخيبراً ، وكانت في اُحد تسقي الماء وتداوي الجرحى ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويقول لها : يا اُمّه ، وكان إذا نظر اليها قال : « هذه بقيّة أهل
1 ـ الفَجَرُ : الكرم والتفجّر في الخير ، الصحاح 2 : 778 « فجر » .
2 ـ أعيان الشيعة 3 : 246 .
بيتي » .
ولما قُبض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بكت اُم أيمن ، فقيل لها : ما يبكيك ؟
قالت : أبكي على خبر السماء .
واختلف في وفاتها ، فقال الواقدي وابن حبّان والحاكم وابن حجر : إنّها توفّيت بعد موت عمر وفي خلافة عثمان .
وقال البخاري : توفّيت اُم أيمن بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بخمسة أشهر (1) .
وتوجد روايات كثيرة ووقائع متعدّدة تدلّ على علوّ مكانتها ، ورفع درجتها ، وأنّها من أهل الجنّة ، نذكر منها :
روى الكليني في الكافي عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن المثنّى ، عن اسماعيل الجُعفي ، قال :
سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله ، فقال : « الدين واسع ، ولكن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم من جهلهم » .
قلتُ : جعلت فداك فاُحدّثك بديني الذي أنا عليه ؟
فقال : « نعم » .
فقلتُ : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وأتولاكم ، وأبرأ من أعدائكم ومن ركب رقابكم وتأمَّر عليكم وظلمكم حقّكم .
فقال : « ما جهلت شيئاً ، هو والله الذي نحن عليه » .
قلتُ : فهل يسلم أحد لا يعرف هذا ؟
1 ـ انظر ترجمتها في : رياض العلماء 5 : 403 ، إعلام الورى : 154 ، الإستغاثة : 13 ، الكنى والألقاب 2 : 29 ، مجمع الرجال 7 : 82 و 171 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، تكملة الرجال : 2 : 701 ، رجال أبو علي : 368 ، رياحين الشريعة 3 : 364 ، أعيان الشيعة 3 : 475 ، أعيان النساء : 69 ، معجم رجال الحديث 23 : 174 ، اُسد الغابة 5 : 408 و 567 ، الإصابة 4 : 432 ، تهذيب التهذيب 12 : 486 ، تقريب التهذيب 2 : 591 و 619 ، الكاشف 3 : 438 ، أعلام النساء 1 : 127 نقلاً عن : تأريخ الطبري ، صحيح البخاري ، التأريخ الصغير للبخاري ، الإستيعاب ، المجتنى لابن الجوزي ، سير أعلام النبلاء للذهبي .
فقال : « إلاّ المستضعفين » (1) .
قلتُ : مَنْ هم ؟
قال : « نساؤكم وأولادكم » .
ثم قال : « أرأيتَ اُم َ أيمن ، فإني أشهد أنّها من أهل الجنّة ، وما كانت تعرف ما أنتم عليه » (2) .
وقال القطب الراوندي في فقه القرآن : وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كانت عنده ودائع بمكة ، فلمّا أراد أن يهاجر أودعها اُم أيمن ، وأمر علياً عليه السلام بردّها على أصحابها (3) .
وروى ذلك أيضاً المحدّث النوري في مستدرك الوسائل (4) .
وهي التي استشهدت بها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام في خصوص فدك ، فردّوا شهادتها معلّلين بأنّها أعجمية !!!
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وإنّي أستفيد وثاقتها من استشهادها بها ؛ لعدم تعقّل استشهادها بغير العادلة ، ويشهد بكون وثاقتها مسلّمة أنّهم لم يردّوا شهادتها إلاّ بكونها أعجميه .
وممّا يدل على جلالتها نزول دلو الماء إليها وشربها منه حين عطشت بين مكة والمدينة ودنى منها الهلاك وتضرّعت إلى الله تعالى (5) .
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى عدّة روايات تدلّ على مكانتها العالية منها :
1 ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء : 98 ( إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) .
2 ـ الكافي 2 : 298 حديث 6 باب المستضعف ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1 : 407 .
3 ـ فقه القرآن 2 : 61 .
4 ـ مستدرك الوسائل 2 : 504 نقلاً عن عوالي اللآلي 1 : 223 و 453 حديث 105 و 187 ، 2 : 344 حديث 9 ، 3 : 250 حديث 1 . وفيه : روى أنس بن مالك واُبي بن كعب وأبو هريرة ـ كلّ واحدٍ على الإنفراد ـ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك » ، وكانت عنده صلى الله عليه وآله وسلم ودائع بمكة ، فلما أراد أن يهاجر أودعها اُم أيمن ، وأمر علياً عليه السلام بردّها .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 70 .
أخبرنا محمّد بن عمر ، عن يحيى بن سعيد بن دينار ، عن شيخ من بني سعد بن بكر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لاُم أيمن : « يا اُمّه » ، وكان إذا نظر اليها قال : « هذه بقيّة أهل بيتي » .
أخبرنا أبو اُسامة ـ يعني حمّاد بن اُسامة ـ عن جرير بن حازم ، قال : سمعتُ عثمان بن القاسم يحدّث ، قال : لما هاجرت اُم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء ، فعطشت وليس معها ماء ، وهي صائمة ، فجهدها العطش ، فَدُلِّيَ عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض ، فأخذته فشربت منه حتى رويت ، فكانت تقول : ما أصابني بعد ذلك عطش ، ولقد تعرّضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة ، وإن كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش .
أخبرنا عبيدالله بن موسى ، أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن سفيان بن عقبة ، قال : كانت اُم أيمن تُلطِّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتقوم عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مَن سرّه أن يتزوّج امرأة من أهل الجنة فليتزوّج اُم أيمن » ، فتزّوجها زيد بن حارثة فولدت له اُسامة بن زيد .
أخبرنا محمّد بن عبدالله الأسدي ، حدّثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قُبض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بكت اُم أيمن ، فقيل لها : ما يبكيك ؟
فقالت : أبكي على خبر السماء .
أخبرنا عفان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد ، عن ثابت ، عن أنس : أن اُم أيمن بكت حين مات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل لها : أتبكين ؟
فقالت : إي والله ، لقد علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيموت ، ولكني إنّما أبكي على الوحي إذ انقطع عنّا من السماء .
ومن الروايات الظريفة روى ابن سعد : أخبرنا الفضل بن دُكين ، حدّثنا أبو معشر ، عن محمّد بن قيس ، قال :
جاءت اُم أيمن إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : إحملني .
قال : « أحملكِ على ولد الناقة » .
فقالت : يا رسول الله إنّه لا يُطيقني ، ولا اُريده .
فقال : « لا أحملكِ إلاّ على ولد الناقة » .
يعني : أنّه كان يمازحها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمازح ولا يقول إلاّ حقّاً ، والإبل كلّها ولد النوق .
أخبرنا محمّد بن عبدالله الأسدي ، حدّثنا سفيان ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « كانت اُم أيمن تجيء فتقول : لا سلام ، فأحلّ لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول : سلام » .
أخبرنا قبيصة بن عقبة ، حدّثنا سفيان ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « كانت اُم أيمن إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : سلام لا عليكم ، فرخّص لها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول : السلام » .
أخبرنا محمّد بن عمر ، عن عائذ بن يحيى ، عن أبي الحويرث : أنّ اُم أيمن قالت يوم حنين : سبّت الله أقدامكم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « اُسكتي يا اُم أيمن ، فإنّك عسراء اللسان » (1) .
وقال الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، حدّثنا عبدالله بن روح المدائني ، حدّثنا شبابة ، حدّثنا أبو مالك النخعي ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن اُم أيمن رضي الله عنها قالت : قام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الليل إلى فخارة من جانب البيت فبال فيها ، فقمتُ من الليل وأنا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر ، فلمّا أصبح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « يا اُم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهرقي ما فيها » .
قلت : قد والله شربتُ ما فيها .
قالت : فضحكَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجده ، ثم قال : « أما إنّك لا يفجع بطنكِ بعده أبداً » .
وقال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن رميع ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن صاعد ، حدّثني أبي ، قال : خاصم ابن أبي الفرات ـ مولى اُسامة بن زيد ـ الحسن بن اُسامة ونازعه ، فقال له ابن أبي الفرات في كلامه : يابن بركة ، يريد اُم أيمن .
فقال الحسن : اشهدوا ، ورفعه إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم ، وهو يومئذٍ قاضي
1 ـ طبقات ابن سعد 8 : 223 .
المدينة ، وقصّ عليه القصة ، فقال أبو بكر لابن أبي الفرات : ما أردتَ بقولك له يابن بركة ؟
فقال : سمّيتها بإسمها .
قال أبو بكر : إنّما أردتَ بهذا التصغير بها ، وحالها من الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها : « يا اُمّه » و « يا اُم أيمن » ، لا أقالني الله عزّ وجلّ إن لم أقتلك ، فضربه سبعين سوطاً (1) .
132 بريهة
بريهة بنت جعفر ابن الإمام الهادي عليه السلام .
من فواضل نساء عصرها ، لها ذكرٌ في كثيرٍ من كتب السير والأنساب .
أخذت العلم من أعلامُ اسرتها ، تزوّجها موسى المبرقع ابن الإمام محمّد الجواد عليه السلام ، وسكنت مع زوجها في مدينة قم المقدّسة في محلّة موسويان ، وكانت من أبرز النساء العلويات في عصرها ، عابدة ، زاهدة ، جليلة القدر ، عظيمة الشأن ، توفّيت بعد سنة 311هـ ودفنت في جوار قبر زوجها بالقرب من مرقد حمزة بن موسى بن جعفر عليهم السلام (2) .
133 بريهة المبرقع
بريهة بنت أبي علي محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع .
من فواضل نساء عصرها ، ذكرها حسن بن محمّد القمي المتوفى سنة 378هـ في كتابه تأريخ قم قائلاً : ولدت في قم وتوفّيت بها ، وكان أبوها من أشراف العلويين في عصره بقم ، وتوفّي بها ودفن في محلّة موسويان قريباً من قبر حمزة بن موسى بن جعفر عليهم السلام ، ثم توفّيت بنته بريهة وأخواتها فاطمة و اُم سلمة و اُم كلثوم ، ودفنّ جميعاً عند أبي هنّ (3) .
1 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 63 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 74 نقلاً عن السيّد أحمد الحسيني .
3 ـ تأريخ قم : 219 ، مستدركات أعيان الشيعة 6 : 74 نقلاً عن السيّد أحمد الحسيني .
134 بكارة الهلاليّة
من نساء العرب الموصوفات بالشجاعة والاقدام والفصاحة ، والشعر والنثر والخطابة ، كانت من أنصار علي بن أبي طالب عليه السلام في حرب صفين ، فخطبت بها خطباً حماسية ، حضّت بها القوم أن يخوضوا غمارات الحرب بدون خوف ولا وجل .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدّثني عبدالله بن عمر ، وقراءة من كتابه عليّ قال : حدّثنا ابراهيم بن عبدالله بن محمّد المفضّل ، قال : حدّثنا ابراهيم بن محمّد الشافعي ، عن محمّد ابن ابراهيم ، عن خالد بن الوليد ، عمّن سمعه من حذافة الجمحي ، قال :
دخلتْ بكارة الهلالية على معاوية بن أبي سفيان بعد أن كبرت سنّها ، ودقّ عظمها ، ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز ، فسلّمت على معاوية بالخلافة ، فأحسنَ عليها الردّ وأذن لها في الجلوس ، وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص ، فابتدأ مروان فقال : أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين ؟
قال : ومَنْ هي ؟
قال : هي التي تُعين علينا في صفين وهي القائلة :
قال عمرو بن العاص : وهي القائلة يا أمير المؤمنين :
1 ـ في هامش العقد الفريد : في بعض الاُصول : « فاحتفر » .
2 ـ في العقد الفريد : قد كنتُ أذخرهُ ليوم كريهةٍ .
3 ـ في العقد الفريد : وإن .
فقال سعيد : يا أمير المؤمنين وهي القائلة :
ثم سكت القوم ، فقالت بكارة : نبحتني كلابكَ يا أمير المؤمنين ، واعتورتني محجني (3) ، وكثر عجي (4) ، وعشى بصري ، وأنا والله قائلة ما قالوا ، لا أدفع ذلك بتكذيب ، فامض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين .
فقال معاوية : إنّه لا يضعك شيء ، فاذكري حاجتك تُقضى ، فقضى حوائجها .
وروى ذلك ابن طيفور أيضاً من طريق آخر حيث قال : وحدّثني عيسى بن مروان ، قال : حدّثني محمّد بن عبدالله الخزامي ، عن الشعبي ، قال : استأذنتْ بكارة الهلالية على معاوية فأذن لها ، فدخلت وكانت امرأة قد أسنّت وعشى بصرها وضعفت قوتها ، فهي ترعش بين خادمين لها ، فسلّمت ثم جلست .
فقال معاوية : كيف أنتِ يا خالة ؟
قالت : بخير يا أمير المؤمنين .
قال : غيّرك الدهر .
قالت : كذلك هو ذو غير ، من عاش كبر ، ومن مات قبر . . . . . (5)
وروى ذلك أيضاً ابن عبدربّه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن محمّد
1 ـ في العقد الفريد : أطمع .
2 ـ في العقد الفريد :
3 ـ الِمحجَن ، والمحجَنة : العصا المعوجَّة . لسان العرب 13 : 108 ( حجن ) .
4 ـ عَجَّ : رفع صوته بالدعاء والاستغاثة . لسان العرب 2 : 318 ( عج ) .
5 ـ بلاغات النساء : 34 .
ابن عبدالله الخُزاعي ، عن الشعبي ، مع اختلاف في الألفاظ (1) .
وذكرها أيضاً عمر رضا كحالة في أعلام النساء (2) ، والمحلاتي في رياحين الشريعة (3) .
135 بلقيس البلقيني
بلقيس بنت محمّد بن بدر الدين بن سراج الدين البلقيني ، وجدّها سراج الدين اُستاذ ابن حجر العسقلاني ، وكانوا جميعاً من أهل العلم والفضل ، وكانت بلقيس نابغة في الفضل والعلم ، وهي السبب في شهرة عشيرتها ، وقد ودّعت الحياة في شهر ذي القعدة من سنة 841 هجرية (4) .
136 بلقيس البهبهانيّة
بلقيس بنت محمّد علي البهبهاني ، وزوجة السيّد محمّد حسين الموسوي الشهرستاني .
عالمة ، فاضلة ، تُعدُّ من أفاضل النساء في القرن الثالث عشر الهجري (5) .
اختها رقيّة البهبهاني ، أيضاً عالمة فاضلة ، يأتي ذكرها في حرف الراء .
137 بليغة الشيرازيّة
أديبة ، فاضلة ، متكلّمة ، شاعرة .
توفَّيت حدود سنة 1260هـ .
من شاعرات النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ، معاصرة للسلطان فتح
1 ـ العقد الفريد : 1 : 346 .
2 ـ أعلام النساء 1 : 137 .
3 ـ رياحين الشريعة 4 : 81 .
4 ـ رياحين الشريعة 4 : 83 .
5 ـ وحيد بهبهاني : 332 .
علي شاه القاجاري .
ذكرها محمّد مظفر حسين بن مولوي محمّد يوسف في كتابه ( روز روشن ) (1) والوزير الايراني محمّد حسنخان اعتماد السلطنة في كتابه ( خيّران حسان ) (2) ، ومحمّد حسين آدميت في كتابه ( دانشمندان وسنن سحرايان فارس ) (3) ، وصاحب كتاب ( پرده نشينان سخنگوى ) (4) ، وغيرهم (5) .
138 بنّاية العوابد
بنّاية بنت أبي صفرة ، من عشيرة العوابد ، من أهالي كويسة .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، قالت تصف اخوتها عندما هجموا على جيوش الاحتلال في منطقة ( الرارنجية ) ، وكانت معهم في ساحة الوغى ، فقالت :
1 ـ روز روشن : 118 .
2 ـ خيّرات حسان 1 : 166 .
3 ـ دانشمندان وسخن سحرايان فارس : 460 .
4 ـ پرده نشينان سخنگوى : 86 .
5 ـ انظر مستدرك أعيان الشيعة 5 : 95 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
6 ـ هو السيّد هادي زوين ، أحد أقطاب الثورة .
7 ـ أي الغنيمة ، وهو المدفع الذي غنمه الثوّار في الرارنجيّة .
139 بنت أبي الأسود الدؤلي
ذكر الشيخ منتجب الدين في كتاب الأربعين ، في أثناء الحكاية الرابعة من الحكايات التي نقلها في آخره ، قال : أخبرنا أبو علي تيمان بن حيدر بن الحسن بن أبي عدّي البيع ، أخبرنا الشيخ المفيد أبو محمّد عبدالرحمان بن أحمد بن الحسين الحافظ ، أخبرنا السيّد أبو الفتح عبيدالله بن موسى بن أحمد بن الرضا عليه السلام : أنّ أبا محمّد جعفر بن أحمد حدّثهم :
أخبرنا أحمد بن عمران ، أخبرنا عبدالله بن جعفر النحوي ، عن الحارث بن محمّد التميمي ، عن علي بن محمّد ، قال : رأيت ابنة أبي الأسود الدؤلي وبين يدي أبي ها خبيص ، فقالت : يا أبة أطعمني .
فقال : افتحي فاك ، ففتحت فوضع فيه مثل اللوزة ، ثم قال لها : عليكِ بالتمر فهو أنفع وأشبع .
فقالت : هذا أنفع وأنجع .
فقال : هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حبّ علي بن أبي طالب عليه السلام .
فقالت : قبّحه الله ، يخدعنا عن السيّد المطهّر بالشهد المزعفر ، تباً لمرسله وآكله ، ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه ، وأنشأت تقول باكية :
وقال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره كان عمرها خمس أو ست سنين (3) .
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 363 ـ 364 .
2 ـ الأربعون حديثاً : 81 .
3 ـ تفسير أبو الفتوح الرازي .
وقال الشيـخ عباس القمّي في الكنى والألقـاب : وروي أنّ معاويـة أرسل إليه ـ أي إلى أبي الأسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو ـ هديّة ، منها حلواء ، يريد بذلك استمالته وصرفه عن حبّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فدخلتْ ابنة صغيرة له خماسية أو سداسية عليه ، فأخذت لقمة من تلك الحلواء وجعلتها في فمها .
فقال لها أبو الأسود : يا بنتي ألقيه فإنّه سم ، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين عليه السلام ويردّنا عن محبة أهل البيت عليهم السلام .
فقالت الصبية ، قبّحه الله ، يخدعنا عن السيّد المطهَّر بالشهد المزعفر ، تبّاً لمرسله وآكله فعالجت نفسها حتى قاءت ما أكلت ، ثم قالت :
140 بنت أبي ذر الغفاري
أبوها أبو ذر الغفاري الصحابي الجليل ، الذي يقول عنه صلى الله عليه وآله وسلم : « ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر » .
و اُمها اُم ذر الغفاري ، شاعرة من شواعر العرب ، صحابية ، لها ذِكرٌ في كيفية إسلام أبي ذر ، ولها ذِكرٌ أيضاً في وفاة أبي ذر رضوان الله تعالى عليه ، وقد مرّت ترجمتها (2) .
وبنت أبي ذر هذه من المؤمنات المواليات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ومن المتمسّكات بحبّ سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام .
وقيل : إنّ الزهراء سلام الله عليها أوصت عليّاً عليه السلام بهذه البنت ، وعندما مات أبو ذر غريباً وحيداً في منفاه في الربذة كانت معه بنته فقط ، وقد أوصاها أبوها بأن تجلس على الطريق ،
1 ـ الكنى والألقاب 1 : 8 . وانظر : سفينة البحار 1 : 669 ، أعيان الشيعة 2 : 275 ـ 3 : 607 ، رياحين الشريعة 4 : 222 .
2 ـ انظر : رياحين الشريعة 3 : 392 ، اُسد الغابة 5 : 581 .
وعندما ترى قوماً قد قدموا تخبرهم بموته .
وفعلاً حدث كما قال أبو ذر ، وقدم جماعة من المسلمين فغسّلوا أبو ذر وكفّنوه ثم دفنوه ، وأخذوا بنت أبي ذر معهم ، وخيّروها في البقاء ببيت أي واحدٍ منهم ، إلاّ أنها فضّلت العيش في بيت سيّدها ومولاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه (1) .
141 بنت أبي يشكر
راثية ، موالية لأهل البيت عليهم السلام .
روى الشيخ الكليني في الكافي عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن حسان ، عن محمّد بن رنجويه ، عن عبدالله بن الحكم الأرمنيّ ، عن عبدالله بن ابراهيم بن محمّد الجعفري ، قال :
أتينا خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام نُعزّيهما بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبدالله بن الحسن ، فإذا هو في ناحية قريباً من النساء ، فعزّيناها ، ثم أقبلنا عليه ، فإذا هو يقول لابنة أبي يشكر الراثية : قولي ، فقالت :
فقال : أحسنتي ، زيديني ، فاندفعت تقول :
فأقمنا عندها حتى كاد الليل أن يجىء ، ثم قالت خديجة : سمعتُ محمّد بن علي صلوات الله عليهما وهو يقول : « إنّما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح ، لتسيل دمعتها ، ولا ينبغي لها أن تقول هجراً ، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح » (2) .
1 ـ انظر : رياحين الشريعة 4 : 223 .
2 ـ الكافي 1 : 291 حديث 17 باب ما يفصل بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة .
142 بنت حسام سالار
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، من شواعر الشيعة في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة ، كانت معاصرة للشاه عباس الكبير المتوفى سنة 1038هـ .
أخذت العلم وفنون الأدب من أفاضل علماء عصرها ، ونبغت في فنون الأدب والشعر ، ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة نقلاً عن كتاب ( كلشن ) ص 68 (1) .
143 بنت الداغستاني
بنت حسين علي خان الداغستاني اللكزي .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، من شاعرات أصفهان .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب على أفاضل علماء أصفهان ، ثم نشأت على حُبّ الأدب وطبعت نفسها على الشعر ، وكانت رقيقة النظم والنثر ، لها ديوان شعر صغير ، توفّيت حدود سنة 1170هـ .
وهي من اُسرة اللكزي بداغستان التي نبغ منها شعراء أفذاذ وأمراء أجلاّء ، وقد نشأت وترعرعت في بلاط الصفويين بأصفهان ، وهي بنت عمّ الميرزا علي قلي خان الداغستاني اللكزي المولود في نسة 1124هـ والمتوفى سنة 1170هـ المتخلّص في شعر بـ ( واله ) ، صاحب كتاب رياض الشعراء ، الذي كان والياً من قبل الشاه صفي الصفوي على ايروان .
ومن أبرز رجال هذه الأسرة فتح علي خان ابن الميرزا الداغستاني اللكزي وزير الشاه سلطان حسين الصفوي ، وخديجة سلطان بنت علي خان بن مهر علي خان الداغستاني اللكزي (2) .
1 ـ الذريعة 9 | 1 : 142 ، مستدركات أعيان الشيعة 5 : 95 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، حديقة الشعراء 3 : 2136 ، زنان سخنورا : 84 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 74 ـ 75 نقلاً عن السيّد أحمد الحسيني .
144 بنت الشالجي
هي بنت عيسى بن محمّد أمين الشالجي .
كانت رحمها الله أديبة ، صالحة ، زاهدة . تخرّج بها ابن بنتها محمّد رضا الخالصي ، وقد توفّيت في حدود سنة 1318هـ (1) .
145 بنت الشاه طهماسب الصفوي
عالمة ، فاضلة ، فقيهة .
ألّف جملة من العلماء لها عدّة رسائل في أصول الفقه وغيره .
ولدت في قزوين يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من جمادى الثانية سنة 955هـ ، ويحتمل أن يكون اسمها پريخان .
كان أبوها من معاصري المحقّق الكركي ووالد الشيخ البهائي ، وقد حكم مدّة أربع وخمسين سنة ، وقد لاقى العلم والتأليف في عهده رواجاً كاملاً (2) .
146 بنت الصاحب بن عبّاد
فاضلة ، أديبة ، ذات عقل ووقار .
ولا ريب بمن نشأت وترعرعت في أحضان الصاحب أن تكون أديبة ، وقد كان أبوها بحراً في الفصاحة والعلم والأدب ، ولقد ورثت الفضل من أبيها .
وكان الصاحب متعلّقاً بها يحبها حبّاً جمّاً ، ويرغب أن يزوجها من سيّداً علويّاً ، حتى تحقّقت رغبته هذه وزوّجها لأبي الحسين علي بن الحسين ، المعروف بالمسمعي ، وقد أنجبت منه ولداً اسمه عبّاد ، فعندما بُشّر الصاحب به أنشأ يقول :
1 ـ أعلام النساء 3 : 382 عن حسين علي محفوظ .
2 ـ أعيان الشيعة 2 : 275 ، مستدركات أعيان الشيعة 6 : 75 ، رياحين الشريعة 4 : 72 .
وقال أيضاً :
147 بنت صدر الدين العاملي
بنت صدر الدين بن صالح بن محمّد الموسوي العاملي ، المتوفّى سنة 1264هـ .
كانت رحمها الله عالمة ، فقيهة ، لها تعليقة على شرح اللمعة في الفقه (2) .
148 بنت الشيخ الطوسي
للشيخ الطوسي بنتان عالمتان فاضلتان :
إحداهما اُم ابن ادريس ، وقد ذكرناها سابقاً ، وذكرنا ما ورد من اشكال واستبعاد في هذه النسبة .
والاُخرى قيل : هي اُم السيّدين الجليلين أحمد وعلي ابني السيّد موسى ابن طاووس .
وقد أثنى الأصفهاني في الرياض عليهما بقوله : بنتا الشيخ الطوسي كانتا فاضلتين عالمتين ، وقد أجازهما بعض العلماء ، ولعلّ المجير أخوهما الشيخ أبو علي ابن الشيخ الطوسي ، أو والدهما الشيخ الطوسي (3) .
وفي موضع آخر قال : اُم السيّد ابن طاووس كانت من أجلّة العلماء ، وقال بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته المعمولة في ذكر أسامي المشايخ فقال : ومنهم اُم السيّد ابن طاووس علي ، وهي بنت الشيخ الطوسي ، أجاز لها جميع مصنّفاته وروايته ، وكان يثني
1 ـ رياحين الشريعة 4 : 229 .
2 ـ أعلام النساء 2 : 323 ، أعيان النساء : 396 .
3 ـ رياض العلماء 5 : 409 .
عليها (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في الأعيان ، في ترجمة أم محمّد بن ادريس : وقد مرّ في ترجمة السيّد أحمد بن موسى بن طاووس أنّ اُمه و اُم أخيه السيّد علي بن موسى هي بنت الشيخ الطوسي المجازة هي واُختها اُم ابن ادريس من أبيهما الشيخ الطوسي برواية جميع مصنّفاته ومصنّفات الأصحاب عنه (2) .
ومن هذا يتّضح أنّ الشيخ الطوسي جدّ السيّد ابن طاووس مباشرة ، وهذا خطأ محض ، إذ أنّ وفاة الشيخ سنة 460هـ ، ووفاة السيّد ابن طاووس سنة 664هـ ، فبينهما 204 سنة .
نعم إنّ الشيخ الطوسي جد السيّد موسى ابن طاووس لاُمه ، والسيد موسى ـ كما هو معلوم ـ والد السيّدين أحمد وعلي ، حيث يلقّب كل واحد منهما بابن طاووس . فيكون الشيخ الطوسي جد والد السيّد ابن طاووس لاُمه ، ويكون الشيخ أبو علي ابن الشيخ الطوسي خال والد السيّد ابن طاووس .
ومما يدلّ على هذا قول السيّد ابن طاووس في كتابه « الإقبال » : فمن ذلك ما رويته عن والدي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ، فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة بروايته عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة ، عن خال والدي السعيد أبي علي الحسن بن محمّد ، عن والده محمّد ابن الحسن الطوسي جدّ والدي من قبل اُمّه ، عن الشيخ المفيد .
وفي نفس الوقت يكون المسعود الورّام جدّ السيّد ابن طاووس لاُمه ، ويدل على ذلك قوله في « الأمان » : ورأيتُ بخط جدي المسعود ورّام بن أبي فراس قدّس الله جلّ جلاله روحه ونوّر ضريحه في المعنى الذي ذكرناه ما لفظه . . . . . . (3) وفي كشف المحّجة قال السيّد ابن طاووس : وكان لي عدّة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام بن أبي فراس قدّس الله سرّه وزاد من مراضيه ، انتقلت إليّ من والدتي رضي الله عنها
1 ـ رياض العلماء 5 : 408 .
2 ـ أعيان الشيعة 3 : 487 .
3 ـ الأمان : 116 .
بأسباب شرعيّة في حياتها ، وهي بقايا ما تفضّل الله جلّ جلاله به منها (1) .
وقال الشيخ أغابزرك الطهراني في مقدّمة كتاب الأمان : أما الشيخ ورّام بن أبي فراس فهو جدّه لاُمه ، كما صرّح به في تصانيفه . وكانت اُم والده سعد الدين موسى بنت ابنة الشيخ الطوسي ، ولذا يعبّر في تصانيفه كثيراً عن الشيخ الطوسي بالجد ، أو جد والدي ، وعن الشيخ أبي علي الحسن ابن الشيخ الطوسي بالخال ، أو خال والدي (2) .
وناقش في هذا الموضوع المحدّث النوري في المستدرك مناقشة وافية قائلاً : قال في اللؤلؤة : و اُمهما ـ أي : السيّد رضي الدين علي ، وجمال الدين أحمد ـ على ما ذكره بعض علمائنا بنت المسعود الورّام بن أبي الفوارس بن فارس بن حمدان ، و اُم اُمهما بنت الشيخ الطوسي ، وأجاز لها ولاُختها اُم الشيخ محمّد بن ادريس جميع مصنّفاته ومصنّفات الأصحاب (3) .
ونقله صاحب الروضات أيضاً معتمداً عليه وزاد : ووقع النصّ على جدّتيهما من جهة الاُم في مواضع كثيرة من مصنّفات نفسه ، فليلاحظ (4) .
ولا يخفى أنّ الذي يظهر من مؤلّفات السيّد أنّ اُمّه بنت الشيخ ورّام الزاهد ، وأنّه ينتهي نسبه من طرف الأب إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله ، ولذا يعبّر عنه بالجد .
وأمّا كيفية الإنتساب إليه فقال السيّد في الإقبال : فمِن ذلك ما رويته عن والدي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة ، عن خال والدي السعيد أبي علي الحسن بن محمّد ، عن والده محمّد بن الحسن الطوسي جد والدي من قبل اُمّه ، عن الشيخ المفيد .
فظهر أنّ انتساب السيّد إلى الشيخ من طرف والده أبي ابراهيم موسى ، الذي اُمّه بنت الشيخ ، لا من طرف اُمّه بنت الشيخ ورّام ، وما ذكره من أنّ اُم اُم السيّد زوجة ورّام بنت الشيخ
1 ـ كشف المحجة : 129 .
2 ـ مقدمة كتاب الأمان .
3 ـ لؤلؤلة البحرين : 236 .
4 ـ روضات الجنات 4 : 325 .
فباطل من وجوه :
أمّا أولاً : فلأنّ وفاة ورّام في سنة 606هـ ، ووفاة الشيخ سنة 460هـ ، فبين الوفاتين مائة وخمسة وأربعون سنة ، فكيف يتصوّر كونه صهراً للشيخ على بنته وإن فرضت ولادة هذه بعد وفاة الشيخ ، مع أنّهم ذكروا أنّ الشيخ أجازها و اُمها .
وأمّا ثانياً : فلأنّه لو كان كذلك لأشار السيّد في موضع من مؤلّفاته ؛ لشدّة حرصه على ضبط هذه الاُمور .
وأمّا ثالثاً : فلعدم تعرّض أحد من أرباب الإجازات وأصحاب التراجم لذلك ، فإنّ صهريّة الشيخ من المفاخر التي يشيرون إليها ، كما تعرّضوا في ترجمة ابن شهريار الخازن وغيره .
ويتلو ما ذكروه هنا من الغرابة ما في اللؤلؤة وغيرها : أنّ اُم ابن ادريس بنت شيخ الطائفة ، فإنّه في الغرابة بمكان يكاد يلحق بالمحال في العادة ، فإنّ وفاة الشيخ سنة 460هـ وولادة ابن ادريس سنة 543هـ ، فبين الولادة 83 سنة ، ولو كانت اُم ابن ادريس في وقت إجازة والدها لها في حدود سبعة عشر سنة مثلاً ، كانت بنت الشيخ ولدت ابن ادريس في سن مائة سنة تقريباً ، وهذه من الخوارق التي لابدّ أن تكون في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار .
ثم إنّ تعبيرهم عن الشيخ ورّام بالمسعود الورّام أو مسعود بن ورّام ، اشتباه آخر ، فإنّ المسعود الورّام أو مسعود بن ورّام غير الشيخ ورّام الزاهد صاحب تنبيه الخاطر فلا تغفل (1) .
وبعد عشر صفحات قال : كثيراً ما يعبّر ابن ادريس عن الشيخ أبي جعفر بالجد ، كالسيّد علي بن طاووس ، ولم أتحقّق كيفية اتصاله إليه ، وما ذكره جملة من المتأخرين في ترجمته مضافاً إلى كونه مجرّد الخرص والتخمين غير مستند إلى مأخذ ، معدود من المحالات العاديّة .
ففي الرياض في الفصل الأوّل من الخاتمة : بنت المسعود بن الورّام جدة ابن ادريس الحلّي
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 471 .
من طرف اُمّه ، كانت فاضلة عالمة صالحة ، وقد مرّ في ترجمة ابن ادريس أنّ اُم ابن ادريس بنت الشيخ الطوسي و اُمّها بنت المسعود ورّام ، وكانت اُم ابن ادريس فيها الفضل والصلاح ، وقد أجازها واُختها بعض العلماء (1) .
وقال أيضاً : بنتا الشيخ الطوسي قد كانتا عالمتين فاضلتين ، وكانت اُم ابن ادريس ـ كما سبق ـ قد أجازها بعض العلماء ، ولعلّ المجيز أخوها أبو علي ابن الشيخ الطوسي أو والدهما الشيخ الطوسي (2) .
وفي اللؤلؤة في ترجمة السيّدين : أبي القاسم رضي الدين علي ، و أبي الفضائل جمال الدين أحمد ابني طاووس ، وهما أخوان من أب و اُم ، و اُمّهما على ما ذكره بعض علمائنا بنت الشيخ مسعود الورّام بن أبي الفوارس بن فراس بن حمدان ، و اُم ّ اُمّهما بنت الشيخ الطوسي ، وأجاز لها ولاُختها الشيخ محمّد بن ادريس جميع مصنّفاته ومصنّفات الأصحاب . أقول ـ والقول للشيخ البحراني ـ : ويؤيّده تصريح السيّد رضي الدين رضي الله عنه ذكر الشيخ الطوسي بلفظ جدي ، وكذا عند ذكر الشيخ ورّام وهو كثير في كلامه (3) .
وزاد بعضهم نغمة اُخرى ، ففي الروضات نقلاً عن صاحب صحيفة الصفا في ترجمته : يروي عن خاله الشيخ أبي علي الطوسي ، وعن جدّه لاُمّه الشيخ الطوسي ، عن اُم اُمّه بنت الشيخ مسعود ورّام ، وعربي من مسافر العبادي ، و أبي المكارم حمزة الحسيني .
وفي الروضة البهية للسيّد العالم المعاصر طاب ثراه : ويروي عن خاله أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن جدّه لاُمّه أبي جعفر الطوسي شيخ الطائفة ، و اُم ّ اُمّه زوجة الشيخ بنت مسعود ورّام كانت فاضلة صالحة .
وهذه الكلمات كلّها منحرفة عن الطريقة ، صادرة من غير رؤية ، وقد أشرنا في ترجمة السيّد علي بن طاووس إلى عدم إمكان ذلك ، وأنّ بين ولادة ابن ادريس ووفاة الشيخ 83
1 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 409 .
3 ـ لؤلؤة البحرين : 236 .
سنة ، فكيف يمكن أن تكون اُمّه بنته ، ثم كيف يروي عنه أو يروي عن ولده أبي علي ولم يدركه أحد من معاصريه ، بل المعهود روايته عنه بواسطة أو بواسطتين . وذكر أبو علي في أوّل أماليه : إنّه سمع عن والده السند سنة خمس وخمسين وأربعمائة ، وبين هذا السماع وولادة ابن ادريس قريب من تسعين سنة .
وبالجملة فاللوازم الباطلة على هذه الكلمات أزيد من أن تُحصى مع أنّه تضييع للوقت .
والمسعود الورّام ، أو مسعود بن ورّام الموجود فيها غير مذكور في كلمات أحد من الأقدمين ، ولا يبعد أنّه وقع تحريف في النقل ، وأنّ الأصل المسعودي وهو علي بن الحسين المسعودي صاحب المروج واثبات الوصية .
قال العالم النحرير أغا محمّد علي صاحب المقامع في حواشيه على نقد الرجال ، بعد نقل كلام عن رياض العلماء من تعجّبه من عدم ذكر الشيخ في الفهرست والرجال المسعودي مع أنّه جده من طرف اُمّه كما يقال . واعترض عليه بأن الشيخ ذكره في الفهرست إلى أن قال : وإنّه ليس بجدّ للشيخ ، بل الذي رأيته في كلام غيره أنّه جدّ الشيخ أبي علي ولد الشيخ ، وأنّ ابن ادريس سبط المسعودي ، إلى أن قال رحمه الله : وأمّا كونه جدّاً لابن الشيخ ورّام ابن ادريس فالظاهر أنّه سهو واضح ، بل غلط فاضح ، ثم بسط القول بما لا عائدة في نقله ، والمقصود استظهار ما ادّعيناه من الإشتباه ، فلاحظ (1) .
149 بنت عبدالله بن عفيف الأزدي
من المؤمنات المواليات لأهل البيت عليهم السلام ، وقفت إلى جنب أبيها حينما أحاط به الأعداء في بيته ، بعد أن ردّ على ابن زياد حينما تناول الحسين عليه السلام وأهل بيته ، ونعتهم بنعوت كاذبة ، وقالت لوالدها حينما رأته وحيداً يدافع عن نفسه وهو أعمى : يا أبت ليتني رجلاً اُخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة ، قاتلي العترة البررة .
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 481 .
قال السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين : قال الراوي : ثم انّ ابن زياد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه : الحمد لله الذي أظهر الحقّ ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب .
فما زاد على الكلام شيئاً حتى قام إليه عبدالله بن عفيف الأزدي ـ وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل والاُخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم يصلّي فيه الليل ـ فقال : يابن زياد الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك ومن أستعملك وأبوه ، يا عدوَّ الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين .
قال الراوي : فغضب ابن زياد وقال : مَنْ هذا المتكلّم ؟
فقال : أنا المتكلم يا عدوَّ الله ، أتقتل الذريّة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وتزعم أنّك على دين الإسلام ، واغوثاه ، أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين على لسان رسول ربّ العالمين .
قال الراوي : فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه ، وقال : عليّ به . فتبادرت إليه الجلاوزة من كلّ ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من بني عمّه فخلّصوه من أيدي الجلاوزة ، وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به إلى منزله .
فقال ابن زياد : اذهبوا إلى هذا الأعمى أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينه فأتوني به ، قال : فانطلقوا إليه ، فلمّا بلغ ذلك الأزد اجتمعوا ، واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، قال : فبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمّهم إلى محمّد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم .
قال الراوي : فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى قتل بينهم جماعة من العرب ، قال : ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبدالله بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته : أتاكَ القوم من حيث تحذر .
فقال : لا عليك ، ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :
قال : وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني رجلاً اُخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة .
قال : وجعل القوم يدورون عليه من كلّ جهة وهو يذبّ عن نفسه فلم يقدر عليه أحد ، وكلما جاءوه من جهة قالت : يا أبت جاؤوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت بنته : واذلاه ، يُحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه ويقول :
ثم أخذوه إلى ابن زياد ، وجرت بينهم مشاحة كلامية يذكرها أصحاب التأريخ ، ثم أمر ابن زياد فقتل ، ثم صلب في السبخة (1) .
150 بنت عزيز الله المجلسي
بنت الشيخ عزيز الله ابن الشيخ محمّد تقي المجلسي ابن مقصود علي المجلسي الأصفهاني .
فقيهة ، مُحدّثة ، عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة ، بصيرة بالكلام ، من ربّات الفصاحة والبلاغة .
أخذت المقدّمات والعربية وفنون الأدب عن أعلام اُسرتها ، وتخرّجت في الفقه والحديث على والدها وعمّتها آمنة بيكم وسائر رجال بيتها الجليل .
ذكرها الشيخ محمّد علي المدرّس التبريزي في ريحانة الأدب (2) ، والسيّد مصلح الدين المهدوي ووصفها في كتابه تذكرة القبور قائلاً : من أرباب الكمال وكانت في مصاف العلماء المعدودين وأعلام عصرها (3) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : لم نعرف اسمها ، لها تعاليق على كتاب من لا
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 69 .
2 ـ رياحنة الأدب 6 : 366 .
3 ـ تذكرة القبور : 117 .
يحضره الفقيه ، ورسائل في مسائل فقهية (1) .
وذكرها أيضاً السيد حسن الأمين فيما استدركه على أعيان والده (2) ، والمحلاّتي في رياحين الشريعة (3) .
151 بنت الشيخ علي المنشار
فاضلة ، عالمة ، فقيهة ، قرأت على والدها ، وهي زوجة الشيخ البهائي .
ذكرها المولى الأصفهاني في الرياض قائلاً : وقد سمعنا من بعض المعمّرين الثقات الذي قد شاهدها في أوان صباه أنّها كانت تُدرِّس الفقه والحديث ونحوهما ، وكانت النسوان يقرأن عليها . وقد ورثت من أبيها أربعة آلاف مجلَّد من الكتب ، وذكر لنا بعض الأفاضل : أنّها وافرة العلم كثيرة الفضل ، وقد بقيت بعد وفاة الشيخ البهائي أيضاً (4) .
والدها الشيخ علي المنشار كان من أجلاّء العلماء وفضلائهم وأكابرهم ، وكان من تلامذة المحقّق الثاني الشيخ علي الكركي المتوفى سنة 940هـ . ونصّبه الشاه طهماسب الصفوي بعد اُستاذه ، حيث نقل كثيراً من الأعلاق النفيسة والكتب النادرة إلى أصفهان ، والتي تقدّر بأربعة آلاف كتاب ، وبعد وفاته ورثتها ابنته حيث لا وارث له سواها ، وكانت تلك الكتب من جملة الكتب التي وقفها الشيخ البهائي ، فلمّا توفي ضاع أكثرها (5) .
152 بنت عمر بن يزيد
راوية من راويات الحديث ، روت عن أبيها ، وروى عنها ابن عمّ لأبيها عمر بن يزيد (6) .
1 ـ أعيان الشيعة 3 : 607 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 95 .
3 ـ رياحين الشريعة 4 : 225 .
4 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
5 ـ أعيان الشيعة 3 : 607 و 4 : 225 ، تكملة أمل الآمل : 447 ، رياحين الشريعة 4 : 225 ، أعلام النساء 3 : 332 .
6 ـ معجم رجال الحديث 23 : 182 .
روى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن عمّ لعمر بن يزيد ، عن بنت عمر بن يزيد ، عن أبيها ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« إذا شرب أحدكم الماء فقال : بسم الله ، ثم شرب ، ثم قطعه فقال : الحمد لله ، ثم شرب فقال : بسم الله ، ثم قطعه فقال : الحمد لله ، ثم شرب فقال : بسم الله ، ثم قطعه فقال : الحمد لله ، سبّح ذلك الماء له ما دام في بطنه إلى أن يخرج » (1) .
153 بنت ملاّ صدرا
هي بنت الفيلسوف الشهير صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم بن يحيى المعروف بملاّ صدرا ، المتوفى سنة 1050هـ ، وزوجة الملاّ محسن الفيض الكاشاني و اُم أولاده الثلاثة : محمّد علم الهدى ، ومحمّد نور الهدى ، وأحمد معين الدين .
عالمة ، فاضلة ، متكلّمة ، جليلة ، فيلسوفة ، عارفة ، عابدة ، زاهدة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة ، توفيّت في صدر نهار يوم الأحد العشرين من جمادى الاُولى سنة 1097هـ .
أخذت العلم عن أخيها الميرزا ابراهيم ، وتخرّجت على والدها وزوجها .
ذكرها باحترام واجلال ، وأثنى عليها كثيراً سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيّد المرعشي النجفي في مقدمة كتاب معادن الحكمة (2) .
154 بنت الملاّ محمّد التبريزي
فاضلة ، مؤلّفة ، لها كتاب فارسي باسم « بحر الهداية » في الحديث ، جاء في أوّله :
تقول الجانية العاصية بنت الملاّ محمّد التبريزي رضي الله عنه : هذه رسالة شريفة ، مشتملة على
1 ـ الكافي 6 : 384 حديث 3 باب القول على شرب الماء .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 83 ـ 84 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 9 ـ 10 .
بعض المواعظ والنصائح ، وبيان دناءة الدنيا ، وبعض الأحاديث والأخبار (1) .
155 بنت السيّد المرتضى
بنت الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين .
فاضلة ، جليلة ، محدّثة .
تروي عن عمّها السيّد الرضي كتاب نهج البلاغة ، ويروي عنها الشيخ عبدالرحيم البغدادي المعروف بابن الاُخوة ، على ما أورده القطب الراوندي في آخر شرحه على نهج البلاغة (2) .
156 بنت المسعود الورّام
قال الأفندي في رياض العلماء : لم أعلم اسمها ، جدّه ابن ادريس من طرف اُمّه ، كانت فاضلة عالمة صالحة ، وقد مرّ في ترجمة ابن ادريس أنّ اُم ابن ادريس بنت الشيخ الطوسي ، و اُمّها بنت المسعود الورّام ، وكانت اُم ابن ادريس فيها الفضل والصلاح ، وقد أجازها واُختها بعض العلماء ، وحينئذٍ فبنت الشيخ الطوسي كانت فاضلة لابنت المسعود ، فلاحظ (3) .
وذكر السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة نصّ ما ورد في الرياض ، ثم قال : ولا مانع من أن تكون بنت المسعود فاضلة عالمة صالحة ، وبنت الشيخ الطوسي فيها الفضل والصلاح (4) .
ونقل كلامهما من دون تفحّص وإمعان المحلاتي في رياحين الشريعة (5) .
1 ـ فهرست كتب خطّى كتابخانه ملّى فارس : 180 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 409 . وانظر : الكنى والألقاب 3 : 58 ، أعيان الشيعة 2 : 275 و 607 ، أعلام النساء 2 : 295 .
3 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
4 ـ أعيان الشيعة 3 : 48 .
5 ـ رياحين الشريعة 4 : 224 .
وهذا يعني أنّ بنت المسعود الورّام هي زوجة الشيخ الطوسي ، وجدة ابن ادريس من اُمّه ، وجدة السيد ابن طاووس من اُمّه أيضاً ، وفي كلا الكلامين نقاش :
أمّا كون الشيخ الطوسي جد ابن ادريس ، فإنّه في الغرابة بمكان يكاد يلحق بالمحال في العادة ، فإنّ وفاة الشيخ الطوسي في سنة 460هـ ، وولادة ابن ادريس سنة 543هـ ، فبين الوفاة والولادة 83 سنة ، ولو كانت اُم ابن ادريس في وقت إجازة والدها لها في حدود 17 سنة مثلاً ، كانت بنت الشيخ ولدت ابن ادريس في سن مائة سنة تقريباً ، وهذه من الخوارق التي لابدّ أن تكون في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار (1) .
وأمّا كون الشيخ الطوسي جدّ السيّد ابن طاووس مباشرة فخطأ محض ، وفي المسألة قولان :
الأوّل : أنّ الشيخ الطوسي جدّ اُم السيّد ابن طاووس .
وتوضيح المسألة : أنّ المسعود الورّام قد تزوّج بنت الشيخ الطوسي ، فأنجبت له بنتاً ، تزوّجها السيّد موسى بن طاووس ، فأنجبت له السيّد علي والسيّد أحمد ، المعروف كلّ منهما بإبن طاووس .
وإلى ذلك أشار السيّد ابن طاووس في كتابه الأمان قائلاً : ورأيتُ بخط جدّي المسعود ورّام بن أبي فراس قدّس الله جلّ جلاله روحه ونوّر ضريحه في المعنى الذي ذكرناه ما لفظه . . . . (2) .
وفي كشف المحجّة قال : وكان لي عدّة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام بن أبي فراس قدّس الله سرّه وزاد في مراضيه ، انتقلت إليّ مِن والدتي رضوان الله تعالى عليها بأسباب شرعية في حياتها ، وهي بقايا ما تفضّل الله جلّ جلاله به منها (3) .
وقال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين : و اُمّهما ـ أي : السيّد رضي الدين علي ،
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 471 .
2 ـ الأمان : 116 .
3 ـ كشف المحجة : 129 .
وجمال الدين أحمد ـ على ما ذكره بعض علمائنا بنت الشيخ المسعود الورّام بن أبي الفوارس ابن فراس بن حمدان ، و اُم اُمّهما بنت الشيخ الطوسي ، وأجاز لها ولاُختها اُم الشيخ محمّد بن ادريس جميع مصنّفاته ومصنفات الأصحاب (1) .
وذكر الخوانساري في الروضات ما ورد في لؤلؤة البحرين وأضاف قائلاً : ووقع النصّ على جدّتيهما من جهة الاُم في مواضع كثيرة من مصنّفات نفسه (2) .
القول الثاني : وهو أنّ الشيخ الطوسي جدّ والد السيّد ابن طاووس لاُمّه ، وإلى هذا القول ذهب المحدّث النوري في المستدرك قائلاً : ولا يخفى أنّ الذي يظهر من مؤلفّات السيّد أنّ اُمّه بنت الشيخ ورّام الزاهد ، وأنّه ينتهي نسبه من طرف الأب إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله ، ولذا يعبّر عنه بالجد .
وأمّا كيفية الإنتساب إليه فقال السيّد في الإقبال : فمن ذلك ما رويته عن والدي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة بروايته عن شيخه الفقيه حسين ابن رطبة ، عن خال والدي السعيد أبي علي الحسن بن محمّد ، عن والده محمّد بن الحسن الطوسي جدّ والدي من قبل اُمّه ، عن الشيخ المفيد .
فظهر أنّ انتساب السيّد إلى الشيخ من طرف والده أبي ابراهيم موسى ، الذي اُمّه بنت الشيخ ، لا من طرف اُمّه بنت الشيخ ورّام . وما ذكر من أنّ اُم اُم السيّد زوجة ورّام بنت الشيخ فباطل من وجوه :
أمّا أولاً : فلأن وفاة ورّام في سنة 606هـ ، ووفاة الشيخ سنة 460 ، فبين الوفاتين 146 سنة ، فكيف يتصوّر كونه صهراً للشيخ على بنته وإن فرضت ولادة هذه بعد وفاة الشيخ ، مع أنّهم ذكروا أنّ الشيخ أجازها و اُمها .
وأمّا ثانياً : فلأنّه لو كان كذلك لأشار السيّد في موضع من مؤلّفاته ، لشدّة حرصه على ضبط هذه الاُمور .
1 ـ لؤلؤة البحرين 236 .
2 ـ روضات الجنات 4 : 325 .
وأمّا ثالثاً : فلعدم تعرّض أحد من أرباب الإجازات وأصحاب التراجم لذلك ، فإنّ صهريّة الشيخ من المفاخر التي يشيرون إليها ، كما تعرضوا في ترجمة ابن شهريار الخازن وغيره (1) .
157 بنت وائلة بن الأصقع
راوية للحديث ، روى عنها سلمة بن بشير بن صفي .
ذكرها السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة نقلاً عن ابن عساكر في تأريخ دمشق (2) .
158 بهو بيگم اُم آصف الدولة
أديبة ، فاضلة ، من أميرات الهند ، صنّف الأقا أحمد ابن أقا محمّد علي بن الوحيد البهبهاني المتوفى سنة 1235هـ بإلتماسها كتاب « الأيام السعيدة والمنحوسة » (3) .
159 بي بي الأنصاريّة الهراتيّة
ويُقال لها بيدلي ، توفيّت قبل سنة 895هـ .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، فقيهة ، من مشاهير شواعر الشيعة في أواخر القرن التاسع الهجري .
أخذت العلم وفنون الأدب والشعر على أفاضل علماء هرات ، ثم نبغت في فنون الشعر ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الشيخ عبدالله المعروف بالديوانه ، ورزقت منه ولد هو الشيخ زاده الأنصاري من أعلام عصره وكبار الشعراء .
وقد اختلف المؤرّخون في نسبتها ، فذكرها الوزير الإيراني الميرزا محمّد حسن خان
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 471 .
2 ـ أعيان الشيعة 3 : 608 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 623 ، رياحين الشريعة 4 : 983 .
اعتماد السلطنة في كتابه خيّرات حسان على أنّها اُخت الشيخ عبدالله ديوانه (1) ، وتبعه في ذلك صاحب كتاب تذكرة الخواتين (2) .
أمّا الوزير الإيراني المعاصر لها الأمير نظام الدين علي شير نوائي فقال : إنّها زوجة الشيخ عبدالله ديوانه ، ثم أضاف : كان لها ولد باسم الشيخ زاده الأنصاري (3) ، وتبعه في ذلك الشيخ الطهراني في الذريعة (4) .
160 بي بي خواتون الدزفوليّة
العلويّة بي بي خواتون بنت السيّد أسد الله الدزفولي ، وزوجة السيّد صدر الدين الدزفولي .
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة ، لها كتاب « شفاء الصدور » في المواعظ والأخلاق ، وهو تلخيص كتاب « عين الحياة » للعلاّمة المجلسي (5) .
161 بي بي شرف شمس الطباطبائيّة
جدّة سماحة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، وبنت عمّ سماحة آية الله المفسّر الكبير السيّد محمّد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان ، وربيبة صاحب الجواهر آية الله العظمى الشيخ محمّد حسن النجفي قدّس الله أسرارهم جميعاً .
ذكرها السيّد المرعشي النجفي رحمه الله في الإجازة الكبيرة عند ترجمة والده السيّد محمود ابن العلاّمة السيّد شرف الدين الحسيني المرعشي ، وقد أثنى عليها قائلاً : كانت فاضلة ، مُحدّثة ،
1 ـ خيّرات حسان 1 : 159 .
2 ـ تذكرة الخواتين : 70 .
3 ـ مجالس النفائس : 102 .
4 ـ الذريعة 9 | 1 : 153 .
5 ـ الذريعة 14 : 204 | 2195 .
فقيهة (1) .
162 بي بي عالَم الخراسانيّة
بي بي عالَم بنت الحاج الميرزا طاهر الخراساني ، وزوجة الشاعر الإيراني المعروف السيّد ميرزا حبيب الله الشهيدي الخراساني .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، عابدة ، متهجّدة .
درست مقدّمات العلوم الإسلامية وفنون الأدب الفارسي على والدها ، والفقه والأصول والحديث والعرفان على زوجها . ثمّ تفرّغت لدراسة التأريخ وسيرة الأنبياء وقصص العرب وأشعارهم ، واختصّت بدراسة تأريخ الأنبياء وأحوال العلماء والعرفاء (2) .
163 بيجه الكرمانيّة
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، من علماء الفلك والرياضيات في أواخر القرن التاسع للهجرة .
أخذت فنون الأدب والشعر وعلوم الرياضيات والهيئة والنجوم من أكابر علماء عصرها ، ونبغت في الشعر والرياضيات وعلم الفلك .
ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً : كانت عالمة مُنجّمة ، استخرجت التقويم ، وهي اُخت علاء الدين الكرماني ، وقد بَنَتْ مسجداً جنب دار الجامي (3) .
وذكرها الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة قائلاً : ذكرها المعاصر لها الوزير الأمير نظام الدين على شير النوائي المتوفى سنة 960هـ في كتابه مجالس النفائس ما ترجمته : ولها فضائل لا تُعدّ ولا تُحصى ، وكانت تستخرج التقويم وتنظم الشعر
1 ـ الاجازة الكبيرة : 217 .
2 ـ دائرة المعارف تشيّع 3 : 549 .
3 ـ الذريعة 9 | 1 : 151 .
بأسلوب متين رائع (1) .
164 البيضاء الأنصاريّة
البيضاء بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، ويقال لها عمرة ، وأسماء .
زوجة المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، الذي نال شرف الشهادة وبذل دمه في محبّة أهل البيت عليهم السلام .
أديبة ، متكلّمة ، شاعرة ، عُرفت بالأمانة وحفظ العهد والوفاء ، عفيفة ديّنة متورّعة .
حينما هجم مصعب بن الزبير على المختار وتابعيه وقتلهم جميعاً إلاّ النساء من الجواري وغيرهنّ ، فأحضرهنّ وطلب منهنَّ البراءة من المختار وإن لم يفعلن فمصيرهن الموت ، فتبرأنّ جميعاً من المختار باستثناء زوجته البيضاء بنت النعمان فإنّها قالت :
إنّي لن أتبرأ من المختار وإن قتلتموني ، فإنّ الله قد كتب عليّ الشهادة ، وما بعد الشهادة إلاّ الجنّة والحشر مع الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وعلي المرتضى عليه السلام ، ولن أخرج عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولا أتبّع غيره أبداً .
ثم قالت : اللّهم اشهد انّي من تابعي رسولك وأهل بيته عليهم السلام . فقُتلت ونالت شرف الشهادة على أيديهم .
وقال الشاعر عمر بن أبي ربيعة في حقّها :
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 96 ، جواهر العجائب : 130 ، حديقة الشعراء 3 : 2198 ، رياحين الشريعة 4 : 187 .
2 ـ تأريخ الطبري 6 : 112 ، رياحين الشريعة 4 : 83 ، المرأة في ظلّ الإسلام 1 : 351 نقلاً عن العقد الفريد لابن عبدربّه الأندلسي .
وقال الشاعر سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري في ذلك من قصيدة له :
ومن شعرها قولها تُخاطب أخاها أبان بن النعمان :
165 بيگي سلطان الخراسانيّة
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، شاعرة مُجيدة .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب والفقه والحديث على أفاضل علماء خراسان ، فنشأت على حبّ الأدب ، وطبعت نفسها على الشعر ، وأجادت في النظم ، وهي اُخت الدرويش پنج المدّاح .
لها ديوان شعر ، ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً : يوجد شعرها بخطّها في كتاب « كنز السالكين » ، كتبته في مشهد خراسان في يوم تاسوعاء عام 907هـ (2) .
وذكرها السيّد حسن الأمين فيما استدركه على أعيان والده باسم « بيبي سلطان » ، وادّعى أنّ الشيخ الطهراني ذكرها في الذريعة بهذا الاسم أيضاً (3) ، لكنّ الموجود في الذريعة هو « بيگي » .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 199 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ الذريعة 9 | 1 : 155 .
3 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 75 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
166 بيگم جان القاجاريّة
بيگم جان بنت السلطان فتح علي شاه القاجاري .
عالمة ، فاضلة ، عارفة ، من أهل الجود والكرم ، وصاحبة الخيرات والمبّرات والإحسان .
ولدت وترعرعت في بلاط أبي ها ، وأخذت العلم وفنون الأدب على أفاضل علماء طهران ، حتى حصلت على درجة عالية من العلم والفضل (1) .
167 بيگم الأصفهانيّة
بيكم بنت الشاعر المعروف هاتف الأصفهاني ، وزوجة الشاعر علي أكبر المتخلّص بـ ( نظيري ) ، ولدها الشاعر أحمد المتخلّص بـ ( كشته ) .
وهي شاعرة معروفة ، لها ديوان شعر باسم « ديوان رشحة أصفهاني » ، يقع في ثلاثة آلاف بيت ، ترجمها الميرزا محمود قاجار في ( نقل مجلس ) ، وقد طبعت ستّ صفحات من ديوانها في آخر ديوان والدها بطهران (2) .
168 پروين اعتصامي
پروين بنت الكاتب الإيراني المعروف يوسف اعتصامي الأشتياني ، الملقّب بـ ( اعتصام الملك ) ، المتوفى سنة 1356هـ .
ولدت بمدينة تبريز سنة 1906م ، ونشأت وترعرعت في أسرة كريمة . كانت تميل منذ طفولتها إلى الأدب والشعر الفارسي والعربي ، وتتلّمذت في تعلّم هاتين اللغتين على يد
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 98 ـ 99 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، تذكرة الخواتون : 69 ، خيّرات حسان 1 : 81 ، دائرة المعارف تشيع 3 : 587 ـ 588 .
2 ـ الذريعة 9 | 2 : 359 | 2121 .
أساتذة خصوصيين في دار أبيها ، ثم درست اللغة الانكليزية في مدرسة البنات الأميريكية في طهران ، وتقدّمت في تعلّمها تقدّماً سريعاً محسوساً ، وبعد اكمالها للدراسة اشتغلت في هذه المدرسة كمعلمة تُدّرس الأدب .
اتّصفت بحلاوة الحديث ، وصفاء النفس . ومَن أمعنَ النظر في شعرها يجد خلاله انسانةً مُرهفة الشعور ، نيّرة القلب ، تحمل بين جنبيها قلباً رقيقاً عاطفياً حسّاساً تُثيره أدّق الشجون .
إنّ أبواب الشعر التي تطرّقت إليها الشاعرة پروين اعتصامي كانت لها أهمية كبيرة ، ويقال : لم تظهر امرأة في تأريخ الشعر والأدب الفارسيين أعظم منها . عرضت في شعرها أحاسيس المحرومين وآلامهم وآمالهم في الحياة ، وديوانها المطبوع خير شاهد على ذلك ، فهو يحمل بين دفّتيه مجموعة شعرية رقيقة عاطفية ، تصوّر لنا فيه شتى الحالات النفسية .
توفيّت هذه الشاعرة في سنة 1360هـ في مدينة طهران بمرضٍ دام ثلاثة عشر يوماً فقط ، وكان عمرها آنذاك خمسة وثلاثين سنة ، ودفنت إلى جوار قبر أبيها في مدينة قم المقدّسة . وقد رثاها وأبّنها جمع من الشعراء والأدباء ، منهم السيّد محمّد جمال الهاشمي حيث قال :
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 45 .
169 تقيّة الحمدانيّة
الأميرة تقيّة بنت الأمير سيف الدولة أبي الحسن بن عبدالله بن حمدان .
فاضلة ، أديبة ، عارفة بالشعر والأدب .
في ديوان الشريف الرضي : إنّها كانت من أفاضل نساء قومها ، وقد انتقلت من الشام إلى مصر ، وكانت كثيراً ما تُبلغ الشريف الرضي شدّة شغفها بما يقع إلى تلك البلاد من شعره ، حتى التمست انتساخ نسخة عن ديوانه على التمام وحملها إليها من العراق ، ولما ورد الخبر بوفاتها في شهر رمضان سنة 399هـ ، رثاها الشريف الرضي بقصيدة عصماء يقول فيها :
1 ـ تسفع بالنواصي : تقبض عليها فتجتذبها . انظر الصحاح 3 : 1230 « سفع » .
2 ـ شَبَاةُ كلّ شيء : حَدُّ طَرَفِهِ ، والجمع : الشَبا والشَبَوات . الصحاح 6 : 2388 « شبا » .
3 ـ يلبسها : يعيش معها .
1 ـ القصاير : الواحدة قصيرة : وهي المرأة التي لا تخرج من بيتها . الصحاح 2 : 795 « قصر » .
2 ـ حِجال العروس : وهي بيت يُزين بالثياب والأسرِّة والستور . الصحاح 4 : 1667 « حجل » .
3 ـ العَوْد : المسن من الإبل . الصحاح 2 : 514 « عود » .
الجُلال : العظيم . الصحاح 4 : 1658 « جلل » .
4 ـ جعجعها : حبسها على مكروهها .
5 ـ الأذنبة ، الواحدة ذَنوب : وهي الدلو المملوءة . الصحاح 1 : 129 « ذنب » .
170 تكتم اُم الإمام الرضا عليه السلام
وهي اُم ولد كانت للإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهي اُم ولده الإمام الرضا عليه السلام ، كان اسمها سكن النوبية ، وسمّيت أروى ، ونجمة ، وسمانة ، وتكتم ، وهو آخر أسمائها ، عليه استقر اسمها حين ملكها الإمام الكاظم عليه السلام ، ولمّا ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة .
وكنيتها اُم البنين ، ولقبها الشقراء .
وزاد بعضهم في أسمائها خيزران المرسية .
وكثرة أسمائها نظراً لما هو المتعارف والمستحب من تغيير أسماء الممالك عند شرائها .
كانت تكتم جارية مولدة ، أي : ولدت بين العرب ، ونشأت مع أولادهم وتأدّبت بآدابهم . اشترتها حميدة المصفّاة اُم الكاظم عليه السلام ، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة ، حتى أنّها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها ، فوهبتها حميدة لولدها موسى عليه السلام ، وأوصته بها خيراً (4) .
1 ـ الأوراد ، جمع ورِد بالكسر : وهي الماء الذي يُورد . الصحاح 2 : 549 « ورد » .
السجل : الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر . ولا يقال لها وهي فارغة سجل ولا ذَنوب والجمع السجال . الصحاح 5 : 1725 « سجل » .
2 ـ رزمت الشيء : جمعته . الصحاح 5 : 1931 « رزم » .
3 ـ انظر : ديوان الشريف الرضي 2 : 212 ، أعيان الشيعة 3 : 364 ، رياحين الشريعة 3 : 363 .
4 ـ انظر : إعلام الورى : 302 ، أعيان الشيعة 2 : 13 ـ 244 و 3 : 635 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 304 و 307 ، بحار الأنوار 49 : 3 ، تذكرة الخواص : 315 رياحين الشريعة 3 : 20 ، عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 16 .
روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام عدّة روايات تتعلّق بها وبولادتها للإمام الرضا عليه السلام ، نذكرها تعميماً للفائدة :
قال : حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي في داره بنيسابور في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي قراءة عليه ، قال : أبو الحسن الرضا عليه السلام هو علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام ، و اُمّه اُم ولد تُسمّى تكتم ، عليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليهم السلام (1) .
وقال : حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي ، قال : حدّثنا الصولي ، قال : حدّثنا عون بن محمّد الكندي ، قال : سمعتُ أبا الحسن علي بن ميثم يقول ـ وما رأيتُ أحداً قط أعرف باُمور الأئمة عليهم السلام وأخبارهم ومناكحهم منه ـ قال :
اشترت حميدة المصفاة وهي اُم أبي الحسن موسى بن جعفر ـوكانت من أشراف العجم ـ جارية مولدة اسمها تكتم ، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة ، حتى أنّها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها ، فقالت لإبنها موسى عليه السلام : يا بُني إنّ تكتم جارية ما رأيتُ جارية قط أفضل منها ، ولستُ أشكَ أنّ الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل ، وقد وهبتُها لك فاستوص خيراً بها ، فلمّا ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة .
قال : وكان الرضا عليه السلام يرتضع كثيراً ، وكان تام الخلقة ، فقالت : أعينوني بمرضع .
فقيل لها : أنقصَ الدر ؟
فقالت : ما أكذب ، والله ما نقصَ الدرَ ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ وَلدتُ .
قال الحاكم أبو علي : قال الصولي : والدليل على أنّ إسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا عليه السلام :
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 14 حديث 1 .
وقد نسب قوم هذا الشعر إلى عمّ أبي ـ ابراهيم بنالعباس ـ ولم أروه له ، وما لم يقع به رواية وسماعاً فإنّي لا أحقّقه ولا أبطله ، بل الذي لا أشكّ فيه أنّ لعم أبي ـ ابراهيم بن العباس ـ قوله :
قال الصولي : وجدتُ هذه الأبيات بخطّ أبي على ظهر دفتر له يقول فيه : أنشدني أخي لعمّه في علي ـ يعني الرضا عليه السلام ـ تعليق متوق ، فنظرت فإذا هو بقسيمه في القعدد المأمون ؛ لأنّ عبد المطلب هو الثامن من آبائهما جميعاً .
وتكتم من أسماء نساء العرب قد جاءت في الأشعار كثيراً ، منها في قولهم :
قال الصولي : وكانت لإبراهيم بن العباس الصولي ـ عمّ أبي ـ في الرضا عليه السلام مدائح كثيرة أظهرها ، ثم اضطر إلى سترها وتتبعها فأخذها من كلّ مكان .
وقد روى قوم أنّ اُم الرضا تسمّى سكن النوبية ، وسمّيت أروى ، وسميّت نجمة ، وسمّيت سمان ، وتكنّى باُم البنين (1) .
وقال : حدّثنا تيم بن عبدالله بن تيم القرشي رضي الله عنه قال : حدّثني أبي ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : حدّثني علي بن ميثم ، عن أبيه ، قال : لمّا اشترت الحميدة اُم موسى بن جعفر عليهما السلام اُم الرضا عليه السلام نجمة ، ذكرت حميدة أنّها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها : « يا حميدة هبي نجمة لإبنك موسى ، فإنّه سيولد منها خير أهل الأرض » ، فوهبتها له ، فلمّا
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 14 ـ 16 حديث 2 .
ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة ، وكانت لها أسماء منها : نجمة ، وأروى ، وسكن ، وسمان ، وتكتم وهو آخر أساميها .
قال علي بن ميثم : سمعتُ أبي يقول : سمعتُ اُمي تقول : كانت نجمة بكراً لمّا اشترتها حميدة (1) .
وقال أيضاً : حدّثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب بن إسحاق ، عن أبي زكريا الواسطي ، عن هشام بن أحمد ، قال : قال أبو الحسن الأول عليه السلام :
« هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قدم » ؟
قلت : لا .
فقال عليه السلام : « بلى ، قدمَ رجل أحمر فانطلق بنا » ، وركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق ، فقال له : « أعرض علينا » ، فعرض علينا تسع جواري ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام : « لا حاجة لي فيها » ، ثم قال له : « أعرض علينا » .
قال : ما عندي شيء .
فقال له : « بلى أعرض علينا » .
قال : لا والله ما عندي إلاّ جارية مريضة .
فقال لي : قل له : « كم غايتك فيها ، فإذا قال كذا وكذا ، قل : فقد أخذتها » ، فأتيته فقال : مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت : رجل من بني هاشم .
فقال : من أي بني هاشم ؟
فقلت : من نقبائهم .
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 16 ـ 17 حديث 3 .
فقال : اُريد أكثر منه .
فقلت : ما عندي أكثر من هذا .
فقال : اُخبرك عن هذه الوصيفة : إنّي اشتريتها من أقص بلاد المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت : اشتريتها لنفسي .
فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلاّ قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها .
قال : فأتيته بها ، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتى ولدت له علياً عليه السلام (1) .
وحدّثني بهذا الحديث محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه ، قال : حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن خالد ، عن هشام بن أحمد مثله سواء (2) .
171 ثجيلة
زوجة مشعل آل حاچم .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، قالت تنعى زوجها الذي استشهد في ثورة العشرين بالغرب من جسر السويد :
1 ـ عيون خبار الإمام الرضا عليه السلام : 17 حديث 4 .
2 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 18 حديث 5 .
مشعل واخو باشا (1) او علوان
اشرملـوا يـا نـاس نسـوان
تباچة ولا بيها الفـرح بان (2)
172 ثُريا المحسني
من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ، كانت رحمها الله عالمة ، فاضلة ، جليلة ، استاذة للعلوم الإسلامية في مدينة كربلاء المقدّسة .
دَرَسَتْ الفقه والاُصول والحديث على الميرزا محمّد الهندي ، إمام الجماعة خلف رأس الإمام الحسين عليه السلام ، وكانت تُدرّس الفقه والأصول لنساء عصرها .
تروي عن اُستاذها الميرزا محمّد الهندي ، وهو يروي عن ثقة الإسلام النوري ، والمير حامد حسين صاحب العبقات ، والسيّد محمّد حسين الشهرستاني ، بطرقهم .
وقد استجازها في الرواية آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي قدّس الله نفسه الزكيّة ، فأجازته ، حيث ذكرها ضمن مشايخه في الإجازة الكبيرة قائلاً : واعلم أيّدك الله تعالى في الدارين بأنّني أروي عن نساء عالمات فاضلات ، منهنّ الفاضلة العالمة الجليلة ثُريا المحسني (3) .
173 جارية تنعى الحسين عليه السلام
شاعرة ، موالية لأهل البيت عليهم السلام نَعَتْ الحسين عليه السلام وندبتهُ بأبيات مملوءة بالحزن والأسى .
قال بشير ( بشر ) بن حذلم ( أو جذلم ) : فلمّا قربنا من المدينة المنوّره ، نزل علي بن
1 ـ هو جشان ابن الحاج كاظم ، وعلوان ابن عم حبشان .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى (شاعرات في ثورة العشرين) : 264 .
3 ـ الإجازة الكبيرة : 246 .
الحسين عليه السلام فحطّ رحاله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ، وقال : « يا بشير رحم الله أباك كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه » ؟
قلت : بلى يابن رسول الله ، إنّي لشاعر .
فقال : « ادخل المدينة وانعَ أبا عبدالله » .
قال بشير : فركبتُ فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلمّا بلغتُ مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعتُ صوتي بالبكاء وانشأت أقول :
ثم قلت : هذا علي بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله اليكم اُعرّفكم مكانه .
قال : فما بقيتْ في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهن ، ضاربات خدودهن ، يدعين بالويل والثبور . فلم أرَ باكياً أكثر من ذلك اليوم ، وسمعتُ جارية تنوح على الحسين عليه السلام فتقول :
ثم قالت : أيها الناعي جدّدت حزننا بأبي عبدالله وخدشت منّا قروحاً لمّا تندمل ، فمن
1 ـ الشَحْطُ : البُعْدُ . الصحاح 3 : 1135 « شحط » .
2 ـ الشَاسِعُ والشَسُوعُ : البعيد . الصحاح 3 : 1237 « شسع » .
أنت ؟
فقلتُ : أنا بشير بن جذلم ، وجّهني مولاي علي بن الحسين عليه السلام وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبدالله الحسين عليه السلام ونسائه .
ثم ذكر بشير كيفية خروج الناس لإستقبال الإمام زين العابدين عليه السلام وخطبته فيهم (1) .
174 الجاريّة الخماسيّة
أديبة ، شاعرة ، متكلّمة ، مواليّة لأهل البيت عليهم السلام .
قال الشيخ منتجب الدين علي بن عبيدالله بن بابويه الرازي في كتابه « الأربعون حديثاً » الحكاية الاُولى : أخبرنا الشيخ أبو علي تيمان بن حيدر بن الحسن بن أبي عدي الكاتب فيما أذن له ، أخبرنا الشيخ المفيد عبدالرحمان بن أحمد بن الحسين الواعظ إملاءً ، أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد النحوي بقراءتي عليه في داري ، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن يعقوب ، أخبرنا محمّد بن إسحاق ، أخبرنا حاتم بن الليث ، أخبرنا عبدالله بن عمرو الجشمي ، أخبرنا أبو سعيد مضر القارىء ، عن عبدالواحد بن زيد أنَّه قال :
كنتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام ، فبينا أنا في الطواف إذ رأيتُ جاريتين واقفتين عند الركن اليماني ، إحداهما تقول لاُختها : لا وحقّ المنتجب بالوصيّة ، والحاكم بالسويّة ، العادل في القضيّة ، العالي البيّنة ، الصحيح النيّة ، بعل فاطمة المرضيّة ، ما كان كذا وكذا .
قال عبدالواحد : وكنتُ أسمع ، فقلت : يا جارية مَنْ المنعوت بهذه الصفة ؟
فقالت : ذاك والله علم الأعلام ، وباب الأحكام ، وقسيم الجنّة والنار ، وقاتل الكفّار والفجّار ، وربّانيّ الاُمّة ، ذاك أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، الهزبر الغالب أبو الحسن علي ابن أبي طالب .
قلت : مِن أين تعرفين علياً ؟
1 ـ أدب الطف 1 : 65 ـ 66 .
قالت : وكيف لا أعرف من قُتل أبي بين يديه في يوم صفّين ، ولقد دخل على اُمّي ذات يوم فقال لها : كيفَ أصبحت يا اُم الأيتام ؟
فقالت له اُمي : بخير يا أمير المؤمنين ، ثم أخرجتني واُختي هذه إليه ، وكان قد أصابني من الجدري ما ذهب به والله بصري ، فلما نظر إليّ تأوّه ثم طفق يقول :
ثم أمرّ بيده المباركة على وجهي فانفتحت عيناي لوقتي وساعتي ، فوالله يا ابن أخي إنّي لانظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء ، كلّ ذلك ببركة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم أعطانا شيئاً من بيت المال وطيّب قلبنا ورجع .
قال عبدالواحد : فلما سمعتُ هذا القول قمتُ إلى دينار من نفقتي فأعطيتها وقلت : خُذي يا جارية هذا واستعيني به على وقتك .
قالت : إليكَ عنّي ، فقد خلّفنا خير سلف على خير خلف ، نحنُ والله اليوم في عيال أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام ، فولّت وطفقت تقول :
175 جبلة العامريّة
جبلة بنت مصفح العامريّة ، ويقال : بنت مصبح .
راوية من راويات الحديث ، روت عن أبيها عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب
1 ـ الأربعون حديثاً : 75 . ورواه الطبري في بشارة المصطفى : 71 ، وأورده في الخرائج والجرائح : 729 « مخطوط » ، ومناقب ابن شهر آشوب 2 : 334 . ونقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار 41 : 220 نقلاً عن بشارة المصطفى ، وأورده في ثاقب المناقب : 170 « مخطوط » ، وعنه في مدينة المعاجز : 105 حديث 280 .
سلام الله عليه ، وعن حاطب عن أبي ذر .
وروى عنها فضيل بن فرزدق ، وأبو مالك محمّد بن موسى العنبري الكوفي .
وقال ابن عبدالبر : إنّها أدركت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
176 جرداء بنت سمير
مؤمنة ، موالية لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ، لها قصة ظريفة مع زوجها هرثمة بن سليم .
قال نصر بن مزاحم : حدّثنا منصور بن سلام التميمي ، قال : حدّثنا حيّان التيمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي عليه السلام صفين ، فلمّا نزل كربلاء صلّى بنا ، فلمّا سلّم رفع إليه من ترتبها فشمّها ثم قال : « واهاً لكِ يا تربة ، ليحشرنّ منكِ قوم يدخلون الجنّة بغير حساب » .
قال : فلمّا رجع هرثمة من غزاته إلى أمرأته جرداء بنت سمير ـ وكانت من شيعة علي عليه السلام ـ حدّثها هرثمة فيما حدث فقال لها : ألا أعجِّبُكِ من صديقكِ أبي حسن!! قال : لما نزل كربلاء وقد أخذ حفنة من تربتها فشمّها وقال : « واهاً لكِ أيّتها التربة!! ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب » ، وما عِلمه بالغيب ؟
فقالت المرأة له : دعنا عنكَ أيها الرجل ، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل إلاّ حقّاً .
قال : فلمّا بَعَثَ عبيدالله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين عليه السلام ، كنتُ في الخيل التي بعث اليهم ، فلمّا انتهيت إلى الحسين عليه السلام وأصحابه عرفتُ المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام ، والبقعة التي رفع إليه من تربتها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلتُ على فرسي حتى وقفتُ على الحسين عليه السلام ، فسلّمت عليه وحدّثته بالذي سمعتُ من أبيه في هذا المنزل .
فقال الحسين عليه السلام : « أمعنا أم علينا » ؟
فقلت : يابن رسول الله ، لا معكَ ولا عليكَ ، تركتُ ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن
1 ـ انظر : تهذيب التهذيب 12 : 434 ، تقريب التهذيب 2 : 593 ، أعلام النساء 1 : 188 .
زياد .
فقال الحسين عليه السلام : « فولّ هرباً حتى لا ترى مقتلنا ، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا إلاّ دخل النار » .
قال : فأقبلتُ في الأرض أشتد هرباً حتى خفي عليّ مقتلهم (1) .
177 جرهمة الأنصاريّة
شاعرة عربيّة ، موالية لأهل البيت عليهم السلام .
أورد لها ابن شهر آشوب في المناقب هذه الأبيات في مدح علي أمير المؤمنين سلام الله عليه :
178 جروة التيميّة
جروة بنت غالب التيميّة .
متكلّمة ، عارفة بأنساب العرب ، موالية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وقد مدحته وأثنت عليه أمام معاوية بن أبي سفيان عندما سألها عنه .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : حدّثنتا العباس بن بكّار ، قال : حدّثني عبدالله بن سليمان المديني ، عن أبيه ، وسهل التيمي عن أبيه ، عن عمّته ، قالت : احتجم معاوية بمكة ، فلمّا
1 ـ وقعة صفّين : 140 ـ 141 . وانظر : مختصر تأريخ دمشق 7 : 148 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 111 | 2826 ، مجمع الزوائد 9 : 191 ، شرح نهج البلاغة 3 : 169 ـ 170 ، تهذيب التهذيب 2 : 301 ، التشريف بالمنن في التعريف بالفتن ( المعروف بالملاحم والفتن ) لابن طاووس : 335 | 488 نقلاً عن الفتن لأبي يحيى زكريا .
2 ـ مناقب آل أبي طالب 2 : 93 .
أمسى أرق أرقاً شديداً ، فأرسل إلى جروة بنت غالب التميميّة ، وكانت مجاورة بمكة ، وهي من بني أسيد بن عمرو بن تميم ، فلمّا دخلت قال لها : مرحباً يا جروة ، أزعجناك .
قالت : إي والله ، لقد طرقتَ في ساعة ما طُرق فيها الطير وكره ، فأرعب قلبي وأرعب صبياني ، وأفزع عشيرتي ، وتركتُ بعضهم يموج في بعض ، يتراجعون القول ويديرون الأمر ، ويرصدون الكلام خشية منك وخوفاً عليّ .
فقال : ليسكن روعك ، ولتطب نفسكِ ، فإنّ الأمر على خلاف ما ظننتِ ، إنّي احتجمت فأعقبني ذلك أرقاً ، فأرسلتُ إليك تخبريني عن قومكِ .
قالت : عن أي قومي تسألني ؟
قال : عن بني تميم .
قالت : هم أكثر الناس عدداً ، وأوسعهم بلداً ، وأبعدهم أمداً ، هم الذهب الأحمر والحسب الأفخر .
قال : صدقتِ ، فنزّليهم لي .
قالت : أمّا بنو عمرو بن تميم ، فأصحاب بأس ونجدة ، وتحاشد وشدّة ، لا يتخاذلون عن اللقاء ، ولا يطمع فيهم الأعداء ، سلمهم فيهم وسيفهم على عدوهم .
قال : صدقتِ ، ونِعم القول لأنفسهم .
قالت : وأمّا بنو سعد بن زيد مناة ، ففي العدد الأكثرون ، وفي النسب الأطيبون ، يضرون إن غضبوا ، ويدركون إن طلبوا ، أصحاب سيوف وحجف (1) ، ونزّال وزلف ، على أنّ بأسهم فيهم وسيفهم عليهم .
وأمّا حنظلة ، فالبيت الرفيع ، والحسب البديع ، والعزّ المنيع ، المكرمون للجار ، والطالبون بالثار ، والناقضون للأوتاد .
قال : إنّ حنظلة شجرة تفرّع .
1 ـ حجف ، يقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عَقَبٌ : حجفة ودرقة . الصحاح 4 : 1341 « حجف » .
قالت : صدقتَ يا أمير المؤمنين ، وأمّا البراجم : فأصابع مجتمعة ، وكفّ ممتنعة .
وأمّا طهية : فقوم هوج (1) ، وقرن لجوج (2) .
وأمّا بنو ربيعة : فصخرة صمّاء ، وحيّة رقشاء ، عزّهم لغيرهم ، ويفخرون بقومهم .
وأمّا بنو يربوع : ففرسان الرماح ، واُسود الصباح ، يعتقون الأقران ، ويقتلون الفرسان .
وأمّا بنو مالك : فجمع غير مفلول ، وعزّ غير مجهول ، ليوث هرّارة (3) ، وخيول كرّارة .
وأمّا بنو دارم ، فكرم لا يُدانى ، وشرف لا يُسامى ، وعزّ لا يُوازى .
قال : أنتِ أعلم الناس بتميم ، فكيف علمك بقيس ؟
قالت : كعلمي بنفسي .
قال : فخبرّيني عنهم .
قالت : أمّا غطفان ، فأكثر سادة ، وأمنع قادة .
وأمّا فزارة ، فبيتها المشهور ، وحسبها المذكور .
وأمّا ذيبان ، فخطباء ، شعراء ، أعزّة أقوياء .
وأمّا عبس : فجمرة لا تُطفأ ، وعقبة لا تُعلى ، وحيّة لا تُرقى .
وأمّا هوازن : فحلم ظاهر ، وعزّ قاهر .
وأمّا سليم : ففرسان الملاحم ، واُسود ضراغم .
وأمّا نمير : فشوكة مسمومة ، وهامة مذمومة ، وراية ملمومة .
وأمّا هلال : فإسم فخر ، وعزّ قوم .
وأمّا بنو كلاب : فعدد كثير ، وفخر أثير .
قال : لله أنتِ ، فما قولك في قريش ؟
قالت : يا أمير المؤمنين هم ذروة السنام ، وسادة الأنام ، والحسب القمقام .
1 ـ هوج ، جمع أهوج : وهو الأحمق . الصحاح 1 : 351 « هوج » .
2 ـ الملاجة : التمادي في الخصومة . الصحاح 1 : 337 « لجج » .
3 ـ الهرير : صوت الرجال في حربهم . الصحاح 2 : 854 « هرر » .
قال : فما قولكِ في علي ؟
قالت : حاز والله في الشرف حدّاً لا يُوصف ، وغاية لا تُعرف ، وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي ممّا أتخوّف .
قال : فعلتُ ، وأمر لها بضيعة نفسية غلّتها عشرة آلاف درهم (1) .
179 جسرة العامريّة
جسرة بنت دجاجة العامريّة ، من أهل الكوفة ، محدّثة ، روت عن أبي ذر سماعاً عن عائشة .
ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى قائلاً :
أخبرنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، قال : حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ، عن قدامة العامريّة ، عن جسرة بنت دجاجة العامريّة أنّها اعتمرت نحواً من أربعين عمرة ورأت أباذر بالربذة (2) .
180 جلثومة العارضيّة
من عائر بني عارض في الرميثة .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين ، ونزلت إلى ساحة المعركة مشجّعةً الثوار على قتال الانكليز .
وعندما ذهب زوجها وأولادها الثلاثة مع المجاهدين ، دخلت جلثومة وسط الثوار وصاحت بأعلى صوتها بطريقة الحدي :
1 ـ بلاغات النساء : 73 ، أعيان الشيعة 4 : 70 ، رياحين الشريعة 4 : 122 ، أعيان النساء : 96 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 489 ، رياحين الشريعة 4 : 127 .
ثم تنطلق بنفس الروح الثائرة ، فتحفّز الهمم وتُعطي صفات قومها قائلةً :
181 جمانة الفزاريّة
جمانة بنت المسيّب بن نجبة الفزاري ، تزوّجها حذيفة بن اليمان .
من المحدّثات الراويات ، روت عن زوجها حذيفة بن اليمان ، ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى (2) .
وأبوها المسيب بن نَجَبَة ـ بفتح النون والجيم والباء الموحّدة ـ كان من أصحاب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ومن أصحاب الإمام الحسن عليه السلام ، وقد خرج ـبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ـ على ابن زياد مع سليمان بن صرد الخزاعي ، وقتل رضوان الله تعالى عليه في سنة 65 من الهجرة (3) .
182 جوهرة
جارية الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وتبعه في ذلك كل مَن تأخّر عنه (4) .
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 360 .
2 ـ طبقات ابن سعد 8 : 482 .
3 ـ رياحين الشريعة 4 : 131 .
4 ـ انظر : رجال ابن داود : 244 ، رجال الشيخ : 342 ، مجمع الرجال 7 : 171 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، رياحين الشريعة 4 : 132 ، أعيان الشيعة 4 : 298 ، معجم رجال الحديث 23 : 182 .
183 جويرة
راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها بكر بن محمّد .
أورد لها الشيخ الطوسي رحمه الله رواية في التهذيب بسنده عن بكر بن محمّد ، عن جويرة ، قالت :
« مرّ أبو عبدالله عليه السلام وأنا في المسجد أنتظر مولى لنا ، فقال : « يا اُم عثمان ما يُقيمك هاهنا ؟ »
قلتُ : أنتظر مولى لنا .
فقال : « أعتقتموه ؟ » .
قلتُ : لا .
فقال : « أعتقتم أباه ؟ » .
قلتُ : لا ، أعتقنا جدّه .
فقال : « ليس هذا مولاكم ، هذا أخوكم » (1) .
ورواه الشيخ أيضاً في الإستبصار (2) .
وفي الوسائل : بريرة بدل جويرة (3) ، وفي معجم رجال الحديث عنونها باسم كبيرة ، وكثيرة ، وجويرة (4) .
184 جويرة الهاشميّة
امرأة عيسى بن موسى الهاشمي .
1 ـ التهذيب 8 : 253 حديث 918 باب العتق وأحكامه .
2 ـ الإستبصار 4 : 23 حديث 74 .
3 ـ وسائل الشيعة 14 : 561 باب 52 أنّ الأمة إذا كانت زوجة العبد أو الحرّ ثم اُعتقت .
4 ـ معجم رجال الحديث 23 : 198 .
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام (1) .
وروى الشيخ الطوسي في التهذيب ، قال : وامّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن علي الواسطي ، قال : دَخَلتْ الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبدالله عليه السلام ـ وكانت صالحة ـ فقالت : إنّي اُطيّب لزوجي ، فنجعل في المشطة التي امتشط بها الخمر وأجعله في رأسي ؟
قال : « لا بأس » (2) .
وليس المقصود من الخمر هنا الخمر المحرّم المتعارف عليه ، بل هو نضوح ، وهو نوع من الطيب ، وقد فسّره الشيخ الطوسي بالحديث الذي بعده حيث قال :
قال محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى بن عمر ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، قال : سألتُ أبا عبدالله عليه السلام عن النضوح ، قال : « يُطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، يمتشطن به » (3) .
وقال الجوهري في الصحاح : النَّضُوحُ : ضرب من الطيب (4) .
ومثله قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (5) .
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر : النَّضوح بالفتح : ضرب من الطيب تفوح رائحته (6) .
185 جويريّة الخزاعيّة
جويريّة بنت الحارث الخزاعيّة المصطلقيّة ، وقيل : اسمها « جويرة » ، وقد رجّح الشيخ
1 ـ رجال البرقي : 62 .
2 ـ التهذيب 9 : 123 حديث 530 باب الذبائح والأطعمة .
3 ـ التهذيب 9 : 123 حديث 531 باب الذبائح والأطعمة .
4 ـ الصحاح 1 : 412 « نضح » .
5 ـ القاموس المحيط 1 : 253 « نضح » .
6 ـ النهاية 5 : 69 « نضح » .
المامقاني رحمه الله الاسم الأوّل لها ؛ لوروده في كلام ابن عبد البر وابن مندة و أبي نعيم وابن الأثير .
وهي من اُمّهات المؤمنين ، صحابيّة جليلة ، ذكرها الشيخ الطوسى رحمه الله في رجاله من أصحابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
كانت من سبايا غزوة بني المصطلق ، التي وقعت في السنة الخامسة الهجريّة ، فأصبحت من ملك ثابت بن قيس بن شماس ، أو ابن عمٍّ له ، فكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستعينه على كتابتها ، قالت : يا رسول الله أنا جويريّة بنت الحارث ، سيّد قومه ، فقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فقد كاتبتُ على نفسي ، فأعني على كتابتي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أوخير من ذلك ؟ ! أودّي عنكِ كتابتكِ وأتزوّجك » .
فقالت : نعم .
ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبلغ الناس أنّه تزوّجها ، فقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق ، فلقد اُعتق بها مائة من أهل بيت من بني المصطلق ، فلا تعلم امرأة أعظم بركة على قومها .
ولمّا تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حجبها وقسّم لها ، وكان اسمها « برّة » فسماها « جويريّة » (2) .
186 حُبّى اُخت ميسر
حُبّى : بضم الحاء المهملة ، وتشديد الباء الموحّدة ، ثم الألف المقصورة .
وميسر : بصيغة اسم الفاعل ، مِنْ يسر .
وهي من العابدات الزاهدات ، المواليات لأهل بيت العصمة عليهم السلام .
روى الكشي ما يدلّ على حسن حالها وصلاحها ، قال : حدّثني أبو محمّد الدمشقي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، عن ميسر ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
1 ـ رجال الشيخ الطوسي : 32 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 74 ، معجم رجال الحديث 23 : 183 .
أقامت حُبّى اُخت ميسر بمكّة ثلاثين سنة أو أكثر ، حتى ذهب أهل بيتها وفنوا أجمعين إلاّ قليلاً ، قال : فقال ميسر لأبي عبدالله عليه السلام .
جُعلت فداك إن اُختي قد أقامت بمكّة حتى ذهب أهلها ، وقرابتها تحزن عليها ، وقد بقي منهم بقيّة يخافون أن يذهبوا كما ذهب مَن مضى ولا يرونها ، فلو قُلتَ لها فإنّها تقبل منك ، قال : « يا ميسر دعها ، فإنّه ما يُدفع عنكم إلاّ بدعائها » .
قال : فألح على أبي عبدالله عليه السلام ، فقال لها عليه السلام : « يا حُبّى ما يمنعك من مصلّى علي عليه السلام الذي كان يصلّي فيه علي عليه السلام » .
قال : فانصرفت .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : إنّي اعتبرها من الحسان بل الثقات ، لعدم تعقّل عدم ردّ دعاء غير الثقة (1) .
187 حبّابة الوالبيّة
حبّابة بنت جعفر الأسديّة الوالبيّة ، تُكنى بـ « اُم الندى » .
مؤمنة ، عُرفت بولائها لأهل بيت العصمة عليهم السلام ، رأت الإمام علي عليه السلام ومَن بعده من الأئمة إلى زمن الإمام الرضا عليه السلام حيث ماتت في أيامه ، وقد كفّنها الإمام الرضا عليه السلام في قميصه .
وهي راوية من راويات الحديث ، روت عن الأئمة سلام الله عليهم ، وروى عنها ثابت الثمالي .
عدّها البرقي رحمه الله في رجاله من الراويات عن أمير المؤمنين و أبي جعفر عليهما السلام ، وعدّها
1 ـ انظر : رجال الكشي : 417 رقم 491 التحرير الطاووسي : 93 مجمع الرجال 7 : 172 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 455 ، رجال أبو علي : 369 ، تنقيح المقال 3 : 75 ، أعيان الشيعة 4 : 224 و 382 ، رياحين الشريعة 4 : 140 و 195 ، معجم رجال الحديث 23 : 172 و 186 .
الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب الحسن عليه السلام واُخرى من أصحاب الباقر عليه السلام (1) ، وذكرها ابن داود في القسم الأوّل من كتابه في باب الاسماء من أصحاب الحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقر عليهم السلام (2) .
روى الكليني في الكافي بإسناده عن عبدالكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبّابة الوالبية قالت :
رأيتُ أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ـ إلى أن قالت ـ : فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة ، يرحمك الله .
قالت : فقال عليه السلام أعطيني تلك الحصاة ، وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ، ثم قال لي : « يا حبابة إذا ادّعى مدّع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده » .
قالت : ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام ـ إلى أن قالت ـ ثم أتيتُ علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي الكِبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعاً ساجداً مشغولاً بالعبادة فيئست من الدلالة ، فأومأ إليّ بالسبابة فعاد شبابي .
قالت : فقلتُ : يا سيّدي كم مضى من الدنيا وكم بقى ؟
فقال : « أما ما مضى فنعم ، وأما بقي فلا » .
قالت : ثم قال لي : « هاتي ما معك » ، فأعطيته الحصاة فطبع فيها ، ثم أتيت أباجعفر عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبدالله عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أباالحسن موسى عليه السلام فطبع فيها ، ثم أتيتُ الرضا عليه السلام فطبع لي فيها .
1 ـ رجال الشيخ : 42 و 71 .
2 ـ رجال ابن داود : 69 .
وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام (1) .
وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغيبة : وقصة الرضا عليه السلام مع حبابة الوالبية صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه السلام وقال لها : « مَنْ طبع فيها فهو إمام » ، وبقيت إلى أيام الرضا عليه السلام فطبع فيها ، وقد شهدت مَنْ تقدم من آبائه وطبعوا فيها ، وهو عليه السلام آخر من لقيتهم وماتت بعد لقائها إياه وكفّنها في قميصه (2) .
وروى الكشي عن محمّد بن مسعود قال : حدّثني جعفر بن أحمد قال : حدّثني العمركي ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عنبسة بن مصعب وعلي بن المغيرة ، عن عمران بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على امرأة من بني أسد يقال لها حبّابة الوالبية ، فقال لها عباية : تدرين من هذا الشاب الذي معي ؟
قالت : لا .
قال : مه ابن أخيك ميثم .
قالت : إي والله إي والله ، ثم قالت : ألا اُحدثكم بحديث سمعته من أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام :
قلنا : بلى .
قالت : سمعتُ الحسين بن علي عليه السلام يقول :
« نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، وسائر الناس منها براء » .
وكانت قد أدركت أمير المؤمنين عليه السلام ، وعاشت إلى زمن الرضا عليه السلام على ما بلغني والله أعلم (3) .
وروى أيضاً عن حمدويه ، عن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن إسحاق بن سويد
1 ـ الكافي 1 : 346 حديث 1 باب ما يفصل به دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة .
2 ـ الغَيبة : 50 حديث 9 في الكلام على الواقفة في ذيل الروايات الرادة عليهم .
3 ـ رجال الكشي : 114 رقم 182 .
الفرّاء ، عن إسحاق بن عمّار ، عن صالح بن ميثم قال : دخلتُ أنا وعباية الأسدي على حبّابة الوالبية فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم .
قالت : ابن أخي والله حقّاً ، ألا اُحدثكم بحديث عن الحسين بن علي عليهما السلام ؟
فقلنا : بلى قالت :
دخلتُ عليه عليه السلام وسلّمت فردّ السلام ورحّب ثم قال : « ما أبطأك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة ؟ » .
قلت : ما أبطأني عنك إلاّ علّة عرضت .
قال : « وما هي » .
فكشفت خماري عن برص .
قالت : فوضع يده على البرص ودعا ، فلم يزل يدعو حتى رفع يده وقد كشف الله ذلك البرص ، ثم قال : « يا حبابة ليس أحد على ملّة ابراهيم في هذه الاُم ة غيرنا وغير شيعتنا ومن سواهم منها براء » (1) .
وأخرج لها الصدوق في الفقيه رواية فقال : روى المفضّل بن عمر ، عن ثابت الثمالي ، عن حبّابة الوالبية رضي الله عنها قالت :
سمعتُ مولاي أمير المؤمنين عليه السلام يقول : « إنّا أهل بيت لا نشرب المسكر ، ولا نأكل الجري ، ولا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا وليستن بسنتنا » (2) .
1 ـ رجال الكشي : 114 رقم 183 .
2 ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 289 حديث 898 . وانظر إضافة لما مرّ من المصادر : الكافي 1 : 346 و347 ، الخرائج والجرائح : 241 ، بصائر الدرجات : 75 ، التحرير الطاووسي : 92 ، مجمع الرجال 7 : 17 ، منهج المقال : 400 ، إعلام الورى : 208 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 456 ، رجال أبو علي : 369 ، تكملة الرجال 2 : 722 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، أعيان الشيعة 4 : 383 ، رياحين الشريعة 4 : 137 ، معجم رجال الحديث 23 : 184 .
188 حبيبة الأنصاريّة
حبيبة بنت شريق بن أبي خثمة الأنصاريّة ، وقيل الهذليّة ، والدة مسعود بن الحكم .
راوية من راويات الحديث ، روت عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعن بديل بن ورقاء .
وروى عنها عيسى بن مسعود بن الحكم ، ومسعود بن الحكم .
ذكرها أبو نعيم في الصحابة ، وذكرها ابن حبّان في ثقات التابعين (1) .
189 حجابي استرابادي
حجابي بنت الخواجة هادي الاسترابادي ، إحدى الشاعرات الإيرانيات المعروفات بجودة الشعر ولطافته ، أوردَ شعرها وأطراه في مرآة الخيال ص 337 ، وسمّى والدها « هلال استرابادي » (2) .
190 حرَّة السعديّة
حرَّة بنت حليمة السعديّة ، إحدى المؤمنات المواليات لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وإحدى المجاهدات باللسان ، التي قالت كلمة حقّ عند سلطان جائر .
روى أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن أبي طالب القمي في الفضائل ، عن جماعة ثقات : إنّه لما وردت حرَّة بنت حليمة السعدية على الحجّاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه قال لها : أنتِ حرّة بنت حليمة السعدية ؟
قالت له : فراسة من غير مؤمن!
فقال لها : الله جاءَ بكِ ، فقد قيلَ عنكَ أنّك تفضّلين عليّاً على أبي بكر وعمر وعثمان .
1 ـ انظر : الإصابة 4 : 271 ، تهذيب التهذيب 13 : 437 ، تقريب التهذيب 2 : 594 ، أعلام النساء 1 : 240 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9 | 2 : 232 رقم 1412 .
فقالت : لقد كذبَ الذي قال إنّي اُفضّله على هؤلاء خاصة .
قال : وعلى مَن غير هؤلاء ؟ !
قالت : اُفضَله على آدم ، ونوح ، ولوط ، وابراهيم ، وداود ، وسليمان ، وعيسى بن مريم عليهم السلام .
فقال لها : ويلكَ إنّك تفضّليه على الصحابة ، وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اُولي العزم من الرسل ؟ إن لم تأتيني ببيان ما قُلتِ ضربتُ عنقكِ .
فقالت : ما أنا مفضّلته على هؤلاء الأنبياء ، لكن الله عزّ وجلّ فضّله عليهم في القرآن بقوله عزّ وجلّ في حقّ آدم : ﴿ وعصى آدم ربّه فغوى ﴾ (1) ، وقال في حقّ عليّ : ﴿ وكان سعيكم مشكوراً ﴾ (2) .
فقال : أحسنتِ يا حرّة ، فبما تفضّلينه على نوح ولوط ؟
فقالت : الله عزّ وجلّ فضّله عليهما بقوله : ﴿ ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل اُدخلا النار مع الداخلين ﴾ (3) ، وعليّ ابن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة المنتهى ، زوجته بنت محمّد فاطمة الزهراء ، التي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها .
فقال الحجّاج : أحسنتِ يا حرّة ، فبما تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل الله ؟
فقالت : الله عزّ وجلّ فضله بقوله : ﴿ وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي ﴾ (4) ، ومولاي أمير المؤمنين قال قولاً لا يختلف فيه أحد من المسلمين : « لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً » ، وهذه كلمة ما قالها أحد قبله ولا بعده .
فقال : أحسنتِ يا حرّة ، فبما تفضلينه على موسى كليم الله ؟
1 ـ طه : 121 .
2 ـ الإنسان : 22 .
3 ـ التحريم : 10 .
4 ـ البقرة : 260 .
قالت : يقول الله عزّ وجلّ : ﴿ فخرج منها خائفاً يترقّب ﴾ (1) ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخف ، حتى أنزل الله تعالى في حقّه : ﴿ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ﴾ (2) .
قال الحجّاج : أحسنتِ يا حرّة ، فبما تفضلينه على داود وسليمان عليهما السلام )
قالت : الله تعالى فضّله عليهما بقوله عزّ وجلّ : ﴿ إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقّ ولا تتبّع الهوى فيضلّك عن سبيل الله ﴾ (3) .
قال لها : في أيّ شيء كانت حكومته ؟
قالت : في رجلين ، رجل كان له كرم ، والآخر له غنم ، فنفشت الغنم بالكرم فرعته ، فاحتكما إلى داود عليه السلام ، فقال : تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه ، فقال له ولده : لا يا أبة ، بل يؤخذ من لبنها ، وهو قول الله تعالى : ﴿ ففهمناها سليمان ﴾ (4) . وإنّ مولانا أمير المؤمنين علياً عليه السلام قال : « سلوني عن ما فوق العرش ، سلوني عن ما تحت العرش ، سلوني قبل أن تفقدوني » ، وانّه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح خيبر فقال صلى الله عليه وآله وسلم للحاضرين : « أفضلكم وأعلمكم وأقضاكم عليّ » .
فقال لها : أحسنت يا حرّة ، فبما تفضلينه على سليمان ؟
فقالت : الله تعالى فضّله عليه بقوله تعالى : ﴿ ربّ هب لي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ﴾ (5) ، ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال : « طلّقتك يا دنيا ثلاثاً لا حاجة لي فيكِ » ، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه : ﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلوّاً في الأرض ولا فساداً ﴾ (6) .
1 ـ القصاص : 18 .
2 ـ البقرة : 207 .
3 ـ ص : 26 .
4 ـ الأنبياء : 79 .
5 ـ ص : 35 .
6 ـ القصص : 83 .
فقال : أحسنتِ يا حرّة ، فبما تفضلينه على عيسى بن مريم عليه السلام ؟
قالت : الله تعالى فضّله بقوله تعالى : ﴿ إذ قال يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و اُمّي إلهين من دون الله ؟ قال : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك علاّم الغيوب ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به ﴾ (1) ، فأخّر الحكومة إلى يوم القيامة . وعلي بن أبي طالب لمّا ادّعوا النصيرية فيه ما ادّعوه قتلهم ولم يؤخّر حكومتهم ، فهذه كانت فضائله لم تُعدّ بفضائل غيره .
قال : أحسنتِ يا حرّة ، خرجتِ من جوابك ، ولولا ذلك لكان ذلك ، ثم أجازها وأعطاها وسرّحها سراحاً حسناً رحمة الله عليها (2) .
والنصيريّة : طائفة من الغُلاة السَبأيّة ، وملخّص مقالتهم في الأئمة من أهل البيت عليهم السلام : أنّهم روح اللاهوت ، وقد نقل ابن حزم الظاهري في الفصل (3) ، والشهرستاني في الملل والنحل (4) ، وغيرهما تفصيل مقالتهم .
191 حزامة بنت وهب
صحابيّة جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (5) .
واختلف في اسمها .
ففي رجال الشيخ : حرامة .
وفي منهج المقال : خدامة (6) .
1 ـ المائدة : 116 .
2 ـ الفضائل : 137 . وعنه في بحار الأنوار 46 : 134 ، ورياحين الشريعة 4 : 144 .
3 ـ الفِصل 2 : 318 .
4 ـ الملل والنحل المطبوع بهامش الفصل 2 : 22 . 4 : 142 .
5 ـ رجال الشيخ : 34 .
6 ـ منهج المقال : 400 .
وفي نقد الرجال : خرامة (1) .
وفي مجمع الرجال وتنقيح المقال : حزامة (2) .
قال المامقاني : حزامة بنت وهب ، عدّها الشيخ رحمه الله من الصحابيات ، وهي بالحاء المهملة والزاي المعجمة ، والألف والميم والهاء ، وفي بعض النسخ ابدالها بخدامة بالخاء المعجمة والدال ، ولم أقف على حالها ، وليس لها على النسختين ذكر في اُسد الغابة وغيره مما هو موضوع لاستقصاء الصحابة .
192 حسرة الأنصارية
مؤمنة موالية لأهل البيت عليهم السلام ، لها ذِكرٌ حسن في قرب الإسناد يدلّ على إخلاصها لأهل البيت عليهم السلام ومحبّتها لهم .
قال : عن السندي بن محمّد ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « كانت امرأة من الأنصار تُدعى حسرة ، تغشى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وتحنُّ إليهم ، وإن زفر وحبتر لقياها ذات يوم فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقالت : أذهب إلى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقضي من حقّهم ، وأحدث بهم عهداً .
فقالا : ويلكَ إنّه ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فانصرفت حسرة ولبثت أياماً ثم جاءت ، فقالت لها اُم سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبطأ بك يا حسرة ؟
فقالت : استقبلني زفر وحبتر فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقلت : أذهب إلى آل محمّد فأقضي من حقّهم الواجب .
فقالا : إنّهم ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذا على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
1 ـ نقد الرجال : 413 .
2 ـ مجمع الرجال 7 : 173 ، تنقيح المقال 3 : 76 .
فقالت اُم سلمة : كذبا لعنهما الله ، لا يزال حقّهم واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة (1) .
193 حُسنيّة
قال الأفندي الأصبهاني في الرياض : كانت جارية من السبي ، وقد أسلمت في زمن هارون الرشيد ، وكانت فاضلة عالمة مدقّقة ، بصيرة بالأخبار والآثار . والرسالة الفارسية التي جمعها الشيخ أبو الفتوح الرازي صاحب التفسير الفارسي المشهور في قصّة مناظرتها في مسألة الإمامة في مجلس هارون الرشيد مشهورة .
ويظهر من تلك الرسالة غاية الفضل للحسنيّة ونهاية الجلالة ، حتى أنّه يختلج بالبال أنّ تلك الرسالة مما وضعه الشيخ أبو الفتوح المذكور وَعَمَلِهِ ووضْعهِ ، لكن نسبه إلى الحسنية تقبيحاً لمذاهب أهل السنّة وتشنيعاً عليهم بفضيحة عقيدة العامة ، كما فعل نظيره ابن طاووس صاحب « الإقبال » في كتاب « الطرائف » المعروف ، وقد قال فيه : بأنّي رجل من أهل الذمة ، وناظَرَ فيه وباحث مع أرباب المذاهب الأربعة إلى أن يتمّ عليهم الحجة ويثبت مذهب الشيعة ، ثم يصرّح بأنّه صار مسلماً .
ولأجل عدم المعرفة بهذا ، اشتبه الحال على جماعة من الفضلاء حتى على فحول العلماء ، فحسبوا أن كتاب الطرائف لعبد المحمود الذمي ، وهو الذي صدّرَ الكتاب به تورية ، والله يعلم حقيقة الأحوال (2) .
وقال الخوانساري في روضات الجنات : كان النظّام من المعاصرين لهارون الرشيد ، وقد طلبه منها إلى بغداد لأجل المناظرة مع جاريته المسمّاة بالحُسنيّة ، التي رُبّيت في بيت مولانا الصادق عليه السلام ، فناظرته في محضر الرشيد ووزيره يحيى بن خالد البرمكي ، وناظرت الشافعي وأبا يوسف القاضي ببغداد أيضاً ، وقد غلبت على النظّام وعليهم جميعاً في مسائل شتى .
وقد كان سألها النظّام أوّلاً عن ثمانين مسألة فأجابت عنها بحضرة الخليفة ، ثم سألته عن
1 ـ قرب الإسناد : 29 ، وعنه في بحار الأنوار 22 : 223 حديث 3 ، ورياحين الشريعة 4 : 148 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 407 .
مسائل فلم يقدر على جوابها .
وحكى فيها أيضاً أنّها قالت له تعريضاً : ما معنى أنّ الشيعة لم يحللوا لحم الأرنب المستحاضة ، ولا لحم صِغار الكلب ، ولم يجعلوا جلد الكلب وسائر نجس العين بالدباغة طاهرة ، ولم يحلّلوا الخمر المطبوخ ، وحرّموا الشطرنج وسائر أنواع القمار من المزمار والطنبور وغيرهما ، وحرّموا اللواطة ، ولم يقتدوا بكلّ فاسق في الصلاة واكتفوا بالعادل ، ولم يتكلّموا بقول فاسق واحد (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في الأعيان : كانت هذه المناظرة المسمّاة بالحسنية من اختراعات أبو الفتوح الرازي ، وكانت الرسالة باللغة العربية ، وقد لقّبها الشيخ الاسترابادي بـ « گرگين » في ترجمتها . ونظير ذلك طرائف علي بن طاووس قدّس الله روحه التي كتبها باسم عبد المحمود الذمي ، ورسالة أبو الفتوح الاُخرى التي سمّاها برسالة « يوحنا النصراني » ، ونظائر ذلك كثيرة ، والله أعلم بالصواب (2) .
وذكرها الشيخ أغا بزرك الطهراني في ذريعته في عدّة مواضع فقال : الحسنية : رسالة في الإمامة تنسب إلى مؤلّفها ، وهو بعض الجواري من بنات الشيعة ، فيها مناظرتها مع علماء المخالفين في عصر هارون الرشيد ، وفي الرياض : أنّها تنسب إلى الشيخ أبي الفتوح الرازي . ومرّ في 4 : 97 أنّ المولى ابراهيم ترجمها بالفارسية بعدما حملها من دمشق إلى بلاده في سفر حجّه في 958هـ .
ونسخة المولى ابراهيم المذكور فاتني ذكر خصوصياتها ، فإنّي قد رأيتها في مكتبة الخوانساري ، وهي كانت بخطّ السيّد الميرمرتضى بن علم الهدى الطالقاني ، فرغ من كتابتها في الأربعاء الثالث من ربيع الثاني 1129هـ . ولم تكن مصدّرة باسم الشاه طهماسب .
ثم رأيتُ في النجف نسخة اُخرى من الترجمة ، ذكر في أولها أنّه ترجمها الورع المشهور الأمير ضياء الدين ، الذي ظفر بالنسخة وأتى بها إلى إيران ، فاشتهرت في مدّة قليلة ، وسمع بها
1 ـ روضات الجنات 1 : 153 .
2 ـ نقله عنه المحلاّتي في رياحين الشريعة 4 : 148 .
الشاه طهماسب فأمر أن تتوشح باسمه ، فكتب له خطبة باسمه ، ومن المحتمل أن يكون ضياء الدين لقب المولى ابراهيم ، والله أعلم (1) .
وفي مكان آخر قال الطهراني : ترجمة الحسنية : وهي الرسالة المعروفة في الإمامة المنسوبة إلى بعض بنات الشيعة ، للمولى ابراهيم بن ولي الله الاسترابادي . ذكر في أوّل الترجمة أنّه لما حجّ في 958هـ ظفر في دمشق عند بعض السادة على نسخة من هذه الرسالة فحملها إلى بلاده ، فالتمس منه بعض الأخيار ترجمتها إلى الفارسيّة تكثيراً للمنفعة ، وطبعت مع حلية المتقين سنة 1287هـ (2) .
وذكرها أيضاً عند ذكره لرسالة يوحنا الذمي المنسوبة إلى أبي الفتوح الرازي صاحب تفسير روض الجنان (3) ، وقال : إنّها شبيهة بقصة الجزيرة الخضراء (4) ، والحقائق الراهنة (5) ، والطرائف للسيّد ابن طاووس (6) .
194 حفصة
راوية من راويات الحديث .
روت عن محمّد بن خالد بن عبدالله البجلي القسري .
وروى عنها عبدالله بن عامر .
ذكرها الصدوق رحمه الله في المشيخة في طريقه إلى محمّد بن خالد بن عبدالله القسري (7) .
1 ـ الذريعة 7 : 200 رقم 89 .
2 ـ الذريعة : 4 : 97 رقم 452 .
3 ـ الذريعة 25 : 296 رقم 189 .
4 ـ انظر الذريعة 5 : 105 .
5 ـ انظر الذريعة 5 : 145 و 161 .
6 ـ انظر الذريعة 15 : 154 .
7 ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 75 ( المشيخة ) ، معجم رجال الحديث 23 : 187 .
195 حفصة بنت سيرين
راوية من راويات الحديث .
روت عن اُم سليمان ، وروى عنها أبو بشير (1) .
روى الشيخ الطوسي في التهذيب عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن يحيى المعاذي ، عن محمّد بن عبد المجيد ، عن محمّد بن حفص ، عن حفص بن غياث ، عن ليث ، عن عبدالملك ، عن أبي بشير ، عن حفصة بنت سيرين ، عن اُم سلمان ، عن اُم أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« إذا توفّيت المرأة فأرادوا أن يغسّلوها ، فليبدأوا ببطنها فلتمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حُبلى ، فإن كانت حُبلى فلا تحرّكيها ، فإذا أردتِ غسلها فابدأي بسفليها فألقي على عورتها ثوباً ، ثم خذي كرسفة فاغسليها فأحسني غسلها ، ثم أدخلي يدكِ من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات ، وأحسني مسحها قبل أن توضّئيها ، ثم وضّئيها بماءٍ فيه سدر » (2) .
196 حكيمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام
عالمة ، جليلة ، راوية للحديث .
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام الرضا عليه السلام (3) ، روى عنها محمّد بن جحرش .
وأخرج لها الكليني في الكافي رواية ، فقال : علي بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن
1 ـ معجم رجال الحديث 23 : 187 .
2 ـ التهذيب 1 : 302 حديث 880 باب تلقين المحتضرين .
3 ـ رجال البرقي : 62 ، جامع الرواة 2 : 457 ، معجم رجال الحديث 23 : 187 .
زياد ، عمّن ذكره ، عن محمّد بن جحرش ، قال : حدّثتني بنت موسى قالت :
رأيت الرضا عليه السلام واقفاً على باب بيت الحطب وهو يناجي ، ولست أرى أحداً ، فقلت : يا سيّدي لمن تناجي ؟
فقال : « هذا عامر الزهرائي أتاني يسألني ويشكو إلي » .
فقلت : يا سيّدي أحبُ أن أسمع كلامه .
فقال لي : « إنّك إن سمعتِ به حَممتِ سنة » .
فقلت : يا سيّدي أحب أن اسمعه .
فقال لي : « اسمعي » ، فاستمعتُ ، فسمعتُ شبه الصفير ، وركبتني الحمى ، فحممت سنة » (1) .
وهي من ربّات العبادة والصلاح ، شَهِدت ولادة الإمام التاسع الجواد عليه السلام ، وعاشت طويلاً .
ذكرها الشيخ محمّد هادي الأميني في كتابه فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام قائلاً :
إنّ التأريخ لم يذكر لنا عن حياتها وأعقابها شيئاً ، وكانت صاحبة النفوذ والعقل ، ومطاعة عند العترة الطاهرة ، وسيّدات أهل البيت عليهم السلام .
قالت : لما حضرتُ ولادة الخيزران اُم أبي جعفر الجواد عليه السلام ، دعاني الرضا عليه السلام فقال :
« يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتاً » ، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا ، فلما أخذها الطلق طفّى المصباح وبين يديها طشت ، فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر في الطشت ، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه ، فأخذتُه فوضعتُه في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد وقال : « يا حكيمة الزمي مهده » .
1 ـ الكافي 1 : 395 حديث 5 باب : انّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم .
قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، فقمتُ ذعرةً ، فأتيتُ أبا الحسن عليه السلام فقلتُ له : قد سمعت عجباً من هذا الصبي .
فقال : « ما ذاك » ؟ فأخبرته الخبر .
فقال : « يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر » .
وفي جبال بطريق بهبهان مزار ينسب إليها ، يزوره المترددون من الشيعة (1) .
197 حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام
محدّثة ، من الصالحات العابدات القانتات ، لها أخبار كثيرة في تزويج الإمام الحسن العسكري عليه السلام بنرجس اُم المهدي ، وفي ولادة الإمام المهدي عليه السلام .
روى الصدوق في عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام في باب : ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان الحجّة بن الحسن عليهما السلام ، قال :
حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا أبو عبدالله الحسين بن رزق الله ، قال : حدّثني موسى بن محمّد القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت :
بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن علي عليهما السلام ، فقال : « يا عمّة اجعلي إفطاركِ هذه الليلة عندنا ، فإنّها ليلة النصف من شعبان ، فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة ، وهو حجتّه في أرضه » .
1 ـ فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام : 34 نقلاً عن : عمدة الطالب : 196 ، كشف الغمة 2 : 236 ، المناقب 4 : 324 ، الإرشاد : 302 ، إعلام الورى : 312 ، الفصول المهمة : 242 ، تذكرة الخواص : 351 ، مطالب السؤل 2 : 65 ، رياحين الشريعة 4 : 149 ، أعيان الشيعة 4 ق 2 | 81 ، سفينة البحار 1 : 294 ، تحفة العالم 2 : 23 ، تأريخ الأئمة : 20 ، تاج المواليد : 124 ، المستجاد : 444 ، الأنوارع النعمانية 1 : 380 ، تأريخ قم : 199 .
قالت : فقلت له : ومَنْ اُمّه ؟
قال لي : « نرجس » .
قلت : جعلني الله فداك ما بها أثر .
فقال : « هو ما أقول لكِ » .
قالت : فجئتُ ، فلمّا سلّمت وجلست ، جاءت تنزع خفي وقالت لي : يا سيّدتي كيف أمسيت ؟
فقلت : بل أنتِ سيّدتي وسيّدة أهلي .
قالت : فأنكرت قولي وقالت : ما هذا يا عمّة ؟
قالت : فقلت لها : يا بنيّة إنّ الله تعالى سيهب لكِ في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة .
قالت : فخجلت واستحيت .
فلمّا أن فرغتُ من صلاة العشاء الآخرة ، أفطرتُ وأخذت مضجعي فرقدتُ ، فلمّا أن كان في جوف الليل قمتُ إلى الصلاة ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثم جلستُ معقّبة ، ثمّ اضطجعتُ ، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثم قامت فصلّت ونامت .
قالت حكيمة : وخرجت أتفقدّ الفجر ، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرطان وهي نائمة ، فدخلني الشكوك ، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال : « لا تعجلي يا عمّة ، فهذا الأمر قد قرب » .
قالت : فجلستُ وقرأتُ آلم السجدة ويس ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهتْ فزعة ، فوثبتُ إليها فقلت : اسم الله عليكِ ، ثم قلتُ لها : أتحسين شيئاً ؟
قالت : نعم يا عمّة .
فقلتُ لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلتُ لكِ .
قالت : فأخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتبهت بحسِّ سيّدي ، فكشفتُ الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ، فضمّمته إليّ ، فإذا أنا به نظيف متنظّف ، فصاح بي أبو
محمّد عليه السلام : « هلمي إليّ ابني يا عمّة » .
فجئتُ به إليه ، فوضعَ يديه تحت إليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثم أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه ومفاصله ، ثم قال : « تكلّم يا بني » .
فقال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ، ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم .
قال أبو محمّد عليه السلام : « يا عمّة اذهبي به إلى اُمه ليسلّم عليها وآتني به » ، فذهبت به ، فسلّم عليها ، ورددّته فوضعته في المجلس ثم قال : « يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا » .
قالت حكيمة : فلمّا أصبحتُ جئت لاُسلّم على أبي محمّد عليه السلام وكشفتُ الستر لأتفقد سيّدي عليه السلام فلم أره ، فقلت : جعلتُ فداك ما فعلَ سيّدي ؟
فقال : « يا عمّة استودعناه الذي استودعته اُم موسى عليه السلام » .
قالت حكيمة : فلمّا كان في اليوم السابع جئتُ فسلّمت وجلست ، فقال : « هلمي إليّ ابني » ، فجئتُ بسيدّي عليه السلام وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الاُولى ، ثم أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً ثم قال : « تكلّم يا بني » .
فقال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه عليه السلام ، ثم تلا هذه الآية : ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكّن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ﴾ (1) .
قال موسى : فسألتُ عقبة الخادم عن هذه ، فقالت : صدقتْ حكيمة (2) .
وقال أيضاً : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد ابن إسماعيل ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله الطهوي ، قال :
1 ـ القصص : 5 ـ 6 .
2 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 424 حديث 1 .
قصدتُ حكيمة بنت محمّد عليه السلام بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أسألها عن الحجّة ، وقد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها .
فقالت لي : إجلس ، فجلست ، ثم قالت : يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجّه ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام تفضيلاً للحسن والحسين ، وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما ، إلاّ أن الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن عليهما السلام ، كما خصّ ولد هارون على ولد موسى عليه السلام ، وإن كان موسى حجّة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة ، ولابدّ للاُمّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون ، كيلا يكون لخلق على الله حجّة ، وإنّ الحيرة لابدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن عليه السلام .
فقلتُ : يا مولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد .
فتبسّمت ، ثم قالت : إذا لم يكن للحسن عليه السلام عقب فمنَ الحجّة بعده ، وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام .
فقلتُ : يا سيّدتي أخبريني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام .
قالت : نعم ، كانت لي جارية يقال لها نرجس . . . . . . (1)
وروى الشيخ الطوسي رحمه الله عدّة روايات تدلّ على حضور حكيمة ولادة الإمام الحجّة عليه السلام في كتاب الغَيبة (2) .
وروى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق الله أبو عبدالله ، قال : حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدّثني حكيمة ابنة محمّد بن علي عليهما السلام ـ وهي عمّة أبي ه ـ أنه رأته ليلة مولده وبعد ذلك (3) .
وقال المجلسي في بحار الأنوار : إنّ في القبّة الشريفة ـ يعني قبّة العسكريين عليهما السلام ـ قبراً
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : 426 حديث 2 .
2 ـ الغَيبة : 141 .
3 ـ الكافي : 1 : 266 حديث 3 باب : تسمية من رآه عليه السلام .
منسوباً إلى الكريمة النجيبة ، العالمة الفاضلة ، التقيّة الرضيّة ، حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام ، ولا أدري لِمَ لمْ يتعرّضوا لزيارتها مع ظهور فضلها وجلالتها ، وأنّها كانت مخصوصة بالأئمة عليهم السلام ، ومودعة أسرارهم ، وكانت اُم القائم عندها ، وكانت حاضرة عند ولادته ، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام ، وكانت من السفّراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى الله اللسان ممّا يناسب فضلها وشأنها ، والله الموفق (1) .
ونقل المامقاني عن المولى الوحيد ما لفظه : عدم التعرّض لزيارتها رضي الله عنها ـ كما أشار اليه المفضال ـ عجيب ، وأعجبُ منه عدم تعرّض الأكثر كالمفيد رحمه الله في الإرشاد وغيره في كتب التواريخ والسير والنسب لها في أولاد الجواد عليه السلام ، بل حصر بعضهم بناته في غيرها (2) .
198 حلبة مولاة شيبان
راوية من راويات الحديث ، روت عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وروى عنها حاتم أبو فاطمة (3) .
199 حليمة الأسحاقيّة
الشريفة حليمة بنت السيّد عزّ الدين الأسحاقي ، من سادات بني زهرة الحلبيين .
عالمة ، فاضلة ، راوية للحديث .
ذكرها السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة قائلاً .
1 ـ بحار الأنوار 99 : 79 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 76 . وانظر : جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 6 : 217 ، رياحين الشريعة 4 : 150 ، معجم رجال الحديث 23 : 178 .
3 ـ أعلام النساء 1 : 288 نقلاً عن الاستدراك على تراجم رواة الحديث لابن نقطة ( مخطوط ) .
في أعلام النبلاء بتأريخ حلب الشهباء : قال أبو ذر في حوادث سنة 861هـ : في الليلة المسفر صباحها عن نهار الأحد 11 المحرم توفّيت الشيخة المسندة حليمة بنت السيّد عزالدين الأسحاقي نقيب الأشراف ، وصُلّي عليها بجامع حلب ، ودفنت بالمشهد بسفح الجبل عند أسلافها (1) .
200 حليمة السعديّة
حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله السعديّة ، من بني سعد بن بكر .
مرضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولها رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
وكان أهل مكّة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلباً للفصاحة ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « أنا أفصح مَن نطق بالضاد ، بيدَ أنّي من قريش واسترضعتُ في بني سعد » . فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع وفيهن حليمة ، فأصبن الرضاع كلّهن إلاّ حليمة ، وكان معها زوجها الحارث المكنّى أبا ذؤيب وولدها منه عبدالله ، فعُرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يتيم ولا مال له وما عست اُم ه أن تفعل ، فخرج النسوة وخلّفنها .
فقالت لزوجها : ما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكّة غلام يسترضع إلاّ هذا الغلام اليتيم فلو أنّا أخذناه ، فإنّي أكره أن أرجع بغير شيء ؟
فقال لها : خُذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيراً ، فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها حتى روي وروي أخوه ، وكان أخوه لا ينام من الجوع ، فبقي عندها سنتين حتى فطم ، فقدموا به على اُمّه زائرين لها ، وأخبرتها حليمة ما رأت من بركته ، فردّته معها ، ثم ردّته على اُمه وهو ابن خمس سنين ويومين .
وقدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما تزوّج فبسط لها رداءه ، وأعطتها خديجة
1 ـ أعيان الشيعة 6 : 217 .
أربعين شاة وأعطتها بعيراً ، وجاءت إليه يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه (1) .
201 حمّادة بنت الحسن
اُخت أبي عبيدة الحذّاء ، وهي متّحدة مع حمّادة بنت رجاء .
راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها عبدالله الكاهلي (2) .
قال النجاشي : زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذّاء ، كوفي ثقة ، روى عن أبي جعفر و أبي عبدالله عليهما السلام ، اُخته حمّادة بنت رجاء ، وقيل : بنت الحسن ، روت عن أبي عبدالله عليه السلام (3) .
وروى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عبدالله الكاهلي قال : حدّثتني حمّادة بنت الحسن اُخت أبي عبيدة الحذّاء قالت :
سألتُ أبا عبدالله عليه السلام عن رجل تزوّج امرأة وشرط أن لا يتزوّج عليها ، ورضيت أنّ ذلك مهرها ، قالت : فقال أبو عبدالله عليه السلام : « هذا شرط فاسد ، لا يكون النكاح إلاّ على درهم أو درهمين » (4) .
ورواه الشيخ في التهذيب أيضاً (5) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : إن حمّادة بنت الحسن مع كونها اُخت زياد بن عيسى لا يلائم أن تكون بنت الحسن ، إلاّ أن تكون اُخته من قبل اُمه ؛ لأنّ والد زياد مهما اختلف النقل
1 ـ أعيان الشيعة 1 : 218 ، الأعلام للزِركلي نقلاً عن : ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى 2 : 159 ، الإصابة 4 : 274 ، تأريخ أبي الفداء .
2 ـ مجمع الرجال 7 : 173 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رجال أبو علي : 369 ، رياحين الشريعة 4 : 179 ، معجم رجال الحديث 23 : 188 .
3 ـ رجال النجاشي : 170 رقم 449 .
4 ـ الكافي 5 : 381 حديث 9 باب النوادر في المهر .
5 ـ التهذيب 7 : 365 حديث 1479 باب المهور والاُجور .
عن اسمه لم يسمه أحد بالحسن (1) .
202 حميدة الرويدشتي
حميدة بنت المولى محمّد شريف بن شمس الدين محمّد الرويدشتي الأصفهاني .
والرويدشت : ناحية من توابع أصفهان .
ذكرها المولى الأصفهاني في الرياض قائلاً : كانت رحمة الله عليها فاضلة ، عالمة ، معلّمة لنساء عصرها ، بصيرة بعلم الرجال ، نقيّة الكلام ، بقيّة الفضلاء الأعلام ، تقيّة من بين الأنام .
لها حواشي وتدقيقات على كتب الحديث كالاستبصار للشيخ الطوسي وغيره ، تدلّ على غاية فهمها ودقتها واطلاعها ، وخاصة في ما يتعلّق بتحقيق الرجال . وقد رأيتُ نسخة من الاستبصار وكان عليها حواشيها إلى آخر الكتاب ، وأظن أنّها كانت بخطّها رضي الله عنها .
وكان والدي قدس سره كثيراً ما ينقل عنها حواشيها في هوامش كتب الحديث ويحسنها ويستحسنها ، وكان عندنا نسخة الاستبصار وعليها حواشي الحميدة المذكورة بخطّ والدي إلى أواخر كتاب الصلاة ، حسنة الفوائد .
قَرأتْ هي قدّس سرّها على والدها ، وكان أبوها يثني عليها ، ويستظرف ويقول : إن لحميدة ربطاً بالرجال ، يعني : تعتني بعلم الرجال ، وكان يُسميها للتمزّح بعلاّمتة ـ بالتاءين ـ ويقول : إحداها للتأنيث والاُخرى للمبالغة .
ومن غريب ما اتفق أنّها تزوّجت لرضى اُمّها برجل جاهل أحمق ، من أهل تلك القرية من أقربائها .
وقد رأيتُ أنا والدها وكنتُ صغيراً في حياة والدي ، وكان والدها قد طعن في السن ، وكان لا يقبل كثرة سنّة ويقلّله مزاحاً ، وأظنّ أنه بلغ سنه مائة سنة أو ما يقارب من ذلك والله يعلم (2) .
1 ـ تنقيح المقال 3 : 76 .
2 ـ رياض العلماء 5 : 404 ، أعيان النساء : 98 ، رياحين الشريعة 4 : 185 .
وقال الطهراني في الذريعة : لها كتاب رجالي بإسم « رجال حميدة » ثم قال : هي الفاضلة الكاملة حميدة بنت المولى محمّد شريف بن شمس الدين محمّد الرويدشتي الأصفهاني ، ثم نقل ما ذكره الأفندي في الرياض (1) .
وعدّها من مصنّفي الكتب في علم الرجال ، حيث ذكرها في مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال وقال : إنّها توفيت سنة 1087هـ (2) .
وقال أيضاً : لها حاشية على كتاب الاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي ، وذكرها في موضعين : في حرف الألف والحاء (3) .
203 حُمَيْدة المُصفّاة
حُميدة بنت صاعد البربري ، اُم الإمام الكاظم عليه السلام . ويقال إنّها أندلسية ، ولقبها لؤلؤة .
راويّة للحديث ، روت عن زوجها الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها أبو بصير .
من التقيّات الورعات الثقات .
في عيون أخبار الإمام عليه السلام الرضا عليه السلام : كلّما أراد الإمام الصادق عليه السلام تقسيم حقوق أهل المدينة أعطاها لاُمه اُم فروة وزوجته حميدة المصفّاة .
وفي الكافي : قال الكليني : عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبدالله بن أحمد ، عن علي بن الحسين ، عن ابن سِنان ، عن سابق بن الوليد ، عن المعلّى بن خنيس : أنّ أبا عبدالله عليه السلام قال :
« حُميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى اُدّيت إليّ كرامة من الله لي والحجّة من بعدي » (4) .
1 ـ الذريعة : 10 : 114 .
2 ـ مصفّى المقال في مصنّفي عالم الرجال : 162 .
3 ـ الذريعة 2 : 15 و 6 : 18 .
4 ـ الكافي 1 : 477 حديث 2 .
وقال الصدوق أيضاً بسنده عن أبي بصير : قال : دخلتُ على حُميدة المصفّاة لكي اُعزّيها بوفاة زوجها الصادق عليه السلام فبكتْ وبكيتْ ، فقالتْ : يا أبا محمّد لو أنّك رأيت الصادق عليه السلام قبل موته لتعجّبت من تلك الحالة التي تراه عليها ، فتح عيناه وقال :
« اجمعوا بقربي كلّ قراباتي وأهلي » ، فجمعنا له كلّ أهله ، فنظر إليهم وقال : « إن شفاعتنا لا ينالها مستخفاً بالصلاة »(1) .
وروى الكليني في الكافي عن الحسين بن محمّد الأشعري ، عن مُعلّى بن محمّد ، عن علي بن السندي القمي قال : حدّثنا عيسى بن عبدالرحمان ، عن أبيه ، قال : دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر ، وكان أبو عبدالله عليه السلام قائماً عنده ، قدّم إليه عنباً فقال : « حبّة حبّة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير ، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنّه لا يشبع ، وكُله حبتين حبتين فإنّه يستحب » ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : لأي شيء لا تزوّج أبا عبدالله فقد أدرك التزويج ؟ .
قال وبين يديه صرّة مختومة : « أما إنّه سيجيء نخّاس من أهل بربر فينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرّة جارية » .
قال : فأتي لذلك ما اُتي ، فدخلنا يوماً على أبي جعفر عليه السلام فقال : « ألا أخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم ! قد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية » .
قال : فأتينا النخّاس فقال : قد بعتُ ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين ، إحداهما أمثل من الاُخرى :
قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما ، فأخرجها .
فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة ؟
قال : بسبعين ديناراً .
قلنا : أحسن .
1 ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 272 حديث 1 باب عقاب من استخف بصلاته ، أمالي الصدوق : 391 حديث 10 .
قال : لا أنقص من سبعين ديناراً .
قلنا له : نستشريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ما ندري ما فيها ، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكّوا وزنوا .
فقال النخّاس : لا تفكّوا ، فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم اُبايعكم .
فقال الشيخ : ادنوا ، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنّا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص ، فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر عليه السلام ، وجعفر قائم عنده ، فأخبرنا أبا جعفر بما كان ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها : « ما اسمك » ؟
قالت : حميدة .
فقال : « حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة ، أخبريني عنك أبكرٍ أنت أم ثيّب » ؟
قالت : بكر .
قال : « وكيف ، لا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه » .
قالت : قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة ، فيسلّط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مراراً وفعل الشيخ به مراراً .
فقال : « يا جعفر خذها إليك » ، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر عليهما السلام (1) .
وفي عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام : قال الصدوق : حدّثنا تميم بن عبدالله بن عبدالله بن تميم القرشي رضي الله عنه ، قال : حدّثني أبي ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : حدّثني علي بن ميثم ، عن أبيه ، قال :
لمّا اشترتْ الحميدة اُم موسى بن جعفر عليهما السلام اُم ّ الرضا نجمة ، ذكرتْ حميدة أنّها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها : « يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض » فوهبتها ، فلمّا ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة ، وكان لها أسماء منها : نجمة ، وأروى ، وسكن ،
1 ـ الكافي 1 : 397 حديث 1 .
وسمان ، وتكتم وهو آخر أساميها .
قال علي بن ميثم : سمعتُ أبي يقول : سمعت اُمي تقول : كانت نجمة بكراً لمّا اشترتها حميدة (1) .
204 حوريّة الكنانيّة
زوجة عبدالله بن العباس بن عبد المطلب ، عُرفت باُم حكيم بنت خالد الكنانيّة .
شاعرة ، لها موقف بطولي مع بُسر بن أرطأة الذي قتل ولديها سليمان وداود .
فعندما أمر معاوية بن أبي سفيان بُسر بن أرطأة بقتل شيعة علي أمير المؤمنين سلام الله عليه ، فأغار بُسر على مكّة والمدينة ، وقتل فيها أعداداً كثيرة ، ثم توجّة إلى صنعاء اليمن ، وكان الحاكم فيها من قبل أمير المؤمنين عليه السلام هو عبيدالله بن عباس ، فأحسّ بأنّه لم يقدر على مقاومة بُسر بن أرطأة فخرج منها ، ودخلها بسر وقتل عدداً من أهلها .
وكان ممّن قتلهم سليمان وداود ابني عبيدالله بن عباس ، حيث كانا صغيرين ، فذحبهما وقطع رأسيهما كما يذبح الكبش ، فخرجت اُم حكيم مع جماعة من نساء قبيلتها باكيات معولات ، فدعت اُم حكيم بالويل على بُسر وقالت : تُريقون دماء الرجال لقولكم إنّهم مقصّرين ، فما ذنب الصغار ، ولا يوجد مَن فعل فعلتكم هذه في الجاهلية .
فقال بُسر : والله لهممت أن أضع فيكنّ السيف واقتلكنّ جميعاً .
قالت اُم حكيم : والله إنّ قتلنا أحب إلينا ممّا فعلتَ بنا ، وانتدبت قائلةً :
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام 1 : 16 حديث 3 . وانظر : إعلام الورى : 286 ، أعيان الشيعة 2 : 5 ، رياحين الشريعة 3 : 18 ، أعيان النساء : 75 .
2 ـ تشظّى الشيء : إذا تطاير شظايا ، وقال : كالدرتين تَشَظَى عنهما الصدف . الصحاح 6 : 2392 « شظى » .
ودعا أمير المؤمنين عليه السلام على بُسر ، وكان فيما دعا به : « اللّهم لا تمته حتى تسلبه عقله » ، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتى وسوس وذهب عقله ، فكان يهذي بالسيف ويقول : أعطوني سيفاً أقتل به ، لا يزال يردّد ذلك ، فاتخذ له سيفاً من خشب ، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يُصرع ويُغشى عليه ، وكان يضرب على الزق المنفوخ حتى ينتثر ، فلبث كذلك إلى أن هلك لعنه الله .
وكان بُسر مع معاوية في صفين فطلب مبارزة علي عليه السلام في بعض الأيام ، فلمّا علاه علي عليه السلام بالسيف وأيقن ، أنّ حتفه في تلك الضربة أبدى سوأته ، كما فعل ذلك عمرو قبله .
وقد أولع الشعراء بذلك ، فقال الحارث بن النضر السهمي من شعراء ذلك الوقت :
1 ـ اُزهِفَ الشيء واُزدهف : أي ذهب به . الصحاح 4 : 1371 « زهف » .
وقال الأمير أبو فراس الحمداني رحمه الله :
وقال ابن منير الطرابلسي :
وقال السيّد محسن الأمين من قصيدة له :
وقال أيضاً في قصيدة اُخرى :
205 حيدر لادي
أديبة هنديّة ، راثية لأهل البيت ـ خصوصاً الإمام الحسين ـ عليهم السلام ، اشتهرت في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر في الهند .
نشرت مجلّة « الموسم » الفصليّة في عددها التاسع عشر الصادر سنة 1415هـ 1994م بحثاً عن مملكة « أود » الشيعيّة في الهند كتبه J.R.cloe جاء فيه :
1 ـ معادن الجواهر ونزهة الخواطر 1 : 360 ، رياحين الشريعة 3 : 377 .
وفي زمـن غازي الدين حيـدر ( 1814 ـ 1827م ) قـدم النـاس من كـلّ أنحـاء « أود » إلى « لكنـو » خـلال شهر محـرّم على أمل سمـاع النائحـة الحسينيّـة السيّـدة حيـدر لادي ( haydar-lady ) ، وهي تُنشد بعض المراثي الشعريّة في رثاء الإمام (1) .
206 خديجة بنت خويلد (2)
اُم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب .
1 ـ الموسم 19 : 307 .
2 ـ انظر ترجمتها في : الإختصاص للشيخ المفيد : 165 ، 182 ، الإستغاثة ، اُسد الغابة 5 : 434 ، الإستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 279 ، الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 281 ، أعلام النساء 1 : 326 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 146 ، أعيان الشيعة 1 : 220 و 6 : 308 ، بطلة كربلاء للدكتورة بنت الشاطىء : 14 ، تأريخ الإسلام للذهبي 63 و 117 و 133 وغيرها ، تأريخ الاُمم والملوك ( الطبري ) 2 : 280 ، تأريخ الخميس : 1 : 301 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 20 و 31 و262 ، تذكرة الخواص : 271 و 314 ، تكملة الرجال 2 : 727 ، تنقيح المقال 3 : 77 ، جامع الرواة 2 : 457 ، خديجة بنت خويلد لعلي دخيل ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي : 45 ، الدر المنثور في طبقات ربات الخدود : 180 ، ذخائر العقبى : 44 ، رجال صحيح البخاري المسمّى بـ ( الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذي أخرج لهم البخاري في جامعة ) 2 : 835 رقم 1417 ، رياحين الشريعة 2 : 202 ، السمط الثمين : 17 ، سنن الترمذي 5 : 702 ، سيرة ابن هشام 1 : 200 ، سير أعلام النبلاء 2 : 85 ، السيرة الحلبية 1 : 137 ، سيرة المصطفى لهاشم معروف الحسيني : 57 ، السيرة النبوية لإبن كثير 1 : 262 و 2 : 132 ، شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب 1 : 14 ، شهيرات النساء في العالم الإسلامي للأميرة قدرية حسين 2 : 5 ، صحيح البخاري 5 : 47 ، صحيح مسلم 5 : 886 ، صفوة الصفوة 2 : 2 ، الطبقات الكبرى 8 : 14 ، العقد الفريد 5 : 7 ، فاطمة الزهراء عليها السلام وتر في غمد لسليمان كتاني : 112 ، الفصول المهمة : 129 ، الكامل في التأريخ 2 : 39 و90 ، كشف الغمة في معرفة الائمة 1 : 507 ، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام للحافظ الگنجي الشافعي : 357 ، الكنى والألقاب 1 : 106 و 200 و 2 : 354 ، المحبر : 11 و 77 و452 ، المرأة في ظل الإسلام : 123 ، مثلهنّ الأعلى خديجة بنت خويلد لعبدالله العلايلي : 98 ، معجم رجال الحديث 23 : 188 رقم 15617 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 182 ، مناقب الإمام علي بن أبى طالب عليه السلام لابن المغازلي : 329 ، موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدكتورة بنت الشاطىء : 230 ، نساء لهنّ في التأريخ الإسلامي نصيب للدكتور علي ابراهيم حسن : 21 ، نساء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لسنية قراعة : 16 ، وفاة الزهراء سلام الله عليها للمقرّم : 7 .
اُمّها فاطمة بنت زائدة بن الأصم .
حازمة ، شريفة ، جليلة ، ديّنة ، مصونة ، كريمة ، صدّيقة هذه الاُمّة .
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يودّها ويحترمها ويثني عليها ، ويفضّلها على سائر نساء المؤمنين ، ويبالغ في تعظيمها ، ويشاورها في اُموره ، وهي أوّل امرأة آمنت به ، وصدّقته وثبّتت جأشه ، ومضت به إلى ابن عمّها ورقة .
كانت تستقبل آلام الجهاد الذي خاضه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخاضته معه عاملة ماضية ، وصابرة محتسبة ، لا ينبض عندها عرق بلين أو تخوّف ، بل تقطع قناطر الدموع والخطوب المتغولة في بسمة كبرياء ، لم يعهد مثلها إلاّ بعض نفر من صانعي التأريخ ، بصدرها الرحب كانت تستقبل العاصفة وشظاياها المشتعلة .
ونحن عَبر هذه الأسطر القليلة ، والصفحات المتعدّدة لا نستطيع أن نستوعب كلّ جوانب حياة هذه المرأة العظيمة ، بل نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها :
أزواجها :
تزوّجت خديجة بنت خويلد أوّلاً عتيق بن عائذ بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم ، وولدت له بنتاً يقال لها هند ، ثم توفّي عنها عتيق فتزوّجت أبا هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب ، وولدت له ابناً يقال له هند . هذا هو المشهور والمسطور في كتب التراجم والتأريخ .
إلاّ أنّ هناك بعض القدماء مَن يقول بأنّها لم تتزوّج قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّما التي تزوّجت عتيق ثم أبا هالة هي اُختها ، وبما أنّ اسم خديجة كان معروفاً واسم اختها غير معروف ، فنُسب الزوجان وأولادهم إلى خديجة دون اختها ، ومن القائلين بهذا القول هو علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفّى سنة 352هـ ، قال في كتاب الإستغاثة :
قد صحّت الرواية عندنا بأنّه كان لها اُخت من اُمها تسمّى هالة ، قد تزوّجها رجل من بني تميم يقال له أبو هند ، فأولدها ابناً اسمه هند بن أبي هند وبنتين زينب ورقيّة ، ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبلغ الرجال والابنتان طفلتان ، وكانتا موجودتين حين تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
خديجة بنت خويلد ، وماتت هالة بعد ذلك بمدّة يسيرة وخلّفت الطفلتين زينب ورقية في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحجر خديجة .
وكان من سنّة العرب في الجاهلية أنّ مَن يربّي يتيماً ينسب ذلك اليتيم إليه ، ولا يستحل التزوّج بمن يربّيها ؛ لأنّها كانت عندهم بزعمهم بنتاً لمربيها ، فلما ربّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة هاتين البنتين نسبتها إليهما ، وهما بنتا أبي هند زوج هالة اُخت خديجة .
ولم تزل العرب على هذه الحالة إلى أن ربّى بعض الصحابة يتيمة بعد الهجرة ، فقالوا : لو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل يجوز في الإسلام تزويج اليتيمة بمن ربّاها ، فأنزل الله جلّ ذكره آية في تجويز ذلك ، فكانت الجاهلية تنسب هاتين البنتين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم نسب أخوهما هند إلى خديجة ، وكان اسم خديجة نابهاً معروفاً ، وكان اسم اُختها خاملاً مجهولاً ، فظنّوا لما غلب اسم خديجة على اسم هالة اختها ثم نسب هند إليها وان أبا هند كان متزوّجاً بخديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
زواجها من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
خرج النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في تجارة لخديجة ـ وهو ابن خمس وعشرين سنة ـ مع غلامها ميسر ، وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها ، ولمّا علم أبو طالب بأنّها تُهيء تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له : يا ابن أخي أنا رجل لا ما لي وقد اشتدّ الزمان علينا ، وقد بلغني أنّ خديجة استأجرت فلاناً ببكرين ، ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته ، فهل لك أن اُكلّمها ؟
قال : « ما أحببت » .
فقال لها أبو طالب : هل لكِ أن تستأجري محمّداً ، فقد بلغنا أنّك استأجرت فلاناً ببكرين ، ولسنا نرضى دون أربعة بكار .
1 ـ الإستغاثة : 75 .
فقالت : لو سألت ذلك لبعيد بغيض فَعْلنا ، فكيف وقد سألته لحبيب قريب .
فقال له أبو طالب : هذا رزق ساقه الله إليك .
فخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع ميسر بعد أن أوصاه أعمامه به ، وباعوا تجارتهم وربحوا أضعاف ما كانوا يربحون وعادوا . فسرّت خديجة بذلك ، ووقعت في نفسها محبّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحدّثت نفسها بالتزوّج به ، وكانت قد تزوّجت برجلين من بني مخزوم توفيّا عنها ، وكان قد خطبها أشراف قريش فردّتهم .
فتحدّثت بذلك إلى اُختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منيّة ، فذهبت إليه وقالت : ما يمنعك أن تتزوّج ؟
قال : « ما بيدي ما أتزوّج به » .
قالت : فإن كُفيت ذلك ، ودُعيتَ إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟
قال : « فمَنْ هي » ؟
قالت : خديجة .
قال : « كيف لي بذلك ؟ »
قالت : عليّ ذلك .
فأجابها بالقبول ، وخطبها إلى عمّها وحضر مع أعمامه فزوّجها به عمّها ؛ لأنّ أباها كان قد مات ، وقيل : زوّجها أبوها ، وأصدقها عشرين بكرة ، وانتقل إلى دارها ، وكان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام وعمرها أربعون سنة .
إسلامها
أجمع المؤرّخون على أنّ أوّل من أسلم من النساء هي خديجة بنت خويلد ، فبعد أن نزل الوحي على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، جاء وقصّ ما شاهده على زوجته ، فأسلمت خديجة وناصرت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى عُدّ نصرها له أحد الدعائم التي قام عليها الإسلام إضافة إلى سيف علي عليه السلام ودعم أبي طالب شيخ الأباطح .
روت عائشة : إنّ أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتعبّد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزل إلى أهله ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد منها ، حتى جاء الحقّ وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : إقرأ .
قال : ما أنا بقارىء .
قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : إقرأ .
فقلت : ما أنا بقارىء .
فقال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : إقرأ .
فقلت : ما أنا بقارىء ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : ﴿ إقرأ باسم ربّك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربّك الأكرم ﴾ (1) .
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال : زمّلوني زمّلوني ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع . فقال لخديجة وأخبرها بالخبر : لقد خشيت على نفسي .
فقالت له : كلا والله ما يخزيك الله أبداً ، إِنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتُقرىء الضيف ، وتعين على النوائب .
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ، وهو ابن عمّ خديجة ، وكان قد تنصرّ في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فكتب من الأنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان قد عمي .
فقالت له خديجة : يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك .
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما رأى .
1 ـ العلق 1 ـ 3 .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي اُنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً ، ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أومخرجي هم » ؟
قال : نعم ، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلاّ عُوديَ ، وإن أدرك يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم توفّي ورقة .
وروى أبو يحيى بن عفيف ، عن أبيه ، عن جده عفيف قال : جئتُ في الجاهلية إلى مكّة وأنا اُريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها ، فأتيتُ العباس بن عبدالمطلب وكان رجلاً تاجراً ، فأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة وقد حلّقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت ، إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل القبلة ، ثم لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاء غلام فقام عن يمينه ، ثم لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة .
فقلت : يا عباس أمر عظيم!
قال العباس : أمر عظيم ، أتدري مَن هذا الشاب ؟
قلت : لا .
قال : هذا محمّد بن عبدالله ، اُبن أخي ، أتدري مَن هذا الغلام ؟ هذا علي ابن أخي ، أتدري مَن هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته ، إنّ ابن أخي هذا أخبرني أنّ ربّه ربّ السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا والله ما على الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1) .
وقوفها إلى جنب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
من العوامل الأساسية التي تقوّى بها الإسلام ـ كما قلنا ـ هي أموال خديجة بنت خويلد ،
1 ـ خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام : 45
فمنذ اليوم الأوّل لنزول الوحي على نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم نرى خديجة تسارع لإعتناق الدين الحنيف ، وتقف إلى جنب زوجها موقف المدافع والمحامي ، وتضع كل أموالها في تصرّفه نصرة للرسالة الجديدة ، إضافة إلى ذلك كلّه كانت خديجة بنت خويلد المأوى والملجأ ، والقلب الحنون الذي يلجأ إليه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حينما تضايقه قريش ، ويتعرّض للأذى من قبل أعداء الله تعالى . فكان يشكو لها همّه ، وما يلاقي من قومه ، وكانت هي في مقابل ذلك تُحيطه بحنان قلبها الكبير ، وتخفّف عن آلامه وأتعابه ، وتقف موقف المشجّع والمثبّت له .
وقد ثبّت المؤرخون مواقفها البطولية في كتبهم ، نذكر بعضها تعميماً للفائدة :
( 1 ) قال ابن حجر العسقلاني : ومن مزايا خديجة أنّها ما زالت تعظّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتصدّق حديثه قبل البعثة وبعدها . . . ومن طواعيتها له قبل البعثة : أنّها رأت ميله إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها ، فوهبته له صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام (1)
( 2 ) قال ابن إسحاق : وكانت خديجة أوّل من آمن بالله ورسوله ، وصدّقت بما جاء به ، فخفّف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزن إلاّ فرّج الله عنه بها ، إذا رجع إليها تثبّته ، وتخفّف عنه وتصدّقه ، وتهوّن عليه أمر الناس رضي الله عنها (2) .
( 3 ) قالت خديجة لابن عمّها ورقة بن نوفل : أعلن بأنّ جميع ما تحت يدي من مال وعبيد فقد وهبته لمحمّد يتصرّف فيه كيف يشاء ، فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته : يا معاشر العرب إنّ خديجة تشهدكم على أنّها وهبت لمحمّد نفسها ومالها وعبيدها وجميع ما تملكه يمينها ، إجلالاً له وإعظاماً لمقامه ورغبة فيه . وأنفذت إلى أبي طالب غنماً كثيراً ودنانير ودراهم وثياباً وطيباً ليعمل الوليمة ، وأقام أبو طالب لأهل مكّة وليمة عظيمة ثلاثة أيام
1 ـ الإصابة 4 : 275 .
2 ـ اُسد الغابة 5 : 437 .
حضرها الحاضر والبادي (1) .
( 4 ) قال الزهري : بلغنا أنّ خديجة أنفقت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين ألفاً وأربعين ألفاً (2) .
مكانتها عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
ومن الطبيعي جدّاً أن تحتل خديجة بنت خويلد المكانة المرموقة والعالية عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رحمه الله لِما بذلته من دعم مادي ومعنوي في نصرة الدين الحنيف . لقد عاش النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم معها خمساً وعشرين سنة لم يتزوّج خلالها بزوجة اُخرى ، كلّ ذلك إعظاماً لها ، وتبجيلاً لمكانها السامي ، ووفاءً لعطائها للإسلام ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يحترمها ويثني عليها كثيراً في حياتها وبعد وفاتها .
ففي اُسد الغابة عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة ، فقلتُ : هل كانت إلاّ عجوزاً ، فقد أبدلكَ الله خيراً منها . فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب ، ثم قال :
« لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء » .
قالت عائشة : فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبداً (3) .
وقالت : ما غرتُ على أحد من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما غرت من خديجة ، وما بي أن أكون أدركتها ، وما ذاك إلاّ لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها ، وكان لمّا يذبح الشاة يتبع بها صدائق
1 ـ وفاة الزهراء عليها السّلام للمقرّم : 7 .
2 ـ تذكرة الخواص : 314 .
3 ـ اُسد الغابة 5 : 539 .
خديجة فيهديها لهنّ (1) .
وقالت أيضاً : ما رأيتُ خديجة قط ، ولا غرتُ على امرأة من نسائه أشد من غيرتي على خديجة ، وذلك من كثرة ما كان يذكرها (2) .
وحينما كلّمنه أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم في زواج فاطمة عليها السلام وذكرْنَ خديجة ، تقول اُم سلمة : فلمّا ذكرنا خديجة بكى وقال : « خديجة ، وأين مثل خديجة » ، وأخذ في الثناء عليها .
في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
نورد هنا جانباً من أحاديث النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يذكر فيها خديجة بنت خويلد :
( 1 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« أتاني جبرئيل فقال : يا رسولالله هذه خديجة قد أتتكَ ومعها إناء فيه أدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب » (3) .
( 2 ) روي من وجوه : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« يا خديجة جبريل يُقرئك السّلام » ، وفي بعضها : يا محمّد إقرأ على خديجة من ربّها السّلام (4) .
( 3 ) إنّ جبريل قال : يا محمّد إقرأ على خديجة من ربّها السلام ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
« يا خديجة هذا جبريل يقرئك السّلام من ربّك » ، فقالت خديجة : الله هو السّلام ، ومنه السّلام ، وعلى جبريل السّلام (5) .
1 ـ اُسد الغابة 5 : 538 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 186 .
3 ـ اُسد الغابة 5 : 438 .
4 ـ سير أعلام النبلاء 2 : 85 .
5 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 4 : 279 .
( 4 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم : « خير نسائها مريم ابنة عمران ، وخير نسائها خديجة » (1) .
( 5 ) قالت عائشة : ما غرت على أحد من نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، ولكن كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطّعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة ؟ ! فيقول : « إنها كانت وكانت ، وكان لي منها الولد » (2) .
( 6 ) قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها ، فغضب ثم قال :
« لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء » .
قالت عائشة : فقلتُ في نفسي لا أذكرها بعدها بسيئة أبداً (3) .
( 7 ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« خير نساء العالمين مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد » (4) .
( 8 ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » (5) .
1 ـ صحيح البخاري : 4 : 164 .
2 ـ صحيح البخاري 5 : 39 .
3 ـ الإصابة 4 : 275 .
4 ـ اُسد الغابة 5 : 537 .
5 ـ الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 279 .
( 9 ) عن عائشة : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب (1) .
( 10 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمّد » (2) .
( 11 ) قال ابن عباس : خطّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض أربعة خطوط ، ثم قال : « أتدرون ما هذا » ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« أفضل نساء أهل الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » (3) .
( 12 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« خير نسائها خديجة بنت خويلد ، خير نسائها مريم بنت عمران » (4) .
( 13 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« أربع نسوة سيّدات عالمهن : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلهن عالماً فاطمة » (5) .
( 14 ) قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوماً فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوّضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضباً شديداً ، فاُسقط في يدي وقلت في نفسي : اللهم إذا أذهبت غضب رسولك
1 ـ الإصابة 4 : 273 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 184 .
3 ـ الاستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 4 : 279 .
4 ـ اُسد الغابة 5 : 538 .
5 ـ ذخائر العقبى : 44 .
عني لم أعد لذكرها بسوء ، فلمّا رأى النبيّ ما لقيت قال :
« كيف قلتِ ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذّبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمتيه مني » .
قالت : فغدا وراح عليّ بها شهراً (1) .
( 15 ) قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم أمرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد » (2) .
( 16 ) قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذبح الشاة يقول : « أرسلوا إلى أصدقاء خديجة » ، فذكرت له يوماً ، فقال : « إنّي لاُحب حبيبها » (3) .
207 خديجة بنت الإمام الجواد عليه السلام
جليلة القدر ، عالمة بالأخبار .
روى الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغَيبة عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن جعفر الأسدي ، قال : حدّثني أحمد بن ابراهيم ، دخلتُ على خديجة بنت محمّد بن علي الرضا عليه السلام سنة 262هـ فكلّمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم ، ثم قالت : فلان بن الحسن ، فسمّته .
فقلت لها : جعلني الله فداك معاينة أو خبراً ؟
فقالت : خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى اُمّه .
قلت : فأين الولد ؟
قالت : مستور .
1 ـ سير أعلام النبلاء : 2 : 82 .
2 ـ الفصول المهمة : 129 .
3 ـ الإصابة : 4 : 281 .
فقلت : إلى مَن تفزع الشيعة ؟
قالت : إلى الجدّة اُم أبي محمد عليه السلام .
قلت : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟
فقالت : اقتدِ بالحسين بن علي عليهما السلام أوصى إلى اُخته زينب بنت علي عليه السلام في الظاهر ، وكان ما يخرج من علي بن الحسين عليهما السلام من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين عليه السلام .
ثم قالت : إنّكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين عليه السلام يقسّم ميراثه وهو في الحياة .
وروى هذا الخبر التعلكبري عن الحسن بن محمّد النهاوندي ، عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي ، عن أبي حامد المراغي ، قال : سألت خديجة بنت محمّد اُخت أبي الحسن العسكري عليه السلام ، وذكر مثله (1) .
208 خديجة بنت عمر
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
من النساء الفاضلات المحدّثات ، روت عن عمّها محمّد الباقر عليه السلام ، وروى عنها عبدالله ابن ابراهيم بن محمّد الجعفري (2) .
أخرج الكليني لها في الكافي حديثاً ، قال : عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن حسّان ، عن محمّد بن رنجويه ، عن عبدالله بن الحكم الأرميني ، عن عبدالله بن ابراهيم بن محمّد الجعفري ، قال : أتينا بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام نعزّيها بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبدالله بن الحسن ، فإذا هي في ناحية قريبة من النساء ، فعزيناها ثم أقبلنا عليه فإذا هو يقول لابنة أبي يشكر الراثية قولي ، فقالت :
1 ـ الغيبة : 138 .
2 ـ جامع الرواة 2 : 457 ، تنقيح المقال 3 : 77 ، أعيان الشيعة 6 : 312 ، رياحين الشريعة 4 : 196 ، معجم رجال الحديث 23 : 189 .
فقال : أحسنتِ زيديني ، فاندفعت تقول :
فأقمنا عندها حتى كاد الليل أن يجيء ، ثم قالت خديجة : سمعت عمّي محمّد بن علي صلوات الله عليهما وهو يقول :
« إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها ، ولا ينبغي لها أن تقول هجراً ، فإذا جاء الليل فلا ينبغي أن تؤذي الملائكة بالنوح » .
ثم خرجنا فغدونا إليها غدوة فتذاكرنا اختزال منزلها من دار أبي عبدالله جعفر بن محمّد ، قال : فقال : هذه دار تسمّى دار السرقة ، فقالت : هذا ما اصطفى مهديّنا ، تعني محمد بن عبدالله بن الحسن ، تمازحه بذلك .
ثم حكى أنّ موسى بن عبدالله هذا ذكر له مجيء أبيه إلى الصادق عليه السلام عند خروج ابنه محمّد ، وما دار بينهما وما أخبره الصادق عليه السلام ، ونهيه إياهم عن الخروج ، وعدم قبولهم منه ، ووقوع كل ما أخبر به (1) .
خديجة بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام
محدّثة ، من فضليات النساء ، ذات تقوى وإيمان .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله في أصحاب الإمام الباقر محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام (2) .
1 ـ الكافي 1 : 358 حديث 17 باب : ما يفرّق به بين دعوى المحق والمبطل .
2 ـ رجال الشيخ : 142 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 173 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، تنقيح المقال 3 : 77 ، رياحين الشريعة 6 : 313 ، معجم رجال الحديث 23 : 189 .
210 خديجة القزوينيّة
خديجة بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الملا محمّد كاظم البرغاني القزويني .
فقيهة ، مجتهدة ، مُحدّثة ، مؤلّفة ، مُدرّسة للعلوم الإسلامية ، بصيرة بالكلام ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره ، زاهدة ، عابدة .
أخذت المقدّمات وعلوم العربية وفنون الأدب على اختها قرّة العين وسائر رجالات اسرتها ، وتخرجّت في الفقه والأصول والتفسير والحديث على والدها الشيخ محمّد صالح المتوفى سنة 1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ ، وأخذت العرفان عن عمّها الملاّ علي ، والفلسفة عن الآخوند الملاّ آغا الحكمي القزويني .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الميرزا مفيد ابن السيّد الميرزا حسن القزويني ، ورزقت منه خمسة أولاد ذكور .
تصدّرت كرسي التدريس في قسم النساء في المدرسة الصالحية بقزوين ، وكانت تفتي في المسائل الفقهية والعلمية .
لها عدّة مؤلّفات منها : مجموعة المسائل ، رسائل في الفقه ، بعض الرسائل العرفانية . ومؤلّفاتها موجودة الآن عند أحفادها آل شيخ الإسلام في قزوين .
كانت رحمها الله من ربّات الاحسان والكرم ، وملجأً للارامل واليتامى والمنقطعين ، ومن آثارها الباقية جامع ضخم ، والمدرسة الدينية المعروفة باسم ولدها الميرزا مسعود شيخ الإسلام ، حيث ساهمت بقسمٍ من نفقات هذه المدرسة من مالها الخاص .
توفيّت حدود سنة 1321هـ (1) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 104 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
211 خلب النائحة
نائحة عراقيّة ، مجاهدة ، مؤمنة ، معروفة بجودة النوح على الإمام الحسين عليه السلام ، كانت تنوح كثيراً بقصيدة الناشىء والتي منها ال أبي ات التالية :
أظهرت خلب ولاءها لأهل البيت عليهم السلام رغم الظروف السياسيّة الصعبة ، والتعصبات الطائفية العمياء التي عاشتها في القرن الرابع الهجري ، حيث سيّطر الحنابلة على بغداد آنذاك ، وحاربوا المذاهب الإسلاميّة كافة ، وفرضوا مذهبهم على الناس ، حتى أنّ الحسن ابن علي ابن خلف البربهاري رئيس الحنابلة آنذاك أمرَ بقتلها ، فهربت منه ، واختفت في دور بعض الوجهاء ، ومع ذلك كلّه لم تترك النوح على الإمام الحسين عليه السلام ، وأخذت تعقد المجالس الحسينية سرّاً (1) .
212 خنساء الأنصاريّة
خنساء بنت خدام الأنصارية الأوسيّة ، من بني عمرو بن عوف .
صحابية معروفـة ، روى عنها : ابنها السائب بن أبي لبابـة ، وعبدالرحمـان ومجمع ابنا يزيد ابن جاريـة ، وعبـدالله بن أبي يزيد بن وديعـة بن حذام ، وروى محمّـد بن إسحـاق ، عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة ، عن أبيه ، عن جدّته خنساء بنت حذام ، يعني جدّة
1 ـ نشوار المحاضرة 2 : 223 ، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : 259 ، الحسين في موكب الخالدين : 235ـ237 .
الحجاج .
وهي زوج أبي لبابة بن عبدالمنذر ، وقد أنكحها أبوها وهي كارهة ، فردّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكاحها .
وقد اختلف في اسم أبيها قيل : خدام ، وقيل : حذام ، وقيل : حزام (1) .
213 خولة بنت ثامر
وقيل : خولة بنت قيس .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ رحمه الله وابن عبدالبر وابن مندة وأبو نعيم وابن الأثير من الصحابيات ، ولم أستثبت حالها . قال الشيخ رحمه الله : خولة بنت ثامر ، وقيل : خولة بنت قيس . انتهى .
وأشار بذلك إلى ما يأتي في خولة بنت قيس إن شاء الله تعالى .
وظاهر القاموس : أوّلاً : اتحاد خولة وخويلة ، حيث عبّر عن المسمّين بخولة بخويلة ، وثانياً : كون بنت ثامر غير بنت قيس ، قال : والخويلة الظبية ، وبلا لام عشر صحابيات أو أربع ، منهن خويلة كجهينة بنت حكيم ، وبنت ثامر ، وبنت قيس ، وبنت ثعلبة المجالة انتهى .
وغرضه بذلك أنّ المسمّيات بخولة من الصحابيات عشر أو أربع ، منهن أسمائهن خويلة مصغرة ، وأسماء الباقيات خولة مكبّر ، ولكن الموجود في كلمات علماء الرجال تسمية كلّهن بخولة ، ولم يسمّوا بخويلة إلاّ خولة بنت ثعلبة ، وخولة بنت حكيم ، وخولة بنت دليج فإنّهم ذكروا بعد تسميتها بخولة انّه قيل إنّها خويلة .
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 34 ، مجمع الرجال 7 : 73 منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 447 ، تنقيح المقال 3 : 77 ، معجم رجال الحديث 23 : 189 ، اُسد الغابة 5 : 440 ، الإصابة 5 : 286 ، تقريب التهذيب 12 : 442 رقم 2775 و 2 : 596 .
2 ـ رجال الشيخ : 34 .
وعلى كلّ حال فالمسمّيات بخولة من الصحابيات جماعة منهن : خولة بنت الأسود المكناة باُم حرملة الخزاعيّة ، وخولة بنت ثامر الأنصارية ، وخولة بنت ثعلبة التي نزلت فيها آية المجادلة ، وخولة بنت حكيم الأنصارية ، وقيل خويلة بنت حكيم السلمية ، وخولة بنت دليج وقيل خويلة ، وخولة خادمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخولة بنت الصامت ، وخولة بنت عاصم زوجة هلال بن اُميّة التي لاعنها ففرّق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بينهما ، وخولة بنت عبدالله الأنصاري ، وخولة بنت عقبة بن رافع الأشهليّة ، وخولة بنت عمرو ، وخولة بنت قيس النجاريّة الآتية ، وخولة بنت قيس الجهنيّة ، وخولة بنت مالك بن بشر الزرقيّة ، وخولة بنت المنذر بن زيد ، وخولة بنت الهذيل الآتية ، وخولة بنت يسار ، وخولة بنت اليمان الآتية (1)
214 خولة السلميّة
خولة بنت حكيم السلميّة .
عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ في رجاله وابن عبدالبر وابن مندة وأبو نعيم من الصحابيات ، والظاهر أنّه أراد بها خولة بنت حكيم بن اُميّة السلميّة ، زوجة عثمان بن مظعون ، التي كانت امرأة صالحة وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد عثمان ، ونزل فيها قوله سبحانه : ﴿ وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إنْ أرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ ﴾ (3) (4) .
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى : خولة بنت حكيم بن اُميّة بن الحارث بن الأوقص ابن
1 ـ تنقيح المقال 3 : 77 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، معجم رجال الحديث 23 : 189 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 34 .
3 ـ الأحزاب : 50 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 78 .
مرة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرىء القيس بن بهتة بن سليم ، و اُمّها ضعيفة بنت العاص بن اُميّة بن عبدشمس . وكان مرّة بن هلال قدم مكة فحالف عبدمناف ابن قصي نفسه ، وتزوّج عبدمناف ابنته عاتكة بنت مرّة ، فهي اُم هاشم وعبدشمس والمطلب بني عبدمناف .
وقال أيضاً : أخبرنا هشام بن محمّد ، عن أبيه قال : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبْنَ أنفسهنَّ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأرجأها ، وكانت تخدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتزوّجها عثمان بن مظعون فمات عنها .
وقال أيضاً : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثنا ابن أبي الزناد وأبو الخصيب ، عن هشام بن عروةَ عن أبيه . وحدّثنا اُسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن عروة قال : خولة بنت حكيم ممن وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال أيضاً : أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيّب ، عن خولة بنت حكيم أنّها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ، فذكر الحديث (1) .
215 خولة الحمدانيّة
خولة بنت عبدالله بن حمدان ، اُخت سيف الدولة الحمداني .
كانت من فاضلات نساء زمانها ، توفيّت بميافارقين سنة 352هـ ، ورثاها المتنبي بقصيدة يقول فيها :
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 113 و 158 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رجال أبو علي : 369 ، رياحين الشريعة 4 : 209 ، معجم رجال الحديث 23 : 189 ، اُسد الغابة 5 : 444 ، الإصابة 4 : 291 ، تقريب التهذيب 2 : 596 .
216 خير النساء الاستراباديّة
خير النساء بنت الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ سيف الدين الاسترابادي الطهراني .
ولدت في كربلاء حدود سنة 1240هـ ، وتوفيّت في طهران سنة 1325هـ .
عالمة ، فاضلة ، خطيبة ، واعظة ، ترتقي المنبر ، مدرّسة للعلوم الإسلامية .
أخذت المقدّمات والعربية وفنون الأدب على أبيها الشيخ محمّد الاسترابادي المعروف بشريعتمدار المتوفّى سنة 1263هـ ، وأخيها الشيخ علي آل شريعتمدار المتوفّى سنة 1315هـ .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الشيخ محمّد تقي الكاشاني الطهراني المتوفى سنة 1321هـ ورُزقت منه ثلاثة بنين هم : الشيخ محمّد صادق ، والشيخ محمّد رضا ، والشيخ محمّد علي ، وكلّهم من العلماء الأفاضل الذي كانت لهم الصدارة في طهران بعد وفاة والدهم .
هاجرت من كربلاء إلى قزوين بصحبة زوجها ، والتحقت بالمدرسة الصالحية فيها ، وأخذت تتلّمذ على يد قرة العين آنذاك ، ثم عادت إلى كربلاء بصحبة زوجها أيضاً ، ثم هاجرت إلى مدينة النجف الأشرف ، ثم إلى مدينة طهران حيث مستقرّها الأخير (2) .
217 خيزران
والدة الإمام محمّد الجواد عليه السلام ، وهي اُم ولد من بيت ماريّة القبطية اُم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقال لها أيضاً : سبيكة ، ومريسية ، وريحانة ، ودرَّة ، كما هي العادة الجارية في تغير
1 ـ أعيان الشيعة 6 : 360 ، رياحين الشريعة 4 : 208 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 162 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
أسماء الجواري عند شرائهن ، تكنّى باُم الحسن .
وهي من أفضل نساء عصرها ، وأكثرهن ورعاً وتقوى .
روى ابن شهر آشوب في المناقب عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران اُم أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا فقال لي : « يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتاً » ، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا ، فلمّا أخذها الطلق طفّى المصباح وبين يديها طست ، فاغتمّمت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست ، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطح نوره حتى أضاء البيت ، فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي : « يا حكيمة ألزمي مهده » .
قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله » ، فقمت ذعرة فزعة ، فأتيتُ أبا الحسن عليه السلام فقلت له : لقد سمعُت من هذا الصبي عجباً .
فقال : « وما ذاك » ؟ .
فأخبرته الخبر فقال : « يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر » (1) .
218 دارمية الحَجُونيّة الكنانيّة
كانت من فضليات النساء ، راجحة العقل ، فصيحة اللسان ، قويّة الحجّة ، صادقة الولاء لأميرالمؤمنين وسيّد الأوصياء عليه أفضل الصلاة والسّلام .
لها حكاية مع معاوية بن أبي سفيان ظهرت بها فصاحتها ، وقوّة حجّتها ، ورجاحة عقلها ، وصدق ولائها ، واشراق ثنائها .
1 ـ انظر : الكافي 1 : 411 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 316 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4 : 394 ، إعلام الورى : 329 ، أعيان الشيعة 2 : 32 ، رياحين الشريعة 3 : 22 ، أعيان النساء : 110 .
روى ابن عبدربّه في العقد الفريد عن سهل بن أبي سهل التميمي ، عن أبيه ، قال : حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحَجُون يقال لها دارمِيّة الحجُونية ، وكانت سوداء كثيرة اللحم ، فأخبر بسلامتها ، فبعث إليها فجيء بها ، فقال : ما حالكِ يا بنةَ حام ؟
فقالت : لستُ لحام إن عبتني ، أنا امرأة من بني كنانة .
قال : صدقتِ ، أتدرين لم بعثتُ إليكِ ؟
قالت : لا يعلم الغيب إلاّ الله .
قال : بعثتُ إليكِ لأسألكِ : علامَ أحببتِ علياً وأبغضتِني ، وواليتِهِ وعاديتني .
قالت : أوتعفني ؟
قال : لا أعفيك .
قالت : أما إذ أبيت ، فإنّي أحببتُ علياً على عدله في الرعيّة ، وقسمه بالسويّة . وأبغضتك على قتالك مَن هو أولى منك بالأمر ، وطلبتك ما ليس لك بحقّ . وواليت علياً على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الولاء ، وحبّه للمساكين ، واعظامه لأهل الدين . وعاديتك على سفكك الدماء ، وجورك في القضاء ، وحكمك بالهوى .
قال : فلذلك انتفخ بطنك ، وعظم ثدياك ، ورَبَتْ عجيزتك .
قالت : يا هذا بهند والله كان يُضرب المثل في ذلك لابيّ .
قال معاوية : يا هذه أربعي (1) ، فإنّا لم نقل إلاّ خيراً ، إنَّه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها ، وإذا عظم ثدياها تروّى رضيعها ، وإذا عظمت عجيزتها رَزُنَ مجلسها . فرجعت وسكنت .
قال لها : ويا هذه هل رأيتِ علياً ؟
قالت : إي والله .
قال : كيف رأيته .
1 ـ أربع على نفسك : أرفق بنفسك وكفَّ . الصحاح 3 : 1212 ( ربع ) .
قالت : رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ، ولم تشغله النعمة التي شغلتك .
قال : فهل سمعتِ كلامه ؟
قالت : نعم والله ، فكان يجلو القلوب من العمى ، كما يجلو الزيتُ صدأ الطست .
قال : صدقتِ ، فهل لك من حاجة ؟
قالت : أوتفعل إذا سألتك ؟
قال : نعم .
قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها .
قال : ماذا تصنعين بها ؟
قالت : أغذوا بألبانها الصغار ، واستحيي بها الكبار ، واكتسب بها المكارم ، وأصلح بها بين العشائر .
قال : فإن أعطيتك ذلك فهل أحلُّ عندك محلّ عليّ بن أبي طالب ؟
قالت : ماء ولا كَصَدَّاء (1) ، ومرعى ولا كسعْدان (2) ، وفتىً ولا كمالك ، يا سبحان الله أو دونه .
فأنشأ معاوية يقول :
ثم قال : أما والله لو كان عليّ حيّاً ما أعطاكِ منها شيئاً .
قالت : لا والله ، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين (3) .
1 ـ صَدَّاء : عين ما عندهم أعذب منها ، ومنه : ماء ولا كَصَدَّاء . القاموس المحيط 1 : 20 ( صدأ )
2 ـ السعْدان : نبت من أفضل مراعي الإبل ، ومنه : مرعى ولا كسعْدان . القاموس المحيط 1 : 302 ( سعد ) .
3 ـ العقد الفريد 1 : 352 .
وروى ذلك أيضاً ابن طيفور في بلاغات النساء عن أبي إسحاق المقدمي (1) ، وذكره السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة (2) .
219 درّة المخزوميّة
درّة بنت أبي سلمة بن عبدالأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم المخزوميّة ، اُمّها اُم سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
ورثت من اُمّها العلم والفضل ، حتى قيل : إنّها كانت أفقه نساء عصرها ، وقد روت الكثير من الأخبار والسِير ، حيث كانت مشهورة بمعرفتها للأخبار والسِير .
قيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : تحدّثنا أنّك ناكح درّة بنت أبي سلمة .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّها لو لم تكن ربيت في حجري ما حلّت لي ؛ لأنّها ابنة أخي من الرضاعة » .
وفي الإصابة لابن حجر : وردت تسميتها في بعض طرق الحديث المذكور عند البخاري من طريق الليث ، عن يزيد بن حبيب ، عن عراك بن مالك ، عن زينب بنت أبي سلمة : أنّ اُم حبيبة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تحدّثنا أنك ناكح درّة . . . . . . وذكرها الزبير بن بكار في كتاب النسب في أولاد أبي سلمة بن عبدالأسد (3) .
220 درّة الصدف
بنت عبدالله بن عمر الأنصاري ، الشهيدة في سبيل رأس الإمام الحسين بن علي عليهما السلام .
في سِير أعلام النساء نقلاً عن الدربندي في أسرار الشهادة ، عن أبي مخنف أنّه قال :
1 ـ بلاغات النساء : 72 .
2 ـ أعيان الشيعة 6 : 364 .
3 ـ انظر : اُسدالغابة 5 : 499 ، الإصابة 4 : 297 ، الاستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 298 ، رياحين الشريعة 4 : 242 .
لما جرّد بالموصل ثلاثون سيفاً تحالفوا على قتل خولي لعنه الله ومن معه ، فبلغه ذلك ، فلم يدخل البلد وأخذ على تل عفراء ثم على عين الوردة ، وكتبوا إلى صاحب حلب أن تلقانا فإنّ معنا رأس الحسين الخارجي ، فلمّا وصل الكتاب إليه علم به عبدالله بن عمر الأنصاري ، فعظم ذلك عليه وكثر بكاؤه وتجدّدت أحزانه رحمه الله لأنّه كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
فلمّا بلغه سم الحسن عليه السلام وموته ، مثّل في منزله قبراً وجلّله بالحرير والديباج ، وكان يندب الحسن ويرثيه ويبكي عليه صباحاً ومساءً .
فلمّا بلغه حينئذٍ قتل الحسين عليه السلام وحمل رأسه إلى يزيد ووصوله إلى حلب ، دخل منزله وهو يرعد ويبكي ، فلقته ابنته درّة الصدف فقالت : ما بكَ يا أبتاه ، لا بكى بك الدهر ولا نزل بقومك القهر ، أخبرني عن حالك ؟
فقال لها : يا بنيّة إنّ أهل الشقاق والنفاق قتلوا حسيناً وسبوا حريمه ، والقوم سائرون بهم إلى اللعين يزيد ، وزاد نحيبه وبكاؤه ، وجعل يقول :
فقالت له ابنته : يا أبتاه لا خير في الحياة بعد قتل الهداة ، فوالله لاُحرّضنّ في خلاص الرأس والأسارى ، وآخذ الرأس وأدفنه عندي في داري ، وأفتخر به على أهل الأرض إن ساعدني الإمكان .
وخرجت درّة وهي تنادي في أطراف حلب وأزقتها : قُتل يا ويلكم الإسلام ، ثم دخلت منزلها ولبست درعاً وتأزّرت بالسواد ، وخرجت معها من بنات الأنصار وحمير سبعون فتاة بالدروع والمغافر ، فتقدّمتهن فتاة يقال لها نائلة بنت بكير بن سعد الأنصاري ، وسرن من ليلتهن حتى إذا كان عند طلوع الشمس إذ لاحت لهنّ الغبرة من البعد ولاحت الأعلام وضربت البوقات أمام الرأس ، فكمنت درة الصدف ومن معها حتى قرب القوم منهنّ فسمعن
بكاء الصبيان ونوح النساء ، فبكت درّة الصدف ومن معها بكاءً شديداً وقالت : ما رأيكنّ ؟
قلنَ الرأي أن نصبر حتى يقربوا منّا وننظر عدّة القوم ، حتى إذا طلعت الرايات وإذا تحتها رجال قد تلثّموا بالعمائم وجردوا السيوف وشرعوا الرماح ، والبيض تلمع ، والدروع تسمع ، وكل منهم يرتجز .
فأقبلت درة الصدف عليهن وقالت : الرأي أن نستنجد ببعض قبائل العرب ونلتقي القوم ، وتوجّه جيش يزيد إلى حلب ودخلوا من باب الأربعين .
وقال : قالت درّة الصدف مالنا ألاّ نكتب أهل حلب فينجدنا عسكرهم ، فأرسلت إليهم ، فجاء ستة آلاف فارس وراجلٌ فتواصلت الجيوش من كلّ مكان ، وأقام كلّ منهم القتال أياماً فتكاثرت الجيوش على درّة الصدف ومن معها فقالوا : جاءنا مالا طاقة لنا به ، ولم يزل يقاتلون القوم إلى أن قتلت درة الصدف ، وقتل من أهل المدينة ستة رجال واثنتا عشرة امرأة (1) .
221 درّة العلماء
هي العالمة الفاضلة ، الكاملة الواعظة ، القارئة العابدة الزاهدة ، ذات الأخلاق الملكيّة ، والصفات القدسيّة ، الشهيرة بـ « خانم قرائت » ، والملقبة بالحزينة .
ولدت في شيراز ، وتتلمذت عند الميرزا ابراهيم المحلاّتي ، والميرزا هداية الله الشيرازي . ثم هاجرت إلى كربلاء المقدّسة ، وكانت تُدرّس الكتب الأربعة للنساء .
تروي عن عدّة منهم المحلاتي والشيرازي ، ويروي عنها سماحة آية الله العظمى السيّد شهابالدين المرعشي النجفي ، حيث قال في الإجازة الكبيرة : اعلم أيّدك الله تعالى بأنني أروي عن نساء عالمات فاضلات منهنّ خانم قرائت الشيرازيّة ، توفّيت في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1341هـ ، ودفنت فيها (2) .
1 ـ سير أعلام النساء 2 : 70 نقلاً عن أسرار الشهادة للدربندي : 498 .
2 ـ الإجازة الكبيرة : 246 .
لها أشعار باللغة العربية واُخرى بالفارسية ، ولها أشعار جمعت فيها اللغتين العربية والفارسية . وأكثر شعرها في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، وفي الحكم والمواعظ .
لها ديوان مطبوع في طهران سنة 1332هـ . ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة (1) .
قالت تصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والأئمة عليهم السلام :
1 ـ الذريعة 9 | 1 : 235 رقم 1432 .
وقالت في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام :
وقالت تشكو زمانها ، وترك الأهل والأحبّة لها ، وسبب تسميتها « حزينة » :
وقالت أيضاً :
وقالت أيضاً :
222 دعد الكيالي
شاعرة فلسطينية ، كرّست أعمالها الأدبيّة للنكبة ، وغنّت لفلسطين في معظم شعرها .
وفي عام 1946م زارت مدينة النجف الأشرف ، ونظمت فيها قصيدة رائعة ، قرنت فيها بين ضيعة القدس ومأساة الطفوف ، مستلهمة من كربلاء صمود الحسين عليه السلام وتضحيته . وقد نشرت هذه القصيدة مؤخّراً مجلة الموسم الفصليّة في عددها الثالث عشر الصادر في عام 1413هـ1992م ، حيث تقول فيها :
1 ـ انظر تراجم أعلام النساء 2 : 72 .
223 دلشاد خاتون
بنت الأمير تيمور ابن الأمير جويان ، زوجها الشيخ حسن الايلكاني ، وهي اُم السلطان اويس .
تُعدّ من صالحات النساء ، ذات عقل كبير وتدبير حكيم .
قال صلاح الدين الصفدي : كان الحكم في زمان الأمير الشيخ حسن في الواقع بيد زوجته دلشاد خاتون ، وكانت ترأف على الفقراء والغرباء ، ولها أعمال خيريّة كثيرة ، توفّيت سنة 752هـ في بغداد ، وشيّع نعشها لمدينة النجف الأشرف بكامل التجليل (1) .
وذكر المحلاتي لها عدّة أبيات شعرية (2) .
224 ديلم بنت عمر
زوجة زهير بن القين ، الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء مع سيّد الشهداء الإمام الحسين ابن علي عليهما السلام .
وهي من المؤمنات المواليات لأهل البيت عليهم السلام ، شجّعت زوجها على إجابة الإمام الحسين عليه السلام حين دعاه إلى نُصرته ، وعندما ذهب زوجها لنصرة الحسين عليه السلام ودّعته زوجته وقالت له : خار الله لكَ ، أسألكَ أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام .
وبعد مصرع زوجها زهير بن القين بعثت كفناً بيد غلام لها وقالت له : اذهب وكفّن مولاك ، فذهب الغلام ليكفّن سيّده فوجد الحسين عليه السلام بلا كفن فكفّنه ، ورجع وأخذ كفناً آخراً وكفّن به مولاه زهير بن القين (3) .
علماً بأنّ الذي عليه علماء الإماميّة أنّ الذي تولّى تغسيل الإمام الحسين عليه السلام وتكفينه
1 ـ الدرر الكامنة 2 : 14 و 101 ، أعيان الشيعة 6 : 426 .
2 ـ رياحين الشريعة 4 : 230 .
3 ـ ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد المطبوعة في نشرة تراثنا 10 : 190 ، رياحين الشريعة 3 : 306 .
ودفنه ، هو ولده الإمام زين العابدين عليه السلام .
225 ذرة بنت معاذ
محدّثة جليلة ، حدّثت عن اُم هاني بنت أبي طالب ، وحدّث عنها أبو الأسود محمّد بن عبدالرحمن المدني ، الذي كان حيّاً في آخر أيام بني اُمية (1) .
226 الذكوانيّة
امرأة من بني ذكوان ، مؤمنة ، شجاعة ، ذات فصاحة وبيان .
في « بلاغات النساء » و « محادثات النساء » عن خالد بن سعيد ، عن رجل من بنياميّة قال : حضرتُ معاوية يوماً وقد أذن للناس اذناً عامّاً ، فدخلوا عليه لمظالمهم وحوائجهم ، فدخلت امرأة كأنّها قلعة ، ومعها جاريتان لها ، فحدرت اللثام عن لونٍ كأنّما اُشرب ماء الدرّ في حمرة التفاح ، ثم قالت :
الحمدُ لله يا معاوية ، الذي خلق اللسان فجعل فيه البيان ، ودلّ به على النعم ، وأجرى به القلم فيما أبرم وحتم ، ودرأ وبرأ وحكمَ وقضى . صرف الكلام باللغات المختلفة على المعاني المتفرّقة ، ألّفها بالتقديم والتأخير ، والاشباه والمناكير ، والموافقة والتزايد . فأدّته الآذان إلى القلوب ، وأدّته القلوب إلى الألسن بالبيان ، وتمّت به النعم .
فكان من قضاء الله وقدره أن قرّبتَ زياداً ، وجعلتَ له بين آل سفيان نسباً ، ثم ولّيته أحكام العباد ، يسفك الدماء بغير حلّها ولا حقّها ، ويهتك الحرم بلا مراقبة الله فيها . خؤون ، غشوم ، كافر ظلوم . يتخيّر من المعاصي أعظمها ، لا يرى لله وقاراً ، ولا يظنّ أنّ له معاداً . وغداً يعرض عمله في
1 ـ أعلام النساء 1 : 426 ، أعيان النساء : 132 .
صحيفتك ، وتوقف على ما اجترم بين يدي ربّك ، ولك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اُسوة ، وبينك وبينه صهر ، فلا الماضين من أئمة الهدى اتّبعت ، ولا طريقتهم سلكت ، جعلت عبد ثقيف على رقاب اُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يدبّر اُمورهم ويسفك دماءهم ، فماذا تقول لربّك يا معاوية ؟ ! وقد مضى من أجلكَ أكثره ، وذهب خيره وبقي وزره .
إنّي امرأة من بني ذكوان ، وثب زياد ـ المدّعى إلى أبي سفيان ـ على ضيعتي ، ورثتها عن أبي و اُمّي ، فغصبنيها وحال بيني وبينها ، وقتلَ من نازعه فيها من رجالي ، فأتيتك مستصرخة ، فإن أنصفت وعدلت وإلاّ وكلتك وزياد إلى الله عزّ وجل ، فلن تبطل ظلامتي عندك ولا عنده ، والمنصف لي منكما حكم عدل .
فبهت معاوية ، ينظر إليها متعجباً من كلامها ، ثم قال : ما لزياد ؟ ! لعن الله زياداً ، فإنّه لا يزال يبعث على مثالبه من ينشرها ، وعلى مساوئه من يثيرها .
ثم أمرَ كاتبه بالكتابة إلى زياد يأمره بالخروج إليها من حقّها ، وإلاّ صرفه مذموماً مدحوراً . ثم أمرَ لها بعشرين ألف درهم ، وعجب معاوية وجميع مَن حضره من مقالتها وبلوغها حاجتها (1) .
227 رابعة الشاميّة
في الدر المنثور : هي زوجة أحمد بن أبي الحواري ، كانت من العابدات الزاهدات ، وكان فضلها لا يقدّر وكرامتها لا تنكر . قال أحمد بن أبي الحواري : كانت رابعة لها أحوال شتى ، فمرّة يغلب عليها الحبّ ، ومرّة يغلب عليها الاُنس ، ومرّة يغلب عليها الخوف ، فسمعتها في حال الحبّ تقول :
وسمعتها في حال الاُنس تقول :
وسمعتها في الخوف تقول :
قال : فقلتُ لها مرّة وقد قامت بليل : ما رأينا من يقوم الليل كلّه غيرك .
قالت : سبحان الله مثلك يتكلم بهذا ، إنّما أقوم إذا نوديت .
قال : فجلستُ على المائدة في وقت قيامها فجعلت تذكّرني ، فقلت لها : دعينا نتهنأ بطعامنا ، فقالت : ليس أنا وأنت ممّن يتنغص عليه الطعام عند ذكره الآخرة ، وقالت : لستُ أحبّك حب الأزواج ، إنّما أحبّك حبّ الإخوان .
وقالت لزوجها : اذهب فتزوّج ، قال : فذهبتُ فتزوجتُ وكانت تطعمني الطعام وتقول : اذهب لأهلك ، وكانت إذا طبخت قدراً قالت : كلها يا سيّدي فإنها ما نضجت إلاّ بالتسبيح ، وبقيت على عبادتها إلى أن توفّاها الله (2) .
وذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً : ديوان رابعة الشامية أو شعرها : ترجمتها في خيرات حسان 1 : 139 ، ونفحات الانس : 554 ، وريحانة الأدب ، وأورد بعض شعرها العربي وعدّها من النساء العارفات (3) .
1 ـ يأتي هذان البيتان في الترجمة اللاحقة أيضاً .
2 ـ الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور : 201 .
3 الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9 | 2 : 344 رقم 231 .
228 رابعة العدويّة
في الدر المنثور : رابعة بنت اسماعيل البصريّة العدويّة ، مولاة آل عتيك .
كانت رضي الله عنها كثيرة البكاء والحزن ، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زماناً ، وكانت تقول : استغفارنا يحتاج إلى استغفار ، وكانت تردّ ما يعطيها الناس وتقول : مالي حاجة بالدنيا ، وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنّها الخلال البالي تكاد تسقط إذا مشت . وكان كفنها لم يزل موضوعاً أمامها ، وموضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها .
وسمعتْ رضي الله عنها سفيان الثوري يقول : واحزناه ، فقالت : واقلة حزناه ، ولو كنتَ حزيناً ما هنأك العيش .
ومناجاتها كثيرة ومشهورة .
وقال ابن خلكان في ترجمتها : إنّها كانت من أعيان عصرها ، وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة .
وذكر أبو القاسم القشيري في الرسالة : أنّها كانت تقول في مناجاتها : إلهي تحرق بالنار قلباً يحبّك ، فهتف بها مرّة هاتف : ما كنّا نفعل هذا ، فلا تظنّي بنا ظنّ السوء .
وقال بعضهم : كنتُ أهدي لرابعة العدوية ، فرأيتها في المنام تقول : هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمّرة بمناديل من نور .
وكانت تقول : ما ظهر من أعمالي لا أعدّه شيئاً .
ومن وصاياها : اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم .
وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب عوارف المعارف هذين البيتين :
وكانت وفاتها في سنة 135هـ ، ذكره ابن الجوزي في شذور العقود ، وقال غيره سنة 185هـ ، وقبرها يزار ، وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمّى الطور .
وذكر ابن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة في ترجمة رابعة المذكورة باسناد له متّصل إلى عبدة بنت أبي شوال قال ابن الجوزي : وكانت من خيار إماء الله تعالى وكانت تخدم رابعة ، قالت : كانت رابعة تصلّي الليل كلّه ، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاّها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر ، فكنتُ أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها وهي فزع : يا نفس كم تنامين ، وإلى كم تنامين ، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلاّ لصرخة يوم النشور .
وكان ذلك دأبها دهرها حتى ماتت ، ولما حضرتها الوفاة دعتني وقالت : يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفنيني في جبّتي هذه وهي جبّة من شعر ، كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون .
قالت : فكفنتها في الجبة وفي خمار من صوف كانت تلبسه ، ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلّة استبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه ، فقلت : يا رابعة ما فعلتِ بالجبة التي كفّنّاك فيها والخمار الصوف ؟
قالت : إنّ الله نزعه عني وأبدلت به ما ترينه عليّ ، فطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة .
فقلت لها : لهذا كنت تعملين أيام الدنيا ؟
فقالت : وما هذا عندما رأيت من كرامة الله عزّ وجلّ لأوليائه .
فقلت لها : ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب ؟
فقالت : هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العُلا .
فقلت : وبمَ ، وقد كنتِ عند الناس أكبر منها ؟
فقالت : إنّها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا أو أمست .
وكان الحسن البصري توفّيت زوجته فأراد زوجة ، فقيل له عن رابعة العدويّة ، فأرسل إليها يخطبها ، فردته وقالت :
وكانت تقول مرّة : إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، بل حبّاً لك وقصد لقاء وجهك ، وتنشد :
وذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً : ديوان رابعة العدوية اُم الخير بنت اسماعيل العدوي المتوفاة في القدس في 135هـ أو 185هـ ، كانت تُضرب الأمثال بزهدها وعرفانها ، وكانت في عصر سفيان الثوري والحسن البصري . خيرات حسان : 138 ، ابن خلكان : 182 ، تذكرة الأولياء 1 : 58 ، نفحات الانس : 552 (2) .
229 الرباب الكلبيّة
الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبدالله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب ، هكذا ذكر نسبها ابن سعد في الطبقات (3) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة نقلاً عن نسمة السحر : الرباب بنت
1 ـ الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور : 203 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9 | 2 : 340 رقم 2032 .
3 ـ الطبقات الكبرى : ترجمة الإمام الحسين عليه السلام المطبوعة في نشرة تراثنا 10 : 187 .
امرىءالقيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حليم بن خباب بن كلب الكلبية (1) .
وقال أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني : الرباب بنت امرىء القيس بن جابر بن كعب بن علي بن وبرة بن ثعلبة بن عمران بن الحاف بن قضاعة (2) .
و اُمّها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن معاد بن حصن بن كعب ، وفي الأغاني : اُمّها هند بنت الربيع بن مسعود بن مروان بن حصين بن كعب بن عليم بن كليب (3) .
وهي زوجة سيّد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، قال أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني : قال هشام بن الكلبي : كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن (4) .
وقال السيّد الأمين في الأعيان نقلاً عن نسمة السحر : كانت الرباب من خيار النساء جمالاً وأدباً وعقلاً ، أسلم أبو ها في خلافة عمر ، وكان نصرانياً من عرب الشام ، فولاه عمر على قومه من قضاعة ، وما أمسى حتى خطب إليه علي بن أبي طالب ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوّجه إياها (5) .
وفي الأغاني : خطب علي بناته ـ أي بنات امرىء القيس ـ له ولولديه الحسنين ، فقال : أنكحتك يا علي المحياة ابنتي ، وأنكحتك يا حسن سلمى ، وأنكحتك يا حسين الرباب بناتي ، فولدت الرباب للحسين سكينة عقيلة قريش ، وعبدالله الرضيع الذي قتل يوم الطف و اُمه تنظر اليه (6) .
وأحبّ الحسين سلام الله عليه زوجته الرباب حبّاً شديداً ، وكان بها معجباً يقول فيها الشعر ، وكان ممّا قاله فيها وفي بنته سكينة :
1 ـ أعيان الشيعة 6 : 449 .
2 ـ الأغاني 16 : 139 .
3 ـ الأغاني 16 : 139 .
4 ـ الأغاني 16 : 141 .
5 ـ أعيان الشيعة 6 : 449 .
6 ـ الأغاني 16 : 141 رحمه الله جمهرة أنساب العرب : 457 .
وفي تاج العروس : قال الحسين عليه السلام في الرباب :
ولما استشهد سلام الله عليه في أرض كربلاء ـ وكانت معه ـ وجدت عليه وجداً شديداً ، حتى أنّها قامت على قبره سنة كاملة ثم انصرفت (3) .
وفي تذكرة الخواص : إن الرباب بنت امرىء القيس زوجة الحسين أخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت :
وقد خطبها بعد مصرع الحسين عليه السلام خلق كثير من أشراف قريش فقالت : ما كنتُ لاتخذ حمواً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووالله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً .
وممّا قالته في رثائه عليه السلام :
1 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام ، 13 : 14 ، الأغاني 16 : 139 ، تذكرة الخواص : 233 ، البداية والنهاية 8 : 209 ، الفصول المهمة : 183 .
2 ـ تاج العروس 1 : 263 « ريب » .
3 ـ البداية والنهاية 8 : 209 .
4 ـ تذكرة الخواص : 233 ، منتهى الآمال 1 : 463 .
وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : يعتمد على روايتها غاية الإعتماد (2) .
230 الرباب
امرأة داود بن كثير الرقي .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام (3) .
وقال المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال : وظاهره كونها إمامية إلاّ أنّي لم أقف على ما يدرجها في الحسان (4) .
هذا ما توصلنا إليه في معرفة هذه المرأة ، وكل من تأخّر عن الشيخ رحمه الله نقل عنه عدادها من أصحاب الصادق عليه السلام دون أي إضافة (5) .
231 ربابة القزوينيّة
ربابة بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملا محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، مجتهدة ، مدرّسة للعلوم الإسلاميّة ، واعظة ، خطيبة ، متكلّمة ، فصيحة ، من ربّات الدهاء والفطنة ، وفواضل نساء عصرها .
قرأت المقدّمات والعربية وفنون الأدب على رجال اُسرتها واُختها قرّة العين ، وأخذت الفقه والاُصول والتفسير والحديث عن والدها الشيخ محمّد صالح البرغاني المتوفى سنة
1 ـ الأغاني 16 : 141 ، منتهى الآمال 1 : 335 ، أعلام النساء : 439 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 78 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 342 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 78 .
5 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رياحين الشريعة 4 : 254 ، أعيان الشيعة 6 : 449 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 .
1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ ، وتخرّجت في الحكمة والفلسفة على الآخوند الشيخ الملاّ آغا الحكمي القزويني ، وتتلّمذت في العرفان على عمّها الشيخ ملاّ علي البرغاني وأخيها الشيخ الميرزا عبدالوهاب البرغاني القزويني ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الميرزا هبة الله الرفيعي القزويني .
تصدّرت للتدريس والافادة والوعظ والإرشاد ، وكانت تستنبط الأحكام الشرعية ، وتتباحث مع العلماء وتُجادلهم ، وتفتي في المسائل الفقهية والعلمية ، ويؤخذ برأيها وأحكامها .
كانت رحمها الله ملجأً للفقراء والمنقطعين ، وفي خطاباتها ومجالسها كانت كثيرة التشنيع على السلطان ناصرالدين شاه القاجاري ، ومظالم البلاط الايراني والأمراء ، ولم يتعرّض لها الشاه بشيء .
توفّيت حدود سنة 1298هـ (1) .
232 الرُبَيّع بنت مُعَوِّذ
قال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ في رجاله وابن عبدالبر وابن مندة وأبو نعيم من الصحابيات ، وزاد مَن عدا الشيخ رحمه الله وصفها بالأنصاريّة . وهي من حسنات الحال ، وكانت ربما غزت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتداوي الجرحى وترد القتلى إلى المدينة ، وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان .
وقد قيل لها : صِفي لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقالت : لو رأيته لرأيت الشمس طالعة .
والربيّع : بضم الراء ، وفتح الموحدة ، وتشديد الياء المثناة من تحت ، بعدها عين مهملة .
ومعوّذ : بضم الميم ، وفتح العين المهملة ، وكسر الواو المشددة ، بعدها ذال معجمة (2) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 104 ـ 105 عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 78 .
وقيل : إن اسمها الربيعة كما هو موجود في مجمع الرجال ، والنسخة الموجودة لدينا من رجال الشيخ (1) .
233 رحيم
اُم ولد الحسين بن علي بن يقطين .
محدّثة ، فاضلة ، خيّرة . روت عن سعيد مولى الإمام الكاظم عليه السلام ، وروى عنها محمّد بن عيسى بن عبيد العبيدي .
روى الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغَيبة قال : وروى محمّد بن عيسى بن عبيد العبيدي ، قال : أخبرتني رحيم اُم ولد الحسين بن علي بن يقطين ـ وكانت امرأة خيّرة فاضلة قد حجّت نيفاً وعشرين حجّة ـ عن سعيد مولى أبي الحسن عليه السلام ـ وكان يخدمه في الحبس ويختلف في حوائجه ـ أنّه حضره حين مات كما يموت الناس من قوة إلى ضعف ، إلى أن قضى عليه السلام (2) .
وأخرجه عن الغَيبة المجلسي في بحار الأنوار (3) .
234 رقيّة بنت إسحاق
رقيّة بنت اسحاق ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
فاضلة ، جليلة القدر ، عمّرت عمراً طويلاً حتى توفيت سنة 316هـ وقيل 318هـ ، ودفنت في بغداد .
روت عن زوجها ، وأخرج الشيخ الصدوق في الخصال رواية في طريقها هذه المرأة ، قال :
1 ـ رجال الشيخ الطوسي : 34 ، مجمع الرجال 7 : 174 . وانظر : منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 6 : 459 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 ، أعيان النساء : 841 ، واسد الغابة 5 : 451 ، الإصابة 4 : 300 ، تهذيب التهذيب 12 : 447 .
2 ـ الغَيبة : 19 .
3 ـ بحار الأنوار 48 : 230 حديث 36 . وانظر : أعيان الشيعة 6 : 469 ، رياحين الشريعة 4 : 254 .
حدّثنا محمّد بن أحمد بن علي الأسدي ، قال : حدّثتنا رقيّة بنت اسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن أبيها ، عن أبيه ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أميرالمؤمنين عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال :
« لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسئل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت » (1) .
وأبوها إسحاق بن موسى الكاظم عليه السلام كان زاهداً ورعاً ويلقّب بالأمين ، قبره في الجانب الشمالي لمدينة ساوة (2) .
235 رقيّة القزوينيّة
رقيّة بنت الشيخ الميرزا علاّمة ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني .
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعلوم الإسلاميّة .
ولدت في مدينة كربلاء المقدّسة سنة 1307هـ ، وتزوّجت بابن عمّها الشيخ حسن ابن الشيخ الميرزا علي نقي حدود سنة 1322هـ ، وتوفّيت في الخامس من رجب سنة 1399هـ ، ودُفنت في مقبرة اُسرتها في قزوين خلف الشاه زاده حسين .
قرأت المقدّمات والعلوم العربية على رجال اُسرتها في كربلاء ، كما حفظت القرآن الكريم قبل التاسعة من عمرها ، وأخذت الفقه والاُصول عن الشيخ صدرالدين المعروف بعماد الإسلام البرغاني والشيخ الميرزا أحمد البرغاني ، فنبغت في علوم القرآن والتفسير .
تصدّرت لتدريس النساء في مدينة كربلاء المقدّسة أكثر من نصف قرن ، وكان زوجها مع
1 ـ الخصال 1 : 253 باب الأربعة .
2 ـ أعيان الشيعة 7 : 34 ، رياحين الشريعة 4 : 256 .
فضله يستفسر منها في حلّ بعض المسائل العلميّة والفقهية ، كما كانت من مراجع الاُمور الشرعية للنساء في كربلاء .
لها عدّة مؤلّفات منها : رسالة في خواصّ السِّور القرآنية وبعض الآيات ، ورسالة في غريب القرآن (1) .
236 رقيّة بنت النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
اُمّها خديجة بنت خويلد ، زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يوحى إليه عتبة بن أبي لهب ـ وفي بعض المصادر أنّ التي زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة بن أبي لهب هي اُم كلثوم ـ فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل الله عزّ وجل ﴿ تبّت يدا أبي لهب ﴾ (2) قال له أبوه : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلّق ابنة محمّد ، ففارقها ولم يكن قد دخل بها . وأسلمت حين أسلمت اُمّها خديجة ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بايعت النساء ، فتزوّجها عثمان بن عفان ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً ، وأسقطت في الهجرة الاُولى من عثمان سقطاً ، ثم ولدت له بعد ذلك ابناً فسمّاه عبدالله .
وهاجرت إلى المدينة بعد زوجها عثمان حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجهّز إلى بدر ، فخلّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ، فتوفّيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر ، وقدم زيد بن حارثة من بدر بشيراً ودخل المدينة حين سوى التراب عليها .
روى الكليني بسنده عن أحدهما عليهما السلام :
« لما ماتت رقيّة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه . . . » .
وفي دعاء شهر رمضان : اللهم صلِّ على رقيّة بنت نبيك . . . . . .
وممّا لا شكّ فيه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم زوّج ابنتين من بناته لعثمان بن عفان ، لذلك سُمّي
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 2 : 139 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ المسد : 1 .
بذي النورين ، فبعض يقول : إنّ ابنتيه هما اُم كلثوم ورقيّة ، والبعض الآخر لم يذكر اُم كلثوم بل ذكر زينب ، وقال : إنّ رقيّة هي التي زوّجها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة بن أبي لهب ، والقائلون بالقول الأوّل يقولون : إنّ التي زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة هي اُم كلثوم .
ولكن الشريف أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفى سنة 352هـ أنكر ذلك في كتابه « الإستغاثة » ، وقال : إنّ البنتين اللتين زوّجهما النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان هما في الواقع بنتا اُخت خديجة ، وأقام على ذلك عدّة دلائل ، ونقل كلامه الكاظمي في تكملة الرجال وأجاب عن هذا الإدعاء ، وردّه السيّد محمّد صادق بحرالعلوم محقّق كتاب تكملة الرجال ، ونحن نذكر أوّلاً كلام الإستغاثة ، ثم نذكر الجواب عنه تعميماً للفائدة :
قال في كتاب « الإستغاثة » : وأمّا ما روته العامة من تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن عفان رقيّة وزينب ، فالتزويج صحيح غير متنازع فيه ، إنّما التنازع بيننا في رقيّة وزينب هل هما ابنتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم ليستا ابنتيه ؟
وليس لأحد من أهل النظر ـ إذا وجد تنازعاً من خصمين كلّ منهما يدّعي أنّ الحقّ معه وفي يديه ـ الميل إلى أحد الخصمين دون الآخر بغير بيان وإيضاح ، ويجب البحث عن صحة كلّ واحد منهما بالنظر والإختيار والتفحّص والاعتبار ، فإذا اتّضح الحقّ منهما وبان له الصدق من أحدهما ، اعتقد عند ذلك قول المحقّ من الخصمين واطرّح الفاسد من المذهبين .
ونحن نبيّن أنّ رقيّة وزينب زوجتي عثمان لم تكونا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا ولد خديجة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّما دخلت الشبهة على العوام فيهما لقلّة معرفتهم بالأنساب ، وفهمهم بالأسباب . وذلك إنّا نظرنا في الآثار المختلفة فيهما وما يصح به معرفتهما ، فوجدنا الإجماع من أهل النقل على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان زوّج هاتين المرأتين ـ المنسوبتين عند العوام إليه في الجاهلية ـ من أبي العاص بن الربيع ومن عتبة بن أبي لهب ، فكانت زينب عند أبي العاص ودخل بها وهي في منزله ، وكانت رقيّة متزوّجة بعتبة بن أبي لهب ولم يكن دخل بها وهي في منزله ، فلمّا أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوته ودعا إلى نبوّته وظهرت عداوة قريش له على ذلك ، قالت قريش لعتبة بن أبي لهب : طلّق رقيّة بنت محمّد حتى نزوّجك بمن شئت من نساء
قريش ، ففعل ذلك .
وقالوا لأبي العاص مثل ذلك ، فلم يفعل وقال : ما اُريد بأهلي بدلاً ، فبقيت زينب عنده على حالها .
ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عتبة بن أبي لهب بأن يسلّط عليه كلباً من كلابه ، فاستجيبت دعوته فيه ، فأكله الأسد في طريق الشام وهو مع السِفر في العير ، فإن قريشاً كانت تخرج العِير في كلّ سفرة لهم مع رئيس من رؤسائهم ، فوقعت النوبة على عتبة ، فامتنع أبو لهب من إخراجه في العِير ، وقال : إن محمّداً دعا عليه وانّه لم يدع في شيء إلاّ كان كذلك ، وأنا أخاف من دعوته عليه من جهة الأسد .
فقال أهل العِير الذين خرجوا معه : نحن نحفظه حفظاً لا يصل إليه الأسد أبداً ، فأطلق له الخروج ، قال : وكيف تصنعون .
قالوا : نجعل الإبل مثل الحلقة ، ثم نجعل من داخلها الجواليق كذلك مثل الحلقة ، ثم نبيتُ نحن حوله ونجعله في وسطنا ، فمحال أن يصل الأسد إليه عند ذلك ، وأطلق له الخروج معهم . فكانوا يفعلون كذلك في طريقهم ، فأقبل إليهم الأسد ليلة من الليالي فتخطّى الإبل والجواليق والقوم جميعاً حتى صار إليه فأخذه من وسطهم فأكله ، فاشتد عند ذلك عداوة أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وكانت زينب عند أبي العاص وهو كافر ، فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، وكانت بينه وبين قريش وقعة ، اُسر أبو العاص بن الربيع فيمن اسروا وهي وقعة يوم بدر . ثم وقع الفداء على الاُسراء فبعث كلّ بيت من قريش فداء صاحبهم المأسور في أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعثت زينب قلادتها في فداء زوجها أبي العاص ، فلمّا نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى القلادة استعبر وقال : « هذه القلادة كانت عند خديجة جهّزت بها زينب » ، وكانت زينب قد أسلمت وهي في بيت أبي العاص .
وقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « إن رددت عليك القلادة وأطلقتك تبعث إلينا زينب ؟ » .
فقال أبو العاص : نعم . وكان لأبي العاص منها ابن يسمّى ربيع ، وبنت تسمّى أمامة . فأمّا
الإبن فإنّه مات حين راهق بالمدينة ، وأمّا البنت فبقيت حتى توفّيت فاطمة عليها السلام ، وتزوّجها أميرالمؤمنين عليه السلام . فعاهد أبو العاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليه زينب مع ولدها ، فأطلق عنه .
فلمّا وصل إلى مكة حملهم وأنفذهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كان قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كيف تثق بضمان كافر ؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّه ليفي ، فلقد صاهرنا فحمدنا مصاهرته ، ولقد كنّا محاصرين في شعب عبدالمطلب ، فكان أبو العاص يجيئنا بالليل بالعِير عليها الطعام حتى ينتهي إلى باب الشعب ثم يزجر البعير ويهتف به حتى يدخل الشعب ثم يتركه وينصرف ، فكنّا نأخذ ذلك الحمل على البعير فنفرّقه على جماعة من بني هاشم » .
فصارت زينب وولدها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم إنّ أباالعاص خرج في عِير لقريش ، فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك العِير وأسروا أبا العاص ، فلمّا قربوا من المدينة احتال أبو العاص فبعث إلى زينب فأخبرها بأنّه اُسر . فلمّا صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر بأصحابه ، أخرجت زينب رأسها من الحجرة وقالت : يا معشر المسلمين إنّي قد آجرت أباالعاص فلا يعرض له ولا لما معه أحد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « سمعتم وسمعنا ؟ » .
قالوا : نعم .
قال : « وما أمرت به ولا شوّرت ، وقد أجرنا ما أجارت ، ولا تجيروا بعدها امرأة » .
فلمّا قدم أبو العاص على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلّى سبيله ولم يتعرّض لما كان معه من عِير قريش ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما تستحي ، قد اُسرت مرتين وأنتَ مقيم على الكفر » .
فقال أبو العاص : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك محمّداً رسول الله .
ثم قال : يا محمّد إنّ قريشاً إذا علمت باسلامي قالت : إنّما أسلمت طمعاً في مالهم عندي ، أفتأذن لي بالرجوع إلى مكّة فأردّ عليهم ودائعهم وبضائعهم التي معي وأنصرف إليك ؟ فأذن له في ذلك ، فمضى أبو العاص إلى مكّة فردّ علهيم ما كان معه ، ثم قال : هل بقي لأحد منكم
عندي شيء ؟
قالوا : لا .
قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ، ولحقَ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فردّ عليه زوجته زينب بالنكاح الأوّل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد زوّج اُختها رقيّة من عثمان ، فبقيت زينب عند أبي العاص بعد ذلك مدّة يسيرة ومات عنها أبو العاص ، ثم ماتت رقيّة عند عثمان ، فخطب بعد موتها زينب ، فزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه وماتت عنده .
فلمّا كان الأثر موجوداً من غير خلاف ، تزوّجها في الجاهلية من رجلين كافرين ، لم يخلو الحال في ذلك من أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في زمن الجاهلية على دين الجاهلية ، أو كان مخالفاً له بالإيمان .
فإن قال قائل : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على دين الجاهلية ، كفَر بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنّ الله تعالى يقول في الإمامة حين قال في قصة ابراهيم عليه السلام : (إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ﴾ (1) ، ومن كان كافراً كان أكبر الظالمين ، لقوله تعالى : (إنّ الشرك لظلم عظيم ﴾ (2) ، ومن كان كذلك كان عابداً للأصنام ، ومن كان عابداً للأصنام كان محالاً أن يتّخذه الله عزّ وجل نبيّاً وإماماً بحكم هذا الوجه . ولو جاز أن يكون الله يجعل كافراً أو مشركاً نبيّاً أو إماماً ، لجاز في حكم النظر أن يكون نبي أو إمام يرجعان عن النبوة والإمامة مشركين كافرين .
وكما أنّه جاز أن ينقل كافراً مشركاً إلى الإيمان فيصير مؤمناً بعد أن كان كافراً ، جاز بعد ذلك أن ينقل رجلاً مؤمناً من بعد إيمانه إلى الكفر ، فيصير بعد أن كان مؤمناً كافراً .
وكذلك يجب في النظر أن يكون حال الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، لو كان يجوز أن ينقل الله من كان كافراً مشركاً فيصير نبيّاً أو إماماً لجاز ذلك ، فلمّا فسد ذلك في حكمة الله جلّ اسمه أوجبنا
1 ـ البقرة : 124 .
2 ـ لقمان : 13 .
على مَن يقول : إنّ الرسولَ كان في الجاهلية كافراً يعبد الأصنام ، ولمّا وجب ذلك ثبت أن الرسول كان في زمن الجاهلية على دين يرتضيه منه الله غير دين الجاهلية ، وقد شرحنا عن ذلك الحال في كتاب « تنزيه الأنبياء » ما فيه كفاية لاُولي الألباب .
ولمّا وجب ما وصفناه وثبتت حجّته ، كان محالاً أن يزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه من كافرين من غير ضرورة دعت إلى ذلك ، وهو مخالف لهم في دينهم عارف بكفرهم وإلحادهم ، ولما فسد هذا بطل أن تكونا ابنتيه .
وصحّ لنا فيهما ما رواه مشايخنا من أهل العلم عن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، وذلك أنّ الرواية صحّت عندنا عنهم أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من اُمّها اُخت يقال لها : هالة ، قد تزوّجها رجل من بني مخزوم فولدت بنتاً اسمها هالة ، ثم خلّف عليها بعد أبي هالة رجل من تميم يقال له : أبو هند ، فأولدها ابناً ـ كان يسمّى هند بن أبي هند ـ وابنتين ، فكانتا هاتان الابنتان منسوبتين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب ورقيّة من امرأة اُخرى قد ماتت ، ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبالغ الرجال والابنتان طفلتان . وكانتا في حدثان تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة بنت خويلد ، وكانت هالة اُخت خديجة بنت خويلد فقيرة ، وكانت خديجة من الأغنياء الموصوفين بكثرة المال .
فأمّا هند بن أبي هند فإنّه لحقَ بقومه وعشيرته بالبادية ، وبقيت الطفلتان عند اُمهما هالة اُخت خديجة ، فضمّت خديجة اُختها هالة مع الطفلتين إليها وكفلت جميعهم . وكانت هالة اُخت خديجة هي الرسول بين خديجة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حال التزويج ، فلمّا تزوّج الرسول بخديجة ماتت هالة بعد ذلك بمدّة يسيرة وخلّفت الطفلتين زينب ورقيّة في حجر رسول الله وحجر خديجة فربّياهما .
وكان من سنّة العرب في الجاهلية من يربّي يتيماً ينسب ذلك اليتيم إليه ، وإذا كانت كذلك فلم يستحل لمن يربيها تزويجها ؛ لأنّها كانت عندهم فزعمهم بنتاً لمربيها ، فلما ربّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة هاتين الطفلتين الابنتين ، ابنتى أبي هند زوج اُخت خديجة ، نسبتا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم تزل العرب على هذه الحال الى أن ربّى بعض الصحابة يتيمة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : لو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل يجوز تزويج اليتيمة ممّن رباها ؟ ففعل ذلك ، فأنزل الله جلَّ ذكره : ﴿ ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ﴾ (1) الآية ، وقوله : ﴿ ألا تقسطوا في اليتامى ﴾ (2) الآية ، فهذا الخطاب كان كلّه متّصلاً بعضه ببعض في حال التنزيل ، ففرق وقت التأليف لهذا المصحف الذي في أيدي الناس جهلاً كان من المؤلفين بالتنزيل ، فأطلق الله سبحانه في الإسلام تزويج اليتيمة ممّن يربيها ، فسقط عن المربي للأيتام انتسابهم إليه .
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نسب ابنتي هند على ما وصفناه في سنة العرب في الجاهلة ، فدرج نسبها عند العامة كذلك ، ثم نسب أخوهما أيضاً هند إلى خديجة ، إذ كان اسم خديجة ثابتاً معروفاً ، وكان اسم أختها هالة خاملاً مجهولاً ، فظنّوا ـ لما غلب اسم خديجة على اسم هالة أختها في نسب ابنها ـ أنّ أباهند كان متزوّجاً بخديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتسبوا إليها .
وتحقّق في ظنّهم بجهلهم بأمر أخت خديجة أنّ هنداً كان قد عمّر حتى لحق أيام الحسين عليه السلام ، فقتل بين يديه وهو شيخ ، فقال الناس : قُتل خال الحسين عليه السلام هند ابن أبي هند التميمي ، وأنّه كان هند ابن خالة فاطمة اُم الحسين عليه السلام على ما شرحناه ، فلم يتميّز العوام هذا القول ، وقدر السامع له أنّ هنداً كان ابن خديجة ، ولم يجعلوا أباهند التميمي أنّه والد هند ؛ لبلوغ هند قبل موت أبي هند وجهلهم اسم اُم هند عند خملوها مع ظهور اسم خديجة ، وجهلوا اسم هالة اُختها اُم هند بنت أبي هند التميمي .
ولما وقع بيني وبين مَن نسب إلى هند من ولده مجادلات ومناظرات فيما ينسبون إليه من خديجة ، وما يجهلون من جدّتهم هالة اُخت خديجة ، ولما عرّفتهم الصحيح من ذلك ، اشتد عليهم وجادلوني أشد مجادلة في أنّهم من ولد خديجة ، فأعلمتهم أنّ ذلك جهل منهم بنسبهم ،
1 ـ النساء : 127 .
2 ـ النساء : 30 .
وأنّ خديجة لم تتزوّج بغير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أنّ الإجماع في الخاص والعام من أهل الآثار ونقلة الأخبار على أنّه لم يبق من أشراف قريش ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم إلاّ خطب خديجة ورام تزويجها فامتنعت على جميعهم من ذلك ، فلمّا تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضبت عليها نساء قريش وهجرنها ، وقلن لها : خطبكِ أشراف قريش و اُمراؤهم فلم تتزوّجي أحداً منهم وتزوجتِ محمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون خديجة يتزوّجها أعرابي من تميم وتمتنع من سادات قريش وأشرافها على ما وصفناه ؟
ألا يعلم ذوو التمييز والنظر أنّه من أبين المحال وأفظع المقال ، ولما وجب هذا عند ذوي التحصيل ثبت أنّ خديجة لم تتزوّج غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم قلت لمن يجادلني منهم على هذه الحالة : وليس ما ذهب عنكم وجهلتموه من معرفة جدّتكم أهي خديجة أم اُختها هالة بأعجب مما قد لحقَ ولد الحسين عليهم السلام من الإختلاف في نسبهم ، الذي هو أشرف الأنساب وأجل الأحساب في الدنيا وأرجاها سعادة في الآخرة ، فلم يمنعهم شرفه وجلالته وعظم قدره من اختلافهم فيه على فرقتين ، وذلك أن عقب الحسين عليه السلام من ابنه علي بن الحسين عليه السلام ، وكان للحسين عليه السلام ابنان يسمّى كل واحد منهما بعلي ، إلى آخر ما نقلناه في ترجمة علي بن الحسين الأصغر ، إلى قوله على خلاف هذا القول الأوّل .
لينظر ذوو الفهم إلى هذا الإختلاف الذي وصفناه من ولد الحسين عليه السلام ، مع جلالة نسبهم وعظم قدرهم في جميع ولد آدم وقربه من عدد الآباء ، فلم يكن فيهم من الحفظ لهذا النسب العالي العظيم الشريف الذي يتمنّى جميع الناس أن يكونوا منه ، ولا يتمنّى أهله أن يكونوا من أحد من أهل البرّيات ما يُحيطون بمعرفته على حقيقة حتى لا يجهلوا جدهم الذي ينتسبون إليه ، أي الأخوين الأكبر أو الأصغر ، وإنّما أكثر ما بينهم وبينه من الآباء إلى عصرنا هذا ما بين ستة آباء إلى سبعة ، فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة مَن هم من ولده من الأخوين مع ما وصفناه من قرب النسب وشرفه ، أتعجب أن يذهب على ولد هند بن أبي هند معرفته جدّتهم حين جهلوها من الاُختين ، فلا يعرفونها أهي خديجة أم اُختها هالة .
هذا مع ما كان من سلفهم فيه من الرغبة والإفتخار والشرف على قومهم وغيرهم بمناسبة رسول الله عليه السلام ، والقرابة من ذوي أرحام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتسب منتسبهم إلى خديجة ليثبت له خؤلة ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، إمّا جهلاً من المنتسب الأوّل منهم بنسبه ، على ما وصفناه من جهل أكثر ولد الحسين عليه السلام معرفة نسبهم في علي بن الحسين عليه السلام ، وذلك أحسن أحوال المنتسبين من ولد هند إلى خديجة .
وإمّا قصداً منه وتعمّداً على معرفته بذلك طلباً للإفتخار لما وصفناه من الخؤلة لولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أنكر لدين الفاعل منهم ، وأدعى إلى كشف باطلهم عند ذوي المعرفة ، فاتبعه على ذلك الخلف منهم فدرجوا على هذه الغاية ، فهم على جهلهم وضلالهم عن معرفة جدّتهم من الاُختين خديجة أو هالة ، وهذا غير مستنكر عند ذوي الفهم من جهلهم ، وذلك لغلبة الجهل على عوام الناس ، وقلّة معرفة كثير منهم بالأنساب وذوي الأحساب ، حتى أنّ اليمن كلّها مجمعة في نسبهم إلى قحطان ، ثم يزعمون أن قحطان ابن عابر ، لا يدرون مَن وَلد عابر حتى قالوا : إنّ عابر هو هود النبيّ عليه السلام .
وزعمت اليمن والناسبون من العوام أنّ إسماعيل بن ابراهيم تعلّم العربية من جرهم ، وهم قبيلة من العرب من اليمن كانت نازلة بمكّة وحولها ، وقد ألّف ذلك من العامة في كتاب المبتدأ وغيره من كتب أيام الناس وذكر الأنساب ، فأخرجوا بهذا القول الفاسد نبيهم اسماعيل بن ابراهيم وولده من العرب ، وهم لا يعلمون بذلك أنّه جاز أن يكون إسماعيل بن ابراهيم تعلّم العربية من قوم قد سبقون بالكلام منها ، ودرست على ذلك منهم قرون فصارت لهم في العربية قبائل من قبل أولاد إسماعيل وغير اسماعيل ، فلم يكن أبوه إبراهيم من العرب ، وكان ابراهيم عليه السلام بإجماع الفِرَق على غير لسان العرب ، ثم تعلّم اسماعيل ـ بزعمهم في ذلك ـ العربية من العرب الذين سبقوه بلسان العربية من أولاد الأعاجم ، فهو عربي على هذا القياس وهذه العلّة .
أو أنّ إسماعيل لم يكن عربياً إذ كان سبق إلى لسان العربية بزعمهم ، وإنّما تكلّم بلسان العربية تعليماً ممّن سبقه إليه ، فيكون قائل هذا موجباً لإخراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العرب
مبطلاً لنسبه في العربية ، وكذلك جميع ولد اسماعيل ، وفي هذا الكفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم . فلمّا وجدنا العرب في الجاهلية والإسلام لا يجعلون مَن تعلّم اللسان من ولد الأعاجم عربياً ، بطل قول مَن زعم أنّ إسماعيل تعلّم العربية من اليمن ، إذ لو كان ذلك كذلك لوجب أن لا يكون إسماعيل ولا أحد من ولده عربياً .
فقد بطل قول القائل بذلك ، وثبت قول علماء أهل البيت عليهم السلام إنّ أوّل مَن تكلّم بالعربية إسماعيل بن ابراهيم عليه السلام ، وإنّ قحطان بن عابر من ولد إسماعيل ، وعابر تفسيره بلسان قوم هود في زمن عاد هو هود ، فقدّر من وقف على ذلك أنّ هذا عابر ولد قحطان وهو هود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأخطأ ، وليس أحد من أهل اليمن اليوم ينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
ولو قيل لهم ذلك أنكروا أشدّ نكراً ولعادوه أشدّ عداوة ، وهذا شهرته من منكرات العامّة والجهل بالأنساب وغيرها ، إذ كانت علومهم مأخوذة من غير أولياء الله تعالى والأئمة من الأنبياء والأوصياء الحافظين لعلم ما تقدّم وتأخّر ، وأنّ العامّة لتروي جميعاً أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انتسب إلى معد ثم قال عند ذلك : « وكذب الناسبون » ، فلم يمنع ذلك العامّة أن تنسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام ؛ لأنّها اذا جاوزت في نسب الرسول ممّا انتسب إليه الرسول لم يخل حالهم في ذلك من أن يكون ما قاله الرسول من تكذيب النسابين عندهم حقّاً أو يكون عندهم باطلاً .
فإن زعم زاعم أنّ الذي قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حقّ ، فقد شهد على نفسه وعلى جميع من تجاوز في النسب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستعمال الكذب واتباعه إيّاه استحساناً بينهم ، وكفى بذلك خزياً وفضيحة .
وإن زعم زاعم منهم أنّ ما قاله الرسول عليه السلام من ذلك غير حقّ ، فقد كذبّ الرسول ولزمه الكفر بغير خلاف ، ولا محيص لهم من أحد الوجهين . ولقد روينا من طريق علماء أهل البيت عليهم السلام في أسرار علومهم التي خرجت عنهم إلى علماء شيعتهم أنّ قوماً ينتسبون إلى قريش وليسوا هم من قريش في حقيقة النسب ، وهذا ممّا لا يجوز أن يعرفه إلاّ في معرفة معدن النبوة وورثة علم الرسالة ، وذلك مثل بني اُميّة ذكروا أنّهم من قريش وليسوا من قريش ، وإنّ
أصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية : ﴿ آلم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ﴾ (1) ، معناه أنّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنوالعباس .
وذلك أنّ العرب في الجاهلية إذا كان لأحد عبد فأراد أن ينسبه ويلحقه بنسبه فعل ذلك وجاز عندهم ، وقد وجد ذلك من وجوه كريمة من العرب فيلحق بنسب مولاه ، فكان هذا من سيرة العرب ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزيد بن حارثة ، اشتراه من سوق عكاظ بمال خديجة ، وكان زيد قد سرق من أبيه حارثة الكلبي فبيع في سوق عكاظ فاشتراه الرسول .
ولمّا أظهر الرسول الدعوة سارعت خديجة إلى الإسلام فسارع زيد أيضاً إليه ، فاستوهبه الرسول من خديجة ليعتقه ، ففعلت خديجة ذلك ، فبلغ أباه خبره أنّه مع رسول الله بمكّة ، فأقبل إلى مكة في طلبه ، وكان أبوه حارثة من وجوه بني كلب ، فصار إلى أبي طالب في جماعة من العرب فاستشفع بهم إلى الرسول في أن يردّ عليه ابنه زيداً بعتق أو بيع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « زيد حرّ ، فليذهب أين شاء » .
فقال له أبوه : إلحق يا بني بقومك ونسبك وحسبك .
فقال زيد : ما كنتُ لأفارق رسول الله .
فجهد به أبوه وتلطّف له .
فقال : ما اُفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال أبوه : إني أتبرأ منك .
فقال له زيد : فذاك إليك .
فقال حارثة : يا معاشر قريش والعرب إني قد تبرّأت من زيد ، فليس هو إبني ولا أنا أبوه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا معاشر قريش زيد ابني وأنا أبوه » ، فدعي زيد بن محمّد على رسمهم الذي كانوا عليه في الجاهلية في أدعيائهم .
1 ـ الروم : 1 ـ 2 .
وكان زيد كذلك حتى هاجر الرسول ثم تزوّج بامرأة زيد ، فأنكر ذلك جماعة من جهال الصحابة فخاضوا فيه خوضاً ، فأنزل جلَّ ذكره في ذلك يعلّمهم العلّة في تزويج رسول الله بامرأة زيد ، فقال تعالى : ﴿ ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ﴾ (1) ، ثم قال تعالى : ﴿ وما جعل أدعياءكم أبناءكم ﴾ (2) ، ثم ذكر العلّة في ذلك فقال تعالى : ﴿ فلما قضى زيد منها وطراً ﴾ (3) ، فأخبر الله عزّ وجلّ أنّ الرسول فعل ذلك ليعلّم المسلمين أنّ أزواج أدعيائهم عليهم حلال تزويجهن بعد مفارقتهن ، فإنهن لسن كأزواج الأبناء اللاتي حرمهن الله على الآباء .
وكان عبدشمس بن عبدمناف أخا هاشم بن عبدمناف قد تبنّى عبداً له رومياً يقال له : اُميّة ، فنسبه عبدشمس إلى نفسه ، فنسب اُميّة بن عبدشمس فدرج نسبه كذلك إلى هذه العلّة ، فأصل بني اُميّة من الروم ونسبهم في قريش ، وكذلك أصل الزبير بن العوام بن أسيد بن خويلد ، كان العوام عبداً لأسيد بن خويلد فتبناه ولحق بنسبه .
ولم يكن غرضنا ذكر مثل هذا ، ولكن عرض ذكره في هذا الموضع فذكرنا هذا المقدار منه استشهاداً به على غفلة كثير من الناس عن معرفة الحقيقة في الأنساب وغيرها ، وكان السبب في ذكر هذا كلّه ما أردناه من بيان البنتين المنسوبتين عند العامة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد شرحنا خبرهما ووصفنا حالهما بما فيه كفاية ومقتنع ونهاية (4) .
وقال السيّد محمّد صادق بحرالعلوم محقّق كتاب « تكملة الرجال » في تعليقته على هذا الكتاب ما نصّه : وقد قرأت رأي صاحب الإستغاثة في زينب ورقيّة وأنّهما ليستا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا خديجة ، وأنّ تزويج النبيّ إياهما عثمان بن عفان بعد عتبة بن أبي لهب و أبي العاص بن الربيع صحيح بلا منازع فيه .
ولكن خالف صاحب الإستغاثة جماعة من أساطين العلماء من الفقهاء والنسابين ، منهم
1 ـ الأحزاب : 40 .
2 ـ الأحزاب : 4 .
3 ـ الأحزاب : 37 .
4 ـ الإستغاثة : 75 .
العلاّمة الجليل الثقة المشهور الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى سنة 413هـ ، فإنّه في أجوبة المسائل الحاجبية ، في جواب المسألة المتممة للخمسين ، لما سُئل عن ذلك قال ما نصّه :
إنّ زينب ورقيّة كانتا ابنتي رسول الله ، والمخالف لذلك شاذ بخلافه ، فأمّا تزويجه لهما بكافرين فإن ذلك قبل تحريم مناكحة الكفّار ، وكان له صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوّجهما ممّن يراه ، وقد كان لأبي العاص وعتبة نسب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لهما محل عظيم إذ ذاك ، ولم يمنع شرع من العقد لهما فيمتنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجله .
وقال في أجوبة المسائل السروية ، في جواب المسألة العاشرة ما نصّه : قد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة بن أبي لهب ، والآخر أبو العاص بن الربيع ، فلمّا بعث صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبو العاص بعد إبائه الإسلام ، فردّها عليه بالنكاح الأوّل ، ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم في حال من الأحوال كافراً ولا موالياً لأهل الكفر ، وقد زوّج من تبرّأ من دينه وهو معادٍ له في الله عزّوجلّ .
وهاتان البنتان هما اللتان تزوّجهما عثمان بن عفان بعد هلاك عتبة وموت أبي العاص ، وإنّما زوّجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ظاهر الإسلام ، ثم انّه تغيّر بعد ذلك ، ولم يكن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تبعة فيما يحدث في العاقبة ، هذا على قول بعض أصحابنا .
وعلى قول فريق آخر : إنّه زوّجه على الظاهر ، وكان باطنه مستوراً عنه ، ويمكن أن يستر الله عن نبيّه نفاق كثير من المنافقين ، وقد قال الله سبحانه : ﴿ ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ﴾ (1) ، فليكن في أهل مكة كذلك ، والنكاح على الظاهر دون الباطن على ما بيّناه .
ويمكن أن يكون الله تعالى قد أباحه مناكحة من تظاهر بالإسلام وإن علم من باطنه
1 ـ التوبة : 101 .
النفاق ، وخصّه بذلك ورخّص له فيه ، كما خصّه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح ، وأباحه في أن ينكح بغير مهر ، ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ، ولا الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء ، وأشباه ذلك ممّا خصّ به وحظر على غيره من عامة الناس .
فهذه الأجوبة الثلاثة عن تزويج النبيّ عليه وآله السلام عثمانَ ، كلّ واحدٍ منهما كافٍ بنفسه مستغنى به عمّا ورد .
هذا هو رأي الشيخ المفيد رحمه الله في المسألة ، ووافقه في ذلك تلميذه علم الهدى السيّد الشريف المرتضى رحمه الله في رسالته التي ألّفها في هذه المسألة بعد أن سُئل عن رأيه فيها فراجعها (1) .
237 رقيّة البهبهانيّة
رقيّة بنت محمّد علي البهبهاني ، وزوجة عبدالعلي البهبهاني .
عالمة ، فاضلة ، تُعدُّ من أفاضل النساء في القرن الثالث عشر الهجري (2) .
اختها بلقيس البهبهاني ، أيضاً عالمة فاضلة ، مرَّ ذكرها في حرف الباء .
238 رملة
زوجة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام أبي محمّد الحسن بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليهما ، و اُم ولده القاسم الشهيد يوم عاشوراء بأرض الطف مع عمّه الإمام الحسين عليه السلام .
ويكفي هذه المرأة فخراً وعزّاً أنّها زوجة الإمام الحسن عليه السلام ، والتي أنجبت له ذلك الشاب المجاهد الذي ضحّى بنفسه الزكيّة في سبيل الله يوم عاشوراء ، حينما شاهد عمّه الحسين عليه السلام
1 ـ انظر : قرب الإسناد : 6 ، تكملة الرجال 2 : 733 ، اعيان الشيعة 3 : 486 ، رياحين الشريعة 4 : 34 ، أعيان النساء : 145 ، وغيرها من المصادر .
2 ـ وحيد بهبهاني : 332 .
وحيداً بلا ناصر ولا معين وقد أحاط به الأعداء من كلّ جانب .
وكانت رملة حاضرة في أرض كربلاء يوم عاشوراء ، شاهدت كلّ ما جرى على أهل البيت سلام الله عليهم وشجّعت ولدها على القتال بين يدي الإمام الحسين عليه السلام ، حتى استشهد دفاعاً عن دينه ، وقد كانت تأمل أن تراه وقد خضّب بحناء الزفاف ، فصَبرتْ واحتَسبتْ ذلك في سبيل الله ، فرحمها الله وجزاها خير جزاء المحسنين ، وحشرها مع زوجها وولدها في جنات النعيم (1) .
239 زايري الأصفهانيّة
إحدى الشاعرات الإيرانيات المعروفات في مدينة أصفهان ، لها ديوان شعر معروف بإسم « ديوان زايري أصفهاني » ، ذكرتها عدّة كتب أدبيّة فارسيّة ، وذكرتْ شعرها مع المدح والإطراء لها (2) .
240 زبراء
جارية أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وراوية عنه أحاديث كثيرة .
ذكرها الشيخ الحائري في تراجم أعلام النساء نقلاً عن المحلاتي في رياحين الشريعة (3) .
241 زبيدة القاجاريّة
زبيدة بنت الشاه فتح علي القاجاري .
فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، كثيرة الطاعات والأوقاف والخيرات .
1 ـ تأريخ الطبري 5 : 468 ، رياحين الشريعة 3 : 299 .
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 9 | 2 : 400 رقم 2336 .
3 ـ تراجم أعلام النساء 2 : 116 ، رياحين الشريعة 6 : 207 .
قرأتْ على صاحب ( مفتاح النبوّة الخاصة ) الشيخ الأجلّ المولى محمّدرضا ابن محمّد أمين الهمداني جدّ الميرزا محمّدرضا الهمداني الطهراني الواعظ ، ولها معه مجموعة مكاتبات .
ذكر الشيخ الطهراني مكاتباتها في الذريعة قائلاً : ( مجموعة مكاتبات ) للأديبة زبيدة بنت فتح علي شاه القاجاري مع شيخها صاحب مفتاح النبوّة (1) .
ولها ديوان شعر مطبوع بإسم « ديوان زبيدة » ، ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة أيضاً (2) .
242 زبيدة الصدرائيّة
زبيدة بنت الفيلسوف الشهير صدرالمتألّهين محمّد بن ابراهيم بن يحيى المعروف بملاّصدرا ، المتوفى سنة 1050هـ ، وزوجة العالم الربّاني معين الدين محمّد الفسوي ، و اُم ولده الميرزا كمال الدّين محمّد صهر المجلسي الأوّل .
ولدت في ذي القعدة سنة 1024هـ ، وتوفّيت سنة 1092هـ .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، مُحدّثة ، مؤلّفة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره .
قرأت على أبيها ، واختها العالمة الفاضلة اُم كلثوم التي تقدّمت ترجمتها ، وقرأ عليها وتخرّج بها ولدها حيث أخذ الأدب والبلاغة منها .
من مؤلّفاتها شرح الشافية في علم الصرف ، هو شرح مزجي مبسوط .
ترجمَ لها ومدحها وأثنى عليها العالم الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي في مقدّمة كتاب معادن الحكمة قائلاً : صاحبة كتاب شرح الشافية في علم الصرف ، وعندنا منه نسخة في المكتبة العامة الموقوفة (3) .
1 ـ الكنى والألقاب : 2 : 259 ، أعيان الشيعة 7 : 43 ، الذريعة 20 : 106 رقم 2138 ، رياحين الشريعة 4 : 266 .
2 ـ الذريعة 9 | 2 : 400 .
3 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 83 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 16 .
243 الزرقاء الهمدانيّة
الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الهمدانيّة .
من ربّات الفصاحة والبلاغة ، ومن المواليات لأميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، حضرت معه حرب صفين وخطبت خطباً بليغة ، شجّعت الرجال على القتال .
وبعد أن استشهد الإمام علي عليه السلام ، واغتصب معاوية الخلافة بعث وراء الزرقاء فحاورها فأسمعته كلاماً حادّاً وأظهرت ولاءها للامام علي عليه السلام .
روى ابن عبدربّه في العقد الفريد عن عبيدالله بن عمرو الغسّاني ، عن الشعبي قال : حدّثني جماعة من بني اُميّة ممّن كان يسمر مع معاوية ، قالوا : بينما معاوية ذات ليلة مع عمرو وسعيد وعُتبة والوليد ، إذ ذكروا الزرقاء ابنة عدي بن غالب بن قيس الهمدانيّة ، وكانت شهدت مع قومها صفين .
قال : أيكم يحفظ كلامها ؟
قال بعضهم : نحن نحفظه يا أميرالمؤمنين .
قال : فأشيروا عليّ في أمرها .
فقال بعضهم : نشير عليك بقتلها .
قال : بئس الرأي أشرتم به عليّ ، أيحسن بمثلي أن يُتحدّث عنه أنّه قتل امرأة بعدما ظفر بها ؟ !
فكتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محارمها ، وعدّة من فرسان قومها ، وأن يُمهّد لها وطاءً ليّناً ، ويسترها بستر خصيف (1) ، ويوسّع لها في النفقة .
فأرسل إليها عامله فأقرأها الكتاب ، فقالت : إن كان أميرالمؤمنين جعل الخيار ليّ فإنّي لا
1 ـ الخصيف : الغليظ . مجمع البحرين 5 : 46 ( خصف ) .
آتيه ، وإن كان حتم فالطاعة أولى .
فحملها وأحسن جهازها على ما أمرَ به ، فلمّا دخلت على معاوية قال : مرحباً وأهلاً ، قدمت خير مقدم قدمه وافد ، كيف حالكِ ؟
قالت : بخير يا أميرالمؤمنين ، أدام الله لك النعمة .
قال : كيف كُنتِ في مسيرك ؟
قالت : ربيبة بيت أو طفلاً ممهّداً .
قال : بذلك أمرناهم ، أتدرين فيمَ بعثتُ إليكِ ؟
قالت : أنّى لي بعلم ما لم أعلم .
قال : ألستِ الراكبة الجمل الأحمر ، والواقفة بين الصَفين يوم صِفين تحضّين على القتال وتوقدين الحرب ، فما حملكِ على ذلك ؟
قالت : يا أميرالمؤمنين ، مات الرأس وبتر الذنب ولم يَعد ما ذهب ، والدهر ذو غير ، ومَن تفكّر أبصر ، والأمر يَحدُث بعده الأمر .
قال معاوية : صدقتِ ، أتحفظينَ كلامكِ يومئذٍ ؟
قالت : لا والله لا أحفظه ، ولقد أنسيته .
قال : لكني أحفظه ، لله أبوك حين تقولين :
أيّها الناس ارعَووا وارجعوا ، إنّكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم ، وجارت بكم عن قصد المحجّة ، فيالها فتنة عمياء صمّاء بكماء ، لا تسمع لناعقها ، ولا تنساق لقائدها . إنّ المصباح لا يُضيء في الشمس ، ولا تنير الكواكب مع القمر ، ولا يقطع الحديد إلاّ الحديد . ألا مَن استرشدنا أرشدناه ، ومَن سألنا أخبرناه .
أيها الناس إنّ الحقّ كان يطلب ضالته فأصابها ، فصبراً يا معاشر المهاجرين والأنصار على الغصص ، فكأن قد اندمل شعب الشتات ، والتأمت كلمة العدل ، ودمغ الحقّ باطله . فلا يجهلنّ أحد فيقول : كيف
العدل وأنّى ؟ ﴿ ليقضِ الله أمراً كان مفعولاً ﴾ (1) ألا وإنّ خضاب النساء الحنّاء ، وخضاب الرجال الدِماء ، ولهذا اليوم ما بعده .
والصبر خيرٌ في الاُمور عواقبا
إيهاً في الحرب قُدماً غير ناكصين (2) ولا متشاكسين (3) .
ثم قال لها : والله يا زرقاء لقد شركت عليّاً في كلّ دم سفكه .
قالت : نعم والله لقد سررتُ بالخبر فأنّى لي بتصديق الفعل .
فضحكَ معاوية وقال : والله لَوفَاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته ، اُذكري حاجتك .
قالت : يا أميرالمؤمنين آليت على نفسي ألا أسأل أميراً أعنت عليه أبداً ، ومثلك أعطى من غير مسألة ، وجاد عن غير طلبة .
قال : صدقتِ ، وأمر لها وللّذين جاءوا معها بجوائز وكُساً .
وقال الزِرِكلي : توفيت حدود سنة 60هـ (4) .
244 زكيّة المازندرانيّة
زكيّة بنت الشيخ محمّد صالح بن أحمد المازندراني .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، كاتبة .
ولدت في اصفهان ، وأخذت المقدّمات والعلوم العربيّة وفنون الأدب على اُمّها العالمة الفاضلة آمنة بيكم بنت الشيخ محمّد تقي المجلسي ، ثم تخرّجت في الفقه والاُصول على والدها الشيخ محمّد صالح المازندراني المتوفى سنة 1080هـ صاحب شرح الكافي .
1 ـ الأنفال : 42 .
2 ـ ناكصين : راجعين . الصحاح 3 : 1060 ( نكص ) .
3 ـ متشاكسين : مختلفين . القاموس المحيط 2 : 223 ( شكس ) .
4 ـ العقد الفريد 1 : 347 ، الأعلام للزِرِكلي 3 : 44 نقلاً عن : عصر المأمون 2 : 17 ، نظام الحكم 1 : 60 ، بلاغات النساء ، نهاية الارب للنويري ، تأريخ ابن عساكر ، صبح الأعشى للقلقشندي ، المستطرف للأبهشي .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت السيّد محمّد باقر ابن السيّد محمّد صادق الموسوي اليزدي الأصفهاني المتوفى سنة 1111هـ ، ورُزقت منه ولداً ذكراً هو السيّد أبو القاسم .
كَتَبَتْ بخطّها شرح الكافي لوالدها ، ويوجد منه مجلّد يحتوي على كتابي العقل والعلم في مكتبة المدرسة الفيضية بمدينة قم المقدّسة تحت رقم 614 وفي آخره : كتبتهُ الأمة الفقيرة الحقيرة المحتاجة إلى الله الغني زكيّة بنت مولانا محمّد صالح مازندراني غفر الله له (1) .
ويقال : إنّ لها بعض الحواشي والتعليقات على الكتب الفقهية (2) .
245 زهراء البغداديّة
زهراء اُم أحمد بن الحسين البغدادي .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام ، من دون أي وصف لها (3) .
وللشيخ المامقاني رحمه الله ملاحظة لطيفة في هذا العنوان ، حيث إنّه يفصل بين زهراء وبين اُم أحمد بن الحسين ، ويذهب إلى أنّ زهراء ليست اُم أحمد بن الحسين ، بل هي امرأة اُخرى . ويردّ بذلك على الميرزا محمّد الاسترابادي بقوله : وزعمَ الميرزا كون مَن بعدها من العنوان ، وهي اُم أحمد بن الحسين ـ وهو أحمد بن دود البغدادي ـ جزء هذا العنوان ووصفاً لزهراء ، وهو اشتباه ، وعلى كلّ حال فظاهر الشيخ رحمه الله كونها إمامية إلاّ أنّ حالها مجهول (4) .
ومن الملاحظ أنّ الشيخ المامقاني انفرد بهذا الرأي ، وكلّ مَن ذكرها أوردَ اسمها كما ذكرناه ، وجعل العنوان امرأةً واحدة لا اُمرأتين (5) .
1 ـ فهرست نسخههاى خطى كتابخانه مدرسه فيضيه 1 : 155 ـ 156 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 218 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
3 ـ رجال الشيخ : 409 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 78 ، منهج المقال : 400 .
5 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 3 : 475 و 7 : 69 ، رياحين الشريعة 4 : 266 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 .
246 زهراء التسويجي
زهراء بنت الميرزا أحمد ابن الشيخ محمّد قلي التسويجي ، المعروف بأقا المولوي .
زوجها الشيخ الميرزا أبو القاسم ابن الميرزا محمود السلماسي التبريزي النجفي .
أديبة ، فاضلة ، معلّمة ، شاعرة باللغة الفارسيّة ، كانت على درجة عالية من العفّة والورع والدين .
وُلدت في مدينة النجف الأشرف سنة 1303هـ ، وأخذت علومها من رجال اسرتها ، وسافرت إلى الهند سنة 1343هـ ، وعملت هناك معلّمة ومرشدة ومربيّة للنساء ، ثم عادت إلى العراق ، واستوطنت مدينة الكاظميّة ، ولازمت بيتها ، وتفرّغت للعبادة ومدح ورثاء العترة الطاهرة ، إلى أن توفّيت سنة 1390هـ .
جمعت شعرها في ديوان سمّته « شكوفه غم » أو « ديوان مخلص » ، طبع المجلّد الأوّل منه في مدينة النجف الأشرف سنة 1354هـ ، والمجلّد الثاني في الهند سنة 1358هـ ، والمجلّد الثالث في النجف الأشرف سنة 1385هـ (1) .
247 زهراء القزوينيّة
زهراء بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملاّ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
ولدت في قزوين حدود سنة 1240هـ ، وتوفيت حدود سنة 1320هـ .
فقيهة ، مجتهدة ، مفسّرة ، واعظة ، حافظة للقرآن الكريم ، من العابدات الناسكات .
أخذت المقدّمات والصرف والنحو والعلوم العربية وفنون الأدب عن اختها قرّة العين ، ثم تخرّجت في الفقـه والأصول والحديث والتفسير على والدهـا الشيخ محمّـد صالح البرغاني
1 ـ الذريعة 9 : 1020 | 6637 و 14 : 216 | 2257 ، فهرست كتابهاى چاپىفارسى 3 : 3292 ، معجم المطبوعات النجفيّة ، 224 ، معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف 1 : 310 .
الحائري المتوفى سنة 1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ .
وأخذت العرفان عن عمّها الثاني الشيخ الملاّ علي البرغاني ، والفلسفة عن الشيخ الملاّ آغا الحكمي القزويني وأخيها الشيخ الميرزا عبدالوهاب البرغاني .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمها الشيخ الميرزا أبو القاسم ابن الشهيد الثالث ، ورُزقت منه الشيخ الميرزا مهدي والشيخ أبو تراب الشهيدي القزويني .
وبعد زواجها بدأت تدرس على يد زوجها ، فأخذت عنه الفقه والاُصول ، وكانت تستنبط الأحكام الشرعية ، وتتباحث مع زوجها في المسائل العلمية ، وتتولّى التدريس في قزوين لفواضل نساء عصرها (1) .
248 زهرة الفتلاويّة
زهرة آل حمش ، من البو انصيري ، من عشائر آل فتلة .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، قالت تخاطب الجموع التي تهيّأت إلى معركة « الرارنجية » :
واستمرت بخطابها إلى الشيخ عبدالواحد سكر ، فقالت :
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 218 ـ 219 نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
249 زوجة السيّد أولاد حسين اللكهنوي
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة .
لها كتاب بلغة الأردو ، سمته ( تأريخ العصابات في تراجم النساء من الصحابة ) ، طبع في الهند (2) .
250 زوجة شعبان المهدي
مجاهدة عراقيّة ، من أهالي مدينة الديوانيّة ، نالت شرف الشهادة دفاعاً عن دينها وعقيدتها .
حضرت بعض وقائع ثورة العشرين المباركة ، التي قادها علماء الدين في مدينة النجف الأشرف ، وكان لهذه المرأة البطلة دور كبير في تشجيع الرجال ، وشحذ الهمم في نفوس الثوار الأبطال ، حيث كانت تصرخ بوجوه الغزاة ، وتستغيث برجال قومها .
وفي المعركة التي دارت في مدينة الديوانيّة قرب سكة الحديد التي يمرّ عليها قطار جيش الغزاة ، والتي انكسر المسلمون العراقيون فيها ، وغلب الإنگليز بفعل الإمداد العسكري المحمول بالقطار ، فما كان من هذه المرأة البطلة إلاّ أن هتفت بالرجال ، ثم هجمت بسلاحها « الفأس » ، فانهال الرجال على الغزاة باشتباك دموي شديد ، وانتقم الانگليز من تلك المرأة
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 365 .
2 ـ أعيان الشيعة 7 : 73 .
الشجاعة بقذيفة مدفعهم ، لتخرق جسدها في أثناء المعركة المحتدمة (1) .
251 زوجة الهيثم بن الأسود
مجاهدة ، مؤمنة ، كانت عيناً لأميرالمؤمنين الإمام علي عليه السلام في جيش معاوية .
فلمّا خرج زوجها أبو العريان الهيثم بن الأسود مع معاوية بن أبي سفيان في واقعة صفّين ، خرجت معه ، وأخذت تكتب بأخبار معاوية في أعنّة الخيل ، وتدفعها إلى عسكر الإمام علي عليه السلام ، فيدفعونها إليه (2) .
252 زوجة وهب الكلبي
زوجة وهب بن حبّاب الكلبي .
مجاهدة ، حضرت واقعة الطف مع زوجها ، ونزلت إلى ساحة المعركة حاملة عموداً بيدها ، تدافع عن دينها وعقيدتها ، فأرجعها الإمام الحسين عليه السلام ، ودعا لها .
فحينما عزم وهب على القتال ونُصرة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السلام ، منعته زوجته وقالت له : بالله عليك لا تفجعني بنفسك . إلاّ أنّها سرعان ما رجعت عن قولها هذا وتغيّر رأيها ، فحينما رأت وحدة الحسين عليه السلام وغربته ، واجتماع أهل الكوفة على قتاله ، أخذت عموداً وبرزت لتقاتل بين يدي الحسين عليه السلام .
قال السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين ( اللهوف في قتلى الطفوف ) : وخرج وهب بن حبّاب الكلبي فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه امرأته ووالدته ، فرجع اليهما وقال : يا اُماه أرضيتِ أم لا ؟
فقالت الاُم : ما رضيتُ حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام .
وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك .
1 ـ عذراء العقيدة والمبدأ : 16 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 4 : 92 .
فقالت له اُمّه : يا بني أعزب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيّك تَنل شفاعة جدّه يوم القيامة .
فرجع ، فلم يزل يقاتل حتى قُطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً فأقبلت نحوه وهي تقول : فداكَ أبي و اُمّي قاتل دون الطيّبين حَرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معكَ ، فقال الحسين عليه السلام : « جُزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، إرجعي إلى النساء رحمك الله » ، فانصرفت إليهنّ ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه (1) .
وفي مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : ولم يزل يقاتل حتى قطعت يمينه ، فلم يبالِ وجعل يقاتل حتى قطعت شماله ، ثم قتل . فجاءت إليه اُمّه تمسح الدم عن وجهه ، فأبصرها شمر بن ذي الجوشن فأمر غلاماً فضربها بالعمود على شدقها وقتلها ، فهي أوّل امرأة قُتلت في حرب الحسين عليه السلام .
وذكر مجد الأئمة السرخسكي عن أبي عبدالله الحدّاد : إنّ وهب هذا كان نصرانيّاً فأسلم هو و اُمّه على يد الحسين عليه السلام ، وانّه قَتلَ في المبارزة أربعة وعشرين راجلاً واثني عشر فارساً ، فاُخذ أسيراً واُتي به إلى عمر بن سعد فقال له : ما أشد صولتك ! ثم أمر فضرب عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين ، فأخذت اُمّه الرأس فقبّلته ثم شدّت بعمود الفسطاط فقتلت به رجلين ، فقال لها الحسين : « ارجعي اُم وهب ، فإن الجهاد مرفوع عن النساء » ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي .
فقال لها الحسين : « لا يقطع الله رجاءك يا اُم وهب ، أنت وولدك مع رسول الله وذريته في الجنة » (2) .
فيالها من بشارة عظيمة يبشّر بها سيّد شباب أهل الجنّة ، ووعد كريم يعدها ، نعم يبشّرها بالجنة ، ولم لا وقد قدّمت فلذة كبدها في سبيل نُصرة الحسين عليه السلام والذبّ عن عياله .
1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف : 44 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام 2 : 13 .
ولا يخفى عليكَ عزيزي القاريء أنّ هناك امرأة اُخرى تكنّى باُم وهب حضرت يوم عاشوراء أيضاً ، وهي اُم وهب بنت عبد زوجة عبدالله بن عمير من بني عُليم ، وقد اشتبه البعض فعدّهما واحدة .
253 زينب الأنصاريّة
زينب امرأة ابن مسعود الأنصاري .
عدّها الشيخ الطوسي في كتاب الرجال من الصحابيات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر ملقّباً لها بالأنصاريّة ، ولابن مسعود بالأنصاريّ ، ولم استثبت حالها (2) .
254 زينب المخزوميّة
زينب بنت أبي سلمة عبدالله بن عبدالأسد بن هلال ، وتلقّب برّة .
ولدت بأرض الحبشة ، وكان أبوها هاجر باُم ها اُم سلمة إلى أرض الحبشة في الهجرتين ، فولدت له زينب هناك ، وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرّة بني أبي سلمة .
وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من زوجته اُم سلمة هند بنت أبي اُميّة سهيل زاد الركب بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
عدّها الشيخ رحمه الله في رجاله وابن عبدالبر وابن مندة وأبو نعيم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت من أفقه نساء زمانها ، وعمّرت عمراً طويلاً .
وكان أبو سلمة قد خرج إلى اُحد مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فرُمي بسهم في عضده ، فداواه فبريء ، ثم انتقض عليه فمات منه في اليوم الثامن من شهر جمادي الآخرة في السنة الرابعة للهجرة .
1 ـ رجال الشيخ : 33 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 78 ، وانظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 7 : 132 ، رياحين الشريعة 4 : 304 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 .
فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر شهر شوال من نفس السنة .
وكانت زينب كاُمّها اُم سلمة من أخلص الناس في ولاء أميرالمؤمنين علي عليه السلام ، وقصة اُم سلمة مع عائشة لمّا أرادت الخروج إلى البصرة معروفة ، ذكرناها في ترجمة اُم سلمة . وكذلك خبرها يوم تزويج الزهراء عليه السلام معروف ، ولمّا ولي أميرالمؤمنين عليه السلام الخلافة ولّى ابنها عمر بن أبي سلمة (1) .
في مقاتل الطالبيين : لمّا أتى عائشة نعي أميرالمؤمنين عليه السلام تمثّلت :
فقالت لها زينب بنت اُم سلمة : ألعليّ تقولين هذا ؟
فقالت : إذا نسيتُ فذكّروني ، ثم تمثّلت :
وذكرها أيضاً ابن سعد في الطبقات ، والطبري وابن الأثير في تأريخهما (3) .
255 زينب العطّارة الحولاء
راوية للحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وروى محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبدالرحمان ابن أبي نجران ، عن صفوان ، عن خلف بن حمّاد ، عن الحسين بن زيد الهاشمي ، عن أبي
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 33 ، مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رجال أبو علي : 369 ، تنقيح المقال 3 : 78 ، رياحين الشريعة 4 : 303 ، أعيان الشيعة 7 : 132 ، الاستيعاب 4 : 317 ، ذيل المذيل للطبري : 72 .
2 ـ مقاتل الطالبيين : 42 .
3 ـ الطبقات الكبرى 3 : 40 ، تأريخ الطبري 5 : 150 ، الكامل في التأريخ 3 : 394 .
4 ـ رجال البرقي : 61 . وانظر : تكملة الرجال 2 : 749 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، رياحين الشريعة 4 : 181 ، معجم رجال الحديث 23 : 191 .
عبدالله عليه السلام قال :
« جاءت زينب العطّارة الحولاء إلى نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبناته ، وكانت تبيع منهن العطر ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي عندهن فقال : إذا أتيتينا طابت بيوتنا .
فقالت : بيوتكَ بريحكَ أطيب يا رسول الله .
قال : إذا بعتِ فأحسني ، فلا تغشّي فإنّه أتقى وأبقى للمال .
فقالت : يا رسول الله ما أتيتُ بشيء من بيعي ، وإنّما أتيت أسألك عن عظمة الله عزَّوجلَّ .
فقال : جلَّ جلال الله ، ساُحدثِك عن بعض ذلك ، ثم قال : إنّ هذه الأرض بمن عليها عند التي تحتها كحلقـة ملقاة في فـلاة قيّ ، وهاتان بمن فيهما ومَن عليهمـا عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والثالثة حتى انتهى إلى السابعة وتلا هذه الآية : ﴿ سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ﴾ (1) .
والسبع الأرضين بمن فيهن ومَن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والديك له جناحان ، جناح في المشرق وجناح في المغرب ، ورجلاه في التخوم ، والسبع والديك بمن فيه ومَن عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والصخرة بمن فيها ومَن عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والحوت بمن فيه ومَن عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والبحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، ثم تلا هذه الآية : ﴿ له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾ (2) ، ثم انقطع الخبر عند الثرى .
والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومَن عليه عند السماء الاُولى كحلقة في فلاة قيّ ، وهذا كلّه وسماء الدنيا بمن عليها ومَن فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قيّ ، وهاتان السماءآن ومن فيهما ومَن عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قيّ ،
1 ـ الطلاق : 12 .
2 ـ طه : 6 .
وهذه الثلاثة بمن فيهنّ ومَن عليهنّ عند الرابعة كحلقة في فلاة قيّ ، حتى انتهى إلى السابعة ، وهنّ ومَن فيهنّ ومَن عليهنّ عند البحر المكفوف عند أهل الأرض كحلقة في فلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قيّ ، وتلا هذه الآية : ﴿ وينزّل من السماء من جبال فيها من برد ﴾ (1) .
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فـلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبـال البرد والهواء عند حجـب النور كحلقة في فلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قيّ ، ثم تلا هذه الآية : ﴿ وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾ (2) .
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قيّ ، وتلا هذه الآية : ﴿ الرّحمن على العرش استوى ﴾ (3) . وفي رواية الحسن : الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب (4) .
256 زينب العقيليّة
زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب .
قال ابن الأثير في تأريخه : لمّا دخل البشير على عمرو بن سعيد ، فقال : ما وراءك ؟
قال : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي!!! .
فقال : نادِ بقتله ، فنادى ، فصاح نساء بني هاشم ، وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول :
1 ـ النور : 43 .
2 ـ البقرة : 255 .
3 ـ طه : 5 .
4 ـ الكافي 8 : 153 حديث 143 .
فلما سمع عمر أصواتهن ضحكَ وقال :
والأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمر بن معدي كرب . ثم قال : واعية كواعية عثمان (1) .
وذكر ذلك الطبري في تأريخه ، إلاّ أنّه ذكر البيتين الأولين فقط (2) .
وقال ابن شهر آشوب في المناقب : لما قُتل الحسين عليه السلام خرجت أسماء بنت عقيل تنوح وتقول :
وذكر ابن كثير في تأريخه عين الأبيات المذكورة أعلاه ، ثم قال : وقد روى أبو مخنف عن سلمان بن أبي راشد ، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود : إنّ بنت عقيل هي التي قالت هذا الشعر . وهكذا حكى الزبير بن بكار : إنّ زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب هي التي قالت حين دخل آل الحسين المدينة النبوية . وروى أبو بكر الأنباري بإسناده : إنّ زينب بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، وهي زوج عبدالله بن جعفر اُم بنيه رفعت خباءها يوم كربلاء
1 ـ الكامل في التأريخ 4 : 88 .
2 ـ تأريخ الطبري 5 : 466 .
3 ـ مناقب آل أبي طالب 4 : 116 .
يوم قتل الحسين وقالت هذه الأبيات ، فالله أعلم (1) .
257 زينب الكبرى
بنت أميرالمؤمنين وسيّد الموحّدين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
اُمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، بنت فخر الاُمّة وسيّدها ونبيّها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهي الصديقة الكبرى ، عقيلة بني هاشم ، العالِمة غير المعَلّمة ، والفَهمة غير المفهّمة ، عاقلة ، لبيبة ، جزلة ، كانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى و اُمّها الزهراء سلام الله عليها .
اتصفت سلام الله عليها بمحاسنها الكثيرة ، وأوصافها الجليلة ، وخصالها الحميدة ، وشيمها السعيدة ، ومفاخرها البارزة ، وفضائلها الطاهرة .
ولدت سلام الله عليها قبل وفاة جدّها صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر ، فولدت له محمّداً وعليّاً وعباساً و اُم كلثوم وعون .
حدّثت عن اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وأسماء بنت عميس .
وروى عنها محمّد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وعبّاد العامري .
عُرفت سلام الله عليها بكثرة العبادة والتهجّد ، شأنها في ذلك شأن أبيها و اُمّها وجدّها ، وشأن أهل البيت جميعاً عليهم السلام . يُنقل عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله : « ما رأيتُ عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر » ، أي أنّها سلام الله عليها ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبة حتى في تلك الليلة الحزينة التي فَقدت فيها كلّ عزيز ، ولاقَت مالاقت في
1 ـ البداية والنهاية 8 : 198 . وانظر : شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار 13 : 43 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .
ذلك اليوم من مصائب ، حتى أنّ الحسين عليه السلام عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : « يا اُختاه لا تنسيني في نافلة الليل » .
وذكر بعض أهل السِير أنّ العقيلة زينب سلام الله عليها كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء (1) .
وليس هذا بمستكثر عليها ، فقد نزل القرآن في بيتها ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء ، وتأدّبت بآدابهم ، وتعلّمت من علومهم أن تكون لها هذه المنزلة السامية .
ونحن إذا تأملنا كلمة الإمام زين العابدين عليه السلام لها : « أنتِ بحمدِ الله عالِمة غير معلّمة ، وفَهمة غير مفهّمة » أدركنا سموّ منزلتها العلميّة .
وإن لم تكن سلام الله عليها في عداد المعصومين ، لكنّها في درجة قريبة من العصمة؛ لأنّ مَن كان جدّها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، و اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وأخواها الحسن والحسين سلام الله عليهما ، فلا شكّ أنّ تغرّ العلم غرّاً ، وما صدر منها في مأساة الطف أكبر شاهد على علوّ منزلتها وسموّها وقربها من العصمة .
مصائبها :
تسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها اُم ّالمصائب ، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك؛ فقد شاهدت مصيبة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومحنة اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ثم وفاتها ، وشاهدت مقتل أبي ها الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ثم شاهدت محنة أخيها الحسن سلام الله عليه ثم قتله بالسم .
وشاهدت أيضاً المصيبة العظمى ، وهي قتل أخيها الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وقتل ولديها عون ومحمّد مع خالهما أمام عينها .
وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ، واُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال ، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسّة أصله من الكلام الخشن الموجع ، واظهار الشماتة الممضّة .
وحُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق ، حتى دخلوا دمشق على هذه الحالة ، واُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقيّدون بالحبال .
قال المفيد : فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد ، ثمّ أفرد لهنّ ولعلي بن الحسين داراً وأمر بسكوتهم ، وقال لزين العابدين : كاتبني من المدينة في كلّ حاجة تكون لك . ولمّا عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير ، وأمر أن يرفق بهم في الطريق . ولمّا غزا جيشه المدينة أوصى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين عليهما السلام ، وذلك لِما رأى من نقمة الناس عليه ، فأراد أن يتلافى ما فرط منه ، وهيهات كما قال الشريف الرضي :
وكان لزينب سلام الله عليها في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات ، وفي المواطن كلّها .
فهي التي كانت تمرّض العليل ، وتراقب أحوال أخيها الحسين عليه السلام ، وتخاطبه وتسأله عند كلّ حادث .
وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال ، وتقوم في ذلك مقام الرجال .
وهي التي دافعت عن زين العابدين عليه السلام لمّا أراد ابن زياد قتله ، وخاطبته بما ألقمته حجراً ، حتى لجأ إلى مالا يلجأ إليه ذو نفس كريمة .
وبها لاذت فاطمة بنت الحسين عليه السلام وأخذت بثيابها ، لمّا قال الشامي ليزيد : هب لي هذه الجارية . فخاطبت يزيد بما فضحه ، حتى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد .
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبدالله بن جعفر ، فاختارت صُحبة أخيها على البقاء عند زوجها ، وزوجها راضٍ بذلك مُبتهج به ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ، ففعلا حتى قُتلا . وحقَّ لها ذلك ، فمَنْ كان لها أخ مثل الإمام الحسين عليه السلام ،
وهي بهذا الكمال الفائق ، لا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها (1) .
مع الحسين عليه السلام في نهضته :
يُسجل التأريخ بكلّ فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيّدة زينب سلام الله عليها في يوم عاشوراء ، حتى أنّها أصبحت شريكة الحسين عليه السلام في نهضته ، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف وتجاهل مواقف عقيلة الهاشميين ، ونحن نذكر هنا بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم الحزين؛ وفاءً لها ولصمودها في وجوه أعداء آل البيت عليهم السلام .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : روى ابن طاووس أنّ الحسين عليه السلام لمّا نزل الخزيمة أقام بها يوماً وليلة ، فلمّا أصبح أقبلت إليه اُخته زينب فقالت : يا أخي ألا اُخبرك بشيء سمعته البارحة ؟
فقال الحسين عليه السلام : « وما ذاك ؟ » .
فقالت : خرجتُ في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول :
فقال لها الحسين عليه السلام : « يا اُختاه كلّ الذي قضى فهو كائن » (2) .
وقال المفيد : لمّا كان اليوم التاسع من المحرم زحف عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام بعد العصر ، والحسين عليه السّلام جالس أمام بيته محتبٍ بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت اُخته الضجّة ، فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟
فرفع الحسين رأسه فقال : « إنّي رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعة في المنام ، فقال لي : إنّكَ تروح نا » ، فلطمت اُخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : « ليس لك الويل يا
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 137 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 34 .
اُختاه ، اسكتي رحمك الله » (1) .
والمراد باُخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب؛ لأنّها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كلّ وقت ساعة فساعة ، وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الاُمور والأحوال .
وقد روى ابن طاووس هذه الرواية مع بعض الزيادة ، وصرّح بأنّ اسمها زينب ، فقال : فسمعت اُخته زينب الضجّة . . . . إلى أن قال : فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل ، فقال لها الحسين عليه السلام : « ليس لكِ الويل يا اُخيّة ، اسكتي رحمك الله لا تشمتي القوم بنا » (2) .
وقال ابن الأثير في تأريخه : نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسعٍ مضين من المحرم بعد العصر ، والحسين جالس أمام بيته مُحتبياً بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبته ، وسمعت اُخته زينب الضجّة فدنت منه فأيقظته فرفع رأسه فقال : « إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال : إنكَ تروح إلينا » ، فلطمت اُخته وجهها وقالت : يا ويلتاه ، قال : « ليس لكِ الويل يا اُخيّة ، اسكتي رحمك الله » (3) .
وقال الشيخ المفيد رحمه الله : قال علي بن الحسين عليهما السلام : « إنّي لجالس في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري ، وهو ـ أي جوين ـ يعالج سيفه ويصلحه و أبي يقول :
فأعادها مرّتين أو ثلاثة حتى فهمتها وعرفتُ ما أراد ، فخنقتني العبرة فردّدتها ولزمت السكوت ، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها لمّا سمعت ـ وهي امرأة ، ومن شأن النساء الرقة والجزع ـ فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وأنّها لحاسرة حتى انتهت إليه
1 ـ الارشاد : 230 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 38 .
3 ـ الكامل في التأريخ 4 : 58 .
فقالت :
واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت اُمّي فاطمة و أبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .
فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها : يا اُخيّة لا يذهبنَّ بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو تُركَ القطا يوماً لنام .
فقالت : يا وليتاه ، أفتغتصب نفسكَ اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي ، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها .
فقام إليها الحسين وصبّ على وجهها الماء وقال لها : إيهاً يا اُختاه اتّقِ الله وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، إلى أن قال : فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا اُخيّة إني أقسمت عليك فأبري قسمي ، لا تشقي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت ، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي » (1) .
وروى ابن طاووس هذا الخبر بنحو ما رواه المفيد ، وصرّح باسم اُخته زينب وزاد في الأبيات : ( ما أقرب الوعد من الرحيل ) ، قال : فسمعت اُخته زينب بنت فاطمة عليها السلام ذلك فقالت : يا أخي هذا كلام مَن أيقن بالقتل ، فقال : « نعم يا اُختاه » ، فقالت زينب : واثكلاه . . . . . (2) .
وذكر هذه الأبيات ابن الأثير في الكامل في التأريخ (3) .
وذكر ابن طاووس : أنّ الحسين عليه السلام خاطب النساء وفيهنّ زينب و اُم كلثوم فقال : « انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققنَّ عليّ جيباً ، ولا تَخمشنَّ عليّ وجهاً ، ولا تقلنَّ هجراً » (4) .
1 ـ الارشاد : 232 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 33 .
3 ـ الكامل في التأريخ 4 : 56 .
4 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 34 .
وقال المفيد رحمه الله : لما قُتل علي بن الحسين الأكبر ، خرجت زينب اُخت الحسين مسرعة تنادي : يا حبيباه ويا ابن اُخياه ، وجاءت حتى أكبّت عليه ، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط (1) .
وقال ابن الأثير : حملَ الناس على الحسين عن يمينه وشماله ، فحملَ على الذين عن يمينه فتفرّقوا ، ثم حملَ على الذين عن يساره فتفرّقوا ، فما رؤي مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه ، إذ كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول : ليتَ السماء أطبقت على الأرض ، وقد دنا عمر بن سعد فقالت : يا عمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر ، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته ، وصرف وجهه عنها (2) .
وقال السيّد ابن طاووس : لمّا كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين عليه السلام حملَ ابن سعد معه نساء الحسين وبناته وأخواته فقال النسوة : بحقّ الله إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فمرّوا بهنّ على المصرع ، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى ، فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب :
يا محمّداه ، صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسينك مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا . إلى الله المشتكى ، وإلى محمّد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيّد الشهداء . يا محمّداه ، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، واحزناه واكرباه عليك يا أبا عبدالله ، اليوم ماتَ جدّي رسول الله ، يا أصحاب محمّد هؤلاء ذريّة المصطفى يُساقون سوق السبايا .
وفي بعض الروايات :
1 ـ الإرشاد : 243 .
2 ـ الكامل في التأريخ 4 : 77 .
وامحمّداه ، بناتكَ سبايا ، وذريّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، بأبي مَن أضحى عسكره يوم الإثنين نهباً ، بأبي مَن فسطاطه مقطع العرى ، بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي مَن نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي مَن شيبته تقطر بالدماء ، بأبي مَن جده رسول إله السما ، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء ، بأبي مَن ردّت له الشمس حتى صلّى ، فأبكت والله كلّ عدوٍّ وصديق (1) .
ولها مع زين العابدين سلام الله عليهما أكثر من موقف ، نراها تعزّيه تارة وتصبّره ، وتارة تحافظ عليه من القتل حينما أراد ابن زياد قتله . وعندما شاهدت جزعه عليه السلام قالت له : مالي أراكَ تجود بنفسك يا بقيّة جدي و أبي واخوتي ؟
فقال عليه السلام :
« وكيف لا أجزع وأهلع ، وقد أرى سيّدي واُخوتي وعمومتي وولد عمّي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء ، مسلّبين ، لا يكفّنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر » .
فقالت عليها السلام :
لا يجزعنك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جدك و أبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس من هذه الاُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الاُمّة ، وهم معروفون في أهل السماوات ، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون بهذا الطف علماً
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 55 .
لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلاّ ظهوراً ، وأمره إلاّ علواً (1) .
وعندما استعرض ابن زياد آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وسأل عن كلّ فردٍ منهم ، واستغرب في وجود الإمام زين العابدين عليه السلام من بين آل الحسين عليه السلام حيّاً ، وقد سبقه النبأ من ابن سعد أنّه اجتاحهم ، فسأله : مَن أنت ؟
فقال عليه السلام : أنا علي بن الحسين .
فقال : أليس قد قتلَ الله علي بن الحسين .
فقال عليه السلام : كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس .
فقال ابن زياد : بل الله قتله .
فقال عليه السلام : الله يتوفّى الأنفس حين موتها .
فغضب ابن زياد وقال : وبكَ جرأة لجوابي ، وفيكَ بقيّة للردّ عليّ ، اذهبوا به فاضربوا عنقه . فتعلّقت به عمّته زينب ، وقالت : يا ابن زياد حسبكَ من دمائنا ، واعتنقته وقالت : لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه .
فنظر ابن زياد إليها ثم قال : عَجباً للرحم ، إنّي لأظنّها ودّت انّي قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به (2) .
وحينما سأل ابن زياد عن زينب سلام الله عليها ، ولم يكن يعرفها ، قيل له : هذه زينب بنت أميرالمؤمنين .
فقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم .
فقالت سلام الله عليها :
الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما
1 ـ كامل الزيارات : 263 .
2 ـ الإرشاد : 244 .
يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .
قال : كيفَ رأيتِ فعلَ الله بأهل بيتك ؟
فقالت عليها السلام :
ما رأيتُ إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كَتبَ الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينكَ وبينهم فتُحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذٍ ، ثكلتكَ اُمك يابن مرجانة .
فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، فلا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تلام على خطل .
فالتفت إليها ابن زياد وقال : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك .
فقالت عليها السلام :
لعمري لقد قتلتَ كهلي ، وأبدتَ أهلي ، وقطعتَ فرعي ، واجتثثتَ أصلي ، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيت (1) .
خُطَبها :
لقضية الحسين عليه السلام جانبان :
الأوّل : جانب التضحية والفداء ، والقتال في سبيل الله تعالى ، والصبر على البلاء ، وقد وقع هذا الجانب على الرجال ، على الحسين عليه السلام ، وأهل بيته ، وأصحابه ، فصبروا وقاتلوا مقتدين بقول سيّدهم : « لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا اقرّ لكم إقرار العبيد » .
الثاني : جانب التبليغ : وتعريف الاُمّة بحقيقة الأمر ، وقد وقع الكاهل الأعظم من هذا الجانب على نساء أهل البيت عليهم السلام ، وبالأخص زينب سلام الله عليها . فبالإضافة لِما مرّ من كلامها في كربلاء والكوفة والشام ، وأثناء الوقائع والأحداث ، لها خطبتان مشهورتان في
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 423 .
الكوفة والشام .
خطبتها في الكوفة :
قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط أنطق منها ، كأنّها تنطق وتفرغ عن لسان علي عليه السلام ، وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا ، فارتدّت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت بعد حمد الله تعالى ، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم :
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر والخذل ، أتبكون!! فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، هل فيكم إلاّ الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الاماء وغمز الأعداء ، أو كمرعىً على دمنة ، أو كقصة على ملحودة ، ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم ، أن سخط الله عليكم وفيالعذاب أنتم خالدون .
أتبكون أخي ؟ ! أجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ، فقد ذهبتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقر سلمكم ، وأسى كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ، ومدرة حججكم ، ومنار محجتكم .
ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعساً تعساً ، ونكساً نكساً ، لقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .
أتدرون ويلكم أيّ كبدٍ لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم فريتم ؟ ! وأيّ عهد نكثتم ؟ ! وأيّ كريمة له أبرزتم ؟ ! وأيّ حرمة له هتكتم ؟ ! وأيّ دم له سفكتم ؟ ! لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السماوات يتفطّرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّاً . لقد
جئتم بها شوهاء ، صلعاء ، سوداء ، فقماء ، فرقاء ، كطلاع الأرض أو ملء السماء .
أفعجبتم أن تمطر السماء دماً ، ولعذاب الأخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه عزّ وجلَّ لا يحفزه البدار ، ولا يخشى عليه فوات الثأر ، كلا إنّ ربك لبالمرصاد .
ثم أنشأت تقول :
قال حذيم : فرأيتُ الناس حيارى قد ردّوا أيديهم في أفواههم ، فالتفتُ إلى شيخ في جانبي يبكي وقد اخضلّت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة إلى السماء وهو يقول : بأبي أنتم و اُمي ، كهولهم خير كهول ، ونساؤهم خير نساء ، وشبابهم خير شباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد :
1 ـ في بعض المصادر لم ترد هذه ال أبي ات ضمن الخطبة .
2 ـ الإحتجاج 2 : 31 .
خطبتها في الشام :
لما سمعت زينب بنت علي عليهما السلام يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعري :
قالت : الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول : ﴿ ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ﴾ (1) ، أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تساق الاُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً وبكَ عليه كرامة ، وأنّ ذلك لِعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفكَ ، ونظرتَ في عطفك جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والاُمور متّسقة ، وحين صفا لكَ ملكنا وسلطاننا . مهلاً ، أنسيتَ قول الله تعالى : ﴿ ولا تحسبن الذين كفروا إنّما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ﴾ (2) .
أمنَ العدلِ يا ابن الطلقاء تخديركَ حرائركَ وإماءكَ وسوقكَ بنات رسولِ الله سبايا ، قد هُتكت ستورهنّ واُبديت وجوههنّ ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهنَّ من حماتهنّ حميّ ، ولا من
1 ـ الروم : 10 .
2 ـ آل عمران : 178 .
رجالهنّ ولي ، وكيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر الينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم :
منحنياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونجوم الأرض من آل عبدالمطلب ، وتهتف بأشياخك ، وزعمتَ أنّكَ تناديهم ، فلتردنّ وشيكاً موردهم ، ولتودنّ أنّكَ شللت وبكمت ولم تكن قلتَ ما قلت وفعلتَ ما فعلت .
اللهم خُذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، وأحلل غضبكَ بمن سفكَ دماءنا وقتلَ حُماتنا . فوالله ما فريت إلاّ جلدكَ ، ولا خززتَ إلاّ لحمكَ ، ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ (1) .
وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمّد صلّى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً ، وأيكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً . ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، ولكنّ العيون عبرى والصدور حرّى .
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا . وتلك الجثث
1 ـ آل عمران : 169 .
الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفِّرها اُمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدّنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك ، وما ربك بظلام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل .
فَكِدْ كيدكَ ، واسعَ سعيكَ ، وناصب جهدكَ ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنكَ عارها . وهل رأيكَ إلاّ فند ، وأيامكَ إلاّ عدد ، وجمعكَ إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فقال يزيد :
استجابة دعائها :
قد استجاب الله عزّ وجلَّ دعاء العقيلة زينب سلام الله عليها في يوم عاشوراء مرّات عديدة ، كيف لا وهي المظلومة المهضومة المسبية ، وقد عرفنا أنّ دعوة المظلوم أنفذ من السهم ، ونذكر هنا بعضاً من المواقف التي استجاب الله دعاءها سلام الله عليها :
( 1 ) روى أهل المقاتل : أنّ شامياً تعرّض لفاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعت عليه زينب سلام الله عليها بقولها : قطع الله لسانكَ ، وأعمى عينيكَ ، وأيبس يديكَ . فأجاب الله دعاءها في ذلك ، فقالت سلام الله عليها : الحمدُ لله الذي عجّل لك بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة (2) .
( 2 ) ان امرأة في الكوفة تسمّى ( اُم حجام ) أهانت رأس الحسين عليه السلام عند المرور به على
1 ـ الاحتجاج 2 : 34 ، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 64 .
2 ـ زينب الكبرى : 66 .
قصرها ، فدعت زينب على قصرها بالهجوم ، فوقع القصر في الحال وهلك مَن فيه ، وكانت هذه المرأة الخبيثة من نساء الخوارج (1) .
( 3 ) ودعت على رجلٍ سلبهم في كربلاء ، فقالت عليها السلام : قطعَ الله يديكَ ورجليكَ وأحرقكَ الله بنار الدنيا قبل نار الآخرة . فوالله ما مرّت الأيام حتى ظهر المختار وفعل به ذلك ثم أحرقه بالنار (2) .
شعرها :
للعقيلة شأن أسمّى من الشعر وأرفع من الأدب ، فهي العالمة غير المعلّمة ، وهي التي تُفسر القرآن الكريم لجماعة النسوة ، ولها مجلس لتعليم الفقه ، لكنّ مأساة كربلاء ، وما تلاها من مشاهد الحزن والأسى ، جعلتها تنفّس عن آلامها برثاء أخيها الشهيد ، ولعلّها كانت تستهدف بهذه المراثي غايةً أهم من الرثاء ، وهي تعرية الظالمين ، والنيل منهم والتحريض عليهم (3) .
نذكر هنا بعض أشعارها التي عثرنا عليها :
( 1 ) لمّا رأت رأس الحسين عليه السلام قالت :
( 2 ) ولها عليها السّلام في رثاء الحسين عليه السلام :
1 ـ زينب الكبرى : 67 .
2 ـ تظلم الزهراء : 217 .
3 ـ زينب بنت علي عليه السلام لعلي دخيل : 62 .
4 ـ زينب الكبرى : 110 .
( 3 ) قالت بعد خطبتها في الكوفة :
( 4 ) ولمّا رأت عليها السلام رأس أخيها بكت وأنشأت :
قبرها :
المشهور والمعروف لدى الناس أنّ قبرها سلام الله عليها في الشام ، في الموضع الذي تزوره الناس الآن . لكن هنالك من نفى ذلك وقال : إنّ قبرها في مصر ، مثل العبيدلي النسابة المتوفّى سنة 277هـ ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة .
روى العبيدلي عدّة روايات تؤيد كلامه في كتاب أخبار الزينبات :
قال : وحدّثني أبي ، قال : روينا بالإسناد المرفوع إلى علي بن محمّد بن عبدالله ، قال : لمّا دخلتُ مصر في سنة 145هـ سمعتُ عسامة المعافري يقول : حدّثني عبدالملك بن سعيد
1 ـ أدب الطف 1 : 236 .
2 ـ أدب الطف 1 : 336 . وقيل : إنّ هذه ال أبي ات ليس لها بل لغيرها ، وقد مرّت سابقاً .
3 ـ الإحتجاج 2 : 31 .
الأنصاري ، قال : حدّثني وهب بن سعيد الأوسي ، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري قال : رأيتُ زينب بنت علي بمصر بعد قدومها بأيام ، فوالله ما رأيتُ مثلها ، وجهها كأنّه شقة قمر .
وبالسند المرفوع إلى رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري ، قالت : كنتُ فيمَن استقبل زينب بنت علي لمّا قدمت مصر بعد المصيبة ، فتقدّم إليها مسلمة بن مخلد وعبدالله بن الحارث وأبوعميرة المزني ، فعزّاها مسلمة وبكى ، فبكيت وبكى الحاضرون ، وقالت : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ، ثم احتملها إلى داره بالحمراء ، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً وتوفّيت وشهدتُ جنازتها ، وصلّى عليها مسلمة بن مخلد في جمعٍ بالجامع ، ورجعوا بها فدفنوها بالحمراء بمخدعها من الدار بوصيّتها .
حدّثني اسماعيل بن محمّد البصري ـ عابد مصر ونزيلها ـ ، قال : حدّثني حمزة المكفوف ، قال : أخبرني الشريف أبو عبدالله القرشي ، قال : سمعتُ هند بنت أبي رافع بن عبيدالله بن رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري تقول : توفّيت زينب بنت علي عشية الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة 62 من الهجرة ، وشهدتُ جنازتها ، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف الزّهري (1) .
وناقش السيّد محسن الأمين هذه المسألة في أعيانه في موضعين :
الأوّل : قال : يجب أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة ، فإنّه لم يثبت أنّها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها وإن كان تأريخ وفاتها ومحلّ قبرها بالبقيع ، وكم من أهل البيت أمثالها مَن جهل محلّ قبره وتأريخ وفاته خصوصاً النساء .
وفيما اُلحق برسالة « نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين في النجف وكربلاء » المطبوعة بالهند نقلاً عن رسالة « تحية أهل القبور بالمأثور » عند ذكر قبور أولاد الأئمة عليهم السلام ما لفظه : ومنهم زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام وكنيتها اُم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبدالله ابن جعفر الطيّار خارج دمشق الشام معروف ، جاءت مع زوجها عبدالله بن جعفر أيام
1 ـ أخبار الزينبات : 122 .
عبدالملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبدالله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب هناك ، ودفنت في بعض تلك القرى . هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك ، وغيره غلط لا أصل له فاغتنم ، فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا العشواء .
وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع :
أوّلاً : إنّ زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرّخين إنّها تكنّى اُم كلثوم ، فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ، ولم يقل أحد منهم إنّها تكنّى اُم كلثوم ، بل كلّهم سمّوها زينب الكبرى ، وجعلوها مقابل اُم كلثوم الكبرى ، وما استظهرناه من أنّها تكنى اُم كلثوم ظهر لنا أخيراً فساده ، كما مرّ في ترجمة زينب الصغرى .
ثانياً : قوله قبرها في قرب زوجها عبدالله بن جعفر ليس بصواب ولم يقله أحد ، فقبر عبدالله بن جعفر بالحجاز ، ففي عمدة الطالب والإستيعاب واُسد الغابة والإصابة وغيرها : أنّه مات بالمدينة ودفن بالبقيع ، وزاد في عمدة الطالب القول بأنّه مات بالأبواء ودفن بالأبواء ، ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها برواية قبر ينسب لعبدالله بن جعفر .
ثالثاً : مجيئها مع زوجها عبدالله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة لم نره في كلام أحد من المؤرّخين مع مزيد من التفتيش والتنقيب ، وإن كان ذكر في كلام أحد من أهل الأعصار الأخيرة فهو حدس واستنباط كالحدس والإستنباط من صاحب التحيّة ، فإنّ هؤلاء لمّا توهّموا أن القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى ، وأنّ ذلك أمر مفروغ منه مع عدم ذكر أحد من المؤرّخين لذلك ، استنبطوا لتصحيحه وجوهاً بالحدس والتخمين لا تستند إلى مستندهُ .
فبعض قال : إنّ يزيد عليه اللعنة طلبها من المدينة ، فعظم ذلك عليها فقال لها ابن أخيها زين العابدين عليه السلام : « إنكِ لا تصلين دمشق » ، فماتت قبل دخولها ، وكأنّه هو الذي عدّه صاحب التحيّة غلطاً لا أصل له ووقع في مثله ، وعدّه غنيمة وهو ليس بها ، وعدّ غيره خبط العشواء وهو منه ، فاغتنم فقد وهم كل مَن زعم أنّ القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى
زينب الكبرى ، وسبب هذا التوهم أنّ مَن سمع أنّ في راوية قبراً ينسب إلى السيّدة زينب سبق إلى ذهنه زينب الكبرى؛ لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، فلمّا لم يجد أثراً يدل على ذلك لجأ إلى استنباط العلل العليلة .
ونظير هذا أنّ في مصر قبراً ومشهداً يقال له مشهد السيّدة زينب ، وهي زينب بنت يحيى ، والناس يتوهمون أنّة قبر السيّدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا سبب له إلاّ تبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، وإذا كان بعض الناس اختلق سبباً لمجيء زينب الكبرى إلى الشام ووفاتها فيها ، فماذا يختلقون لمجيئها إلى مصر ، وما الذي أتى بها إليها ، لكن بعض المؤلّفين من غيرنا رأيت له كتاباً مطبوعاً بمصر غاب عني الآن اسمه ذكر لذلك توجيهاً ، بأنّه يجوز أن تكون نقلت إلى مصر بوجه خفي على الناس ، مع أنّ زينب التي بمصر هي زينب بنت يحيى حسينية أو حسنية ، وحال زينب التي براوية حالها .
رابعاً : لم يذكر مؤرّخ أنّ عبدالله بن جعفر كان له قرى ومزارع خارج الشام ، حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها ، وإنّما كان يفد على معاوية فيجيزه ، فلا يطول أمر تلك الجوائز في يده حتى ينفقها ، بما عرف منه من الجود المفرط ، فمن أين جاءته هذه القرى والمزارع ، وفي أيّ كتاب ذكرت من كتب التواريخ .
خامساً : إن كان عبدالله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام كما صوّرته المخيلة ، فما الذي يدعوه للإتيان بزوجته زينب معه ، وهي التي اُتي بها إلى الشام أسيرة بزيّ السبايا وبصورة فظيعة ، واُدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيئة مشجية ، فهل من المتصوّر أن ترغب في دخول الشام ورؤيتها مرّة ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى ، وإن كان الداعي للإتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز ، فكان يمكنه أن يحوّل غلاّت مزارعه الموهومة إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ، فإنّ جعفر لم يكن معدماً إلى هذا الحد ، مع أنّه يتكلّف من نفقة احضارها واحضار أهله أكثر من نفقة قوتها ، فما كان ليحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعى .
سادساً : لم يتحقق أنّ صاحبة القبر الذي في راوية تسمّى زينب لو لم يتحقّق عدمه ، فضلاً
عن أن تكون زينب الكبرى ، وإنّما هي مشهورة باُم كلثوم كما مرَّ في ترجمة زينب الصغرى لا الكبرى ، على أنّ زينب لا تكنّى باُم كلثوم ، وهذه مشهورة باُم كلثوم (1) .
الثاني : قال السيّد الأمين تحت عنوان : قبر الست الذي في راوية : يوجد في قرية تسمّى راوية على نحو فرسخ من دمشق إلى جهة الشرق قبر ومشهد يسمّى قبر الست ، ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيّدة زينب المكنّاة باُم كلثوم بنت سيّدنا علي رضي الله عنه ، وليس فيها تأريخ ، وصورة خطّها تدل على أنّها كتبت بعد الستمائة من الهجرة ، ولا يثبت بمثلها شيء ، ومع مزيد التتبّع والفحص لم أجد من أشار إلى هذا القبر من المؤرخين سوى ابن جبير في رحلته ، وياقوت في معجمه ، وابن عساكر في تأريخ دمشق ، وذلك يدلّ على وجود هذا القبر من زمان قديم واشتهاره .
قال ابن جبير في رحلته التي كانت في أوائل المائة السابعة عند الكلام على دمشق ما لفظه : ومن مشاهد أهل البيت رضي الله عنهم مشهد اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ويقال لها زينب الصغرى ، و اُم كلثوم كنية أوقعها عليها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لشبهها بابنته اُم كلثوم رضي الله عنها ، والله أعلم بذلك . ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تعرف براوية على مقدار فرسخ ، وعليه مسجد كبير وخارجه مساكن وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست اُم كلثوم ، مشينا إليه وبتنا به وتبرّكنا برؤيته ، نفعنا الله بذلك .
وقال ياقوت المتوفى سنة 622هـ في معجم البلدان : راوية بلفظ راوية الماء : قرية من غوطة دمشق ، بها قبر اُم كلثوم (2) .
وقال ابن عساكر ـ من أهل أوائل المائة الخامسة ـ عند ذكر مساجد دمشق : مسجد راوية مسجد على قبر اُم كلثوم ، وهي ليست بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت عند عثمان؛ لأنّ تلك ماتت في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ودفنت بالمدينة ، ولا هي اُم كلثوم بنت علي من فاطمة التي تزوّجها عمر بن الخطاب؛ لأنّها ماتت هي وابنها زيد بن عمر بالمدينة في يوم واحد ودفنا
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 140 .
2 ـ معجم البلدان : 3 : 20 .
بالبقيع ، وإنّما هي امرأة من أهل البيت سُمّيت بهذا الإسم ولا يحفظ نسبها ، ومسجدها هذا بناه رجل قرقوبي من أهل حلب .
فابن جبير وإن سمّاها زينب الصغرى وكنّاها اُم كلثوم حاكياً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنّاها بذلك ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ ذلك اجتهاد منه بدليل قوله : إنّ أهل هذه الجهة يعرفونه بقبر الست اُم كلثوم ، مما دلَّ على أنّها مشهورة باُم كلثوم دون زينب ، وقوله أولاً : الله أعلم بذلك ، مشعر تشكيكه في ذلك .
وياقوت وابن عساكر كما سمعتَ لم يُصرّحا باسم أبيها ، ولا بأنّها تسمّى زينب بل اقتصرا على تسميتها باُم كلثوم فقط . ومن هنا قد يقع الشك في أنّها بنت علي عليه السلام فضلاً عن أنّ اسمها زينب ، ويظنّ أنّها امرأة من أهل البيت لم يحفظ نسبها كما قاله ابن عساكر ، وإن كان ما اعتمد عليه في ذلك غير صواب لتعدّد مَن تُسمّى باُم كلثوم من بنات علي وعدم انحصارهن في زوجة عمر بن الخطاب .
وكيف كان فلو صح أنّها زينب الصغرى فهي التي كانت تحت محمّد بن عقيل ، فما الذي جاء بها إلى راوية دمشق ، ولكن ذلك لم يصح كما عرفت .
وإن كانت اُم كلثوم كما هو الظاهر لدلالة كلام ابن جبير وياقوت وابن عساكر على اشتهارها بذلك ، فليست اُم كلثوم الكبرى ، لِما مرّ عن ابن عساكر ، فيتعيّن كونها إمّا اُم كلثوم الوسطى زوجة مسلم بن عقيل التي تزوّجها عبدالله بن جعفر بعد قتل زوجها ووفاة اُختها زينب الكبرى ، وإمّا اُم كلثوم الصغرى التي كانت متزوّجة ببعض ولد عقيل ، وحينئذٍ فمجيء إحداهما إلى الشام ووفاتها في تلك القرية وإن كان ممكناً عقلاً لكنه مسبعد عادةً .
هذا على تقدير صحة انتساب القبر الذي في راوية إلى اُم كلثوم بنت علي ، لكن قد عرفت أنّه ليس بيدنا ما يصحح ذلك لو لم يوجد ما ينفيه ، ثم انّه ليس في كلام مَن تقدّم نقل كلامهم ما يدل على أنّ مَن تسمّى بزينب تكنّى باُم كلثوم سوى كلام المفيد (1) .
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 136 .
زينب عليها السلام في المكتبة العربية :
ما ذكرناه من ترجمتها عليها السلام ما هو إلاّ نظرة سريعة على بعض جوانب حياتها المباركة ، ولو أردنا استقصاء حياتها كاملة لتطلّب ذلك تأليف كتاب مستقل ، كما فعل كثير من الكتّاب ، حيث ألّفوا حول حياتها عليها السلام كتباً مستقلة . وتعميماً للفائدة نذكر هنا الكتب التي خُصّصت لدراسة حياة زينب عليها السلام ، والكتب التي ذكرت ترجمتها ضمن التراجم الاُخرى :
( 1 ) أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كربلاء : لخالد محمد خالد : 187 .
( 2 ) الإحتجاج : للطبرسي 2 : 31 .
( 3 ) أخبار الزينبات : للنسابة العبيدلي : 122 .
( 4 ) أدب الطف : للسيد جواد شبر 1 : 236 .
( 5 ) اُسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير 5 : 469 .
( 6 ) الإصابة في تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلاني 4 : 321 .
( 7 ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة 2 : 91 .
( 8 ) الأعلام : لخير الدين الزركلي 3 : 66 .
( 9 ) أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين 1 : 613 و 616 و 327 و 7 : 137 .
( 10 ) بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء عليها السلام : للدكتورة بنت الشاطىء .
( 11 ) بلاغات النساء : لابن طيفور : 20 .
( 12 ) تأريخ الخميس : للديار بكري 1 : 284 .
( 13 ) تأريخ الإسلام : للذهبي 2 : 243 .
( 14 ) تحفة العالم : للسيّد جعفر بحر العلوم 1 : 231 .
( 15 ) تظلّم الزهراء : للقزويني : 217 .
( 16 ) تنقيح المقال : للشيخ عبدالله المامقاني 3 : 79 .
( 17 ) جامع الرواة : للأربلي 2 : 457 .
( 18 ) خُطب الحوراء زينب عليها السلام : للسيّد جاسم حسن شبر .
( 19 ) الخصائص الزينبيّة : للسيّد نور الدين الجزائري .
( 20 ) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام : للنسائي : 62 .
( 21 ) دائرة معارف القرن العشرين : لمحمد فريد وجدي 4 : 795 .
( 22 ) ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القُربى : 167 .
( 23 ) الرسالة الزينبية : لشمس الدين أبي الخير السخاوي المصري ( مخطوط ) .
( 24 ) رسالة في ترجمة السيّدة زينب عليها السلام : لابن طولون .
( 25 ) الرسالة الزينبيّة : لجلال الدين السيوطي .
( 26 ) رياحين الشريعة : لذبيح الله المحلاتي 3 : 33 .
( 27 ) زينب الكبرى عليها السلام : للشيخ جعفر النقدي .
( 28 ) زينب الكبرى عليها السلام : لمحمّد علي المصري .
( 29 ) زينب عليها السلام : لعلي أحمد المصري .
( 30 ) زينب اُخت الحسين عليه السلام : لمحمّد الحسين الأديب .
( 31 ) زينب عليها السلام : لعبد العزيز سيّد الأهل .
( 32 ) سفينة البحار : للشيخ عباس القمي 1 : 558 .
( 33 ) السيّدة زينب عليها السلام : للسيّد حسن قاسم المصري .
( 34 ) السيّدة زينب عليها السلام : لمحمد حاج سالمين .
( 35 ) السيّدة زينب عليها السلام : لأحمد فهمي .
( 36 ) السيّدة زينب عليها السلام : لمحمّد اليبلاوي .
( 37 ) شرح الخطبة الزينبية : لهادي البناني .
( 38 ) الطبقات الكبرى : لابن سعد 8 : 465 .
( 39 ) الطراز المذهب : لعباس قلي خان .
( 40 ) عقيلة بني هاشم : لعلي بن الحسن الهاشمي .
( 41 ) عقيلة الوحي : للسيّد عبدالحسين شرف الدين .
( 42 ) علل الشرائع : للشيخ الصدوق : 248 .
( 43 ) القصيدة الزينبية : لعلي رضا الهندي .
( 44 ) كامل الزيارات : لابن قولويه : 263 .
( 45 ) كشف الغمة في معرفة الأئمة : للأربلي 1 : 440 .
( 46 ) كمال الدين وتمام النعمة : للشيخ الصدوق : 275 .
( 47 ) الكنى والألقاب : للشيخ عباس القمي 1 : 218 .
( 48 ) اللهوف : للسيد ابن طاووس : 76 .
( 49 ) المرأة في ظل الإسلام : للسيّدة مريم فضل الله : 259 .
( 50 ) مثير الأحزان : للجواهري : 49 و 84 .
( 51 ) مجمع الرجال : للقهبائي 7 : 175 .
( 52 ) مع بطلة كربلاء : للشيخ محمد جواد مغنية .
( 53 ) مع الحسين في نهضته : لأسد حيدر : 321 .
( 54 ) معجم رجال الحديث : للسيّد الخوئي 23 : 190 رقم 15629 .
( 55 ) مقاتل الطالبيين : لأبي فرج الأصفهاني : 60 .
( 56 ) مقتل الحسين عليه السلام : للمقرّم : 423 .
( 57 ) مقتل الحسين عليه السلام : للخوارزمي 2 : 40 .
( 58 ) نفس المهوم : للشيخ عباس القمي : 159 .
( 59 ) نور الأبصار : للشبلنجي : 201 .
( 60 ) نساء لهنّ في التأريخ الإسلامي نصيب : للدكتور علي ابراهيم حسن : 48 .
( 61 ) نهضة الحسين عليه السلام : للسيّد هبة الدين الشهرستاني .
( 62 ) نفحات من سيرة السيّدة زينب عليها السلام : لأحمد الشرباصي : 21 .
( 63 ) المرقد الزينبي : لفرج آل عمران .
( 64 ) وفاة زينب الكبرى عليها السلام : لفرج آل عمران (1) .
زينب الصغرى
بنت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : وقبل الكلام عليها لابدّ من الكلام على مَن تُسمّى بزينب ، ومَن تُسمّى باُم كلثوم ، أو أيّهما من بنات علي عليه السلام ، ليتميّز بعضهن عن بعض فنقول :
ذكر المسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 92 في أولاد علي عليه السلام اُم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى اُمهما الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى ولم يذكر مَن هي اُمهما ، لكن اُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ، كانت متزوّجة من بعض ولد عمها عقيل ، أما زينب الصغرى فاُمها اُم ولد .
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب اثنتان : كبرى اُمها الزهراء ، وصغرى لم يذكر اسم اُمها ، و اُمها اُم ولد . والمسمّاة باُم كلثوم اثنتان أيضاً : كبرى اُم ها الزهراء ، وصغرى لم يسمّ اسم اُمها واسمها اُم سعيد .
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 475 : زينب الكبرى و اُم كلثوم الكبرى أُمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى لاُمهات أولاد شتى .
وقال المفيد في الإرشاد عند تعداد أولاد أمير المؤمنين عليه السلام : وزينب الكبرى وزينب الصغرى ، وعدّ معها غيرها وقال : لاُمهات شتى .
1 ـ بعد صدور الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، بذلنا جهدنا في سبيل الوقوف على أكبر عدد من المصادر التي ترجمت لسيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء وللسيّدة زينب عليها السلام ، من أجل ادراجها في الطبعة الثانية ، فتجمعت لدينا بطاقات جديدة . إلاّ أنّ ما كتبه الشيخ عبدالجبار الرفاعي في كتابه « معجم ما كُتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام » ، جعلنا نترك الاستمرار في هذا العمل ، فمن شاء فليراجع ذلك الكتاب .
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب من بنات أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث : احداهن تسمّى الكبرى و اُمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واثنتان تسميان بزينب الصغرى ، والمائز بينهما : أنّ إحداهما تكنّى اُم كلثوم و اُمها فاطمة أيضاً ، والثانية لا تُكنى باُم كلثوم و اُمها غير فاطمة عليها السلام . وليس فيهن مَن تُسمّى اُم كلثوم ولا تُسمى بزينب ، فاُم كلثوم عنده كنية لا اسم .
لكن لم يظهر الوجه في وصف كلّ من الزينبين بالصغرى ، ويمكن أن يكون وصف المكناة ب اُم كلثوم بالصغرى بالنسبة إلى شقيقتها زينب الكبرى ، ووصف التي لا تكنى باُم كلثوم بالصغرى بالنسبة إلى زينب المكنّاة اُم كلثوم أو إلى زينب الكبرى ، أمّا أنّ الصغرى المكنّاة باُم كلثوم والصغرى التي لا تكنّى بها أيّهما أكبر ، فلا يُفهم من كلامه ، ولعلّهما في سنّ واحد؛ لإختلاف اُميّهما .
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عند ذكر الإناث من أولاده عليه السلام : زينب الكبرى و اُم كلثوم الكبرى اُمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وزينب الصغرى و اُم كلثوم الصغرى من اُمهات أولاد .
فظهر ممّا مرّ هنا أنّ مَن تُسمّى بزينب من بنات علي عليه السلام هما اثنتان : كبرى اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي العقيلة زوجة عبدالله بن جعفر ، وصغرى وهي التي كلامنا فيها .
وفي عمدة الطالب : اُمها اُم ولد ، وكانت تحت محمّد بن عقيل بن أبي طالب .
وعلى قول المفيد هنّ ثلاث ، والثالثة الصغرى المكناة باُم كلثوم شقيقة العقيلة ، وأنّ مَن تُسمّى باُم كلثوم من بناته عليه السلام ثلاث : اُم كلثوم وهي التي متزوّجة بالخليفة الثاني اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، و اُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ، وكانت متزوّجة ببعض ولد عمّها عقيل ، و اُم كلثوم الوسطى وهي زوجة مسلم بن عقيل .
أما اُم كلثوم التي كانت مع أخيها بالطف ، فالظاهر من مجاري أحوالها أنّها شقيقة العقيلة ، لكن ذلك يتنافى مع كونها زوجة الخليفة الثاني التي توفّيت قبل ذلك الحين بسقوط البيت عليها وعلى ابنها زيد ، ويمكن أن تكون زوجة مسلم حضرت مع أخيها الحسين بقصد
الكوفة؛ لأنّ زوجها هناك ، وخروجها قبل العلم بقتل مسلم . وقد استظهرنا في ج 3 أن تكون اُم كلثوم الكبرى و اُم كلثوم الصغرى هما زينب الكبرى وزينب الصغرى ، ثم ظهر لنا أنّ هذا الإستظهار في غير محلّه :
أولاً : لما ذكرناه في ج 13 من أنّ اُم كلثوم الكبرى هي التي كانت متزوّجة بالخليفة الثاني ، ومن المعلوم أنّ زينب الكبرى كانت زوجة عبدالله بن جعفر ، فهما اثنتان .
ثانياً : لتصريح المسعودي وغيره من أئمة هذا الشأن في كلامهم المتقدّم بأنّ المسمّيات بزينب وبأم كلثوم من بنات علي هنّ أربع أو ثلاث لا اثنان .
وفي عمدة الطالب ص 15 : أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن عقيل ، اُمه زينب الصغرى بنت أمير المؤمنين علي عليه سلام الله والتحية ، اُمها اُم ولد ، ثم قال : محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، اُمه حميدة بنت مسلم بن عقيل ، و اُمها اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب .
فعُلم من ذلك أنّ مسلم بن عقيل كان متزوّجاً باُم كلثوم ابنة عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام (1) .
ثم تحدّث السيّد محسن الأمين بشكل مفصّل عن قبر الستّ الذي في قرية راوية ، ناقلاً كلام ابن جبير في رحلته ، وياقوت الحموي في معجمه ، وابن عساكر في تأريخ دمشق . وقد تقدّم الكلام بكامله في ترجمة السيّدة زينب الكبرى فلا داعي لتكراره .
وقال الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة : إنّها زينب المدفونة في الشام الذي اشتهرت بإسم زينب الكبرى ، والموجود على صخرة قبرها الشريف هو : زينب الصغرى . والظاهر أنّها كانت مع محمّد بن عقيل في أرض كربلاء ، وبعد استشهاد محمّد بن عقيل ذهبت مع أهل البيت عليهم السلام إلى الشام ، وقاست ما قاست من المحن . وعندما رجعت إلى المدينة تزوّجها فراس بن جعدة بن هبيرة المخزومي ، وهو ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام اُم هاني بنت أبي طالب (2)
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 136 .
2 ـ رياحين الشريعة .
259 زينب فوّاز العامليّة
زينب بنت علي بن حسين بن عبدالله بن حسن بن ابراهيم بن محمّد بن يوسف آل فوّاز العامليّة التبنينيّة المصرّية .
شاعرة ، مؤلّفة ، لها عدّة كتب .
ولدت في تبنين من قرى جبل عامل حوالي سنة 1262هـ ، وتوفّيت في مصر سنة 1332هـ ، عن عمر ناهز السبعين .
لُقّبت بـ ( درة المشرق ) ، كما ذكره يوسف أسعد داغر في كتابه معجم الاسماء المستعارة (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : ذكرها صاحب مجلّة العرفان في عدّة مواضع من مجلّته ، وكتبَ إلينا ترجمة لها مفصّلة ، وأكثر ما يأتي مأخوذ ممّا كتبه إلينا ، وممّا ذكره في المجلد 8 ص 445 وغيره .
ولدت في تبنين ، وكان لآل علي الأصغر حكم قسم من جبل عامل ومقر أمارتهم قلعة تبنين ، وحاكمها يومئذٍ علي بك الأسعد ، فاتّصلت بزوجته السيّدة فاطمة بنت أسعد الخليل والدة محمّد بك وخليل بك التي ترجمتها في الدر المنثور ترجمة حسنة ، وتولّت خدمتها ، وقضت شطراً من صباها في قلعة تبنين ملازمة لنساء آل الأسعد ، لا سيما السيّدة فاطمة المذكورة ، التي كان لها مشاركة حسنة في الأدب واستفادت منها كثيراً .
ثمّ اتّصلت بأخيها الأصغر خليل بك في بلدة الطيبة ، وتزوّجت برجل من حاشيته كان صقّاراً عنده ( وهو الذي يتولّى أمر الصقور التي يُصطاد بها ) .
قال صاحب العرفان : رأيته منذ خمس عشرة سنة في دار كامل بك الأسعد ، وهو يومئذٍ في سنّ السبعين ، وأخبرنا كامل بك إن هذا الخادم الشيخ تزوّج بزينب فوّاز ، ثم طلّقها؛ لعدم
1 ـ معجم الاسماء المستعارة : 133 .
امتزاج طبعيهما وتباعد أخلاقهما .
وسافرت إلى دمشق فتزوّجها أديب نظمي الكاتب الدمشقي ثم طلّقها ، فتزوّجت بأمير الاي عسكري مصري وصحبها معه لمصر ، وهناك ساعدتها البيئة على إظهار مواهبها ، فكتبت عدّة رسائل في صحف مصر الكبرى ، ونالت شهرة في الكتابة والشعر والفن ، وكتبت روايتين نالت بهما زيادة في الشهرة ، وألّفت الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ، فنالت به شهرة واسعة .
قال صاحب العرفان : وبالجملة فإنّ زينب فوّاز كانت فريدة عصرها مع ما كان في كتبها وكتاباتها وشعرها من الأغلاط ، ولم تشتهر غيرها من النساء في مصر بالكتابة والشعر والتأليف .
وكتبَ حمدي يكن في بعض المجلاّت : إنّه لم يسمع في مصر إلاّ باثنتين من الكاتبات : عائشة التيمورية ، وزينب فوّاز .
مؤلفاتها :
( 1 ) الرسائل الزينبيّة ، وهي مجموعة مقالات ورسائل وبعضها شعريّة ، كتبتها في الجرائد المصريّة ، ثم جمعتها في كتاب واحدٍ سمّته الرسائل الزينبية ، وأكثر أبحاث هذه الرسائل في المرأة وحقوقها ومكانتها الإجتماعية .
( 2 ) رواية الملك كورش .
( 3 ) رواية حسن العواقب أو غادة الزاهرة ، وقد أودعتها كثيراً من العادات العاملية لا سيّما عادات الاُسرة التي قضت مدّة في خدمتها .
( 4 ) كشف الأزرار عن مخبئات الزار والزار ، شعوذةٌ من شعوذات شيخات مصر وصِنْفٌ من تدجيلهن ، حضرته ووصفته في ذلك الكتاب .
( 5 ) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور في 552 أو 426 صفحة بالقطع الكبير ، يحتوي على 456 ترجمة لمشهورات النساء من شرقيّات وغربيّات ، متقدّمات ومتأخّرات ، وفيه
ترجمة واحدة لامرأة عامليّة هي السيّدة فاطمة بنت أسعد بك الخليل زوجة علي بك الأسعد ، وهو أكبر مؤلّفاتها وأحسنها ، وكتبت في أوّل الكتاب هذين البيتين :
وقد قرّظ الكتاب جملة من اُدباء وأديبات مصر ، منهم حسن حسيني باشا الطويراني صاحب جريدة النيـل ، وعائشة عصمت تيمور الشاعرة المصريّـة المعروفة ، فقالت من أبي ات :
وقال الطويراني :
وقرّظه عبدالله فريج بأبيات مطلعها :
وجاء في آخرها تأريخ الكتاب الهجري والميلادي :
( 6 ) مدارج الكمال في تراجم الرجال .
( 7 ) ديوان شعر ، ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني في الذريعة بإسم ديوان الفوّاز (1) .
1 ـ الذريعة 9 : 850 رقم 5684 .
كتاب لها جواباً عن كتاب :
في مجلّة العرفان المجلد 16 ص 284 : أرسلت الأمريكية رئيسة قسم النساء في معرض شيكاغو كتاباً إلى زينب فواز تسألها فيه بعض الأسئلة ، فذكرت في جوابها أوّلاً ما هو المتعارف من المجاملة ، ثم قالت :
سؤالك لي عن السبب الذي يمنعني عن الحضور إلى المعرض في ديانتنا الإسلامية التي نشأنا عليها ، ونحن نجدها من الفروض الواجبة ونتوارثها فنتلقاها بغاية الإنشراح ، حتى أنّ المرأة منّا لو اُجبرت على كشف وجهها الممنوع عندنا لوجدته من أصعب الاُمور ، مع أنّ كشف الوجه واليدين ليس محرّماً في قول فريق عظيم من العلماء ، ولكن منعته العادة قطعياً وهي التي توارثناها ، إذ أنّ البنت منّا لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها إلاّ وهي داخل الحجاب ، وأنّ من عادتنا المحترمة عندنا عدم حضور المرأة في المجتمعات العامة التي يجتمع إليها الرجال ، ولكن للنساء محافل خصوصية تختصّ بهنّ ليس للرجال فيها محل ، حتى أنّ الرجل لا يجوز له أن يدخل دائرة إلاّ باذن عند الحاجة .
والحجاب عندنا مأمور به في الدين بنصوص الكتاب الكريم ، كقوله تعالى : ﴿ وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن . . . . ﴾ (1) .
وأمّا عدم إباحة السفر لنا ، فعلى ما يُفهم من أقوال بعض العلماء الأعلام؛ لأنّ عندنا في شريعتنا الغرّاء لا يباح مسّ جسم المرأة لرجل أجنبي عنها ولو حلّ النظر فيها في مثل الوجه مثلاً على رأي من قال بأنه ليس بعورة فإنّه يحل النظر إليه دون الشعر ، ولكن لا يحلّ مسه إلاّ لذي محرم ، ولا يحلّ لها السفر إلاّ بصحبة أحد ذوي قرابتها إن لم يكن الزوج ، وأعني بذي قراباتها : محارمها الذي لا يجوز لها التزوّج بهم ، المذكورين في قوله تعالى : ( حرّمت عليكم اُم هاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وأخواتكم من الرضاعة و اُمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في
1 ـ النور : 31 .
حجوركم . . . . ) (1) .
فإذا سافرت المرأة مسافة ثلاثة أميال فأكثر يلزم أن يكون معها أحد المذكورين في الآية الشريفة كالأب والابن والأخ والعمّ والخال أو الزوج؛ لأنّه إذا مسّ جسمها في وقت الركوب والنزول لا يكون محرّماً ، بخلاف غيرهم من ذوي القربى ، الذين لا يحرم الزواج بينها وبيهم كابن العم وابن الخال وابن العمّة وابن الخالة ، فإنّها تحتجب عنهم ، فلذلك لا تسافر مع أحدهم من حيث إنّ المسألة مبنيّة على المسّ ، فمتى جاز المسّ جاز السفر ، فهذا الذي يمنعني من الحضور إلى المعرض من وجه ، والوجه الآخر ما تقدّم من عدم تعوّدنا على الخروج إلى المجتمعات العامّة ، إذ أنّ المرأة منّا لا يجوز لها الخروج إلى خارج المنزل إلاّ مؤتزرة بإزار يسترها من الفرق إلى القدم وبرقع يستر وجهها .
شعرها :
قد عرفت أنّ لها ديوان شعر مطبوع ، وذكر صاحب مجلة العرفان في مجلّته ج 2 ص 289 أبي اتاً تخاطب بها قلعة تبنين أرسلتها إليها من مصر فقالت : ذكّرتني يا صاحب العرفان ما لا أنساه من معالم أوطاني ، فنطق لساني مخاطباً لقلعة تبنين التي أفنت الأجيال لم يؤثر على أسوارها الدهر ، فقلت :
1 ـ النساء : 23 .
( هيوسنت ) صاحب طبرية ، هو باني قلعة تبنين سنة 1107م . وجعلها معقلاً لغزو صور وما يليها .
ولها قصيدة مذكورة في مجلّة العرفان ج 1 ص 281 انتخبنا منها هذه الأبيات :
وفي العرفان المجلد 37 ص 245 : جرت مناظرة حادّة بينها وبين كاتب مصري يدعى أبا المحاسن ، فكتبت إليه تهزأ به :
ولها مشطرة هذين البيتين :
وقرّظ كتابها ( حسن العواقب ) محمّد بك غالب ، وهو في الرابع عشرة من سنيه ، فقالت تمدحه من جملة أبيات :
وقالت في تأريخ ولادة مَن اسمها فاطمة :
وقال صاحب مجلّة المنار في مجلته : لنادرة العصر ، وأميرة النظم والنثر ، السيّدة زينب فوّاز حفظها الله تشطير هذين البيتين :
قال : ولها أمد الله في حياتها تشطير هذين البيتين :
260 زينب الأسعد
زينب بنت علي بك الأسعد ، من بيت آل علي الصغير الشهيرين ، الذين كانت لهم إمارة القسم الأكبر من جبل عامل .
كانت معروفة بجودة الرأي ورجاحة العقل ، تُجيد نظم الشعر مع عدم معرفتها بالنحو ، لكنها مقلّة منه ، تنظم البيتين والثلاثة فما فوقها .
ذكرها ، السيّد محسن الأمين نقلاً عن صاحب مجلّة العرفان في مجلّته في المجلد 6 ص 272 ، وأورد من شعرها ما يأتي :
قال : أراد كامل بك الأسعد إرسال تهنئة في العيد إلى بكوات النباطيّة ، فكلّفها نظم بيتين من الشعر ، واشترط أن تجمع فيهما اسماءهم ، فقالت :
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 134 ، رياحين الشريعة 4 : 304 .
ورغّب إليها خليل بك الأسعد في نظم بيتين ليكتبا على رسم له ، أراد اهدائه إلى سليم بك ثابت ، فقالت :
وذكرها في المجلّد 8 ص 362 عن مراسل له لم يسمّه فقال : كانت كثيراً ما تُراسل ولدها محمّد بك السهيل ، وهو في المكتب السلطاني في بيروت ، وتصدّر رسائلها إليه ببعض أبيات من الشعر ، منها :
ومنها :
ومنها :
ومنها ما كتبت به إليه حين توجّهه لمدرسة حمص :
ولها في الحكم من موجز الكلم بحسب نقل مراسل العرفان :
( 1 ) الحياة السعيدة لا تكون إلاّ بالأخلاق الحميدة .
( 2 ) إنّك وإن عظم محتدك وكثر سؤددك لا تعيش سعيداً إلاّ بحسن خلقك .
( 3 ) لا خوف إلاّ ممّن لا يخاف ربّه .
( 4 ) المعروف يستعبد الأحرار .
( 5 ) العفاف شمائل الأشراف .
( 6 ) إن حاربت نوائب الدهر فبسلاح الصبر .
وتوفّيت رحمة الله عليها سنة 1331هـ (1) .
261 زينة القزوينيّة
زينة بنت الشيخ محمّد ابن الشيخ محمّد تقي الشهيد الثالث البرغاني القزويني ، المستهشد عام 1263هـ .
ولدت في مدينة النجف الأشرف حدود سنة 1253هـ ، وتوفّيت بقزوين سنة 1333هـ .
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 134 .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، مجتهدة ، مؤلّفة ، متكلّمة ، خطيبة بارعة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره وتأويله .
أخذت المقدّمات والعلوم الأوليّة وفنون الأدب على اُمّها قرّة العين ، وتفقّهت على أبيها المتوفى سنة 1296هـ وجدّها لاُمّها الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني المتوفى سنة 1271هـ . ثم لازمت اُمّها في السفر والحضر ، وأخذت عنها الكثير سيّما العلوم العقلية ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت أحد أعيان أسرة آل أفشار القزوينية .
وهي من فواضل نساء عصرها ، تتّصف بالعقل الراجح ، والتدبير ، والدين والصلاح . شغلت كرسي التدريس والفتوى والإمامة في الجناح الخاصّ بالنساء في المدرسة الصالحية بقزوين ، وكانت ترتقي المنبر ، ولها مقدرة عالية على الخطابة والوعظ ، وكانت كثيرة الزهد والورع والتقوى .
تركت عدّة مؤلّفات منها : رسائل وحواشي على الكتب الفلسفية والكلاميّة ، وعدّة رسائل فقهية منها رسالة في الحيض ، ورسالة في الحج (1) .
262 زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة نقلاً عن ابن عساكر في تأريخ دمش : ولدت قبل النبوّة وتوفّيت بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر ، وصلّى عليها العباس بن عبدالمطلب ، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن العباس (2) .
وقال الطبري في ذيل المذيل : توفّيت في أوّل سنة 8 من الهجرة ، وكان سبب وفاتها أنّها لما خرجت من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدرجها هبار بن الأسود ورجل آخر ، فدفعها أحدهما فيم قيل ، فسقطت على صخرة فأسقطت فاهراقت الدم ، فلم يزل بها وجعها حتى ماتت (3) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 174 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ أعيان الشيعة 7 : 141 نقلاً عن ابن عساكر في تأريخ دمشق : 292 .
3 ـ ذيل المذيل : 3 .
وفي اُسد الغابة : روى الوليد بن عبدالرحمن الجرشي ، عن الحارث بن الحارث الغامدي ، قلتُ لأبي : ما هذه الجماعة ؟
قال : هؤلاء قوم اجتمعوا على صابيء لهم ، فأشرفنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله والإيمان ، وهم يؤذونه ، حتى ارتفع النهار وابتعد عنه الناس ، فأقبلت امرأة تحمل قدحاً ومنديلاً قد بدا نحرها تبكي ، فتناول القدح فشرب ثم توضأ ، ثم رفع رأسه إليها فقال : « يا بنيّة خمّري عليك نحركِ ، ولا تخافي على أبي ك غلبةً ولا ذلاً » .
فقلت : مَن هذه ؟
فقالوا : هذه ابنته زينب (1) .
وفي ذيل المذيل : اُمّها خديجة ، وهي أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تزوّجها ابن خالتها أبوالعاص بن الربيع قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم أبي العاص هالة بنت خويلد بن أسد ، خالة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولدت زينب لأبي العاص عليّاً وأمامة ، فتوفي علي صغيراً ، وبقيت أمامة فتزوّجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة فاطمة .
وأبو العاص أسمه مقسم بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي ، وكان فيمَن شهد بدراً مع المشركين فاُسر ، فلمّا بعث أهل مكة في فداء اُساراهم قدم في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع ، وبعثت معه زينب في فداء أبي العاص بمال فيه قلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها ، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقّ لها رقة شديدة وقال : « إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذي لها » ، فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها (2) .
وفي كثير من المصادر : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما أطلق أبا العاص شرط عليه أن يبعث إليه زينب ، فبعث بها مع أخيه كنانة بن الربيع ، فأسرع هبار بن الأسود فروّعها وطعن هودجها
1 ـ اُسد الغابة 5 : 467 .
2 ـ ذيل المذيل : 66 .
برمحه ، وكانت حاملاً فأسقطت ، فحلف كنانة أن لا يدنو منها أحد إلاّ رماه ، وبلغ الخبر أبا سفيان فجاء وقال لكنانة : إنّك خرجت بها جهاراً على أعين الناس ، وأقنعه أن يردّها ويخرج بها ليلاً . وأهدر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دم هبار ، وأرسل من أحضرها من مكة إلى المدينة .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة ، فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الأسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها واُرهيقت دماً ـ إلى أن قال ـ : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن حارثة : « ألا تنطلق تجيئني بزينب » .
قال : بلى يا رسول الله .
قال : « فخذ خاتمي » ، فأعطاه إيّاه ، فانطلق زيد وبرك بعيره ، ولقي راعياً فقال له : لمن ترعى ؟
فقال : لأبي العاص .
فقال : لمن هذه الأغنام ؟
فقال : لزينب بنت محمّد ، فسار معه شيئاً ثم قال له : هل لك أن اُعطيك شيئاً تعطيه إياها ولا تذكر لأحد ؟
قال : نعم ، فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم ، فعرفته ، فقالت : مَن أعطاك هذا ؟
قال : رجل .
قالت : فأين تركته ؟
قال : بمكان كذا وكذا ، فسكنت حتى إذا كان الليل خرجت إليه (1) .
قال الطبري : فلمّا كان قبيل فتح مكة خرج أبوالعاص بتجارة إلى الشام وبأموال لقريش أبضعوها معه ، فلمّا أقبل قافلاً لقيته سريّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الاُولى سنة 6 من
1 ـ مستدرك الحاكم النيسابوري 2 : 201 .
الهجرة ، فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا اُناساً ، وأعجزهم أبو العاص هرباً ، وأقبل من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته ، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر وكبّر الناس معه ، صرخت زينب : أيّها الناس إنّي قد آجرت أبا العاص بن الربيع ، فلمّا سلّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ ؟ » .
قالوا : نعم .
قال : « أما والذي نفس محمّد بيده ما علمتُ بشيء حتى سمعتُ ما سمعتم ، انّه يجير على المسلمين أدناهم » .
ثم دخل على زينب فقال : « إي بنيّة أكرمي مثواه ، ولا يخلصنّ إليكِ ، فإنكِ لا تحلّين له » ، وبعث إلى السريّة وقال : « إن هذا الرجل منّا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالاً ، فإن تحسنوا تردّوا عليه الذي له فإنّا نُحب ذلك ، وإن أبي تم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم » .
قالوا : بلى نردّه عليه على جميع ما أخذ منه فحمله إلى مكة ، وأدى إلى كلّ ذي حقّ حقّه ، ثم قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي شيء ؟
قالوا : لا ، وجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيّاً كريماً .
قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله ، وما منعني من الإسلام عنده إلاّ تخوّف أن تظنوا إنّي إنّما أردت أن آكل أموالكم ، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وروى الطبري بسنده عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردّه على زينب بالنكاح الأوّل بعد ستّ سنين ، وروى أيضاً أنّ العاص بن الربيع في بعض أسفاره ذكر امرأته زينب فأنشأ يقول :
وذكر ابن الأثير في تأريخه قصّة اسلام أبي العاص وما سبقتها من أحداث (1) .
1 ـ الكامل في التأريخ 2 : 63 .
وقال السيّد محسن الأمين في الأعيان : ويحكي ابن أبي الحديد في شرح النهج أنّ بعض شيوخه قال له ما معناه : أترى أنّ زينب كانت أجلّ قدراً أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة الزهراء ، وأنّ بعلها أبا العاص كان أحب إليه من علي بن أبي طالب ؟
فقال : لا .
فقال : أترى أنّ الشيخين لو قالا للمسلمين : هذه فاطمة بنت نبيّكم تطلب نخيلات في فدك رأيتم أن تدفعوا ذلك لها ، أكانوا يأبون ذلك ؟ ! (1) وقد اختلف بعض المؤرّخين في أنّ زينب ورقيّة هل هما بنتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم بنتا أختٍ لخديجة بنت خويلد ، واختلفوا أيضاً في أنّ زينب ورقيّة هما زوجتا عثمان بن عفان أم اُم كلثوم ورقيّة . فإني رأيت مَن ذكر زينب على أنّها زوجة عثمان بن عفان ، ورأيت بعضهم يذكر اُم كلثوم . وقد فصّلنا ذلك في ترجمة رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
263 زينب بنت محمّد بن يحيى
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام (3) .
وذكرها الشيخ الطوسي في رجاله أيضاً من الصحابيات للإمام الجواد عليه السلام (4) .
وقال المامقاني : الظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّي لم أقف على ما يُدرجها في الحسان (5)
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 141 .
2 ـ انظر ترجمتها في : قرب الإسناد : 6 ، الكافي 5 : 555 و 6 : 369 تكملة الرجال 2 : 730 ، الاستغاثة : 75 ، إعلام الورى : 146 ، كشف الغمة 2 : 67 وغيرها من المصادر .
3 ـ رجال البرقي : 62 .
4 ـ رجال الشيخ الطوسي : 409 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 80 . وانظر : مجمع الرجال 2 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 7 : 142 ، رياحين الشريعة 4 : 304 ، معجم رجال الحديث 23 : 191 .
264 زينب المازندرانيّة
زينب بنت الشيخ محمّد سعيد ابن الشيخ محمّد صالح بن أحمد المازندراني الأصفهاني .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، بصيرة بالكلام .
أخذت علوم العربية على رجال اُسرتها ، وتخرّجت في فنون الأدب على والدها العالم الشاعر المتخلّص بـ ( أشرف ) . ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الشيخ الملاّ محمّد تقي ابن الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمّد تقي المجلسي الأوّل ، ورُزقت منه الفاضلة الجليلة مريم المجلسي ، التي ستأتي ترجمتها (1) .
265 زينب الكاشانيّة
زينب بنت الشاه مرتضى ابن الشاه محمود الكاشاني ، تُكنّى باُم أبيها .
عالمة ، فاضلة ، شاعرة ، أديبة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة في عصرها بكاشان . أخذت العلم والأدب عن والدها وأخيها ملاّ محسن الفيض الكاشاني .
ذكرها باحترام واجلال وأثنى عليها سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيّد المرعشي النجفي في مقدّمة كتاب معادن الحكمة (2) .
266 سالمة
مولاة الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام .
راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها ابراهيم بن عبدالحميد ، وهشام بن أحمر .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 5 : 220 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 84 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 14 .
عدّها البرقي من الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام (1) .
وذكرها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام (2) .
وروى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن هشام بن أحمر وعلي بن ابراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن ابراهيم بن عبدالحميد ، جميعاً عن سالمة مولاة أبي عبدالله عليه السلام قالت :
كنتُ عند أبي عبدالله حين حضرته الوفاة فاُغمي عليه ، فلمّا أفاق قال : « اُعطوا الحسن بن علي بن الحسين ـ وهو الأفطس ـ سبعين ديناراً ، واُعطوا فلاناً كذا وكذا ، وفلاناً كذا وكذا » .
فقلتُ : أتعطي رجلاً حملَ عليك بالشفرة ؟ !
فقال : « ويحكِ أما تقرأينَ القرآن ؟ » .
قلتُ : بلى .
قال : « أما سمعتِ قولَ الله عز وجلَّ : ﴿ الذين يَصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب ﴾ (3) .
قال ابن محبوب في حديثه : حملَ عليكَ بالشفرة يريد أن يقتلكَ .
فقال :
« أتريدين على أن لا أكون من الذين قال الله تبارك وتعالى : ﴿ الذين يَصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ﴾ ، نعم يا سالمة إنّ الله خلق الجنة وطيّبها وطيّب ريحا ، وإنّ ريحا لتوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها
1 ـ رجال البرقي : 62 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 341 .
3 ـ الرعد : 21 .
عاقّ ولا قاطع رحم » (1) .
ورواه الصدوق أيضاً بسنده عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابراهيم بن عبدالحميد ، إلاّ أنّ فيه سلمى مولاة ولد أبي عبدالله عليه السلام (2) .
ورواه الشيخ في التهذيب ، وفيه أيضاً سلمى مولاة ولد أبي عبدالله عليه السلام (3) .
ونسب ابن داود في رجاله الى رجال الشيخ عدّ سائمة مولاة أبي عبدالله عليه السلام من الرواة عن الإمام الصادق عليه السلام (4) . وهو خطأ قطعاً .
ومن هذا يتّضح أنّ اختلافاً وقع في اسمها فقيل سالمة ، وقيل : سلمى ، وقيل : سائمة . وقيل أيضاً مولاة أبي عبدالله عليه السلام وقيل : مولاة ولد أبي عبدالله عليه السلام (5) .
267 سبيعة الأسلميّة
سبيعة بنت الحارث الأسلميّة ، زوجة مسافر بن مخزوم .
عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك ابن عبدالبر وابن مندة وأبونعيم .
زوجها سعد بن خولة ، الذي توفّي في حجّة الوداع ، وكانت عند وفاته حاملاً ، فوضعت حملها بعد وفاته بليالٍ قلائل ، فانتهت عدّة حملها وبقيت في عدّة الوفاة ، ثم حلّت للأزواج .
قال ابن عباس : صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مشركي قريش على أنّ مَن أتاه من أهل مكّة ردّه عليهم ، ومَن أتى أهل مكّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو لهم ولم يردّوه عليه ، وكتبوا بذلك كتاباً وختموا عليه .
1 ـ الكافي 7 : 55 حديث 10 باب صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفاطمة والأئمة عليهم السلام .
2 ـ الفقيه : 4 : 172 حديث 603 باب نوادر الوصايا .
3 ـ التهذيب 9 : 246 حديث 654 باب الزيادات من كتاب الوصايا .
4 ـ رجال ابن داود : 224 .
5 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رياحين الشريعة 4 : 317 ، معجم رجال الحديث 23 : 192 و 194 . .
فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلميّة مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر بن مخزوم في طلبها وكان كافراً ، فقال : يا محمّد اُردد عليّ امرأتي ، فإنّك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من آتاك منّا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فنزلت الآية : ﴿ يا أيّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ . . . . . ﴾ (1) .
فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما خرجت بغضا لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منّا ، ولا خرجت إلاّ رغبةً في الإسلام . فحلفت بالله الذي لا إله إلاّ هو على ذلك ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردّها عليه (2) .
268 ستّ العشيرة المهلّبيّة
ستّ العشيرة بنت أحمد بن سعيد بن محمّد البصري المهلّبي الكوفي .
عالمة ، فاضلة محدّثة .
يروي عنها السيّد جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار بن أحمد العلوي الحسيني الموسوي الحائري الحلّي ، في منزلها بالكوفة سنة 566 هـ .
وذكر عمر رضا كحالة في أعلام النساء أنّ الراوي عنها في ذلك التأريخ هو عبدالحميد بن تقي بن اسامة العلوي الحسيني (3) .
ونقل السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة كلام كحالة قائلاً : وقيل : إنّ الراوي عنها بذلك التأريخ هو العلاّمة النسابة السيّد جلال الدين عبدالحميد بن التقي عبدالله بن اُسامة الحسيني ، وانّه مقدّم بكثير عن سميّه السيّد جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد
1 ـ الممتحنة : 10 .
2 ـ انظر : رجال الشيخ : 33 ، مجمع الرجال 7 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، رياحين الشريعة 4 : 318 ، معجم رجال الحديث 23 : 192 ، المرأة في ظل الإسلام : 247 .
3 ـ أعلام النساء 2 : 160 .
الموسوي الذي كان حياً إلى سنة 676هـ كما يظهر من رواية تلاميذه عنه كولده علي ، ووالد العلاّمة ، والسيّد عبدالكريم بن طاووس ، وعلي بن محمّد جدّ السيّد العميدي ، فلا وجه لاحتمال اتحادهما كما وقع من صاحب الرياض (1) .
269 سرية
جدّة أبي طاهر أحمد بن عيسى ، وهي اُم ولده .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أن حالها مجهول (3) .
270 سعديّة العبديّة
سعديّة بنت منقذ العبديّة .
في رياحين الشريعة ، نقلاً عن إبصار العين للعلاّمة السماوي ، نقلاً عن أبي جعفر الطبري : كانت سعديّة بنت منقذ من شيعة البصرة ، وكانت ثابتة عليه ، وكان بيتها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدّثون .
ثم قال : أقول : إن يزيد بن ثبيط وولديه عبدالله وعبيدالله ، قد خرجوا من بيتها لنصرة الحسين عليه السلام والالتحاق به (4) .
وقد تردّد اسم هذه المرأة بين سعديّة وماريّة ، وستأتي ترجمة ماريّة مفصّلة في حرف الميم .
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 184 .
2 ـ رجال الشيخ : 342 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 80 . وانظر : منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رياحين الشريعة 4 : 321 ، معجم رجال الحديث 23 : 182 و 192 .
4 ـ رياحين الشريعة 4 : 326 .
271 سعيدة
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام الكاظم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام (1) .
وذكرها أيضاً الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر كونها إماميّة ، ويُستفاد حسنها ممّا رواه في باب النوادر من آخر كتاب النكاح . ووجه الاستفادة أنّ إرساله إياها للنظر يكشف عن اعتماده عليها ، وكفى بذلك مُدرجاً إياها في الحسان ، ولا أستبعد أن تكون هي مولاة الصادق المزبورة (3) .
وقال الكاظمي في تكملة الرجال بعد أن ذكر الرواية : وفيها مدحٌ لها من حيث اعتماده عليها وصدقها معه وعدم غيرتها ، فإنّ النساء لا يتحمّلن ذلك ، ويحتمل أن تكون هذه هي التي ذكرناها جارية الصادق عليه السلام (4) .
وروى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيدة قالت : بعثني أبو الحسن عليه السلام إلى امرأة من آل زبير لأنظر إليها ، أراد أنّ يتزوّجها ، فلمّا دخلتُ عليها حدّثتني هنيئة ، ثم قالت : أدني المصباح فأدنيته لها ، قالت سعيدة : فنظرتُ إليها وكان مع سعيدة غيرها فقالت : أرضيتنَّ .
قالت : فتزوّجها أبوالحسن ـ فكانت عنده حتى مات عنها ، فلمّا بلغ ذلك جواريه جعلن يأخذن بأردانه وثيابه وهو ساكت يضحك ولا يقول لهن شيئاً ، فذكر أنه قال : « ما شيء مثل
1 ـ رجال البرقي : 62 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 366 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 80 .
4 ـ تكملة الرجال 2 : 750 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 175 ، جامع الرواة 2 : 458 ، معجم رجال الحديث 23 : 193 .
الحرائر » (1) .
272 سعيدة
مولاة الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام .
من أهل الفضل في زمانها ، سَمعت الحديث من الإمام الصادق عليه السلام ، وقد مدحها عليه السلام بما يدلّ على وثاقتها .
كانت صالحة ، كثيرة العبادة ، لم تُرى إلاّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مسلّمة عليه ، خارجة إلى مكة أو قادمة منها .
روى الكشي عن محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني علي بن الحسن ، قال : حدّثني محمّد بن الوليد ، عن العباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام :
ذكر أنّ سعيدة مولاة جعفر عليه السلام كانت من أهل الفضل ، كانت تعلم كلمّا سمعت من أبي عبدالله عليه السلام ، وكان عندها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ جعفراً قال لها : « أسأل الله الذي عرّفنيك في الدنيا أن يزوّجنيك في الجنة » ، وأنّها كانت في قرب دار جعفر عليه السلام ، لم تكن تُرى في المسجد إلاّ مسلّمة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، خارجة إلى مكّة أو قادمة من مكّة ، وذكر أنّه كان آخر قولها : قد رضينا الثواب وآمنا العقاب (2) .
وفي بصائر الدرجات : حدّثنا محمّد بن عبدالجبار ، عن أبي القاسم عبدالرحمان بن حمّاد ، عن محمّد بن سهل ، عن ابراهيم بن أبي البلاد ، عن عيسى بن عبدالله ، عن محمّد بن عمر بن علي ، عن اُمّه اُم الحسين بنت عبدالله بن محمّد بن علي بن الحسين قالت :
بينا أنا جالسة عند عمّي جعفر بن محمّد ، إذ دعا سعيدة جارية كانت له وكانت بمنزله ، فجاءته بسفط ، فنظر إلى خاتمه عليه ، ثمّ فضّه ثمّ نظر في السفط ، ثم رفع رأسه إليها فأغلظ لها .
قالت : قلتْ فديتكَ كيفَ ولم أركَ أغلظت لأحدٍ قط ، فكيف بسعيدة ؟
1 ـ الكافي 5 : 555 حديث 4 باب النوادر من كتاب النكاح .
2 ـ رجال الكشي : 366 رقم 681 .
قال : « أتدرين أي شيء صنعت يا بنيّة ، هذه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( العقاب ) أغفلتها حتى انكبت .
ثمّ أخرج خرقة سوداء ثمّ وضعها على عينيه ، ثمّ أعطانيها فوضعتها على عيني ووجهي .
ثمّ استخرج صرّة فيها دنانير قدر مائتي دينار فقال : « هذه رفعها إليّ من ثمن العمودان لوقعة تكون بالمدينة ، ينجو منها مَن كان على ثلاثة أميال ، وبها اشتري الطيبّة ، فوالله ما أدركها أبي ، ووالله ما أدري أدركها أم لا » .
قالت : ثمّ استخرج صرّة اُخرى دونها فقال : « هذه دفعها أيضاً لوقعة تكون بالمدينة ينجو منها وتلقف ما يأفكون وتصنع كما تؤمر وفيها جئت أقبلت وتلقف ما تأفكون تفتح لها شفتان إحداهما في الأرض والاُخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعاً وتلقف ما يأفكون بلسانها » (1) .
وقال المامقاني وغيره : كونها إماميّة ممّا لا ينبغي الريب فيه ، وخبر البصائر والكشي كافٍ في مدحها الملحق لها بالحسان (2) .
273 سعيدة
سعيدة بنت أبي عمير ، اُخت محمّد بن أبي عمير .
ذكرها البرقي ضمن الراويات عن أبي عبدالله عليه السلام ، غير أنّ النسخة المتوفرّة لدينا فيها ( سعيّة ) بدل ( سعيدة ) (3) ، ولعلّة خطأ مطبعيرحمه الله إذ لم يذكرها بهذا الاسم غيره .
وعدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (4) .
1 ـ بصائر الدرجات : 207 حديث 50 .
2 ـ التحرير الطاووسي : 148 ، مجمع الرجال 7 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رجال أبوعلي : 369 ، تكملة الرجال 2 : 749 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، أعيان الشيعة 7 : 262 ، معجم رجال الحديث 23 : 193 .
3 ـ رجال البرقي : 62 .
4 ـ رجال الشيخ الطوسي : 342 .
وقال المامقاني : والظاهر كونها إماميّة ، وقد سمعتُ من الوحيد رحمه الله استفادة صلاحها من روايتها (1) .
واختها منّة ـ والتي ستأتي ترجمتها أيضاً في حرف الميم ـ أيضاً من الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام ، روى عنهما الحكم بن مسكين (2) .
روى الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم ، عن محمّد بن سالم ، عن بعض أصحابه ، عن الحكم بن مسكين قال حدثتني سعيدة ومنّة اختا محمّد بن أبي عمير بياع السابري قالتا :
دخلنا على أبي عبدالله عليه السلام فقلنا : تعود المرأة أخاها ؟ .
قال : « نعم » .
قلنا تُصافحه ؟
قال : « من وراء الثوب » .
قالت احداهما : إن اُختي هذه تعود اخوتها .
قال : « إذا عدتِ اخوتك فلا تلبسي المصبغة » (3) .
274 سعيدة
من ثقات الإمام الكاظم عليه السلام ، مدحها الإمام الرضا عليه السلام في رسالته لولده الإمام الجواد عليه السلام .
ففي تفسير البرهان : عن محمّد بن عيسى بن زياد ، قال : كنتُ في ديوان ابن عبّاد فرأيتُ كتاباً ينسخ ، فسألت عنه فقالوا : كتاب الرضا عليه السلام إلى إبنه من خراسان ، فسألتهم أن يدفعوه إليّ ، فإذا فيه :
« بسم الله الرحمن الرحيم : أبقاكَ الله طويلاً وأعاذكَ من عدوكَ يا ولدي ،
1 ـ تنقيح المقال 3 : 80 .
2 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 175 ، منهج المقال : 400 نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رجال أبو علي : 369 ، رياحين الشريعة 5 : 75 ، أعيان الشيعة 2 : 262 ، معجم رجال الحديث 23 : 193 .
3 ـ الكافي 5 : 526 حديث 3 باب مصافحة النساء .
فداكَ أبوكَ ، قد سخّرت لك مالي وأنا حيّ سوي جاءٍ آتٍ يمنك الله بالصلة لقرابتك ولموالي موسى وجعفر رضي الله عنهما ، فأمّا سعيدة فإنّها امرأة قوي الجزم في النحل والصواب في رقة ( دقة خ ) النظر ، وليس ذلك كذلك . قال الله : ﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ﴾ (1) ، وقال : ﴿ لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتيه الله ﴾ (2) ، وقد أوسع الله عليكَ كثيراً يا بني فداك أبوك لا تسردني الاُمور بحسبها فتخطىء حظّك والسّلام » (3) .
275 سعيدة الخزاعيّة
سعيدة بنت مالك الخزاعي .
هي التي سمعت عويلَ الجنّ بمصاب الحسين عليه السلام ، عند تلك الشجرة التي أثمرت بمعجزة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي كانت في بيت اُم معبد ، التي عاصرت أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكانت الجنّ تقول :
فأضاف لها دعبل الخزاعي ثلاثة أبيات وقال فيها :
1 ـ البقرة : 244 .
2 ـ الطلاق : 7 .
3 ـ البرهان في تفسير القرآن 1 : 234 حديث 5 ، وعنه تراجم أعلام النساء 2 : 197 .
ومسألة نوح الجنّ على الحسين عليه السلام ممّا نقلته لنا كتب التأريخ :
قال الطبري في تأريخه : قال هشام : حدّثني بعض أصحابنا ، عن عمرو بن أبي المقدام ، قال : حدّثني عمرو بن عكرمة ، قال : أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة ، فإذا مولى لنا يحدّثنا ، قال : سَمِعتُ البارحة منادياً ينادي وهو يقول :
قال هشام : حدّثني عمر بن حيزوم الكلبي ، عن أبيه قال : سمعتُ هذا الصوت (2) .
وروى ذلك أيضاً ابن الأثير في تأريخه عن بعض الناس (3) .
وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص : حكى الواقدي عن اُم سلمة ، قالت : ما سمعتُ نوح الجن إلاّ الليلة التي قتل فيها الحسين ، سمعتُ قائلاً يقول :
قالت : فعلمتُ أنّه قتل الحسين .
وقال الشعبي : سمع أهل الكوفة قائلاً يقول في الليل :
1 ـ رياحين الشريعة 4 : 326 .
2 ـ تأريخ الطبري 5 : 467 .
3 ـ الكامل في التأريخ 4 : 90 .
وقال الزهري : ناحت عليه الجنّ فقالت :
ويلبسنّ ثيابَ السود بعد القصبيات
قال : وممّا حفظ من قول الجنّ :
276 سَفّانة الطائيّة
سَفّانة بنت حاتم الطائي .
من ربّات الفصاحة والبلاغة ، ذات عقل ووقار ، مدبّرة ، حكيمة .
وهي التي رغّبت أخاها عدي في الدخول في الإسلام ، فأسلم ، وأصبح من أصحاب الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام .
كانت كأبيها صاحبة جود وكرم ، وهبها أبوها كثيراً من الإبل وقال لها يوماً : يا بنتي لا يصح أن يجتمع كريمان على مال واحد فينتهي ما عندهما من المال ، فالأفضل أن ترفعي يدك عن الكرم وأبقى أنا على حالي ، أو أرفع يدي وتبقين أنت .
فقالت : لا أرفع لي يداً أبداً .
وحينما هجم المسلمون على قبيلة طي أخذوا جمعاً كبيراً منهم سبايا ، وكانت سفانة من
1 ـ تذكرة الخواص : 241 .
جملتهم .
قال السيّد محسن الأمين في الأعيان : وهي اُخت عدي بن حاتم التي كانت في السبي ، اسمها سَفّانة : بفتح السين المهملة وتشديد الفاء ، وهي في اللغة الدرّة . وقد عطف عليها علي عليه السلام وأشار إليها بأن تكلّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلمته فعفا عنها وأكرمها بسبب إشارة علي عليه السلام .
وخبرها من الأخبار الظريفة الدالة على نبلها وكمال عقلها وفصاحة لسانها ، ويمكن للمرء أن يستفيد منه فوائد ، ويتعلّم منه رأياً وأخلاقاً وأفعالاً كريمة ، فلا بأس بأن نذكرها هنا :
قال ابن هشام في سيرته ـ فيما حكاه عن ابن إسحاق ـ : فقدم بابنة حاتم الطائي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبايا من طي ، وقد بلغه هرب عدي بن حاتم إلى الشام ، فجُعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تُحبس فيها ، فمرّ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقامت إليه ـ وكانت امرأة جزلة ( أي : ذات وقار وعقل ) ـ فقالت : يا رسول الله ، هلكَ الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ مَنّ الله عليك .
قال : « ومَن وافدك » .
قالت : عدي بن حاتم .
قال : « الفار من الله ورسوله » .
قالت : ثم مضى وتركني حتى إذا كان من الغد مرَّ بي ، فقلتُ له مثل ذلك ، وقال لي مثل ما قال بالأمس ، حتى إذا كان بعد الغد مرَّ بي وقد يئستُ منه ، فأشار إليّ رجل من خلفه أن قومي فكلميه ، فقمتُ إليه وقلت له مثل ذلك .
فقال : « قد فعلتْ ، فلا تعجلي حتى تجدي من قومكِ مَن يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني » . وسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن اُكلّمه ، فقيل : هو علي بن أبي طالب .
فأقمتُ حتى قدم رهط من طي ، وإنّما اُريد أن آتي أخي بالشام ، فأخبرته أنّ لي فيهم ثقة وبلاغاً ، فكساني وحملني وأعطاني نفقة ، فخرجتُ حتى قدمتُ الشام على أخي ، وكان أخوها بدومة الجندل .
وفي السيرة الحلبية في رواية أنّها قالت : يا محمّد إنْ رأيتَ أن تخلّي عنّا ولا تشمت بنا أحياء العرب ، فإنّي ابنة سيّد قومي ، وإن أبي كان يحمي الذمار ، ويفكّ العاني ، ويشبع الجائع ، ويكسو العاري ، ويقري الضيف ، ويطعم الطعام ، ويفشي السّلام ، ولم يرد طالب حاجة قطّ ، أنا ابنة حاتم طي .
فقال لها : « يا جارية هذه صفة المؤمن حقّاً ، لو كان أبوك مُسلماً لترحمنا عليه ، خلّوا عنها ، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق » .
وفي رواية قالت له : يا محمّد إن رأيتَ أن تمنّ عليّ ولا تفضحني في قومي ، فإنّي بنت سيّدهم ، إنّ أبي كان يطعم الطعام ، ويحفظ الجوار ، ويرعى الذمار ، ويفك العاني ، ويشبع الجائع ، ويكسو العريان ، ولم يرد طالب حاجة قطّ ، أنا بنت حاتم الطائي .
فقال لها : « هذه مكارم الأخلاق حقّاً ، لو كان أبوك مسلماً لترحمتُ عليه ، خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحب مكارم الأخلاق ، وإنّ الله يحب مكارم الأخلاق » .
ويمكن أن تكون قالت ذلك كلّه ، كلّ قول في مرّة من المرات الثلاث .
وفي شرح رسالة ابن زيدون وغيرها : حكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال يوماً « سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في خير ، عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً ، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً لكان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق ، فإنّها تدلّ على سبيل النجاح » .
فقام إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين أسَمِعْتَهُ من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال : « نعم ، لما اُتي بسبايا طي وقفت جارية عيطاء (1) لعساء (2) ، فلما رأيتها اُعجبتُ بها ، وقلت : لأطلبنّها من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا تكلمتْ أنسيت جمالها بفصاحتها » .
قالت : يا محمّد إن رأيتَ أن تخلّي عنّي ولا تُشمت بي أحياء العرب ، فإنّي ابنة سيّد قومي ، وإنّ أبي كان يفك العاني ، ويشبع الجائع ، ويكسو العاري ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ،
1 ـ العيطاء : طويلة العنق . الصحاح 3 : 1145 « عيط » .
2 ـ اللعس : لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلاً ، وذلك يستملح « الصحاح 3 : 975 « لعس » .
ويفرج عن المركوب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويعين على نوائب الدهر ، ولم يرد طالب حاجة قطّ ، أنا ابنة حاتم الطائي .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « يا جارية هذه صفة المؤمن حقّاً ، ولو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه ، خلّوا عنها ، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق » .
وقال فيها : « ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين جهال » ، فأطلقها ومَنَّ عليها بقومها ، فاستأذنته في الدعاء له فأذن لها وقال لأصحابه : « اسمعوا وعوا » ، وذكر الدعاء .
وذكره دحلان في سيرته بأطول من ذلك ، ونحن ننقله منها قالت : شكرتكَ يدٌ افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتكَ يد استغنت بعد فقر ، وأصابَ الله بمعروفكَ مواضعه ، ولا جعلَ لكَ إلى لئيمٍ حاجة ، ولا سلبَ نعمةً من كريم إلاّ وجعلكَ سبباً لردّها .
وبعض ما ذكره شارح رسالة ابن زيدون قد انفرد به مثل قوله عليه السلام : « لما اُتي بسبايا طي وقفت جارية » إلى قوله : « بفصاحتها » وللتأمل في صحته مجال :
أولاً : إنّه عليه السلام هو الذي جاء بسبايا طي ومعهنّ سَفّانة ، فلابدّ أن يكون رآها مراراً ، فكيف يقول : « فلمّا رأيتها اُعجبت بها » . ولا يصح أن يريد لمّا رأيتها عند سبيها ؛ لأنّ ظاهر السياق أنّ ذلك كان لمّا وقفت أمام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكلّمته .
ثانياً : إنّ مقام علي عليه السلام أرفع من أن يتطلّع إلى جارية مسبيّة فيعجب بجمالها ، ثم يقول : « فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها » .
ثالثاً : إنّ طلبها من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنّما هو للتسرّي بها ، لما رأى من جمالها ، ولم يكن ليتسرّى في حياة الزهراء عليها السلام ، ولا ينافيه اصطفاؤه جارية في خبر سريته لليمن ، فلعلّ ذلك كان للخدمة .
رابعاً : إنّ هذا الذي نقله شارح الرسالة لم يذكره ابن سعد في طبقاته ، ولا ابن هشام في سيرته ، ولا صاحب السيرة الحلبيّة ، ولا دحلان في سيرته ، ولا غيرهم ممّن رأينا كلامه ، وذلك يوجب الريب في صحته .
وأسلمت سَفّانة وحسن اسلامها ، وقدمت على أخيها عدي بدومة الجندل .
قال عدي بن حاتم : فأقامت عندي ، فقلت لها ـ وكانت امرأة حازمة ـ : ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟
قالت : أرى والله أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبيّاً فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذلّ في عزّ اليمن وأنت أنت .
فقلتُ : والله إن هذا لهو الرأي ، فقدم عدي على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ، وأسلم وحسن اسلامه ، وكان من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وشهد معه مشاهده كلها (1) .
277 سكونة الأكرع
سكونة بنت فلح ، من عشيرة آل شبانة ، من الأكرع .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين ، ووقفت على ( محمد ) ابن عمّ شعلان العطيّة ، وقد جرح في معركة صدر نهر الدغارة المسمّاة بـ « الشريفيّة » ، فخاطبته بقولها :
1 ـ انظر : أعيان الشيعة 1 : 287 و 414 ، إعلام الورى : 134 ، رياحين الشريعة 4 : 330 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 : 124 ، السيرة النبويّة لابن هشام 1 : 225 .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 368 .
278 السيّدة سكينة (1) بنت أبي عبدالله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهما .
اُمّها الرباب بنت امرىء القيس بن عدي القضاعي (2) .
وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة ، والزهرة الباسمة الناظرة . كانت سيّدة نساء عصرها ، وأحسنهنّ أخلاقاً ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التام . تتّصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل . وذات عبادة وزهد .
يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام : « وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل » (3) .
1 ـ انظر ترجمتها في : إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : 36 ، اُسد الغابة 5 : 521 ، الأعلام للزركلي 3 : 106 نقلاً عن : (المحبر : 438 ونسب قريش : 59 ومصارع العشاق : 272 وخطط مبارك 2 : 60 وفهرس دار الكتب 8 : 252) ، أعلام النساء 2 : 202 ، أعيان الشيعة 7 : 254 ، الأغاني 16 : 165 ، أمالي الزجّاج : 169 ، بحار الأنوار 10 : 223 ، البداية والنهاية 8 : 210 ، تأريخ الخميس 1 : 300 ، تأريخ الإسلام السياسي 1 : 547 ، تذكرة الخواص : 275 ، تكملة الرجال 2 : 711 ، تظلّم الزهراء : 224 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، جنة المأوى : 232 ، ديوان عمر بن أبي ربيعة شرح محمد العناني : 28 ، الدر المنثور : 224 ، رياحين الشريعة 3 : 256 ، رياض العلماء 5 : 410 ، سكينة بنت الحسين عليه السلام لعلي دخيل ، سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدكتورة بنت الشاطىء ، سكينة بنت الحسين عليه السلام لتوفيق الفكيكي ، سكينة بنت الحسين عليه السلام للسيّد أقا مهدي الرجوي آل السيّد دلدار اللكهنوي ، شذرات الذهب 1 : 154 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20 : 153 ، الشعراء والشعر 1 : 413 ، العِبر 1 : 113 ، العقد الفريد 5 : 155 و 159 و 6 : 218 ، كشف الغمة 2 : 38 ، الكنى والألقاب 2 : 424 ، مثير الأحزاب : 104 ، المرأة في ظلّ الإسلام : 315 ، نساء لهن في التأريخ الإسلامي نصيب للدكتور علي ابراهيم حسن : 68 ، نساء شهيرات لمبارك ابراهيم : 5 ، نور الأبصار : 192 ، وفيات الأعيان 2 : 394 .
2 ـ انظر ترجمتها في : أعلام النساء 1 : 439 ، أعيان الشيعة 6 : 449 ، الأغاني 16 : 139 ، البداية والنهاية 8 : 209 ، تذكرة الخواص : 233 ، تنقيح المقال 3 : 78 ، جمهرة أنساب العرب : 457 ، الطبقات الكبرى لابن سعد (ترجمة الإمام الحسين عليه السلام المطبوعة في نشرة تراثنا 10 : 178) ، الفصول المهمة : 183 ، منتهى الآمال 1 : 335 .
3 ـ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار : 21 .
كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي اُمّها الرباب الشعر ، قال :
وفي هذه الأسطر القليلة نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة :
في كربلاء :
لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها واخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبي ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة .
وعندما ذُبح أخوها عبدالله الرضيع اُذهلت سكينة ، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول :
وبعد مصرع الحسين عليه السلام ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : واقتيلاه ، واأبتاه ، واحسناه ، واحسيناه ، واغربتاه ، وابعد سفراه ، واكربتاه .
فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وامحمداه (2) .
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها
1 ـ الأغاني 16 : 139 ، البداية والنهاية 8 : 209 ، تذكرة الخواص : 233 ، الفصول المهمة : 183 .
2 ـ زينب الكبرى عليها السلام للشيخ جعفر النقدي : 109 .
من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة وجرّوها عنه بالقهر (1) .
شعرها :
لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين عليه السلام ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية .
ففي أمالي الزجّاج عدّة أبي ات قالتها سكينة ترثي أباها الحسين عليه السلام :
زواجها :
لم يسلم أهل البيت عليهم السلام من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمة أهل البيت سلام الله عليهم ، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتى شيعتهم ومحبيهم لاقوا ما لاقوا من شتى أنواع التهم والإفتراءات ، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجل وطهّرهم تطهيراً .
1 ـ تظلّم الزهراء : 224 .
2 ـ أمالي الزجّاج : 169 ، أدب الطف 1 : 158 .
فعند مطالعتكَ للتأريخ لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الإتهامات ، فعلي يشرب الخمر!!! وأبوه مات كافراً!!! وعبدالله بن جعفر زوج العقيلة زينب سلام الله عليها يسمع الغناء ويطرب!!! .
وأما مسأله تعدد الزوجات والأزواج فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها عند المؤرّخين ، فالحسن عليه السلام يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، و اُم كلثوم وقصة زواجها من عمر بن الخطاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام وزواجها من حفيد عثمان بن عفان ، ثم تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدد أزواجها .
قالت الدكتورة بنت الشاطىء بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الاسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذاً ، حتى ليشطّر الإسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين فكان منه زوجان : عبدالله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .
ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجيّة تتبّعاً دقيقاً يعتمد على اليقين التأريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التأريخ النقلي بوجه عام ، وهو هنا في موضع زوجيّة سكينة ، أبعد من أن يُلتمس وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .
فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع حتى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية وقرائن غالبة .
لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل لو أنّه توزّع بين مراجع شتى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها أو آصلها أو أدعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح والوزن والمقابلة والتعديل والترجيح . ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد دون محاولة
من مؤلّفها للفصل بينها أو حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .
ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة سردها أبو الفرج متتابعة ، ثم لا شيء أكثر من هذا السرد .
وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ورابعهم في اُخرى ، ثم لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة .
وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجيّة ، أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب ( كما في دائرة المعارف الإسلامية ) .
وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرىء القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله ( كما في الأغاني ) .
وأن تزوّجها ( دائرة المعارف ) عبدالله بن عثمان ابن أخي مصعب وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم (1) .
وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن اُم ه سعيدة بنت عبدالله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدر إلا لتفضحه .
ثم أتبعها أبوالفرج برواية اُخرى عن شعيب بن صخر عن اُمّه سعدة بنت عبدالله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إياه إلاّ لتفضحه .
وهكذا بين فقرة واُخرى صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبدالله بن سالم سعدة بنت عبدالله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي (2) .
1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 832 .
2 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 885 .
وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول : وعمرو هذا أو عمر هو أخ لجد عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال (1) .
وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل يرفضون الإعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثم مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم ابن حزام ، ثم من عمّ أبيه عمرو بن حكيم .
وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب اُم سكينة ترفض زواجها من عبدالله بن مروان بعد قتل مصعب .
وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون اُم هاتهم ، حتى جعلت هشام بن عبدالملك ـ الذي ولد بعد مقتل مصعب أو كان رضيعاً في عامه الأوّل ـ يتدخل في حكاية ابراهيم بن عبدالرحمن لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير .
فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول (2) .
وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبدالله بن الإمام الحسن عليه السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبدالله بن الإمام الحسن عليه السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط ) ، اسعاف الراغبين : 210 ، رياض الجنان : 51 ، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 330 ، سكينة بنت الحسين عليه السلام للمقرّم : 72 ،
1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 884 .
2 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 885 .
أدب الطف 1 : 162 ، سفينة البحار 1 : 638 (1) .
وقفة مع التأريخ المزيّف :
لم تنتهي تهم الأعداء ـ أعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ـ لسكينة بنت الحسين عليه السلام بتعدّد أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة .
وما كنا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلاّ أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الإتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة .
ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لاُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الإفتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟ !
ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التأريخ المزيّف ، والجواب عنهما :
الأوّل :
روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل ورواية نصيب ورواية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام ، لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر ، فخرجوا يتقادون حتى استأذنوا عليها فأذنت لهم ، فذكروا لها الذي كان من أمرهم ،
1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام : 29 .
فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
وأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره ، ألا قال : فادخلي بسلام .
ثم قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
فليس شيء أقر لعينها من النكاح ، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره .
ثم قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح الله صاحبكَ وقبّح شعره .
ثم قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
فما أرى له همة إلاّ مَن يتعشّقها بعده! قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال :
ثم قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
قال : نعم .
قالت : قبّحه الله وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا .
قال إسحاق في خبره : فلم تثنِ على واحدٍ منهم في ذلك اليوم ولم تقدّمه .
قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم ، إلاّ جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :
قال نعم .
قال : رحم الله صاحبكَ كان صادقاً في شعره ، كان جميلاً كاسمه ، فحكمت له (1) .
وعلّق الاُستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية ، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت ، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني (فقد كان يضرب له قبة من ادم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها) (2) وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام كفاطمة وزينب عليهما السلام ، مع أنّهما أجل وأعلم من سكينة ، بل لم يذكر التأريخ إجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمة عليهم السلام للحكومة فيما بينهم .
نعم ورد في نهج البلاغة : سُئل عليه السلام : مَن أشعر الشعراء ؟ فقال : « إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابد فالملك الضليل » ، يريد أمرىء القيس (3) .
أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة مع أنّه لم يرو لها إلاّ سبعة أبيات ، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير .
وقد سُئل المرحوم الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء طاب ثراه عن هذا الإجتماع فقال : لم يذكره ابن قتيبة ولا ابن طيفور في بلاغات النساء ، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج .
وقال؛ : أبو الفرج كتابه كتاب لهو ، وقد يأخذ عن الكذّابين ، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب (4) .
وقال الشيخ جعفر النقدي؛ : أمّا وصف الحسين عليه السلام لإبنته سكينة من غلبة الإستغراق
1 ـ الأغاني 16 : 165 .
2 ـ الأغاني 11 : 6 .
3 ـ شرح نهج البلاغة 20 : 153 .
4 ـ جنة المأوى : 232 .
مع الله تعالى ، فيكذّب الأنقال المرويّة عن الزبير بن بكار وأضرابه من النواصب ، كعمّه مصعب الزبيري ، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم ، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة ، وعقيلة من عقائل بيت العصمة .
وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني ، ومَن حذا حذوه ، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروّي ، على أنَّ الزبير بن بكار كان عدوّاً لآل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتى أرادوا قتله ، ففرَّ من مكة إلى بغداد أيام المتوكّل ، ذكر ذلك ابن خلكان في تأريخه وفيات الأعيان (1) .
وجدير بالذكر هو أن تعلم أن مثل هذا الإجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيدالله التيمي ، فقد روى أبوالفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها . . . . . وبحضرتها جماعة من الشعراء فقالت : مَن قدر منكم أن يزيد فيها بيتاً يشبهها ويدخل في معناها حلتي هذه ؟ فلم يقدر أحد منهم على ذلك (2) .
وذكر أبو الفرج نفسه اجتماعاً مشابهاً للاجتماع الذي نسبه للسيّدة سكينة ، عقد برعاية امرأة أمويّة ، قال : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، قال : حدّثني عبدالله بن اسماعيل ابن أبي عبيدالله كاتب المهدي ، قال : وجدت في كتابأبي بخطّه : حدّثني أبو يوسف التجيبي ، قال : حدّثني اسماعيل بن المختار مولى آل طلحة وكان شيخاً كبيراً ، قال :
حدّثني النصيب أبومحجن أنّه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء فقال : هل لكم أن نركب جميعاً فنسير حتى نأتي العقيق فنمتّع فيه أبصارنا ؟
فقالوا : نعم ، فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكّروا ثم ساروا حتى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون ويرون بعض ما يشتهون ، حتى رفع لهم سواد عظيم ، فأمّوه حتى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء
1 ـ فاطمة بنت الحسين عليه السلام : 13 .
2 ـ الأغاني 14 : 158 .
بارزات ، فسألنهم أن ينزلن ، فاستحوا أن يجيبوهن من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيعَ أو نمضي في حاجة لنا ، فحلّفنهم أن يرجعوا إليهن ، ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا .
ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم ، فلم تلبث جاءت المرأة فقالت : ادخلوا ، فدخلنا على أمرأة جميلة برزت على فرش لها ، فرحبّت وحيّت ، وإذا كراسي موضوعة ، فجلسنا جميعاً في صفّ واحدٍ كلّ انسان على كرسي ، فقالت : إن أحببتم أن ندعوا بصبي لنا فنصيحه ونعرك اذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغذاء ؟
فقلنا : بل تدعين الصبي ولن يفوتنا الغداء ، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلاّ كلا ولا ، حتى جاءت جارية جميلة قد سترت عليها بمطرف فأمسكوه عليها حتى ذهب بصرها ، ثم كُشف عنها واذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها ، فرحبّت بهم وحيّتهم ، فقالت لها مولاتها خذي ويحك من قول النصيب ، عافى الله أبا محجن :
فغنته ، فجاءت كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ وأشجى صوت .
ثم قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :
قال : فجاءت به أحسن من الأول ، فكدت أطير سروراً .
ثم قالت لها : ويحك خذي من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :
قال : فجاءني والله شيء حيّرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء وسروراً باختيارها الغناء في شعري ، وما سمعت منه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها .
ثم قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :
قال نصيب : فوالله زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش وأن الخلافة لي .
ثم قالت : حسبكِ يا بنيّة ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير وقالا : والله لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإن في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا .
فقالت : على معرفة كلّ ما كان مني فأي شعركما اُفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :
ثم قولك يا كثير في عزة :
قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة دينار وحلّتين وطيب ، ثم دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلاّ فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصة ، فأمّا الأحوص فقبلها ، وأما كثير فلم يقبلها وقال : لعن الله صاحبتكَ وجائزتها ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت . فسألت النصيب ممنّ المرأة ؟ فقال :
من بني اُميّة ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد (1) .
وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب واصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبدالملك بن مروان ، قال : دخل الاقيشر على عبدالملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر وقول نصيب :
فقال الاقيشر : والله لقد أساء قائل هذا البيت .
فقال عبدالملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟
قال : كنت أقول :
فقال عبدالملك : والله لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها .
فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟
قال : كنت أقول :
فقال القوم جميعاً : أنت والله يا أمير المؤمنين أشعر القوم (2) .
الثاني :
حديث الصورين ، قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبدالله الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ،
1 ـ الأغاني 1 : 360 .
2 ـ الشعراء والشعر : 413 .
فقالت سكينة بنت الحسين عليها السلام : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثم انصرف إلى مكة ، وقال :
وأجاب الاُستاذ علي دخيّل على هذه الرواية قائلاً : إنّ هذه الأبيات ليست في سكينة بنت الحسين عليه السلام ، وإنّما هي في سعدى بنت عبدالرحمان بن عوف ، وإنّ عداوة الزبيري صيّرتها في سكينة ، ودليلنا :
( 1 ) قال العلاّمة الشنقيطي : أكثر الروايات ( سكينة ) في المتمم ، ( وأسكين ) في المرخم ، والرواية الصحيحة : قالت ( سعيدة ) في المتمم ، و( أسعيد ) في المرخم ، وسعيدة تصغير سعدى وهي بنت عبدالرحمان بن عوف .
وسبب هذا الشعر أنّ سعدى المذكورة كانت جالسة في المسجد الحرام فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : لا أراكَ يا ابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، أما تخاف الله ويحكَ ، إلى متى هذا السفه ؟ !
فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول أما سمعت ما قلتُ فيكِ ؟
قالت : لا ، فما قلت ؟
1 ـ الأغاني 1 : 162 .
فأنشدها الأبيات :
فقالت : أخزاك الله يا فاسق ، علمَ الله إنّي ما قلت ممّا قلت حرفاً ، ولكنّك إنسان بهوت .
هذا هو الصحيح ، وإنّما غيّره المغنّون فجعلوا ( سكينة ) مكان سعيدة ، ( وأسكين ) مكان ( أسعيد ) (1) .
( 2 ) قال الاُستاذ عبدالسّلام محمد هارون : ويُفهم من كلام أبي الفرج أنّ الرواية الصحيحة في البيت ( قالت سعيدة ) ، وفي البيت الخامس التالي ( أسعيد ) ، وكلاهما تصغير ترخيم لسعدى ، وهي سعدى بنت عبدالرحمان بن عوف . وللشعر على هذه الرواية قصة في الأغاني ، ثم قال أبو الفرج : وإنما غيّره المغنون (2) .
( 3 ) ذكرت هذه القصيدة بكاملها في ديوان ابن أبي ربيعة لشارحه الاستاذ محمّد علي العناني المصري ، قال : وكانت سعدى بنت عبدالرحمان بن عوف جالسة في المسجد الحرام فرأت عمر يطوف بالبيت فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : مالي أراكَ يابن أبي ربيعة سادراً في حرم الله ، ويحكَ أما تخاف الله ، ويحكَ إلى متى هذا السفه .
فقال : اي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلت فيك ؟
قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :
1 ـ كتاب الأمالي شرح أحمد بن الأمين الشنقيطي : 106 .
2 ـ أمالي الزّجّاج : 163 .
فلمّا فرغ من الانشاد قالت له : أخزاكَ الله يا فاسق ، علم الله أنّي ما قلتُ ما قلتَ حرفاً ، ولكنكَ إنسان بهوت (1) .
( 4 ) إنّ أبا الفرج نفسه ذكر في موضع آخر من أغانيه هذا الإجتماع عن الرواة أنفسهم ، وذكر سكينة ، ولكن لم ينسبها إلى الحسين ، كما ذكر شعراً غير الشعر الأوّل (2) .
ثم قال الاُستاذ علي دخيّل : كيف تعقد سكينة مثل هذا الإجتماع والمدينة بأسرها في مأتم على الحسين عليه السلام ؟ ! فالرباب ـ اُم سكينة ـ يقول عنها ابن كثير : ولما قُتل كانت معه فوجدت عليه وجداً شديداً . . . . . وقد خطبها بعده أشراف قريش ، فقالت : ما كنتُ لأتخذ حمواً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً ، ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت ، ويقال : إنّها عاشت بعده أياماً يسيرة (3) .
و اُم البنين فقد كانت تخرج كلّ يوم ترثيه ـ العباس عليه السلام ـ وتحمل ولده عبيدالله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ـ فيهم مروان بن الحكم ـ فيبكون لشجى الندبة (4) .
والرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه » (5) .
1 ـ ديوان عمر بن أبي ربيعة : 28 شرح محمّد العناني .
2 ـ الأغاني 1 : 105 .
3 ـ البداية والنهاية 8 : 210 ، تذكرة الخواص : 275 .
4 ـ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : 36 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 203 .
وأنت سلّمك الله إذا علمت أن سكينة تقول للصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي في الشام : قُل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال سهل : فدنوتُ من صاحب الرأس فقلت له : هل لكَ أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟
قال : وما هي ؟
قلت : تُقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعتُ إليه ما وعدته (1) .
وإذا كان حال هذه السيّدة في الصيانة والحجاب في موضع سلب فيه الإختيار ، فهل يتصوّر مسلم أن تواعد عمر بن أبي ربيعة الصورين ؟ !
ولو قلنا : إنّ اجتماع الصورين تأخّر عن واقعة الطف كثيراً حتى نستها سكينة ، فإن ابن أبي ربيعة تاب عام 62هـ ، فيبطل الاجتماع أيضاً .
ولو صحّ اجتماع الصورين لَذَكَرَهُ كبار مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، فقد تميّزوا بالإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة ، فهذه كتب الشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي والطبرسي وغيرهم من أعلام الطائفة وهي خالية من الإشارة إلى ذلك ونحوه .
ومَن قرأ مصنّفات هؤلاء الأعلام يجد ما كتبوه عمن شذّ من أولاد الأئمة عليهم السلام ، فهذا جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام وقد وصفوه بالكذب وشرب الخمر ومعاونة الظالمين ، كما تناولوا غيره كعلي بن اسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام وغيرهما ، فهم لم يتعصّبوا إلاّ للحقّ ، ولم يكتبوا إلاّ للتأريخ (2) .
وقالت الدكتورة بنت الشاطىء : ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التأريخ الأدبي بعصرها ؟
الأخبار التي بين أيدينا تشير إلى أنّها ظهرت لأوّل مرّة في موسم الحج سنة 60هـ حين
1 ـ بحار الأنوار 10 : 223 .
2 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام : 57 .
صحبت أباها رضي الله عنه في هجرته من المدينة إلى مكة ، وقد كانت إذا ذاك في ربيعها الثاني عشر أو الثالث عشر ، وغير بعيد أن تكون لفتت إليها الأنظار بنضرة صباها وحيويّة مرحها ، وبهاء طلعتها ، ولكن مهابة أبي ها الإمام الحسين كافية وحدها لأن تلجم ألسنة الشعراء عن التغنّي باسمها في قصائد الغزل ، فهل ترى حلّت عقدة لسانهم بعد عودتها إلى المدينة إثر فاجعة كربلاء ؟ !
المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ اُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادة حزينة حتى لحقت بزوجها الشهيد .
وأنّ اُم البنين بنت حزام بن خالد العامريّة ، زوج الإمام علي بن أبي طالب ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبدالله ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجىء فيمن يجىء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .
فهل ترى كان يحدث هذا وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟ !
هل كان مروان بن الحكم يسمع اُم البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب لفراق عمر بن أبي ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنين بقولها على لسانه :
فهل عمر قال فيها ما قال بعد عودتها من سفرها إلى مصر مع عمّتها زينب عقيلة بني هاشم ؟
الذين أرّخوا للسيّدة زينب ذكروا وفاتها في شهر رجب سنة 62هـ ، وقد ثوت في مرقدها الأخير هناك ، وآبت سكينة من رحلتها مضاعفة اليتم لتشهد بعد ذلك ثورة أهل المدينة على بني اُميّة وخروجهم على يزيد بن معاوية لقلّة دينه ، وهي الثورة التي انتهت بوقعة الحرّة ،
حيث استشهد من أولاد المهاجرين والأنصار 306 شخصاً ، وعدد من بقيّة الصحابة الأولّين ، وهجر المسجد النبويّ ، فلم تقم فيه صلاة الجماعة لمدى أيام .
والمنقول أنّ عمر تاب توبته المشهورة في ذلك العام ، وشُغل العالم الإسلامي بعد ذلك بقيام حركة التوابين في العراق ، الذين أظهروا الندم على عدم نصرة الإمام الحسين الشهيد ، فلم يَروا كفارة دون القتل في الثأر له ولصحبه ، فهل يا ترى كانت سكينة تصمّ اُذنيها عن هتاف التوابين لترغيم ( ابن سريج ) علىالغناء فيدارها مع عزّة الميلاء وتفتنه عنتوبته عنالغناء (1) .
279 سلطان خانم القزوينيّة
سلطان خانم بنت الشيخ محمّد حسن ابن الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني الحائري .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، حكيمة ، بصيرة بالكلام ، خطيبة بارعةَ ، حافظة للقرآن الكريم ، وعالمة بتفسيره وتأويله .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب على أبيها وسائر رجال أسرتهما ، وكانت تمتاز منذ الصغر بذكاء مفرط ونبوغ مبكر . تفقّهت على أخيها الشيخ الميرزا علي نقي الحائري الصالحي ، وحضرت في الحكمة والفلسفة العالية على أخيها الأكبر الشيخ الميرزا العلاّمة الحائري .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت السيد الميرزا شفيع شيخ الإسلام العاملي الأصل ، القزويني المولد والمنشأ ، ورُزقت منه أربعة أولاد علماء هم : السيد حسين ، والسيد حسن ، والسيد مرتضى ، والسيد بهاء الدين .
تصدّرت سلطان خانم رحمها الله للتدريس في المدرسة الصالحية بقزوين ، وكان يحضر درسها جمع من أفاضل نساء قزوين ، وكانت أيضاً ترتقي المنبر وتملك صوتاً جهورياً ومقدرة كبرى على الوعظ والخطابة والبيان (2) .
1 ـ سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 941 .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 174ـ175 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
280 سلمى الخثعميّة
سلمى بنت عميس بن معد بن تميم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتك ، وهو جماع خثعم .
و اُم ها هند ، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن قماطة بن جُرَش .
ذكرها ابن سعد في الطبقات قائلاً : أسلمت قديماً مع اُختها أسماء بنت عميس ، وتزوّجها حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم ، فولدت له ابنته عمارة .
وهي التي كانت بمكّة ، فأخرجها علي بن أبي طالب في عمرة القضيّة ، فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وأراد كلّ واحد أخذها إليه ، فقضى بها رسول الله لجعفر بن أبي طالب ، من أجل أنّ خالتها أسماء بنت عميس كانت عنده ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ المرأة لا تنح على عمّتها ولا على خالتها » . وقتل حمزة بن عبدالمطلب باُحد شهيداً فتأيمت سلمى بنت عميس ، فتزوّجها شدّاد بن الهاد الليثي ، فولدت له عبدالله بن شداد ، فهو أخو ابنة حمزة لاُمّها (1) .
وقال ابن حجر العسقلاني في الإصابة : وهي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « الأخوات مؤمنات » ، قاله ابن عبدالبر ، وقال : كانت تحت حمزة فولدت له أمة الله بنت حمزة ، ثم خلّف عليها بعد قتل حمزة شدّاد بن الهاد الليثي ، فولدت له عبدالله وعبدالرحمن .
قال : وقد قيل : إنّ التي كانت تحت حمزة أسماء بنت عميس ، فخلّف عليها شداد ، والأصح الأوّل .
قلت : وأخرج ابن مندة من طريق عبدالله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، عن محمّد ابن عبدالله بن أبي يعقوب و أبي خزارة جميعاً ، عن عبدالله بن شدّاد قال : كانت بنت حمزة اُختي
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 285 .
من اُمي ، وكانت اُم ّنا سلمى بنت عميس (1) .
وقال الصدوق في الخصال : حدّثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول :
« رحم الله الأخوات من أهل الجنّة فسماهنّ : أسماء بنت عميس الخثعميّة وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وسلمى بنت عميس الخثعميّة وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث وكانت تحت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم الفضل عند العباس واسمها هند ، والغميصاء اُم خالد بن الوليد ، وعزَّة كانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاّط ، وحميدة ولم يكن لها عقب » (2) .
281 سلمى
مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
كانت أوّلاً مولاةً لصفيّة بنت عبدالمطلب ، فوهبتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقها ، فتزوّجها أبو رافع ، فولدت له عبيدالله بن أبي رافع .
وهي قابلة وممرضة ، كانت تُقَبّل اُم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد في ولادتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتُعدّ قبل ذلك ما تحتاجه .
وهي التي قَبّلت اُم ابراهيم بابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخرجت إلى زوجها أبي رافع فأعلمته أنّ مارية ولدت غلاماً ، فجاء أبو رافع فبشّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به ، فوهب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاماً .
وهي التي كانت تُقَبّل فاطمة الزهراء سلام الله عليها في نفاسها وتمرّضها ، وقيل : إنّها
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة : 4 : 332 رقم 566 .
2 ـ الخصال : 363 حديث 5 باب الأخوات من أهل الجنة . وانظر : رياحين الشريعة 4 : 348 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 ، اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 : 479 .
مرّضتها في مرضها الذي توفيّت فيه .
وقال ابن حجر في تهذيب التهديب : وهي التي غسّلت فاطمة الزهراء!
شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها .
وروى عنها ابن ابنها عبيدالله بن علي بن أبي رافع .
وقال ابن حجر في الإصابة : وقرأتُ بخطّ أبي يعقوب البحتري في المجموعة الأدبية : إنّ المرأة التي قالت لحمزة لما رجع من الصيد : لو رأيتَ ما فعل أبو جهل بابن أخيك ، حتى غضب حمزة ومضى إلى أبي جهل فضرب رأسه بالقوس ، وانجر ذلك إلى إسلام حمزة : هي سلمى مولاة صفيّة بنت عبدالمطلب .
قال ابن الأثير في اُسد الغابة : ومن حديثها ما أخبرنا به اسماعيل بن علي وابراهيم بن محمّد وغيرهما ، قالوا باسنادهم عن أبي عيسى ، قال : حدّثنا أحمد بن منبع ، حدّثنا حمّاد بن خالد ، أخبرنا مولى لآل أبي رافع ، عن علي بن عبيدالله ، عن جدّته ، وكانت تخدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قالت : ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله قرحة أو نكتة إلاّ أمرني أن أضع عليها الحناء .
أمّا أبو رافع فقد كان قبطيّاً ، اشتراه العباس بن عبدالمطلب ووهبه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأعتقه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال في حقّه : « إن لكلّ نبي أميناً وأميني أبو رافع » .
وقد شارك في كلّ الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، باستثناء غزوة بدر حيث كان مقيماً في مكّة ، وبعدما توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لازم خدمة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكان من خيار شيعته . وقد سلّمه علي عليه السلام أمر بيت المال ، وشارك في حرب الجمل وصفين . وكان ولديه عبيدالله وعلي كاتبين لأمير المؤمنين سلام الله عليه ، ومن خواص شيعته .
وكان أبو رافع أوّل من جمع الحديث ورتّبه على أبواب ، وله كتب في السنن والأحكام وغيرها (1) .
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 227 ، اُسد الغابة 5 : 478 ، الاستيعاب ( المطبوع مع الاصابة ) 4 : 333 ، الإصابة 4 : 333 ، تهذيب التهذيب 12 : 454 ، أعلام النساء 2 : 254 ، رياحين الشريعة 4 : 332 ، أعيان النساء : 44 .
282 الشهيدة سلوى البحراني
إحدى المجاهدات الإسلاميّات ، والثائرات الساخطات على نظام البعث في العراق ، اللواتي تحدّين أجهزة القمع والإرهاب العفلقيّة ، وأعلنَّ عن عقيدتهنّ الإسلاميّة .
لا نعرف عنها شيئاً كثيراً ، وما نعرفه لا يمكن لنا أن نفصح عنه؛ لأنّا نكتب هذه الأسطر والبعث الكافر يسيطر على عراقنا الحبيب ، ولا زالت الحرب مستمرة بين الدولة الاسلاميّة والنظام العفلقي الكافر .
وسيبقى عدد الشهيدات والمسجونات في العراق مجهولاً وبلا معلومات إلى أن يأذن الله بالنصر القريب العاجل إن شاء الله تعالى ، والعودة إلى أهلنا وأحبائنا .
283 سمانة المغربيّة
اُم الإمام علي الهادي سلام الله عليه ، تعرف بالسيّدة ، وتُكنّى باُم الفضل .
كانت من خيرة نساء عصرها بل أفضلهنّ ، ولم يكن أحد مثلها في الزهد والتقوى ، وكانت تقضي أكثر أيامها صائمة . وقد شرّفها الله تعالى بأن جعلها وعاءً لسرّه المكنون ، اُم ّاً لأحد البدور الإثني عشر .
روى السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز نقلاً عن أبي جعفر الطبري قال : حدّثني أبو المفضّل محمّد بن عبدالله ، قال : حدّثني أبو النجم بدر بن عمار الطبرستاني ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن علي ، قال : روى محمّد بن الفرج بن عبدالله بن جعفر ، قال :
دعاني أبو جعفر محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام ، فأعلمني أنّ قافلة قدمت فيها نخّاس معه جواري ، ودفع لي سبعين ديناراً وأمرني بإبتياع جارية وصفها لي ، فمضيتُ فعملتُ بما أمرني ، فكانت تلك الجارية اُم أبي الحسن عليه السلام . وروى أنّ اسمها سمانة ، وأنّها مولّدة .
ثم قال أبو جعفر الطبري : وروى محمّد بن الفرج وعلي بن مهزيار ، عن السيّد عليه السلام أنّه قال : « أمة عارفة بحقّي ، وهي من أهل الجنّة ، لا يقربها شيطان مارد ، ولا ينالها كيد جبار
عنيد ، وهي كانت بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن اُمهات الصديقين والصالحين » (1) .
284 سُميّة بنت خُبّاط
سُميّة بنت خُبّاط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وهي اُم عمّار بن ياسر .
أسلمت قديماً بمكّة ، وكانت ممّن يُعذّب في الله لترجع عن دينها ، فلم تفعل ، وصبرت حتى مرّ بها أبوجهل يوماً فطعنها بحربة في قُبُلها فماتت رحمها الله ، وهي أوّل شهيدة في الإسلام ، وكانت عجوزاً كبيرة ضعيفة ، فلمّا قتل أبو جهل يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمّار بن ياسر : « قد قتلَ الله قاتل اُمك » .
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا اسماعيل بن عمر أبو المنذر ، حدّثنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : أوّل شهيد استشهد في الإسلام سُميّة اُم عمار بن ياسر ، أتاها أبو جهل فطعنها بحربة في قُبُلها (2) .
وفي أعيان الشيعة قال السيّد محسن الأمين : كانت سُميّة اُم عمار بن ياسر وأبوه ياسر مِمّن عُذّب في الله تعالى فصبرا ، وأرادتهما قريش على أن يرجعا عن الإسلام إلى الكفر فأبيا ، فضرب أبو جهل سُميّة بحربة في قلبها فماتت ، وقُتل أبوه . روى نصر في كتاب صفين : أنّهما أوّل قتيلين قتلا من المسلمين ، وذلك بعدما خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة إلى المدينة (3) .
وقال ابن حجر العسقلاني في الإصابة : سُميّة بنت خباط بمعجمة مضمومة ، وموحّدة ثقيلة ، ويقال : بمثناة تحتانية ، وعند الفاكهي : سُميّة بنت خَبط : بفتح أوله بغير ألف ، مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عباد الله بن عمرو بن مخزوم ، والدة عمار بن ياسر ، كانت سابعة سبعة في
1 ـ انظر : الكافي للشيخ الكليني 1 : 416 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 327 ، إعلام الورى : 339 ، أعيان الشيعة 2 : 36 ، مدينة المعاجز : 538 ، أعيان النساء : 231 .
2 ـ الطبقات الكبير 8 : 264 .
3 ـ أعيان الشيعة 7 : 319 ، كتاب صفين : 224 .
الإسلام ، عذّبها أبو جهل وطعنها في قلبها فماتت ، فكانت أوّل شهيدة في الإسلام ، وكان ياسر حليفاً لأبي حذيفة فزوّجه سُميّة فولدت له عمّاراً فأعتقه .
وكان ياسر وزوجته وولده منها ممّن سبق إلى الإسلام ، قال ابن إسحاق في المغازي : حدّثني رجل من آل عمّار بن ياسر : إنّ سُميّة اُم عمار عذّبها آل بني المغيرة على الإسلام وهي تأبى غيره حتى قتلوها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمر بعمار و اُمّه و أبيه وهم يُعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول : « صبراً يا آل ياسر موعدكم الجنة » .
وقال مجاهد : أوّل من أظهر الإسلام بمكة سبعة : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وصهيب ، وعمّار ، وسميّة . فأمّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر فمنعهما قومهما ، وأما الآخرون فاُلبسوا أدراع الحديد ثم صهروا في الشمس ، وجاء أبو جهل إلى سُميّة فطعنها بحربة فقتلها . أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، وهو مرسل صحيح السند .
وقال أبو عمر : قال ابن قُتيبة : خلّف على سُميّة بعد ياسر الأزرق غلام الحارث بن كلدة ، وكان رومياً ، فولدت له سلمة فهو أخو عمّار لاُمّه ، كذا قال ، وهو وهم فاحش فإنّ الأزرق إنّما خلّف على سُميّة والدة زياد ، فسلمة بن الأزرق أخو سُميّة لاُمّه ، فاشتبه على ابن قتيبة (1) .
وقال الزركلي في الأعلام : استشهدت سُميّة نحو 7ق . هـ نحو 615م (2) .
285 سودة بنت زمعة
صحابية جليلة ، عدّها الشيخ الطوسي؛ في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) ، ونقل ذلك عنه ابن داود في رجاله (4) ، والأردبيلي في جامع الرواة (5) ، والسيّد الخوئي رحمه الله في
1 ـ الإصابة 4 : 334 رقم 585 . وانظر : اُسد الغابة 5 : 481 ، الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 330 ، رياحين الشريعة 4 : 353 .
2 ـ الأعلام للزركلي 3 : 140 نقلاً عن الروض الانف 1 : 203 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 32 .
4 ـ رجال ابن داود : 223 .
5 ـ جامع الرواة 2 : 458 .
معجمه (1) .
286 سَوْدَة الهمدانيّة
سَودَة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانيّة .
شاعرة من شواعر العرب ، ذات فصاحة وبيان ، وهي من شيعة علي عليه السلام ، جاهدت بلسانها ، وقالت كلمة الحقّ أمام السلطان الجائر معاوية بن أبي سفيان .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : قال أبو موسى بن مهران : حدّثني محمّد بن عبيدالله الخزامي ، يذكره عن الشعبي . ورواه العباس بن بكار ، عن محمّد بن عبيدالله ، قال : استأذنت سَوْدَة بنت عمارة بن الأسك الهمدانيّة على معاوية فأذن لها ، فلمّا دخلتْ عليه قال : هِيه يا بنت الأسك ، ألستِ القائلة يوم صفين :
قالت : إي والله ، ما مثلي من رغبَ عن الحقّ ، أو اعتذر بالكذب .
قال لها : فما حملكِ على ذلك ؟
قالت : حبّ علي عليه السلام ، واتّباع الحقّ .
قال : فوالله لا أرى عليك من أثر علي شيئاً .
قالت : اُنشد الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى ، وتذكار ما قد نسي .
قال : هيهات ، ما مثل مقام أخيك يُنسى ، وما لقِيتُ من أحدٍ ما لقيتُ من قومكِ وأخيكِ .
قالت : صدق قولكَ ، لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان ، كان والله كقول الخنساء :
1 ـ معجم رجال الحديث 23 : 194 .
قال : صدقِت ، لقد كان كذلك .
فقالت : مات الرأس وبتر الذنب ، وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيتُ منه .
قال : قد فعلت ، فما حاجتك ؟
قالت : إنّك أصبحت للناس سيّداً ولأمرهم متقلّداً ، والله سائلكَ من أمرنا وما افترض عليكَ من حقّنا ، ولا تزال تُقدم علينا من ينوء بعزّك ويبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل ، ويدوسنا دوس البقر ، ويسومنا الخسيسة ، ويسلبنا الجليلة . هذا بُسر بن أرطأة قدم علينا من قبلك ، فقتل رجالي وأخذ مالي ، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة ، فإمّا عزلته عنا فشكرناك ، وإمّا لا فعرّفناك .
قال معاوية : أتهدّديني بقومِك ، لقد هممتُ أن أحملك على قتب (1) أشرس ، فأردّكِ إليه ينفذ حكمه فيك .
فأطرقت تبكي ، ثم أنشأت تقول :
قال لها معاوية : ومَن ذلك ؟
قالت : علي بن أبي طالب .
قال : وما صنع بكِ حتى صار عندك كذلك ؟
قالت : قدمتُ عليه في رجل ولاه صدقتنا ، فكان بيني وبينه ما بين الغَث (3) والسمين ، فأتيتُ عليّاً عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا ، فوجدته قائماً يصلّي ، فلمّا نظر إليّ انفتل في صلاته ، ثم قال لي برأفة وتعطّف : « ألكِ حاجة » ؟
1 ـ القتب : الرحل الصغير على قدر السّنام . لسان العرب 2 : 661 « قتب » .
2 ـ في العقد الفريد : روح .
3 ـ الغث : الرديء من كلّ شيء . لسان العرب 3 : 171 « غثث » .
فأخبرته الخبر ، فبكى ثم قال : « اللهم أنتَ الشاهد عليّ وعليهم إنّي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك » ، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها :
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربّكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ (1) إذا قرأتَ كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك مَن يقبضه منك والسّلام » .
فأخذته منه ، والله ما ختمه بطين ولا خزمه (2) بخزام ، فقرأته .
فقال لها معاوية : لقد لمّظكم (3) ابن أبي طالب على السلطان فبطيئاً ما تُفطمون ، ثم قال : اُكتبوا لها بردّ مالها والعدل عليها .
قالت : ألي خاصّة ، أم لقومي عامّة ؟
قال : وما أنتِ وقومكِ .
قالت : هي والله إذاً الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً ، وإلاّ فأنا كسائر قومي .
قال : اكتبوا لها ولقومها (4) .
روى ذلك أيضاً ابن عبد ربّه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن عامر الشعبي ، وفيه : فقال معاوية : اكتبوا لها بالإنصاف لها والعدل عليها .
فقالت : ألي خاصّة أم لقومي عامّة ؟
قال : وما أنتِ وغيركِ .
قالت : هي والله الفحشاء واللؤم ، إن لم يكن عدلاً شاملاً وإلاّ يسعني ما يسع قومي .
قال : هيهات! لمّظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان ، فبطيئاً ما تفطمون ، وغرّكم
1 ـ هود : 85 .
2 ـ خزمه : شكّه وثقبه ، أي : أقفله . انظر لسان العرب 12 : 174 « خزم » .
3 ـ لمّظكم : عوّدكم وعلّمكم . لسان العرب 7 : 462 « لمظ » .
4 ـ بلاغات النساء : 30 .
قوله :
وقوله :
اكتبوا لها بحاجتها (4) .
287 سوسن
زوجة الإمام علي الهادي عليه السلام ، ووالدة الإمام الحسن العسكري عليه السلام .
يقال لها حديثة ، وسليل ، وشكل ، وحربيّة . وقد جرت العادة في ذلك الزمن على تغيير اسم الجواري عند شرائها .
كانت في نهاية العفّة والصلاح ، والورع والتقوى ، ومن العارفات الصالحات ، وأحد الوسائط والأبواب بين الإمام الحجّة القائم عجلّ الله تعالى فرجه الشريف وبين شيعته .
قال المسعودي في إثبات الوصيّة : وروي عن العالم عليه السلام أنّه قال : « لمّا اُدخلت سليل اُم أبي محمّد عليه السلام علي أبي الحسن عليه السلام انّه قال : سليل مسلول من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس ، ثم قال لها : سيهب الله حجّته على خلقه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً » (5) .
وفي إكمال الدين : أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام كان قد أوصى إليها ، وثبتت وصيته لها عند القاضي ، فقسّم ميراثه بين اُمه وأخيه جعفر (6) .
1 ـ سنّ : سهّل . لسان العرب 14 : 404 « سنا » .
2 ـ الهندواني : السيف اذا عُمِل ببلاد الهند واُحكم عملُه . لسان العرب 3 : 438 « هند » .
3 ـ وجَّاب : خائف متهيّب . انظر : القاموس المحيط 1 : 136 ، مجمع البحرين 2 : 179 « وجب » .
4 ـ العقد الفريد 1 : 344 . وانظر : أعلام النساء 2 : 270 ، رياحين الشريعة 4 : 351 ، أعيان النساء : 245 .
5 ـ إثبات الوصية : 207 .
6 ـ إكمال الدين : 43 .
وفيه أيضاً : روى الصدوق بسنده عن أحمد بن ابراهيم ، عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام أنّها سُئلت : إن توفّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلى من تفزع الشيعة ؟
قالت : إلى الجدّة اُم أبي محمّد صلوات الله عليه .
ومن هذا تعرف غاية الجلالة والشرف ، ونهاية الفضل والنبل لهذه المرأة ، حيث إنّها كانت أحد الأبواب ، والواسطة بين الاُمة وإمامهم الغائب .
وفي إثبات الوصية : أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد أخبر والدته بوقت وفاته ، وقد بقيت هذه المرأة حيّة بعد وفاة العسكري عليه السلام ، ثم ماتت ودفنت إلى جنب ولدها الإمام الحسن العسكري عليه السلام (1) .
288 الشهيدة سناء محيدلي
مجاهدة لبنانيّة مؤمنة ، قامت بعملية بطوليّة ضد الصهاينة اليهود الّذين اجتاحوا الجنوب اللبناني ، أدّت إلى استشهادها .
وفي الحفل الت أبي ني الذي أقيم لها ، رثاها سماحة حجّة الإسلام والمسملين الدكتور الشيخ أحمد الوائلي بقصيدة رائعة ، هي :
1 ـ انظر : الكافي 1 : 421 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 335 ، إعلام الورى : 349 ، أعيان الشيعة 2 : 40 ، رياحين الشريعة 3 : 24 .
2 ـ يستجلي : يستوضح ويستكشف . الصحاح 6 : 2303 « حلا » .
3 ـ السَنا : الضوء . الصحاح 6 : 2383 « سنا » .
4 ـ الحلو : نقيض المرّ ، يقال : حلا الشيء يحلو حلاوة . الصحاح 6 : 2317 « حلا » .
5 ـ يتأشّب : يختلط . الصحاح 1 : 88 « أشب » .
1 ـ الصهباء : الخمر ، سميّت بذلك للونها . الصحاح 1 : 166 « صهب » .
2 ـ الأريج : توهّج ريح الطيب . الصحاح : 1 : 298 « أرج » .
3 ـ السريّة : قطعة من الجيش . الصحاح 6 : 2375 « سرا » .
4 ـ الذميل : ضربٌ من سير الابل . الصحاح 4 : 1702 « ذمل » .
5 ـ الخُلَّبُ : السحاب الذي لا مطر فيه . الصحاح 1 : 122 « خلب » .
6 ـ وثب : طَفَرَ . الصحاح 1 : 231 « وثب » .
1 ـ الخُنُوعُ : كالخضوع والذلِّ . الصحاح 3 : 1206 « خنع » .
2 ـ الشبشب : النعل .
1 ـ العتمة : الثلث الأوّل من الليل بعد غيبوبة الشَفق . الصحاح 5 : 1979 « عتم » .
2 ـ الغَيهب : الظلمة . الصحاح 1 : 196 « غهب » .
1 ـ الربربُ : القطيع من بقر الوحش ، وهو نوع من الغزال . انظر الصحاح 1 : 132 « ربب » .
289 سيّدة بيگم
سيّدة بيكم فخر النساء الخراسانيّة .
فاضلة ، أديبة ، من شاعرات خراسان ، لها نظم رائع ، كانت في بلدة نسا من توابع خراسان .
ذكرها الأمير شير علي خان اللودي في كتابه مرآة الخيال ـ الذي ألّفه في سنة 1102هـ وذكر فيه شعراء عصره ـ ووصفها قائلاً ما ترجمته : سيّدة بيكم من الأسر العلويّة في خراسان ، ولدت في بلدة نسا المحروسة ، كانت تتخلّص في شعرها بـ ( نسائي ) ، وكانت لها اليد الطولى في النظم وعلوّ الفكر في بيانها (1) .
وذكر ديوانها الشيخ الطهراني في الذريعة (2) ، كما ذكرها جمع من المؤلّفين منهم السيّد علي حسن خان الحسيني البخاري في صبح گلش (3) ، وعلي أكبر المشير سليمي في زنان سخنور (4) ، وقال صاحب جواهر العجائب : إنّ اسمها فخر النساء (5) .
290 شرف الأشراف الطاووسيّة
شرف الأشراف بنت السيّد الجليل والعالم الكبير السيّد علي بن طاووس .
عالمة ، فاضلة ، محدّثة ، صالحة ، حافظة للقرآن .
قال عنها والدها رضي الدين أبوالقاسم علي بن جعفر بن طاووس الحسني الحسيني في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة مخاطباً ولده محمّد : واعلم أننّي أحضرتُ اُختكَ شرف
1 ـ مرآة الخيال : 338 .
2 ـ الذريعة 9|4 : 1184 .
3 ـ صبح گلش : 516 .
4 ـ زنان سخنور 2 : 322 .
5 ـ مستدرك أعيان الشيعة 4 : 105 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
الأشراف قبل بلوغها بقليل ، وشرحتُ لها ما احتمله حالها ، وتشريف الله جلّ جلاله بالإذن لها في خدمته بالكثير والقليل ، وقد ذكرتُ صورة الحال في كتاب البهجة لثمرة المهجة (1) .
وقد أوقف لها أبوها مُصحفاً كاملاً ، حيث قال في كتابه سعد السعود : وقفتُ مصحفاً كاملاً كمل أربعة أجزاء على ابنتي الحافظة لكتاب الله المجيد شرف الأشراف ، حفظته وعمرها اثنتا عشرة سنة (2) .
وقد أجازها ـ واُختها فاطمة وأخويها محمّد وعلي ـ أبوها بكتاب الأمالي للشيخ الطوسي .
وكانت هذه المرأة الشريفة ذات كرامات جليلة ، فقال والدها في كتاب أمان الأخطار : إنّ ابنتي الحافظة الكاتبة شرف الأشراف ـ كمّل الله لها تحف الألطاف ـ عرّفتني أنّها تسمع سلاماً عليها ممّن لا تراه ، فوقفتُ في الموضع فقلت :
السّلام عليكم أيها الروحانيون ، فقد عرّفتني ابنتي شرف الأشراف بالتعرّض لها بالسّلام ، وهذا الانعام مكدّر علينا ، ونحن نخاف منه أن ينفر بعض العيال منه ، ونسأل أن لا تتعرّضوا لنا بشيء من المكدّرات ، وتكونوا معنا على جميل العادات . فلم يتعرّض لها أحد بعد ذلك الاّ بكلام جميل (3) .
و اُمّها زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي ، كما ذكره والدها في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة (4) .
واُختها فاطمة أيضاً عالمة فاضلة جليلة القدر ، ستأتي ترجمتها في حرف الفاء (5) .
1 ـ كشف المحجة لثمرة المهجة : 86 .
2 ـ سعد السعود : 26 .
3 ـ أمان الأخطار : 116 .
4 ـ كشف المحجة لثمرة المهجة : 11 .
5 ـ انظر في ترجمتها : رياض العلماء 5 : 408 ، أعيان الشيعه 7 : 336 و 8 : 390 ، رياحين الشريعة 4 : 361 ، أعيان النساء : 283 .
291 شرف النساء البغداديّة
العلويّة شرف النساء بنت أبي طالب بن مكرم العلوي الحسني البغدادي ، من أعلام القرن السابع الهجري .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، جليلة ، من فواضل النساء المؤمنات في مطلع القرن السابع الهجري في بغداد ، تزوّجت بالعلاّمة المحدّث الشريف أبي محمد قريش بن السُبيع العلوي البغدادي المتوفى سنة 620 هـ .
أخذت العلم والحديث من زوجها ، ثم حضرت على الشيخ أبي طالب المبارك بن علي ابن محمّد الصيرفي البغدادي ، وقد قرأت عليه كتاب فضل الكوفة تأليف أبي عبدالله محمّد ابن علي الحسيني الشجري المتوفى سنة 455 هـ .
وقد قرأت معها هذا الكتاب بنتها آمنة التي مرّت ترجمتها ، وبنتها الأخرى فاطمة الآتية ترجمتها ، وابنها محمّد . وكتبَ زوجها في آخره بلاغ القراءة بتأريخ 560 هـ . وتوجد هذه النسخة النفيسة من هذا الكتاب في المكتبة الظاهرية بدمشق ، وعنها مصوّرة في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة النجف الأشرف (1) .
292 شليبة الفتلاويّة
شليبة بنت فزع الفتلاويّة .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، شاركت في ثورة العشرين .
فعندما أخذت مدفعيّة الباخرة ( فايرا فلاي ) في نهر الكوفة تقصف الدور والمحلاّت ، ممّا أنزل الهلع بالسكان الآمنين ، اندفع رعيل من الثوار واستغلوا المدفع الذي غنموه في وقعة ( الرستمية ) بقيادة الثائر الحاج عباس اللهوف ، فأنزل بالباخرة الدمار ، خرجت الشاعرة
1 ـ الثقات العيون في سادس القرون : 237ـ238 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة : 136ـ137 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 91 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
شليبة تُزغرد وتُهلهل ، وتخاطب الثوار وتهيب بهم لحماية البلد ، قائلةً :
خلّه اللشش للوحش مرتع (1)
293 شهدة العقيليّة
شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي .
ولدت يوم عاشوراء سنة 621 هـ ، وتوفيّت في حلب سنة 709 هـ .
عالمة ، فاضلة ، محدّثه ، لها عدّة إجازات في الرواية .
سَمعتْ من الكاشغري ، وعمر بن بدر بن سعيد الموصلي حضوراً وانفردت عنه ، وأجاز لها جماعة منهم ثابت بن شرف ، وذكر الذهبي أنّه ممّن سمع منها .
كانت رحمها الله تكتب وتحفظ كثيراً ، وقد زهدت وتركت اللباس الفاخر بعد وفاة أخيها مجد الدين (2) .
294 شهربانو بنت يزدجرد
وقيل اسمها : شهربانويه ، وشاه زنان ، وسلافة ، وسلامة ، وغزالة .
وهي بنت يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس .
وقيل : بنت شيرويه بن كسرى بن پرويز .
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 355 .
2 ـ مرآة الزمان 4 : 247 في حديثه عن وفيات سنة 709 هـ ، أعيان الشيعة 7 : 353 ، مستدركات أعيان الشيعة 1 : 47 ـ 48 .
زوجة سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ، و اُم ولده الامام زين العابدين عليه السلام .
من ربّات البرّ والصلاح ، والعبادة والتقى ، ويكفيها فخراً أنّها زوجة سيّد الشهداء الإمام الثالث الحسين بن علي عليهما السلام ، و اُم الإمام الرابع زين العابدين عليه السلام ، فليس اعتباطاً أن تصبح هذه المرأة زوجةً لإمام معصوم و اُماً لآخر ، فالمؤهلات التي كانت تحملها أهّلتها لأن تحمل السرّ الإلهي الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها ، والنور الرباني الذي اُودع في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرّة ، نعم انّه الإمام زين العابدين سلام الله عليه .
وقد اختلف المؤرخون في الزمن الذي تزوّج به الإمام الحسين عليه السلام شهربانو :
روى الكليني في الكافي عن الحسن بن الحسين رحمه الله وعلي بن محمّد بن عبدالله ، جميعاً عن ابراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبدالرحمان بن عبدالله الخزاعي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
« لما اُقدمت بنت يزدجرد على عمر ، أشرف لها عذارى المدينة ، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته ، فلمّا نظر إليها عمر غطّت وجهها وقالت : أف بيروج بادا هُرمز .
فقال عمر : أتشتمني هذه ، وهمّ بها .
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ليس ذلك لك ، خيّرها رجلاً من المسلمين وأحسبها بفيئهِ .
فخيّرها ، فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام .
فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : ما اسمك ؟
فقالت : جهان شاه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : بل شهربانويه ، ثم قال للحسين عليه السلام : يا أبا عبدالله ليلدنّ لك منها خير أهل الأرض ، فولدت علي بن الحسين عليه السلام » .
وكان يُقال لعلي بن الحسين عليهما السلام : ابن الخيرتين : فخيرة الله من العرب هاشم ، ومن العجم
فارس .
وروي أنّ أبا الأسود الدؤلي قال فيه :
ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه القطب الراوندي في الخرائج والجرائح من أنّها اُخذت في خلافة عمر : وقدمت إلى المدينة واختارها الإمام الحسين عليه السلام ، وذكر كلام أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قال : ثم التفتَ إلى الحسين عليه السلام فقال له : « احتفظ بها وأحسن إليها فستلد لكَ خير أهل الأرض في زمانه بعدك » ، وهي اُم الأوصياء الذرية الطيبّة ، فولدت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، ويروى أنّها ماتت في نفاسها به (2) .
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام : حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين ابن أحمد البيهقي ، عن محمّد بن يحيى الصولي ، عن عون بن محمّد ، عن سهل بن القاسم البوشنجاني ، قال : قال لي الرضا عليه السلام بخراسان : « بيننا وبينكم نسب » .
قلتُ : وما هو أيها الأمير ؟
قال : « إن عبدالله بن عامر كريز لما فتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم ، فبعث بهما إلى عثمان بن عفان ، فوهب إحداهما للحسن والاُخرى للحسين ، فماتتا عندهما نفساوين ، وكانت صاحبة الحسين نفست بعلي عليهما السلام ، فكفل عليّاً بعض اُمهات أولاد أبيه ، فنشأ وهو لا يعرف اُمّاً غيرها ، ثم علم أنّها مولاته ، وكان الناس يسمّونها اُمّه ، وزعموا أنّه زوّج اُمه ، ومعاذ الله إنّما الأمر على ما ذكرناه » (3) .
وهذا يدل على أنّ الزواج وقع في زمن عثمان ، وليس في زمن عمر كما دلّ عليه الحديثان السابقان .
وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ، والطبرسي في إعلام الورى : وكان أمير المؤمنين عليه السلام ولّى
1 ـ الكافي 1 : 388 حديث 1 باب مولد علي بن الحسين عليهما السلام .
2 ـ الخرائج والجرائح : 196 ، وعنه في بحار الأنوار 46 : 10 حديث 21 .
3 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 128 حديث 6 ، وعنه في بحار الأنوار 46 : 8 حديث 19 .
حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق ، فبعث إليه ابنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين عليه السلام ، ونحل الاُخرى محمّد ابن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، فهما ابنا خالة (1) .
وهذا يدل على أنّ الأمر حدث في خلافة الإمام علي عليه السلام .
وأمّا وفاتها فأكثر المؤرخين على أنّها توفّيت في نفاسها ، كما مرّ في حديث الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، وخبر القطب الراوندي في الخرائج والجرائح . إلاّ أنّ ابن شهرآشوب قال في مناقب آل أبي طالب نقلاً عن أبي مخنف : وجاءوا بالحرم اُسارى إلاّ شهر بانويه فإنّها أتلفت نفسها في الفرات (2) .
وأخرجه عنه شيخ الإسلام المجلسي في بحار الأنوار (3) ، وتبعه الشيخ البحراني في العوالم في حياة الإمام الحسين عليه السلام (4) .
ويعارض هذا الكلام أحايث كثيرة تدلّ على أنّ شهربانو ماتت في نفاسها بعلي بن الحسين عليهما السلام ، كحديث الصدوق والقطب الراوندي ، إضافة إلى ذلك فإنّ النسخة المطبوعة من مقتل الحسين لأبي مخنف خاليةً من ذلك ، وإضافة إلى ذلك كلّه فمِن المستعبد جداً أن تقوم اُم الإمام بإتلاف نفسها في النهر ، وهي التي اصطفاها الله عزّ وجلَّ واختارها لكي تكون وعاءً لحمل هذا النور الرباني ، وممّا يؤيد هذا أنّ كُتب المقاتل لم تذكر وجوداً لشهربانو في أرض الطف (5) .
1 ـ الارشاد : 253 ، إعلام الورى : 251 .
2 ـ مناقب آل أبي طالب 4 : 112 .
3 ـ بحار الأنوار 45 : 62 .
4 ـ عوالم .
5 ـ وانظر ترجمتها ـإضافة لما مرّ من المصادرـ في مجمع الرجال 7 : 176 و186 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، أعيان الشيعة 7 : 353 ، رياحين الشريعة 3 : 11 ، أعيان النساء : 251 ، أعلام النساء 2 : 255 ، تذكرة الخواص : 249 .
295 صديقة القزوينيّة
صديقة بنت الشيخ علي نقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني الحائري الصالحي .
ولدت في كربلاء سنة 1303هـ ، وتوفّيت بها سنة 1350هـ ودُفنت في الصحن الحسيني الشريف .
فاضلة ، فقيهة ، مؤلّفة ، مدّرسة للعلوم الإسلامية ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره وتأويله ، زاهدة ، عابدة ، جليلة القدر .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب عن أفاضل نساء اُسرتها ، وحفظت القرآن في أوائل عمرها ، وتفقهّت على والدها والشيخ عيسى آل الشهيد الثالث ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت السيّد غلام حسين المجابي القزويني .
تصدرّت لتدريس الفقه والتفسير وعلوم القرآن في قزويني ، وكان يحضر حلقة درسها جمع من فاضلات النساء ، وبعد وفاة زوجها رجعت إلى كربلاء في حدود 1344هـ وتصدّرت للتدريس فيها .
كانت رحمها الله كثيرة العبادة ، شديدة الورع ، تصوم أكثر أيام السنة . وكان زوجها مع فضله وعلمه يستفسر منها في حلّ بعض المسائل العلميّة ، وتفسير المشكل والمتشابه من آيات القرآن الكريم .
من مؤلّفاتها : رسالة في المسائل النسائية ، وتفسير للقرآن الكريم لم يتمّ ولم يخرج من السواد إلى البياض (1) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 182 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
296 صفيّة بنت حيي
عدّها الشيخ الطوسي في كتابه الرجالي من الصحابيات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والموجود فيه : صفيّة بنت يحيى (1) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : صفيّة بنت يحيى أو حيي على اختلاف النسخ في ذلك ، عدّها الشيخ رحمه الله في رجاله من الصالحات ، وكذا ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم . والصواب : حيي بحاء مهملة وياءين ، وزان رضي ، بنت أخطب ، من بني اسرائيل من سبط لاوي بن يعقوب .
كانت زوجة ابن مشكم اليهودي فمات ، ثم خلّف عليها كنانة بن أبي الحقيق وهما شاعران ، فقتل عنها كنانة يوم خيبر ، فلما افتتح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وجمع السبي أتاه دميّة بن خلف فقال : أعطني جارية من السبي .
قال : « اذهب فخذ جارية » ، فذهب فأخذ صفيّة ، فقيل يا رسول الله : إنّها سيّدة قريظة والنضير ، ما تصلح إلاّ لك .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « خذ جارية من السبي غيرها » ، وأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصطفاها وحجبها ، وأعتقها وتزوّجها وقسّم لها .
وكانت عاقلة من عقلاء النساء ، روي أنّها كانت رأت قبل ذلك أنّ قمراً وقع في حجرها ، فذكرت ذلك لأبيها ، فضرب وجهها ضربة أثّرت في وجهها ، حتى اُتي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عنه فأخبرته الخبر ، وقد توفّيت سنة ست وثلاثين من الهجرة ، وقيل ستة وخمسين (2) .
1 ـ رجال الشيخ : 32 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 81 . وانظر مجمع الرجال 7 : 176 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .
297 صفيّة بنت شيبة
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من اللّواتي صَحِبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال المامقاني : لم أستثبت حالها (1) .
298 صفيّة الهاشميّة
صفيّة بنت عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، عمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، اُم الزبير بن العوّام .
وكان لعبد المطلب ستّ بنات ، كلّهن من أهل الأدب والشعر والفصاحة .
كانت رحمها الله فاضلة ، عاقلة ، فصيحة اللسان ، أديبة ، شاعرة ، شجاعة ، صحابيّة جليلة ، راوية للحديث ، عدّها البرقي في كتابه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
تزوّجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن اُميّة بن عبدشمس ، اخو أبي سفيان ، فمات عنها ، فتزوّجها العوّام بن خويلد ، فولدت له الزبير وعبد الكعبة ، وعاشت كثيراً ، وتوفّيت سنة عشرين ولها من العمر ثلاث وسبعين سنة ، ودفنت بالبقيع .
كانت صفيّة رحمها الله من أشجع الناس في زمانها ، قتلت الجاسوس اليهودي لما جبنَ عن قتله حسّان بن ثابت ، وهي التي عنّفت الفارّين يوم أحد ، وتقدّمت تقاتل برمح لها .
روى ابن حجر في الإصابة من رواية اُم عروة بنت جعفر بن الزبير عن جدّتها صفيّة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج إلى الخندق جعل نساءه في أطم يقال له : فارع ، وجعل معهن حسّان بن ثابت .
قالت : فجاء انسان من اليهود فرقى الحصن حتى أطل علينا ، فقلتُ لحسان : قم فاقتله .
فقال : لو كان ذلك فيّ كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت صفيّة : فقمتُ إليه فضربته حتى قطعت رأسه ، وقلتُ لحسان : قم فاطرح رأسه
1 ـ رجال الشيخ : 32 ، مجمع الرجال 7 : 176 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، تنقيح المقال 3 : 81 ، رياحين الشريعة 4 : 364 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .
على اليهود ، وهم أسفل الحصن .
فقال : والله ما ذاك .
قالت : فأخذتُ رأسه فرميتُ به عليهم .
فقالوا : قد علمنا أنّ هذا لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحداً ، فتفرّقوا .
ومن طريق حمّاد ، عن هشام ، عن أبيه : أنّ صفيّة جاءت يوم أحد ، وقد انهزم الناس وبيدها رمحم تضرب في وجوههم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا زبير المرأة » .
وبعد أن انتهت وقعة اُحد ، وقد قُتل فيها حمزة بن عبدالمطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومثّل به ، أقبلت اُخته صفيّة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنها الزبير : « ردّها لئلا ترى ما بأخيها حمزة » ، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : بلغني أنه مُثّل بأخي ، وذلك في الله قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبنّ ولاصبرنّ ، فأعلم الزبير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال : « خلِّ سبيلها » ، فأتته وصلّت عليه واسترجعت ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به فدفن .
ومن شعرها :
وقالت ترثي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
وقالت أيضاً ترثي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
وقالت أيضاً :
وقالت أيضاً :
وتُعد صفيّة راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي وغيره من الصحابيات ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
299 ضباعة الهاشميّة
ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، بنت عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
تزوّجها المقداد بن الأسود ، فولدت له عبدالله وكريمة .
قال الزبير : لم يكن للزبير بن عبدالمطلب عقب إلاّ من ضباعة واُختها اُم الحكم .
كذا قاله ابن سعد ، وقال : و اُمّها عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وقتل ابنها عبدالله يوم الجمل مع عائشة .
روت ضباعة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن زوجها المقداد .
وروى حديثها ابن عباس ، وعائشة ، وبنتها كريمة بنت المقداد ، وابن المسيّب ، وعروة ، والأعرج ، وغيرهم .
وحديثها في الإشتراط في الحجّ عند أبي داود والنسائي .
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس : أنّ ضباعة بنت الزبير أتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : إنّي اُريد الحج أفأشترط ؟
قال : « نعم » .
1 ـ انظر : اُسد الغابة 5 : 492 ، أعيان الشيعة 7 : 390 ، الإصابة 4 : 348 ، الأعلام للزِرِكلي 3 : 206 نقلاً عن ( ذيل المذيل : 69 والمحبر : 172 وسمط اللآلي : 118 ورغبة الآمل 7 : 96 والدر المنثور : 261 ) تأريخ التراث العربي 2 : 287 ، تنقيح المقال 3 : 81 ، رجال البرقي : 61 ، رياحين الشريعة 4 : 343 و 365 ، طبقات ابن سعد 8 : 41 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .
قلت : كيف أقول ؟
قال : « قولي : لبيكَ ، وتحلّلي من الأرض حيث حبست » .
قال ابن مندة : مشهور عن عكرمة ، ورواه عبدالكريم ، حدّثني مَن سمع ابن عباس يقول : حدّثتني ضباعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تشترط في إحرامها .
قال : ورواه عروة عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر ضباعة بالإشتراط ، رواه الزهري وهشام عنه (1) .
300 ضبيعة الأوسيّة
ضبيعة بنت خُزَيْمة بن ثابت الأوسي .
شاعرة فصيحة ، من المؤمنات المواليات لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، رثت أباها خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين عندما استشهد في واقعة صفين قائلةً :
وخزيمة بالخاء المعجمة المضمومة ، والزاي المعجمة المفتوحة ، والياء المثنّات من تحت ساكنة ، ابن ثابت بن عمارة بن الفاكهة بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عباد بن عامر الأوسي ، أبو عمارة ، شهد بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل شهادته كشهادة رجلين ، وكان يسمّى ذا الشهادتين ، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقتل يومئذٍ سنة سبع وثلاثين .
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 352 ، وعنه في رياحين الشيعة 4 : 368 .
2 ـ كتاب صفين : 365 .
وكان وجه لقبه بذي الشهادتين : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشترى ناقة من أعرابي ، فأنكر الأعرابي البيع وطلب منه صلى الله عليه وآله وسلم الشهود ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « من يشهد على أنّي اشتريتُ من هذا الأعرابي ناقة » ؟ فلم يشهد أحد سوى خزيمة .
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « كيف شهدتَ يا خزيمة » ؟
فقال خزيمة : يا رسولَ الله ، لقد صدّقناك بخبر من السماء ولم نصدّقك بخبر اشتراء ناقة ، فسمّاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينئذٍ بذي الشهادتين .
وكان خزيمة من السابقين الأوائل لبيعة أمير المؤمنين ، وفي جملة الإثني عشر رجلاً الذين لم يبايعوا أبا بكر وأنكروا عليه في المسجد ، ومن الذين شهدوا بالرحبة حديث الغدير ، ولم يفارق خزيمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وشارك في حرب الجمل ، وفي حرب صفين حينما استشهد عمّار حمله خزيمة إلى الخيمة ونزع سلاحه عنه ، ثم خرج كالأسد إلى ساحة الحرب وهو يقول : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إن عمّاراً ستقتله الفئة الباغية » ، ثم أنشد يقول :
هذا علي من عصاه ناكث
وعندما سمع أمير المؤمنين عليه السلام بخبر استشهاده تأثّر كثيراً وبكى عليه طويلاً وقال : « هذا عمّار وهذا ابن التّيهان ، وهذا ذو الشهادتين » (1) .
301 ضويّة الحجيميّة
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين .
فعندما أحاطت بهم جيوش الانگليز ، وتصوّرت أنّ القوّة الحربيّة التي عند العدو ستتغلّب عليهم وأنّ قومها سيبادون ، عندها خاطبت زوجها ـ وكان شيخاً كبيراً ـ تحثّه على
1 ـ رياحين الشريعة 4 : 370 .
القتال ، فعندما اعتذر لها بعدم استطاعته حمل السلاح؛ لكبره ، قالت :
عيبن عليك اتگول عاجز
ونقل علي الخاقاني عن الشيخ صگبان آل عبادي ، أحد المشاركين في ثورة العشرين ، مقطوعة شعريّة لها ، رثت بها ضاحي الهطرة ، من آل كيم ، أحد شهداء الرارنجيّة ، وقد وقفت على جثمانه في الصحن الحيدري قبل دفنه قائلة :
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 360ـ361 .
302 ضيافة الشيرازيّة
عالمة ، فاضلة ، محدّثة ، أديبة ، شاعرة .
وُلدت في شيراز ، وتتلّمذت في الأدب على الشيخ المفيد ، الذي كان من الأدباء والشعراء ، المتخلّص في عشره بـ ( داور ) ، والذي كان يسكن احدى حجرات الصحن الشريف لأحمد ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام المعروف بـ ( شاه چراغ ) .
ثم هاجرت هذه السيّدة إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، واشتغلت فيها بتعليم النساء الفقه والاُصول .
تروي عن عدّة ، منهم العلاّمة السيّد مرتضى الكشميري بطريقه ويروي عنها سماحة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي قدس سره ، حيث قال في الإجازة الكبيرة : واعلم أيّدك الله تعالى في الدارين بأنّني أروي عن نساء عالمات فاضلات ، منهنّ العالمة الجليلة ، والأديبة الشاعرة خانم ضيافة الشيرازية .
تُوفِّيت رحمها الله في حدود سنة 1342هـ في مدينة كربلاء المقدّسة ودُفنت فيها (1) .
303 طوعة
مولاة الأشعث بن قيس الكندي ، أعتقها الأسيد الحضرمي ، ثم تزوّجها فولدت له ولداً يدعى بلالاً .
وهي من المؤمنات المجاهدات ، المواليات لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم ، وقصتها في إخفاء مسلم بن عقيل سلام الله عليه معروفة لدى الجميع . ففي الوقت الذي خذل أهل الكوفة مُسلماً سلام الله عليه ـبعد أن بايعوهـ وبقي وحيداً لا أحد يدلّه على الطريق ، نرى هذه المرأة المؤمنة البطلة تأوي مسلماً في بيتها ، وتُعدّ له غرفة جانبية لكي لا ينتبه ولدها
1 ـ الإجازة الكبيرة : 247 .
فيخبر السلطة الظالمة ، وتحضر له طعاماً ، إلاّ أنه يرفض أن يأكل .
وفعلاً قد وقع ما كانت تتخوّف منه هذه المرأة ، ذهب ولدها وأخبر السلطة بوجود مسلم عليه السلام في بيت اُمّه ، وإذا بالأعداء يحاصرون الدار ويطلبون مسلماً عليه السلام ، ويخرج مسلم يقاتل هؤلاء الأعداء ، وهنا نرى هذه المرأة تقف إلى جنب مسلم عليه السلام ، تشجّعه على القتال ، وتنبّهه عند مجيء الأعداء من خلفه ، وتناوله الماء . فرحمها الله وجزاها خير جزاء المحسنين .
قال ابن الأثير في تأريخه حاكياً مصرع مسلم بن عقيل سلام الله عليه : فبقي وحيداً ليس معه مَن يدلّه على الطريق ، ولا مَن يأويه إلى منزله ، فذهب على وجهه ، واختلط الظلام ، وهو وحده يتردّد في الطريق ، لا يدري أين يذهب ، فأتى باباً فنزل عنده وطرقه ، فخرجت منه امرأة يقال لها طوعة ، كانت اُم ولد للأشعث بن قيس ، وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد ، خرج مع الناس و اُمّه قائمة بالباب تنظره ، فقال لها مسلم : أسقيني ماء ، ثم دخلت وخرجت فوجدته فقالت : ألم تشرب ؟
فقال : بلى .
قالت : فاذهب إلى أهلك عافاك الله ، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحلّه لك .
فقام فقال : يا أمة الله ليس لي في هذا البلد منزل ولا عشيرة ، فهل إلى أجرٍ ومعروفٍ وفعل نكافئك به بعد اليوم ؟
فقالت : يا عبدالله وما هو ؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني .
فقالت : أنتَ مسلم ؟!
قال : نعم .
قالت : اُدخل ، فأدخلته بيتاً من دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش (1) .
1 ـ انظر الإرشـاد للشيخ المفيـد : 212 ، مقتـل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1 : 207 ، مقتـل الحسين عليه السلام للسيّد
304 العجوز
التي حضرت واقعة الطف يوم عاشوراء مع الإمام الحسين عليه السلام ، وشاهدت ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصائب ومحن ، وشاركتهم في ذلك كلّه .
فبعد استشهاد زوجها بين يدي سيّده ومولاه الإمام الحسين عليه السلام ، تُقدّم ولدها وفلذة كبدها ليدافع عن الحسين عليه السلام وعياله ، ثم يستشهد دفاعاً عن دينه وعقيدته ، وبعد استشهاد ولدها نراها تأخذ عموداً وتنزل إلى ساحة المعركة لتقاتل الأعداء ، إلاّ أن الحسين عليه السلام يرجعها إلى النساء ويدعو لها .
في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت اُمّه عنده فقالت : يا بُني اُخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تُقتل .
فقال : أفعل ، فخرج ، فقال الحسين : « هذا شاب قتل أبوه ولعلّ اُمّه تكره خروجه » .
فقال الشاب : اُمّي أمرتني يابن رسول الله ، فخرج وهو يقول :
ثم قاتل وقتل وحُزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ، فأخذت اُمه رأسه وقالت : أحسنت يا بُني يا قرّة عيني وسرور قلبي ، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :
فضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها (1) .
وذكر ذلك ابن شهر آشوب في المناقب مع اختلاف يسير في الشعر (2) .
305 عفتة آل شيبة
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين مع عشيرتها في منطقة « عفك » ، قالت تخاطب اختها التي فقدت أحد أولادها في هذه الثورة في معركة « ونه او صدّوم » قرب قوچان في محافظة الحلّة قائلةً :
306 عفتة الفتلاويّة
عفتة بنت اكزار الفتلاويّة ، من قبيلة محاسن .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، شاركت في ثورة العشرين .
قالت تصف البطولات الخارقة للثوار ، وذلك عندما هجم الثوار على تلّ الرماد في الحلّة ، وقد كاد المدفع الذي وضع عليه أن يبيد الثوار ، لولا الفدائيّة الذين ضحّوا بأنفسهم وعبروا
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام .
2 ـ المناقب 4 : 104 . وانظر أعيان الشيعة 1 : 606 ، العوالم 17 : 271 .
3 ـ معلومات ومشاهدات في الثوره العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 369 .
على جثث اخوانهم واستولوا على المدفع وقتلوا المدفعي ، ثم واصلوا القتال ، قالت :
اطوينـه الموت او ما طوانه
فنّـه الـذي يوصـل احمانه
من غير مـا ياخذ رضانة (2)
307 عقيلة الهاشميّة
عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف .
شاعرة ، رثت الإمام الحسين عليه السلام ، ونُسبت اليها عدّة أبيات اُخرى .
فعندما قُتل الحسين بن علي عليهما السلام ، وحَملَ رأسه ابن زياد إلى يزيد ، خرجت عقلية في نساء قومها حواسر لِما قد ورد عليهن من قتل السادات وهي تقول :
وقد نُسبت هذه الأبيات ، واُخرى مشابهة لها لأسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، ونسبت أيضاً لزينب و اُم لقمان ورملة بنات عقيل بن أبي طالب ، وقد ذكرنا ذلك كلّه في محلّه (4) .
1 ـ عنانه : اسم موضع يقع شمال الحلّة على الجانب الغربي ، ويبعد بضعة كيلومترات عن الحلّة .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 354ـ 355 .
3 ـ أعلام النساء 3 : 322 نقلاً عن عدّة مصادر .
4 ـ انظر : الكامل في التأريخ 4 : 88 ، تأريخ الطبرى 5 : 466 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 116 ، البداية والنهاية 8 : 198 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .
وقالت عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين عليه السلام :
وقد نسب إليها أعداء أهل البيت عليهم السلام : أنّها كانت تجالس الشعراء وتسمع شعرهم ، وكان الشعراء يتحاكمون إليها في شعرهم . وهذا كذب محض ، حيث أنّ ديدن النواصب أن ينسبوا الرذائل إلى أهل البيت سلام الله عليهم ، وإلى شيعتهم .
308 عكرشة بنت الأطش
من ربّات الفصاحة والبلاغة وقوّة الحجّة ، حضرت صفين في معسكر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخطبت بها خطباً بليغة شجّعت الرجال على القتال . وبعد استشهاد الإمام علي سلام الله عليه ، واغتصاب معاوية الخلافة دخلت عكرشة على معاوية واسمعته كلاماً قارصاً .
روى ابن طيفور في بلاغات النساء عن العباس بن بكار ، قال : حدّثنا أبوبكر الهذلي وعبدالله بن سليمان ، عن عكرمة ، وقال : حدّثنا المقدمي بإسناده عن الشافعي ، قالوا : دخلت عكرشة بنت الأطش على معاوية وبيدها عكاز في أسفله زُجٌّ مسقى (2) ، فسلّمت عليه بالخلافة وجلست .
فقال لها معاوية : يا عكرشة الآن صرتُ أمير المؤمنين ؟!
قالت : نعم ، إذ لا عليٌّ حيّ .
قال : ألستِ صاحبة الكور (3) المسدول (4) ، والوسيط المشدود ، والمتقلّدة بحمائل
1 ـ أعلام النساء 3 : 322 .
2 ـ الزُّج : الحديدة التي تُركّب في أسفل الرمح . الصحاح 1 : 318 ، لسان العرب 2 : 285 « زجج » .
3 ـ كار العمامة على رأسه يكورها كوراً : لاثها : أي دارها الصحاح 2 : 809 « كور » .
4 ـ سدل ثوبه يسدله ـ بالضم ـ سدلاً : أي أرخاه . الصحاح 5 : 1728 « سدل » .
السيف ، وأنتِ واقفة بين الصفّين يوم صِفّين ، تقولين :
يا أيّها الناس عليكم أنفسكم ، لا يضرّكم مَنْ ضلّ إذا اهتديتم ، إنّ الجنّة دار لا يرحل عنها مَن قطنها ، ولا يحزن مَن سكنها ، فابتاعوها بدارٍ لا يدوم نعيمها ، ولا تنصرم همومها . كونوا قوماً مُستبصرين .
إنّ معاوية دلف (1) إليكم بعُجم (2) العرب ، غلف القلوب (3) ، لا يفقهوا الإيمان ، ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل فلبّوه .
فالله الله عباد الله في دين الله ، وإيّاكم والتواكل ، فإنّ ذلك نقض عروة الاسلام ، وإطفاء نور الإيمان ، وذهاب السنّة ، واظهار الباطل .
هذه بدر الصغرى ، والعقبة الاُخرى . قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم ، واصبروا على عزيمتكم ، فكأنّي بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحمُر الناهقة ، والبغال الشّحاجة (4) ، تصقع (5) صقع البقر ، وتروث روث العتاق (6) .
فقال معاوية : فوالله لولا قدر الله ، وما أحبّ أن يجعل هذا الأمر ، لقد كان انكفأ عليّ العسكران ، فما حملكِ على ذلك ؟
قالت : إنّ اللبيب إذا كره أمراً لم يُحب إعادته .
قال : صدقتِ ، اُذكري حاجتك .
1 ـ دلف : مشى وقارب الخطو . الصحاح 4 : 1360 ، لسان العرب 9 : 106 « لف » .
2 ـ العُجم : البهائم . لسان العرب 12 : 389 « عجم » .
3 ـ القلب الأغلف : الذي عليه غشاء عن سماع الحقّ وقبوله . انظر : الصحاح 4 : 1412 ، لسان العرب 9 : 271 « غلق » .
4 ـ شحيج البغل : صوته . الصحاح 1 : 323 « شحج » .
5 ـ الصقع : رفع الصوت . لسان العرب 8 : 203 « صقع » .
6 ـ فرس عتيق : أي رائع كريم . الصحاح 4 : 1521 « عتق » .
قالت : يا أمير المؤمنين إن الله قد ردّ صدقتنا علينا ، وردّ أموالنا فينا إلاّ بحقّها ، وإنّا قد فقدنا ذلك ، فما يُنعش لنا فقير ، ولا يُجير لنا كسير ، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، ولا استعمل الظالمين .
قال معاوية : يا هذه إنّه تنوبنا من اُمور رعيتنا اُمور تنبثق (1) ، وبحور تنفهق (2) .
قالت : يا سبحان الله ، ما فرض الله لنا حقّاً جعل فيه ضرراً على غيرنا ، ما جعله لنا وهو علاّم الغيوب .
قال معاوية : هيهات يا أهل العراق ، فقّهكم ابن أبي طالب فلَم تطاقوا ، ثم أمر لها بردّ صدقتها وانصافها ، وردّها مكرمة (3) .
روي ذلك أيضاً ابن عبد ربّه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، مع اختلاف في الألفاظ (4) .
309 العلويّة
روى ابن أبي جمهور الأحسائي في كتابه « عوالي اللآلي العزيزيّة » نقلاً عن كتاب « منهاج اليقين في فضائل أمير المؤمنين » للعلاّمة الحلّي ، قال : روى العلاّمة قدست نفسه مسنداً في كتابه المذكور إلى عبدالله بن المبارك ، قال :
كنتُ ولعاً بحجّ بيت الله الحرام ، شديد المداومة في كلّ عام على حضوره ، ففي بعض السنوات لمّا أزف الناس الإهتمام لاُهبة الحجّ ، وحضرتْ وفود الحجّاج من البلاد ، أنستُ من نفسي الكسل في تلك السنة عن الاستعداد لاُهبّة الحجّ ، ثم نشطت لذلك وقلت : وما يُقعدني عن صحبة القوم وأنا قادر على النفقة مخلّى السبيل ، فقمت وشددت على وسطي كيساً فيه
1 ـ تنبثق : تنفجر . الصحاح 4 : 1448 « بثق » .
2 ـ تنفهق : تنفتح وتتسع . النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 482 « فهق » .
3 ـ بلاغات النساء : 70 .
4 ـ العقد الفريد 1 : 351 . وانظر : رياحين الشريعة 4 : 383 ، أعيان النساء : 324 ، أعلام النساء 3 : 325 .
خمسمائة دينار ، وخرجت إلى سوق الابل لأشتري جمالاً للحج ، فلم أزل يومي أستعرض الإبل إلى أن تعالى النهار واشتدت الهاجرة ، ولم يقع في يدي ما يصلح للطريق ، فسامت السوم ، وعزمتُ الرجوع إلى المنزل .
فبينا أنا كذلك ، إذا أنا بامرأة وقد جلست إلى مزبلة قريبة من سوق الإبل ، وقد أخذت دجاجة ميّتة قد كانت على الكناسة ، وهي تنتف ريشها من حيث لا يشعر بها أحد . فجئت حتى وقفت قريباً منها ، وقلت : لِمَ تفعلين هكذا يا أمة الله ؟
فقالت : يا هذا إمض لشأنك واتركني .
فقلت : سألتك بالله إلاّ أعلمتيني بحالكِ ؟
فقالت : نعم ، إذا ناشدتني بالله ، إعلم أنّني امرأة علويّة ولي بنات ثلاث علويّات صغار ، وقد مات قيّمنا ، ولنا ثلاث ليالٍ بأيامهن على الطوى لم نطعم شيئاً ولم نجده ، وقد خرجت عنهن وهنّ يتضوّرن جوعاً لألتمس لهنّ شيئاً ، فلم تقع بيدي غير هذه الدجاجة الميتة ، فأردتُ إصلاحها لنأكلها ، فقد حلّت لنا الميتة .
فلمّا سمعتُ ما قالت ، وقف شعري واقشعر جلدي ، وقلت في نفسي : يابن المبارك أي حجّ أعظم من هذا ؟ فقلت لها : أيتها العلوية ارمي هذه الدجاجة فقد حرمتْ عليك ، وافتحي حجرك لأعطيك شيئاً من النفقة ، ثم حللتُ الكيس وفتحتُ فاه وصببتُ الدنانير في حجرها بأجمعها ، فقامت مسرورة وهي عجلة ثم دعت لي بخير ، وعدتُ إلى السوق .
ثم أنّي رجعت إلى منزلي ونزع الله من قلبي إرادة الحجّ في تلك السنة ، فلزمت منزلي ، واشتغلت بعبادة الله تعالى .
قال : وخرجت القافلة إلى الحج ، فلمّا قدم الحاج من مكّة ، خرجتُ للقاء الحجّاج والأخوان ومصافحتهم ، فكنتُ لم ألق أحداً ممّن يعرفني فصافحته وسلّمت عليه إلاّ يقول لي : يابن المبارك ألم تكن معنا ؟ ألم أشهدك في موضع كذا وموقف كذا ؟ فعجبتُ من ذلك .
فلمّا رجعت إلى منزلي وبت تلك الليلة ، رأيتُ في منامي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول : يابن المبارك إنّك لمّا أعطيتَ الدنانير لابنتنا ، وفرّجتَ كربتها ، وأصلحتَ شأنها
وشأن أيتامها ، بعث الله تعالى ملكاً على صورتك ، فهو يحج عنك في كلّ عام ، ويجعل ثواب ذلك الحجّ لك إلى يوم القيامة ، فما عليك إن حججت بعد أو لم تحج ، فإنّ ذلك الملك لا يترك الحج لك إلى يوم القيامة .
فانتبهت وأنا أحمد الله تعالى على توفيقي لصلة الذريّة العلويّة ، وأنّ فعلي كان في محلّه مقبولاً عند الله وعند نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الراوي : ولقد سمعتُ عن كثير من المحدّثين يذكر : إن الحجّاج في كلّ عام يشاهدون ابن المبارك يحج مع الحجّاجة ، وإنّه لمقيم بالعراق (1) .
وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص : أنبأنا عبدالملك مظفر بن غالب الحري بإسناده ، قال : كان عبدالله بن المبارك يحجّ سنة ويغزو سنة ، فعل ذلك خمسين سنة ، قال : لمّا كانت السنة التي حجّ فيها أخذتُ في كمي خمسمائة دينار . . . ثم ذكر القصة كما ذكرها العلاّمة في كتابه .
وأضاف قائلاً : وقد رُويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر ، هو أنّ ولداً صغيراً لابن المبارك دخل بيت بعض الأشراف فوجدهم يأكلون لحماً فلم يطعموه ، فجاء إلى ابن المبارك وهو يبكي فسأله ، فقال : دخلتُ بيت فلان وهم يأكلون طبيخاً فلم يطعموني وكانوا جيرانه ، فأرسل إليهم عبدالله يعتّبهم .
فأرسلت إليه العجوز تقول : قد أحوجتنا إلى كشف أحوالنا ، قد مات صاحب الدار وخلّف أيتاماً ، ولنا خمسة أيام ما أكلنا طعاماً ، وانّني خرجت إلى مزبلة فوجدت عليها بطّة ميتة فأخذتها وأصلحتها ، ودخل ابنك ونحن نأكل ، فما جاز لي أن أطعمه وهو يجد الحلال ويقدر عليه ، فبكى ابن المبـارك ، وبعث إليهم بخمسمائة دينار ولم يحج في ذلك العام ، ورأى المنام المذكور (2) .
1 ـ عوالي اللآلي العزيزية 4 : 140 .
2 ـ تذكرة الخواص : 328 ، وعنها في إرشاد القلوب 2 : 433 .
310 العلويّة البلخيّة
قال ابن أبي جمهور الأحسائي في كتابه « عوالي اللآلىء العزيزيّة » نقلاً عن العلاّمة في كتابه « منهاج اليقين في فضائل أمير المؤمنين » : ذكر العلاّمة طيّب الله رمسه في كتابه المذكور بسنده عمّن رواه قال :
وقعت في بعض السنين ملحمة بقم ، وكان بها جماعة من العلويين ، فتفرّق أهلها في البلاد ، وكان فيها امرأة علويّة صالحة كثيرة الصلاة والصيام ، وكان لها زوج من أبناء عمّها اُصيب في تلك الملحمة ، وكان لها أربع بنات صغار من ابن عمّها ذلك ، فخرجت مع بناتها من قم لما خرجت الناس منها ، فلم تزل ترمي بها الغربة من بلد إلى بلد حتى أتت بلخ ، وكان قدومها إليها أبان الشتاء ، فقدمت بلخ في يوم شديد البرد ذي غيم وثلج ، فحين قدمت بلخ بقيت متحيّرة لا تدري أين تذهب ، ولا تعرف موضعاً تأوي إليه لحفظها وبناتها عن البرد والثلج .
فقيل لها : إنّ بالبلد رجل من أكابرها معروف بالإيمان والصلاح يأوي إليه الغرباء وأهل المسكنة ، فقصدت إليه العلويّة وحولها بناتها ، فلقيته جالساً على باب داره وحوله جلساءه وغلمانه ، فسلّمت عليه وقالت : أيّها الملك إنّي امرأة علويّة ومعي بنات علويّات ونحن غرباء ، وقدمنا إلى هذا البلد في هذا الوقت وليس لنا مَنْ نأوي إليه ، ولا بها من يعرفنا فننحاز إليه ، والثلج والبلد قد أضرّنا ، وقد دُلِلنا عليكَ فقصدناك .
فقال : ومَن يعرف أنّك علويّة ، آتيني على ذلك بشهود .
فلمّا سمعت كلامه خرجت من عنده حزينة تبكي ودموعها تنثر ، وبقيت واقفة في الطريق متحيّرة لا تدري أين تذهب ، فمرّ بها سوقي فقال : مالكِ أيّتها المرأة واقفة والثلج يقع عليك وعلى هذه الأطفال معك ؟
فقالت : أنّي امرأة غريبة لا أعرف موضعاً آوي إليه .
فقال لها : امضي خلفي حتى أدلّك على الخان الذي يأوي إليه الغرباء ، فمضت خلفه .
قال الراوي : وكان بمجلس ذلك الملك رجلاً مجوسيّاً ، فلمّا رأى العلوية وقد ردّها الملك
وتعلل عليها بطلب الشهود ، وقعت لها رحمة في قلبه ، فقام في طلبها مُسرعاً فلحقها عن قريب ، فقال : إلى أين تذهبين أيتها العلويّة ؟
قالت : خلف رجل يدلّني إلى الخان لآوي إليه .
فقال لها المجوسي : لا ، بل ارجعي معي إلى منزلي فآوي إليه فإنّه خير لكِ .
قالت : نعم ، فرجعت معه إلى منزله فأدخلها منزله ، وأفردَ لها بيتاً من خيار بيوته ، وأفرشه لها بأحسن الفرش وأسكنها فيه ، وجاء لها بالنار والحطب ، وأشعل لها التنور ، وأعدّ لها جميع ما تحتاج إليه من المأكل والمشرب . وحدّث امرأته وبناته بقصتها مع الملك ففرح أهله بها ، وجاءت إليها مع بناتها وجواريها ، ولم تزل تخدمها وبناتها وتأنّسها حتى ذهب عنهنّ البرد والتعب والجوع .
فلمّا دخل وقت الصلاة قالت المرأة : ألا نقوم إلى قضاء الفرض ؟
قالت لها امرأة المجوسي : وما الفرض ؟ إنّا اُناس ليس على مذهبكم ، إنّا على دين المجوس . لكنّ زوجي لمّا سمع خطابك مع الملك وقولك : إنّي امرأة علويّة ، وقعت محبتكِ في قلبه لأجل اسم جدّك ، وردّ الملك لك مع أنّه على دين جدكِ .
فقالت العلويّة : اللهم بحقّ جدّي وحرمته عند الله أسأله أن يوفّق زوجك لدين جدي ، ثم قامت العلويّة إلى الصلاة والدعاء طول ليلها بأن يهدي الله ذلك المجوسي لدين الإسلام .
قال الراوي : فلمّا أخذ المجوسي مضجعه ونام مع أهله تلك الليلة ، رأى في منامه أنّ القيامة قد قامت والناس في المحشر ، وقد كضّهم العطش وأجهدهم الحر ، والمجوسي في أعظم ما يكون من ذلك ، فطلب الماء فقال له قائل : لا يوجد الماء إلاّ عند النبيّ محمّد وأهل بيته ، فهم يسقون أولياءهم من حوض الكوثر .
فقال المجوسي : لأقصدنهم فلعلّهم يسقوني جزاءً لما فعلت مع ابنتهم وايوائي إيّاها ، فقصدهم ، فلمّا وصلهم وجدهم يسقون مَن يرد إليهم من أوليائهم ويردّون مَن ليس من أوليائهم ، وعلي عليه السلام واقف على شفير الحوض وبيده الكأس ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن والحسين عليهما السلام وأبنائهم . فجاء المجوسي حتى وقف عليهم وطلب الماء وهو لمّا به من العطش ،
فقال له علي عليه السلام : « إنّكَ لستَ على ديننا فنسقيك » .
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « يا علي اسقه » .
فقال : « يا رسول الله إنّه على دين المجوس » .
فقال : « يا علي إنّ له عليكَ يداً ومنّة ، قد آوى ابنتكَ فلانة وبناتها ، فكنّهم عن البرد وأطعمهم عن الجوع ، وها هي الآن في منزله مكرّمة » .
فقال علي عليه السلام : « اُدن منّي اُدن منّي » .
فقال : فدنوتُ منه ، فناولني الكأس بيده ، فشربتُ منه شربة وجدتُ بردها على قلبي ، ولم أر شيئاً ألذّ ولا أطيب منها .
قال الراوي : وانتبه المجوسي من نومته وهو يجد بردها على قلبه ، ورطوبتها على شفتيه ولحيته ، فانتبه فزعاً فقالت زوجته : ما شأنك ؟ فحدّثها بما رآه من أوّله إلى آخره ، وأراها رطوبة الماء على شفتيه ولحيته .
فقالت له : يا هذا إنّ الله قد ساق إليكَ خيراً بما فعلتَ مع هذه المرأة العلويّة والأطفال العلويين .
فقال : نعم ، والله لا أطلب أثراً بعد عين .
قال الراوي : وقام الرجل المجوسي من ساعته ، وأسرج الشمع ، وخرج هو وزوجته حتى دخلَ على البيت الذي تسكنه العلويّة ، وحدّثها بما رآه ، فقامت وسجدت لله شكراً ، وقالت : والله إنّي لم أزل طول ليلتي أطلب إلى الله هدايتك للإسلام ، والحمد لله على استجابة دعائي فيك .
فقال لها : أعرضي عليّ الإسلام ، فعرضته عليه ، فأسلم وحسن إسلامه ، وأسلمت زوجته وجميع بناته وجواريه وغلمانه ، وأحضرهم مع العلويّة حتى أسلموا جمعيهم .
قال الراوي : وأمّا ما كان من أمر الملك ، فإنّه في تلك الليلة لمّا آوى إلى فراشه رأى في منامه مثل ما رأى المجوسي ، وإنّه قد أقبل إلى الكوثر فقال : يا أمير المؤمنين أسقني ، فإنّي ولي من أوليائك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « آتيني على ذلك بشهود » .
فقال : يا رسول الله وكيف تطلب مني الشهود دون غيري من أوليائكم ؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « وكيف طلبتَ الشهود من ابنتنا العلويّة لما أتتكَ وبناتها تطلب منك أن تأويها منزلك » ؟
قال : ثم انتبه وهو حران القلب شديد الظمأ ، فوقع في الحسرة والندامة على ما فرّط منه في حقّ العلويّة ، وتأسف على ردّها ، فبقى ساهراً بقية ليلته حتى أصبح ، وركب وقت الصبح يطلب العلوية ويسأل عنها ، فلم يزل يسأل عنها ولم يجد مَن يخبره عنها ، حتى وقع على السوقي الذي أراد أن يدلّها على الخان ، فأعلمه أنّ الرجل المجوسي الذي كان معه في مجلسه أخذها إلى منزله ، فعجب من ذلك ، ثم انّه قصد إلى منزل المجوسي وطرق الباب فقيل : من بالباب ؟
قيل له : الملك وقف ببابك يطلبك ، فعجب الرجل من مجيء الملك إلى منزله ، إذ لم يكن من عادته ، فخرج إليه مسرعاً ، فلمّا رآه الملك وجد عليه الإسلام ونوره ، فقال الرجل للملك : ما سبب مجيئك إلى منزلي ولم يكن ذلك لك عادة ؟
فقال : من أجل هذه المرأة العلويّة وقد قيل لي إنّها في منزلك ، وقد جئتُ في طلبها ، ولكن أخبرني عن هذه الحلية فإنّي قد أراك صرتَ مسلماً ؟
فقال : نعم والحمد لله ، وقد منَّ الله عليَّ ببركة هذه العلويّة ودخولها منزلي بالإسلام ، فصرتُ أنا وأهلي وبناتي وجميع أهل بيتي مسلمين على دين محمّد وأهل بيته .
فقال له : وما السبب في إسلامك ؟ فحدّثه بحديثه ودعاء العلوية ورؤياه ، وقصّ القصة بتمامها .
ثم قال : وأنتَ أيها الملك ما السبب في حرصك على التفتيش عنها بعد اعراضك أوّلاً عنها وطردك إياها ؟ فحدّثه الملك بما رآه ، وما وقع له من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم . فحمد الله تعالى على ذلك ، وعلى توفيق الله تعالى إياه لذلك الأمر الذي نال به الشرف والإسلام ، وزادت بصيرته .
ثم دخل الرجل على العلويّة فأخبرنا بحال الملك ، فبكت وخرّت ساجدة لله شكراً على
ما عرّفه من حقّها ، فاستأذنها في إدخاله عليها فأذنت له ، فدخل عليها واعتذر إليها وحدّثها بما جرى له مع جدّها صلوات الله عليه وآله ، وسألها الإنتقال إلى منزله ، فأبت وقالت : هيهات لا والله ولو أن الذي أنا في منزله كره مقامي فيه لما انتقلت إليك .
وعلم صاحب المنزل بذلك فقال : لا والله لا تبرحي من منزلي وإنّي قد وهبتك هذا المنزل ، وما أعددتُ فيه من الاُهبة ، وأنا وأهلي وبناتي وخدامي كلّنا في خدمتك ، ونرى ذلك قليلاً من حيث ما أنعم الله تعالى به علينا بقدومك .
قال الراوي : وخرج الملك وأتى منزله وأرسل اليها ثياباً وهدايا كثيرة ، وكيساً فيه جملة من المال ، فردّت ذلك ولم تقبل منه شيئاً (1) .
311 عُلْيَة
عُلْيَة بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام .
وهي بضم العين المهملة ، وسكون اللام ، وفتح الياء المثناة من تحت ، بعدها هاء .
فاضلة ، مُحدّثة ، ذكرها النجاشي قائلاً : لها كتاب ، رواه أبوجعفر محمّد بن عبدالله بن القاسم بن محمّد بن عبيدالله بن محمّد بن عقيل ، قال : حدّثنا رجاء بن جميل بن صالح ، قال : حدّثنا أبوجميل بن صالح ، عن زرارة بن أعين ، عن عُلْيَه بِنت علي بن الحسين بالكتاب (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وظاهره كونها إماميّة ، ولم أتحقّق إلى الآن حالها وإن كان الظاهر حسن حالها (3) .
وهذا عجيب جدّاً من الشيخ المامقاني كيف لا يجزم بكونها إماميّة!! .
1 ـ عوالي اللآي العزيزيّة 4 : 142 . ورواه ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 330 ، وعنه الديلمي في ارشاد القلوب 2 : 444 .
2 ـ رجال النجاشي : 304 رقم 832 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 81 .
312 عليّة الكاشانيّة
عليّة بنت المولى محسن الفيض الكاشاني ابن الشاه مرتضى ابن الشاه محمود ، تُكنّى باُم الخير .
فاضلة ، شاعرة ، أديبة ، ولدت في يوم الاثنين منتصف جمادى الآخرة سنة 1037هـ ببلدة كاشان ، وتتلّمذت على والدها وأخيها المولى علم الهدى ، وتوفّيت عصر يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر رمضان سنة 1079هـ ، ودفنت بكاشان في مقبرة والدها .
ذكرها وأثنى عليها سماحة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي في مقدّمة كتاب معادن الحكمة (1) .
313 عمّة الحسن بن مسلم
راوية للحديث ، روت عن الإمام الصادق عليه السلام ، وروى عنها ابن أخيها الحسن بن مسلم (2) .
روى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن سليم الفرّاء ، عن الحسن بن مسلم قال : حدّثتني عمتي قالت :
إنّي جالسة بفناء الكعبة إذ أقبل أبو عبدالله عليه السلام ، فلما رآني مال إليّ فسلّم عليّ فقال : « ما يجلسكِ هنا ؟ » .
فقلتُ : أنتظر مولى لنا .
قالت : فقال لي : « أعتقتموه ؟ » قلت : لا ، ولكن أعتقنا أباه .
فقال : « ليس ذلك مولاكم ، هذا أخوكم وابن عمّكم ، إنّما المولى الذي جرت عليه النعمة ، فإذا جرت على أبيه وجده فهو ابن عمّكِ
1 ـ مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 18 .
2 ـ جامع الرواة 2 : 458 ، معجم رجال الحديث 23 : 195 .
وأخوكِ »(1) .
ورواه الشيخ في التهذيب أيضاً (2) .
314 عمّة محمّد بن زياد
راوية من راويات الحديث ، روت عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، وروى عنها ابن أخيها محمّد بن زياد (3) .
روى أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه المتوفى سنة 367هـ في كامل الزيارات : عن والده ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العباس بن موسى الورّاق ، عن يونس ، عن عيسى بن سليمان ، عن محمّد بن زياد ، عن عمّته قالت : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول :
« إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء ، وأماناً من كلّ خوف » (4) .
315 عمّة محمّد بن مارد
راوية من راويات الحديث ، روت عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام وروى عنها ابن أخيها محمّد بن مارد (5) .
روى أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه المتوفى سنة 367هـ عن أبيه ، عن أحمد بن ادريس ومحمّـد بن يحيى ، عن العمركي بن علي البوفكـي ، عن يحيى ـ وكان في خدمـة أبي جعفر الثاني ـ ، عن عيسى بن سليمان ، عن محمد بن مارد ، عن عمّته قالت : سمعتُ أبا
1 ـ الكافي 6 : 198 حديث 1 باب بعد باب الولاء لمن أعتق .
2 ـ التهذيب 8 : 252 حديث 916 باب العتق وأحكامه .
3 ـ معجم رجال الحديث 23 : 195 .
4 ـ كامل الزيارات : 278 حديث 4 الباب الثاني والتسعون : أنّ طين قبر الحسين عليه السلام شفاء وأمان .
5 ـ معجم رجال الحديث 23 : 196 .
عبدالله عليه السلام يقول :
« إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء ، وأماناً من كلّ خوف » (1) .
316 عَمرة بنت الطَبيخ
راوية من راويات الحديث ، روت عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا يعلى ومحمّد ابنا عبيد ، قالا : حدّثنا عمرو بن شوذب ، عن عَمرة بنت الطَبيخ ، قالت : انطلقت مع جارية لنا إلى السوق فاشترينا جرّيثة (2) في زبيل قد خرج رأسها وذنبها من الزبيل ، فمرّ علي فقال :
« بكم هذه ؟ إن هذا لكثير طيّب يشبع منه العيال » (3) .
317 عمرة بنت نفيل
مُحدّثة ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام علي عليه السلام (4) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من المصاحبات للصادق عليه السلام ، وظاهره كونها إماميّة ، إلاّ أنّي لم أستثبت حالها (5) .
ونقله عنه بدون تفحّص المحلاتي في الرياحين (6) ، إلاّ أنّ الموجود في رجال الشيخ ـ كما ذكرنا ـ أنّه عدّها من أصحاب الإمام علي عليه السلام ، وكذلك في المصادر الرجالية (7) .
1 ـ كامل الزيارات : 279 حديث 5 الباب الثاني والتسعون أن قبر الحسين عليه السلام شفاء وأمان .
2 ـ الجرّيثُ : ضربٌ من السمك ، يقال له : الجِرِّي . لسان العرب 2 : 128 « جرث » .
3 ـ طبقات ابن سعد 8 : 488 ، أعلام النساء 3 : 355 .
4 ـ رجال الشيخ : 66 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 81 .
6 ـ رياحين الشريعة 4 : 386 .
7 ـ انظر مجمع الرجال 7 : 177 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 548 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 .
318 العمياء
متكلّمة ، من المؤمنات المواليات لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام منحها الله سبحانه وتعالى كرامةً بسبب حبّها للإمام ، علي عليه السلام ، حيث أعاد عليها بصرها بعد أن كانت عمياء مدّة من الزمن .
قال الشيخ منتجب الدين في كتابه « الأربعون حديثاً » : أخبرنا الأصيل أبوحرب المجتبى ابن الداعي بن القاسم الحسين رحمه الله بقراءتي عليه ، أخبرنا الشيخ أبومحمّد عبدالرحمان بن أحمد الواعظ ، أخبرنا الحسن بن الحسن الخطيب بقراءتي عليه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ، أخبرنا الشريف أبوعقيل محمّد بن علي بن محمّد العلوي العباسي ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن جعفر الصولي ببغداد : أخبرنا أبوعلي محمّد بن موسى الأنباري ، أخبرنا ابن أبي غرزة ، عن وكيع ، عن الأعمش ، قال :
كنتُ حاجاً إلى بيت الله الحرام ، فنزلتُ في بعض المنازل ، فإذا أنا بامرأة محجوبة البصر وهي تقول : يا راد الشمس على علي بن أبي طالب بيضاء نقيّة بعدما غابت ، ردّ عليَّ بصري .
قال الأعمش : فأعجبني كلامها ، فأخرجتُ دينارين وأعطيتها ، فلمستها بيدها ثم طرحتها في وجهي وقالت : يا رجل أذللتني بالفقر ، اُفّ لك ، إنّ مَن تولّى آل محمّد لا يكون ذليلاً .
قال الأعمش : فمضيتُ إلى الحجّ وقضيتُ مناسكي ، وأقبلتُ راجعاً إلى منزلي ، وكانت المرأة من أكبر همّي ، حتى صرتُ إلى ذلك المكان ، فإذا أنا بالمرأة لها عينان تبصر بهما .
فقلت لها : يا امرأة ما فعل بكِ حبّ علي بن أبي طالب ؟
فقالت : يا رجل إنّي أقسمت به على الله ستّ ليال ، فلمّا كان في الليلة السابعة وهي ليلة الجمعة ، فإذا أنا برجل قد أتاني في نومي فقال لي : يا امرأة أتحبين علي بن أبي طالب ؟
قلت : نعم .
قال : ضعي يدكِ على عينيكِ ، وقال : اللهم إن تكن هذه المرأة تحبّ علي بن أبي طالب من
نيّة صادقة فردّ عليها عينيها ، ثم قال : نحي يدك ، فنحيتها فإذا أنا برجل في منامي ، فقلت له : مَنْ أنت الذي مَنّ الله بك عليّ ؟
قال : أنا الخضر ، أحبّي علي بن أبي طالب ، فإن حبّه في الدنيا يصرف عنكِ الآفات ، وفي الآخرة يعيذك من النار (1) .
319 غانمة بنت غانم
من ربّات الفصاحة والبلاغة ، والشجاعة والإقدام ، ومن المواليات لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، والناصرات له بلسانه .
فعندما سمعت أنّ معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ـ لعنهما الله تعالى ـ يسبّان عليّاً عليه السلام وبني هاشم ، وقفت بمكّة ذلك الموقف البطولي ، وتحدّت كلّ الجبابرة والطغاة أعداء أهل البيت عليهم السلام ، وقفت أمام الناس جميعاً قائلة :
أيّها الناس إنّ قريشاً لم تلد من لؤم ولا رقم ، سادت وجادت ، وملكت فملكت ، ولا حاد ولا نادم ولا المغضوب عليهم ولا الضالين ، إنّ بني هاشم أطول الناس باعاً ، وأمجد الناس أصلاً ، وأحلم الناس حلماً ، وأكثر الناس عطاءً ، وإنّ عبدمناف منّا ، والذي يقول الشاعر في حقّه :
ومنّا ولده هاشم الذي يقول الشاعر عنه :
ومنّا عبدالمطلب الذي يقول الشاعر في حقّه :
1 ـ الأربعون حديثاً : 76 . وأخرج مثله في مدينة المعاجز : 105 حديث 282 نقلاً عن السيّد الرضي في المناقب الفاخرة بإسناده عن الأعمش ، وفي البحار 42 : 44 حديث 17 نقلاً عن تفسير فرات : 99 بإسناده عن الأعمش .
ومنّا ولده أبوطالب سيّد بني هاشم وزعيم أولاد عبدالمطلب ، والذي يقول الشاعر في حقّه :
ومنّا العباس بن عبدالمطلب الذي جعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رديفاً له ، وأعطاه من أمواله ، وقال الشاعر في ذلك :
ومنّا حمزة سيّد الشهداء الذي قال فيه الشاعر :
ومنّا جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ، أحسن الناس حسناً وأكملهم كمالاً ، والذي يقول عنه الشاعر :
ومنّا أمير المؤمنين أبوالحسن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أفرس بني هاشم ، وأكرمَ مَن احتفى وتنعّل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن فضائله ما قصر عنكم أنباؤها ، وقال الشاعر في حقّه :
ومنّا الحسن بن علي عليهما السلام أحد السبطين وسيّد شباب أهل الجنة ، والذي يقول الشاعر في حقّه :
ومنّا الحسين بن علي عليهما السلام الذي ركبَ على ظهر جبرئيل ، ويكفيه بهذا فخراً ، وقال الشاعر بحقّه :
ثم قالت : يا معشر قريش والله ما معاوية بأمير المؤمنين ، ولا هو كما يزعم ، هو والله شأنىء رسول الله ، إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق له جبينه ، ويكثر منه عويله .
فسمع عامله في مكّة بهذا الخطاب ، فكتبَ إليه وأعلمه أنّها ستأتي إلى المدينة ، وعندما وصل الكتاب إلى معاوية أمرَ أن يهيأ لها مقاماً كريماً في دار الضيافة . فلمّا قربت المدينة أرسل معاوية ولده مع جمع من الخدم والمماليك باستقبال غانمة ، وأتوا بها إلى دار الضيافة .
وحينما اجتمعت بمعاوية بن أبي سفيان بادرها معاوية بالسّلام ، فقالت غانمة : السّلام على المؤمنين والهوان على الكافرين ، أيكم عمرو بن العاص ؟
قال عمرو : ها أنا ذا .
فقالت : أنتَ تسب قريشاً وبني هاشم ؟ ! وأنتَ أهل السبّ وإليك يعود السب ، يا عمرو إنّي والله لعارفة بعيوبكَ وبعيوب اُمّكَ ، وإنّي أذكر لكَ ذلكَ عيباً عيباً : ولدتَ من أمة سوداء مجنونة حمقاء ، تبول من قيام ، ويعلوها اللئام ، إذا مسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفة راكبها ، وفي يوم واحد ركبها أربعون رجلاً .
وأمّا أنت يا عمرو رأيتك غاوياً غير راشد ، ومفسداً غير صالح ، ولقد رأيتَ فحلَ زوجتك على فراشكَ فما غِرتَ وما أنكرتَ .
ثم التفتت إلى معاوية قائلة : أمّا أنتَ فما كنتَ معاوية في خير ، ولا ربّيت في خير ، فمالكَ ولبني هاشم ؟ أنساء بني اُميّة كنسائهم ، أم اُعطي اُميّة مثل ما اُعطي هاشم في الجاهليّة والإسلام ، وكفى برسول الله فخراً ؟
فقال معاوية : أيتها الكبيرة أنا كاف من بني هاشم .
قالت : فإنّي أكتب عليكَ عهداً ، كان رسول الله دعا ربّه أن يستجيب لي خمس دعوات فأجعل الدعوات كلّها فيكَ ، فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسب بني هاشم أبداً (1) .
320 غزوة القزوينيّة
غزوة بنت السيّد راضي ابن السيّد جواد ابن السيّد حسن ابن السيّد أحمد القزويني .
1 ـ رياحين الشريعة 4 : 389 نقلاً عن المحاسن والمساوىَ للبيهقي .
جدّها السيّد جواد أخو العلاّمة الكبير والمجتهد الشهير السيّد مهدي الحلّي القزويني ، صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة 1300هـ .
اُمّها نازي بنت السيّد مهدي القزويني .
ولدت غزوة في مدينة الحلّة الفيحاء حدود سنة 1285هـ ، ونشأت وترعرعت في كنف أخوالها الأعلام ، وانكبّت على الدراسة ، فدرست العلوم العربية والفقهية ، وتتبّعت مصادر الأدب والشعر بحكم بيئتها وتربيتها ، فكانت تحفظ من أخبار العرب وقصصهم الشيء الكثير ، وتربّت بتربيتها جملة من نساء الأسرة ومن يتعلّق بها .
اقترنت السيّدة غزوة بابن خالها السيّد أحمد ابن الميرزا صالح القزويني ، وهو عالم فاضل وأديب شاعر ، فوجّهها بصورة أعمق وجعلها قابلة لهظم محاوراته العلميّة في شتى المجالات .
كانت رحمها الله شاعرة مقبولة ، سريعة البديهة ، مشهود لها بطرافة الأدب ، وكان لها بذلك كل الفخر؛ إذ أنّها عاشت في عصر أشبه بالعصر الجاهلي ، حيث لم يُشاهَد في بلدها ومحيطها مَن تُحسن الكتابة والقراءة ولا واحدة ، وعزّت القراءة والكتابة على الرجال آنذاك ، فما حال النساء ؟ !
توّفيت رحمها الله في شعبان سنة 1331هـ ، ودفنت في مقبرة الأسرة .
ومن شعرها في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ، قالت :
1 ـ أدب الطف 9 : 9 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 158 .
2 ـ المُدلجُ : السائر من أول الليل . الصحاح ح 1 : 315 « دلج » .
3 ـ الزَيّافة من النوق : المختالة . الصحاح 4 : 1371 « زيف » .
321 غنيمة الأزديّة
راوية من راويات الحديث .
ذكرها النجاشي في ترجمة ابن أخيها قائلاً : بكر بن محمّد بن عبدالرحمان بن نُعيم الأزدي الغامدي ، أبومحمّد ، وجه في هذه الطائفة ، من بيت جليل بالكوفة من آل نُعيم الغامديين ، عمومته : شديد ، وعبدالسّلام ، وابن عمّه موسى بن عبدالسلام ، وهم كثيرون ، وعمّته غنيمة روت أيضاً عن أبي عبدالله عليه السلام و أبي الحسن عليه السلام ، ذكر ذلك أصحاب الرجال (1) .
وعدّها الشيخ الطوسي؛ في رجاله من أصحاب الإمام الصادق فقط (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : ولم أقف فيها على مدح يُدرجها في الحسان (3) .
وقد اختلف في اسمها ، فالأكثر على ما أثبتناه ، وقال المامقاني نقلاً عن العلاّمة الحلّي في إيضاح الإشتباه : غيثمة بالعين المعجمة المفتوحة ، والياء المثناة من تحت الساكنة ، والثاء المثلثة المفتوحة .
ولا وجود لهذا الكلام في إيضاح الإشتباه ، وإنّما الموجود خيثمة : بالخاء المفتوحة المعجمة ، والياء المنقطة تحتها نقطتين الساكنة ، والثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط ، والميم والهاء ، وهو اسم رجل (4) .
322 فاختة الهاشميّة
فاختة بنت أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف .
1 ـ رجال النجاشي : 108 رقم 273 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسي : 341 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 81 .
4 ـ ايضاح الإشتباه : 35 . وانظر ترجمتها في : مجمع الرجال 7 : 177 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رجال أبوعلي الحائري : 370 ، رياحين الشريعة 4 : 389 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 .
تكنّى باُم هاني ، اُخت سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
عدّها البرقي ضمن الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وعدّها الشيخ رحمه الله من أصحاب الرسول أيضاً (2) .
قال أبوعلي الحائري في رجاله : ويظهر من الأخبار جلالتها ، وفي حديث سليمان بن مهران الأعمش المروي في كتب الخاصة والعامة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أدلكم على خير الناس عمّاً وعمة ؟ » .
قالوا : بلى .
قال : « الحسن والحسين عليهما السلام ، فإنّ عمّهما جعفر ذو الجناحين الطيّار مع الملائكة في الجنّة ، وعمّتهما اُم هاني بنت أبي طالب ـ إلى أن قال ـ : وعمّهما في الجنّة وعمتهما في الجنّة » (3) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وجلالة شأنها وعلوّ مقامها غير خفي على الخبير بالآثار والسيّر ، ويكفيك منها ما في خبر سليمان بن مهران الأعمش ، المروي في كتب الخاصة والعامّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة . . . » ، فإنّ فيه دلالة على ما فوق الثقة والعدالة كما لا يخفى (4) .
وروى الكليني رحمه الله في الكافي عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال :
« خطبَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم اُم َ هاني بنت أبي طالب ، فقالت : يا رسول الله إنّي مصابة في حجري أيتام ، ولا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة ، فقال رسول
1 ـ رجال البرقي : 60 .
2 ـ رجال الشيخ : 33 .
3 ـ رجال أبوعلي : 368 . والحديث وارد في كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الإثني عشر للشيخ محمد بن علي الخزاز الرازي : 300 ، والخرائج والجرائح ، وكشف الغمة 3 : 150 وغيرها من المصادر .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 74 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تكملة الرجال 2 : 719 ، الكنى والألقاب 1 : 40 و 2 : 87 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، رياحين الشريعة 3 : 449 ، أعيان النساء : 336 ، معجم رجال الحديث 23 : 181 ، الطبقات الكبرى 8 : 47 .
الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناه على ولد ولا أرعى على زوج في ذات يديه » (1) .
وهي من رواة حديث الثقلين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« كأنّي دُعيت فاُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (2) .
ومن رواة حديث الغدير ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، واخذل مَنْ خذله ، وانصر من نصره » (3) .
323 فاطمة الهاشميّة
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصي .
اُمّها فاطمة بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي .
تزوّجها أبوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم ، فولدت له عليّاً وجعفراً وعقيلاً وطالباً وهو أسنّهم ، و اُم هاني وجمانة وريطة بني أبي طالب (4) .
وهي راوية من راويات الحديث ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت ذات صلاح ودين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويقيل في بيتها ويحترمها احتراماً عظيماً .
وهي أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة إلى المدينة على قدميها ، وكانت
1 ـ الكافي 5 : 326 حديث 3 باب فضل نساء قريش .
2 ـ أخرج الحديث عنها الأمر تسري في أرجح المطالب : 337 ، والقندوزي في الينابيع : 40 من طريق البزاز ، ومن طريقه وطريق ابن عقدة أخرجه الحضرمي في وسيلة المآل : 59 .
3 ـ روى الحديث عنها ابن عقدة والجعابي والبزاز في مسنده ، وأخرجه في ينابيع المودة : 40 عن جواهر العقدين للسمهودي .
4 ـ الطبقات الكبرى 8 : 51 .
من أبرّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روى الكليني في الكافي عن علي بن محمّد بن عبدالله ، عن السيّاري ، عن محمّد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
« إنّ فاطمة بنت أسد اُم أمير المؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة الى المدينة على قدميها ، وكانت من أبرّ الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسمِعتْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عُراة كما ولدوا ، فقالت : واسوأتاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فإنّي أسأل الله أن يبعثكِ كاسية ، وسَمِعَتْهُ يذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك » (1) .
وهي أوّل هاشمية تزوّجها هاشمي ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة الاُم ، ربى في حجرها ، وكان شاكراً لبرّها يسمّيها اُمي ، وكانت تفضّله على أولادها في البر ، كان أولادها يصبحون شعثاً رمضاً ويصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحيلاً دهيناً . وكانت بمحلّ عظيم من الإيمان ، سبقت إلى الإسلام وهاجرت إلى المدينة ، ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه ، وأمر من يحفر قبرها فلمّا بلغوا لحدها حفره بيده ، واضطجع فيه وقال : « اللّهمَّ اغفر لاُمي فاطمة بنت أسد » ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها .
فقيل : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحدٍ قبلها .
فقال : « ألبستُها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة » ، أو قال : « هو أمان لها من يوم القيامة » ، أو قال : « ليدرأ عنها هوام الأرض » ، « واضطجعتُ في قبرها ليوسعه الله عليها وتأمن من ضغطة القبر ، إنّها كانت من أحسن خلق الله صنعاً إليّ بعد أبي طالب » .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سعيد بن المسيّب ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ،
1 ـ الكافي 1 : 377 حديث 2 باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام .
عن جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال :
« لما ماتت فاطمة بنت أسد كفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه ، وصلّى عليها ، وكبّر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها ، فجعلَ يومىَ في نواحي القبر كأنّه يوسعه ويسويّ عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان ، وجثا في قبرها .
فقال له عمر بن الخطاب : يا رسولَ الله رأيتكَ فعلتَ على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد .
فقال له : إنّ هذه المرأة كانت اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني ، إنّ أباطالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل من كلّه نصيباً فأعود فيه » (1) .
وهي المرأة الوحيدة التي وَلدت طفلها علي بن أبي طالب في الكعبة ، قال الطبرسي في إعلام الورى : ولد علي سلام الله عليه في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، ولم يولد قط في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لقدره ، و اُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف (2) .
وذكرها السيّد محسن الأمين في عدّة أبيات شعريّة قال فيها :
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 108 .
2 ـ إعلام الورى : 159 .
324 فاطمة بنت الإمام جعفر الصادق عليه السلام
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي في كتابه هي واُختها اُم فروة من الراويات عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام (2) .
وذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد ، والطبرسي في إعلام الورى ضمن بنات
1 ـ أعيان الشيعة 1 : 325 . وانظر ترجمتها في : الإرشاد للشيخ المفيد : 9 ، تكملة الرجال : 2 : 752 ، أعيان الشيعة 8 : 388 ، رياحين الشريعة 3 : 3 ، أعيان النساء : 490 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 ، اُسد الغابة 5 : 517 ، الإصابة 4 : 380 ، الاستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 381 .
2 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 .
الصادق عليه السلام (1) .
325 فاطمة الوالبيّة
فاطمة بنت حبّابة الوالبيّة .
من الفاضلات ، العالمات المحدّثات ، راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام (2) .
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الحسن عليه السلام ، ومن أصحاب الحسين عليه السلام (3) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : الظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّ حالها مجهول (4) .
وقد مرت ترجمة اُمها حبّابة الوالبية في حرف الحاء .
326 فاطمة الكلابيّة
اُم البنين ، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة ـ أخي لبيد الشاعر ـ بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابيّة .
زوجة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة ، تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام بإشارة أخيه عقيل ، حين طلب منه أن يختار له امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ليتزوّجها فتلد له غلاماً فارساً ، وكان عقيل نسّابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم فاختارها له ، وقال : إنّه ليس في
1 ـ الإرشاد : 284 ، إعلام الورى : 284 .
2 ـ مجمع الرجال 7 : 178 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رياحين الشريعة 5 : 12 ، معجم رجال الحديث 23 : 197 ، اعلام النساء 5 : الزيادات والاستدراكات .
3 ـ رجال الشيخ : 71 و 81 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 81 .
العرب أشجع من آبائها ولا أفرس .
وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :
نـحن بنـي اُم البنين الأربعـة
ونـحنُ خيرُ عامر بن صعصعة
الضاربون الهام وسط الجمجعة
ولم ينكر عليه ذلك أحد من العرب ، ومن قومها مُلاعب الأسنّة أبوبراء ، الذي لم يعرف في العرب غير أمير المؤمنين عليه السلام مثله في الشجاعة .
فتزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام ، فولدت له العباس ، ثم عبدالله ، ثم جعفراً ، ثم عثمان ، وكلّهم قتلوا مع أخيهم الحسين عليه السلام بكربلاء .
كانت اُم البنين شاعرة فصيحة ، تخرج كلّ يوم إلى البقيع ومعها عبيدالله ولد ولدها العباس ، فتندب أولادها الأربعة ـ خصوصاً العباس ـ أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس فيسمعون بكاءها وندبتها ، وكان مروان بن الحكم على شدّة عداوته لبني هاشم يجيء في مَن يجيء ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي ، فمن قولها في رثاء ولدها العباس :
والنقد : نوع من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه ، وزاد البيت حسناً أنّ العباس من أسماء الأسد .
وقالت ترثي أولادها :
ولم تحضر اُم البنين أرض كربلاء ، إلاّ أنّها واست أهل البيت عليهم السلام وقدّمت أولادها الأربعة ، ولم تزل باكية عليهم نائحة حتى التحقت بالرفيق الأعلى ، وكانت النساء يُقمْن العزاء في بيتها .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : ويستفاد قوّة ايمانها وتشيّعها . من أنّ بشراً بعد وروده المدينة نعى إليها أحد أولادها الأربعة ، فقالت ما معناه : أخبرني عن أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، فلمّا نعى إليها الأربعة قالت : قطّعت نياط قلبي ، أولادي ومَن تحت الخضراء كلّهم فداء لأبي عبدالله الحسين عليه السلام . فإنّ عُلقتها بالحسين ليس إلاّ لإمامته عليه السلام ، وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سَلِمَ الحسين عليه السلام يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة ، وإنّي اُعتبرها لذلك من الحسان إن لم نعتبرها من الثقات .
وانحصر نسل العباس سلام الله عليه في ولده عبيدالله ، وقال الفضل بن محمّد بن فضل بن حسين بن عبيدالله بن العباس يرثي جدّه العباس سلام الله عليه :
1 ـ انظر : شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام 13 : 25 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 29 ، أعلام الورى : 250 ، تنقيح المقال 3 : 70 ، أعيان الشيعة 3 : 475 و 8 : 389 ، رياحين الشريعة ، تأريخ الطبري 5 : 468 ، مقاتل الطالبيين : 85 ، الفصول المهمة : 198 ، أعلام النساء 4 : 40 .
327 فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام
إحدى العلويات المخدّرات ، والصدّيقات الطاهرات ، ذات علم وفضل وحياء ، وعفّة وكمال . ويكفيها فخراً أنّها من أغصان الشجرة الطيّبة .
فهي بنت الإمام الحسن عليه السلام ، وعمّها الإمام الحسين عليه السلام ، وجدّها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه السلام ، وزوجها الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، وولدها باقر علوم أهل البيت الإمام محمد بن علي عليهما السلام .
لها كرامات كثيرة ، منها ما رواه الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبدالله بن أحمد ، عن صالح بن مزيد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن أبي الصباح ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
« كانت اُمّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّةً شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن الله لكَ في السقوط ، فبقي معلّقاً في الجو حتى جازته ، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار » (1) .
وممّا يدل على مكانتها العالية ومنزلتها السامية قول الإمام الصادق عليه السلام في حقّها ، ففي الكافي أيضاً قال الكليني : قال أبوالصباح : وذكر أبو عبدالله عليه السلام جدّته اُم أبيه يوماً فقال :
« كانت صدّيقةً ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها » (2) .
وقد حضرت هذه العلويّة مع زوجها وابنها واقعة الطف في يوم عاشوراء ، وبذلك تكون قد شاهدت ما جرى على آل الرسول عليه السلام في ذلك اليوم من مصائب ومحن ، فقد شاهدت مصرعَ عمّها الحسين عليه السلام ، وقتلَ أخيها القاسم وبقيّة الأبطال من آل البيت والأصحاب الكرام . وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال ، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات
1 ـ الكافي 1 : 390 حديث 1 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام .
2 ـ المصدر السابق .
يشكو العطش ، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله (1) .
328 فاطمة الكبرى (2)
بنت الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليهم .
اُمّها : اُم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التيمي (3) .
وجلالة هذه العلويّة المخدّرة وعظم شأنها ، أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، وإقامة دليل وبرهان .
فهي عالمة ، محدّثة ، مجاهدة ، تركت أثراً لا يُمحى في التأريخ الإسلامي ، وإليها وإلى غيرها من بنات أمير المؤمنين عليه السلام يرجع الفضل في نجاح ثورة الحسين عليه السلام ونهضته الدامية .
1 ـ انظر : أعيان الشيعة 1 : 650 و 8 : 390 ، أعيان النساء : 498 ، رياحين الشريعة 3 : 15 .
2 ـ انظر ترجمتها في : الاختصاص للمفيد : 233 ، إسعاف الراغبين : 21 ، أسنى المطالب : 45 و95 ، اُصول الكافي 1 : 329 و 2 : 187 ، الأعلام للزِركلي 5 : 130 ، إعلام الورى : 251 ، أعلام النساء 4 : 44 ، أعيان الشيعة 8 : 387 ، الإرشاد : 197 و 253 ، الأغاني 18 : 204 ، الإقبال : 427 ، أمالي الشيخ الطوسي 2 : 189 و197 ، بحار الأنوار 8 : 39 ، بطل فخ : 21 ، تأريخ الإسلام 134 ، تأريخ بغداد 11 : 285 ، تأريخ الخميس 1 : 300 ، تأريخ الطبري 6 : 265 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 312 و370 ، تذكرة الخواص : 249 ، تنقيح المقال 3 : 28 ، تهذيب التهذي 12 : 469 رقم 2862 ، الجرح والتعديل 1 : 585 ، الدر المنثور : 361 ، ذخائر العقبى : 121 ، رياحين الشريعة 3 : 281 ، سِير أعلام النبلاء 3 : 204 ، سنن ابن ماجة 1 : 484 ، شذرات الذهب 1 : 139 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 287 و 15 : 267 و 279 ، صحيح البخاري 1 : 230 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 273 ، عمدة الطالب : 84 و 101 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام لعلي دخيّل ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام لمحمد هادي الأميني ، الفصول المهمة : 100 و 155 ، الكاشف 3 : 432 ، الكامل في التأريخ 4 : 86 ، كشف الغمة في معرفة الأئمة 1 : 135 و 147 و 552 ، كنز العمال 6 : 220 ، الكنى والألقاب 2 : 241 ، اللهوف : 180 ، مستدرك الصحيحين 3 : 164 ، معاني الأخبار : 354 ، معجم رجال الحديث 23 : 197 ، مثير الأحزان : 99 ، مقاتل الطالبيين : 180 و 202 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 62 ، مجمع الزوائد 9 : 272 ، مصباح الأنوار : 61 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 172 ، مَن لا يحضره الفقيه 4 : 28 ( المشيخة ) ، نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار ( ص ) : 204 .
3 ـ انظر : رياحين الشريعة 3 : 359 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام دخيل : 11 .
وما عسى الباحث ، أو الكاتب أن يكتب عن حياة هذه العلويّة المخدّرة ، التي قضَت عمرها الشريف المبارك في العلم والجهاد ، ونحن إذ نترجم حياتها إنّما نمرّ على بعض الجوانب التي اطلّعنا عليها ، ونكتب عنها بإيجاز خوفاً من الإطالة :
عبادتها :
لقد عُرف أهل البيت سلام الله عليهم بكثرة العبادة ، وإنّما أخذوا ذلك من جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث كان يصلّي الليل ويصوم النهار حتى أنزل الله سبحانه وتعالى فيه : ﴿ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ (1) ، وكذلك كان الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، يصلّون في اليوم ألف ركعة .
وفاطمة الكبرى شأنها شأن آبائها الصالحين كانت عابدة زاهدة ، تصلّي الليل تصوم النهار ، وكانت تسبّح بخيط معقود فيها ، وممّا يدل على ذلك :
( 1 ) قال الإمام الحسين عليه السلام فيها : « أمّا في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار » (2) .
( 2 ) وقال الشيخ المفيد في الإرشاد : كانت فاطمة بنت الحسين عليه السلام تقوم الليل وتصوم النهار (3) .
( 3 ) وفي بعض المصادر : أنّها كانت تسبّح بخيوط معقود فيها (4) .
( 4 ) وقد ضربت على قبر زوجها فسطاطاً ، كانت تصوم النهار وتقوم الليل ، إلى سنة (5) .
1 ـ طه : 2 .
2 ـ الأغاني 18 : 204 ، مقاتل الطالبيين : 180 ، عمدة الطالب : 84 ، الفصول المهمّة : 154 ، كشف الغمة 1 : 172 ، إسعاف الراغبين : 210 ، الدر المنثور : 361 ، أدب الطف 1 : 164 .
3 ـ الإرشاد : 197 .
4 ـ الطبقات الكبرى 8 : 474 ، السمط الثمين : 168 .
5 ـ نفثة المصدور : 39 .
استيداعها الوصية :
وممّا يدل على مكانة فاطمة عند الإمام الحسين عليه السلام ، ورجاحة عقلها ، ومعرفتها التّامة بنصوص الإمامة ، هو إيداع الحسين عليه السلام وصيّته عندها يوم عاشوراء .
روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين وأحمد ابن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إن الحسين بن علي عليهما السلام لمّا حضره الذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع إليها كتاباً ووصيّة ظاهرة ، وكان علي بن الحسين عليه السلام مبطوناً معهم لا يرون إلاّ أنّه لمّا به ، فدفعت فاطمة الكبرى الكتاب إلى علي بن الحسين عليه السلام ، ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد » .
قال : قلتُ : ما في الكتاب جعلني الله فداك ؟
قال : « فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلقَ الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، والله فيه الحدود ، حتى فيه أرش الخدش » (1) .
وروى أيضاً في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :
« لمّا حضر الحسين عليه السلام ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج ، فلمّا أن كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان دفعت ذلك إلى علي ابن الحسين عليه السلام » .
قلت : له : فما فيه يرحمك الله ؟
1 لكافي 1 : 303 ـ 304 حديث 1 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4 : 172 .
فقال : « ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى » (1) .
مع واقعة الطف :
خرجت فاطمة الكبرى مع أبيها الحسين عليه السلام ، وزوجها الحسن المثنى إلى الكوفة ، بعد أن قدمت رُسل أهلها أن أقدم يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد أينعت الثمار ووو . . . وشاهدت سلام الله عليها كلّ ما جرى على أهل بيت العصمة عليهم السلام من قتل وسبي ، وكانت ضمن السبايا اللواتي ساقهن ابن سعد إلى الكوفة .
وفي الكوفة عاصمة أهل البيت عليهم السلام ، اُدخلت السبايا ، بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونساء الحسين وجواريه وعيالات الأصحاب ، وإذا بأهل الكوفة يتفرّجون على الحرائر ، على ودائع خير الأنبياء ، وكأن لم يحصل شيء ، لم يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعندها صاحت اُم كلثوم :
يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبيّ .
وبينما الناس ينظرون إليهم ويسألون عنهم ، أومأت ابنة أمير المؤمنين عليه السلام وبطلة كربلاء زينت العقيلة إلى ذلك الجمع المتراكم ، فهدأوا كأنّ على رؤوسهم الطير ، وخطبت خطبتها المشهورة المعروفة .
ثم كان لفاطمة دورها ، فبعد أن انتهت عمتها زينب عليهما السلام من خطبتها ، وقفت فاطمة بقلب كلّه عزم وإيمان وثبات ويقين ، وضمير صالح صادق ، تخطب بأهل الكوفة ، وتكشف فضائح الأمويين ، وسنذكر خطبتها كاملة قريباً .
وبعد أن مكثت العائلة في الكوفـة عدّة أيام جاء الأمر من يزيد إلى ابن زياد أن يسرّح عائلة الحسين عليه السلام إلى الشام ، وفعلاً فقد دخلت العائلة إلى الشام ، وإذا بأهل الشام يُعيّد بعضهم الآخر بالإنتصار!!! ورأى الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ الجو مناسب لأن يتحدّث ،
1 ـ الكافي 1 : 304 حديث 2 .
وفعلاً صعد المنبر وألقى خطبته المعروفة التي قاطعها يزيد عدّة مرّات .
ثم تكلّمت العقيلة زينب سلام الله عليها ، ففضحت بني اُميّة وعرّفت الناس حقيقتهم المزيّفة .
وفي هذا المجلس جرت لفاطمة سلام الله عليها قصة يرويها لنا الشيخ المفيد ، قال :
قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام : ولما جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية . وكنتُ جارية وضيئة ، فأرعدتُ وظننتُ أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت عمتي للشامي : كذبتَ والله ولؤمت ، والله ما ذاك لكَ ولا له .
فغضب يزيد فقال : كذبتِ والله ، إنّ ذلك لي ، ولو شئتُ أن أفعل لفعلت .
قالت زينب : كلا والله ما جعل الله ذلك لكَ ، إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغيرها .
فاستطار يزيد غضباً وقال : إياي تستقبلين بهذا ، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك .
قالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنتَ وجدَكَ وأبوكَ إن كنتَ مسلماً .
قال يزيد : كذبتِ يا عدوة الله .
قالت زينب : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك .
فكأنّه استحى وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً (1) .
وفي رواية اُخرى : أنّ رجلاً من أهل الشام نظر إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية .
فقالت فاطمة لعمّتها : اُوتمتُ واُستخدم ؟
فقالت زينب سلام الله عليها : لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق .
فقال الشامي : مَن هذه الجارية ؟
1 ـ الإرشاد : 246 . وانظر : الكامل في التأريخ 4 : 86 ، تأريخ الطبري 6 : 265 ، سير أعلام النبلاء 3 : 204 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 62 .
فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب .
فقال الشامي : الحسين بن فاطمة ، وعلي بن أبي طالب ؟ !
فقال يزيد : نعم .
فقال الشامي : لعنكَ الله يا يزيد ، أتقتل عترة نبيكَ ، وتسبي ذريته ؟ ! والله ما توهمت إلاّ أنّهم سبي الروم .
فقال يزيد : والله لألحقنّك بهم ، ثمّ أمر به فضرب عنقه (1) .
نعم ، هكذا كانت مواقف بنات أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل الحسين عليه السلام ، يصدعن بالحقّ والعدالة جهاراً في غير جمجمة ولا إدهان ، لا يثنيهنّ عن قول الحقّ رهبة يزيد وأذنابه المارقين ، ولا تصدّهم عن البيان مخافة السيوف والسجون والرماح والنبال ، فقد اندفعوا وراء الحق والقرآن ، يجاهدون دونهما بسماحة نفس وطيب خاطر ، وقد تجلّت شجاعة بنت الحسين عليه السلام في تلك الفترة الحرجة من بعد مقتل والدها ، حيث وقفت ذلك الموقف البطولي دون أن تعبأ بما سيصيبها من شرّ ، ما دامت تعتقد أنّها تدافع الحقّ عن وتذود عنه (2) .
خطبتها بالكوفة :
مرّ سابقاً أنّ فاطمة بنت الحسين عليه السلام وقفت في الكوفة في مجلس ابن زياد وألقت خطبتها المشهورة المعروفة ، نعم افتتحت خطبتها بحمد الله ، ثم الإقرار بالشهادتين ، ثم تعرّضت إلى بعض المسائل العرفانية ، ثم تطرّقت إلى استشهاد أبي ها الحسين عليه السلام وأخوتها باُسلوب حكيم وبعبارة رزينة ، صوّرت فيها ألوان القتل المرير ، وترجمت بها أشجان القلوب الكسيرة ، وترفّعت في الوقت نفسه عن ذكر قَتَلَتِهِ عليه السلام ، فلم تذكّرهم ولم تتطرّق إلى أسمائهم؛ لأنّهم ليسوا من الّذين يستحقون الذكر والبيان ، ولم تشتمهم ولم تسبّهم ولم تلعنهم؛ لأنّها علمت أنّ ليست لصاحبة الرسالة أن تشتم ، إنّما وظيفتها وواجبها أن تنبّه الأذهان وتمتلك القلوب ببيانها
1 ـ اللهوف : 180 .
2 ـ فاطمة بنت الحسين عليه السلام : 53 .
واُسلوبها ، لينفذ في أعماق القلوب ويأخذ مأخذه الراسخ .
نعم ، وقفت فاطمة بنت الحسين عليه السلام بقلب كلّه إيمان وثبات ، ونفس كلّها إطمئنان وسكون ، وقالت :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، وأحمده وأومن به ، وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا تراث .
اللَّهمَّ إنّي أعوذ بكَ أن أفتري عليك ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود والوصيّة لعلي بن أبي طالب المغلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب في بيت من بيوت الله تعالى وبها معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيماً في حياته ، ولا عند مماته ، حتى قبضه الله تعالى إليه محمود النقيبة ، طيّب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيكَ لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديتَه اللَّهمَّ للإسلام صغيراً ، وحمدتَ مناقبه كبيراً ، ولم يزل ناصحاً لكَ ولرسولكَ ، زاهداً في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً لكَ في سبيلكَ ، رضيتهُ فاخترتهُ ، وهديتهُ إلى صراط مستقيم .
أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، إنّا أهل بيت إبتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عَيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على كثير ممّن خلق الله تفضيلاً .
فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً ، كأنّنا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمانا أهل البيت ،
لحقد متقدّم ، قرّت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ، ومكراً مكرتم والله خير الماكرين .
فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة ، في كتاب مِن قبل أن نبرأها ، إنّ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كلّ مختال فخور .
تباً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأنْ قد حلّ بكم وتواترت من السماء نفحات فيُسحتكُم بعذاب ، ويذيق بعضهم بأس بعض ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين .
ويلكم ، أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم ؟ ! وأية نفس نزعت إلى قتالنا ؟ ! أم بأي رجل مشيتم إلينا ؟ ! تبغون محاربتنا ؟ قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع الله على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، سوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون .
تباً لكم يا أهل الكوفة ، أي تراث لرسول الله قِبلكم ، وذحول له لديكم ، ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي ، وبنيه عترة النبيّ الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخركم :
بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب ، افتخرتَ بقتل قوم زكّاهم وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس ، فأكضم واقع كما أقعى أبوك ، فإنّما لكلّ اُمرىَ ما اكتسب وما قدّمت يداه ، حسدّتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا الله تعالى :
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ومَن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
عندئذٍ ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبكِ يا ابنة الطاهرين فقد أحرقت قلوبنا ، وانضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبي ها وجدها السّلام (1) .
روايتها للحديث :
تُعدّ فاطمة الكبرى بنت الإمام الحسين عليه السلام راوية من راويات الحديث ، ومحدّثة من محدّثات عصرها ، روت عن جماعة من الثقات ، وروى عنها أيضاً أعيان المسلمين .
قال ابن حجر العسقلاني : فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشميّة المدنيّة ، روت عن أبيها ، وأخيها زين العابدين ، وعمّتها زينب بنت علي ، وجدّتها فاطمة الزهراء ، وبلال المؤذن ، وابن عباس ، وأسماء بنت عميس .
وروى عنها أولادها : عبدالله ، وابراهيم ، وحسين ، و اُم جعفر بنو الحسن بن الحسن بن علي ، ومحمّد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان . وروى أبو المقدام بن زياد عن أبيه وقيل عن اُمّه عنها ، وروى زهير بن معاوية عن شيخ يقال هو مصعب بن محمّد عنها ، وغيرهم . ذكرها ابن حبّان في الثقات ، وماتت وقد قاربت التسعين ، ووقع ذكرها في صحيح البخاري في الجنائز ، قال : لمّا مات الحسن بن الحسن ضربت اُمرأته القبة (2) .
وقد جمع الشيخ محمّد هادي الأميني بعض أحاديثها نذكرها تتميماً للفائدة :
(1) عن عبدالله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة عليها السلام قالت :
« كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد قال : بسم الله ، والحمد لله ، وصلّى الله على رسوله ، اللّهم اغفر لي ذنوبي ، وسهّل لي أبواب رحمتك . وإذا
1 ـ الإحتجاج 2 : 27 ، مقتل الحسين عليه السلام : 376 ، اللهوف : 149 .
2 ـ تهذيب التهذيب 12 : 422 ، تقريب التهذيب 2 : 609 .
خرج قال مثل ذلك ، إلاّ أنّه يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وسهّل لي أبواب رحمتك وفضلك » (1) .
(2) عبدالله بن الحسن ، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يلومن إلاّ نفسه من بات وفي يده غمر » (2) .
(3) عبدالله بن الحسن ، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن اُمّه فاطمة الكبرى عليها السلام ، قالت :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما التقى جندان ظالمان إلاّ تخلّى الله عنهما ، ولم يبالِ أيّهما غلب ، وما التقى جندان ظالمان إلاّ كانت الدبرة على أعتاهما » (3) .
(4) عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال :
« حدّثني أبي ، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، قالت : سمعتُ أبي يقول : يُقتل منكِ أو يُصاب منكِ نفرٌ بشطّ الفرات ، ما سبقهم الأوّلون ، ولا يُدركهم الآخرون » (4) .
(5) قال عبدالله بن الحسن : قالت اُمي فاطمة بنت الحسين عليه السلام :
رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال لي : « يا بنيّة لا تخسري ميزانك ، وأقيمي وزنه ، وثقّليه بقراءة آية الكرسي ، فما قرأها من أهلي أحد إلاّ ارتجّت السماوات والأرض بملائكتها ، وقدّسوا بزجل التسبيح والتهليل والتقديس والتمجيد ، ثم دعوا بأجمعهم لقارئها يغفر له كلّ ذنب ويجاوز عنه
1 ـ كشف الغمة 1 : 165 .
2 ـ كشف الغمة 1 : 165 ، والغمر : السهك .
3 ـ كشف الغمة 1 : 173 .
4 ـ الإقبال : 427 ، تنقيح المقال 2 : 177 .
كلّ خطيئة » (1) .
(6) فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن اُمّه فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قالت :
« خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة فقال : إنّ الله عزّ وجلَّ باهى بكم وغفر لكم عامة ولعليّ خاصة ، وإنّي رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي ، إنّ السعيد كلّ السعيد مَن أحبّ علياً في حياته وبعد موته » (2) .
(7) فاطمة بنت الحسين ، عن أبي ها ، عن أخيه الحسن ، قال :
« رأيتُ اُمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ، وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا اُماه لم لا تدعينَ لنفسكِ كما تدعينَ لغيركِ ؟ قالت : يا بني الجار ثم الدار » (3) .
(8) عبدالله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنت الحسين ، قالت :
لمّا اشتدت بفاطمة عليها السلام الوجع واشتدت علّتها ، اجتمعت عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها : يا بنت رسول الله كيف أصبحتِ من علتك ؟
قالت : « أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجنتهم ، وسئتهم بعد أن سبرتهم فقبحاً لفلول الحدّ ، واللعب بعد الجدّ ، وقرع الصفات ، وصدع القناة ، وختل الرأي ، و ﴿ لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ﴾ (4) .
لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها وحمّلتهم أوقتها وشقت عليهم غاراتها ، فجذعاً
1 ـ سفينة البحار 2 : 477 ، أسنى المطالب : 95 .
2 ـ كشف الغمة 1 : 135 ، الرياض النضرة 2 : 177 ، مجمع الزوائد 9 : 132 وفيه رواه الطبراني .
3 ـ كشف الغمة 1 : 141 .
4 ـ المائدة : 80 .
وعقراً وبعداً للقوم الظالمين .
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوّة والدلالة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبن بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين .
وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟ ! نقموا والله نكير سيفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلَّ ، وتا الله لو تكافأوا على زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتلقه ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه ، ولا يقتع راكبه ، ولا وردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطاناً قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون .
ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ، إلى أي سناد استندوا وبأي عروة تمسّكوا ، ﴿ لبئس المولى ولبئس العشير ﴾ (1) و ﴿ بئس للظالمين بدلاً ﴾ (2) .
أستبدلوا والله الذنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ، ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) (3) ، ويحهم ﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتّبع أمّن لا يهدِّي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون ﴾ (4) ، أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً أو ذعافاً ممقراً هناك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب
1 ـ الحج : 13 .
2 ـ الكهف : 50 .
3 ـ البقرة : 12 .
4 ـ يونس : 35 .
ما أسس الأولون ، ثم ثيبوا عن أنفسكم أنفساً واطمأنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل ، واسبتداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً ، فيا حسرة لكم وأنى لكم وقد عميت عليكم ﴿ أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴾ (1) ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمّد خاتم النبيين وسيد المرسلين » (2) .
( 9 ) عن محمّد بن علي ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها وعمّها الحسن بن علي عليهما السلام :
« أخبرنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما اُدخلتُ الجنّة رأيتُ الشجرة تحمل الحليّ والحُلل ، أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت : يا جبرئيل لمن هذه الشجرة ؟
قال : شجرة طوبى ، هذه لابن عمّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنّة يؤتى بشيعة عليّ حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون الحليّ والحُلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي منادٍ : هؤلاء شيعة عليّ صبروا في الدنيا فحيوا هذا اليوم » (3) .
( 10 ) عن فاطمة بنت الحسين ، عن اُم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنها ، قالت :
« أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام » (4) .
(11) عن الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبدالله بن إسحاق البغوي ، أخبرنا ابن أبي العوام ،
1 ـ هود : 28 .
2 ـ كشف الغمة 1 : 147 ، معاني الأخبار : 354 .
3 ـ بحار الأنوار 8 : 139 .
4 ـ أسنى المطالب : 45 .
حدّثنا أبي ، حدّثنا جرير بن عبدالحميد ، عن شيبة بن نعامة ، عن فاطمة بنت الحسن ، عن فاطمة ، قالت :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم ، إلاّ ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم » (1) .
(12) حدّثنا عبدالله بن عمران ، حدّثنا أبوداود ، حدّثنا هشام بن أبي الوليد ، عن اُمّه ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبي ها الحسين بن علي ، قال :
« لمّا توفّي القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت خديجة : يا رسول الله درّت لبنية القاسم ، فلو كان الله أبقاه حتى يستكمل رضاعه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ إتمام رضاعه في الجنّة .
قالت : لو أعلم ذلك يا رسول الله لهون عليّ أمره .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن شئتِ دعوتُ الله تعالى فأسمعك صوته .
قالت : يا رسول الله بل أصدّق الله ورسوله » (2) .
زواجها :
من المعروف والمتسالم عليه أنّ الحسن المثنى بن الحسن السبط خطب من عمّه إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة ، فاختار له عمّه فاطمة قائلاً له : « إنّها أشبه الناس ب اُمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين » (3) .
وفعلاً فقد تزوّجت فاطمة من ابن عمها الحسن المثنى ابن الحسن السبط عليه السلام ، وكان سيّداً
1 ـ تأريخ بغداد 11 : 285 ، مستدرك الصحيحين 3 : 164 ، كنز العمال 6 : 22 ، مجمع الزوائد 9 : 272 .
2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 484 رقم 1512 .
3 ـ الأغاني 18 : 204 ، مقاتل الطالبيين : 180 ، عمدة الطالب : 84 ، الفصول المهمّة : 154 ، كشف الغمة 1 : 172 ، إسعاف الراغبين : 210 ، الدر المنثور : 361 ، أدب الطف 1 : 164 .
جليلاً رئيساً مطاعاً ورعاً فاضلاً ، وهو وصيّ أبيه ، ووالي صدقات جدّه أمير المؤمنين عليه السلام .
وعاشت إلى جنبه حياةً ملؤها الحبّ والإيمان ، وقد كوّنا الاُسرة المثالثة التي تبني تعاملها على الاُسس الإسلاميّة الرفيعة ، كيف لا وهما أبناء الحسن والحسين ، ونجلا علي وفاطمة عليهم السلام .
نعم ، عاشت فاطمة في بيت زوجها الحسن المثنى سنينَ طويلة ، وقامت بشؤون البيت واداراته بصورة تضمن لهما السعادة الزوجية والحياة المنزليّة ، وقد كانت مثالاً حيّاً فيما ينبغي أن تتخذه الزوجة أساساً لحياتها المنزلية الفاضلة . وولدت فاطمة ثلاثة أولاد ، هم : عبدالله المحض ، الحسن المثلث ، ابراهيم الغمر .
وقد ربّت فاطمة أولادها تربية علويّة صالحة ، حتى عُرفوا في التأريخ بالعلم الغزير ، والأدب الجم ، والخبرة الصائبة ، والمعرفة السديدة ، والعقيدة الراسخة ، والشجاعة والثبات والإقدام ، وقطعوا في حياتهم أشواطاً في سبيل الجهاد والكفاح ، وسيف العباسيين مصلت فوق رؤوسهم ، وسياطهم تلهب ظهورهم ، وأبواب السجن مفتّحة في وجوه كلّ بني الحسن وعوائلهم ، وهم في كلّ هذه المحن كانوا أصلب عوداً ، وأقوى شكيمة ، وأشدّ مراساً ، وأقوى ايماناً ، وأكثر صبراً .
وعاشت فاطمة بجنب الحسن المثنى إلى أن دسّ إليه الوليد بن عبدالملك مَن سقاه سماً ، فمات وعمره خمس وثلاثون سنة ، ورأى في منامه قبل وفاته بقليل كأن بين عينيه مكتوب : قل هو الله أحد ، فاستبشر بذلك أهله وفرحوا ، فقال سعيد بن المسيب : إن كان رآها قلّما بقي ، فما أتى عليه إلاّ قليل حتى مات .
وقد صُدمت فاطمة بوفاة زوجها صدمة عنيفة ، وطعن قلبها بطعنة قاتلة ، وتأثّرت بها ، وقد ملأ الحزن قلبها ، فانتقلت إلى موضع قبر زوجها وضربت فسطاطاً عليه ، وكانت تقوم الليل وهي باكية إلى سنة ، ولمّا كانت رأس السنة قالت لمواليها : إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط ، فلمّا أظلم الليل وقوضوه سمعتْ قائلاً يقول : هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا .
وبقيتْ فاطمة بعد وفاة زوجها الحسن المثنى مدّة من الزمن إلى أن خطبها عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وهذا معروف ومتسالم عليه . فتزوّجها عبدالله وأنجبت له محمّداً ، والقاسم ، ورقيّة . وكان سخياً كريماً شجاعاً شريفاً جواداً ، روى عن أبيه ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعبدالرحمان بن أبي عمرة ، والحسين بن علي ، ورافع بن خديج ، وغيرهم .
وروى أبوالفرج الأصفهاني في تزويج فاطمة من عبدالله قصةً فيها ما فيها من الدسّ والتحريف الواضح ، والخبث واللؤم والعداوة لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
وهذا هو ديدن النواصب إن لم يقدروا أن ينالوا من شخصيّة معيّنة فيعمدوا إلى النيل مِمَن يتعلّق به ، فنراهم يقولون : إنّ أباطالب مات كافراً ، وإنّ الحسن سلام الله عليه تزوّج بأكثر من ثلاثمائة زوجة ، وإنّ عبدالله بن جعفر زوج زينب عليهما السلام كان يسمع الغناء ويشرب الخمر ، وقالوا في سكينة بنت الحسين عليه السلام ما يترفّع القلم عن ذكره ، وها هم يقولون في زواج فاطمة ما لا يقبله عاقل ، ونحن نذكر كلام أبي الفرج الأصفهاني ثم نُعلّق عليه :
قال : لمّا حضرت الحسن بن الحسن الوفاة جزعَ وجعل يقول : إنّي لأجد كرباً ليس من كرب الموت .
فقال له بعضهم : ما هذا الجزع ، تقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جدّك ، وعلى علي والحسن والحسين وهم آباؤك .
فقال : ما لذلك أجزع ، ولكنّي كأنّي بعبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان حين أموت قد جاء في مضرّجتين أو ممصّرتين وقد رجل جهته يقول : انا من بني عبدمناف جئت لأشهد ابن عمي ، وما به إلاّ أن يخطب فاطمة بنت الحسين ، فإذا متُ فلا يدخلنّ عليّ .
قال : فصاحت به فاطمة : أتسمع ؟
قال : نعم .
قالت : اعتقتُ كلّ مملوك لي ، وتصدّقتُ بكلّ مملوك لي إن أنا تزوّجت بعدك أحداً .
قال : فسكت الحسن ، وما تنفّس وما تحرّك حتى قضى رضوان الله عليه .
فلمّا ارتفع الصياح أقبل عبدالله على الصفة التي ذكرها الحسن ، فقال بعض القوم : ندخله ،
وقال بعضهم : لا ندخله ، وقال قوم : وما يضرّ من دخوله .
فدخل وفاطمة رضوان الله عليها تصكّ وجهها ، وتلطم ، فأرسل إليها وصيفاً كان معه ، فجاء فتخطّى الناس حتى دنا منها فقال لها : يقول لكِ مولاي : أبقي على وجهك ، فإنّ لنا فيه إرباً ، وفي عبارة : إنّ لنا في وجهك حاجة فأرفقي به ، فعرف فيها الإسترخاء وخمّرت وجهها .
قال : فأرسلت يدها في كمّها ، وعُرف ذلك فيها ، فما لطمت حتى دفن ، فلمّا انقضت عدّتها خطبها ، فقالت : كيف بنذري ويميني .
فقال : نخلف عليكِ بكلّ عبد عبدين ، وبكلّ شيء شيئين ، ففعل فتزوّجته .
وقيل : إنّ فاطمة بنت الحسين لما خطبها عبدالله أبت أن تتزوّجه ، فحلفت اُمّها عليها أن تتزوّجه ، وقامت في الشمس وآلت ألا تبرح حتى تتزوّجه ، فكرهت فاطمة أن تخرج فتزوّجته (1) .
وقد اُجيب عن هذة الاُكذوبة بعدة أجوبة؛ منها ما قاله الشيخ محمد هادي الأميني .
( 1 ) وجود الزبير بن بكار بن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير بن العوام في سند الحديث ، وهو مَن يتهمّ فيه ولا يُكتب عنه ، قال ابن أبي حاتم : كتبَ عنه أبي بمكة ورأيته ولم أكتب عنه (2) . وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث (3) .
( 2 ) إقامتها على قبر زوجها الحسن بن الحسن عليه السلام مدّة سنة كاملة ، تقوم الليل وتصوم النهار (4) ، كما صرّح بذلك البخاري فقال : ولمّا مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبّة على قبره سنة (5) .
( 3 ) ما رواه أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين مخالف لما رواه في الأغاني ، وكأنّ
1 ـ مقاتل الطالبيين : 202 .
2 ـ الجرح والتعديل 2 : 585 .
3 ـ تهذيب التهذيب 3 : 312 .
4 ـ تهذيب التهذيب 12 : 442 ، الفصول المهمّة : 155 ، الدر المنثور : 161 .
5 ـ صحيح البخاري 1 : 230 .
الموضوع هذا لم يثبت عنده ، فقد قال في الأغاني ما نصّه ـ بعد ذكره خبر تزويج فاطمة من عبدالله ـ : وقد قيل في تزويجه إيّاها غير هذا . ويَعرف من هذا أنّ أباالفرج أيضاً غير معترف بالرواية الاُولى ، وإلاّ لما قال قوله الأخير في الأغاني (1) .
وقال علي دخيّل :
( 1 ) إنّ ما ذكره أبوالفرج الأموي لا يمكن أن تقوم به أي امرأة من سائر المسلمين ، فضلاً عن عقائل الوحي ، وبنات الرسالة ، ومخدّرات أمير المؤمنين عليه السلام .
أنا لا أدري كيف يدخل رجال أجانب على نساء يلطمن فقيدهن ساعة موته ؟ ! ثم لم يكتفوا بالنظر إليهنّ حتى يراسلوا المعتدّة منهن!!! أنا أستبعد أن يحدث هذا في مجاهل سيبيريا ، وعند همج أفريقيا ، فضلاً عن آل الله .
( 2 ) تبودلت الرسائل بين محمّد بن عبدالله بن الحسن والمنصور العباسي ، وما ترك أحدهما للآخر شيئاً ينتقص به إلاّ وذكره . ولو صحّ هذا الزواج لذكره المنصور خافضاً به لمحمّد و أبيه ، فقد ذكر ما هو دون هذا بكثير .
( 3 ) لم يذكرها كبار محدّثي الشيعة ورجال التأريخ منهم ، مع ما تميّزوا به من الإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة لأحد ، فهذا الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، وابن شهر آشوب ، والطبرسي ، وغيرهم من أعلام الطائفة لم يذكروها .
( 4 ) قال العلاّمة المحقق الشيخ عباس القمي رحمه الله : فظهر ممّا ذكرنا كذب ما نقله أبوالفرج الأصفهاني المرواني عن الزبير بن بكار الزبيري ـالمعروف بعداوته وعداوة آبائه للعلويين وأولاد الأئمة الطاهرين في مقاتل الطالبيين ـ انّه بعد انقضاء عدّتها تزوّجها عبدالله بالتفصيل الذي لا يرضى مسلم غيور بنقله فضلاً عمّن كان من أهل الإيمان ، ولا غرو منه في نقل ذلك وأمثاله ، فإنّه عُرفت فيه عروق اُميّة ومروان .
والعجب أنّه روى بعد ذلك عن أحمد بن سعيد في أمر تزويجه إيّاها ما يكذّب هذه الرواية
1 ـ فاطمة بنت الحسين عليه السلام : 130 .
الموضوعة أيضاً ، فإنّه روى مُسنداً عن اسماعيل بن يعقوب : أنّ فاطمة بنت الحسين عليه السلام لمّا خطبها عبدالله أبت أن تتزوّجه ، فحلفت اُمّها عليها أن تتزوّجه ، وقامت في الشمس ، وآلت أن لا تبرح حتى تزوّجه ، فكرهت فاطمة أن تخرج ، فتزوّجته (1) .
ولم يكتفوا بذلك ، بل نقلوا اُكذوبة اُخرى حول خطبة عبدالرحمان بن الضحّاك الفهري لفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، قال كحالة في أعلام النساء : لمّا مات عنها عبدالله بن عمرو بن عثمان ابن عفان خطبها عبدالرحمن بن الضحّاك الفهري ، وهو عامل على المدينة ، فقالت : والله ما اُريد النكاح ، ولقد قعدتُ على بنيّ هؤلاء ، وجعلت تناجزه وتكره أن تنابذه ، لما تخاف منه .
فألح عليها ، وقال : والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر ، يعني عبدالله بن الحسن ، فبينما هو كذلك وعلى ديوان المدينة ابن هرمز من أهل الشام ، فكتبَ إلية يزيد بن عبدالملك أن يرفع حسابه ويدفع الديوان ، فدخلَ على فاطمة يودّعها ، فقال : هل من حاجة ؟ .
فقالت : تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحّاك ، وما يتعرّض مني ، وبعثت رسولاً بكتاب إلى يزيد تخبره ، وتذكر قرابتها ورحمها ، وتذكر ما ينال ابن الضحاك منها وما يتوعدّها به .
فقدم ابن هرمز والرسول معاً ، فدخلَ ابن هرمز على يزيد ، فاستخبره عن المدينة ، وقال : هل كان من مغربة خبر ؟ فلم يذكر ابن هرمز شأن ابنة الحسين ، فقال الحاجب : أصلح الله الأمير بالباب رسول فاطمة بنت الحسين .
فقال ابن هرمز : أصلح الله الأمير إنّ فاطمة بنت الحسين يوم خرجتُ حمّلتني رسالة إليكَ ، وأخبره الخبر . فنزل يزيد من على فراشه وقال : لا اُم ّ لك ، أسألك هل من مغربة خبر ، وهذا عندك لا تخبرنيه ، فاعتذر بالنسيان ، ثم أذن للرسول فأدخله ، فأخذ الكتاب فقرأه ، وجعلَ يضرب في خيزران في يديه وهو يقول : لقد اجترأ ابن الضحّاك ، هل مِن رجلٍ يسمعني صوته
1 ـ نفثة المصدور : 39 ، فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام : 42 .
في العذاب وأنا على فراشي ؟
قيل له : عبدالواحد بن عبدالله بن بشر النضري .
فدعا يزيد بقرطاس فكتب بيده ، إلى عبدالواحد النضري وهو بالطائف : سلام عليك ، أمّا بعد : فقد ولّيتك المدينة ، فإذا جاءك كتابي هذا فاهبط ، واعزل ابن الضحّاك ، وأغرمه أربعين ألف دينار ، وعذّبه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي .
وأخذ البريد الكتاب وقدم المدينة ، ولم يدخل على ابن الضحّاك ، فأرسل إلى البريد فكشف له عن طرف الفراش فإذا ألف دينار ، فقال : هذه ألف دينار لك ، ولكَ العهد والميثاق لئن أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك ، فأخبره ، فاستنظر البريد ثلاثاً حتى يسير ، ففعلَ ، ثم خرج ابن الضحّاك حتى نزل على مسلمة بن عبدالملك فقال : أنا في جوارك .
فغدا مسلمة على يزيد فرقّقه ، وذكر حاجته ، فقال يزيد : كلّ حاجة تكلّمت فيها فهي في يديك ما لم يكن ابن الضحّاك .
فقال : هو والله ابن الضحّاك .
فقال : والله لا أعفيه أبداً وقد فعل ما فعل .
فأغرم النضري ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وعذّبه ، وطاف به في جبة من صوف (1) .
قال علي دخيّل معلّقاً على هذا : أنا لا أدري كيف يقدم ابن الضحّاك على خطبة فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وهو عامل لبني اُميّة على المدينة مركز بني هاشم ؟ ! إنّ أقل إدراك سياسي لحاكم في عهد الاُمويين يصدّه عن ذلك .
والأغرب من ذلك غيرة يزيد على فاطمة ، وغضبه على ابن الضحّاك ، حتى لم يقبل فيه شفاعة أخيه مسلمة بن عبدالملك . إنّ هذا الخيال قريب من قصص ألف ليلة وليلة ، نسجتهُ الأيدي الأثيمة بغضاً لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
1 ـ أعلام النساء 4 : 44 .
وفاتها :
توفّيت فاطمة الكبرى بنت الإمام الحسين عليه السلام سنة 110هـ بمصر ، ودفنت بالدرب الأحمر ، وقيل خلف الدرب الأحمر ، في زقاق يعرف بزبقاق فاطمة النبويّة ، في مسجد جليل ، ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال . ولم يحدّثنا التأريخ عن سبب هجرتها إلى مصر مع بعض أبنائها ، وتركها لمدينة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
329 فاطمة القزوينيّة
فاطمة بنت السيد حسين ابن السيد الأمير محمّد ابراهيم ابن الأمير محمّد معصوم ابن الأمير محمّد فصيح ابن الأمير أولياء الحسيني القزويني .
ولدت في قزوين حدود سنة 1172هـ ، وتوفّيت بها حدود سنة 1260هـ ودَفنت في مقبرة العائلة الواقعة في الشمال الشرقي لروضة شاه زاده حسين ابن الإمام الرضا عليه السلام .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره وتأويله . قرأت على أبيها السيد حسين المتوفى سنة 1208هـ ، وعمّها العلاّمة المولى السيد حسن المتوفى سنة 1198هـ . ولمّا بلغت سن الرشد تزوّجت بالشيخ محمّد علي ابن الشيخ عبدالكريم القزويني ، ثم حضرت الفقه والحديث على زوجها حتى نبغت في أكثر العلوم الإسلامية معقولأ ومنقولاً .
كانت رحمها الله من فواضل نساء عصرها ، خطيبة ، متكلّمة ، ترتقي المنبر ، وتملك صوتاً جهورياً ومقدرة على الخطابة والوعظ . وكانت تخطب وتدرّس ، ويفد النساء إلى مجلسها لسماع دروسها وخطاباتها ومحاضراتها ، وهي كثيرة الزهد ، عظيمة الورع .
ذكرها الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة (1) ، وحكى عن
1 ـ حكاه عنه السيّد حسن الأمين في مستدركات أعيان الشيعة 3 : 159 .
والده أنّه ذكرها في الجزء الثاني من كتابه الغرر والدرر .
أنجبت رحمها بنتأ عالمة فاضلة هي آمنة القزوينيّة ، التي تقدّمت ترجمتها سابقأ .
330 فاطمة الفراهاني
فاطمة بنت الميرزا حسين القائم مقام الفراهاني .
ولدت في السادس من رجب سنة 1282هـ ، وفي سنة 1300هـ تزوّجت بابن عمّها الميرزا محمود بن الميرزا أحمد .
كانت من ذوات المهارة في فنون الشعر والأدب والعربية والتأريخ ، ويقال : إنّ شعرها الفارسي بمرتبة شعر الخنساء في العربيّة .
ذكرها الشيخ ذبيح الله المحلاتي في الرياحين ، وذكر بعض أشعارها (1) .
331 فاطمة الرويدشتي
فاطمة بنت حميدة بنت المولى محمّد شريف بن شمس الدين الرويدشتي الأصفهاني .
عالمة ، فاضله ، عابدة ، ورعة . كانت تُرشد نساء عصرها ، وتعلّمهن الأحكام الشرعيّة .
ذكرها معاصرها المولى الأصفهاني في رياض العلماء قائلأ : في الأغلب تكون في بيت سلسلة الوزير المرحوم خليفة سلطان بأصفهان ، والآن هي موجودة في الحياة ، وقد زوّجوها من رجل قروي أسوأ من بدوي ، وكان في الفهاهة (2) كالباقل (3) ، وفي الحماقة كزوج والدتها وهو غير عاقل .
وإنمانُسبت إلى اُمها ولم تُنسب الى أبيها ؛ لأنّه كان جاهلأ غير معروف ، و اُمّها عالمة
1 ـ رياحين الشريعة 5 : 3 .
2 ـ الفَهَّةُ ، العيُّ . الصحاح 6 : 2245 ( فهه ) .
3 ـ باقل : اسم رجل من العرب ، وكان اشترى ظبيّأ بأحد عشر درهمأ فقيل له : بكم اشتريته ؟ ففتح كفّيّه وفرّق أصابعه وأخرج لسانه يشير بذلك إلى أحد عشر
فاضلة ، وقد مرَّ ذكر اُمها في حرف الحاء ، وهي عالمة فاضلة عارفة ، معلّمة لنساء عصرها ، بصيرة بعلم الرجال والفقه ، نقيّة الكلام ، تقيّة مِن بين الأنام ، لها حواشٍ وتدقيقات على كتب الحديث كالاستبصار للشيخ الطوسي وغيره ، ولها كتاب في علم الرجال ، ذكره الطهراني في الذريعة باسم « رجال حميدة » .
وتُنسب هذه العائلة إلى روديشت ، وهي ناحية من توابع اصفهان (1) .
332 فاطمة الحَسنيّة
فاطمة بنت عبدالله بن ابراهيم ، قيل : اسمها حبيبة . تُكنّى بـ « اُم خالد البربريّة » ، وبـ « امداود » .
زوجها الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .
وهي علوية شريفة أرضعت الإمام الصادق عليه السلام ، يُنسب إليها عمل اُم داود المشهور في يوم النصف من رجب ، حيث استجاب الله دعوتها في ولدها ، والذي حبسه أبوجعفر المنصور مع مَن حبسهم من أبناء علي عليهم السلام ، ثم تخلّص من السجن بفضل الدعاء الذي دعت به والدته ، والذي علّمها إياه الإمام الصادق عليه السلام .
قال السيّد ابن طاووس في كتابه « إقبال الأعمال » : فصل فيما نذكره من دعاء النصف من رجب الموصوف بالإجابة ، وما فيه من صفات الإنابة :
إعلم أنّ هذا الدعاء الذي نذكره في هذا الفصل دعاء عظيم الفضل ، معروف بدعاء اُم داود ، وهي جدّتنا الصالحة المعروفة باُم خالد البربريّة ، اُم جدنا داود بن الحسن بن الحسن ابن مولانا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان خليفة ذلك الوقت قد خافه على خلافته ، ثم ظهرت براءة ساحته فأطلقه من دون آل أبي طالب الذين قبض عليهم .
ثم قال : وهي اُم خالد البربريّة ، كمّل الله لها مراضيه الالهيّة ، فإنّه معلوم عند العلماء
1 ـ رياض العلماء 5 : 405 ، أعيان الشيعة 8 : 390 .
ومتواتر بين الفضلاء ، منهم أبونصر سهل بن عبدالله البخاري النّسابة ، فقال في كتاب « ستر أنساب العلويين » ما هذا لفظه : وأبوسليمان داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، اُمه اُم ولد تدعى اُم خالد البربريّة .
أقول : وكُتب الأنساب وغيرها من الطرق العليّة قد تضمّنت وصف ذلك على الوجوه المرضيّة .
وأمّا حديث أنّ جدتنا هذه اُم داود ، وهي صاحبة دعاء يوم النصف من رجب ، فهو أيضأ من الاُمور المعلومات عند العارفين بالأنساب والروايات ، ولكنّا نذكر منه كلمات عن أفضل علماء الأنساب في زمانه علي بن محمّد العمري تغمّده الله بغفرانه ، فقال في الكتاب المبسوط في الأنساب ما هذا لفظه : وداود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، اُمّه اُمّ ولد ، وكانت امرأة صالحة ، وإليها يُنسب دعاء اُم داود .
قال شيخ الشرف في كتاب « تشجير تهذيب الأنساب » أيضأ ـ ونقلته من خطّه ـ عند ذكر جدّنا داود ما هذا لفظه : لاُمّ ولد إليها يُنسب دعاء اُم داود .
وقال ابن ميمون النسّابة الواسطي في مشجرة إلى ذكر جدّتنا اُم داود : إنّها تُكنّى اُم خالد ، إليها يُعزى دعاء اُم داود .
ثم قال ـ السيّد ابن طاووس في معرض حديثه عن هذا الدعاء ـ : فمن الروايات في ذلك أنّ المنصور لمّا حبس عبدالله بن الحسن وجماعة من آل أبي طالب ، وقتل ولديه محمّد وابراهيم ، أخذ داود بن الحسن بن الحسن ـ وهو ابن داية أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ؛ لأنّ اُم داود أرضعت الصادق عليه السلام بلبن ولدها داود ـ وحمله مكبّلأ بالحديد .
قالت اُم داود : فغاب عني حينأ بالعراق ولم أسمع له خبرأ ، ولم أزل أدعو وأتضرّع إلى الله جلّ اسمه ، وأسأل اخواني من أهل الديانة والجدّ والإجتهاد أن يدعوا الله تعالى لي ، وأنا في ذلك كلّه لا أرى في دعائي الإجابة ، فدخلتُ على أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه يومأ أعوده من علّة وجدها ، فسألته عن حاله ودعوت له فقال لي : « يا اُم داود ما فعل داود » وكنتُ قد أرضعته بلبنه .
فقلت : يا سيّدي وأين داود ؟ وقد فارقني منذ مدّة طويلة ، وهو محبوس بالعراق .
فقال : وأين أنت عن دعاء الاستفتاح ، وهو الدعاء الذي تُفتح له أبواب السماء ، ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته ، وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاءً إلاّ الجنة .
فقلت له : كيف ذلك يابن الصادقين .
فقال لي : « يا اُم داود قد دنا الشهر الحرام العظيم رجب ، وهو شهر مسموع فيه الدعاء شهر الله الأصم ، فصومي الثلاثة الأيام البيض ، وهو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، واغتسلي في اليوم الخامس عشر وقت الزوال ، وصلّي عند الزوال ثمان ركعات » . وفي إحدى الروايات : « وتحسني قنوتهن وركوعهن وسجودهن ، ثم صلّي الظهر ، وتركعين بعد الظهر وتقولين . . . » .
قالت : وكتبتُ هذا الدعاء وانصرفتُ ، ودخلَ شهر رجب وفعلتُ مثل ما أمرني به ـ يعني الصادق عليه السلام ـ ، ثم رقدتُ تلك الليلة ، فلمّا كان آخر الليل رأيتُ محمّدأ صلى الله عليه وآله وسلم وكلّ من صلّيت عليهم من الملائكة والنبيين يقولون : يا اُم داود أبشري وكلّ مَن ترين اخوانك . وفي رواية اُخرى : من أعوانك واخوانك أخواتك وكلّهم يشفعون لك ، ويبشّرونك بقضاء حاجتك ، وأبشري فإنّ الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويردّه عليك .
قالت : فانتبهتُ فما لبثت إلاّ قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب المجدّ المسرع العجل ، قِدم عليّ داود ، فسألته عن حاله فقال : إنّي كنتُ محبوسأ في أضيق حبس وأثقل حديد . وفي رواية : وأثقل قيد ، إلى يوم النصف من رجب ، فلمّا كان الليل رأيتُ في منامي كأنّ الأرض قد قبضت لي ، فرأيتك على حصير صلاتك وحولك رجال رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض يُسبّحون له تعالى ، فقال لي قائل حسن الوجه نظيف الثوب طيب الرائحة خِلتُ جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبشر يابن العجوزة الصالحة ، فقد استجاب الله لاُمّك فيكَ دعاءها ، فانتبهت ورسل المنصور على الباب ، فاُدخلتُ عليه في جوف الليل ، فأمر بفك الحديد عني والإحسان إليّ ، وأمر بعشرة آلاف درهم ، وحُملتَ على نجيب ، وسقتُ بأشد السير وأسرعه حتى دخلت المدينة .
قالت اُم داود : فمضيتُ به إلى أبي جعفر ، فقال : « إنّ المنصور رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام يقول له : أطلق ولدي وإلاّ ألقيتك في النار ، ورأى كأنّ تحت قدميه النار ، فاستيقظ وقد سُقط في يديه ، فأطلقكَ يا داود » .
قالت اُم داود : فقلتُ لأبي عبدالله عليه السلام : يا سيّدي أيدعى بهذا الدعاء في غير رجب ؟
قال : « نعم ، يوم عرفة وإن وافق ذلك يوم الجمعة ، ولم يفرغ صاحبه منه حتى يغفر الله له » .
ثم قال السيّد ابن طاووس : ومن العنايات بها أنّ الله جلَّ جلاله جَعلَ جدّتنا اُم داود أهلأ أن يظهر آياته على يديها ، وينسب معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها (1) .
333 فاطمة المحض
فاطمة بنت عبدالله المحض .
نقل الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة عن العلاّمة الشهير الحاج ملاّ باقر الكجوري الطهراني قوله في ص 72 من كتاب « جنّة النعيم في أحوال الشاهزادة عبدالعظيم » : عندما تصاعدت موجة سفك دماء أبناء فاطمة عليها السلام في زمن المنصور الدوانيقي ، وكان عبدالله المحض محبوسأ من قبل المنصور ، وقفت فاطمة بنت عبدالله المحض أمام المنصور ، وكانت حينذاك صغيرة السنّ وقالت :
فعندما سمع المنصور مقالتها رقّ قلبه لكلامها ، لكنه لم يرتّب أثرأ لذلك (2) .
1 ـ انظر : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 101 و189 ، إقبال الأعمال : 658 وما بعدها ، أعيان الشيعة 3 : 476 و477 ، 8 : 388 ، رياحين الشريعة 3 : 389 .
2 ـ رياحين الشريعة 5 : 24 .
334 فاطمة العقيليّة
المعروفة بـ « بنت الهريش » ، من بني جعفر ، من ذريّة عبدالله بن مسلم بن عبدالله بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب .
شاعرة ، ونائحة معروفة ، سكنت مدينة الحلّة في العراق .
قال النسّابة الشهير السيّد جمال الدين أحمد بن علي الحسيني ، المعروف بابن عنبة في « عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب » : رآها شيخي النقيب تاج الدين أبو عبدالله محمد بن معيّة الحسيني النسابة (1) .
335 فاطمة الهاشميّة
فاطمة بنت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، اُمّها اُم ولد .
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن أخيها الإمام الحسن عليه السلام فقط (2) .
روت عن أبيها عليه السلام ، وعن أخويها الإمام الحسن عليه السلام ومحمّد بن الحنفيّة ، وعن امامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وأسماء بنت عميس .
وروى عنها أبوبصير ، والحارث بن كعب الكوفي ، والحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعم ، ورزين بيّاع الأنماط ، وعروة بن عبدالله بن قشير ، وعيسى بن عثمان ، وموسى الجهني ، ونافع بن أبي نعيم القارىَ (3) .
وقال ابن حجر العقسلاني في تهذيب التهذيب : روت عن أبيها ، وقيل : لم تسمع منه . ثم
1 ـ عمدة الطالب : 34 ، أعيان الشيعة 8 : 387 .
2 ـ رجال البرقي : 60 .
3 ـ معجم رجال الحديث 23 : 197 رقم 15659 ، تهذيب التهذيب 12 : 470 .
قال : قال موسى الجهني : دخلتُ على فاطمة بنت علي ، وهي ابنة ست وثماني سنة ، فقلت لها : أتحفظين عن أبيكِ شيئأ ؟ قالت : لا . قال ابن جرير : توفّيت سنة سبع عشرة ومائة (1) .
وأخرج لها ابن سعد في الطبقات الكبرى حديثأ حيث قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، حدّثنا الحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعم ، قال : حدّثتني فاطمة بنت علي بن أبي طالب ، قالت : قال أبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« مَن أعتق نسمة مسلمة أو مؤمنة وقى الله بكلّ عضوٍ منه عضوأ من النار » .
وقال أيضأ : أخبرنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، حدثنا زهير ، حدّثنا عروة بن عبدالله بن قشير انّه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب ، قال : فرأيت في يديها مسكأ غلاظأ في كلّ يد اثنين اثنين . قال : ورأيتُ في يدها خاتمأ ، وفي عنقها خيطأ فيه خرز ، فسألتها عنه فقالت : إنّ المرأة لا تشبّه بالرجال (2) .
وفي أعيان الشيعة نقلأ عن خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام للنسائي : أخبرنا عمر بن علي ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، حدّثنا موسى الجهني ، قال : حدّثتني أسماء بنت عميس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » .
وقال : أخبرنا أحمد بن سليمان ، حدّثنا جعفر بن عون ، عن موسى الجهني ، قال : أدركتُ فاطمة بنت علي وهي بنت ثمانين سنة ، فقلت لها : أتحفظين عن أبيك شيئأ ؟ قالت : لا ، ولكني سمعتُ أسماء بنت عميس أنها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس من بعدي نبي » .
وقال : حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، حدّثنا أبونعيم ، حدّثنا حسن وهو ابن صالح ، عن موسى الجهني عن فاطمة بنت علي ، عن أسماء بنت عميس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
1 ـ تهذيب التهذيب 12 : 470 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 465 .
« يا علي إنّك مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » (1) .
وقال عمر رضا كحالة في أعلام النساء : إنّها كانت ضمن عيال الحسين عليه السلام الذين قدموا إلى دمشق من الكوفة (2) .
وقال ابن سعد في أزواجها : تزوّجها محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب فولدت له حميدة بنت محمد .
ثم خلف عليها سعيد بن الأسود بن أبي البحتري بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، فولدت له برزة وخالدأ ابني سعيد .
ثم خلف عليها المنذر بن عُبيدة بن الزبير بن العوّام ، فولدت له عثمان وكبرة ابني المنذر (3) .
336 فاطمة بنت الإمام الرضا عليه السلام
محدّثة ، روت عن أبيها ، وروى عنها أبوالحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن ابراهيم بن زياد ابن موسى بن مالك الأشج العصري .
أخرج لها الشيخ الصدوق في كتابه « عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام » حديثين ، قال :
حدثنا محمّد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي ، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن عيينة ، قال : حدثني أبوالحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن ابراهيم بن زياد بن موسى بن مالك الأشج العصري ، قال : حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى عليه السلام ، قالت : سمعتُ أبي عليّأ يحدّث عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه وعمّه زيد ، عن أبيهما علي بن الحسين ، عن أبيه وعمّه ،
1 ـ أعيان الشيعة 8 : 390 .
2 ـ أعلام النساء 4 : 124 نقلأ عن تأريخ الطبري ، والتذهيب للذهبي ، وتأريخ ابن عساكر ، وتأريخ الإسلام للذهبي ، وجامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ، والكامل في معرفة الرجال لعبدالغني المقدسي ، والسمط الثمين للمحبّ الطبري .
3 ـ الطبقات الكبرى 8 : 465 .
عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :
« لا يحلّ لمسلمٍ أن يُروّع مُسلمأ » (1) .
وقال : وبهذا الاسناد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« مَن كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه ، ومَن حسّن خلقه بلّغه الله درجة الصائم القائم » (2) .
علمأ بأنّ هنالك من علمائنا مَن يذهب إلى أنّ الإمام الرضا عليه السلام لم يخلّف إلاّ ولدأ واحدأ وهو الامام الجواد عليه السلام ، ومنهم من يذهب إلى أنّه عليه السلام خلّف خمسة ذكور وبنتأ واحدةً (3) .
337 فاطمة الطاووسيّة
فاطمة بنت السيّد الجليل والعالم الكبير السيّد علي بن طاووس .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، صالحة ، حافظة للقرآن الكريم .
أجازها ـ مع اختها شرف الأشراف وأخويها محمّد وعلي ـ أبوها بكتاب الأمالي للشيخ الطوسي .
وقد أوقف لها والدها مصحفأ كاملأ ، حيث قال في كتابه سعد السعود : وقفتُ مصحفأ تامّأ أربعة أجزاء على ابنتي الحافظة للقرآن الكريم فاطمة سلّمها الله ، حفظته وعمرها دون التسع سنين (4) .
و اُمّها زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي ، كما ذكره والدها في كتابه كشف المحجّة لثمرة المهجة (5) .
1 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام 2 : 70 ـ 71 | 327 .
2 ـ عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام 2 : 71 | 328 .
3 ـ انظر أعيان الشيعة 2 : 390 ، رياحين الشريعة 5 : 30 .
4 ـ سعد السعود : 27 .
5 ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة : 111 .
واختها العالمة الفاضلة الجليلة شرف الأشراف ، التي مرّت ترجمتها في حرف الشين (1) .
338 فاطمة اللرستاني
فاطمة بنت السيّد علي اللرستاني ، نسبة إلى « لرستان » : منطقة تقع في غرب ايران تقريبأ .
فاضلة ، تقيّة ، مبلّغة ، خطيبة ترتقي المنبر الحسيني ، تجيد اللغتين العربية والفارسيّة .
ذهبت إلى دولة الكويت بصحبة والدها ، عندما طلبه أهلها لكي يصبح مُرشدأ لهم ، ويتولّى اُمورهم الدينيّة ، حيث أعدّوا له حسينيّة خاصة به ، فقام بأداء واجبه الديني المتمثّل باقامة الصلاة جماعة ، وتبليغ الأحكام الشرعيّة .
وكان لبنته هذه دور فعّال في نشر الأحكام الإسلاميّة ، خصوصأ ما يتعلّق منها بالنساء ، حيث كانت ترتقي المنبر ، وتتحدّث لهم بنصائح شافية ومواعظ كافية ، وبالأخص في شهري محرّم وصفر ، حيث يُعقد لها مجلس عصر كلّ يوم . وكانت النساء في الكويت يحترمنها كثيرأ ، ويرجعن إليها في المسائل الشرعيّة ، ويتبرّكن بها ويطلبن منها الدعاء .
ذكرها الشيخ المحلاتي قائلأ : زرتُ الكويت والتقيتُ بوالدها ، وسألتها عن طريقه عدّة أسئلة ، خصوصأ ما يتعلّق بكشف آيات القرآن فأجابتني .
تزوّجت من ابن عمّها السيّد مرتضى وأنجبت له بنتين ، فمرضت احداهن وتوفّيت ، فجزعت عليها جزعأ شديدأ حتى توفّيت بعد مضي سنة من وفاة بنتها ، ونُقل جثمانها الطاهر إلى مدينة النجف الأشرف حيث دفن هناك (2) .
1 ـ انظر : رياض العلماء 5 : 408 ، أعيان الشيعة 7 : 336 و8 : 390 ، أعيان النساء : 283 ، رياحين الشريعة 4 : 361 .
2 ـ رياحين الشريعة 5 : 22 .
339 فاطمة اليَمني
العلوية فاطمة بنت السيّد علي ابن السيّد محمّد الـيَميني ، التجأت في صحبة أبيها وجدها ـ للخوف من ملك الروم ـ من الَيمن إلى قزوين عند الشاه طهماسب الصفوي ، فأكرمهم وأنزلهم منزلأ مُباركأ .
وبعد وفاة جدّها السيّد محمّد ، أرسلهم الشاه طهماسب إلى لاهيجان حيث نزلوا في ( اشكور ) بمنزل پيله فقيه ، فخطب پيله فقيه فاطمة لولده عبدالوهاب ، فتزوّجته وأنجبت له السيّد علي الشريف والد قطب الدين الأشكوري مؤلّف كتاب ( محبوب القلوب ) .
دَرَسَتْ العلوية فاطمة النحو والصرف ، والفقه ، وعلم الرمل . وسألت والدها أن يُعلّمها سائر العلوم الغريبة التي تَعَلّمها في بلاد الروم عن العارفين بها ، فاعتذر بأنّ العلوم الغريبة أسرار لا تُلقى إلاّ على محلّ الكتمان ، والنساء ناقصات العقول ، فتضيق صدورهن عن الكتمان!!!
وبعد الالحاح الشديد منها علّمها عمل التسخير ، فبادرت بالعمل به قبل الأوان ، فَغُشيَ عليها ، فجاء والدها وعالج غَشوتها (1) .
340 فاطمة البغداديّة
العلوية فاطمة بنت أبي محمّد الشريف قريش البغدادي ، ينتهي نسبها إلى الإمام الحسين عليه السلام .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، فقيهة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة ، وفواضل النساء المؤمنات في مطلع القرن السابع للهجرة ببغداد .
أخذت العلم عن أبيها الشريف قريش البغدادي المتوفّى سنة 620هـ ، ثم حَضَرَتْ على
1 ـ طبقات أعلام الشيعة ( احياء الداثر من القرن العاشر ) : 174 .
الشيخ أبي طالب المبارك بن علي الصيرفي البغدادي ، وقرأتْ عليه كتاب فضل الكوفة تأليف أبي عبدالله محمّد بن علي الحسيني الشجري المتوفّى سنة 455هـ .
وقد قرأت معها هذا الكتاب اُمّها شرف النساء ، واُختها فاطمة ـ اللّتان تقدّمت ترجمتهما ـ وأخوها محمّد . وكتبَ أبوهم في آخره بلاغ القراءة بتأريخ 560هـ ، وتوجد هذه النسخة النفيسة من هذا الكتاب في المكتبة الظاهرية بدمشق ، وعنها مصورّة في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة النجف الأشرف (1) .
341 فاطمة الزهراء عليها السلام
بنت خير الكائنات ، وسيّد الأنبياء والرُسل محمّد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم .
اُمّها اُم المؤمنين خديجة الكبرى بنت خويلد .
وهي سيّدة نساء العالمين ، عديلة مريم بنت عمران ، من ناسكات الأصفياء ، وصفيات الأتقياء ، السيّدة البتول ، والبضعة الشبيهة بالرسول ، أحبّ أولاده لقلبه ، وأوّلهم لحوقأ به .
وهي التي يرضى الله لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ثالثة الشمس والقمر ، الطاهرة الميلاد ، السيّدة بإجماع أهل السداد . اُم أبيها ، أصدق الناس لهجة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وما عسى الكاتب أن يكتب عن هذه البضعة الطاهرة ، والسيّدة المعصومة ، وأي قلم يرقى لها ليكتب عنها ، بل أي بنان يستطيع أن يُحيط بكنه وجودها ، وسرّ تكوينها .
وما عسانا أن نكتب عن بنت خير الكائنات محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وربيبة الوحي ، وزوجة سيّد الموحّدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، و اُم سيّدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام ، والتسعة المعصومين من ذريّة الحسين عليهم السلام .
إنّ كلماتنا هذه لا تتعدّى أن تكون مرآةً تعكس جزءأ ضئيلأ ممّا هي عليه .
إنّ الفقرات التي تمرّ عليكَ ـ عزيزي القارىَ ـ ما هي إلاّ لمحة مختصرة عن شخصيّة
1 ـ الثقات العيون في سادس القرون : 237 ـ 238 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة : 136 ـ 137 ، مستدركات أعيان الشيعة 3 : 159 نقلأ عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
الزهراء عليها السلام ، ومرورأ سريعأ على بعض جوانب حياتها المباركة .
في القرآن الكريم :
كثيرة هي الآيات التي نزلت بحقّ الزهراء عليها السلام ، وبحقّ أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنّ الإمام علي سلام الله عليه قال :
« نزل القرآن أرباعأ : فربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سير وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن » (1) .
ونحن نذكر هنا بعض ما نزل بحقّ الزهراء عليها السلام :
( 1 ) قوله تعالى :
﴿ فَمَنْ حاجَّكَ فِيه مِن بَعْدِما جاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ تَعالوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم وَنساءَنا ونساءَكُم وأنْفُسَنا وأنفُسكُم ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلُ لَعْنَة الله على الكاذِبينَ ﴾ (2) .
أجمع أهل القبلة حتى الخوارج على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعُ للمباهلة من النساء سوى ابنته فاطمة .
روى مسلم والترمذي : أنّ معاوية قال لسعد بن أبي وقاص : ما منعكَ أن تسبَ أباتراب ؟!
فقال سعد : أمّا ما ذكرت فلثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم :
سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال علي : « خلّفتني مع النّساء والصبيان » ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ » .
وسمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم خيبر : « لأعطينّ الراية غدأ رجلأ يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله » ، فتطاولنا إليها ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ادعوا عليّأ » ، فاُتي به أرمد ، فبصق في عينيه فبرأ ،
1 ـ ينابيع المودّة : 148 .
2 ـ آل عمران : 61 .
ودفع إلية الراية ففتح الله على يديه .
ولما نزلت هذه الآية : ﴿ قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءكُم ونساءَنا ونساءكُم وأنفُسنا وأنفُسكم ﴾ ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّأ وفاطمة وحسنأ وحسينأ ، وقال : « اللَّهمَّ هؤلاء أهلي » (1) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عنه : لمّا نزلت هذه الآيةلا ﴿ قُلْ تعالَوا ندعُ أبناءَنا وأبناءكُم ﴾ ، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّأ وفاطمة وحسنأ وحسينأ ، وقال : « هؤلاء أهلي » (2) .
وعن عامر بن سعد عن أبيه ، قال : لمّا نزلت هذه الآية : ﴿ ندعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونَساءَنا ونساءَكُم وأنفُسنا وأنفسكُم ﴾ ، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة وحسناً وحسينأ رضي الله عنهم ، فقال : « اللَّهمَّ هؤلاء أهلي » (3) .
( 2 ) قوله تعالى : ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّركم تطهيرأ ﴾ (4) .
روى أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« اُنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ ، وفي عليّ ، وحسن ، وحسين ، وفاطمة » .
وروى ابن أبي شيبة والترمذي ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول :
« الصلاة أهل البيت ﴿ إنّما يُريدُ الله ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهّركم تطهيراً ﴾ » .
وفي رواية ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري : أنه صلى الله عليه وآله وسلم جاء أربعين صباحأ إلى باب فاطمة يقول : « السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، يرحمكم الله ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمْ الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهّركم تطهيراً ﴾ » .
1 ـ الفصول المهمّة : 109 .
2 ـ ذخائر العقبى : 25 .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 150 .
4 ـ الأحزاب : 33 .
وفي رواية عن ابن عباس : سبعة أشهر .
وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر (1) .
وعن أنس : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول :
« الصلاة يا أهل البيت ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهّركم تطهيراً ﴾ » (2) .
وعن أنس أيضاً : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول :
« الصلاة يا أهل بيت محمّد ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهّركم تطهيراً ﴾ » (3) .
وقالت اُم سلمة : في بيتي نزلت ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ﴾ ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال : « هؤلاء أهل بيتي » (4) .
وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ ﴾ ، قال : نزلت في خمسة : في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين (5) .
وعن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : « الصلاة يا أهل البيت ﴿ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهّركم تطهيراً ﴾ » ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (6) .
وقال ابن حجر : أكثر المفسرين على أنّها نزلت في عليّ ، وفاطمة ، والحسن ،
1 ـ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار : 111 .
2 ـ كنزل العمال بهامش مسند أحمد 5 : 96 .
3 ـ اُسد الغابة 5 : 521 ، سير أعلام النبلاء 2 : 97 .
4 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 146 .
5 ـ ذخائر العقبى : 24 .
6 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 158 .
والحسين (1) .
وسُئلتْ عائشة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، فقالت : وما عسيتُ أن أقول فيه ، وهو أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمع شملته على عليّ وفاطمة والحسن والحسين وقال :
« هؤلاء أهل بيتي ، اللَّهمَّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (2) .
( 3 ) قوله تعالى : ﴿ قلْ لا أسألُكُمْ عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القربى ﴾ (3) .
عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم ؟
قال : « علي وفاطمة وابناهما » (4) .
وأخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس : أنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا : يا رسول اللهَ من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودّتهم ؟
قال : « علي وفاطمة وأبناهما » (5) .
(4) قوله تعالى : ﴿ يوفونَ بالنذرِ وَيَخافونَ يَوماً كانَ شرّه مستطيراً ﴾ (6) .
قال ابن عباس : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أباالحسن لو نذرتَ على ولديك نذراً .
فقال عليّ : « إن برئا ممّا بهما صمتُ لله عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً » ، وقالت فاطمة كذلك ، وقالت جارية يقال لها فضة نوبيّة : إن برئا سيّداي صمتُ لله عزّ وجلَّ شكراً .
فاُلبس الغلامان العافية ، وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير ، فانطلق عليّ إلى شمعون الخيبري فاقترض منه ثلاثة اصع من شعير ، فجاء بها فوضعها ، فقامت فاطمة إلى صاع
1 ـ الصواعق المحرقة : 85 .
2 ـ المحاسن والمساوىَ للبيهقي 1 : 232 .
3 ـ الشورى : 23 .
4 ـ ذخائر العقبى : 26 .
5 ـ الصواعق المحرقة : 101 .
6 ـ الإنسان : 7 .
فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع رسول الله ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف على الباب فقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من أولاد المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله عزّ وجلّ على موائد الجنّة ، فسمعه علي فأمرهم فأعطوه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع وخبزته ، وصلّى علي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم يتيم فوقف على الباب ، وقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعموني ، فأعطوه الطعام ، فمكثوا يومين لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، فصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت النبوّة ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعمونا ، أطعموني فإني أسير ، فأعطوه الطعام .
ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلاّ الماء ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى ما بهم من الجوع ، فأنزل الله تعالى عليه : ﴿ هل أتى على الإنسان حين مِنَ الدهر ـ إلى قوله ـ ولا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا ﴾ (1) .
في السنّة النبويّة :
لقد تكرّرت شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة سلام الله عليها ، وسموّ منزلتها ، وارتفاع مقامها ، حتى أنّ المتتبع يستطيع أن يجمع من أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم فيها كتاباً كبيراً ، فقد أفرد مؤلّفو الصحاح وموسوعات الأخبار أبواباً في كتبهم لذكر الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة سلام الله عليها .
وقد خصّص العلاّمة السيّد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي في كتابه ( فضائل الخمسة من
1 ـ اُسد الغابة 5 : 531 .
الصحاح الستة ) باباً لما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بحقّ فاطمة الزهراء عليها السلام ، ونحن نقتبس منه بعض الأحاديث ونوردها هنا تعميماً لفائدة .
( 1 ) قال السيوطي في الدر المنظور في ذيل تفسير قوله تعالى : ﴿ سُبحانَ الذي أسرى بعَبدِهِ ليلاً مِنَ المسجِد الحرام ﴾ (1) : وأخرج الطبراني عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« لمّا اُسري بي إلى السماء اُدخلتُ الجنّة ، فوقفتُ على شجرة من أشجار الجنة لم أرَ في الجنّة أحسن منها ، ولا أبيض ورقاً ، ولا أطيب ثمرة ، فتناولت من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة ، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنّة شممتُ ريح فاطمة » (2) .
( 2 ) روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن سعد بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« أتاني جبريل عليه الصلاة والسّلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة اُسري بي فعلقتْ خديجة بفاطمة ، فكنتُ اذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رقبة فاطمة » (3) .
( 3 ) وعن ابن عباس ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يكثر القبل لفاطمة عليها السلام ، فقالت له عائشة : إنّك تكثر تقبيل فاطمة .
فقال :
« إنّ جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها ، فصار ماء في صلبي ، فحملتْ خديجة بفاطمة ، فإذا اشتقتُ لتلكَ الثمار قبّلت فاطمة
1 ـ الإنسان : 1 ـ 9 .
2 ـ الدر المنثور .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 156 .
فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها » (1) .
( 4 ) وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة؛ لأن الله فطمها ومحبيها عن النار » (2) .
( 5 ) روى الملاّ في سيرته : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أتاني جبريل بتفاحة من الجنّة فأكلتها وواقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة » ، فقالت : إنّي حملت حملاً خفيفاً ، فإذا خرجتَ حدّثني الذي في بطني ، فلمّا أرادتْ أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلينَ منها ما تلي النساء ممنّ تلد ، فلم يفعلن وقلن : لا نأتيك وقد صرت زوجة محمّد .
فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف ، فقالت لها إحداهن : أنا اُمّك حواء .
وقالت الاُخرى : أنا آسية بنت مزاحم .
وقالت الاُخرى : أنا كلثم اُخت موسى .
وقالت الاُخرى : أنا مريم بنت عمران اُم عيسى ، جئنا لنلي من أمرك ماتلي النساء .
قالت : فولدت فاطمة سلام الله عليها ، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها » (3) .
( 6 ) عن عليّ عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : يا فاطمة تدرين لم سُمّيت فاطمة ؟
قال عليّ عليه السلام : يا رسول الله لم سُمّيت فاطمة ؟
قال : إنّ الله عزّ وجلّ قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة » (4) .
1 ـ ذخائر العقبى : 36 .
2 ـ تأريخ بغداد 12 : 331 ، وذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة : 96 وقال : أخرجه النسائي .
3 ـ ذخائر العقبى : 44 .
4 ـ ذخائر العقبى : 26 .
( 7 ) وعن عائشة قالت : ما رأيتُ أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ ؟ وهدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت : وكانت إذا دخلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته في مجلسها (1) .
( 8 ) روى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي عند البيت وأبوجهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبوجهل : أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمّد إذا سجد ؟
فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلمّا سجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه .
قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل على بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ساجد ما يرفع رأسه ، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة عليها السلام ، فجاءت وهي جويرة فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ، فلمّا قضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً ، وإذا سأل سأل ثلاثاً :
ثم قال : اللهم عليكَ بقريش ثلاث مرّات ، فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ، ثم قال : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد ابن عتبة ، و اُميّة بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وذكر السابع ولم أحفظ ، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ لقد رأيتُ الذين سمّى صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر (2) .
( 9 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اخرج في غزاة كان أوّل عهده بفاطمة عليها السلام (3) .
( 10 ) روى البخاري في صحيحه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال :
« إنّ فاطمة سلام الله عليها شكت ما تلقى من أثر الرحى ، فأتي
1 ـ سنن الترمذي 2 : 319 ، مستدرك الصحيحين 4 : 272 ، فتح الباري 9 : 200 .
2 ـ صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب ما لقي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أذى المشركين .
3 ـ المستدرك على الصحيحن 1 : 489 .
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلمّا جاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلينا ، وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبتُ لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا ، حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : « ألا أعلّمكما خيراً ممّا سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعاً وثلاثين ، وتسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فهو خير لكم من خادم » (1) .
( 11 ) روى أبونعيم في حلية الأولياء بسنده عن الزهري قال : لقد طَحنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مجلت يدها وريا وأثر قطب الرحى في يدها (2) .
( 12 ) روى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة أنّها قالت : أقبلت فاطمة سلام الله عليها تمشي ، مشيتها مشية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « مرحباً بابنتي » ثم أجلسها عن يمينه أو شماله ، ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت ، فقلتُ لها : لم تبكين ؟ ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت ، فقلت : ما رأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن ، فسألتها عمّا قالت : فقالت : « ما كنتُ لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » .
حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألتها ، فقالت :
« أسرّ إليّ : جبرئيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني مرّتين ، ولا أراه إلاّ حضر أجلي ، وإنّك أوّل أهل بيتي لحاقاً بي فبكيت ، فقال : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين ؟ فضحكتُ لذلك » (3) .
( 13 ) وروى الترمذي في سننه بسنده عن حذيفة قال : سألتني اُمّي متى عهدك ؟ ـ تعني بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقلت : مالي به عهد منذ كذا وكذا .
1 ـ صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام .
2 ـ حلية الأولياء 2 : 41 .
3 ـ صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة في الإسلام .
فنالت مني ، فقلتُ لها : دعيني آتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاُصلي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك . فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلّيت معه المغرب فصلّى العشاء ، ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال : « من هذا حذيفة » ؟
قلت : نعم .
قال : « وما حاجتك غفر الله لك ولاُمك » ؟
قال : « إنّ هذا ملك لم ينزل الأرض قطّ قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة » (1) .
( 14 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال ـ وهو في مرضه الذي توفّي فيه ـ :
« يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين ، وسيّدة نساء هذه الاُمة ، وسيّدة نساء المؤمنين ؟ » (2) .
( 15 ) روى أبونعيم بسنده عن عمران بن حصين : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « ألا تنطلق بنا نعوذ فاطمة فإنها تشتكي ؟
قلت : بلى .
قال : فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلّم واستأذن فقال : « أدخل أنا ومَن معي »
قالت : « نعم ، ومَن معك يا أبتاه ؟ فوالله ما علي إلاّ عباءة » .
فقال لها : « أصنعي بها كذا واصنعي بها كذا » ، فعلّمها كيف تستتر .
فقالت : « والله ما على رأسي من خمار » .
1 ـ سنن الترمذي 2 : 306 باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام ، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك 3 : 151 ، وأحمد بن حنبل في مسنده 5 : 391 ، وأبونعيم في حليته 4 : 190 ، وابن الأثير في اُسد الغابة 5 : 574 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 6 : 217 .
2 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 156 .
قال : فأخذ ملاءة كانت عليه فقال : « اختمري بها » ، ثم أذنت لهما فدخلا ، فقال : « كيف تجدينك يا بنية » ؟
قالت : « إنّي لوجعة ، وإنّه ليزيدني أنّة مالي طعام آكله » .
قال : « يا بنيّة أما ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين » .
قالت : « يا أبت فأين مريم بنت عمران » ؟
قال : « تلك سيّدة نساء عالمها ، وأنت سيّدة نساء عالمك ، أما والله زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة » (1) .
( 16 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة : أنّها قالت لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا اُبشّرك ، إنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« سيّدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول الله ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية » (2) .
( 17 ) وفي كنز العمال ، عن عليّ عليه السلام :
« أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة سلام الله عليها : ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة ، وابنيك سيّدا شباب أهل الجنة » ؟ (3)
( 18 ) وفيه أيضاً :
« أما ترضين إنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، فإنّك سيّدة نساء اُمّتي كما سادت مريم قومها ، أما ترضين يا فاطمة إنّ الله إطّلع على أهل الأرض فاختار منهم رجلين ، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك » (4) .
1 ـ حلية الأولياء 2 : 42 .
2 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 185 .
3 ـ كنز العمال 7 : 111 .
4 ـ كنز العمال 6 : 153 .
( 19 ) في ذخائر العقبى عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« أربع نسوة سيّدات سادات عالمهن : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلهنّ عالماً فاطمة سلام الله عليها » (1) .
( 20 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس قال : خطّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة خطوط ، ثم قال : « أتدرون ما هذا » ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم .
قال : « إنّ أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم » (2) .
( 21 ) وفي كنز العمال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« خير رجالكم عليّ ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة » (3) .
( 22 ) روى الترمذي بسنده عن أنس : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون » (4) .
( 23 ) روى الثعلبي عن جابر بن عبدالله : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أياماً لم يطعم حتى شقّ ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئاً ، فأتى فاطمة سلام الله عليها ، فقال : « يا بنيّة هل عندك شيء آكله فإنّي جائع » ؟
فقالت : « لا والله بأبي أنت و اُمي » .
1 ـ ذخائر العقبى : 44 .
2 ـ مستدرك الصحيحين 2 : 497 .
3 ـ كنز العمال 6 : 217 .
4 ـ سنن الترمذي 2 : 31 .
فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم ، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطّت عليها وقالت : « لأوثرن بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسي ومن عندي » ، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة من طعام .
فبعثت حسناً وحسيناً إلى جدّهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع إليها فقالت : « بأبي أنت يا رسول الله ، قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك » .
قال : « فهلمي به » ، فاُتي به فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنَّها بركة من الله ، فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيّه .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من أين لك هذا يا بنية » ؟
قالت : « هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب » .
فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : « الحمد لله جعلكِ شبيهة بسيّدة نساء بني اسرائيل ، فإنّها كانت إذا رزقها الله رزقاً حسناً فسُئلت عنه قالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب » .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام ، فأكل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى شبعوا ، وبقيت الجفنة كما هي .
قالت فاطمة عليها السلام : « وأوسعتُ منها على جميع جيراني ، وجعل الله فيها بركة وخيراً طويلاً ، وكان أصل الجفنة رغيفين وبضعة لحم والباقي بركة من الله » (1) .
( 24 ) روى أبوسعيد : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام :
« اُوتيتَ ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا : صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلك ، واُوتيتَ زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم اُوت مثلها زوجة ، واُوتيتَ الحسن والحسين من صُلبك ولم اُوت من صلبي مثلهما ، ولكنّك مني وأنا منك » (2) .
1 ـ قصص الأنبياء : 513 .
2 ـ الرياض النضرة 2 : 202 .
( 25 ) وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« ليلة عرج بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنة مكتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي حبّ الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنة الله » (1) .
( 26 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« لكلّ بني اُم عصبة ينتمون إليهم ، إلاّ ابنَي فاطمة فأنا وليّهما وعصبتهما » (2) .
( 27 ) روى البغدادي في تأريخه بسنده عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، عن فاطمة عليها السلام ـ يعني بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم » (3) .
( 28 ) وروى البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني » (4) .
( 29 ) وروى عن المسوّر بن مخرمة أيضاً أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« فإنّما هي فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (5) .
( 30 ) روى مسلم في صحيحه عن المسوّر بن مخرمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ تأريخ بغداد 1 : 259 .
2 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 164 .
3 ـ تأريخ بغداد 11 : 285 ، وأخرج مثله المتقي الهندي في كنز العمال 6 : 216 و 220 ، والهيثمي في مجمعه 9 : 172 . وقريب منه في ذخائر العقبى : 121 .
4 ـ صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال 6 : 220 ، والمناوي فيى فيض القدير 4 : 421 ، والنسائي في خصائصه : 35 .
5 ـ صحيح البخاري : كتاب النكاح ، باب ذبّ الرجل عن ابنته ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده 4 : 328 ، وأبونعيم في حليته 2 : 40 .
« إنّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها » (1) .
( 31 ) روى مسلم بسنده عن المسوّر بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال :
« فإنّما ابنتي بضعة مني ، يُريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (2) .
( 32 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبيدالله بن أبي رافع ، عن المسوّر انّه بعث إليه حسن بن حسن عليه السلام يخطب ابنته فقال له : قل له فليلقني في العتمة ، قال : فلقيته ، فحمد الله المسور وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيم الله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إليّ من نسبكم وسببكم وصهركم ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ، وأنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وصهري » .
وعندك ابنتها ، ولو زوّجتك لقبضها ذلك ، فانطلق عاذراً له (3) .
( 33 ) روى أبونعيم بسنده عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ما خير للنساء » ؟ فلم ندرِ ما نقوله ، فسار علي عليه السلام إلى فاطمة سلام الله عليها فأخبرها بذلك ، فقالت : « فهلاّ قلت له : خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن » ، فرجع فأخبره بذلك ، فقال له : « مَن علّمك هذا » ؟
قال : « فاطمة » .
قال : « إنّها بضعة مني » (4) .
( 34 ) وفي كنزل العمال : قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
« إنّما فاطمة شِجنة منّي ، يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها » (5) .
1 ـ صحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل فاطمة عليها السلام .
2 ـ صحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل فاطمة عليها السلام ، ورواه الترمذي في سننه 2 : 319 .
3 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 158 ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده 4 : 332 ، والبيهقي في سننه 7 : 64 .
4 ـ حلية الأولياء 2 : 40 .
5 ـ كنز العمال 6 : 219 ، ورواه الحاكم في المستدرك 3 : 154 .
( 35 ) وروى النسائي في الخصائص بسنده عن المسوّر بن مخرمة قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على منبره ـ هذا وأنا يومئذٍ محتلم ـ فقال : « إنّ فاطمة بضعة مني »(1) .
( 36 ) وفي الصواعق المحرقة : دخل عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط على عمر ابن عبدالعزيز وهو حديث السن وله وفرة ، فرفع عمر مجلسه وأقبل عليه ، فلامه قومه ، فقال : إنّ الثقة حدّثني حتى كأنّه سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها » ، وأنا أعلم أنّ فاطمة عليها السلام لو كانت حيّة لسرّها ما فعلتُ بابنها(2) .
( 37 ) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : فقالت ـ يعني فاطمة عليها السلام ـ لأبي بكر وعمر : « أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان به » ؟
قالا : نعم .
فقالت : «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« رضى فاطمة رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومَن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومَن أسخط فاطمة فقد أسخطني » ؟
قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت : « فإنّي اُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأشكونكما إليه » .
فقال أبوبكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : « والله لأدعونَّ الله عليكَ في كلّ صلاة اُصليها » .
ثم خرج ـ يعني أبوبكرـ فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله ، وتكرتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي(3) .
1 ـ خصائص النسائي : 36 .
2 ـ الصواعق المحرقة : 107 .
3 ـ الإمامة والسياسة : 14 .
( 38 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » (1) .
( 39 ) وفي كنز العمال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (2) .
( 40 ) وفي ميزان الإعتدال للذهبي : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام :
« إنّ الربّ يغضب لغضبك ورضى لرضاك » (3) .
( 41 ) وفي ذخائر العقبى عن علي بن أبي طالب عليه السلام :
« إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا فاطمة إنّ الله عزّ وجلّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » (4) .
( 42 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر ، ويبعث صالح على ناقته ، واُبعث على البراق ، فخطوها عند أقصى طرفها ، وتبعث فاطمة أمامي » (5) .
( 43 ) وفي كنز العمال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« يبعث الله الأنبياء يوم القيامة على الدواب ، ويبعث صالحاً على ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر ، وتبعث فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام على ناقتين من نوق الجنّة ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام على ناقتي ، وأنا على
1 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 153 ، وذكره ابن الأثير في اُسد الغابة 5 : 522 ، وابن حجر في الإصابة 8 : 159 ، وفي تهذيب التهذيب 12 : 441 ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال 7 : 111 .
2 ـ كنز العمال 6 : 219 .
3 ـ ميزان الإعتدال 2 : 73 .
4 ـ ذخائر العقبى : 39 .
5 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 152 .
البراق ، ويبعث بلالاً على ناقته فينادي بالأذان » (1) .
( 44 ) روى الحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام : قال :
« سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب : يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حتى تمر » (2) .
( 45 ) روى الحاكم في المستدرك أيضاً بسنده عن عبدالله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« إنّ فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار » (3) .
( 46 ) وفي كنز العمال : أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « انّ الله تعالى غير معذّبكِ ولا ولدكِ » ، قاله لفاطمة سلام الله عليها (4) .
( 47 ) وفيه أيضاً :
« إنّ فاطمة حصنت فرجها ، وإنّ الله أدخلها بإحصان فرجها وذريّتها الجنّة » (5) .
( 38 ) وفي ذخائر العقبى : عن علي عليه السلام ، قال :
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تحضر ابنتي فاطمة يوم القيامة وعليها حلّة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان ، فتنظر إليها الخلائق فيتعجّبون منها ، ثم تكسى حلّة من حلل الجنّة على ألف حلّة مكتوب بخط أخضر : أدخلوا الجنة ابنة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على أحسن صورة وأكمل هيبة وأتمّ كرامة وأوفر
1 ـ كنز العمال 6 : 193 .
2 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 153 .
3 ـ مستدرك الصحيحين 3 : 152 .
4 ـ كنز العمال 6 : 219 .
5 ـ كنز العمال 6 : 219 .
حظّ ، فتزف إلى الجنّة كالعروس حولها سبعون ألف جارية » (1) .
( 49 ) في كنز العمال عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال :
« إنّ أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومثلها في هذه الاُمّة مثل مريم في بني اسرائيل » (2) .
( 50 ) وفي ميزان الإعتدال عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال :
« أوّل شخصٍ يدخل الجنّة فاطمة سلام الله عليها » (3) .
زواجها سلام الله عليها :
من المتسالم عليه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردّ كلّ مَن خطب الزهراء عليها السلام بقوله : « انتظر بها القضاء » ، فإنّ أبابكر خطبها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال النبيّ : « انتظر بها القضاء » ، فذكر ذلك أبوبكر لعمر فقال له عمر : ردّك يا أبابكر ، ثم إنّ أبابكر قال لعمر : اخطب فاطمة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فخطبها ، فقال له مثل ما قال لأبي بكر ، فأخبره فقال له : ردّك يا عمر (4) .
وروى المحبّ الطبري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« أتاني ملك فقال : يا محمّد إنّ الله تعالى يقرأ عليك السّلام ويقول لك : إنّي قد زوّجت ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى ، فزوّجها منه في الأرض » (5) .
وروى أيضا عن عمر ـ وقد ذكر عنده علي ـ قال : ذلك صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نزل جبريل فقال : « يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تزوّج فاطمة ابنتك من علي » (6) .
1 ـ ذخائر العقبى : 48 .
2 ـ كنز العمال 6 : 219 .
3 ـ ميزان الإعتدال 2 : 131 .
4 ـ الطبقات الكبرى 8 : 19 .
5 ـ ذخائر العقبى : 32 .
6 ـ ذخائر العقبى : 31 .
وروى الخطيب البغدادي عن عبدالله بن مسعود ، قال : أصاب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صبيح العرس رعدة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« يا فاطمة إنّي زوّجتك سيّداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة من الصالحين . يا فاطمة إنّي لمّا أردت أن اُملّك لعلي أَمَرَ الله جبريل فقام في السماء الرابعة فصفّ الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم جبريل فزوّجكِ من علي ، ثم أَمَرَ شجر الجنان فحملت الحلي والحلل ، ثم أَمَرَها فنثرته على الملائكة ، فمن أخذ منهم يومئذٍ أكثر ممّا أخذ صاحبه أو أحسن افتخر به إلى يوم القيامة » .
قالت اُم سلمة : فلقد كانت فاطمة تفخر على النساء حيث إنّ أوّل مَن خطبَ عليها جبريل (1) .
وروى الشيخ الطوسي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : لمّا زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي أتاه اُناس من قريش فقالوا : إنّك زوّجت عليّاً بمهر خسيس .
فقال :
« ما أنا زوّجتُ عليّاً ، ولكنّ الله عزّ وجل ليلة اُسري بي عند سدرة المنتهى أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك ، ونثرت الدر والجواهر والمرجان ، فابتدر الحور العين فالتقطن ، فهنّ يتهادينه ويتفاخرن به ويقلن : هذا من نثار فاطمة بنت محمّد » (2) .
وروى ابن الأثير عن بلال قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضحك ، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ما أضحكك ؟
فقال :
« بشارة أتتني من الله عزّ وجل وابن عمّي وابنتي ، إنّ الله عزّ وجلَّ لمّا
1 ـ تأريخ بغداد 4 : 129 .
2 ـ أمالي الشيخ الطوسي 1 : 162 .
أراد أن يزوّج علياً من فاطمة رضي الله عنهما أمر رضوان فهزّ شجرة طوبى فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكا ـ بعدد محبينا أهل البيت ، ثم أنشأ من تحتها ملائكة من نور ، فأخذ كلّ ملك رقاقاً ، فإذا استوت القيامة غداً بأهلها ماجت الملائكة في الخلائق ، فلا يلقون محبّاً لنا أهل البيت إلاّ أعطوه رقاقاً فيه براءة من النار ، فنثار أخي وابن عمّي فكاك رجال ونساء من اُمتي من النار » (1) .
وقال ابن أبي الحديد : وإن إنكاحه عليّاً إياها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة (2) .
وقال ابن شهرآشوب عن مراسيم الزواج في السماء : فخطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال :
الحمد لله الأوّل قبل أولية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين ، وبربوبيته مذعنين ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقرّبنا إلى السرداقات ، وحجب عنا النهم للشهوات ، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين . . .
ثم قال : اختار الملك الجبار صفوة كرمه ، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيين وسيّد المرسلين ، وإمام المتّقين . فوصل حبله بحبل رجل من أهل صاحبه ، المصدق دعوته ، المبادر إلى كلمته علي الوصول بفاطمة البتول ابنة الرسول (3) .
أما في الأرض فقد عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفلاً لإعلان الزواج ، فعن أنس قال : دعاني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام ـ من خطبة أبي بكر وعمر لها ـ فقال : « اُدع أبابكر وعمر وعثمان
1 ـ اُسد الغابة 1 : 206 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 9 : 193 .
3 ـ مناقب آل أبي طالب 3 : 125 .
وعبدالرحمن وعدّة من الأنصار » ، فلما اجتمعوا وأخذوا مجالسهم وكان علي غائباً قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع سلطانه ، المرهوب من عذابه وسطواته ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمّد ، إنّ الله تبارك اسمه ، وتعالت عظمته ، جعل المصاهرة سبباً لاحقاً وأمراً مفترضاً ، أوشج به الأرحام وألزم الأنام ، فقال عزّ من قائل : ﴿ وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً ﴾ (1) ، فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكلّ قضاء قدر ، ولكلّ قدر أجل ، ولكلّ أجل كتاب ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُم الكتاب ﴾ (2) ثم إنّ الله تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي بن أبي طالب ، فاشهدوا إنّي قد زوّجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي » .
ثم دعا صلى الله عليه وآله وسلم بطبق من بسر قال : فانتهبوا ، فانتهبنا .
ودخل علي فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه : ثم قال : « إنّ الله عزّ وجل أمرني أن اُزوّجك فاطمة على مهر أربعمائة مثقال فضة أرضيت بذلك » ؟
قال : « قد رضيت بذلك يا رسول الله » .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « جمع الله شملكما ، وعزّ جدكما ، وبارك عليكما ، وأخرج منكما كثيراً طيباً » (3) .
وخطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقال :
« الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة مَن
1 ـ الفرقان : 54 .
2 ـ الرعد : 39 .
3 ـ ذخائر العقبى : 31 ، الصواعق المحرقة : 85 ، ينابيع المودّة : 207 ، تأريخ الخميس 1 : 362 .
يتقّيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد مَن يعلم أنّه خالقه وباريه ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه ، والنكاح ما أمر به ويرضيه ، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت ، فسألوه واشهدوا » (1) .
وقد أجمع أهل الحديث والتأريخ على تعيين المهر المذكور ، وبقي أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام ملتزمين في زواجهم بهذا المهر ، حتى أنّ المأمون العباسي لما زوّج الإمام محمّد الجواد عليه السلام ابنته اُم الفضل ، وأنفق الملايين على حفل الزواج ، لكن الإمام عليه السلام لم يزد المهر على الخمسمائة درهم (2) .
وكان جهاز الزهراء سلام الله عليها وأثاث بيتها يتألف من : قميص ، وخمار ، وقطيفة سوداء ، وسرير مزمل بشريطين ، وفراشان من خيش مصر ، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من جز الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها اُذخر ، وستر من صوف ، وحصير هجري ، ورحى لليد ، وسقاء من ادم ، ومخضب من نحاس ، وقعب للبن ، وشن للماء ، ومطهرة مزفتة ، وجرّة خضراء ، وكيزان خزف ، ونطع من أدم ، وعباءة قطواني ، وقربة ماء (3) .
وأمّا ليلة الزفاف فيقول عنها ابن عباس : لمّا زفت فاطمة إلىّ علي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قدامها ، وجبريل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك خلفها يسبّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر (4) .
1 ـ مناقب آل أبي طالب 3 : 127 . وانظر تأريخ الخميس 1 : 362 .
2 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام لعلي دخيل : 51 .
3 ـ مناقب آل أبي طالب 2 : 109 .
4 ـ تأريخ بغداد 5 : 7 .
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري : لمّا كانت ليلة الزفاف أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة : « اركبي » ، وأمر سلمان أن يقودها ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها ، فبينما هم في بعض الطريق إذ سمع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وجبة ، فإذا جبرئيل في سبعين ألف ، وميكائيل في سبعين ألف ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ما أهبطكم إلى الأرض » ؟
قالوا : جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فكبّر جبرئيل ، وكبّر ميكائيل ، وكبّرت الملائكة ، وكبّر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة (1) .
وروى ابن شهرآشوب عن كتاب مولد فاطمة عليها السلام لابن بابويه : أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقولن ما لا يرضى الله ، ونساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قدامها يرجزن :
فأنشأت اُم سلمة :
وقالت عائشة :
وقالت حفصة :
1 ـ أمالي الشيخ الطوسي 1 : 162 .
وقالت معاذة اُم سعد بن معاذ :
وكانت النسوة يرجِّعن أوّل كلّ بيت من كلّ رجز ، ثم يكبرّن (1) .
وروى الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ياعلي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً ، ثم قال : من عندنا اللحم والخبز ، وعليك التمر والسمن . فاشتريتُ تمراً وسمناً ، فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذ حيساً ، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح ، وخبز لنا خبزاً كثيراً .
ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اُدع مَن أحببت ، فأتيتُ المسجد وهو مشحن بالصحابة ، فاستحييتُ أن اُشخص قوماً وأدع قوماً ، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت : أجيبوا إلى وليمة فاطمة ، فأقبل الناس إرسالاً ، فاستحييتُ من كثرة الناس وقلّة الطعام ، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تداخلني فقال لي : يا علي سأدعو الله بالبركة .
قال علي عليه السلام : وأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي ، ودعوا لي بالبركة ، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
1 ـ مناقب آل أبي طالب 3 : 131 .
بالصحاف فملئت ووّجه بها إلى منازل أزواجه ، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال : « هذا لفاطمة وبعلها » (1) .
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : حضرنا وليمة علي وفاطمة رضي الله عنهما ، فما رأيت وليمة أطيب منها (2) .
وعن أسماء قالت : لقد أولم علي على فاطمة ، فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته (3) .
عبادتها :
عُرفت الزهراء سلام الله عليها بكثرة عبادتها وتهجّدها وقيامها الليل وصومها النهار ، فكلّ مَن تحدّث عنها في كتاب مستقل أو مقال تحدّث عن عبادتها .
وليس هذا بكثير عليها بعد أن شاهدت أباها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يقوم في المحراب حتى تورّمت قدماه ، ونزل عليه قوله تعالى : ﴿ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ (4) .
قال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام :
« رأيتُ اُمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليله جمعة ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتُكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا اُماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بُني الجار ثم الدار » (5) .
ولما سمعتْ قوله تعالى : ﴿ وإنّ جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء
1 ـ أمالي الشيخ الطوسي 2 : 26 .
2 ـ ينابيع المودّة : 233 .
3 ـ ذخائر العقبى : 33 الطبقات الكبرى 8 : 14 .
4 ـ طه : 1 ـ 2 .
5 ـ بيت الأحزان : 12 .
مقسوم ﴾ (1) ، سقطت على وجهها وهي تقول : « الويل ثم الويل لمن دخل النار » (2) .
وقال الحسن البصري : ما كان في هذه الاُمّة أعبد مِن فاطمة ، كانت تقوم حتى تورّمت قدماها (3) .
وما تسبيح الزهراء عليها السلام إلاّ نوعاً من عبادتها المختصّة بها ، والتي أتحفها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد روى ابن الجوزي عن علي عليه السلام : « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما زوّجه فاطمة بعث معها بخميلة ، ووسادة أدم حشوها ليف ، ورحائين ، وسقاء ، وجرّتين .
فقال علي لفاطمة ذات يوم : « والله لقد سنوتُ حتى اشتكيتُ صدري ، وقد جاء الله أباك بسبي ، فاذهبي فاستخدميه » .
فقالت : « وأنا والله لقد طحنتُ حتى مجلت يداي » ، فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : « ما جاء بكِ ، وما حاجتكِ أي بنية » ؟
قالت : « جئت لاُسلّم عليك ، وأستحييتُ أن أسأله فرجعتُ » .
فقال : « ما فعلتِ » ؟
قالت : « استحييتُ أن أسأله » .
فأتيا جميعاً ، فقال علي : « يا رسول الله لقد سنوتُ حتى اشتكيت صدري » .
وقالت فاطمة : « لقد طحنتُ حتى مجلت يداي ، وقد جاءك الله عزّ وجلّ بسبي وسعة فأخدمنا » .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لا اُعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد مَن ينفق عليهم ، ولكن أبي عهم وأنفق عليهم أثمانهم » .
فرجعا ، وأتاهما النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخلا قطيفتهما ـ إذا غطّيا رأسيهما تكشّفت أقدامهما ، وإذا غطّيا أقدامهما تكشّفت رؤوسهما ـ ، فثارا ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « مكانكما » ، ثم قال : « ألا اُخبركما
1 ـ الحجر : 43 ـ 44 .
2 ـ بيت الأحزان : 15 .
3 ـ أعيان الشيعة 2 : 550 .
بخير ممّا سألتماني » ؟
قالا : « بلى » .
قال : « كلمات علّمنيهن جبريل : تسبحان الله في دبر كلّ صلاة عشراً ، وتحمدان عشراً ، وتكبرّان عشراً ، وإذا آويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبّراً أربعاً وثلاثين » .
قال علي : « فوالله ما تركتهن منذ علّمنيهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » (1) .
والذي عليه الشيعة هو التكبير أربعاً وثلاثين ، والتحميد ثلاثاً وثلاثين ، والتسبيح ثلاثاً وثلاثين .
فعن الإمام الباقر عليه السلام :
« إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام : يا فاطمة إذا أخذتِ مضجعك من الليل فسبّحي الله ثلاثاً وثلاثين ، واحمديه ثلاثاً وثلاثين ، وكبريه أربعاً وثلاثين ، فذلك مئة هي أثقل في الميزان من جبل اُحد ذهباً » .
وقد وردت عدّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام في فضل هذا التسبيح نذكر منها :
(1) قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي هارون المكفوف :
« يا أباهارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح الزهراء عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه ، فإنّه لا يلزمه عبد فيشقى » (2) .
(2) قال الإمام الباقر عليه السلام :
« مَن سبّح تسبيح الزهراء عليها السلام ، ثم استغفر غفر له ، وهي مائة باللسان وألف في الميزان ، وتطرد الشيطان ، وتُرضي الرحمان » (3) .
(3) قال الإمام الصادق عليه السلام :
1 ـ صفوة الصفوة 2 : 4 .
2 ـ ثواب الأعمال : 163 .
3 ـ ثواب الأعمال : 163 .
« تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام في كلّ يوم ، في دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم » (1) .
( 4 ) قال الإمام الصادق عليه السلام :
« مَن سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير » (2) .
( 5 ) قال الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى :
﴿ والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ﴾ (3) : « مَن بات على تسبيح فاطمة عليها السلام كان من الذاكرين كثيراً والذاكرات » (4) .
( 6 ) قال الإمام الصادق عليه السلام :
« مَن سبّح الله في دبر كلّ فريضة قبل أن يثني رجليه تسبيح فاطمة عليها السلام المائة ، وأتبعها بلا إله إلاّ الله مرّة واحدة غُفر له » (5) .
( 7 ) قال الإمام الصادق عليه السلام :
« مَن سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام في دبر المكتوبة قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنة » (6) .
وللزهراء عليها السلام عدّة أدعية عُرفت بإسمها : منها في مهج الدعوات :
« بسم الله الرحمن الرحيم ، يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً ، وأصلح لي شأني كلّه » .
ومن دعاء لها عليها السلام :
1 ـ ثواب الأعمال : 163 .
2 ـ ثواب الأعمال : 164 .
3 ـ الأحزاب : 35 .
4 ـ مجمع البيان 8 : 358 .
5 ـ المحاسن 1 : 30 .
6 ـ فلاح السائل : 152 .
« اللَّهمَّ قنّعني بما رزقتني ، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني ، واغفر لي وارحمني . اللَّهمَّ لا تعيني في طلب ما لا تقدِّر لي ، وما قدرته علي فاجعله ميسّراً سهلاً . اللَّهمَّ كافىَ عني والديّ وكل مَن له نعمة عليّ خير مكافأة ، اللَّهمَّ فرّغني لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما تكلّفت لي به ، ولا تعذّبني وأنا استغفرك ، ولا تحرمني وأنا أسألك ، اللَّهمَّ ذلّل نفسي في نفسي ، وعظّم شأنكَ في نفسي ، وألهمني طاعتك والعمل بما يرضيك والتجنب لما يسخطك يا أرحم الراحمين » (1) .
ومن دعاءٍ لها عليها السلام :
« اللَّهمَّ بحقّ العرش ومَن علاه ، وبحقّ الوحي ومَن أوحاه ، وبحقّ النبيّ ومَن نباه ، وبحق البيت ومَن بناه . يا سامع كلّ صوت ، يا جامع كلّ فوت ، يا بارىَ النفوس بعد الموت ، صلّ على محمّد وأهل بيته ، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً من عندك عاجلاً بشهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبدك ورسولك صلّى الله عليه وعلى ذريّته الطيبين الطاهرين وسلّم تسليماً » (2) .
وذكر لها السيّد ابن طاووس في كتابه فلاح السائل ثلاثة أدعية مطوّلة (3) .
فدك :
لا يستطيع أيّ باحث أو كاتب ، وهو يمرّ بحياة الزهراء سلام الله عليها ، أن لا يذكر فدك ولو بعدّة أسطر ، وقد أشبع الموضوع بحثاً واستدلالاً الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه في كتابه فدك في التأريخ ، وما نذكره هنا ما هو إلاّ مروراً سريعاً حول هذا الموضوع تعميماً
1 ـ مهج الدعوات : 175 .
2 ـ مهج الدعوات : 177 .
3 ـ فلاح السائل : 230 .
للفائدة .
فدك : قرية في الحجاز ، بينها وبين المدينة ثلاثة أيام ، كانت لليهود ، وبعد فتح خيبر ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوب أهلها الرعب ، فصالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النصف ، فقبلَ منهم ، فكانت له صلى الله عليه وآله وسلم خاصة؛ لأنّها لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب .
وبعد أن نزل عليه قوله تعالى : ﴿ وآت ذا القربى حقّه ﴾ (1) ، دفعها إلى فاطمة عليها السلام ، فكانت تتصرّف فيها أربع سنوات في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد وفاته قبضها أبوبكر ، فطالبت بها بإصرار ، ولكنّ مطالبتها مُنيت بالفشل .
وبعد موت أبي بكر صارت بيد عمر ، ثم بعده صارت بيد عثمان ، فأعطاها لمروان بن الحكم .
وفي خلافة علي عليه السلام انتزعها من مروان ، وكان عليه السلام ينفق غلاّتها في مصالح المسلمين .
وفي عهد معاوية أقطع مروان بن الحكم ثلثها ، وعمر بن عثمان ثلثها ، ويزيد ثلثها .
وفي عهد مروان بن الحكم خلصت كلّها له ، ثم وهبها لابنه عبدالعزيز .
وفي عهد عمر بن عبدالعزيز ورثها هو واخوته ، فاشترى حصصهم منها ، فلمّا خلصت له ردّها على ولد فاطمة عليها السلام .
وفي عهد يزيد بن عبدالملك انتزعها من أولاد فاطمة عليها السلام ، فصارت في أيدي بني مروان حتى انقرضت الخلافة الاُمويّة .
وفي عهد أبي العباس السفّاح ردّها على عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
وفي عهد المنصور قبضها من بني الحسن .
وفي عهد المهدي ردّها على الفاطميين .
وفي عهد موسى الهادي قبضها من أيديهم ، وبقيت في أيدي العباسيين حتى خلافة
1 ـ الإسراء : 26 .
المأمون .
وفي عهد المأمون ردّها على الفاطميين سنة 210هـ ، وبهذه المناسبة أنشأ دعبل الخزاعي قصيدته المشهورة التي مطلعها :
وفي عهد المتوكّل انتزعها من الفاطميين وأقطعها عبدالله بن عمر البازيار ، وكان من ضمنها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة ، فوجّه عبدالله بن عمر البازيار رجلاً يقال له بشران بن أبي اُمية الثقفي إلى المدينة ، فصرم تلك النخيل ، ثم عاد ففُلج .
وبهذا كان آخر العهد بهذه المقاطعة الكبيرة .
وخلاصة المسألة : أنّ أبابكر استولى على فدك وطرد عمّال فاطمة عليها السلام منها ، فجاءت فاطمة الزهراء سلام الله عليها مطالبةً بفدك على أنّها نحلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فطالبها أبوبكر بالبيّنة ، فجاءت بعلي سلام الله عليه ، وبالحسن والحسين وهما صغيران ، وباُم أيمن ، يشهدون لها بذلك ، فردّ أبوبكر شهادة الشهود بحجّة أنّ عليّاً يجر النار إلى قرصه!!! والحسنان صغيران!! ، و اُم أيمن امرأة غير عربية!! .
فلم تسكت الزهراء سلام الله عليها عن حقّها ، وأقامت الدعوى ثانية وطالبت بفدك على أنّها سهم ذي القربى ، فاقتنع أبوبكر بالقضيّة ، وكتبَ لفاطمة سلام الله عليها بذلك كتاباً ، إلاّ أنّ دخول عمر بن الخطاب ـ وكان غائباً حينما كتب أبوبكر الكتاب لفاطمة سلام الله عليها ـ غيّر كلّ شيء ، حيث سأل أبابكر : ما هذا ؟
فقال : كتاب كتبته لفاطمة بحقّها من أبيها .
فقال : ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ؟ ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه (1) .
1 ـ السيرة الحلبيّة 3 : 400 .
ثم جاءت الزهراء سلام الله عليها تطالب بفدك على أنّها ميراث من أبيها ، فأجابها بأنّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة .
وبهذه الردود الباطلة منعوا الزهراء عليها السلام حقّها ، وأغضبوها ، وقد اغضبوا الله بذلك .
يقول سليمان كتاني : هبّتْ فاطمة تُطالب بالإرث ، لا لتحصل على الإرث ، بل لترهف حسّاً جماعيّاً لا يزال يهجع في الذل ويرضى بالإستكانة ، لتظهر للحاكم أنّه لن يتمكن من القيادة وفي عينيه دكنة من ظلم ومسحة من اغتصاب ، لتظهر له أنّ فدكاً وكل شبيه بفدك شوكة في عين الخلافة إلى أن تُنزع .
إنّ ألم فاطمة لم يكن مصدره موت أبيها ، أكثر ممّا كان مصدره أنّ رسالة أبيها ما إن عاشت حتى دخلت في حشرجة ، وها هي الرسالة أخذوها للاستعمال ولم يأخذوها للإكتمال ، أخذوها أداة ولم يأخذوها صفوة أناة .
إنّ الذين يغتصبون خلافة ليس كثيراً عليهم أن يختلسوا قطعة أرض ، وإنَّ الذين يعيشون في رهافة الحسّ ـ كفاطمة وعلي ـ ليس كثيراً عليهم أن يضنيهم التبرّم والألم وهم يشاهدون بأعينهم مَشاهد المأساة (1) .
خطبها :
للزهراء سلام الله عليها خطبتان مهمّتان كبرى وصغرى ، حفظهما لنا التأريخ الإسلامي ، فبالإضافة إلى اتّصافهما بالبلاغة والفصاحة والإعجاز ، تعدّان من أم الوثائق التأريخية التي تعكس الحالة التي كان يعيشها المسلمون آنذاك ، وتكشفان لنا عن سبب ما تُعانية الاُمّة الإسلاميّة اليوم من تأخّر وتقهقر واضطراب .
الخطبة الكبرى ذكرها عدد من الأعلام في كتبهم منهم : ابن طيفور في بلاغات النساء ، ومحمّد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة ، والطبرسي في الإحتجاج ، والأربلي في كشف
1 ـ فاطمة وتر في غمد : 107 .
الغمة . وذكر قسماً منها ابن بابويه القمي في مَن لا يحضره الفقيه ، والسيّد المرتضى في الشافي ، والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ، وابن شهرآشوب في المناقب ، وابن أبي الحديث في شرح نهج البلاغة ، وابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة ، وغيرهم .
ففي الإحتجاج : عن عبدالله بن الحسن باسناده عن آبائه عليهم السلام : أنّه لما أجمع أبوبكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكاً ، وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حَفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشدٍ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجّ المجلس ، ثم أمهلت هنيئة حتى سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها فقالت :
« الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدّم ، من عموم نعمٍ ابتدأها ، وسبوغ آلاءٍ أسداها ، وتمام مننٍ أولاها ، جمّ عن الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أمدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق باجزالها ، وثنى بالندب على أمثالها ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته .
ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ، كوّنها بقدرته ، وذرأها بمشيّته ، من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ، ولا فائدةٍ له في تصويرها ، إلاّ تثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، واظهاراً لقدرته ، تعبّداً لبريّته ، واعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، زيادة لعبادته من نقمته وحياشة لهم إلى جنته .
وأشهد أنّ أبي محمّداً عبده ورسوله ، إختاره قبل أن أرسله ، وسمّاه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علماً من الله تعالى بما يلي الاُمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع الاُمور .
ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وانفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الاُمم فرقاً في أديانها ، عكفاً على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله عرفانها ، فأنار الله بأبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها ، وكشف عن القلوب بُهمها ، وجلّى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرّهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم .
ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم من تعب هذه الدار في راحة ، قد حفّ بالملائكة الأبرار ، ورضوان الربّ الغفار ، ومجاورة الملك الجبّار ، صلّى الله على أبي ، نبيّه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيّه ، والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته » .
ثم إلتفتت إلى المجلس وقالت :
« أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، و اُم ناء الله على أنفسكم ، وبلغائه إلى الاُم م ، زعيم حقّ له فيكم ، وعهد قدّمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم : كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجليّة ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان أتباعه ، مؤد إلى النجاة استماعه .
به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسّرة ، ومحارمه المخدّرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .
فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحجّ تشييداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً للفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منساة في العمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة ايجاباً بالعفة . وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية فـ﴿ اتقوا الله حقّ تقاته ، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون ﴾ (1) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنّه ﴿إنّما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ (2) .
ثم قالت : أيها الناس اعلموا أني فاطمة ، و أبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، أقول عوداً وبدواً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ﴾ (3) فإن تعزوه وتعرفوه ، تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم .
فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ، ضارباً ثبجهم ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الأصنام ، وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، حتى تغرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست
1 ـ آل عمران : 102 .
2 ـ فاطر : 28 .
3 ـ التوبة : 128 .
شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفُهتُم بكلمة الإخلاص في نفر من البياض الخماص .
وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ومهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطىَ الأقدام . تشربون الطرق ، وتقتاتون القدّ ، أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلمّا أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان ، أو فغرة فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفىَ حتى يطأ جناحها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيّداً في أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم على رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال .
فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، واطلع الشيطان رأسه من مغرزة هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزّة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خِفافاً ، وأحشكمكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يُقبر ، إبتداراً زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا ﴿ وإن جهنّم لمحيطة بالكافرين ﴾ (1) .
1 ـ التوبة : 49 .
فهيهات فيكم ، وكيف بكم ؟ وأنّى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم ، اُموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزاوجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ ﴿ بئس للظالمين بدلاً ﴾ (1) ، ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ (2) .
ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثم أخذتم تورون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهاتف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهمال سنن النبيّ الصفي ، تشربون حسواً في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء ، ويصير منكم على حزّ المدى ، ووخز السنان في الحشا ، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ، ﴿ ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ﴾ (3) أفلا تعلمون ؟! بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته .
أيّها المسلمون!
أأغلبُ على إرثي ؟!
يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئتَ شيئاً فريّاً .
أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : ﴿ وورث سليمان داود ﴾ (4) وقال فيما اقتضى من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ﴿ فهب
1 ـ الكهف : 50 .
2 ـ آل عمران : 85 .
3 ـ المائدة : 50 .
4 ـ النمل : 16 .
لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ (1) ، وقال : ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ (2) ، وقال : ﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الاُنثيين ﴾ (3) ، وقال : ﴿ إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين ﴾ (4) .
وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم تقولون إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان ؟ أولستُ أنا و أبي من أهل ملّة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي .
فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون و﴿ لكلّ نبأ مستقر ﴾ (5) ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب عظيم » .
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار ، فقالت :
« يا معشر النقيبة وأعضاد الملّة ، وحضنة الإسلام ، ما هذه الغميزة في حقّي ، والسِّنة عن ظلامتي ؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول : « المرء يحفظ في ولده » ؟!
سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة ، ولكم طاقة بما أحاول ، وقوّة على ما أطلب وأزاول .
1 ـ مريم : 5 ـ 6 .
2 ـ الأنفال : 75 .
3 ـ النساء : 11 .
4 ـ البقرة : 180 .
5 ـ الأنعام : 67 .
أتقولون : مات محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فخطب جليل استوسع وهنه ، واستنهز فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، واُزيلت الحرمة عند مماته . فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم ، وفي ممساكم ومصبحكم ، يهتف في أفنيتكم هتافاً وصراخاً وتلاوة وألحاناً ، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله ، وحكم فصل ، وقضاء حتم :
﴿ وما محمّد إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ﴾ (1) .
إيهاً بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ؟! تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختبرت لنا أهل البيت ، قتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الاُمم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيام ، وخضعت ثغرة الشك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنى حزتم بعد البيان ؟ وأسررتم بعد الإعلان ؟ ونكصتم بعد الإقدام ؟ وأشركتم بعد الإيمان بؤساً لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، ﴿ وهمّوا باخراج الرسول ، وهم بدأوكم أوّل مرّة ، أتخشونهم ، فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ﴾ (2) .
1 ـ آل عمران : 144 .
2 ـ التوبة : 13 .
ألا وقد أرى قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم مَن هو أحقّ بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة ، ونجوتم بالضيق من السعة ، فمججتم ما دعيتم ، ووسعتم الذي تسوغتم ، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغنيّ حميد .
ألا وقد قلتّ هذا على معرفة منّي بالحذالة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور القناة ، وثبة الصدر ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر ، نقبة الخف ، باقية العار ، موسوعة بغضب الجبار وشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تفعلون ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (1)وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنّا عاملون ، ( وانتظر وإنّا منتظرون ) (2) .
فأجابها أبوبكر عبدالله بن عثمان وقال : يا بنتَ رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً ، وعقاباً عظيماً ، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخا إلفك دون الأخلاء ، آثره على كلّ حميم ، وساعده في كلّ أمر جسيم . لا يحبكم إلاّ سعيد ، ولا يبغضكم إلاّ شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله الطيّبون ، الخيرة المنتجبون ، على الخير أدلّتنا ، وإلى الجنة مسالكنا .
وأنت يا خيرة النساء ، وابنة خيرة الأنبياء صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقّك ، ولا مصدودة عن صدقك ، والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلاّ بإذنه ، والرائد لا يكذب أهله ، وإنّي اُشهد الله ـ وكفى به شهيداً ـ أنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً ، وإنما
1 ـ الشعراء : 227 .
2 ـ هود : 122 .
نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا يحكم فيه بحكمه » .
وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح ، يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفّار ، ويجالدون المردة الفجار ، وذلك بإجماع المسلمين لم أنفرد به وحدي ، ولم استبدّ بما كان الرأي عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين أيديك ، ولا تزوى عنك ، ولا تدخر دونك ، وإنّك وأنت سيّدة اُمّة أبيك ، والشجرة الطيّبة لبنيك ، لاندفع مالكِ من فضل ، ولا يوضع في فرعكِ وأصلكِ ، حكمكِ نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين أن اُخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقالت عليها السلام :
« سبحان الله ، ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً ، ولا لأحكامه مخالفاً ، بل يتبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكم عدل ، وناطق فصل يقول : ﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ (1) ، ويقول : ﴿ وورث سليمان داود ﴾ (2) وبيّن عزّ وجلّ فيما وزع من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظّ الذكران والإناث ما أزاح به علّة المبطلين ، وأزال التظنين والشبهات في الغابرين : كلا ﴿ بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً ، فصبرٌ جميل ، والله المستعان على ما تصفون ﴾ (3) .
فقال أبوبكر : صدق الله ورسوله ، وصدقتْ ابنته ، أنتِ معدن الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجّة ، لا اُبعد صوابكِ ، ولا اُنكر خطابكِ ، هؤلاء المسلمون بيني وبينكِ ، قلّدوني ما تقلّدت ، وبإتفاق منهم أخذتُ ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ، ولا
1 ـ مريم : 6 .
2 ـ النمل : 16 .
3 ـ يوسف : 18 .
مستأثر ، وهم بذلك شهود .
فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت :
« معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية على الفعل القبيح الخاسر ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ، كلاّ بل ران على قلوبكم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما ناولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشرّ ما منه اغتصبتم ، لتجدنّ الله محمله ثقيلاً ، وغيّه وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء ، وبان بأورائه الضراء ، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون » .
ثم عطفت على قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقالت :
ثم انكفأت عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه ، ويتطلّع طلوعها عليه ، فلمّا استقرّت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام :
« يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابنيّ ، لقد أجهد في خصامي ، وألفيته ألدّ في كلامي ، حتى حبستني قيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضّت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجتُ كاظمة ، وعدتُ راغمة ، أضرعتَ خدّك ، يوم أضعتَ حدّك ، افترستَ الذئاب ، وافترشتَ التراب ، ما كففتَ قائلاً ، ولا أغنيتَ طائلاً ، ولا خيار لي .
ليتني مُتُّ قبل هنيئتي ، ودون ذلّتي ، عذيري الله منه عادياً ، ومنك حامياً ، ويلاي في كلّ شارق ، ويلاي في كلّ غارب ، ماتَ العمدُ ، ووهَن العضد ،
1 ـ سنذكر بقية الأبيات الشعرية في الفصل القادم .
شكواي إلى أبي ، وعدواي إلى رّبي . اللَّهم إنّك أشدّ منهم قوّة وحولاً ، وأشد بأساً وتنكيلاً » .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
« لا ويلَ لكِ ، بل الويل لشانئك ، ثم نهنهي عن وجدِك يا ابنة الصفوة ، وبقية النبوّة ، فما ونيتُ عن ديني ، وأخطأتُ مقدوري ، فإن كنتِ تريدين البلغة فرزقك مأمون ، وما اُعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك ، فاحتسبي الله » .
فقالت : « حسبي الله » وأمسكت (1) .
أما الخطبة الثانية الصغيرة فذكرها ابن أبي طيفور في بلاغات النساء ، والطبري في دلائل الإمامة ، والصدوق في معاني الأخبار ، والشيخ الطوسي في الأمالي ، والطبرسي في الإحتجاج ، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ، والأربلي في كشف الغمّة ، وغيرهم من الأعلام .
ففي الإحتجاج : قال سويد بن غفلة : لمّا مرضت فاطمة سلام الله عليها المرضة التي توفيت فيها ، دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها ، فقلنَ لها : كيف أصبحتِ من عِلّتك يا بنتَ رسول الله ؟
فحمدت الله وصلّت على أبي ها ثم قالت :
« أصبحتُ والله عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجنتهم ، وسئمتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحاً لفلول الحدّ ، واللعب بعد الجدّ ، وقرع الصفات ، وصدع القناة ، وختل الآراء ، وزلل الأهواء و﴿ لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أنّ سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ﴾ (2) .
لا جرم لقد قلدتم ربقتها ، وحملتهم أوقتها ، وشننت عليهم غاراتها ، فجذعاً وعقراً ، وبعداً للقوم الظالمين .
1 ـ الإحتجاج 1 : 146 .
2 ـ المائدة : 80 .
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوّة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطبن باُم ور الدنيا والدين ؟! ألا ذلك هو الخسران المبين .
وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكاح وقعته ، وتنمّره في ذات الله ، وتا الله ، لو مالوا عن المحجّة اللايحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها وحملهم عليها ، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يمل راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنق جانباه ، ولأصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل ، ولا يحظى منها بنائل ، غير ري الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبانَ لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ، ﴿ ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ﴾ (1) ﴿ والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ﴾ (2) .
ألا هلم فاسمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً!! وإن تعجب فعجب قولهم!! ليت شعري إلى أي سناد استندوا ؟! وإلى أي عماد اعتمدوا ؟! وبأي عروة تمسّكوا ؟! وعلى أيّ ذريّة أقدموا واحتنكوا ؟! ﴿ لبئس المولى ولبئس العشير ﴾ (3) و﴿ بئس للظالمين بدلاً ﴾ (4) استبدلوا والله الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ﴿ ألا
1 ـ الأعراف : 96 .
2 ـ الزمر : 51 .
3 ـ الحج : 13 .
4 ـ الكهف : 50 .
إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ﴾ (1) ويحهم ، ﴿ أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أم مَن لا يهدي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ﴾ (2) ؟!
أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً ، وذعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويُعرف التالون غبَّ ما أسس الأوّلون ، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً ، واطمأنوا للفتنة جأشاً ، وابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً ، فيا حسرة لكم ، وأنّى بكم وقد عمّيت عليكم ، ﴿ أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴾ (3) .
قال سويد بن غفلة : فأعادت النساء قولها عليها السلام على رجالهن ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين ، وقالوا : يا سيّدة النساء لو كان أبوالحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره .
فقالت عليها السلام :
« إليكم عني ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم » (4) .
شعرها :
جلّ الشعر الذي ذكره أهل السير للزهراء عليها السلام هو في رثاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وحقّ لها أن ترثيه ، فهي مضافاً لما عانته من ألم الفاجعة وشدّة المصيبة ، وعظيم النازلة بفقده عليه الصلاة والسّلام ، تُشاهد انحراف الاُمة وانتكاستها ، وانقلابها الذي أشار إليه القرآن الكريم مسبقاً : ﴿ وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرُسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن
1 ـ البقرة : 12 .
2 ـ يونس : 35 .
3 ـ هود : 28 .
4 ـ الإحتجاج 1 : 149 .
ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ﴾ (1) .
وحتى بكاؤها عليها السلام الذي ضجر منه أهل المدينة كان للأمرين معاً ، ولعلّ انقلاب الاُمّة وانحرافها كان أوجع قلبها ، وأجرى لمدامعها . وهنا نسجل ما ورد من شعرها في رثاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
( 1 ) قالت عليها السلام :
( 2 ) ولها عليها السلام بعد أن أخذت قبضة من قبره الشريف فشمتها :
( 3 ) ولها عليها السلام وقد لحقت أمير المؤمنين عليه السلام لتخلّصه ، فلم تتمكن من ذلك ، فعدلت إلى قبر أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فأشارت إليه بحرقة ونحيب قائلة :
( 4 ) ولها عليها السلام بعد الخطبة وقد انعطفت على قبر أبيها صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ آل عمران : 144 .
2 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام لعلي دخيل : 124 .
3 ـ الفصول المهمة : 132 .
4 ـ الفصول المهمة : 132 ، المشرع الروي : 88 ، الدر المنثور : 360 .
5 ـ بيت الأحزان : 48 .
(5) ولها عليها السلام وقد دنت من قبره الشريف :
(6) ولها عليها السلام :
(7) ولها عليها السلام :
(8) ولها عليها السلام :
1 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام لعلي دخيل : 125 .
2 ـ بيت الأحزان : 70 .
3 ـ بيت الأحزان : 70 .
4 ـ بيت الأحزان : 71 .
(9) وقالت عليها السلام بعد خطبتها الكبرى :
الزهراء عليها السلام في المكتبة العربية :
أثناء مطالعتنا القاصرة ، وبالأخصّ حينما أردنا كتابة بعض الوريقات عن حياة الزهراء سلام الله عليها تجمّعت لدينا بعض عناوين الكتب التي ترجمت حياة الزهراء سلام الله عليها ، وتعميمأ للفائدة نسجّل ما عثرنا عليه من هذه العناوين ونقسّمها إلى قسمين :
الأول : الكتب التي خصّصت لدراسة حياة الزهراء عليها السلام .
الثاني : الكتب التي ذكرت ترجمة الزهرا عليها السلام ضمن التراجم الاُخرى .
القسم الأوّل :
(1) إتحاف السائل بما لفاطمة رضي الله عنها من الفضائل : لمحمد حجازي الشافعي .
(2) إحتجاج الزهراء فاطمة عليها السلام : لحجة الإسلام النجفي الرضوي .
1 ـ بيت الأحزان : 71 .
2 ـ أمالي الشيخ المفيد : 33 ، وذكرها الطبرسي في الإحتجاج 1 : 146 مع بعض الإختلافات .
(3) أخبار فاطمة : لأبي علي الصولي .
(4) أخبار فاطمة عليها السلام : لعبدالله بن أبي زيد الأنباري .
(5) أخبار فاطمة عليها السلام : لمحمد بن أحمد بن عبدالله ( ابن أبي الثلج ) .
(6) أخبار فاطمة عليها السلام ومنشؤها ومولدها : لمحمد بن زكريا بن دينار .
(7) أربعون حديثأ في فضائل السيدة فاطمة عليها السلام : لنجم الدين الشريف العسكري .
(8) الأربعين في فضائل الزهراء عليها السلام : لأحمد بن عبدالملك المؤذن .
(9) أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي : لبعض الأعلام .
(10) اُم الشهداء فاطمة بنت محمد : لمهدي عبدالحسين .
(11) البتول العذراء : لمحمد حسين شمس الدين .
(12) بيت الأحزان : للشيخ عباس القمي .
(13) تزويج فاطمة عليها السلام : لعبدالعزيز بن يحيى الجلودي .
(14) تزويج فاطمة رضي الله عنها : لابن أبي دنيا .
(15) تزويج فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : للإمام محمّد الباقر عليه السلام ، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد .
(16) تظلم الزهراء عليها السلام في إهراق دماء آل العباء : لرضي بن نبي الواعظ القزويني .
(17) تفسير خطبة فاطمة : لابن عبدون .
(18) الثغور الباسمة في مناقب السيّدة فاطمة : لجلال الدين السيوطي .
(19) جزء فيه تزويج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعلي بن أبي طالب عليهما السلام : للحافظ أبي بكر محمد بن هارون الروياني .
(20) خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام : شرح وتحقيق مسلم الجابري .
(21) خطبة فاطمة عليها السلام : لأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي .
(22) درر اللآلي في حجة دعوى البتول الزهراء لفدك والعوالي : للحسين بن يحيى الديلمي .
(23) الدرة البيضاء في شرح خطبة الزهراء : لمحمّد تقي السيّد اسحاق الرضوي القمي .
(24) الدرة اليتيمة في بعض فضائل السيّدة العظيمة : لأبي السيادة عبدالله بن ابراهيم الحنفي المعروف بالمحجوب .
(25) الدرة البيضاء في أحوال فاطمة الزهراء : لجلال الدين محمد بن الحسين الواعظ .
(26) الدرة البيضاء في تأريخ حياة الزهراء عليها السلام : لنجم الدين الشريف العسكري .
(27) رائدة فخر النساء : لحيدر علي السعدي .
(28) الروضة الزهراء في مناقب فاطمة الزهراء : لمحمد بن أحمد بن أحمد الخزاعي .
(29) زهد فاطمة عليها السلام : للشيخ الصدوق .
(30) الزهراء عليها السلام : لمحمّد جمال الهاشمي .
(31) الزهراء عليها السلام في السنة والتأريخ : لمحمد كاظم الكفائي .
(32) الزهراء سيدة الكساء ونساء اليوم ، لكريم أحمد الصائغ .
(33) الزهراء فاطمة بنت محمد : لعبدالزهراء عثمان .
(34) الزهراء في محراب الألم الخالد : لعبدالكريم توفيق الطائي .
(35) سيرة فاطمة الزهراء عليها السلام : لمحمد سلطان مرزا .
(36) السيول في فضائل البتول : ادريس بن علي الحمزي اليمني .
(37) شرح خطبة الزهراء عليها السلام : للسيد عبدالله شبر .
(38) شرح الخطبة : خليل الكمرئي .
(39) شرح الخطبة : فاضل علي القزويني .
(40) شرح الخطبة : للسيد محمّد علي تاج العلماء .
(41) شرح الخطبة : هادي البناني .
(42) شرح خطبة الزهراء : لمحمّد نجف المشهداني الكرماني .
(43) شرح خطبة الزهراء عليها السلام : للمولى محمد علي أحمد القراچه داغي .
(44) الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام : لمحمد رضا الحساني .
(45) الصديقة فاطمة الزهراء بنت الرسالة المحمدية : لعبدالمجيد سماوي الجلّوب .
(46) الصوارم الحاسمة في مصائب الزهراء فاطمة : للسيد أبوالقاسم الحلي .
(47) الظلامة الفاطمية : للناصر للحقّ إمام الزيدية .
(48) الظلامة الفاطمية : لمحمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي .
(49) فاطمة البتول : لمعروف الأرناؤط .
(50) فاطمة بنت محمد اُم الشهداء وسيدة النساء : لعمر أبونصر .
(51) فاطمة الزهراء : لتوفيق أبوعلم .
(52) فاطمة والفاطميون : لعباس محمود العقّاد .
(53) فاطمة وقصائد اُخرى : ليوسف محمد عمر .
(54) فاطمة الزهراء اُم أبيها : للسيد فاضل الميلاني الحسيني .
(55) فاطمة بضعة المصطفى : لحيدر الشديدي .
(56) فاطمة الحوراء الإنسية : لجاسم هاشم العبادي .
(57) فاطمة الزهراء شهاب النبوة الثاقب : للسيد حسن يحيى الحكيم .
(58) فاطمة نداء الملايين : للسيد محمد تقي الخراساني .
(59) فاطمة وتر في غمد : لسليمان كتاني .
(60) فاطمة الزهراء عليها السلام : لعلي محمد علي دخيل .
(61) فاطمة الزهراء عليها السلام : لجنة التأليف في دار التوحيد .
(62) الفاطميات : لأبي الحسن المدائني .
(63) الفتح والبشرى في مناقب فاطمة الزهراء : لمحمد الجعفري .
(64) فخر النساء فاطمة : لخليل رشيد .
(65) فدك : ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي .
(66) فدك : للحسن بن علي بن الحسن ( أبومحمد الأطروش ) .
(67) فدك : لمظفر بن محمد أبو الجيش البلخي .
(68) فدك : لعبدالرحمن بن كثير الهاشمي .
(69) فدك : لعبدالله بن أبي زيد الأنباري .
(70) فدك : ليحيى بن زكريا الزماشيري .
(71) فدك في التأريخ : للشهيد السيّد محمّد باقر الصدر .
(72) فضائل الزهراء عليها السلام : لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي .
(73) فضائل فاطمة : لعمر بن شاهين .
(74) فضائل فاطمة الزهراء : للحاكم النيسابوري .
(75) في بيت فاطمة : لعبدالصمد تركي .
(76) كتاب ذكر فاطمة : لعبدالعزيز بن يحيى الجلودي .
(77) كلام في فدك : لطاهر غلام أبي الحبيش .
(78) كلام فاطمة عليها السلام : لأبي الفرج الأصفهاني .
(79) الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليها السلام : لعبدالحسين شرف الدين الموسوي .
(80) اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء : لمحمد علي الأنصاري .
(81) مباحث إمامي وسني في أفضلية الزهراء عليها السلام على مريم عليها السلام : لنجم الدين الشريف العسكري .
(82) مباحث علوي وإمامي في تفضيل الزهراء عليها السلام على سائر النساء : لنجم الدين الشريف العسكري .
(83) مجمع النورين وملتقى البحرين : لأبي الحسن الزيدي النجفي .
(84) مصادر الدراسة عن الزهراء عليها السلام : لعلي محمد علي دخيّل .
(85) مصباح الأئمة في تأريخ اُم الأئمة : لميرزا أحمد المتخلص بـ ( منظور ) .
(86) مظهر الأشجان عن مهيج الأحزان : لجعفر بن محمد البحراني .
(87) مَن روى عن فاطمة عليها السلام من أولادها : لأحمد بن محمد بن سعيد ( ابن عقدة ) .
(88) مناقب فاطمة الزهراء وولدها : لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري .
(89) مناقب الفاطمية : لابراهيم بن محسن الكاشاني .
(90) مناقب فاطمة الزهراء عليها السلام وحالاتها : لبعض الأصحاب .
(91) مولد فاطمة عليها السلام وفضائلها وتزويجها وظلامتها ووفاتها : للشيخ الصدوق .
(92) الأنوار اللامعة في تواريخ سيدتنا الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام : للشيخ محمد رضا الطبسي .
(93) النار الحاطمة لقاصد إحراق بيت فاطمة : للسيد مقرب علي النقوي الحسيني .
(94) النفحات القدسية في الأنوار الفاطمية : لعبدالرزاق كمونة الحسيني .
(95) نخبة البيان في تفضيل سيّدة النسوان : للسيد عبدالرسول الشريعتمداري الجهرمي .
(96) وفاة فاطمة عليها السلام : لأبي الحسن البكري .
(97) وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام : لعبدالرزاق المقرّم الموسوي .
(98) وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام : لحسين بن شيخ محمد البحراني .
(99) وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام : لعلي بن الشيخ حسين البلادي .
القسم الثاني :
(100) الإحتجاج : للطبرسي 1 : 146 .
(101) الإستيعاب : لابن عبدالبر ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 373 .
(102) اُسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير 5 : 519 .
(103) الإصابة في تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلاني 4 : 377 .
(104) اعلام الدين في صفات المؤمنين : للديلمي : 247 .
(105) الأعلام : لخير الدين الزِركلي 5 : 132 .
(106) أعلام النساء : لعمر رضا كحالة : 3 : 199 .
(107) إعلام الورى بأعلام الهدى : للطبرسي : 154 .
(108) أعيان الشيعة : للسيد محسن الأمين 1 : 307 .
(109) الإقبال : للسيد ابن طاووس : 98 .
(110) الأمالي : للشيخ الطوسي 1 : 318 .
(111) الأمالي : للشيخ المفيد : 64 و 159 .
(112) بحار الأنوار : للعلاّمة المجلسي ج 43 .
(113) بشارة المصطفى : للطبري : 178 .
(114) بلاغات النساء : لابن طيفور : 12 .
(115) تأريخ بغداد : للخطيب البغدادي 5 : 7 .
(116) تأريخ الإسلام : للذهبي : 66 و 75 و 144 و 591 وغيرها .
(117) تأريخ الخميس : للديار بكري 1 : 277 .
(118) تأريخ اليعقوبي : لأحمد بن أبي يعقوب 2 : 20 و35 و65 و115 و137 و244 وغيرها .
(119) تذكرة الخواص : لابن الجوزي : 271 .
(120) تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني 2 : 609 .
(121) تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني 12 : 468 رقم 2860 .
(122) تنقيح المقال : للشيخ عبدالله المامقاني 3 : 81 .
(123) ثواب الأعمال : للشيخ الصدوق : 163 .
(124) جامع الرواة : للأردبيلي 2 : 455 .
(125) حلية الأولياء : لأبي نعيم 2 : 39 .
(126) الإختصاص : للشيخ المفيد : 183 .
(127) الدر المنثور : لزينب فوّاز العاملية : 359 .
(128) دلائل الإمامة : للطبري : 40 .
(129) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : للطبري : 26 .
(130) ذيل المذيّل : 68 .
(131) رجال ابن داود : لابن داود : 223 .
(132) الرياض النضرة في مناقب العشرة 3 : 142 .
(133) إسعاف الراغبين بهامش نور الابصار : 111 .
(134) السمط الثمين : 146 .
(135) سنن الترمذي : للترمذي 5 : 698 .
(136) سير أعلام النبلاء : للذهبي 2 : 97 .
(137) السيرة الحلبية : للحلبي الشافعي 3 : 399 .
(138) السيرة النبوية والآثار المحمديّة : لأحمد زيني دحلان 1 : 222 .
(139) السيرة النبوية : لابن كثير 2 : 541 .
(140) سيرة المصطفى : لهاشم معروف الحسيني : 326 .
(141) شذرات الذهب : لابن العماد الحنبلي 1 : 9 .
(142) شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد 9 : 193 .
(143) صحيح البخارى : للبخاري 5 : 1902 .
(144) صفة الصّفوة : لابن الجوزي 2 : 3 .
(145) الصواعق المحرقة : لابن حجر : 85 .
(146) الطبقات الكبرى : لابن سعد 8 : 19 .
(147) العِبر في خبر مَن غبر : للذهبي 1 : 6 و 11 و 2 : 86 .
(148) عدة الداعي : لابن فهد الحلي : 138 .
(149) العقد الفريد : لابن عبدربّه 3 : 194 .
(150) عوالم العلوم والمعارف : للشيخ عبدالله البحراني .
(151) عيون المعجزات : للشيخ حسن عبدالوهاب : 53 .
(152) عيون أخبار الرضا عليه السلام : للشيخ الصدوق 1 : 222 .
(153) فضائل الخمسة من الصحاح الستة : للسيد مرتضى الحسيني الفيروز آبادي 3 : 151 .
(154) الفضائل : لابن شاذان : 80 و 211 .
(155) فلاح السائل : للسيد ابن طاووس : 152 .
(156) فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والأئمة من ذريتهم (ع) : لإبراهيم ابن محمد الجويني الخراساني .
(157) الفصول المهمة في معرفة الأئمة : لابن الصبّاغ : 109 .
(158) قادتنا كيف نعرفهم : لآية الله العظمى السيّد محمّد هادي الميلاني 4 : 245 .
(159) الكاشف في معرفة من له رواية من الكتب الستة : للذهبي 3 : 431 .
(160) كتاب سليم بن قيس : لسليم بن قيس : 36 و 211 .
(161) الكنى والألقاب : للشيخ عباس القمي 1 : 23 و110 و2 : 27 و146 و3 : 17 و196 وغيرها .
(162) كشف الغمة في معرفة الأئمة : للإربلي 1 : 448 .
(163) كفاية الأثر في النصّ على الائمة الإثني عشر : للرازي : 193 .
(164) كفاية الطالب في مناقب آل أبي طالب : للكنجي الشافعي : 362 .
(165) الإمامة والسياسة : لابن قتيبة 1 : 12 .
(166) المباهلة : لعبدالله السبتي : 75 .
(167) المحاسن : للبرقي : 30 .
(168) المحاسن والمساوىَ : للبيهقي 1 : 222 .
(169) المرأة في ظل الإسلام : للسيّدة مريم فضل الله : 175 .
(170) مرآة الجنان : لليافعي 1 : 61 .
(171) مجمع البيان : للطبرسي .
(172) مجمع الرجال : للقهبائي 7 : 178 .
(173) المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري 3 : 151 .
(174) المشرع الروي : 86 .
(175) مصباح الأنوار : 62 و82 .
(176) معجم رجال الحديث : للسيد الخوئي 23 : 197 رقم 15661 .
(177) معاني الأخبار : للشيخ الصدوق : 101 .
(178) مناقب الإمام علي بن أبي طالب : لابن المغازلي : 340 .
(179) المناقب : للموفق بن أحمد البكريالمكي الحنفي المعروف بـ ( أخطب خوارزم ) : 241 .
(180) مناقب آل أبي طالب : لابن شهرآشوب 3 : 318 .
(181) مهج الدعوات : للسيد ابن طاووس : 6 و175 .
(182) نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار : للشبلنجي : 51 .
(183) الهداية الكبرى : للخصيبي : 173 .
(184) ينابيع المودّة : للقندوزي : 148 (1) .
342 فاطمة أشرف الساداتا
فاطمة أشرف السادات بنت السيّد محمّد ابن السيّد مرتضى ابن السيّد هادي الحسيني الرامسري .
ولدت في رامسر قبل سنة 1310هـ ، وتوفيّت سنة 1382هـ .
نشأت في حجر أبيها ، ثم انصرفت إلى الدراسة . وكانت عالمة في الأحكام الشرعية والعلوم الإسلامية ، ولها مكتبة نفيسة تفرّق تبعد وفاتها ، وكانت رحمها الله تنظم الشعر باللغة الفارسية (2)
343 فاطمة العُكبري
الشيخة فاطمة بنت الشيخ محمّد بن أحمد بن عبدالله بن حازم العكبري .
فاضلة ، عالمة ، فقيهة ، وهي من مشيخة السيّد تاج الدين محمّد بن معيّة الحسيني .
يروي عنها الشيخ الشهيد بتوسّط السيّد ابن معيّة المذكور .
وقد أجازها الشيخ عبدالصمد بن أحمد بن عبدالقادر بن أبي الجيش .
1 ـ بعد صدور الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، بذلنا جهدنا في سبيل الوقوف على أكبر عددٍ من المصادر التي ترجمت لسيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء وللسيّدة زينب عليهما السلام ، من أجل ادراجها في الطبعة الثانية ، فتجمّعت لدينا بطاقات جديدة ، إلاّ أنّ ما كتبه الشيخ عبدالجبار الرفاعي في كتابه « معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام » جعلنا نترك الاستمرار في هذا العمل فَمن شاء فليراجع ذلك الكتاب .
2 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 158 ـ 159 نقلأ عن الشيخ محمّد السمامي .
ذكرها الأفندي في الرياض (1) والسيّد محسن الأمين في الأعيان (2) المحلاّتي في الرياحين (3)
344 فاطمة الكاشانيّة
فاطمة بنت الشيخ محمّد علم الهدى ابن الملاّ محسن الفيض الكاشاني ابن الشاه مرتضى ابن الشاه محمود ، تُكنى باُم سلمة .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، أديبة ، شاعرة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة ، ذات دين وصلاح وتقوى .
ولدت في ذي القعدة الحرام سنة 1088هـ ، وتوفّيت في العشرين من جمادى الآخرة سنة 1114هـ ، ودُفنت عند رِجْلَي والدها في مقبرة جدّها الفيض الكاشاني في مقبرتهم العائلية الخاصة بكاشان .
قرأت المقدّمات على أخواتها ، وأخذت الفقه والاُصول عن أعمامها أبي حامد محمّد المعروف بنور الهدى ، ومعين الدين أحمد ، وتخرّجت على والدها .
تروي عن والدها وأعمامها المذكورين ، وفي سنة 1112هـ تزوّجت بأحد أقربائها يدعى زين الدين علي .
ذكرها وأثنى عليها سماحة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي في مقدّمة كتاب معادن الحكمة (4) .
345 فاطمة الجزينيّة العامليّة
فاطمة بنت الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي الجزيني العاملي ، تُكنّى بـ « اُم الحسن » ، وتُلقّب
1 ـ رياض العلماء 5 : 406 .
2 ـ أعيان الشيعة 8 : 391 .
3 ـ رياحين الشريعة 5 : 23 .
4 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 159 نقلأ عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 25 ـ 26 .
بـ « ستّ المشايخ » .
وهي زبدة الخواص ، وزينة أهل الفضيلة والإخلاص ، شيخة الشيعة ، وعَيبة العلم الباذخ ، سيّدة رواة الأخبار ، ورئيسة نَقَلَ الآثار .
ذكرها محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في أمل الآمل قائلأ : كانت عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، صالحة ، عابدة ، سمعتُ من المشايخ مدحَها والثناء عليها . تروي عن أبيها ، وعن ابن معيّة ـ شيخه ـ إجازة . وكان أبوها يثني عليها ، ويأمر النساء بالإقتداء بها والرجوع إليها في أحكام الحيض والصلاة ونحوها .
وقال الشهيد الثاني رحمه الله في إجازته الكبيرة لوالد الشيخ البهائي الحسين بن عبدالصمد : ورأيتُ خطّ هذا السيّد المعظم ـ يعني : تاج الدين بن معيّة ـ بالإجازة لشيخنا الشهيد شمس الدين محمّد بن مكي ، ولولديه محمّد وعلي ، ولاُختهما اُم الحسن فاطمةالمدعوة بست المشايخ .
وقد وهبت هذهالسيّدة الجليلةميراثها من أبيها إلىأخويها محمّد وعليمقابلبعضالكتب ، وكَتبت بهذا الشأن وثيقة وقّع عليها عدّة شهود منهم خالهم المقدّم علوان بن أحمد بن ياسر .
وعند مطالعة ما كتبته ست المشايخ في هذه الوثيقة تَظهر بلاغتها وأدبها وتأدّبها ، وحبّها للعلم وتعلّقها بالكتب العلمية .
وقد عثرنا على صورة هذه الوثيقة في كتاب « حياة الإمام الشيهد الأوّل » تأليف الشيخ محمّدرضا شمسالدين ، وصوّرنا هذه الوثيقة وأرفقناها هنا ، ولِقدمها وصعوبة قرائتها نورد ما جاء فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي وهب لعباده ما شاء ، وأنعمَ على أهل العلم والعمل بما شاء ، وجعل لهم شرفأ وقدرأ وكرامة ، وفضّلهم على الخلق بأعمالهم العاليّة ، وأعلا مراتبهم في داري الدنيا والآخرة ، وشهد بفضلهم الإنس والجان .
والصلاة والسّلام الأتمّان الأكملان على سيّدنا محمّد سيّد ولد عدنان ، المخصوص بجوامع الكلم الحسان ، وعلى آله وأصحابه أهل اللسن واللسان ، والساحبين ذيون الفصاحة على سحبان ، وعلى تابعيهم ومَن تابعهم ما اختلف المديدان وأضاء القمران .
أمّا بعد ، فقد وهبتْ الستّ فاطمة اُم الحسن أخويها : أباطالب محمّدأ ، وأباالقاسم عليّأ ، سلالة السعيد الأكرم والفقيه الأعظم ، عمدة الفخر ، وفريد عين الزمان ووحيده ، محيي مراسم الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، مولانا شمس الملّة والحقّ والدين محمّد بن أحمد بن حامد بن مكي قدّس سره ، المنتسب لسعد بن معاذ سيّد الاُوس قدّس الله أرواحهم ، جميع ما يخصّها من تركة أبيها في جُزين وغيرها ، هبةً شرعيةً ابتغاءً لوجه الله تعالى ورجاءً لثوابه الجزيل ، وقد عوّضا عليها كتاب التهذيب للشيخ رحمه الله ، وكتاب المصباح له ، وكتاب مَن لا يحضره الفقيه ، وكتاب الذكرى لأبيهم رحمه الله ، والقرآن المعروف بهديّة علي ابن مؤيّد ، وقد تصرّف كلّ منهم والله الشاهد عليهم ، وذلك في اليوم الثالث من شهر رمضان العظيم قدره ، الذي هو من شهور ثلاثة وعشرين وثمنمائة ، والله على ما نقول وكيل .
وعلى رأس الورقة توقيع الشيخ حسن بن علي التوليني وختمه ، وهذا صورة ما كتبه :
قد اتصل بيّ بثبوت هذه الوثيقة بين الأماجد الطاهرين ، وعلمتُ ما جرى ورقّم فيها بعلم اليقين أجريت عليها بقلم الاثبات بالمشروع والمعقول ، وأنا أحقر الورى حسن بن علي التوليني . خاتمه .
وفي أسفل الورقة أسماء وتواقيع الشهود وهم :
شهد خالهم المقدّم علوان
ابن أحمد بن ياسر
خاتمه / شهد الشيخ علي
ابن حسين الصائغ
خاتمه / شهد بذلك الشيخ فاضل
ابن مصطفى البعلبكي
خاتمه
وقال الأفندي في الرياض ـ بعد أن نقل ما ذكره العاملي في الأمل ـ : أقول : « الستّ » مخفّف سيّدة مع إدغام الدال في التاء ، وهذا كما يقال : ستّي ، وستي فاطمة ، والحال فيهما كذلك ، وأصلهما سيدتي (1) .
1 ـ انظر : رياض العلماء 5 : 404 ، مستدرك وسائل الشيعة 3 : 438 ، أمل الآمل 1 : 913 ، أعيان الشيعة 3 : 476 و7 : 184 و8 : 388 ، تكملة أمل الآمل : 448 ، حياة الإمام الشهيد الأوّل : 8 ، الكنى والألقاب 2 : 343 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 ، أعلام النساء 4 : 139 .
صورة وثيقة بنت الشهيد
346 فاطمة الكبرى (1)
بنت الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين .
اُمّها : اُم ولد يقال لها سكن النوبية ، وقيل : خيزران المرسيّة ، وقيل : نجمة ، وقيل : صقر ، وقيل : أروى ، وكنيتها اُم البنين . ولما ولدَت الإمام الرضا عليه السلام سمّيت بالطاهرة ، إذاً هي اُخت الإمام الرضا عليه السلام من اُم وأب .
ولدت في المدينة المنورة عام 183هـ حسبما صرّح به المؤرّخون ، ورضعت من ثدي الإمامة والولاية ، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة ، وورثت عن أبيها الإنسانية ، والمثل العليا في العقيدة والعبادة والعلم والحكمة ، والنفسيّة الزاكية ، والعفة والأدب والحسب النقي ، والنسب النبويّ ، والشرف العلويّ ، والطهر الفاطمي ، وتُعرف على ألسنة الفقهاء والعلماء بكريمة أهل البيت ، ولم تكن بين العقيلات مَن تُعرف بهذا الإسم غيرها .
نشأت فاطمة الكبرى تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام ؛ لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سُجن بأمر من الرشيد ، لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ، ورعاية كلّ العوائل من العلويين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه قائم برعايتهم وسدّ حاجياتهم ، حتى وصل عدد العوائل التي كانت تحت تكفّل الإمام عليه السلام إلى خمسمائة عائلة .
إنّ هذه العقيلة هي من الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة المطهّرة ، ومن حفيدات الصديقة
1 ـ انظر ترجمتها في : إعلام الورى 2 : 312 ، أعيان الشيعة 8 : 391 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 303 ، الأنوار النعمانية 1 : 380 ، البداية والنهاية 10 : 307 ، الصراط السوي : 390 ، الفصول المهمة : 242 ، الكامل في التأريخ 78 : 26 ، المستجاد من كتاب الإرشاد : 444 ، باب الجنّة في أحاديث فضل قم وفضل زيارة مشهد فاطمة ، تاج الموالد : 124 ، تأريخ الأئمة : 20 ، تأريخ قم : 199 ، تحفة الفاطميين للشيخ محمد حسن القمي ، تحفة العالم 2 : 23 ، تذكرة الخواص : 351 ، رياحين الشريعة 5 : 31 ، ريحانة الأدب 8 : 286 ، عمدة الطالب : 196 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 268 ، فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، كشف الغمة 2 : 236 ، مطالب السؤل 2 : 65 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 326 ، نور الأبصار : 198 .
الزهراء سلام الله عليها ، وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات المهاجرات ، اللاتي اختصّهن الله تعالى بملكة العقل والرشاد ، والإيمان والثبات ، والعزيمة والفداء والتضحية ، وأودع فيهنّ العفة والطهارة وبواعث القوة والحقّ والغلبة والكمال ، مع تجنّبهن عوامل الذل والخذلان والخوف والاستسلام والإنحراف .
تُعرف هذه العقيلة بالمحدّثة ، والعابدة ، والمقدامة ، وكريمة أهل البيت عليهم السلام .
لقد كانت فاطمة الكبرى على دين قويم صادق ، وانقطاع متواصل إلى الله ، وفي غاية الورع والتقوى والزهد ، كيف لا وأبوها الإمام الكبير القدر ، العظيم الشأن ، المجتهد الجاد في الإجتهاد ، المشهور بالعبادة ، والمواظب على الطاعات ، المشهور بالكرامات ، يبيت الليل ساجداً وقائماً ، ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً ، لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً ، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح ، ويُعرف بباب الحوائج إلى الله .
روايتها :
كانت السيّدة فاطمة الكبرى بنت الإمام الكاظم عليه السلام عالمة محدّثة راوية ، حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام ، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث ، وأثبت لها أصحاب السُنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصة والعامة ، فذكروا أحايثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والإعتماد .
روى الإمام الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري الشافعي المتوفى سنة 813هـ ، بسنده عن بكر بن أحمد القصري ، عن فاطمة بنت علي بن موسى الرضا ، عن فاطمة وزينب و اُم كلثوم بنات موسى بن جعفر ، قلنَ حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق ، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي ، حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين ، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي ، عن اُم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنها قالت :
« أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه ،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام » (1) .
وبسنده عن بكر بن أحنف قال : حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وزينب و اُم كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السلام ، قلن : حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي عليهما السلام ، عن اُم كلثوم بنت علي عليه السلام ، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت :
« سمعتُ رسولَ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لما اُسري بي إلى السماء دخلتُ الجنة ، فإذا أنا بقصر مندرّة بيضاء مجوّفة ، وعليها بابمكلّلبالدر والياقوت ، وعلىالباب ستر ، فرفعتُ رأسي فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي وليّ الله ، وإذا مكتوب على الستر : بخٍ بخٍ من مثل شيعة علي .
فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : محمّد رسول الله ، علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب : بشّر شيعة علي بطيب المولد .
فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوت حمراء مكلّلة باللؤلؤ ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون .
فقلت : حبيبي جبرئيل : لمن هذا ؟
فقال : يا محمّد لابن عمّك ووصيّك علي بن أبي طالب عليه السلام ، يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلاّ شيعة علي ، ويُدعى الناس بأسماء اُمهاتهم ، ما خلا شيعة علي عليه السلام فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم .
1 ـ أسنى المطالب : 49 ، الغدير 1 : 196 .
فقلت : حبيبي جبرئيل : وكيف ذاك ؟
قال : لأنّهم أحبّوا علياً فطاب مولدهم » (1) .
وروى الصدوق في الأمالي عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي علي بن عبدربّه ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري ، قال : حدّثنا العباس بن بكار ، قال : حدّثني الحسن بن يزيد ، عن فاطمة بنت موسى ، عن عمر بن علي بن الحسين ، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، عن أسماء بنت أبي بكر ، عن صفية بنت عبدالمطلب ، قالت : لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن اُمّه وكنتُ وليتها قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عمّة هلمّي إلي ابني » .
فقلت يا رسول الله إنّا لم ننظّفه بعده
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عمّة أنتِ تنظّفيه ؟ ! إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره » (2) .
وفاتها :
قال الحسن بن محمّد القمي في كتابه تأريخ قم : أخبرنى مشايخ قم عن آبائهم : أنّه لما أخرج المأمونُ الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200هـ خرجت فاطمة اُخته تقصده في سنة 201هـ ، ولمّا وصلت إلى ساوة مرضت ، فسألت : كم بينها وبين قم ؟
قالوا : عشرة فراسخ .
فقالت : احملوني إليها ، فحملوها إلى قم ، وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري .
قال : وفي أصح الروايات أنّه لمّا وصل خبرها إلى قم استقبلها أشراف قم وتقدّمهم موسى بن الخزرج ، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله ، وكانت في داره سبعة عشر يوماً ثم توفّيت رضي الله عنها . فأمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البواري ، إلى أن بَنت زينب بنت الإمام
1 ـ الفوائد الرضوية : 60 ، بحار الأنوار 68 : 76 ، سفينة البحار 1 : 729 .
2 ـ الأمالي : 82 .
محمّد بن علي الجواد عليهم السلام عليها قبة (1) .
قال : وأخبرني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أنّه لمّا توفّيت فاطمة رضي الله عنها ، وغسّلت وكفّنت ، حملوها إلى مقبرة بابلان ووضعوها على سرداب حُفر لها ، فاختلف آل سعد في مَن يُنزّلها إلى السرداب ، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له قادر ، فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه ، ثم خرجا ولم يكلّما أحداً وذهبا ، ولم يدرِ أحد مَن هما (2) .
زيارتها :
أفرد الشيخ المفيد رحمه الله لها زيارة خاصة في كتابه المزار ، وعقد العلاّمة المجلسي في البحار باباً في زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام : حيث حدّث علي ابن ابراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « يا سعد عندكم لنا قبر » .
قلت : جعلت فداك : قبر فاطمة بنت موسى عليها السلام ؟
قال : « نعم ، مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنة ، فإذا أتيتَ القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، ثم قل :
السّلام على آدم صفوة الله ، السّلام على نوح نبي الله ، السّلام على ابراهيم خليل الله ، السّلام على موسى كليم الله ، السّلام على عيسى روح الله ، السّلام عليكَ يا رسول الله ، السّلام عليكَ يا خيرَ خلق الله ، السّلام عليك يا صفيّ اللهآ السّلام عليك يا محمّد بن عبدالله خاتم النبيين ، السّلام عليك يا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله ، السّلام عليكِ يا فاطمة سيّدة
1 ـ تأريخ قم : 213 ، بحار الأنوار 102 : 299 .
2 ـ تأريخ قم : 214 ، بحار الأنوار 48 : 290 .
نساء العالمين ، السّلام عليكما يا سبطي نبي الرحمة وسيّدي شباب أهل الجنّة ، السّلام عليك يا علي بن الحسين سيّد العابدين وقرّة عين الناظرين ، السّلام عليك يا محمّد بن علي باقر العلم بعد النبيّ ، السّلام عليك يا جعفر بن محمّد الصادق البار الأمين ، السّلام عليك يا موسى بن جعفر الطاهر الطهر ، السّلام عليك يا علي بن موسى الرضا المرتضى ، السّلام عليك يا محمّد بن علي التقي ، السّلام عليك يا علي بن محمّد النقي الناصح الأمين ، السّلام عليك يا حسن بن علي ، السّلام على الوصي من بعده ، اللّهم صلّ على نورك وسراجك وولي وليك ووصي وصيك وحجّتك على خلقك .
السّلام عليكِ يا بنتَ رسول الله ، السّلام عليكِ يا بنتَ فاطمة وخديجة ، السّلام عليكِ يا بنتَ أمير المؤمنين ، السّلام عليكِ يا بنتَ الحسن والحسين ، السّلام عليكِ يا بنتَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا اُختَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا عمّةَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا بنتَ موسى بن جعفر ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ ، عرّف الله بيننا وبينكم في الجنّة ، وحشرنا في زمرتكم ، وأوردنا حوض نبيّكم ، وسقانا بكأس جدّكم من يد علي بن أبي طالب صلوات الله عليكم ، أسأل الله أن يرينا فيكم السرور والفرج ، وأن يجمعنا وإياكم في زمرة جدّكم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن لا يسلبنا معرفتكم إنّه ولي قدير .
أتقرّب إلى الله بحبّكم والبراءة من أعدائكم ، والتسليم إلى الله راضياً به غير منكر ولا مستكبر ، وعلى يقين ما أتى به محمّد وبه راضٍ ، نطلب بذلك وجهك يا سيدي ، اللّهم ورضاك والدار الآخرة ، يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن .
اللَّهمَّ إنّي أسألك أن تختم لي بالسعادة ، فلا تسلب مني ما أنا فيه ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، اللَّهمَّ استجب لنا وتقبّله بكرمك وعزتك
وبرحمتك وعافيتك ، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين ، وسلّم تسليماً يا أرحم الراحمين » .
ولها زيارة اُخرى مذكورة في كتب الزيارات وهي :
« السّلام على خاتم النبيين ، السّلام على سيّد المرسلين ، السّلام على حبيب ربّ العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على أميرالمؤمنين ، السّلام على سيّد الوصيين ، السّلام على حجّة ربّ العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على البتول العذراء ، والإنسية الحوراء ، بنت خيرة الأنبياء ، و اُم ّ الأئمة النجباء ، وحليلة سيّد الأوصياء فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على الإمامين الهمامين النورين النيّرين الطهرين الطاهرين الشهيدين المظلومين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة ، والتسعة المعصومين من ذريّة الحسين عليهم السلام ورحمة الله وبركاته .
السّلام عليكِ يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر وحجّته وأمينه ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ يا فاطمة يا اُخت الرضا المرتضى المجتبى ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ أيتها الطاهرة الحميدة البَرة الرشيدة التقية النقية الرضية المرضية ورحمة الله وبركاته .
أشهد أنّهم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون ، وأنّ الحقّ معهم وفيهم وإليهم ، وأنّ مَن والاهم فقد والى الله ، ومَن عاداهم فقد عادى الله ، أتيتكِ يا سيدتي يا فاطمة زائراً لكِ ، عارفاً بحقّك وبحقّ أخيك وآبائك الأطهار ، طالباً فِكاكَ رقبتي من النار ، وملتمساً منك الشفاعة إذا أمتاز الأخيار من الأشرار ، فاشفعي لي عند ربّك وعند آبائك الأبرار ، فإنّك من أهل بيت لا يخسر مَن تولاهم ولا يخيب من أتاهم .
اللَّهمَّ إنّه قد جاءني الخبر عن الصادق من أهل بيت نبيك عليهم أفضل
الصلاة والسّلام : أنّ مَن زار فاطمة بقم فله الجنة ، فها أنا ذا يا إلهي قد جئتها زائراً عارفاً بحقّها ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وانفعني بزيارتها ولا تحرمني شفاعتها ، وارزقني الجنّة كما وعدتها ، إنّك على كلّ شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين » (1) .
وقد وردت عدّة أحاديث عن الأئمة الأطهار في فضل زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام والحثّ عليها نذكر بعضها :
(1) قال ابن قولويه : حدّثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن علي بن ابراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، عن سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن زيارة فاطمة بنت موسى عليه السلام ، قال : « مَن زارها فله الجنّة » (2) .
(2) وقال أيضاً : حدّثني أبي وأخي والجماعة عن أحمد بن ادريس وغيره ، عن العمركي ابن علي البوفكي ، عمّن ذكره ، عن ابن الرضا عليه السلام ، قال : « مَن زار عمّتي بقم فله الجنة » (3) .
(3) وقال أيضاً : حدّثنا أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قالا : حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن سعد بن سعد قال : سألتُ أباالحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام ، فقال : « مَن زارها فله الجنّة » (4) .
(4) وقال الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي في تأريخ قم : روى عدّة من أهل الري أنّهم دخولوا على أبي عبدالله عليه السلام ، وقالوا : نحن من أهل الري ، فقال عليه السلام : « مرحباً باخواننا من أهل قم » .
فقالوا : نحن من أهـل الري ، فأعاد عليه السلام الكـلام ، وقالوا ذلك مراراً ، وأجابهم بمثل ما
1 ـ تأريخ قم : 215 ، أنوار المشعشعين 1 : 211 .
2 ـ كامل الزيارات : 324 ، مستدرك الوسائل 3 : 227 ، أنوار المشعشعين 1 : 11 ، بحار الأنوار 102 : 267 ، تأريخ قم : 215 .
3 ـ كامل الزيارات : 324 ، سفينة البحار 2 : 376 .
4 ـ كامل الزيارات : 324 .
أجاب به .
فقال عليه السلام :
« إنّ لله حرماً وهو مكة ، وإنّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرماً وهو المدينة ، وإنّ لأميرالمؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة ، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستُدفن فيها امرأة من أولادي تُسمّى فاطمة ، فمنَ زارها وجبت له الجنّة » .
قال الراوي : وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام (1) .
(5) وعن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : « يا سعد عندكم لنا قبر » .
قلت له : جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام ؟
قال : « نعم مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة » (2) .
(6) وفي تأريخ قم : وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام إنه قال : « إنّ زيارتها تعادل الجنة » (3) .
كراماتها :
للسيّدة فاطمة الكبرى سلام الله عليها كرامات كثيرة مدوّنة في الكتب ، ويتناقلها العلماء والاُدباء في محافلهم ومجالسهم نذكر بعضها :
قال الفقيه المحدّث الميرزا حسين بن الشيخ محمّد تقي النوري الطبرسي المتوفّى سنة 1320هـ : ومن آيات الله العجيبة التي تطهّر القلوب عن رجز الشياطين : أنّه في أيام مجاورتنا في بلدة الكاظمين عليهما السلام كان رجل نصراني ببغداد يسمّى يعقوب ، عرض له مرض الاستسقاء ، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم ، واشتد به المرض وصار نحيفاً ضعيفاً إلى
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 227 ، بحار الأنوار 10 : 267 ، سفينة البحار 2 : 446 .
2 ـ بحار الأنوار 102 : 299 ، سفينة البحار 2 : 446 .
3 ـ تأريخ قم : 215 .
أن عجز عن المشي .
قال : وكنتُ أسأل الله تعالى مكرّراً الشفاء أو الموت ، إلى أن رأيتُ ليلة في المنام ـ وكان ذلك في حدود الثمانين بعد المائتين والألف ، وكنت نائماً على السرير ـ سيّداً جليلاً نورانياً طويلاً حضر عندي فهزّ السرير ، وقال : إن أردتَ الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين عليهما السلام وتزور ، فإنّك تبرأ من هذا المرض ، وانتبهت من النوم وقصصتُ رؤياي على اُمّي ، فقالت : هذا من الشيطان ، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما عليّ .
ونمتُ ثانياً فرأيتُ امرأة منقّبة عليها ازارها فهزّت السرير وقالت : قم فقد طلع الفجر ، ألم يشترط معك أبي أن تزوره فيشفيك ؟
فقلت : ومَن أبوك ؟
قالت : الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
فقالت : ومَن أنت ؟
قالت : أنا المعصومة اُخت الرضا عليه السلام .
فانتبهت متحيّراً في أمري ما أصنع ، وأين أذهب ، فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيّد الراضي البغدادي الساكن في محلّة الرواق منه ، فمشيت إليه ، فلمّا دققت الباب نادى مَن أنت ؟
فقلت : افتح الباب ، فلمّا سمع صوتي نادى ابنته افتحي الباب ، فإنّه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام .
فقلت له بعد الدخول : من أين عرفت ذلك ؟
فقال : أخبرني بذلك جدّي عليه السلام في النوم ، فأذهب بي إلى الكاظمين عليهما السلام ، وادخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبدالحسين الطهراني أعلى الله مقامه ، فحكيتُ له القصة ، فأمر أن يذهب بيّ إلى الحرم المطهّر ، فأذهبوا بيّ إليه وأطافوا بيّ حول الشباك ، ولم يظهر لي أثر .
فلمّا خرجتُ منه تأمّلتُ هنيئة وعرض لي عطش فشربت الماء ، فعرض لي اختلاط فوقعت على الأرض ، فكأنّه كان على ظهري جبل فحطّ عني ، وخرج نفخ بدني ، وبُدّل اصفرار وجهي إلى الحمرة ، ولم يبق فيّ أثر من المرض .
فرجعتُ إلى بغداد لأخذ مؤنتي من مالي ، فاطّلع أهلي وأقاربي فأخذني وأذهبوا بيّ إلى بيت فيه جماعة فيها اُمي ، فقالت لي : سوّد الله وجهك ذهبت وكفرت .
فقلت : ترين ما بقي من مرضي أثر ؟
فقالت : هذا من السحر .
ونظر سفير الدولة الانكليزية إلى عمّي وقال : إاذن لي أن اُؤدبه فإنّه قد كفر اليوم ، وغداً يكفر جميع طائفتنا ، فأمر فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرباج ، وهو مشتمل لشعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الإبر ، فجرى الدم من أطراف بدني ، ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم ، إلى أن أوقعت اُختي نفسها عليّ فكفوا عني وقالوا لي : أقبل على شأنك ، فرجعت إلى الكاظمين عليهما السلام ودخلت على الشيخ المعظم ، فلقّنني الشهادتين وأسلمتُ على يديه .
فلمّا كان وقت العصر بعث المتعصعب العنيد والي بغداد نامق باشا رسولاً إلى الشيخ ومعه كتاب فيه : إنّ رجلاً أتى إليكليسلموهو منرعايانا وتبعة الإفرنج ، فلابدّ أنيسلمعند القاضي .
فأجابه بأن الذي ذكرته أتى عندي ثم ذهب لشأنه ، وأخفاني وبعثني إلى كربلاء واختتنت هناك وزرت المشهد الغروي ورجعت ، ثم بعثني رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم ، وكنتُ في القرية المذكورة سنة ، ثم رجعت إلى العتبات .
فلمّا دخلت بلد الكاظم عليه السلام تحرّك فيّ عرق الرحم واشتقت إلى لقائهم ، وذكرتُ ذلك للشيخ الأجل الشيخ محمّد حسن الكاظمي المدعو بـ ( يس ) جعله الله في درعه الحصين ، فمنعني وقال : أخاف أن يلزموك ، فإمّا أن تعذّب ، أو ترجع إلى النصرانيّة ، فرجعت عن قصدي ، ورأيتُ في تلك الليلة في النوم كأني في بريّة واسعة مخضرة من النبات وفيها جماعة من السادة ، وكان رجل واقف فيها فقال لي : لم لا تسلّم على نبيّك ؟ فسلمت عليهم ، فقال لي أحد السيّدين اللذين كانا مقدمين على جميعهم : أتحب أن ترى أباك ؟
فقلت : نعم .
فقال لذلك الرجل : اذهب به إلى أبيه ليراه ، فاذهب بيّ فرأيت جبلاً مظلماً يستقبلني ، فلمّا
قرب منّي استعر الهواء فصار مثل الصيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شررها ، واسمع من داخله صياح إنسان وكان أبي ، فاستوحشتُ فردّني إلى السادة وكانوا يضحكون عليّ وقالوا : أتريد أباك بعد هذا ؟
فقلت : لا .
ثم أمروا بي أن أغتمس فيحياض كانت هناك وهيسبعة ، فاغتمست بأمرهم في كلّ واحد منها ثلاثمرات ، ثماُتي لي بثياب بيض فلبستها ، وانتبهت منالنوم فرأيت بدني يحك وخرجت من محل جميعه دماميل كبار ، وذكرتُ ذلك للشيخ الأجل فقال : ذلك ممّا في بدنك من لحم الخنزير وأثر الخمر ، يريد الله أن يطهّرك منه لمّا أسلمت ، وكان يخرج منها القروح إلى أسبوع .
وانصرف عن عزمه زيارة أهله ورجع إلى محلّ هجرته وتزوج فيه ، واشتغل بذكر قراءة مصائب أبي عبدالله عليه السلام ، وهو الآن به ، وله أهل وأولاد ، وتشرّف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزياره أئمة العراق عليهم السلام ثانياً ، ثم رجع ، كثّر الله تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله (1) .
وقال المحدّث الشيخ عباس القمي في كتابه الفوائد الرضوية ، عند ترجمته للحكيم المتأله المولى صدر الدين بن محمّد بن ابراهيم المتوفى سنة 1050هـ : واعلم أنّ بعضاً من مشايخي حدّثني : أنّ المرحوم الملا صدرا الشيرازي على أثر حوادث عصيبة وقضايا مريرة انتابته في وقته ممّا اضطرته إلى ترك موطنه شيراز ، وشدّ الرحال إلى ضواحي دار الإيمان قم ، التي تعتبر عشّ آل محمّد وحرم العترة الطاهرة عليهم السلام حسبما جاء في الحديث : « اذا عمّت البلدان الفتن والبلايا فعليكم بقم وحواليها ، فإن البلايا مدفوع عنها » ، فاستوطن احدى قرى قم المسمّاة كهك ، بينها وبين قم أربعة فراسخ ، فكان الشيخ في بعض الأحايين التي تعتريه مسائل علميّة عويصة وقضايا فلسفية مبهمة ، يقصد قبر العقيلة الجليله فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليها ، ويستلم منها حلّ مشاكله العلمية والفلسفية ، ثم يعود إلى مقره (2) .
1 ـ دار السلام 2 : 169 .
2 ـ الفوائد الرضوية : 379 .
347 فاطمة البرغانيّة القزوينيّة
فاطمة بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملاّ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
من ربّات الفصاحة والبلاغة والأدب ، سريعة البديهة ، فصيحة ، بصيرة بالكلام ، عالمة ، فاضلة ، مجتهدة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعوم الاسلامية ، حافظة للقرآن الكريم ، عارفة بتفسيره ، نحويّة .
أخذت الصرف والنحو والمنطق والكلام عن اُختها قرّت العين ، وتفقّهت على والدها الشيخ محمّد صالح البرغاني الحائري المتوفى سنة 1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ ، وتخرّجت في الفلسفة على الشيخ الملا آغا الحكمي القزويني وأخيها الشيخ الميرزا عبدالوهاب البرغاني القزويني ، وأخذت العرفان والحديث عن عمّها الشيخ الملاّ علي البرغاني .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمها الشيخ عبدالحسين البرغاني القزويني ، فرزُقت منه الشيخ رضا شيخ الإسلام .
تصدرّت كرسي التدريس في قسم النساء من المدرسة الصالحية بقزوين ، وكانت تتباحث مع زوجها وسائر رجال اُسرتها في المسائل الفقهيّة والاُصوليّة والفلسفيّة ، وتستنبط الأحكام الشرعيّة ، وتفتي في المسائل العلمية .
لها عدّة مؤلّفات منها : مجموعة من فتاواها ، وبعض الحواشي على الكتب الفلسفية والفقهية ، ورسالة في الإرث ، ورسالة في الحيض . وكلّ مؤلّفاتها موجودة عند أحفادها بقزوين (1) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 201 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
348 فاطمة البرغانيّة القزوينيّة
فاطمة بنت الشيخ محمّد علي ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ، ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، خطيبة بارعة ، مؤلّفة ، مُحدّثة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالة بتفسيره .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب على أخيها الشيخ عبدالحسين ، وحضرت في الفسلفة العالية على الآخوند الملاّ اغا الحكمي القزويني ، وأخذت العرفان والفقه والحديث على أبيها المتوفى سنة 1269هـ والشيخ أحمد الأحسائي المتوفى سنة 1241هـ حين أقام في قزوين ، كما حضرت في الفقه والأصول على عمّها الشيخ محمّد صالح البرغاني المتوفى سنة 1271هـ والشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمها الشيخ حسن ، ورزقت منه العلمين : الشيخ الميرزا علاّمة الحائري ، والشيخ الميرزا علي نقي الحائري . وسكنت مع زوجها مدينة النجف الأشرف ، وبعد وفاته سنة 1281هـ استقرت في كربلاء حتى توفّيت بها حدود سنة 1300هـ .
كانت رحمها الله من فواضل نساء عصرها وربّات العقل والرأي الراجح والدين والصلاح ، كثيرة العبادة والزهد ، ولها مقدرة عظيمة على الخطابة والوعظ ، وكان يراجعها النساء في المسائل الدينية .
لها عدّة مؤلّفات منها : رسائل في الفقه ، وحواشي على عدّة كتب (1) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 7 : 205 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
349 فاطمة بنت الناصر
فاطمة بنت الناصر الصغير أبي محمّد الحسن بن أبي الحسين أحمد صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن عمران بن الإمام علي السجّاد زين العابدين بن الإمام الحسين السبط الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام .
والدة السيّدين الشريفين الرضي والمرتضى .
كانت من جليلات النساء وفضلياتهن ، تقيّة ورعه ، لها اليد الطولى في تربية ولديها الرضي والمرتضى ، ودفعهما إلى التعليم ، حيث إنّ زوجها قد صودرت أمواله وحبس في فاس سنة 369هـ ، وبذلك يكون الرضيى والمرتضى قد عاشا سنّ الفتوة مع اُمّهما ، فقامت هذه الاُم البارة بتربيتها حتى اُفرج عن زوجا سنة 376هـ ، وبقيت ترعاهما حتى توفّيت سنة 385هـ .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : حدّثني فخار بن معد العلوي الموسوي؛ ، قال : رأى المفيد أبو عبدالله محمّد بن النَعمان الفقيه الإمامي في منامه كأنّ فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السلام صغيرين ، فسلّمتهما إليه وقالت له : علّمهما الفقه ، فانتبه متعجّباً من ذلك .
فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا ، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها ، وبين يديها ابناها محمّد الرضي وعلي المرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلّم عليها ، فقالت له : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلّمهما الفقه ، فبكى أبو عبدالله وقصّ عليها المنام ، وتولّى تعليمهما الفقه ، وأنعمَ عليهما ، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، وهو باقٍ ما بقي الدهر (1) .
وذكر هذه القصة أيضاً السيّد صدرالدين علي خان المدني الشيرازي الحسيني المتوفى سنة 1120هـ في كتابه « الدرجات الرفيعة » (2) .
1 ـ شرح نهج البلاغة 1 : 41 .
2 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : 459 .
إلاّ أن ابن حجر في لسان الميزان في ترجمة السيّد المرتضى قال : إنّ الذي ذهب بالولدين هو أبوأحمد والد الرضي والمرتضى (1) ، وهو خطأ واضح .
وهذه القصة تدلّ دلالة واضحة وقوية على مبلغ حدب هذه المرأة على ولديها ، فهي تذهب بنفسها وحولها جواريها ، وكان يمكن أن يكفيها مؤونة ذلك خادم أو ذو قرابة ، لكن ذهابها بنفسها إلى مدرسة الشيخ المفيد له أعظم الأثر في نفسه للعناية بولديها .
وقد ألّف لها الشيخ المفيد رسالة بعنوان « أحكام النساء » حيث يقول فيها : وبعد ، فإنّني لما عرفت من آثار السيّدة الجليلة أدام الله إعزازها ، جمعتُ الأحكام التي تعمُّ المكلّفين من الناس ، وتخصّ النساء منهم على التمييز لهن والايراد ، ليكون ملخّصاً في كتاب يعتمد للدين ، ويرجع إليه فيما يثمر العلم به واليقين . وأخبرني برغبتها أدام الله توفيقها في ذلك مَن سكنتُ إلى خبره ، وسألني الإيجاز فيما أتيته منه؛ ليخفّ حفظه على متأمله ومعتبره ، واستخرتُ الله تعالى في ذلك ، وأمليتُ ما يحويه هذا الكتاب ممّا تقدّم بذكره الخطاب ، والله الموفق للصواب (2) .
وقال الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة : « أحكام النساء » للشيخ أبي عبدالله محمّد ابن محمّد بن النعمان المفيد الحارثي المولود سنة 338هـ والمتوفى سنة 413هـ ، مرتّب على أبواب ، أوّله : الحمد لله الذي هدى العباد إلى معرفته ، ويسّر لهم سبيل . . . استظهر شيخنا العلاّمة النوري في كلامه في ديباجة الكتاب أنّه كتبه للسيّدة الجليلة اُم الشريفين الرضي والمرتضى فاطمة بنت الحسن بن أحمد بن الحسين الناصر الكبير أبي محمّد الأطروش ، الشهيد بآمل طبرستان في سنة 304هـ ، رأيتُ نسخة عتيقة منه عند العلاّمة الشيخ عبدالحسين الحلّي النجفي (3) .
وتوجد نسختان خطيّتان منه في المكتبة العامة للسيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي
1 ـ لسان الميزان 4 : 223 .
2 ـ أحكام النساء : 3 .
3 ـ الذريعة 1 : 302 رقم 1578 .
النجفي رحمه الله في مدينة قم المقدسة .
الاُولى : تأريخ كتابتها في القرن الحادي عشر ، تحت رقم 78 ، مذكورة في فهرس الكتب الخطيّة للمكتبة ج 1 ص 89 .
الثانية : نسخة قديمة مذكورة في فهرس الكتب الخطيّة للمكتبة ج 1 : 267 .
ولمّا توفّيت هذه المرأة الصالحة رثاها ولدها الشريف الرضي بقصيدة عصماء ، تدلّ على صفاتها الحميدة وأفعالها المجيدة .
هذه القصيدة الباكية الحزينة تدلّ على نفس ملتاعة ، وألم مُمِضّ ، وأسىً فاجع ، وقد عبّر عما ألمّ به من الجوى ، وما أصابه من الجزع ، ووصف كيف قهره الحزن وأخلف الدهر ظنونه ، فقد كان يؤثر أن يكون فداها .
والرضي محقٌّ في جزعه ، فهو لم يفقد اُمّاً ككلّ الاُمهات ، وإنّما هي قانتة خاشعة ، اُم ّ تُغني عن الآباء ، وموقفها في فترة سجن أبيه شاهد على ذلك ، وهي اُم ّ وضعت ميسمها على سنى حياته وخطوات عمره ، فقد كان يتّقي بها النوائب ، ويفزع إليها إذا ضاقت يده ، وكانت وقاءه إذا ألحّت به نكبة ، بل كان دعاؤها الستر له ، والمدافع عنه ، وقد عبّر الرضي عن ذلك بأصدق تعبير في قوله :
1 ـ نقع الظمأ : أرواه . الصحاح 3 : 1292 « نقع » .
الغليل : حرارة الحزن . الصحاح 5 : 1784 « غلل » .
1 ـ مَرهت العين مرهاً : إذا فسدت لترك الكحل . الصحاح 6 : 2249 « مره » .
الغُبُّ : الغامص من الأرض ، والجمع أغباب وغبون . الصحاح 1 : 191 « غيب » .
2 ـ القسطلة : غبار الحرب . الصحاح 5 : 1801 « قسطل » .
3 ـ البرحاء : الشدّة والأذى . الصحاح 1 : 355 « برح » .
4 ـ الرِشاء : الحبل . الصحاح 6 : 2357 « رشا » .
تطاوح : ترامى . الصحاح 1 : 389 « طوح » .
الرجى ، مقصور : ناحية البئر وحافتاها الصحاح 6 : 2356 « رحا » .
1 ـ لطّ الستر : أي أرخاه . الصحاح 3 : 1156 « لطط » .
2 ـ عرعرة السنام : رأسه . الصحاح 2 : 743 « عرعر » .
الأثباج ، الواحدة ثبج : ما بين الكاهل الى الظهر . الصحاح 1 : 301 « ثبج » .
الأمطاء ، والواحد مطا : وهو الظهر . الصحاح 6 : 2294 « مطا » .
1 ـ المقرب العشراء : أي التي قربت ولادتها ، وقد مضى لحملها عشرة أشهر .
2 ـ العِقد ، بكسر القاف : ما تعقّد من الرمل ، أي تراكم ، والواحد عَقِدَةٌ ، الصحاح 2 : 510 « عقِد » .
الانقاء ، الواحدة نقا مقصورة : وهي الكثيب من الرمل . الصحاح 6 : 2514 « نقا » .
3 ـ اللطائم ، والواحدة اللطيمة : وهي العِير التي تحمل الطيب . الصحاح 5 : 203 « لطم » .
4 ـ البوغاء : التربة الرخوة التي كأنها ذريرة . الصحاح 4 : 317 « بوغ » .
الوقر ، بالكسر : الحملُ . الصحاح 2 : 848 « وقر » .
350 فاطمة الفرات
فاطمة بنت هارون بن موسى بن الفرات .
مُحدّثة ، روى عنها التلعكبري .
قالت : سمعتُ جدّي موسى بن الفرات يقول : حدّثني محمّد بن أبي عمير بكتاب عبيدالله ابن علي الحلي ، ولم يسمع منها غير هذا الكتاب .
ذكرها الشيخ الطوسي في رجاله في مَن لم يرو عنهم عليهم السلام (1) .
351 فضّة البلاغيّة
فضّة بنت الشيخ محمّد علي بن عباس بن حسن بن عباس بن محمّد بن علي بن محمّد البلاغي النجفي ، كان أبوها حيّاً حدود سنة 1228هـ (2) .
أخوها الشيخ أحمد بن محمّد علي البلاغي النجفي ، المتوفّى حدود سنة 1248هـ (3) .
زوجها الشيخ علي بن حسين بن علي آل محفوظ الوشاحي الأسدي الكاظمي ، نزيل
1 ـ رجال الشيخ : 521 ، مجمع الرجال 7 : 178 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، تنقيح المقال 3 : 82 ، معجم رجال الحديث 23 : 198 ، أعلام النساء 5 : 315 .
2 ـ أعيان الشيعة 9 : 427 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 135 .
هرمل ، والمتوفى سنة 1272هـ (1) .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، جليلة ، تُعدُّ من أساتذه الحوزة العلميّة في النجف الأشرف لمرحلتي المقدّمات والسطوح في القرن الثالث عشر ، لها تعليقات على بعض الكتب ، وكانت حسنة الخط .
ولدت في سنة 1189هـ ، وأقرأها أبوها القرآن الكريم في سنّ مبكّر ، وعلّمها القراءة والكتابة ، والنحو والصرف ، والفقه والاُصول . وحضرت عند بعض أقربائها ومحارمها من الأعلام ، تنهل من عذب علومهم ومعارفهم الإسلاميّة ، حتى صارت يُشار لها بالبنان ، واُجيزت من قبل فريق من العلماء ، وبدأت بتدريس الفقه والأصول والحديث ، وحضَر عليها جمع من العلماء .
قال الخاقاني في شعراء الغري : وحدّثنا الشيخ محمّد السماوي أنّه سمع جملة من علماء النجف حضروا عندها « القوانين » في الأصول ، باعتبار كونها مجازة بقراءتها على صاحبها (2) .
وقد برعت هذه العالمة الفاضلة في العلوم العربيّة ، حتى عُرفت بلاغتها وأدبها بين العلماء ، وكان لها محاورات ومراسلات شعراً ونثراً مع زوجها الشيخ علي حسين محفوظ ، جمعها الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي المتوفّى سنة 1303هـ في رسالة نفيسة سمّاها « محاورة الشيخ علي ابن الشيخ حسين محفوظ مع عياله فضّه البلاغيّة » (3) .
وقد أطراها ومدحها كلّ مَن ذكرها وترجم لها :
ففي تكملة أمل الآمل قال السيّد حسن الصدر في أثناء ترجمة الشيخ حسن بن عباس ابن ابراهيم البلاغي : الفاضلة الجليلة فضّة ، كانت فاضلة في الأدب والعربيّة وحسن الخط ،
1 ـ أعلام النساء 1 : 140 ، تكملة أمل الآمل : 379 .
2 ـ شعراء الغري 1 : 184 .
3 ـ أعلام النساء 1 : 140 ، تكملة أمل الآمل : 379 ، شعراء الغري 9 : 488 .
وكانت ترتزق بكتابة الكتب (1) .
وذكرها أيضاً في موضع آخر من كتابه عند ترجمة الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي ، حيث ذكر من مصنّفاته « محاورة الشيخ علي بن حسين محفوظ مع عياله البلاغيّة » وعبّر عنها بالعالمة الفاضلة (2) .
وفي أعيان الشيعة قال عنها السيّد محسن الأمين ضمن ترجمة والدها الشيخ محمّد علي البلاغي : وكانت له بنت من أهل الفضل ، وُجد بخطّها كفاية السبزواري (3) .
وذكرها أيضاً في ترجمة أخيها الشيخ أحمد البلاغي (4) .
وفي شعراء الغري ذكرها الخاقاني في ترجمة الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي (5) ، وفي ترجمة الشيخ ابراهيم بن صادق المخزومي الذي رثاها بقصيدة شعريّة لطيفة (6) .
وفي أعلام النساء قال عمر رضا كحالة : أديبة ، فاضلة ، بينها وبين زوجها الشيخ علي محفوظ مراسلات أدبيّة (7) .
وفي دار السّلام قال السيّد محمّد الهندي عند ذكر والدها : وكانت له بنت فاضلة عالمة ، حسنة الخط (8) .
وفي ماضي النجف وحاضرها قال الشيخ جعفر محبوبة : وكانت للشيخ أحمد اُخت مصونة محترمة (9) .
1 ـ تكملة أمل الآمل : 150 .
2 ـ تكملة أمل الآمل : 379 .
3 ـ أعيان الشيعة 9 : 427 .
4 ـ أعيان الشيعة 3 : 135 .
5 ـ شعراء الغري 9 : 488 .
6 ـ شعراء الغري 1 : 84 .
7 ـ أعلام النساء 1 : 140 .
8 ـ دار السّلام 1 : 308 .
9ـ ماضي النجف وحاضرها 2 : 60 .
وفي مستدركات أعيان الشيعة قال عنها السيّد حسن الأمين : عالمة ، فاضلة ، أديبة (1) .
وفي معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف مدحها وأطراها الشيخ محمّد هادي الأميني ، وذكر أنّ وفاتها كانت سنة 1279هـ (2)
وفي باقي المصادر أنّ وفاتها كانت سنة 1280هـ .
رثاها جمع من الشعراء والعلماء ، منهم الشيخ ابراهيم بن صادق المخزومي العاملي الخيّامي الطيّبي ، المولود سنة 1221هـ ، والمتوفّى سنة 1288هـ ، حيث قال :
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 164 .
2 ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف 1 : 258 .
352 فضّة النوبيّة
جارية فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، كانت رحمها الله على درجة عالية من الإيمان والتقوى ، والزهد والورع ، ومحبّتها لأهل البيت عليهم السلام معروفة ومشهوره ، وبلاغتها وحسن منطقها لا يخفى على الكثير .
لم تكن مساعدتها للزهراء سلام الله عليها مقتصرة على العمل اليومي في المنزل ، ولم يكن اسهامها في خدمة البيت فقط ، بل كانت التربية الفاطميّة تنعكس على هذه التلميذة التي كانت ملازمة لمعلّمتها .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
« كان لفاطمة جارية يقال لها فضة ، فصارت من بعدها لعلي عليه السلام ، فزوّجها
1 ـ شعراء الغري 1 : 84 ـ 85 .
من أبي ثعلبة الحبشي ، فأولدها ابناً ، ثم مات أبوثعلبة وتزوّجها من بعده أبومليك الغطفاني ، ثم توفّي ابنها من أبي ثعلبة ، فامتنعت من أبي مليك أن يقربها ، فاشتكاها إلى عمر وذلك في أيامه .
فقال لها عمر : ما يشتكي منك أبومالك يا فضة ؟
فقالت : أنتَ تحكم في ذلك وما يخفى عليك .
قال عمر : ما أجد لكِ رخصة .
قالت : يا أباحفص ذهب بكَ المذاهب إنّ ابني من غيره مات ، فأردتُ أن أستبرىَ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضتُ علمت أنّ ابني مات ولا أخ له ، وإن كنتُ حاملاً كان الولد في بطني أخوه .
فقال عمر : شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي » .
وعن ورقة بن عبدالله الأزدي قال : خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام ، راجياً لثواب الله ربّ العالمين ، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها وهي تقول :
ربّ البيت الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العِظام ، وربّ محمّد خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم البررة الكرام ، أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين وأبنائهم الغرّ المحجلين الميامين ، ألا فاشهدوا يا جماعة الحجّاج والمعتمرين أنّ مواليّ خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، الذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار المرتدين بالفخار .
قال ورقة : فقلتُ : يا جارية انّي لأظنّك من موالي أهل البيت . .
فقالت : أجل .
فقلت لها : ومَن أنتِ من مواليهم ؟
قالت : أنا فضة أمة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمّد المصطفى صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
فقلت لها : مرحباً بك وأهلاً وسهلاً ، فلقد كنتُ مشتاقاً إلى كلامكِ ومنطقكِ فأريدُ منكِ
الساعة أن تجيبني عن مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغتِ من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك ، وأنت مثابة مأجورة .
فافترقنا في الطواف ، فلما فرغتُ من الطواف وأردتُ الرجوع إلى منزلي جعلتُ طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلتُ عليها واعتزلتُ بها وأهديتُ إليها هدية ولم أعتقد أنّها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء ، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها بعد موت أبي ها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال ورقة : فلمّا سمعتْ كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ، ثم انتحبت باكية وقالت : يا ورقة هيّجت عليّ حزناً ساكناً ، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدتُ منها :
اعلم أنّه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقلّ العزاء ، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب ، والأولياء والأحباب ، والغرباء والأنساب ، ولم تلقِ إلاّ كلّ باكٍ وباكيةٍ ونادبٍ ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشد حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من مولاتي فاطمة ، وكان حزنها يتجدّد ويزيد وبكاؤها يشتد ، فجلست سبعة أيام لا يهداً لها أنين ولا يسكن منها الحنين ، وكلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل ، فلمّا كان في اليوم الثامن أبدتْ ما كتمتْ من الحزن ، فلم تطق صبراً إذا خرجت وصرخت فكأنّها من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنطق . . .
وفي الإصابة : روي عن الصادق عليه السلام عن آبائه ، عن علي عليهم السلام ، قال :
« إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضة النوبيّة ، وكانت تشاطرها الخدمة ، فعلّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاء تدعو به ، فقالت لها فاطمة : أتعجنين أو تخبزين ؟
فقالت : بل أعجن يا سيّدتي واحتطب ، فذهبت واحتطبت وبيدها حزمة ، فأرادت حملها فعجزت ، فدعت بالدعاء الذي علّمها صلى الله عليه وآله وسلم وهو : ( يا واحد ليس كمثله أحد ، تميت كلّ أحد وأنتَ على عرشك واحد لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فجاء أعرابي كأنّه من أزد شنوءة ، فحمل الحزمة الى باب
فاطمة عليها السلام » .
وعن أبي العباس في قوله تعالى : ﴿ يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ﴾ (1) قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما صلى الله عليه وآله وسلم ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أباالحسن لو نذرت نذراً .
فقال علي : « إن برئا ممّا بهما صمتُ لله عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً » .
وقالت فاطمة كذلك ، وقالت جاريتهما فضة النوبيّة : إن برأ سيّداي صمت لله عزّ وجلّ شكراً .
فلبس الغلامان العافية ، وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير ، فانطلق علي إلى شمعون الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصع من شعير ، فجاء بهما فوضعها ، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بَين يديه ، إذا أتاهم مسكين فوقف على الباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من أولاد المسلمين أطعموني أطعمكم الله عزّ وجلّ على موائد الجنّة ، فسمعه علي فأمرهم باعطائه الطعام ، ومكثوا يومَهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى الصاع الثاني وخبزته ، وصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين ، استشهد والدي أطعموني ، فأعطوه الطعام فمكثوا يومين ولم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت النبوّة ، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا ، أطعموني فإنّي أسير ، فأعطوه الطعام ، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلاّ الماء .
1 ـ الإنسان : 7 ـ 8 .
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى ما بهم من الجوع ، فأنزل الله تعالى : ﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ـ إلى قوله ـ لا نُريد منكم جزاءً ولا شكوراً ﴾ (1) .
وقال أبوالقاسم القسري : انقطعتُ في البادية عن القافلة ، فوجدُ امرأة فقلتُ مَن أنت ؟
فقالت : ﴿ وقُلْ سَلامٌ فَسَوفَ يَعْلَمُون ﴾ (2) ، فسلمتُ عليها وقلت : ما تصنعين ها هنا ؟
قالت : ﴿ مَنْ يَهْدِ الله فَما لَهُ مِنْ مُضِلَّ ﴾ (3) .
فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس ؟
قالت : ﴿ يا بَني آدم خُذُوا زِينَتَكم ﴾ (4) .
فقلت : من أين أقبلتِ ؟
قالت : ﴿ يُنادون من مَكانٍ بَعيدٍ ﴾ (5) .
فقلت : أين تقصدين ؟
قالت : ﴿ وللهِ على الناس حجّ البيتِ ﴾ (6) .
فقلت : متى انقطعتِ ؟
قالت : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنا السمواتِ والأرضَ وما بينهما في ستّة أيّام ﴾ (7) .
فقلت : أتشتهين طعاماً ؟
فقالت : ﴿ وما جَعَلْناهُم جَسَداً لا يَأكُلُونَ الطَّعام ﴾ (8) .
فأطعمتها ، ثم قلت : هرولي وتعجّلي .
1 ـ الإنسان 1 ـ 9 .
2 ـ الزخرف : 89 .
3 ـ الزمر : 37 .
4 ـ الأعراف : 31 .
5 ـ فصلت : 44 .
6 ـ آل عمران : 97 .
7 ـ ق : 38 .
8 ـ الأنبياء : 8 .
فقالت : ﴿ لا يُكَلِّفُ اللهُ نفساً إلاّ وُسْعَها ﴾ (1) .
فقلت : أردفِكِ .
فقالت : ﴿ لَو كَانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ الله لَفَسَدَتا ﴾ (2) .
فنزلت فأركبتها فقالت : ﴿ سُبْحَانَ الَّذيِ سَخَّر لنا هذا ﴾ (3) .
فلمّا أدركنا القافلة قلت لها : ألكِ أحد فيها ؟
قالت : ﴿ يا دَاوُدُ إنّا جَعَلناكَ خَليفَةً في الأرض ﴾ (4) ، ﴿ وما مُحمّد إلاّ رَسولٌ ﴾ (5) ، ﴿ يا يحيى خُذِ الكتابَ ﴾ (6) ، ﴿ يا مُوسى إنّه أنا الله ﴾ (7) .
فصحتُ بهذا الاسماء ، فإذا بأربعة شباب متوجّهين نحوها ، فقلت : مَن هؤلاء منك ؟
قالت : ﴿ المالُ والبنُون زينةُ الحياة الدُّنيا ﴾ (8) .
فلمّا أتوها قالت : ﴿ يَا أَبتِ استأجِره إنّ خَير مَن استأجرتَ القويّ الأمين ﴾ (9) .
فكافؤوني بأشياء ، فقالت : ﴿ والله يُضاعفُ لمن يَشاء ﴾ (10) ، فزادوا لي .
فسألتهم عنها ، فقالوا : هذه اُمّنا فضّة جارية الزهراء ، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن (11) .
1 ـ البقرة : 286 .
2 ـ الأنبياء : 22 .
3 ـ الزخرف : 13 .
4 ـ ص : 26 .
5 ـ آل عمران : 144 .
6 ـ مريم : 12 .
7 ـ النحل : 9 .
8 ـ الكهف : 46 .
9 ـ القصص : 26 .
10 ـ البقرة : 261 .
11 ـ انظر : الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور : 439 ، تراجم أعلام النساء 2 : 363 ، فاطمة اُم أبيها : 94 ، الإصابة 4 : 376 .
353 الفتلاويّة
من آل فتلة ، العشيرة المعروفة في جنوب العراق بالشجاعة والاقدام .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، شاركت في أحداث ثورة العشرين بشعرها ، مشجعةً الثوار على خوض المعارك .
فعندما وصل جيش الانكليز إلى الرارنجيّة ، وانطلق رصاص الثوار ، هَتفت الفتلاويّة مخاطبةً الزعيم عبدالواحد سِكر ومهيجةً له ، قائلةً :
354 الفتلاويّة الكوفيّة
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، شاركت في ثورة العشرين .
فعندما أغرق الثوار الباخرة ( فايرا فلاي ) خرجت هذه المرأة تُحيي الثوار قائلةً :
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 354 .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 355 ـ 356 .
355 فطيمة الظالميّة
فطيمة آل علي ، من عشيرة الظوالم .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين .
ينقل لنا علي الخاقاني في مقالة ( شاعرات في ثورة العشرين ) موقفاً بطولياً لهذه المرأة ، يدلّ على عمق ايمانها واستعدادها للتضحية ، قال :
عندما خرج أخوها وابنها إلى ساحة المعركة في ( جسر السوير ) ، ومضت مدّة عليهما ، ثم رجع أخوها ، فسألته عن ولدها ، أجابها : « چن لا هزيتي او لوليتي » .
فأجابته مفتخرةً بذلك « هزّيت اولويت الهذا » ، تُشير إلى أنّها ولدته وعانت في تربيته للحصول على أداء واجبه الديني لهذا اليوم الذي قارع فيه الانكليز (1) .
356 فطيمة الظالميّة
فطيمة بنت گاطع الظالميّة ، من عشائر الظوالم .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين المباركة .
فعندما قتل ولدها الثاني بالعارضيات الثانية ، واسمه ( جبر ) ، وقفت عليه ترثيه بقولها :
وأردفت تقول مستمرة بهياجها ورثائها وافتخارها بفلذة كبدها :
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 376 .
ثم استمرت تواصل رثاءها له بلهجة تجمع العاطفة والروح الثوريّة ، فتقول :
عفيـه اولدي شيّـال راسي
يلما تهـد عـزمه الرواسي
وبحومته طابور أغاسي (1)
357 قمر بنت عبد
وقيل قمري ، وهي اُم وهب بنت عبد ، زوجة عبدالله بن عمير ، الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء مع سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السلام .
حضرت مع زوجها معركة الطف وشجّعته على نصرة الحسين عليه السلام ، وقالت له حينما أخبرها بعزمه على نصره الحسين عليه السلام : أصبتَ أصاب الله بك وأرشد اُمورك إفعل وأخرجني معك .
قال الطبري في تاريخه : نزل الكوفة عبدالله بن عمير من بني عُليم ، واتخذ بئر الجعد داراً ، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها : اُم وهب بنت عبد ، فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين ، قال : فسأل عنهم ، فقيل له : يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال : والله كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصاً ، وإنّي لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغرّون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين .
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 359 .
فدخل إلى امرأته اُم وهب فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد ، فقالت : أصبتَ أصاب الله بك ، وأرشد اُمورك إفعل وأخرجني معك .
فخرج بها ليلاً حتى أتى حسيناً فأقام معه ، فلمّا دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس ، فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيدالله بن زياد فقالا : مَن يبارز ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير فقال لهما الحسين : « اجلسا » .
فقام عبدالله بن عمير الكلبي فقال : أبا عبدالله رحمك الله إئذن لي فلأخرج إليهما ، فرأى الحسين رجلاً أدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال الحسين : « إنّي لأحسبه للأقران مثالاً ، اُخرج إن شئت » .
فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت ؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير .
فقال لهما الكلبي : يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ويخرج إليك أحد من الناس وهو خير منك ، ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد ، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم ، فصاح الناس به قد رهقك العبد ، فلم يبأبه له حتى غشيه فبدره الضربه فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله ، وأقبل الكلبي مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً :
إنـي زعيـمٌ لك أُمُ وهـبِ
بالطعنِ فيهم مقبلاً والضربِ
ضربُ غلامٍ مؤمنٍ بالـربِ
فأخذت اُم وهب وهي امرأته عموداً ، ثم أقبلت نحو زوجها تقول له : فداك أبي و اُمي قاتل دون الطيبين ذرية محمّد ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء ، فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت : إنّي لن
أدعكَ دون أن أموت معك ، فناداها الحسين فقال : « جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي يرحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن ، فإنّه ليس على النساء قتال » ، فانصرفت إليهن .
ثم خرجت اُم وهب تمشي إلى زوجها ـ بعد أن قُتل ـ حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول : هنيئاً لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمّى رستم : أضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها .
ولا يخفى عليك عزيزي القارىَ أنّ هناك امرأة اُخرى تكنّى باُم وهب ، وهي اُم وهب ابن حباب الكلبي حضرت معركة الطف في كربلاء مع ولدها ، واشتبه الأمر على بعض فعدّها واحدة (1) .
358 قنواء الهَجَري
قنواء بنت رشيد الهَجَري .
محدّثة ، عدّها البرقي في رجاله من اللواتي رويْنَ الحديث عن الإمام الصادق أبي عبدالله عليه السلام (2) .
وذكرها الشيخ الطوسي في رجاله ضمن أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (3) .
روت عن أبي ها عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وروى عنها أبوحيّان الجبلي .
ففي رجال الكشي ( إختيار معرفة الرجال ) : حدّثني أبوأحمد ونسختُ من خطّه ، حدّثني محمّد بن عبدالله بن مهران قال : حدّثني محمّد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمّد ابن عبدالله الحنّاط ، عن وهيب بن حفص الجريري ، عن أبي حيّان البجلي ، عن قنواء بنت رشيد الهجري ، قال : قلت لها : أخبريني ما سمعتِ من أبيك ؟
1 ـ انظر : أعيان الشيعة 3 : 482 ، رياحين الشريعة 3 : 30 ، تأريخ الطبري 5 : 429 ، الكامل في التأريخ 4 : 69 ، البداية والنهاية 8 : 181 ، أعلام النساء 5 : 290 .
2 ـ رجال البرقي : 62 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 341 .
قالت : سمعتُ أبي يقول : أخبرني أمير المؤمنين صلوات الله عليه : فقال : « يا رشيد كيف صَبرك إذا أرسلَ إليكَ دعي بني اُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك » ؟
قلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك الجنّة ؟
فقال : « يا رشيد أنتَ معي في الدنيا والآخرة » .
قالت : فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيدالله بن زياد الدعي ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام ، فأبى أن يبرأ منه .
فقال له الدعي : فبأيّ ميتة قال لكَ تموت ؟
فقال له : أخبرني خليلي أنّكَ تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ ، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني .
فقال : والله لأكذّبن قوله فيك ، فقدّموه فقطعوا يديه ورجليه ، وتركوا لسانه ، فحملتُ أطراف يديه ورجليه فقلت : يا أبتَ هل تجد ألماً ممّا أصابك ؟
فقال : لا يا بنيّة إلاّ كالزحام بين الناس ، فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر ، اجتمع الناس حوله ، فقال : آتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة ، فأرسل إليه الحجّام حتى قطع لسانه ، فمات رحمة الله عليه في ليلته .
قال : وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسمّيه رشيد البلايا ، وقد كان ألقى إليه علم البلايا والمنايا ، فكان في حياته إذا لقي الرجل قال له : يا فلان أنت تموت بميتة كذا ، وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا ، فيكون كما يقول رشيد .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : « أنت رشيد البلايا » ـ أي تقتل بهذه القتلة ـ وكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (1) .
وروى أيضاً عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد بن عبدالله بن مهران ، قال : حدّثني أحمد بن النضر ، عن عبدالله بن يزيد الأسدي ، عن فضيل بن الزبير ، قال : خرج
1 ـ رجال الكشي ( إختيار معرفة الرجال ) : 75 .
أميرالمؤمنين صلوات الله عليه يوماً إلى بستان البرني ومعه أصحابه ، فجلس تحت نخلة ، ثم أمر بنخلة فلقطت ، فاُنزل منها رطب ، فوضع بين أيديهم فأكلوا ، فقال رشيد الهجري : يا أميرالمؤمنين ما أطيب الرطب!
فقال عليه السلام : « يا رشيد أما إنّك تصلب على جذعها » .
فقال رشيد : فكنتُ أختلف إليها طرفي النهار أسقيها ، ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، قال : فجئتها يوماً وقد قطع سعفها ، قلتُ : اقترب أجلي .
ثم جئت يوماً فجاء العريف فقال : أجب الأمير ، فأتيته ، فلمّا دخلت القصر فإذا بخشب ملقى ، ثم جئت يوماً آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقاً يستقى عليه الماء ، فقلت : ما كذّبني خليلي ، فأتاني العريف فقال : أجب الأمير ، فأتيته ، فلمّا دخلتُ القصرَ فإذا الخشب ملقى وإذا فيه الزرنوق ، فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي ثم قلت : لك غذّيت ولي أنبت .
ثم اُدخلتُ على عبيدالله بن زياد فقال : هات من كذب صاحبك .
فقلت : والله ما أنا بكذّاب ولا هو ، ولقد أخبرني أنّك تقطع يديّ ورجليّ ولساني .
قال : إذاً والله نُكذّبه !!! إقطعوا يديه ورجليه وأخرجوه ، فلمّا حُمل إلى أهله أقبل يحدّث الناس بالعظائم وهو يقول : أيّها الناس سلوني فإنّ للقوم عندي طلبة لم يقضوها ، فدخلَ رجل على ابن زياد فقال له : ما صنعتَ ؟! قطعت يديه ورجليه وهو يُحدّث الناس بالعظائم ، وقال : فأرسل ردّوه وقد انتهى إلى بابه ، فردّوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه (1) .
وقال المامقاني : وقد رجّحنا في ترجمة أبيها في ذيل رواية رواها وثاقتها ، فلاحظ وتدبّر (2) .
1 ـ المصدر السابق .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 82 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 178 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رياحين الشريعة 5 : 40 ، معجم رجال الحديث 7 : 190 ، و 23 : 198 .
359 كبشة
اُم سليمان ، مولاة الإمام الحسين عليه السلام .
كانت رحمها الله عالمة ، فاضلة ، من ربّات البر والإحسان ، اشتراها الحسين عليه السلام بألف درهم ، وكانت في بيت اُم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التيميّة زوجة الحسين عليه السلام ، تزوّجها أبورزين فولدت منه سليمان ، فهو مولى الحسين عليه السلام ، وله ذكر في الناحية وهو : السلام على سليمان مولى الحسين .
وسليمان هذا هو الذي أرسله الإمام الحسين عليه السلام بكتب إلى رؤساء الأخماس والأشراف بالبصرة حين كان بمكة ، كما ذكره أرباب المقاتل والسِير ، فجاء بالكتاب بنسخة واحدة إلى جيمع أشرافها ، فكلّ من قرأ ذلك الكتاب كتمه إلاّ منذر بن الجارود ، فإنّه خشي بزعمه أن يكون دسيساً من قبل عبيدالله بن زياد ، فأخذ الكتاب والرسول فقدّمهما إلى عبيدالله بن زياد ، فلمّا قرأ الكتاب قدّم الرسول وأمر بضرب عنقه .
وأما اُمّه كبشة فقد جاءت مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء ، وشاهدت كلّ ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصائب ورزايا ، وصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله (1) .
360 كلثم
راوية من راويات الحديث .
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن أبي الحسن الثالث عليه السلام (2) .
361 كلثم الكرخيّة
راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمام أبي الحسن الثالث الإمام الهادي عليه السلام .
1 ـ أعيان النساء : 543 نقلاً عن معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهما السلام للشيخ محمّد مهدي الحائري .
2 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 198 .
وروى عنها أبو عبدالرحمان أحمد بن داود الشعيري البغدادي من أصحاب الهادي عليه السلام (1) .
عدّها البرقي من الراويات عن أبي الحسن الثالث عليه السلام (2) .
وكذا الشيخ الطوسي في رجاله عدّها من الصحابيات له (3) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّي لم أقف على ما يدرجها في الحسان (4) .
362 كلثم
كلثم بنت يوسف بن عمران بن ميثم .
راوية من راويات الحديث .
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن أبي عبدالله عليه السلام (5) .
363 كلثوم
كلثوم بنت سليم ، وقيل : كلثم .
راوية من راويات الحديث .
روت عن الإمام الرضا عليه السلام ، وروى عنها محمّد بن اسماعيل بن بزيع .
قال النجاشي رحمه الله في رجاله : روت عن الرضا كتاباً ، أخبرنا علي بن أحمد قال : حدّثنا محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع عنها
1 ـ رجال ابن داود : 224 ، مجمع المقال 7 : 178 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رياحين الشريعة 5 : 45 ، معجم رجال الحديث 23 : 199 .
2 ـ رجال البرقي : 62 .
3 ـ رجال الشيخ : 427 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 83 .
5 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 198 .
بالكتاب (1) .
وقال الشيخ الطهراني في الذريعة : « كتاب الحديث » لكلثم بنت سليم ، روت عن الرضا . . . (2)
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر كونّها إماميّة ، ولم أقف على مدح لها يدرجها في الحسان (3) .
وقال ابن داود في رجاله القسم الثاني من أسماء الرجال : كلثوم بن سليم ( كش ) (4) .
وهو خطأ واضح ، إذ لا وجود لكلثوم بن سليم في رجال الكشي ولا النجاشي . وإنّما الموجود كلثوم بنت سليم ، فنراه أبدل البنت ابناً ، و « جش » بـ « كش » .
364 كوچك خان التركمانيّة
كوچك خان بنت محمّد بيگ بن محب علي بيگ التركمانيّة ، وزوجة محمّد زمان خان القاجاري ، لُقّبت بـ « تاج الدولة » .
أديبة ، شاعرة ، ذات ذوق شعري سليم ، لها شعر فارسي كثير مذكور في الكتب الأدبيّة ، مدحت أهل البيت عليهم السلام في قصائد رائعة (5) .
365 لبابة الهلاليّة
لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلاليّة .
راوية من راويات الحديث ، عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول
1 ـ رجال النجاشي : 319 رقم 874 .
2 ـ الذريعة 6 : 359 رقم 2185 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 82 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 178 ، نقد الرجال : 414 ، جامع الرواة 2 : 459 ، رياحين الشريعة 5 : 46 ، معجم رجال الحديث 23 : 199 .
4 ـ رجال ابن داود : 288 .
5 ـ زنان سخنور 1 | 189 .
الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
وقال عمر رضا كحالة في أعلام النساء نقلاً عن طبقات الأولياء لابن حبّان : روت عن الحسن بن علي ، وروى عنها يونس بن أبي اللحاق (2) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : هي زوجة العباس بن عبدالمطلب ، ووالدة الفضل ، وعبدالله ، ومعبد ، وعبدالله ، وقثم ، وعبدالرحمان ، وغيرهم من بني العباس .
وهي لبابة الكبرى اُخت ميمونة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وخالة خالد بن الوليد .
ويقال : إنّ لبابة أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويُقيل عندها ، وكانت من المنجبات ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم ، وإنّي اعتبرها من الحسان (3)
366 ليلى الثقفيّة
ليلى بنت أبي مرّة عروة بن مسعود الثقفي .
اُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب .
وهي زوجة سيّد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه ، و اُم ولده علي الأكبر الشهيد مع والده بأرض كربلاء (4) .
كانت هذه المرأة جليلة القدر عظيمة المنزلة ، شاركت آل البيت عليهم السلام أحزانهم ، حيث كانت حاضرة واقعة الطف ، تنظر لولدها وزوجها يذبحان ، وهي محتسبة ذلك في سبيل الله تعالى .
1 ـ رجال الشيخ : 33 .
2 ـ أعلام النساء 4 : 271 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 73 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، أعيان الشيعة 3 : 483 ، رياحين الشريعة 3 : 428 ، معجم رجال الحديث 23 : 179 و199 .
4 ـ جمهرة أنساب العرب : 267 ، الإصابة 4 : 178 ، كشف الغمة : 187 ، أعلام النساء 4 : 337
قال محمّد علي عابدين في كتابه « علي بن الحسين الأكبر عليه السلام » : أما والدته فهي السيّدة ليلى الثقفية ، وهي عربيّة الأصل كما يوحي نسبها إلى بني ثقيف ، ذات الشهرة والصيت الذائع في الطائف وكلّ بقاع الأرض العربية .
السيّدة ليلى هذه نالت من الإيمان والحظوة لدى الله سبحانه وتعالى ، بحيث وُفّقت لأن تكون مع نساء أهل بيت النبوة تعيش أجواء التُقى والإيمان ، وتعيش آلام آل الرسول وآمالهم ، وتشاطر الطاهرات أفراحهنّ وأتراحهنّ ، وقد ظفرتْ بتوفيق كبير آخر حيث أضحت وعاءً لأشبه النساء طرّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فهي امرأة رشيدة ، جليلة القدر ، سامية المنزلة ، عاليّة المكانة ، رفيعة الشرف في الأوساط الإجتماعيّة ، كيف لا وهي زوجة سبط سيّد المرسلين وسيّد شباب أهل الجنة أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
ونرى من الضروي التحدّث عن أبيها عروة بن مسعود الثقفي ، وعن والدتها .
فوالدتها هي ميمونة بنت سفيان بن حرب بن اُميّة ، أي أنّ أباسفان يُعدّ جداً لليلى ، بيد أنّ شوائب اُميّة لم تمسّ من ليلى أو تؤثّر بقدر تأثير العنصر العربي الثقفي فيها ، ونسبتها هذه لبني اُميّة كانت مسوغاً للجيش الأموي بكربلاء كيما يستميل علي الأكبر إلى جهته باُسلوب مضحك هزيل ، وبمجادلة فاشلة .
ومن المعروف جيّداً مبلغ المعاناة من جراء جهل أهل الطائف لهذا الداعيّة المحررّ ، فقد عاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف وهو متعب ومخضب بالدم ، فلم يستجب لدعوته أحد قط ، سوى رجل واحد تبع أثره ولحق به ولا يعرف غيره ، ثم أنّه اتّصل به فأسلم وحسن اسلامه ، ذلك هو قطب ثقيف والد السيّدة ليلى ، التي لا يُعرف ما إذا كانت مولودة أو غير مولودة في تلك الفتره ، إنّه عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف ، شهد صلح الحديبية .
فعروة زعيم من زعماء العرب ، وسيّد من سادة قومه ، فأحسن السيادة ، وهو رابع أربعة من العرب سادوا قومهم كما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله حول عروة والثلاثة الآخرون :
« أربعة سادة في الإسلام : بشير بن هلال العبدي ، وعدي بن حاتم ، وسراقة بن مالك المدلجي ، وعروة بن مسعود الثقفي » .
أسلم في السنة التاسعة من الهجرة ، وقتل أثناء إعلانه دينه ودعوته .
وعليه فقد كانت أوّل نكبة أصابت قلب ليلى هي هذه الحادثة الشديدة الوقع على الفتيات اللواتي يصعب عليهن الإسنغناء عن حنان الاُبوة ، ثم توالت عليها النكبات بعد أن راحت تعيش أجواء بيت النبوّة والرسالة ، حتى ختمت حياتها وهي صابرة صامدة محتسبة ، قد تحمّلت ألوان الأسى والألم ، وقدّمت لرسالة الإسلام ما أنجبت من صالحين وطاهرين .
أجلّ تلك هي ليلى الثقفيّة والدة علي الأكبر ، التي لم تستمد كرامتها ومنزلتها من أبيها ، وإنّما استمدت رقيّها من تقواها وانتمائها وانتسابها للإسرة المحمديّة المقدّسة ، ولارتباطها الوشيج بشخص الإمام العظيم أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، وكفاها بذلك فخراً حين تفتخر (1) .
ليلى
ليلى بنت حسّان بن ثابت .
فاضلة ، أديبة ، ذات عقل ووقار ، ورثت من أبيها حسّان الفصاحة والشعر ، أنشأ أبوها يوماً :
فأتمّت ليلى شعره بهذا الإتمام الشافي وقالت :
فارتاع حسّان لشعرها وأنشأ يقول :
1 ـ علي بن الحسين الأكبر عليه السلام : 19 . وانظر : تأريخ الطبري 5 : 446 ، الكامل في التأريخ 4 : 74 ، البداية والنهاية 8 : 185 ، مقاتل الطالبيين : 80 ، الفصول المهمة : 197 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 30 ، تنقيح المقال 3 : 74 ، رياحين الشريعة 3 : 295 .
فأراد حسّان بهذا أن يتظاهر بالفخر والاعتزاز لبنته؛ لنظم الشعر بنفس القافية التي استعملها في شعره ، فأجابته مادحة له :
فأقسم حسّان أن لا ينظم الشعر مادامت بنته ليلى موجودة ، ولكنها تابت بأن لا تقول الشعر في حضور والدها (1) .
وحسّان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان موالياً لعلي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال في إحدى قصائده : وكن للذي عادا علياً معادياً ، ولكنّه بعد ذلك انحرف عن الطريق السوي والصراط المستقيم وأصبح عثمانياً ، لذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عالماً بمصيره : « لا تزال مؤيداً بروح القدس مادمت ناصرنا » .
368 ليلى الغفاريّة
صحابيّة جليلة ، وراوية للحديث .
روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة ، وبواسطة عائشة ، وروى عنها محمّد بن القاسم الطائي .
وهي مجاهدة غازية ، كانت تخرج مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه تداوي الجرحى ، وتقوم على المرضى .
ولما خرج الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه إلى البصرة خرجت معه ، وأتت عائشة فقالت لها :
هل سمعتِ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة في علي ؟
قالت : نعم ، دخلَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو معي ، وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدتَ مكاناً أوسع من هذا ؟
قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
« يا عائشة دعي لي أخي ، فإنّه أوّل الناس إسلاماً ، وآخر الناس بيّ عهداً ، وأوّل الناس لي لُقياً يوم القيامة » (1) .
369 ليلى التميميّة
ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربيعة التميميّة ، زوجة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ، و اُم ولديه عبدالله الأصغر ومحمّد الأصغر ، اللذين استشهدا في أرض كربلاء يوم عاشوراء مع سيّدهم ومولاهم أبي عبدالله عليه السلام .
وقيل : إنّ اُمهما ليلى بنت مسعود الدارميّة ، و اُمها عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان ابن خالد بن منقر سيّد أهل الوبر ، وهي قبيلة معروفة بسيادتها وحكمتها عند العرب .
يقول أحد الشعراء بمدح سلم بن جندل ، وهو أحد أجداد ليلى :
وهي إحدى الزوجات الأربع اللواتي بقين بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وهنّ : اُم البنين ، و اُم امة بنت أبي العاص ، وأسماء بنت عميس ، وليلى التميميّة .
وقد حضرت هذه المرأة أرض كربلاء وشاهدت واقعة الطف وما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصائب ومحن ، وشاركتهم في ذلك كلّه صابرة محتسبة ذلك في سبيل الله ، فرحمها الله وجزاها الثواب الجزيل (2) .
370 المرأة التي شهدت ولادة الإمام المهدي « عج »
روى الشيخ الطوسي في كتاب الغَيبة عن أحمد بن علي الرازي ، عن محمّد بن علي ، عن حنظلة بن زكريا ، قال : حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب ، وكان عاميّاً بمحلّ من النصب
1 الإصابة 4 : 402 ، الاستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 204 ، مختصر تأريخ دمشق 17 : 308 ، أعلام النساء 4 : 336 ، رياحين الشريعة 5 : 59 ، أعيان النساء : 555 .
2 رياحين الشريعة 3 : 308 .
لأهل البيت عليهم السلام ، يُظهر ذلك ولا يكتمه ، وكان صديقاً لي يُظهر مودّةً بما فيه من طبع أهل العراق ، فيقول ـ كلمّا لقيني ـ لك عندي خبر تفرح به ولا اُخبرك به ، فأتغافل عنه ، إلى أن جمعني وإياه موضع خلوة فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به .
فقال : كانت دورنا بسرّ مَن رأى مقابل دار ابن الرضا ـ يعني أبامحمّد الحسن بن علي عليهما السلام فغبتُ عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها ، ثم قضى لي الرجوع إليها ، فلمّا وافيتها وقد كنتُ فقدت جميع مَن خلّفته من أهلي وقراباتي ، إلاّ عجوزاً كانت ربّتني ولها بنت معها ، وكانت من طبع الأوّل مستورة صائنة لا تُحسن الكذب ، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار ، فأقمتُ عندهن أياماً ثم عزمتُ الخروج .
فقالت العجوز : كيف تستعجل الإنصراف وقد غبتَ زماناً ، فأقم عندنا لنفرح بمكانك .
فقلتُ لها على وجه الهزو : اُريد أن أصير إلى كربلاء ، وكان الناس يتهيّأون للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة .
فقالت : يا بنيّ أعيذك بالله أن تستهين بما ذكرت ، أو تقوله على وجه الهزو ، فإنّي اُحدّثك بما رأيته ـ يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين ـ :
كنتُ في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي ، وأنا بين النائمة واليقظانة إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيّب الرائحة فقال : يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي ، ففزعت فناديتُ ابنتي وقلت لها : هل شعرت بأحد دخل البيت ؟
فقالت : لا ، فذكرتُ الله وقرأت ونمت .
فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله ، ففزعتُ وصحتُ يا بنتي ، فقالت : لم يدخل البيت ، فاذكري الله ولا تفزعي ، فقرأتُ ونمت .
فلمّا كان في الثالثة جاء الرجل وقال : يا فلانة قد جاءك مَن يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه ، وسمعتُ دقّ الباب ، فقمت وراء الباب وقلت : مَن هذا ؟
فقال : افتحي ولا تخافي ، فعرفتُ كلامه وفتحتُ الباب ، فإذا خادم معه أزار فقال : يحتاج
إليك بعض الجيران لحاجة مهمّة ، فادخلي ولفّي رأسك بالملاءة ، وأدخلني الدار وأنا أعرفها ، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ، ورجل قاعد بجنب الشقاق ، فرفع الخادم طرفه ودخلت ، فإذا بامرأة قد أخذها الطلق ، وامرأة قاعدة خلفها كأنّها تقبّلها .
فقالت المرأة : تعينينا فيما نحن فيه ، فعالجتها بما يعالج به مثلها ، فما كان إلاّ قليلاً حتى سقط غلام ، فأخذتهُ على كفي وصحتُ غلام غلام ، وأخرجتُ رأسي من طرف الشقاق اُبشّر الرجل القاعد ، فقيل لي : لا تصيحي ، فلمّا رددتُ وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفي .
فقالت لي المرأة : لا تصيحي ، وأخذ الخادم بيدي ، ولفّ رأسي بالملائة وأخرجني من الدار ، وردّني إلى داري وناولني صرّة وقال : لا تخبري بما رأيتِ أحداً ، فدخلتُ الدار ورجعتُ إلى فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة ، فأنبهتها وسألتها هل علمتي بخروجي ورجوعي .
فقالت : لا ، وفتحتُ الصرّة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً ، وما أخبرتُ بهذا أحداً إلاّ في هذا الوقت لمّا تكلمتَ بهذا الكلام على حدّ الهزو ، فحدّثتكَ اشفاقاً عليك ، فإنّ لهؤلاء القوم عند الله عزّ وجل شأناً ومنزلة ، وكلّ ما يدّعونه حقّ .
قال : فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزو ، ولم أسألها عن الوقت ، غير أنّي أعلم يقيناً أنّي غبتُ عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ، ورجعتُ إلى سر مَن رأى في وقت أخبرتني العجوز بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبدالله بن سليمان لما قصدته ، قال حنظلة فدعوتُ بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتى سمع معي هذا الخبر (1) .
371 ماريّة العبديّة
ماريّة بنت سعيد ـ وقيل : بنت سعد ـ العبديّة ، من بني عبدالقيس ، ويقال لها : سعديّة بنت منقذ ، كانت تسكن مدينة البصرة في جنوب العراق .
1 ـ الغَيبة : 144 .
موالية لأهل البيت عليهم السلام ، تقيّة ، شجاعة ، احدى المجاهدات في البصرة ، لها مكانة عالية عند الشيعة ، حيث يجتمعون في بيتها ويتدارسون الأوضاع السياسية السائدة آنذاك .
قال الطبري وابن الأثير في تأريخهما نقلاً عن أبي مخنف : ذكر أبوالمخارق الراسبي قال : اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبدالقيس يقال لها ماريّة ابنة سعد ـ أو منقذ ـ أياماً وكانت تتشيّع ، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه ، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين ، فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق .
قال : فأجمع يزيد بن نُبيط الخروج ـ وهو من عبدالقيس ـ إلى الحسين وكان له بنون عشرة فقال : أيكم يخرج معي ؟
فانتدب معه ابنان له : عبدالله ، وعبيدالله .
فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : إنّي قد أزمعتُ على الخروج ، وأنا خارج .
فقالوا له : إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد .
فقال : إنّي والله لو قد استوَتْ أخفافهما بالحِدَدَ لهان عليّ طلب من طلبني (1) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : ماريّة بنت منقذ ـ أو سعيد ـ العبديّة ، يستفاد من كونها إماميّة تقيّة مما روي عن أبي جعفر عليه السلام : من أنّها كانت تتشيّع ، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيها ، وقد كان ابن زياد بلغه إقبال الحسين عليه السلام وكاتبة أهل العراق له ، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق . . . الحديث (2) .
وقال المحلاتي في موضع من رياحين الشريعة نقلاً عن إبصار العين للعلاّمة السماوي : سعديّة بنت منقذ العبديّة ، كانت من شيعة البصرة ، وكانت ثابتة على التشيع ، وكان بيتها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدثون (3) .
1 ـ تأريخ الطبري 5 : 353 ، الكامل في التأريخ 4 : 21 .
2 ـ تنقيح المقال : 3 : 83 فصل النساء .
3 ـ رياحين الشريعة 4 : 326 . وانظر أعلام النساء 5 : 9 ، أعيان النساء : 590 ، رياحين الشريعة 5 : 63 .
372 ماه تابان القاجاريّة
ماهتابان بنت الشاه فتح علي القاجاري .
اُمّها السيّدة نوشافرين بنت بدرخان ، أخو علي مرادخان قمر السلطنة .
زوجها الحاج ميرزا حسين خان مشير الدولة .
كانت رحمها الله ذات علم وكمال وأدب ، تجيد نظم الشعر باللغة الفارسيّة ، وتجيد اللغتين الفرنسية والتركية أيضاً .
لها أوقاف كثيرة وقفتها في خدمة أهل البيت عليهم السلام ، وبَنَتْ مسجداً في مدينة مشهد المقدّسة مجاوراً لمرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وكانت تُقيم العزاء على سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في دار الخلافة .
من أوقافها منطقة عليآباد ، ونصر آباد ، ونعمتآباد ، وغيرها من المناطق ، يُصرف نصف محصول هذه المناطق في تنوير الأماكن المقدسة ، والنصف الآخر يصرف على طلبة العلوم الدينيّة في النجف وكربلاء (1) .
373 ماهشرف القزوينيّة
ماه شرف بنت الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم القزويني .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، خطيبة ، متكلّمة ، عارفة .
قرأت على أخيها الشيخ محمّد البرغاني ، ثم هاجرت إلى أصفهان ، وأخذت من أجلاّء علمائها ، ومنها نزحت إلى كربلاء والنجف ، ثم استقرّت في قزوين ، فاختارها الشاه القاجاري فتح علي لمنصب كبير في البلاط الشاهنشاهي . وكان لها خطّ جميل للغاية ، واُسلوب أدبي رائع في الإنشاء ، وكانت تُراسل عن لسان البلاط علماءَ الإسلام وتجيب عن رسائلهم .
1 ـ رياحين الشريعة 5 : 62 .
قال الأمير عضد الدولة سلطان أحمد الميرزا في كتابه تأريخ عضدي : ماه شرف ، عمّة المرحوم الحاج الملا محمّد صالح المجتهد البرغاني ، الملقَّبة بـ ( منشيه ) ـ أي سكرتيرة ـ كان لها خطّ جميل لا سيّما في خطّ ( الشكسته ) بشكل رائع للغاية ، وكانت مسؤولة عن الرسائل والانشاء في البلاط الايراني (1) .
وكانت أيضاً مشاورة للشاه القاجاري فتح علي في اُمور ادارة البلاد ، وكان الشاه كثيراً ما يأخذ برأيها (2) .
374 مرضية القزوينيّة
مرضية بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملاّ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ الملاّ محمّد كاظم البرغاني القزويني الصالحي .
ولدت في قزوين حدود سنة 1233هـ ، وتوفيّت بها حدود سنة 1313هـ .
فقيهة ، مجتهدة ، مُحدّثة ، بصيرة بالكلام ، مفسّرة ، أديبة ، شاعرة ، حافظة للقرآن الكريم ، مؤلّفة ، مدرّسة للعوم الإسلامية ، من ربّات السياسة .
قرأت المقدّمات وفنون الأدب والعربية والصرف والنحو على اُمّها الفاضلة العالمة آمنة القزوينية واختها قرّة العين ، وتفقّهت على أبيها الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني وعمّها الشهيد الثالث ، ودرست العرفان الربّاني على عمّها الشيخ الملاّ علي البرغاني القزويني ، والفلسفة على الشيخ الملاّ آغا الحكمي القزويني في قسم النساء من المدرسة الصالحية بقزوين .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت الشيخ الميرزا محمّد علي الشريف القزويني .
كانت رحمها الله من أعلم نساء عصرها ، وتفنّنت في العلوم العقلية والنقلية والأدب ،
1 ـ تأريخ عضدي : 19 .
2 ـ مستدرك أعيان الشيعة 2 : 222 223 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
ودرّست وأفتت في كلّ من كربلاء والكاظمين وبغداد ، ولها مباحثات ومجادلات مع أبي الثناء الآلوسي ببغداد .
رجعت إلى قزوين وتصدّرت للتدريس والوعظ والارشاد ، وفي سنة 1270هـ توفّي زوجها ، فتزوّجها ابن خالها الشيخ الميرزا يوسف بن عبدالوهاب الشريف القزويني .
لها عدّة مؤلّفات منها : الحواشي على الكتب الفقهية والفلسفية ، ومجموعة رسائل ، ورسالة في العرفان ، ومجموعة مكاتيب ، وديوان شعر . وكلّها موجودة في مكتبة أحفادها في قزوين (1) .
375 مريم بيگم
قال الشيخ ذبيح الله المحلاتي : قال الجابري في تأريخ أصفهان : كانت مريم بيكم من جملة العلماء والفضلاء في زمن الدولة الصفويّة ، وقد بنت مدرسة معروفة بمدرسة مريم بيكم في أصفهان في زمن العهد الصفوي (2) .
376 مريم خان زند
مريم بنت الشيخ علي خان زند ، وزوجة الشاه الإيراني فتح علي القاجاري .
أديبة ، شاعرة ، زاهدة ، كانت تتخلّص في شعرها بـ « حاجيه » ، لها شعر فارسي كثير مذكور في عدّة مصادر (3) .
377 مريم المجلسي
مريم بيكم بنت الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 319 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ رياحين الشريعة 5 : 74 .
3 ـ تذكرة الخواتين : 97 ، حديقة الشعراء 1 | 2143 ، خيّرات حسان 1 | 161 .
مقصود علي المجلسي الأصفهاني .
زوجها الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمد كاظم المجلسي الأصفهاني .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة ، زاهدة .
قرأت المقدّمات وفنون الأدب والعربية على رجال اُسرتها آل المجلسي ، وعلى اُمّها العالمة الفاضلة زينب بيكم (1) .
378 مريم الخاتون آباديّة
مريم بنت الحاج الميزا مهدي جويبارهاي الخاتون آبادي ، وزوجة مرتضى أحمد آبادي .
أديبة ، شاعرة ايرانيّة ، تمتلك حافظة قويّة ، نظمت الشعر في وقتٍ مبكّر ، فأوّل قصيدة نظمتها في السنة الثانية عشر من عمرها .
توفّيت في الخامس عشر من رجب سنة 1308هـ ، ودُفنت في أصفهان (2) .
379 معصومة الصدرائيّة
معصومة بنت الفيلسوف الشهير صدر المتألّهين محمّد بن ابراهيم بن يحيى المعروف بملاّ صدرا المتوفى سنة 1050هـ ، وزوجة الميرزا قوام الدين التبريزي صاحب التعليقات العامّة على الأسفار الذي كان من أجلّة تلاميذ والدها .
ولدت في شهر شوال سنة 1033هـ ، توفّيت في شهر شعبان سنة 1093هـ ببلدة شيراز ودفنت بها .
عالمة ، فاضلة ، مُحدّثة ، من ربّات الفصاحة والبلاغة في عصرها ، ذات دين وصلاح ، عابدة زاهدة ، حافظة للقرآن الكريم .
قرأت على والدها ملاّ صدرا ، وأخذت الأدب عن اختها العالمة الفاضلة زبيدة ،
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 320 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ تذكره شعراي معاصر أصفهان : 79 .
وحضرت أيضاً على اُختها العالمة الفاضلة اُم كلثوم ، وقد تقدّمت ترجمتهما .
ذكرها وأثنى عليها المرجع الديني الكبير سماحة آية العظمى السيّد المرعشي النجفي في مقدّمة كتاب معادن الحكمة (1) .
380 مغيرة
مغيرة مولاة الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام
عدّها الشيخ الطوسي؛ في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (2) .
وقال المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال : الظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّي لم أقف على ما يدرجها في الحسان (3) .
381 ملوك القزوينيّة
ملوك بنت السيّد موسى ابن السيّد جعفر القزويني .
اُمّها أسماء بنت العلاّمة السيّد صالح ابن العلاّمة الفقيه السيّد مهدي القزويني ، التي كانت عالمة ، فاضلة ، أديبة ، شاعرة ، توفيّت سنة 1342هـ ، وقد مرّت ترجمتها في حرف الألف .
زوجها ابن خالها السيّد باقر ابن السيّد هادي القزويني ، المتوفّى سنة 1333هـ .
كانت رحمها الله أديبة ، فاضلة ، ووجه اجتماعي مُحبّب ، لها مجلس عامر في مدينة الحلّة الفيحاء مَوئِلاً للقاصدين ، وكانت كثيراً ما تتحدّث عن اُمّها وكيفيّة توسّطها لحلّ النزعات العائلية ، وتروي شعرها باللغتين الفُصحى والدارجة (4) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 259 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة ، مقدّمة كتاب معادن الحكمة 1 : 16 .
2 ـ رجال الشيخ : 341 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 83 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 179 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 414 ، جامع الرواة 2 : 459 ، رياحين الشريعة 5 : 75 ، معجم رجال الحديث 23 : 200 .
4 ـ أدب الطف 9 : 86 .
382 منى الهرمليّة
منى بنت أحمد بن محمّد بن ابراهيم محفوظ الوشاحيّة الأسديّة الهرمليّة .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، صالحة ، كان يحترمها أهل لبنان على اختلاف مللهم ومذاهبهم ، توفّيت في حدود سنة 1316هـ . ذكرها عمر رضا كحاله في أعلام النساء (1) .
وفي تكملة أمل الآمل قال الحرّ العاملي : الأديبة منى من بنت جبيل ، ذكرها بعض كتّاب عصرنا المروّجين فقال : كان لها في نقد الشعر خبرة حسنة ، وفي معرفة النجوم ومبادىَ علم الهيئة حالة مقبولة . وكانت تُجالس الاُدباء وتُساجل الشعراء من وراء حجابها ، وروايتها الشعر وحفظها الجيد تدلّ على سلامة ذوقها وحسن اختيارها ، أقول : هي من أهل العصر المتأخر عن الجزار وحميد بيك (2) .
383 منّة
منّة اُخت محمّد بن أبي عمير .
ذكرها البرقي ضمن الراويات عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام (3) .
وعدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام (4) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : والظاهر كونها إماميّة ، وقد سمعتُ من الوحيد رحمه الله استفادة صلاحها من روايتها (5) .
واختها سعيدة ـ والتي مرّت ترجمتها في حرف السين ـ أيضاً من الراويات عن الإمام
1 ـ أعلام النساء 5 : 115 .
2 ـ تكملة أمل الآمل : 447 .
3 ـ رجال البرقي : 62 .
4 ـ رجال الشيخ : 342 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 80 .
الصادق عليه السلام ، روى عنهما الحكم بن مسكين (1) .
روى الكليني في الكافي عن علي بن ابراهيم ، عن محمّد بن سالم ، عن بعض أصحابه ، عن الحكم بن مسكين قال : حدّثتني سعيدة ومنّة اُختا محمّد بن أبي عمير بياع السابري قالتا : دخلنا على أبي عبدالله عليه السلام فقلنا :
تعود المرأة أخاها ؟
قال : « نعم » .
قلنا : تصافحه ؟
قال : « من وراء الثوب » .
قالت إحداهما : إنّ اُختي هذه تعود اخوتها .
قال : « إذا عُدتِ اخوتك فلا تلبسي المصبغة » (2) .
384 منفيّة
منفيّة بنت عبدالعباس ، اخت الشاعر منفي ، كانت تسكن منطقة الكفل في العراق .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، قالت تُخاطب جموع الثائرين بعد واقعة الرارنجيّة عندما سمعت بأنّ « ولسن » هو الحاكم السياسي على العراق :
1 ـ انظر : مجمع الرجال 7 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رجال أبوعلي : 370 ، أعيان الشيعة 7 : 262 ، رياحين الشريعة 5 : 75 ، معجم رجال الحديث 23 : 193 .
2 ـ الكافي 5 : 526 حديث 3 باب مصافحة النساء .
3 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 367 .
385 ميمونة الهلاليّة
ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبدالله بن هلال بن عامر ابن صعصعة .
اُمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حَماطة بن جرش ، ويقال : ابن جريش .
تزوّجها مسعود بن عمير الثقفي في الجاهلية ، ثم فارقها فتزوّجها أبورهم بن عبدالعزّى ابن أبي قيس ، من بني مالك بن مسل بن عامر بن لؤي ، فتوفّي عنها ، فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، زوّجه إياها العباس بن عبدالمطلب ، وكان يلي أمرها ، وهي اُخت اُم ولده اُم الفضل بنت الحارث الهلاليّة لأبيها و اُمها .
وتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسرف على عشرة أميال من مكّة ، وكانت آخر امرأة تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك سنة سبع في عمرة القضية (1) .
روى الصدوق رحمه الله عن محمّد بن ابراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه ، قال : حدّثنا الحسين ابن علي بن الحسين السكري ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال :
« تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن ، وقبض عن تسع .
فأمّا اللتان لم يدخل بهما فعمرة ، والسَّنى .
وأمّا الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن فأوّلهن خديجة بنت خويلد ، ثم سَودة بنت زمعة ، ثم اُم سلمة واسمها هند بنت أبي اُميّة ، ثم اُم عبدالله عائشة بنت أبي بكر ، ثم حفصة بنت عمر ، ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث اُم المساكين ، ثم زينب بنت جحش ، ثم اُم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ، ثم
1 ـ الطبقات الكبرى 8 : 132 .
ميمونة بنت الحارث ، ثم زينب بنت عميس ، ثم جويريّة بنت الحارث ، ثم صفيّة بنت حُيَيّ ابن أخطب .
والتي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خولة بنت حكيم السلمي .
وكان له سريّتان يقسّم لهما مع أزواجه : ماريّة ، وريحانة الخندقيّة .
والتسع اللاتي قبض عنهن : عائشة ، وحفصة ، و اُم سلمة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، و اُم حبيبة بنت أبي سفيان ، وصفيّة بنت حُيَيّ بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة . وأفضلهن خديجة بنت خويلد ، ثم اُم سلمة بنت الحارث » (1) .
وكان اسم ميمونة برّة ، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة بعد أن تزوّجها .
روى الحاكم النيساوري في المستدرك على الصحيحين عن اسرائيل ، عن محمّد بن عبدالرحمن ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : كان اسم خالتي ميمونة برّة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة (2) .
وهي من راويات الحديث ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله ، وابن عبدالبر وأبونعيم وابن مندة من الصحابيات ، روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنها ابن اختها عبدالله بن العباس وغيره (3) ِ .
وذكر لها الشيخ الصدوق رحمه الله رواية في الفقيه عن عبيدالله بن علي الحلبي ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما السلام :
« أنّ ميمونة كانت تقول : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرني إن كنت حائضاً أن أتّزر بثوب ثم اضطجع معه في الفراش » (4) .
1 ـ الخصال : 419 باب قبض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن تسع نسوة .
2 ـ مستدرك الحاكم 4 : 30 .
3 ـ رجال الشيخ : 32 .
4 ـ مَن لا يحضره الفقيه 1 : 54 حديث 205 .
وكانت ميمونة رحمها الله من المواليات لأمير المؤمنين سلام الله عليه ومحبّة له ومدافعة عنه .
قال المامقاني في تنقيح المقال : وقال السيّد صدر الدين في حواشيه على منتهى المقال ما لفظه : وجدتُ في كتاب جابر بن يزيد الجعفي علي أبي جعفر عليه السلام :
« أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا ينجو من النار وشدّة نفيضها وزفيرها وحميمها مَن عادى عليّاً وترك ولايته وأحب من عاداه .
فقالت ميمونة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما أعرف من أصحابك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن يحب عليّاً إلاّ قليلاً منهم .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : القليل من المؤمنين كثير ، ومن تعرفين منهم ؟
قالت : أعرف أباذر ، وسلمان ، وقد تعلم أني أحبّ علياً عليه السلام بحبّك إيّاه ونصحه لكَ ، فقال : صدقتِ إنّك امتحن الله قلبك للإيمان » .
وأقول : هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم توثيق لها؛ لأنّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان لا يكون إلاّ ثقة ، عدلاً كما لا يخفى (1) .
وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن جري بن كليب العامري قال : لمّا سار علي عليه السلام إلى صفين كرهتُ القتال ، فأتيتُ المدينة فدخلتُ على ميمونة بنت الحارث ، فقالت : ممّن أنتَ ؟
قلت : من أهل الكوفة .
قالت : من أيهم ؟
قلت : من بني عامر .
فقالت : رحباً على رحب ، وقرباً على قرب ، ما جاء بكَ ؟
قال : قلتُ : سار علي إلى صفين وكرهتُ القتال ، فجئنا إلى هاهنا .
1 ـ تنقيح المقال 3 : 83 .
قالت : أكنتَ بايعته ؟
قال : قلتُ : نعم .
قالت : فارجع إليه فكن معه ، فوالله ما ضلّ ولا ضلّ به (1) .
وممّا يدلّ على عظم إيمانها وعلوّ درجتها أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مدحها وعبّر عنها وعن غيرها بالأخوات المؤمنات :
ففي الطبقات الكبرى قال ابن سعد : أخبرنا سعيد بن منصور ، حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد ، عن ابراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الأخوات مؤمنات : ميمونة ، و اُم الفضل ، وأسماء » (2) .
وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك قال : حدّثنا أبوجعفر محمّد بن صالح بن هاني ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى الشهيد رحمه الله ، حدّثنا عبدالله بن عبدالوهاب الحجبي ، حدّثنا عبدالعزيز الدراوردي ، وأخبرنا ابراهيم بن عقبة بن كريب ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« الأخوات مؤمنات : ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، واُختها اُم الفضل بنت الحارث ، واُختها سلمى بنت الحارث إمرأة حمزة ، وأسماء بنت عميس اُختهن لاُمهن » (3) .
وتقول عائشة : إنّ ميمونة كانت من أتقانا لله عزّ وجل ، وأوصلنا للرحم .
روى الحاكم النيسابوري قال : حدّثنا عبدالله بن الحسين القاضي بمرو ، حدّثنا الحارث ابن أبي اُسامة ، حدّثنا كثير بن هشام . قال جعفر بن برقان : حدّثنا يزيد بن الأصم ابن اُخت ميمونة قال : تلقيتُ عائشة وهي مقبلة من مكّة أنا وابن لطلحة بن عبيدالله وهو ابن اختها ،
1 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 30 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 132 .
3 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 30 .
وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة فأصبنا منه ، فبلغها ذلك ، فأقبلت على ابن اُختها تلومه وتعذّله ، وأقبلت عليّ فوعظتني موعظة بليغة ثم قالت :
أما علمتَ أنّ الله تعالى ساقكَ حتى جعلك في أهل بيت نبيّه ، ذهبت والله ميمونة ورمى برسنك على غاربك ، أما أنّها كانت من أتقانا لله عزّوجل وأوصلنا للرحم (1) .
وتوفّيت ميمونة رحمها الله سنة احدى وستين ، روى ذلك ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك عن بن عمر ، قال : توفيّت سنة احدى وستين في خلافة يزيد بن معاوية ، وهي آخر من مات من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لها يوم توفيّت ثمانون أو احدى وثمانون سنة ، وكانت جلدة (2) .
وقال المامقاني : توفيت سنة إحدى وخمسين ، وقيل ثلاث وستين عام الحرّة ، وصلّى عليها ابن اُختها ابن عباس (3) .
386 ناجية النجفيّة
فاضلة ، جليلة ، عارفة ، كاملة ، أديبة ، شاعرة ، كثيرة النظم ، لها التضلّع الكامل في الأدب الفارسي .
كانت تقيم في مدينة النجف الأشرف ، وتتخلّص في شعرها بـ « رازيّة » سافرت إلى مدينة مشهد المقدّسة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام ، وذلك في عهد ولاية الميرزا سعيد خان « مؤتمن
1 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 30 .
2 ـ الطبقات الكبرى 8 : 132 ، المستدرك على الصحيحين 4 : 30 .
3 ـ تنقيح المقال 3 : 83 . وانظر ترجمتها في : اُسد الغابة 5 : 55 ، أعيان الشيعة 10 : 199 ، الإصابة 4 : 411 ، الأعلام للزركلي 7 : 342 ، البداية والنهاية 8 : 58 ، الخصال : 419 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 : 439 ، الكاشف 3 : 435 ، الكامل في التأريخ 3 : 489 ، تقريب التهذيب 2 : 614 ، تنقيح المقال 3 : 83 ، تهذيب التهذيب 12 : 480 ، جامع الرواة 2 : 459 ، رجال الشيخ : 32 ، شذرات الذهب 1 : 58 ، الطبقات الكبرى 8 : 132 ، مجمع الرجال 7 : 179 ، مرآة الجنان 1 : 125 ، معجم رجال الحديث 23 : 200 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 54 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 414 .
الملك » ابن الميرزا سليمان شيخ الإسلام الأنصاري ، وهناك قالت قصائدها المعروفة بـ « قصائد الأعياد » ، التي تقع في ثلاثمائة بيت :
الاُولى : في مدح ثامن الأئمة الإمام الرضا عليه السلام .
الثانية : في التهنئة بعيد الغدير .
الثالثة : في التهنئة بعيد الأضحى .
الرابعة : في التهنئة بعيد النوروز .
ثم عادت إلى مدينة النجف الأشرف وتوفّيت فيها بعد سنة 1232هـ .
لها ديوان شعر فارسي مطبوع (1) .
387 نرگس القزوينيّة
نرگس بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملاّ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
ولدت حدود سنة 1240هـ ، وتوفّيت في كربلاء حدود سنة 1322هـ .
من ربّات الذكاء والفطنة وسعة الادراك ، مُحدّثة ، عالمة ، مُتفقّهة ، بصيرة بالكلام ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره وتأويله ، عابدة ، من الناسكات الزاهدات .
أخذت النحو والصرف والمنطق والعلوم العربية وفنون الأدب عن اُختها قرّة العين ، ثم تخرّجت في الفقه والاُصول والتفسير على والدها الشيخ محمّد صالح البرغاني المتوفى سنة 1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ ، وأخذت العرفان وسائر العلوم عن عمّها الآخر الشيخ الملاّ علي البرغاني ، والفلسفة عن الآخوند الشيخ الملا آغا الحكمي القزويني وأخيها الشيخ الميرزا عبدالوهاب البرغاني .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمّها الشيخ جعفر ابن الشهيد الثالث ، ثم هاجرت مع
1 ـ أعيان الشيعة 10 : 199 ، رجال ايران 2 : 66 ، لغت نامه 28 : 524 ، معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف 2 : 587 .
زوجها إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، وتصدّرت للتدريس والوعظ والارشاد ، وفي أواخر عمرها انقطعت للرياضة النفسية ، والتبتّل والعبادة ، حتى توفيّت في كربلاء ، ودُفنت في الرواق الشرقي من قبر السيد كاظم الرشتي (1) .
388 نَسْمة كاشف الغطاء
نَسْمة بنت الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وزوجة الشيخ محمد تقي مسجد شاهي ، و اُم الشيخ محمدباقر .
عالمة ، فاضلة ، زاهدة ، توفيّت حدود سنة 1295هـ ، ودفنت في أصفهان (2) .
389 نَسيبة الأنصاريّة
نسيبة بنت الحارث الأنصاريّة ، تكنّى باُم عطيّة .
من فواضل نساء الصحابة ، شهدت بيعة العقبة مع اختها واثنين وستين رجلاً ، وشهدت بيعة الرضوان أيضاً .
وهي راوية من الراويات ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن عمر بن الخطاب .
وروى عنها أنس بن مالك ، ومحمّد بن سيرين ، وعبدالله بن عمير ، واسماعيل بن عبدالرحمان بن عطيّة ، وعلي بن الأرقم ، و اُم شراحيل ، وحفصة بنت سيرين .
كانت تغزو كثيراً مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتداوي الجرحى وتمرّض المرضى .
وقيل : إنّها شهدت غسل بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن المعلوم أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام غسّلها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ولم تحضرها إمرأة غريبة (3) .
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 4 : 212 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ تذكرة القبور : 37 ، رجال أصفهان : 73 .
3 ـ انظر : الإستيعاب ( المطبوع مع الإصابة ) 4 : 417 ، اُسد الغابة 5 : 554 و 603 ، الإصابة 4 : 418 ، تهذيب التهذيب 12 : 482 ، أعلام النساء 5 : 171 .
390 نَسيبة الأنصاريّة
نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مبدول بن عمرو بن مازن بن النجّار الأنصاريّة ، اُم عمارة ، مشهورة بكنيتها واسمها معاً .
قال ابن إسحاق في رماية يونس بن بكير وغيره عنه في بيعة العقبة الثانية : وكان من بني الخزرج اثنان وستون رجلاً وإمرأتان ، فيزعمون أنّ إمرأتين بايعتا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لا يصافح النساء ، إنّما كان يأخذ عليهن ، فإذا أقررْن قال : « اذهبي » ، والمرأتان هما من بني مازن بن النجّار نسيبة واُختها ابنتا كعب .
وشاركت نسيبة في معركة اُحد ، قالت اُم سعيد بنت الربيع : قلتُ لها : حدّثيني يا خالة عن غزوة اُحد .
فقالت نسيبة : عندما خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاُحد خرجتُ معه حاملة قربة الماء أسقي أصحابه ، فعندما تفرّقوا عنه رميتُ القربة ، والتحقتُ به وهجمتُ على الأعداء تارة بالسيف ، واُخرى بالفأس ، حتى اُصيب بدني بجراحات كثيرة .
قالت اُم سعيد : رأيتُ على رقبتها جرح فسألتها : مَن الذي أصابك ؟
قالت : ابن قمية (1) .
وفي رياحين الشريعة نقلاً عن خصائص الفاطميّة : ص 243 : لقد جاهدت نسيبة حقّ الجهاد وقاتلت قتال الرجال ، ولم يُرَ مثلها في جميع الغزوات والسرايا ، وهي في جملة النساء اللواتي يُعالجن الجرحى في زمن دولة المهدي عجّل الله فرجه (2) .
وقد تقدّم في الترجمة التي قبل هذه ، أنّ التي شهدت بيعة العقبة هي نسيبة بنت الحارث الأنصاريّة ، والله أعلم .
1 ـ الإصابة 4 : 418 .
2 ـ رياحين الشريعة 5 : 80 .
391 نسيم
خادمة الإمام أبي محمّد العسكري عليه السلام .
راوية للحديث ، روت عن الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، بعد أن رأته ، وروى عنها السيّاري وابراهيم بن محمّد بن عبدالله ابن الإمام الكاظم عليه السلام .
روى الشيخ الصدوق رحمه الله في كمال الدين وتمام النعمة عن محمّد بن علي ماجيلويه وأحمد ابن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنهما ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا الحسين بن علي النيسابوري ، عن إبراهيم بن محمّد بن عبدالله بن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن السيّاري قال : حدّثتني نسيم وماريّة قالتا :
إنّه سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابته إلى السماء ، ثم عطس فقال : « الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله ، زعمتْ الظَلمة أنّ حجّة الله داحضة ، لو اُذن لنا في الكلام لزال الشك » .
قال ابراهيم بن محمّد بن عبدالله ، وحدّثتني نسيم خادم أبي عبدالله عليه السلام ، قالت : قال لي صاحب الزمان عليه السلام وقد دخلتُ عليه ليلة فعطستُ عنده فقال لي : « يرحمك الله » .
قالت نسيم : ففرحتُ بذلك ، فقال لي : « ألا اُبشّرك في العطاس ؟ » .
فقلتُ : بلى يامولاي .
فقال : « هو أمان من الموت ثلاثة أيام » (1) .
إلاّ أنّ الشيخ الطوسي رحمه الله روى ذلك في كتاب الغَيبة عن نسيم الخادم ، أي أنّه رجل وليس إمرأة . والله العالم (2) .
1 ـ كمال الدين وتمام النعمة 2 : 430 حديث 5 باب ما روي في ميلاد القائم عجل الله فرجه الشريف .
2 ـ الغَيبة : 139 . وانظر معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي 19 : 131 و 23 : 200 .
392 نشمية العارضيّة
نشمية بنت ثجيل العارضيّة ، من عشيرة البوعارضي من عشائر بني حِسن .
مجاهدة ، بطلة ، شاعرة باللهجة العاميّة ، لها مواقف بطوليّة في ثورة العشرين .
ففي منطقة الرستميّة التي دارت فيها معركة كبيرة بين الثّوار وقوّات الانگليز ، سمّيت بمعركة ( الرارنجيّة ) كاد الثوّار أن ينسحبوا ، وكاد شملهم أن يتبدّد؛ نتيجةً لضغط المدافع والرشاشات عليهم .
فعندئذٍ جاء دور المرأة العراقيّة البطلة لتقف موقفها المشرّف ، فقامت مجموعة من المجاهدات تتقدّمهن المترجم لها ، وقد نشرت شيلتها ( أي فوطتها ) وأخذت تلوّح بها وتناديهم بكلمات مثيرة للعزائم ، حيث قالت :
وعندما سمع المجاهدون صوتها ورأوها في وسط المعركة ، ثارت حميّتهم ، وجمّعوا قواهم وهجموا على العدو هجمة واحدة أدّت إلى انهزام الانگليز وانسحابهم من المعركة مخلّفين وراءهم عدداً كبيراً من القتلى (1) .
393 نصرت أمين الأصفهانيّة
عالمة ، فاضلة ، محدّثة ، فقيهة ، مجتهدة ، حكيمة ، عارفة ، مفسرّة للقرآن الكريم ، مؤلّفة .
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 359 ـ 360 ، صحيفة الشهادة العدد 450 الصادر في ذي القعدة سنة 1412هـ .
شهد بفضلها وعلمها مراجع الدين ، وكبار العلماء في عصرها .
وفي هذه الوريقات القليلة نُحاول أن نُسلّط الضوء على أهم جوانب حياتها المباركة ، مع مراعاة الايجاز .
اسمها ونسبها واسرتها :
الاسم الصحيح لهذه العلويّة هو « نُصرت » ، كما سمّاها بذلك والدها ، وذكرتهُ هي في عدّة مواضع ، منها في إجازتها لتلميذتها السيّدة همايوني (1) .
وذكرها بهذا الاسم أيضاً عدد من الأعلام الذين مدحوها وأثنوا عليها ، منهم سماحة آية الله العظمى المرحوم المغفور له السيّد المرعشي النجفي (2) ، وغيره (3) .
إلاّ أنّها لم تُعرف بهذا الاسم ، بل عُرفت بأسماء وألقاب وكُنى متعدّدة ، أشهرها « أمينة » (4) غخ ، « الأمينيّة » (5) ، « بانو ايراني » (6) ـ أي سيّدة ايرانيّة ـ ، « اُم الفضل » أو « أم الفضائل » (7) .
والدها :
السيّد محمّد علي المعروف بـ « أمين التجّار » ابن السيّد حسن ابن السيّد محمّد ابن العلاّمة الزاهد السيّد معصوم الحسني الخاتون آبادي ابن السيّد عبدالحسين الخاتون آبادي مؤلّف
1 ـ انظر إجازتها لها المدرجة في هذا الكتاب .
2 ـ الإجازة الكبيرة : 245 .
3 ـ انظر كتاب « بانوى مجتهد ايرانى » ، ويادنامه بانو مجتهد : 9 .
4 ـ المسلسلات في الاجازات 2 : 451 .
5 ـ انظر إجازتها للسيّد المرعشي النجفي المدرجة في هذا الكتاب .
6 ـ انظر اجازتها للسيّدة همايوني المدرجة في هذا الكتاب ، ويادنامه بانو مجتهد : 9 .
7 ـ انظر اجازة الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني لها المدرجة في هذا الكتاب ، وطبقات أعلام الشيعة ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) 1 : 183 ، ورياحين الشريعة 3 : 431 .
الكتاب التأريخي المعروف والمعتمد عليه « وقائع السنين والأعوام » .
عُرف والدها بتديّنه وتقواه وحبّه لرجال العلم ، وهو من أكبر تجّار أصفهان في ذلك الوقت ، وله مشاريع خيريّة كثيرة .
والدتها :
بنت الحاج السيّد مهدي المُلقّب بـ « جناب » ، والتي كانت على مكانته عالية من النزاهة والعفّة وحبّ الخير .
زوجها :
ابن عمّها السيّد ميرزا أقا أمين التجّار ، والمُلقّب بـ « معين التجّار » .
اُسرتها :
تنحدر هذه العلويّة من اُسرة السّادة الخاتون آباديّة ، وهي من أشهر الاُسر في ايران ، حيث جَمعتْ بين العلم والسياسة والثروة . فقد لمع منها العشرات من العلماء والفقهاء والاُصوليين والمفسّرين والنسّابة وذوي المناصب السياسيّة العالية . فلا يكاد يخلو من ذِكرهم كتاب يضمّ تراجم العلماء والمؤلّفين ، خصوصاً في القرنين الأخيرين .
مولدها ونشأتها العلمية :
ولدت في مدينة أصفهان سنة 1308هـ ، ونشأت وترعرعت في أحضان والديها ، في بيت ملؤه الإيمان والتقوى وحبّ العلم والعلماء ، وفي بيئة بُنيت على أساس الولاء المطلق لأهل البيت عليهم السلام .
ولا شكّ ولا ريب أنّ هكذا بيت وهكذا بيئة قد رسما لهذه المولودة طريقها ، وكانت لهما كبير الأثر في مسيرة حياتها المباركة .
بدأت بتعلّم القرآن الكريم ودراسة الكتب الفارسيّة ، وهي في الرابعة من عمرها ، وتزوّجت بابن عمها وهي في الخامس عشرة من عمرها .
لكنّ واجبات البيت وتربية الأطفال لم تمنعها من التعلّم وقراءة الكتب والاستزادة من المعرفه والثقافة الإسلاميّة ، بل استمرت في الانتهال من المعارف الإسلاميّة رغم الظروف السياسيّة الصعبة التي كانت تعيشها كلّ الاُسر المتديّنة ، وتعاني منها كلّ فتاة تريد الاستمرار في دراستها الإسلاميّة . فالحاكم الظالم رضا شاه كان قد بدأ حملته الشرسه في منع الحجاب الإسلامي ، وفرض الثقافة والعادات الغربيّة على المجتمع الايراني المسلم .
فبدأت رحمها الله ـ وهي في العشرين من عمرها ـ بقراءة المقدّمات الأدبيّة وجانباً من أوائل الفقه والاُصول وأوّليات العلوم العقليّة عند أفاضل عصرها كالشيخ علي اليزدي المعروف بالحاج آخوند زفرهاى ، والميزا علي أصغر الشريف ، والحاج أقا حسين نظام الدين الكجوئي ، والسيّد أبي القاسم الدهكردي .
وحينما أتمّت مرحلة المقدّمات والسطوح ، بدأت بدراسة الفقه والاُصول العاليين والعلوم العقليّة على كبار الأساتذة في ذلك الوقت كالشيخ محمد رضا الأصفهاني المسجد شاهي ( أبوالمجد ) ، والسيّد محمّد النجف آبادي ، والسيّد علي النجف أبادي . وهذا الأخير هو أكثر من استفادت منه علماً وعملاً .
كانت رحمها الله جادّة في تحصيل العلم غاية الجدّ ، ومداومة على المطالعة والقراءة ، شديدة المواظبة على الحضور لدى الأساتذة في الساعات المعيّنة للدراسة ، لم تفوّت الفرصة لتحصيل العلم واكتساب الآداب ، ولم تثن عزمها الموانع التي كانت تعترض طريقها في كثير من الحالات .
نقلَ استاذها السيّد علي النجف آبادي أنّه سمع أنّ طفلاً لها قد توفّي ، فظنّ أنّها سوف تنقطع عن الدرس لمدّة طويلة حداداً على فقيدها ، كما تقتضيه عواطف الامّهات ، ولكن خادمها جاء بعد يومين يطلب منه الاستمرار في الدرس . فتعجّب الاستاذ من هذا الالتزام بالدرس والمقاومة الروحيّة في الشدائد والمصائب .
وحينما بلغت الأربعين من عمرها ، كانت قد استكملت دراستها الإسلاميّة ، ووصلت إلى مرحلة عالية تؤهّلها لاستنباط الأحكام الشرعيّة ، فقد امتحنها أجلّة الفقهاء في عصرها بأسئلة كتبيّة ، فكانت أجوبتها قويّة جدّاً بحيث أثبتت جدارتها العلميّة ومؤهّلاتها العالية في استنباط الأحكام الشرعيّة ، فكتبوا لها إجازات صرّحوا فيها بأنّها بلغت درجة الاجتهاد ، وعظّموا مكانتها من العلوم الدينية ، ومن هؤلاء الفقهاء السّادة المراجع : السيّد أبوالحسن الأصفهاني ، والسيّد الاصطهباناتي ، والشيخ محمد كاظم الشيرازي ، والشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي (1) .
وقد قضت هذه العلويّة العالمة النصف الثاني من عمرها بالتدريس والافادة وتربية الطالبات الدارسات للعلوم الدينيّة ، وأصبح بيتها في أصفهان منتدىً للنساء العالمات يفدنَ إليها من مختلف المدن وعلى مختلف المستويات الثقافيّة ، لغرض التعلّم والاستفادة ممّا آتاها الله من العلم والمعرفة ، والاستشارة في اُمور دينهن وما اُلقي على عاتقهن من المسؤليات .
واشتهرت شهرة كبيرة في آفاق ايران وغيرها من المراكز العلميّة ، وعرفها كبار العلماء والفقهاء ، وأصبحت لها معهم علاقات علميّة وطيدة ، حيث كانوا يأتون إلى بيتها لأجل أن يتباحثوا معها في العلوم الإسلاميّة ، أو يراسلوها مستفسرين عن رأيها في بعض الأحكام الشرعيّة ، منهم المفسّر الكبير السيّد محمّد حسين الطباطبائي ، والفيلسوف الشهير الشيخ محمّد تقي الجعفري ، والعلاّمة الكبير المجاهد الشيخ عبدالحسين الأميني (2) .
وقد سَعَتْ رحمها الله في انشاء مدارس ومؤسسات لتربية البنات تربيّة اسلاميّة صحيحة ، وكانت تتعهدّها بنفسها وترعاها ، فمن مؤسساتها مدرسة للبنات عُرفت بـ « دبيرستان دخترانه أمين » ، و « مكتب فاطمة » ، حيث تخرّج منها نساء فاضلات تولّينَ التدريس وبعض الشؤون العلميّة والدينيّة للنساء في عصرها وبعد وفاتها .
ومن صفات هذه العالمة المترجَم لها أنّها كانت منذ بدايات نشأتها العلميّة تميل إلى
1 ـ المسلسلات في الإجازات 2 : 451 .
2 ـ انظر كتاب « بانوى مجتهد ايرانى » .
التفكّر والتدبّر في الآفاق والأنفس ودرك الحقائق عن طريق العقل والكشف ، لا عن طريق النقل من الأفواه والتقليد . فساقها هذا الميل النفسي إلى ما يُسمّى بالعرفان . واشتد عندها عندما درست الفلسفة والعلوم العقلية ، وظهرت هذه الظاهرة بارزة في كتابيها « الأربعين الهاشميّة » و « النفحات الرحمانية » .
ومن صفاتها أيضاً التواضع الكبير ونكران الذات ، فهي مع مقامها الرفيع في العلم وموقعها في المجتمع الإسلامي ، كانت تتجنّب وسائل الإعلام وما يؤدي إلى الشهرة ، فتُجيب الذي يسألها عن حياتها وعلمها بأجوبة جزئية ، حتى إنّها طبعت بعض مقالاتها وكتبها باسم « بانويه ايراني » أي سيّدة ايرانيّة (1) .
وقد ابتليت رحمها الله بفقد أطفالها ، حيث أنجبت ثمانية أطفال ، لم يعش منهم إلاّ واحداً (2) .
أساتذتها وشيوخها :
تتلّمذت رحمها الله على أكابر علماء عصرها في أصفهان ، وشهد مراجع التقليد في النجف الأشرف وقم المقدّسة باجتهادها ، وأجازها بعض الفضلاء بالراوية عنه ، ونحن نذكر هنا ما تعرّفنا عليه من أساتذتها وشيوخها :
( 1 ) السيّد ابراهيم الحسيني الشيرازي الاصطهباناتي : منحها إجازة اجتهاد ورواية في شهر صفر سنة 1354هـ ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 2 ) السيّد أبوالحسن الأصفهاني : منحها إجازة اجتهاد ، لم نقف عليها ، ذكرها صاحب كتاب المسلسلات في الإجازات .
( 3 ) السيّد أبوالقاسم الدهكردي : قَرأتْ عليه بعض المقدّمات الأدبيّة وأوائل الفقه والاُصول .
( 4 ) الحاج أقا حسين نظام الدين الكچوئي : قَرأتْ عليه أوائل الفقه والاُصول والعلوم
1 ـ المسلسلات في الإجازه 2 : 451 ـ 453 .
2 ـ يادنامه بانو مجتهد .
العقلية .
( 5 ) السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي : منحها إجازة اجتهاد ورواية .
( 6 ) الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي : منحها اجازة اجتهاد ورواية ، جعلها في ذيل اجازة الشيخ محمّد كاظم الشيرازي لها ، والتي أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 7 ) الميزا علي أصغر الشريف : قرأت عليه بعض المقدّمات الأدبيّة وجانباً من أوائل الفقه والاُصول وأولّيات العلوم العقليّة .
( 8 ) السيّد علي النجف آبادي : تتلْمذت عليه في العلوم العقليّة والفقه والاُصول العاليين ، وهو أكثر مَن استفادت منه علماً وعملاً .
( 9 ) الشيخ علي اليزدي ، المعروف بالحاج آخوند الزفرهاى ، قَرأتْ عليه بعض المقدّمات الأدبيّة وجانباً من أوائل الفقه والاُصول وأوّليات العلوم العقليّة .
( 10 ) الشيخ محمّد رضا أبوالمجد الأصفهاني : حَضَرتْ بحثه العالي ، ومنحها إجازة رواية ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 11 ) الشيخ محمّد كاظم الشيرازي : منحها إجازة اجتهاد ورواية في السابع من شهر صفر سنة 1354هـ ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 12 ) السيّد محمّد النجف آبادي : حَضَرتْ بحثه العالي .
( 13 ) الشيخ مرتضى المظاهري الأصفهاني : حَضَرتْ بحثه العالي ، ودرست أكثر علومها عليه وعلى السيّد علي النجف آبادي المتقدّم ذكره .
تلامذتها والراوون عنها :
تتلّمذ عليها عدد غفير من النساء المؤمنات ، خصوصاً في مدينة أصفهان ، كما استجاز منها بالراوية عنها عدد من العلماء الأعلام وأفاضل الحوزة العلميّة في النجف الأشرف وقم المقدّسة ، ونحن نذكر هنا ما تعرّفنا عليه من تلامذتها والراوين عنها :
( 1 ) العلويّة الفاضلة افتخار أمين ، صاحبة كتاب « چهل حديث أمين يا هشتصد وبيست
موعظه » : تتلّمذت عليها كثيراً واختصّت بها .
( 2 ) الشيخ زهير الحسّون : منحته إجازة رواية قبيل وفاتها بفترة قصيرة .
( 3 ) السيّدة زينة السادات همايوني : تتلّمذت عليها ولازمتها قرابة نصف قرن ، وهي من أقرب وأخصّ تلميذاتها ، وقد منحتها إجازة رواية في السابع من شهر رمضان المبارك سنة 1355هـ ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 4 ) السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي : منحته إجازه رواية في شهر محرّم الحرام سنة 1358هـ ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 5 ) السيّد عباس الكاشاني : منحته إجازة رواية في شهر جمادى الآخرة سنة 1383هـ ، أدرجنا صورتها في هذا الكتاب .
( 6 ) الشيخ عبدالحسين الأميني : منحته إجازة رواية .
( 7 ) الشيخ عبدالله السبيتي : منحته إجازة رواية .
( 8 ) العلويّة فخر السّادات الأبطحي : تتلّمذت عليها مدّة طويلة من الزمن .
( 9 ) السيّد محمّد علي الروضاني : منحته إجازة رواية .
( 10 ) السيّد محمّد علي القاضي التبريزي : منحته إجازة رواية .
مؤلّفاتها :
( 1 ) أخلاق وراه سعادت بشر ، طبع ثلاث مرّات في ايران .
( 2 ) الأربعون الهاشميّة ، عربي ، وهو أوّل تأليفها ، انتهت من تأليفه في التاسع من محرم سنة 1355هـ ، وطبع الطبعة الاُولى سنة 1356هـ ، وطبع بعد ذلك عدّة مرات ، وقامت بترجمته إلى الفارسيّة تلميذتها السيّدة همايوني (1) .
( 3 ) إقتباس وترجمة تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه ، انتهت منه في
1 ـ الذريعة 11 : 54 رقم 335 .
التاسع عشر من شهر رجب سنة 1368هـ ، وطبع في طهران .
( 4 ) جامع الشتات ، عربي ، وهو عبارة عن أجوبتها على الأسئلة التي كانت ترد عليها ، طبع في ايران .
( 5 ) حاشية الأسفار الأربعة « مخطوط » .
( 6 ) حاشية فرائد الاُصول « مخطوط » .
( 7 ) حاشية المكاسب للشيخ الأنصاري « مخطوط » .
( 8 ) روش خوشبختي وتوصية به خواهران إيماني ، طبع في ايران سبع مرّات .
( 9 ) سير وسلوك در روش أولياء وطريق سير سعداء ، طبع في ايران ثلاث مرّات .
( 10 ) مخزن العرفان في تفسير القرآن ، يقع في خمسة عشر مجلداً ، طبع في إيران عدّة مرّات .
( 11 ) مخزن اللآلي في مناقب مولى الموالي ، طبع في إيران مرّتين .
( 12 ) معاد يا آخرين سير بشر ، طبع أربع مرّات في طهران وتبريز (1) .
( 13 ) النفحات الرحمانيّة في الواردات القلبيّة ، عربي ، طبع في أصفهان سنة 1369هـ ، مع مقدّمة للشيخ عبدالله السبيتي (2) .
اطراء العلماء لها :
أطراها ومدحها كلّ مَن ترجم لها وذكر سيرتها ، ابتداءً من أساتذتها ومشايخها ، حتى أفاضل علماء عصرنا هذا ، نذكر منهم :
( 1 ) آية الله العظمى الشيخ محمّد كاظم الشيرازي ، قال في اجازته لها :
السيّدة الجليلة الحسيبة ، العالمة الفاضلة ، غرّة ناصية نساء عصرها ، واعجوبة دهرها ـ إلى أن قال بعد ذكر كتاباتها ـ : كشف عن مراتب فضلها وطول يدها في المعقول والمنقول
1 ـ الذريعة 21 : 175 رقم 4488 .
2 ـ الذريعة 24 : 248 رقم 1284 .
وبلوغها مرتبة من مراتب الإجتهاد (1) .
( 2 ) آية الله العظمى السيّد ابراهيم الحسيني الشيرازي الاصطهباناتي ، قال في اجازته لها :
فإنّ السيّدة الجليلة النبيلة ، الحسيبة النسيبة ، العالمة العاملة ، الجامعة للمعقول والمنقول ، فريدة الدهر ، وحجّة نساء العصر . . . ممّن صرفت مدّة وافية من عمرها الشريف ، وبرهة كافية من دهرها المنيف ، في تحصيل العلوم الشرعيّة ، والمعارف الدينيّة ، وتكميل مكارم الأخلاق السنيّة ، وتنقيح القواعد الاُصوليّة والفقيّة ، حتى فازت بالمراتب العالية من العلم والفضل ، وصارت ممّن يشار إليها بالبنان ـ إلى أن قال بعد ذكر امتحانه لها ـ : وبلوغها إلى درجة الإجتهاد ، فلها العمل بما استنبطته من الأحكام على النهج المألوف بين الأعلام ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من الرجال والنساء (2) .
( 3 ) آية الله الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني ( أبوالمجد ) ، قال في اجازته لها :
السيّدة الشريفة العالية ، والدرّة المكنونة الغالية ، ثمرة الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وزهرة روضة بني الزهراء ، ربّة المفاخر والمناقب ، وعقيلة آل أبي طالب ، المقتفية آثار آبائها وأجدادها ، والجامعة بين طريف المكارم وتلادها ، والآخذة بطرفي المجد من الحسب والنسب ، والبالغة منه بأعلى الرتب العالية ، الفاضلة الفقيهة الحكيمة العارفة الكاملة ، ذات الشرف الباذخ ، اُم الفضل ست المشايخ ـ إلى أن قال بعد ذكر كتابها الأربعين الهاشميّة ـ :
فكم من كنز خفّي من الأسرار أظهرته ، ومشكل من الأخبار فسّرته ، ومعضل أراجت عنه الاعضال وأصابت الصواب إذا اختلفت الأقوال ، فلا غرو فأهل البيت أدرى بما فيه وأعرف بظاهره وخافيه . . . فكيف بمن أرختْ سترها ولم تبارح خدرها ، فيحقّ أن يفتخر بها ربّات الخدر والحجال على لابسِ العمائم من الرجال (3) .
1 ـ انظر إجازته لها المدرجة في هذا الكتاب .
2 ـ انظر إجازته لها المدرجة في هذا الكتاب .
3 ـ انظر إجازته لها المدرجة في هذا الكتاب .
( 4 ) آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، قال في الاجازة الكبيرة :
العالمة الجليلة المحدّثة ، المتكلمّة ، الفقيهة ، الاُصوليّة ، والحكيمة (1) .
وقال في كتاب المسلسلات في الإجازات : هذه المرأة الجليلة تُعدُّ من نوابغ عصرنا وأغاليط الدهر ، ألفيتها عالمة متبحرّة في العقليّات والسمعيات . . . وأمر هذه الشريفة ممّا يقضى منه العجب في هذا العصر ، فهي فريدة العصور ونادرة الدهور ، حجّة على نساء العصر ، وآية لبارىَ الدهر . والغريب في أمرها أنّها مع قيامها بأمر الزوجيّة وادارة المنزل وتربية الأطفال ، نالت هذه المراتب السامية العالية .
وقال أيضاً في موضع آخر : الشريفة الفقيهة ، الاُصولية ، الحكيمة ، المحدّثة الجليلة ، حجّة الله على النساء ، بل الرجال ، نابغة العصر ، فخر المخدّرات ، زين العلويات ، درّة صدف الطهارة والأصالة ، يتيمة الزمان العلويّة « أمينة » استجزتُ عنها ـ مع أنّي كنتُ مجازاً من تمام مشايخها ـ استطرافاً ، حيث إنّها فريدة عصرها في النساء وكان السلف الصالحون منّا يُجيزون ربّات الحجال ويستجيزون عنهن ، كما هو واضح لمن تتبع معاجم التراجم (2) .
( 5 ) آية الله الفيلسوف الكبير الشيخ محمّد تقي الجعفري قال ما ترجمته :
عند ملاحظة ما لدينا من آثار السيّده أمين العلميّة ، يُقطع بأنها من العلماء البارزين عند الشيعة ، وأنّ منهجها لا يختلف عن منهجهم ، بل أنّها من نخبة العلماء؛ لحصولها على المقامات الروحيّة العاليّة ، التي يولد من حظي بها ولادة جديدة في حياتها ، مضافاً إلى ما اُعطي نتيجةً اكتساب العلم .
( 6 ) آية الله السيّد عباس الكاشاني ، قال :
وصفوة المقال : لعلّنا لا نُغالي لو قلنا : إنّ هذه السيّدة الجليله النبيلة ، والمخدّرة العظيمة الكريمة ، هي تريكة بيت الوحي والعصمة والرسالة ، فإنّها حسنة من حسنات العصر ، وفخرة من مفاخر الدّهر ، ومعجزة من معاجز الزمن ، وجوهرة يتيمة ، ودُرّة وحيدة يفتخر التأريخ
1 ـ الإجازة الكبيرة : 245 .
2 ـ المسلسلات في الإجازات 2 : 452 .
بها . وانّني كنتُ أسمع عن عظمة هذه النابغة الفريدة ، فاشتقتُ إلى زيارتها ، ولمّا شاهدتها وتشرّفت بالمثول بين يديها ، رأيتها أعظم وأعظم بكثير عمّا كنتُ أسمع عن هذه الفذلكة العظيمة ، ودارت بيننا محاورات طريفة لطيفة فاستفدتُ منها ومن علمها الجمّ (1) .
( 7 ) آية الله السيّد أحمد الروضاتي ، قال :
العالمة الفاضلة ، الفقيهة ، العارفة ، الكاملة ، الحجة على نساء عصرنا (2) .
( 8 ) السيّدة زينة النساء همايوني ، قالت ما ترجمته :
كانت عالمة عارفة ، صاحبة ذوق ، متواضعة ، حسنة الأخلاق ، ذات وقار وهيبة ، تلازم التقوى وقلّة الكلام وعدم التجمّل في حياتها الخاصة ، لها ولاء شديد لأهل البيت عليهم السلام ، تكثر المطالعة والتفكّر ، أمضت سنين طويلة في بيتها مُدرّسة ومُرشدة للنساء تعظهنّ وتعلّمهنّ المبادىَ الإسلاميّة .
وقالت أيضاً : أكثر نساء أصفهان المشتغلات بالشؤون الدينيّة والارشاد المذهبي من تلامذتها المستفيدات من علمها ، المهذّبات بتهذيبها .
انتشرت سمعة عِلمها وتقواها بين النساء الايرانيات حتى تحمّل كثير منهنّ المصاعب للوصول إليها ، والحضور لديها لأخد العلم واكتساب المعرفة ، بل زارها كثير من النساء من مختلف البلدان البعيدة والقريبة لحلّ مشاكلهنّ الدينية والعقائديّة (3) .
وقد ذكر الشيخ ناصر باقري بيد هندي في كتابه « بانوى مجتهد ايرانى » عدداً من العلماء الأعلام المعاصرين الذين مدحوها وأثنوا عليها كثيراً ، فمن شاء فليراجع ذلك الكتاب (4) .
1 ـ بانوى مجتهد ايرانى : 86 ـ 87 .
2 ـ بانوى مجتهد ايرانى : 87 .
3 ـ مقدّمة الترجمة الفارسية للأربعين الهاشمية ، المسلسلات في الإجازات 2 : 452 .
4 ـ بانوى مجتهد ايرانى : 85 ـ 100 .
وفاتها ومدفنها :
توفّيت رحمها الله عن عمر قارب السبعة والتسعين عاماً ، في ليلة الاثنين الليلة الاُولى من شهر رمضان المبارك سنة 1403هـ ، وشيّعت تشيعاً كبيراً حضره العلماء والفضلاء ومختلف الطبقات المؤمنة ، ودفنت في مقبرة اسرتها في تخت فولاذ ، وبُني على قبرها قبة فخمة ، أصبحت مزاراً يقصده أهل أصفهان وغيرها . ورثاها جمه كبير من شعراء ايران بقصائد ومقطوعات شعرية ، وأبّنها الخطباء ، وذكرتها الصحف الايرانية الصادرة آنذاك .
نموذج من كلامها :
وممّا يُظهر بلاغتها وفصاحتها وتسلّطها على لغة الضاد من ناحية ، ومن ناحية اُخرى ما وصلت إليه هذه العلويّة من الدرجات الرفيعة العاليه في الكمالات النفسية ، وما خصها الله سبحانه من كرامات عديدة ، هو مقدمة كتابها « النفحات الرحمانيّة في الواردات القلبية » ، حيث قالت فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أضاء قلوب أوليائه بنوره ، فانكشف لهم به أسرار الوجود ، ورشح عليهم من بحر المعارف والعلوم ، وسقاهم بكأس المحبّة فانشرح به صدورهم ، فخرجوا بما منحهم من افاضاته من مضيق عالم الطبيعة وظلمات علائق القيود إلى عالم السعة والنور والسرور .
والصلاة والسّلام على نبيّه وصفيّه ومستودع سرّه ، أوّل الموجودات ومصباح الهداة ، وعلى آله وأهل بيته معادن الاحسان والجود ، ولاسيّما ابن عمّه ووصيّه أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي جعله الله تعالى بمنزلة نفس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل ولايته ومحبّته ولايته ومحبتّه .
وبعد ، فلمّا ورد في الحديث « إنّ لله في أيام دهركم نفحات ألا فترصّدوا لها » ، ووجدتُ في نفسي وروعي في بعض الأيام والساعات اشراقات غيبيّة ليست مسبوقة باُمور كسبيّة فكريّة ، تفطنّتُ أنّها هي النفحات التي اُشير إليها في الحديث ، وهي من رحمة ربي ، فأحببت
تدوين بعضها الذي بقي في خاطري كي لا أنساها ، ويكون تذكرة لي عسى أن أجدد عندما أتذكرها شكراً .
لا يقال : لا شكّ في أنّ تزكية النفس قبيحة ، وهذه المندرجات تتضمن ذلك ، أي ذكر هذه المطالب ـ التي ستأتي إن شاء الله تعالى ـ وتسويدها لا يخلو من تزكية النفس .
لأنّه يقال : أوّلاً : لما كان كلّ كمال وبهاء إنّما يكون في الحقيقة لله تعالى وحده ، والممكن في نفسه ليس وبه أيس ، أي الممكن من حيث الإمكان ليس إلاّ قوّة صرفة وعدماً محضاً ، وهو في نفسه فاقد لكلّ كمال ، وكلّ ما يترائى منه من الكمال والبهاء من تجلّيات كمال خالقه وبروز أنوار عظمته ( العبد وما في يده كان لمولاه ) ، ففي اظهار شيء من الكمالات اظهار كمال وجود الحقّ وسعة رحمته وعموم قدرته .
وثانياً : إنّما نسلّم ذلك إن لم يتعلّق به غرض عقلائي ، وإنّما الغرض من تسويدها عدّة اُمور ، كلّ واحد منها كافٍ في تحسينها :
أحدها : امتثال قوله تعالى : ﴿ وأما بنعمة ربك فحدّث ﴾ (1) ، فأردتُ أن أحدّث بعض ما منحني ربي من السوانح واللوائح والبوارق ، التي وردت عليّ من فضل ربي في أيام دهري .
وثانيها : اعلان مزيد احسانه إليّ؛ طلباً للزيادة ، لقوه تعالى : ﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ (2) ، فإنّ اظهار فضل الله ورحمته نوع من شكره ، فكان من النعم التي أنعم بها عليّ معرفته بطريق لا يحتمل خطر التلبيس؛ لأنّه سبحانه عرّفني نفسه بالوجدان ، فاستغنيت عن اقامة البرهان .
وثالثها : لمّا رأيتُ أنّ عموم الناس ـ إلاّ مَن شذّ وندر ـ غفلوا عن تحصيل معرفة الله تعالى والسلوك في طريق مرضاته ، ورقدوا في مراقد الجهالة ، معتذرين بأنّه لا يمكن لنا معرفة الله تعالى زائداً على القدر الذي أخذناه من الآباء والاُمهات والعُلماء . وإن سئل أحدهم : لمَ لا تجاهد في تحصيل معرفة الله تعالى ، يعتذر بأنّ الله تعالى لم يكلّفنا زائداً على هذا القدر الذي
1 ـ الضحى : 11 .
2 ـ ابراهيم : 7 .
آمنّا به ، فإنا نعلم أنّ لهذا العالم إلهاً واحداً أحداً عالماً قادراً حيّاً مريداً مدركاً ، وهذا القدر من المعارف يكفينا ولا يلزمنا الغور فيها ، بل الغور فيها منهي عنه . فأردتُ اعلان عموم فضله لكلّ أحدٍ ، كي يعلموا أنّ فيضه مبذول لخلقه ، ورحمته قريب من المحسنين ﴿ ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ﴾ (1) .
ورابعها : تنشيط السامعين وترغيبهم في طلب المآرب ، فلمّا رأيتُ كثيراً من الناس كذلك ، وعلمتُ مِن حالهم أنّهم لا يعرفون من العلوم والمعارف إلاّ اصطلاحات ، ومن العبادات والطاعات إلاّ هيئآت وعادات ، ورأيتهم قد امتلأت قلوبهم من حبّ الدنيا وزينتها ، وغفلوا عن الحقّ وطريق معرفته ، أحببتُ أن أكتب بعض الحالات والاشراقات اللتين اشرقتا أحياناً ، أي في بعض الأقوات على قلبي الكدر الظلماني ، كي ينظر ناظر فيها فلعله يتنبّه أنّ عرفان الحقّ ممكن لكلّ أحد بقدر وسعه وسعة صدره ﴿ أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى ﴾ (2) .
الإجازة التي حصلت عليها العلويّة الأصفهانيّة من الشيخ محمّد كاظم الشيرازي ، وفي ذيلها تصديق من الشيخ عبدالكريم الحائري .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .
وبعد ، فإنّ شرف العلم لا يخفى ، وفضله لا يحصى ، ولذا اشتاقت إلى تحصيله نفوس ، وممّن صرفت مدّة مديدة من عمرها ، وبرهة كثيرة من دهرها في طلبه ، السيّدة الجليلة النبيلة ، الحسيبة العالمة الفاضلة ، غرّة ناصية نساء عصرها ، واُعجوبة دهرها ، الحاجية خانم دامت تأيداتها ، بنت المرحوم المغفور الحاج سيّد محمّد علي أمين التجار الأصبهاني طاب ثراه ،
1 ـ يوسف : 87 .
2 ـ النجم : 39 .
ولقد استجازت مني وأرتنا بعض ما صنّفها (1) في المسائل الامتحانيّة من الفقهيّة والاُصولية ، ومن الشروح على بعض الأخبار ، وبعد ما ثبت بشهادة بعض الأعلام الثقات أنّه منها ، كشف عن مراتب فضلها وطول يدها في المعقول والمنقول ، وبلوغها مرتبة من مراتب الاجتهاد ، فلها العمل بما استنبطتها (2) من الأحكام على الطريقة المألوفة بين الأعلام ، ولتحمد الله على هذه النعمة الجلية والمرتبة العليّة ، وعليها بالاجتهاد وسلوك طريق الاحتياط ، وقد أجزتُ لها أن تروي عني ما صحّت لي روايته بطرقي المتّصلة إلى الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، والسّلام عليها وعلى كافة اخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته . وقد حررت هذه الوجيزة في القبة المتبركة العلويّة على مشرفها الصلاة والسّلام والتحيّة في السابع من صفر سنة ألف وثلاثمائة وأربع وخمسين من الهجرة النبويّة صلى الله عليه وآله وسلم . الأحقر محمّد كاظم شيرازي .
صح ما رقمه دام تأييده ، والمرجو منها أن لا تنساني من الدعوات الصالحة في مظانّ الاجابات كما أنّي لا أنساها منها .
كتبه الأحقر عبدالكريم الحائري .
إجازة السيّد ابراهيم الاصطهباناتي للعلويّة الاصفهانيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلوات وأكمل التحيات على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وأكمل السفراء والمبلغين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وآله الكهف الحصين وغياث المضطر المسكين ، ولعنة الله على أعدائهم أبد الآبدين ودهر الداهرين .
1 ـ كذا ، والمراد : ما صنفته .
2 ـ كذا ، والمراد : ما ستنبطته .
وبعد ، فإنّ السيّدة الجليلة النبيلة الحسيبة النسيبة ، العالمة العاملة ، الجامعة للمعقول والمنقول ، فريدة الدهر ، وحجة نساء العصر ، الحاجة خانم دامت تأييداتها ، بنت المرحوم المبرور الحاج السيّد محمّد علي أمين التجار الأصبهاني طاب ثراه ، ممّن صرفت مدّة وافية من عمرها الشريف ، وبرهة كافية من دهرها المنيف ، في تحصيل العلوم الشرعيّة ، والمعارف الدينيّة ، وتكميل مكارم الأخلاق السنيّة ، وتنقيح القواعد الاُصوليّة والفقهيّة ، حتى فازت بالمراتب العالية من العلم والفضل العيان ، وصارت ممّن يشار إليها بالبنان ، وقد استجازت من الأحقر ، فاختبرتها في مسائل اُصوليّة وفقهيّة ، فأرسلت إليّ بأجوبتها ، وهي ـ على ما صحّ وثبت عندي بشهادة بعض الثقات الأجلاء من أنّها منها ـ كاشفة عن طول باعها ، ووفور اطّلاعها ، وواجدتها (1) لقوّة الاستنباط ، وبلوغها إلى درجة من الاجتهاد ، فلها العمل بما استنبطته من الأحكام على النهج المألوف بين الأعلام ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من الرجال والنساء ، ولنعم ما قال :
فلتحمد الله على ما أعطاها من الفضل والأنعام ، وأولاها من النِعم الجِسام ، وقد أجزتُ لها أن تروي عنّي كلّ ما صحّت لي روايته وجازت لي اجازته بطرقي المنتهية إلى المشايخ الفخام ، وأرباب الجوامع العظام ، أعلى الله تعالى مقامهم في دار السّلام ، سيّما المودعة في الأربعة المتقدّمة التي عليها المدار في الأعصار والأمصار ، والمتأخرة المشهورة غاية الاشتهار ، وأوصيها بأن لا تدع جانب الاحتياط في موارد الشبهات فإنّه الواقي الصراط (2) ، وأرجو أن لا تنساني من صالح الدعاء . الأحقر ابراهيم الحسيني الشيرازي الاصطهباناتي . في شهر صفر الخير سنة 1354 .
1 ـ كذا ، والمراد : ووجدانها .
2 ـ كذا ، ولعل المراد : الصراط الواقي .
إجازة الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني للعلويّة الأصفهانيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
أما الروض إذا طاب شميمه ، وتدبّج أديمه ، وصح هواؤه فاعتل نسيمه ، تسلسلت في خلال جداول ، وحدثت بحديث قدرة القديم تعالى عناد له ، بأذكى وأزكى وأحسن وأبهى من حمد الله ، الذي كتب على صفحات الامكان حديث وجوب وجوده ، ورَوَت البحار بلسان أمواجها أخبار كرمه وجوده ، ونحمده ونثني عليه ، ولا نطيق أداء واجب حمده وثنائه . ونشكره على متواتر نعمائه ومستفيض آلائه ، ونصلّي ونسلم على جميع رسله وأنبيائه ومبلّغي وحيه وأنبائه ، لا سيّما على واسطة عقدهم المفصّل والآخر في الرسالة ، والمخلوق في الطراز الأوّل أبي القاسم محمّد ، وآله الذين رووا عنه آثار الشرف والسّداد مسلسلاً بالآباء والأجداد ، الذين مرفوع الطاعات موقوف على ولايتهم ، ومقبول العبادات منوط بمعرفتهم ، ورحمة الله ورضوانه على أسلافنا الماضين ومشايخنا الصالحين ، الذين اقتفوا آثارهم وأدّوا إلينا علومهم وآثارهم .
وبعد ، فإنّ السيّدة الشريفة العالية ، والدرة المكنونة الغالية ، ثمرة الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وزهرة روضة بني الزهراء ، ربّة المفاخر والمناقب ، وعقيلة آل أبي طالب ، المقتفية آثار آبائها وأجدادها ، والجامعة بين طريف المكارم وتلادها ، والآخذه بطرفي المجد من الحسب والنسب ، والبالغة منه بأعلى الرتب العالية ، الفاضلة الفقيهة الحكيمة العارفة الكاملة ، ذات الشرف الباذخ ، اُم الفضل ، ست المشايخ ، كريمة الواصل إلى رحمة الرحمن ، والمتبوع في جوار جده غرف الجنان ، قدس الله روحه ، وجعل من الرحيق المختوم غيوقه ، وصبوحه ، أهدَتْ إليّ كتابها الكريم الذي سمّته بالأربعين الهاشمية ، ولو كان أمر التسمية إليّ لسيمّيته الفاطميّة ، فوجدتُه عقداً منظماً من غوالي الفرائد ، وسرحتُ طرفي في سرج تجني منه ثمار الفوائد ، وهو مصنّف يشهد كلّ منصف أنّه حاوٍ لأصناف العلوم ، ومجدّد من الآثار المعاهد والرسوم .
من بحر المتقارب :
فكم كنز خفيّ من الأسرار أظهرته ، ومشكل من الأخبار فسرّته ، ومعضل أراجت عنه الأعضال ، وأصابت الصواب إذا اختلفت الأقوال ، فلا غرو فأهل البيت أدرى بما فيه ، وأعرف بظاهره وخافيه ، توأم الكتاب ، انّها اُم الكتاب الذي لو صدر من رحلة يخترق الآفاق ، ويجوب البلاد من الشام والعراق ، ويختلف إلى مدارس العلم ومجالس العلماء لحقّ له التقريض والاطراء ، فكيف بمن أرخت سترها ولم تبارح خدرها ، فيحقّ أن يفتخر بها ربات الخدر والحجال على لابس العمائم من الرجال .
وبعد أن ذكر الأسانيد قال : وأجزتُ لها أن تروي عنّي بهذه الطرق جميع كتب أصحابنا ورواياتهم ، ممّا صحت لي روايتها بهذه الطرق وبسائر طرقي التي لم أذكرها ، وأكثرها مذكور في خاتمة مستدرك الوسائل لشيخي العلامة النوري .
إجازة منحتها العلوية الأصفهانية للسيّد المرعشي النجفي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على مَن لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبه الناهجين نهجه .
وبعد ، فإنّ جناب السيّد العالم العلاّم والفاضل المؤيد الهمام ، عمدة العلماء العالمين ، السيّد السند ، السعيد شهاب الدين الحسني الحسيني الغروي ، النسّابة ، المكنى بأبي المعالي ، والمشتهر بآقا نجفي دامت افاضاته ، قد استجاز من الحقيرة ، فاستخرتُ الله تعالى في اجازته ، وأجزت له أن يروي عني جميع ما صحّت لي روايته من كتب التفسير والأدعية والحديث والفقه ، وغير ذلك من مصنّفات أصحابنا ، وما رووه عن غيرنا ، بجميع طرقي المعلومة المضبوطة في محالّها عن مشايخي الكرام منها ما أخبرني به اجازة حجّة الاسلام الشيخ محمد الرضا النجفي
الأصفهاني دامت بركاته ، عن السيّد حسن الصدر العاملي ، عن الشيخ العالم الحاج مولى علي ابن المرحوم ميرزا خليل ، عن الشيخ عبدالعلى الرشتي ، عن كاشف الغطاء والسيّد علي صاحب الرياض ، كلاهما عن المولى محمّد باقر البهبهاني ، عن والده الماجد محمّد أكمل ، عن العلاّمة السيرواني والمولى جمال الدين الخونساري والشيخ جعفر القاضي والمولى محمّد باقر المجلسي ، جميعاً عن المولى محمّد تقي المجلسي ، عن الشيخ بهاء الدين العاملي قدّس الله تعالى أسرارهم ، بطرقه المسطورة في أوّل كتاب أربعينيّة .
واُوصيه دامت افاضاته بما أوصى به جدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين إلى ابنه الحسن عليه السلام فيما كتب إليه عند انصرافه من صفين وهو قوله عليه السلام :
فأوصيك بتقوى الله تعالى يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينكَ وبين الله جل جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمِتْهُ بالزهد ، وقَوِّه باليقين ، وذَلِّله بذكرِ الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكته بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّرهُ فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّبه وتقلّب الليالي والأيام ، وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلك من الأولين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وانظر فيما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا وعمن انتقلوا (1) ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل (2) قد صرتَ كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك .
واُوصيه أن يكثر التدبّر فيما تضمّنته هذه الوصية المباركة ، والتفكّر فيما أورده في النهج من كلامه عليه السلام بعد قوله ﴿ الهيكم التكاثر ﴾ (3) . فما من أحد جعله نصب عينيه إلاّ وقد صارت
1 ـ انقلبوا « خ ل » .
2 ـ قريب « خ ل » .
3 ـ التكاثر : 1 .
الدنيا بجميع ما فيها عنده كجناح بعوضة . وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لذلك ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين بالنبي وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، والسّلام عليه وعلى جميع اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
حررته في غرة شهر محرم الحرام سنة 1358 ، وأنا الحقيرة الفقيرة إلى رحمة ربها الغني العلوية الأمينية بنت الحاج محمد علي الملقّب بأمين التجار الأصفهاني .
إجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّد عباس الكاشاني رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسّلام على مَن لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبه الناهجين نهجه .
وبعد ، فإنّ جناب السيّد العالم ، والفاضل المؤيّد الهمام ، عمدة العلماء ، السيّد السند ، السيّد عباس الحسيني الكاشاني ، نجل المرحوم المقدّس العلاّمة المجاهد الحاج السيّد علي أكبر الحسيني الكاشاني ، دامت افاضاته قد استجاز من الحقيرة ، فاستخرتُ الله تعالى في إجازته ، وأجزتُ له أن يروي عنّي جميع ما صحّت لي روايته من كتب التفسير والأدعية والحديث والفقه ، وغير ذلك من مصنّفات أصحابنا ، وما رووه عن غيرنا ، بجميع طرقي المعلومة المضبوطة في محالّها عن مشايخي الكرام ، منها ما أخبرني به إجازة حجّة الإسلام المرحوم الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني قدّس سرّه ، عن السيّد حسن الصدر العاملي ، عن الشيخ العالم الحاج مولى علي ابن المرحوم ميرزا خليل ، عن الشيخ عبدالعلى الرشتي ، عن كاشف الغطاء والسيّد علي صاحب الرياض ، كلاهما عن المولى محمّد باقر البهبهاني ، عن والده محمّد أكمل ، عن العلاّمة الشيرواني والمولى جمال الدين الخونساري والشيخ جعفر القاضي والمولى محمّد باقر المجلسي ، جميعاً عن المولى محمّد تقي المجلسي عن الشيخ بهاء الدين العاملي قدّس الله أسرارهم ، بطرقه المسطورة في أوّل كتاب أربعينه .
واُوصيه دامت افاضاته بما أوصى به جدّي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آله
الطاهرين إلى ابنه الحسن عليه السلام ، فيما كتب إليه عند انصرافه من صفّين وهو قوله عليه السلام :
فأوصيك بتقوى الله يا بني ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينكَ وبين الله جلّ جلاله إن أخذت به ، فأحي قلبك بالموعظة ، وأمِتْهُ بالزهد ، وقَوِّه باليقين ، وذَلِّله بذكرِ الموت ، وقرّره بالفناء ، وأسكته بالخشية ، وأشعره بالصبر ، وبصّرهُ فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّبه ، وتقلّب الليالي والأيام ، وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلك من الأولين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وانظر فيما فعلوا وأين حلّوا ونزلوا وعمن انتقلوا (1) ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا دار الغربة ، وكأنّك عن قليل (2) قد صرتَ كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك .
واُوصيه أن يكثر التدبّر فيما تضمّنته هذه الوصية المباركة ، والتفكّر فيما أورده في النهج من كلامه عليه السلام بعد قوله ﴿ الهيكم التكاثر ﴾ (3) . فما من أحد جعله نصب عينيه إلاّ وصارت الدنيا بجميع ما فيها عنده كجناح بعوضة . وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لذلك ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين بالنبيّ وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، والسّلام عليه وعلى جميع اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
حررته في غرة شهر جمادى الاُخرى 1381 هلالي ، وأنا الحقيرة الفقيرة إلى رحمة ربّي الغني ، العلويّة بنت حاج سيّد محمّد علي الحسيني ملقب بأمين التجار اصفهاني .
1 ـ انقلبوا « خ ل » .
2 ـ قريب « خ ل » .
3 ـ التكاثر : 1 .
إجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّدة همايوني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسّلام على مَن لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبه الناهجين نهجه .
وبعد ، فإن السيّدة الجليلة العالمة الفاضلة ، زينت السادات همايوني بنت مرحوم سيد رحيم ، قد استجازت من الحقيرة ، فاستخرتُ الله في اجازتها ، وأجزتُ لها أن تروي عنّي جميع ما صحّت لي روايته من كتب التفسير والأدعية والحديث ، والفقه ، وغير ذلك من مصنّفات أصحابنا ، وما رووه عن غيرنا ، بجميع طرقي المعلومة المضبوطة في محلّها عن مشايخي الكرام ، منها ما أخبرني به إجازة مرحوم حجّة الإسلام الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني ، عن السيّد العاملي وعن غيرهم .
ومنها حجة الإسلام مرحوم شيخ ابراهيم الحسيني النجفي الاصطهباني .
ومنها حجّة الاسلام مرحوم شيخ محمّد كاظم يزدي ، وغيرهم من المشايخ الكرام .
والمرجو منها أن لا تنساني من الدعوات في مظانّ الاجابات .
وقد حرّرت هذه الوجيزة في السابع من شهر رمضان المبارك في سنة هزار وسيصد وپنجاه وپنج شمسي من هجرة النبي والصلاة والسّلام عليه وعلى آله المعصومين الكرام .
وأنا الفقيرة الحقيرة بنت سيّد محمّد علي ملقب بأمين التجار الأصفهاني ، الاُمة الجانية على نفسها ، الموسومة بنصرت أمين ، المشهورة بيك بانوي ايراني أصفهاني .
صورة إجازة الشيخ محمد كاظم الشيرازي للعلوية الاصفهانية وفي ذيلها تصديق الشيخ عبدالكريم الحائري
صورة إجازة السيّد ابراهيم الاصطبهاناتي للعلويّة الأصفهانيّة .
الصفحة الاُولى من اجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّد المرعشي النجفي
الصفحة الثانية من اجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّد المرعشي النجفي
الصفحة الأولى من اجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّد عباس الكاشاني
الصفحة الثانية من اجازة العلويّة الأصفهانيّة للسيّد عباس الكاشاني
صورة اجازة العلويّة الاصفهانيّة للسيّدة همايوني
394 نَضْرة الأزّديّة
تُكنى باُم موسى (1) .
عدّها البرقي من الراويات عن الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه (2) .
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الرجال : إنّها من أصحاب علي عليه السلام ، رَوَتْ أنّ علياً عليه السلام قال : « ما رمدت عيني مُذ تَفَلَ رسولُ صلى الله عليه وآله وسلم فيها » (3) .
395 نضرة العدويّة
تابعيّة ، راوية للحديث ، روت عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، وروى عنها هشام بن حبان (4) .
369 نضيرة
جارية اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، لها ذكر في الكتب الحديثية ، حيث إنّها كانت من أهل الولاء والمحبة لأهل البيت عليهم السلام ، وقد أخذت ذلك من سيّدتها اُم سلمة ، وقد ترجمنا لاُم سلمة ترجمة مفصّلة في حرف الهاء (5) .
397 نفيسة بنت الحسن
ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
1 ـ مجمع الرجال 7 : 179 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 414 ، جامع الرواة 2 : 459 ، تنقيح المقال 3 : 83 ، معجم رجال الحديث 23 : 180 و 200 ، رياحين الشريعة 5 : 82 .
2 ـ رجال البرقي : 61 .
3 ـ رجال الشيخ الطوسي : 66 .
4 ـ تاج العروس 3 : 571 « نضر » ، وعنه في رياحين الشريعة 5 : 82 .
5 ـ رياحين الشريعة 5 : 82 .
وهي من ربّات العبادة والصلاح والزهد والورع ، ولدت بمكة سنة 145هـ ونشأت بالمدينة ، ودخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق ، وقيل : مع أبيها الحسن الذي عُيّن والياً على مصر من قبل أبي جعفر المنصور ، فأقام بالولاية خمس سنين ، ثم غضب عليه المنصور فعزله واستصفى كلّ شيء له وحبسه ببغداد ، فلم يزل محبوساً حتى مات المنصور وولي المهدي فأخرجه من حبسه وردّ عليه كل شيء ذهب له .
حفظت نفيسة القرآن الكريم وتفسيره ، ويروى أنّ الشافعي لمّا دخل مصر حضر إليها وسمع عليها الحديث .
كانت كثيرة البكاء ، تديم قيام الليل وصيام النهار ، ولا تأكل إلاّ في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ، ولا تأكل من غير زوجها شيئاً . حجّت ثلاثين حجّة ، وكانت تبكي بكاءً شديداً وتتعلّق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي ومولاي متّعني وفرّحني برضاك عنّي .
وقالت زينب بنت يحيى المتوّج : خدمتُ عمتي نفيسة أربعين سنة ، فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار ، فقلت لها : أما ترفقين بنفسك ؟
فقالت : كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعها الفائزون .
وكان بشر بن الحارث الحافي يزورها ، فمرض بشر مرّة فعادته نفيسة ، فبينا هي عنده إذ دخل أحمد بن حنبل يعوده كذلك ، فنظر إلى نفيسة فقال لبشر : من هذه ؟
فقال له بشر : هذه نفيسة ، بلغها مرضي فجاءت تعودني .
فقال أحمد بن حنبل : فاسألها تدعو لنا .
فقال لها بشر : ادع لنا الله .
فقالت : اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين .
وكانت نفيسة ذات مال وإحسان إلى المرضى والزمنى والجذماء ، ولمّا ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل ، استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيّدة نفيسة يشكونه إليها ، فقالت لهم : متى يركب ؟
قالوا : في غدٍ ، فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت : يا أحمد بن طولون ، فلمّا رآها عرفها فترجّل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها فإذا فيها : ملكتم فأسرتم ، وقدرتم فقهرتم ، وخلوتم فعسفتم ، وردّت إليكم الأرزاق فقطعتم ، هذا وقد علمتم أنّ سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها ، وأكباد جوّعتموها ، وأجساد عريتموها ، فحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم ، اعملوا ما شئتم فإنّا صابرون ، وجوروا فإنّا بالله مستجيرون ، وأظلموا فإنّا لله متظلّمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فعدل لوقته .
ومرضت نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وحفرت قبرها بيدها في بيتها ، فكانت تنزل فيه وتصلّي كثيراً ، فقرأت فيه مائة وتسعين ختمة ، وما برحت تنزل فيه وتصلّي كثيراً وتقرأ وكثيراً وتبكي بكاءً عظيماً ، حتى احتضرت سنة 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا ، فقالت : واعجباً منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقه وأنا صائمة أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ، فلمّا وصلت إلى قوله تعالى : ﴿ لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ﴾ غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله .
ووصل زوجها إلى مصر وأراد نقلها ، إلاّ أنّ أهالي القرية استجاروا بالأمير عند إسحاق ليردّه عما أراد فأبى ، فجمعوا له مالاً جزيلاً حتى وسق بعيره الذي أتى عليه وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى ، فباتوا منه في ألم عظيم ، فلمّا أصبحوا اجتمعوا إليه فوجدوا منه غير ما عهدوه بالأمس ، فقالوا له : إن لك لشأناً عظيماً .
قال : نعم رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول لي : رُدّ عليهم أموالهم وادفنها عندهم . فدفنها في المنزل الذي كانت تسكنه في محلة كانت تعرف قديماً بدرب السباع ، وقد بادت هذه المنطقه ولم يبقى سوى قبرها .
ولأهل مصر إعتقاد بها عظيم ، فإنّ الدعاء يستجاب عند قبرها .
ووصف اليافعي مشهدها العظيم فقال : قصدتُ زيارة مشهدها ، فوجدت عنده عالماً من الرجال والنسوان والصحاح والعميان ، ووجدتُ الناظر جالساً على الكرسي ، فقام لي وأنا
لا أعرفه ، فمضيت للزيارة ولم ألتفت ، ثم بلغني أنه عتب عليّ فأجبته بما معناه : إنّي غير راغب في الميل إلى اُولي الحشمة والمناصب . قاله عمر رضا كحاله في أعلام النساء (1) .
398 هاشميّة الحُسينيّة
هاشميّة بنت جواد بن رضا الحُسينيّة .
فاضلة ، من ربّات التُقى والصلاح ، كان يحترمها أفاضل العلماء ، تُوفّيت في حدود سنة 1246هـ (2) .
399 هاشميّة الصائغ
هاشميّة بنت محسن الصائغ ابن هاشم أبي الورد .
أديبة ، فاضلة ، وحكيمة زاهدة . ولدت في مدينة الكاظمية المقدّسة في الرابع والعشرين من جُمادى الاُولى سنة 1299هـ ، وتوفّيت فيها سنة 1375هـ (3) .
400 هداية كُبّة
الحاجّة هداية بنت العلاّمة الكبير الشيخ حسن كُبّة المتوفى سنة 1336هـ ، ووالدة الشاعرة سليمة الملائكة المتوفاة سنة 1373هـ ، وجدّة الشاعرة نازك الملائكة .
1 ـ أعلام النساء 5 : 187 نقلاً عن الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام للنابلسي ، ولواقح الأنوار للشعراني ، وتحفة الأحباب للسخاوي ، وحسن المحاضرة للسيوطي ، وعيون التواريخ لابن شاكر ، والكواكب السيارة لابن الزيات ، وخطط المقريزي ، والمستطرف للأبشيهي .
وانظر ترجمتها في : أعيان الشيعة 10 : 227 ، أعيان النساء : 615 ، العِبر للذهبي 1 : 279 ، النجوم الزاهرة 2 : 185 ، تأريخ الطبري 5 : 423 و 7 : 146 ، تهذيب التهذيب 2 : 232 ، رياحين الشريعة 5 : 85 ، عمدة الطالب : 70 ، شذرات الذهب 2 : 21 ، فوات الوفيات 2 : 607 ، مرآة الجنان 2 : 23 ، وفيات الأعيان 5 : 423 .
2 ـ أعلام النساء 5 : 202 عن حسين علي محفوظ .
3 ـ أعلام النساء 5 : 202 ، أعيان النساء : 635 .
كانت رحمها الله شاعرة ، تنظم الشعر العالي ، وتعيش في بغداد . يقول الخطيب البارع السيد جواد شُبّر في كتابه أدب اطف : وقفتُ على باقة فوّاحة من شعرها (1) .
401 هرينة البادهيّة
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام (2) .
402 هند القرشيّة
هند بنت أثاثه بن عبّاد بن عبدالمطلب بن عبدمناف .
شاعرة من شواعر العرب ، أسلمت وبايعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وحسنَ اسلامها .
شهدت خيبر فأعطاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولأخيها ثلاثين وسقاً من الطعام .
من شعرها ما أنشدته في غزوة اُحد ، مُجيبةً آكلة الأكباد هند حينما قالت :
فأجابتها :
وقد نُسبت هذه الأبيات إلى أروى بنت الحارث مع اختلاف يسير في الألفاظ ، كما مرّ في ترجمتها (3) .
1 ـ أدب الطف 9 : 9 .
2 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 201 .
3 ـ انظر : الاصابة في تمييز الصحابة 4 : 227 ، الطبقات الكبرى 8 : 50 ، رياحين الشريعة 5 : 102 .
403 هند الأنصاريّة
هند بنت زيد بن مخرمة الأنصاريّة .
شاعرة من شواعر العرب ، مؤمنة موالية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه .
من شعرها ما رثت به حُجْر بن عَديّ رضوان الله تعالى عليه ، الذي قتله معاوية بن أبي سفيان لعنة الله عليه :
1 ـ كذا في تأريخ الطبري ، وفي الطبقات الكبرى : ترفّع ، وفي الأغاني : لعلكَ أن ترى .
2 ـ في الأغاني ورد بعد هذا البيت :
3 ـ في الأغاني : ترفّعت .
4 ـ في الأغاني : لها .
5 ـ في الأغاني : أخاف عَليكَ سَطْوةَ آل حربٍ .
6 ـ لم يرد هذا البيت في الطبقات الكبرى وورد في الأغاني ، وجاء بعده :
7 ـ في الطبقات الكبرى : عميد .
8 ـ انظر : أعيان الشيعة 10 : 272 ، أعيان النساء : 630 ، الأغاني 17 : 261 ، تأريخ الطبري 5 : 280 ، رياحين الشريعة 5 : 101 ، الطبقات الكبرى 6 : 220 .
404 هند « اُم سلمة » (1)
اُم المؤمنين هند ، زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت أفضل اُمهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد .
وهي مهاجرة جليلة ، ذات رأي وعقل وكمال وجمال ، حالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام أشهر من أن يُذكر ، وأجلى من أن يحرز .
ولا يسعنا عبرَ هذه الأسطر القليلة والوريقات المتعددة أن نُحيط بحياة هذه المرأة العظيمة ، ونلمَّ بكلّ ما لديها من صفات حميدة وأخلاق عالية ، شهد الله سبحانه وتعالى بفضلها ، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
إنّما هي لمحات عن سيرة حياتها المباركة ، نعرضها للقرّاء الكرام ، راجين من الله عزّ وجلّ
1 ـ انظر ترجمتها في : اُسد الغابة 5 : 56 و 590 ، إعلام الورى : 197 ، أعلام النساء 5 : 224 ، أعيان الشيعة 10 : 272 و479 ، اُم سلمة لعلي دخيل ، اُم سلمة لمحمد زكي بيضون ، أمالي الصدوق : 311 ، أمالي الطوسي 2 : 174 ، أنساب الأشراف 1 : 586 ، الإحتجاج للطبرسي : 106 ، الإختصاص للشيخ المفيد : 116 ، الإسلام على مفترق الطرق : 12 ، الإصابة 4 : 423 ، و458 ، الأعلام للزِركلي 8 : 97 نقلاً عن عدّة مصادر ، الإمامة والسياسة : 45 ، البداية والنهاية 5 : 291 و6 : 131 و8 : 199 ، : 112 ، الخصال : 419 ، العبِر 1 : 86 ، العقد الفريد 3 : 178 و5 : 7 و65 و89 و32 و7 : 113 ، السمط الثمين : 86 ، السيرة النبوية لابن هشام 5 : 113 و142 ، السيرة النبوية لابن كثير 2 : 215 ، الطبقات الكبرى 8 : 86 ، الكاشف 3 : 436 ، المستدرك على الصحيحين 14 : 16 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 130 ، بحار الأنوار 22 : 223 ، بشارة المصطفى : 59 ، بصائر الدرجات : 183 ومابعدها ، تأريخ بغداد 3 : 164 ، تذكرة الخواص : 71 و240 ، تقريب التهذيب 1 : 617 و622 ، تكملة الرجال 2 : 705 ، تنقيح المقال 3 : 72 ، تهذيب التهذيب 12 : 483 ، جامع الرواة 2 : 456 ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام : 99 ، رجال أبوعلي الحائري : 368 ، رجال البرقي : 61 ، رجال الشيخ الطوسي : 32 ، سعد السعود : 204 ، سفينة البحار 1 : 258 ، سير أعلام النبلاء 2 : 148 ، شذرات الذهب 1 : 69 ، شرح نهج البلاغة 20 : 22 و79 ، صفوة الصفوة 2 : 21 ، قرب الإسناد : 29 ، الكافي 5 : 391 ، الكنى والألقاب 1 : 142 ، مجمع الرجال 7 : 181 ، مرآة الجنان 1 : 137 ، معاني الأخبار : 106 ، معجم رجال الحديث 23 : 177 ، من لا يحضره الفقيه 2 : 292 منهج المقال : 400 ، موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 315 ، نساء لهن في التأريخ الإسلامي نصيب : 38 ، نقد الرجال : 412 ، وسائل الشيعة 20 : 143 ، وغيرها من المصادر المعتبرة عند الخاصة والعامة .
الأجر والثواب ، ومن نساء هذه الاُمة المرحومة الإقتداء بهذه المرأة ، واقتباس الدروس والعِبر من حياة امرأة قضّت عمرها الشريف مهاجرة ، مدافعة عن عقيدتها ومبدئها .
نراها تُقرّ في بيت زوجها الأوّل أبي سلمة محبةً له ، لا تخالف له أمراً .
وبعد وفاته رحمه الله تتزوّج بخير الكائنات رسول البشريّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فتنال بذلك الشرف كلّ الشرف ، فتروي عنه الحديث ، وتعلّم الناس ما تعلّمته من أخلاقه الكريمة وطبائعه الحميدة ، حاكية ً لهم كلّ ما رأته منه صلى الله عليه وآله وسلم .
وبعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى نراها تقف إلى جنب وصيّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وتدافع عن سيّدتها ومولاتها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين البتول فاطمة الزهراء عليها السلام ، وتصبح المؤتمنة عند ولديها الحسن والحسين سلام الله عليهما .
ولا تترك نصيحة إلاّ وقد أبدتها لاُولئك الذين اغتصبوا الولاية من أهلها ، وجاروا على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فهلّم معي أخي القارىَ واُختي القارئة لنتعرّف على حياة هذه العالمة الفاضلة المجاهدة :
عائلتها :
هي هند بنت أبي اُميّة سهيل زاد الراكب ابن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
اُمّها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقة جدل الطعن بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة .
زوجها الأوّل : أبوسلمة عبدالله بن عبدالأسد المخزومي ، أنجبت له : سلمة وعمر ودرّة وزينب ، ثم تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
في القرآن الكريم :
( 1 ) لقد أمر الله سبحانه وتعالى بشكر المحسنين ومكافأة الجميل ، فقال تعالى : ﴿ هل جزاء
الإحسان إلاّ الإحسان ﴾ (1) ، فمضافاً لمكافأته سبحانه وتعالى عبيده بالجنة إذا أحسنوا واتّقوا ، هناك منح وعطايا منه تعالى يخصّ بها بعض عباده ، عِلماً منه بخلوص نيّاتهم وطيب سرائرهم ، منها تخليدهم في القرآن الكريم ، فقد جاءت آيات وسور في رجال ونساء من المسلمين ، بل حتى في بعض أبناء الاُمم الغابرة كأصحاب الكهف ، ومؤمن آل فرعون ، ومؤمن آل ياسين ، وإمرأة فرعون وغيره .
ومن هؤلاء الذين خصّهم سبحانه وتعالى بهذا الإكرام اُم سلمة رضوان الله عليها ، فقد قُرأت الآية السابقه فيها .
( 2 ) قوله تعالى :
﴿ فاستجاب لهم ربّهم أني لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكر أو اُنثى ﴾ (2) .
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله : روي أنّ اُم سلمة قالت : يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء ؟ فأنزل الله هذه الآية (3) .
( 3 ) قوله تعالى :
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهنّ ﴾ (4) .
نزلت في نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد سخرن من اُم سلمة ، وذلك أنّها ربطت حقويها بسيبة وهي ثوب أبيض ، وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرّه ، فقالت عائشة لحفصة : اُنظري ماذا تجر خلفها ، كأنّه لسان كلب ، فهذه كانت سخريتهما .
وقيل : إنّها عيّرتها بالقصر ، وأشارت بيدها أنها قصيرة (5) .
1 ـ الرحمن : 60 .
2 ـ آل عمران : 195 .
3 ـ مجمع البيان 1 : 559 .
4 ـ الحجرات : 11 .
5 ـ مجمع البيان 9 : 135 .
مع السنّة النبوية :
تُعدّ اُم سلمة راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي والشيخ الطوسي رحمهما الله في كتابيهما من الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر وابن منذه وأبونعيم ، وكلّ مَن ترجم لها (1) .
روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وعن أبي سلمة .
وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين منهم : ابناها عمر وزينب ، ومكاتبها نبهان ، وأخوها عامر بن أبي اُميّة ، وابن أخيها مصعب بن عبدالله بن اُميّة ، وعبدالله بن رافع ، ونافع ، وسفينة ، وأبوكثير ، وابن سفينة ، وخيّرة اُم الحسن البصري ، وسليمان بن يسار ، واُسامة بن زيد بن حارثة ، وهند بنت الحارث الفراسيّة ، وصفيّة بنت شيبة ، وأبوعثمان النهدي ، وحميد وأبواُسامة ابنا عبدالرحمان بن عوف بن أبي بكر ، وعبدالرحمان بن الحارث بن هشام ، وابناه عكرمة وأبوبكر ، وعثمان بن عبدالله بن موهب ، وعروة بن الزبير ، وكريب مولى ابن عباس ، وقبيصة بن ذويب ، ونافع مولى ابن عمر ، ويعلى بن مملك ، وعبدالله بن عباس ، وعائشة ، وأبوسعيد الخدري ، وسعيد بن المسيّب ، وأبووائل ، وصفيّة بنت محض ، والشعبي ، وآخرون (2) .
ويبلغ مسندها 378 حديثاً ، أخرج لها منها في الصحيحين 29 حديثاً والمتفق عليها منها 13 حديثاً ، وانفرد البخاري بثلاثة ، ومسلم بثلاثة عشر (3) . وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة ، ومنقبة من مناقبها العظيمة التي امتازت بها من بين سائر زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وهي من رواة قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه » (4) .
1 ـ رجال البرقي : 61 ، رجال الشيخ الطوسي : 32 .
2 ـ تهذيب التهذيب 12 : 456 .
3 ـ سير أعلام النبلاء 2 : 148 .
4 ـ رواه عنها ابن عقدة في حديث الولاية وأخرجه عنه الأمر تسري في أرجح المطالب : 338 و389 والحضرمي في وسيلة المآل : 118 ، ورواه عنها أيضاً الشيخ الطوسي في اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) 66 | 119 وعنه بحار الأنوار 37 : 233 حديث 103 ، وأخرجه القندوزي في ينابيع المودة : 40 عن جواهر العقدين للسمهودي ، ورواه أيضا الجعابي في نخب المناقب .
وروى عنها الصدوق مرسلاً في الفقيه قال : وجاءت اُم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الاُضحية فأستقرض واُضحّي ؟
فقال : « استقرضي وضحّي فإنه دين مقضي » (1) .
وهي من رواة حديث آية التطهير ، أخرجه الشيخ الطوسي في الأمالي (2) .
وهي من رواة حديث الثقلين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« كأني دُعيت فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (3) .
ولها روايات اُخرى تمر عليك في أثناء ترجمتها .
في بيت أبي سلمة :
قَلَّ أن توجد عائلة كعائلة أبي سلمة في وئامها ووفائها ، يسودها الحبّ والحبور ، ويطغى عليها المرح والسرور ، فهما أبناء عمّ قبل أن يكونا زوجين ، فلا يجد أحدهما على الآخرة
2 ـ الأمالي 2 : 174 . وانظر : سنن الترمذي 5 : 31 حديث 3258 و328 حديث 3875 و361 حديث 3963 ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 1 : 124 حديث حديث 172 و2 : 16 ، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فائل علي بن أبي طالب 15 : 176 ط مصر بشرح النووي و2 : 360 ط عيسى الحلبي ، المستدرك على الصحيحن للحاكم 2 : 150 و152 و416 وج 3 : 108 و146 و147 و150 و158 ، تفسير الطبري 22 : 6 و7 و8 ، تفسير ابن كثير 3 : 483 و484 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 185 و3 : 259 و285 و6 : 298 .
3 ـ رواه عنها الشيخ الطوسي في أماليه 2 : 92 وعنه في بحار الأنوار 38 : 118 حديث 61 و92 : 80 حديث 61 و92 : 80 حديث 5 ، وأورده الأربلي في كشف الغمة 2 : 34 وعنه بحار الأنوار 22 : 476 حديث 26 ، وأخرجه الأمر تسري في أرجح المطالب : 338 من طريق ابن عقدة .
فضلاً ، فيتكبّر على شريكه في الحياة ، فيثأر الآخر لكرامته ، فتسوء العلاقة بينهما ويفسد نظام البيت .
وحين بعث الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة ، وقابلته قريش بأشدّ ما تقدر عليه من الأذى حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما اُوذي نبي بمثل ما اُوذيت » ، ومن بين هذا الجمع الهائل من قريش يسرع أبوسلمة ملبيّاً نداء السماء ، وتستجيب زوجته كذلك ، فتطفوا على بيتهم آنذاك قدسيّة الإسلام ، فيكون بيت أبي سلمة من أوّل البيوت إسلاماً .
وتستمر قريش في أذاها للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ويزداد الضغط على المسلمين ، فيأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة إلى الحبشة ، فكان أبوسلمة وزوجته في الرعيل الأوّل من المهاجرين ، تاركين وطنهم ، فارين بدينهم ، ولا هدف لهم من هذه الهجرة إلاّ التخلّص من بطش قريش والحريّة في ممارسة الشعائر الإلهية .
وفي الحبشة ، وتحت ظلّ ملكها العادل ، يحصل أبوسلمة وزوجته وبقيّة المسلمين على هذه الاُمنية ، ويسعدوا بأداء الواجبات بأمن وسلام ، وتقرّ عيونهم بمولود تضعه اُم سلمة في دار الهجرة وفي بلد الغربة .
وفي الحبشة توافيهم أنباء مفرحة ، بأنّ قريشاً تغيّر موقفها من الإسلام ، وتركت ما كانت تعمله بالمسلمين من الأذى ، ويسرع أبوسلمة وزوجته إلى مكة ليكونا بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنّه يفاجأ بالأمر معكوساً ، فقريش قد ازدادت في طغواها وتفننت في عتوّها وتجبرّها ، فهي تخرج المستضعفين من المسلمين إلى الرمضاء ، وبعد أن تجردّهم من ثيابهم تلقيهم على الأرض ، محمّلة لهم قلل الصخر وصلب الحجارة ، وقد تغطس البعض في الماء حتى يكاد يخنق .
وكاد أبوسلمة وزوجته أن يقع في هذا الفخ ، لولا أنّه استجار بخاله أبي طالب شيخ البطحاء وابن شيخها فأجاره وزوجته ، وهبّت قريش في وجه أبي طالب تطلب منه النزول عن هذا الجوار ، فهو يدافع عن محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالأمس ، واليوم يجير أبا سلمة ، فأجابهم أبوطالب : إنه استجار بي وأنا إن لم أمنع ابن اُختي لم أمنع ابن أخي .
وبعد أن أراد الله لرسوله الهجرة ليتسنّى له بناء الدولة الإسلامية الكبرى وتشييد دعائمها منطلقة من يثرب ، فكان أبوسلمة وزوجته أوّل الناس استجابة لهذه الهجرة يخرج بزوجته وابنه ، فتتصدّى قريش لمنعه ، فيفلت منها وتبقى زوجته وابنها في أيديهم .
قالت اُم سلمة : لمّا أجمع أبوسلمة الخروج إلى المدينة رَحلَ بعيراً له وحملني وحمل معي ابني سلمة ثم خرج يقود بعيره ، فلمّا رآه رجال من بني المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتنا هذه ، علامَ تُترك تسير بها في البلاد ، ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني .
وغضبت عند ذلك بنو عبدالأسد ، وأهووا إلى سلمة وقالوا : لا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا ، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده ، وانطلقوا به بنو أسد رهط أبي سلمة ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق أبوسلمة حتى لحق بالمدينة ، ففرّق بيني وبين زوجي وبين إبني .
فكنتُ أخرج كلّ غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى اُم سي سنة أو قريبها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي من بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون من هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها .
فقالوا لي : إلحقي بزوجك إن شئت ، وردّ علي بنو عبدالأسد عند ذلك ابني ، فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ثم خرجت اُريد زوجي بالمدينة ، وما معي أحد من خلق الله ، فقلت : أتبلغِ بمن لقيت حتى اُقدم على زوجي ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبدالدار ، فقال : أين يا ابنة أبي اُميّة ؟
قلت : اُريد زوجي بالمدينة .
قال : هل معكِ أحد ؟
فقلت : لا والله ، إلاّ الله وابني هذا .
فقال : والله مالك من منزل ، فأخذ بخطم البعير ، فانطلق معي يقودني ، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب كان أكرم منه ، إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها ،
فإذا أردنا الرواح قام إلى بعيري فقدّمه ، فرحله ، ثم استأخر عني وقال : إركبي ، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزل ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي إلى المدينة ، فلمّا نظر إلى قريه بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية ، وكان أبوسلمة نازلاً بها ، فدخلتها على بركة الله تعالى ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة .
وكانت تقول : ما أعلم أهل بيت أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيتُ صاحباً قطّاً كان أكرم من عثمان بن طلحة ، وقيل : إنّها أوّل ظعينة هاجرت إلى المدينة (1) .
وفي المدينة المنوّرة تحقّقت اُم نية اُم سلمة ، فهي في ظلّ زوجها ، وتحت رعاية الرسول القائد صلى الله عليه وآله وسلم ، تمارس عبادتها بلا خوف ولا وجل ، فتحسب نفسها أسعد الخلق طراً .
وكان حبّها لزوجها قد ملأ قلبها الكبير ، فأرادت أن تستأثر بهذا الحبّ حتى بعد هذه الحياة فقالت له : بلغني أنّه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة ثم لم تتزوج بعده إلاّ جمع الله بينهما في الجنة ، وكذا اذا ماتت إمرأة وبقي الرجل بعدها ، فتعال اُعاهدك أن لا أتزوّج بعدك ولا تتزوّج بعدي .
فقال لها أبوسلمة : أتطيعيني ؟
قالت : ما استأمركَ إلاّ وأنا اُريد أن أطيعكَ .
قال : اذا متُ فتزوّجي ، ثم قال : اللّهم اُرزق اُم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يخزيها ولا يؤذيها .
قالت : فلمّا مات قلتُ : مَن هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة ، فلبثت ما لبثت ثم تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وتتحقّق اُمنية أبي سلمة في الجهاد والسير براية الإسلام قدماً ، فها هي قريش تتجنّد لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى بدر ، ثم تتجمع مرة اُخرى باُحد ، ومن الطبيعي أن يكون أبوسلمة في طليعة الجيش الإسلامي ، فيصيبه سهم فيجرحه جرحاً بليغاً ، وبقي شهراً يداوي نفسه
1 اُسد الغابة 5 : 589 .
2 الإصابة 4 : 408 .
حتى ظنّ أنّه برىَ من جرحه ويخرج للجهاد مرة اُخرى .
ويبلغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّ طليحة وسلمة ابني مخلد يعدان على رأس بني أسد لمهاجمة المدينة ويحرضان على ذلك؛ ليصيبا من أطراف المسلمين ويغنما من نعمهم ، فعقد ل أبي سلمة على مائة وخمسين ، فيهم أبوعبيدة الجراح وسعد بن أبي وقاص واُسيد بن خضير ، وأمرهم بالاستخفاء نهاراً والسير ليلاً وسلوك الطرق المجهولة؛ لكيلا يعرف أمرهم فيتأهب لهم العدو .
واتّبعَ أبوسلمة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صحبهم وهم على غير استعداد ، فخطب رجاله يحضهم على الثبات والنصح في الجهاد ، ثم حمل بهم حملة صادقة ، فما هي إلاّ هجمة إيمان حتى كانت الدائرة تقع على المشركين ، ولم يقووا على الثبات ، ثم وجّه في طلب الفارين ، ورجع بعد ذلك بالغنيمة والنصر يعيد للمسلمين بعض هيبتهم ، فيَكُمَّ الأفواه ويلجم النفوس ، ويدخل في روع المشركين أنّ الإسلام على عزيمة رجاله جدير أن لا تقف قوّة أمامه (1) .
يرجع أبوسلمة ، وترجـع إليه آلامه من جراحه يوم اُحد التي كانت قد اندملت على وغل ، ويتضاعف الألم ويتضـاءل الأمل هذه المرة في الشفاء ، وتفشل المراهم والعلاجات ، فتكون نهاية المطـاف وخاتمة الشهيد العظيم . وفي لوعة الأسى والحزن ومضض المصيبة تتذكّر اُم سلمة حديثاً سمعته من زوجها الراحل عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاءها يوماً فقال :
« لقد سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً أحبّ إليّ من كذا وكذا لا أدري ما أعدل به ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « لا يصيب أحداً مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول : اللّهم عندكَ أحتسب مصيبتي هذه ، اللّهم أخلفني فيها خيراً منها ، إلاّ أعطاه الله عز وجلّ » .
قالت اُم سلمة : فلما اُصبت بأبي سلمة قلت : اللّهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ، ولم تطب نفسي أن أقول : اللّهم أخلفني فيها بخير منها ، ثم قالت : مَن خير من أبي سلمة ، أليس ، أليس ،
1 انظر اُم سلمة لمحمد زكي بيضون : 28 .
ثم قالت ذلك . فلمّا انقضت عدّتها أرسل إليها أبوبكر يخطبها فأبت ، ثم أرسل إليها عمر يخطبها فأبت ، ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطبها ، فقالت : مرحباً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
عاشت اُم سلمة رضوان الله تعالى عليها في بيت زوجها الأوّل حياةً سعيدة ملؤها الحبّ والإخلاص والتفاني ، كانت تنظر لزوجها بعين الإحترام والإكبار حتى ظنّت أنّه أفضل رجل ، وأنّها لن تظفر بأفضل منه ، إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى عوّضها بخير البريّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
فانتقلت إلى بيت زوجها الثاني بيت الرحمة والرضوان ، فحرصت على أن ترضيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فنراها تتحبّب إليه وتفعل ما يحبه وتميل له نفسه ، فرأته يحب خديجة فأحبتها هي أيضاً ، ورأته يحب فاطمة وعلي والحسن والحسين فأحبتهم هي أيضاً وتفانت في وأخذت تلطّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتهتم بما يلذ له من مأكل ومشرب فتعدّه له .
قالت عائشة : كان رسول الله يطوف على نسائه ، فإن كان يومها قعد عندها وإلاّ قام ، فكان إذا دخل بيت اُم سلمة يحتبس عندها ، فقلت أنا وحفصة : ما نرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكث عندها إلاّ أنّه يخلو معها .
قالت : واشتد ذلك علينا ، حتى بعثنا مَن يطلع لنا ما يحبسه عندها ، فإذا هو صار إليها أخرجت له عكة من عسل فتحت له فمها فيلعق فيها لعقاً ، وكان العسل يعجبه .
فقالتا : ما من شيء أكره إليه من أن يقال له : نجد منكَ ريح شيء ، فإنّه يقول : من عسل أصبته عند اُم سلمة ، فقولي له : أرى نحله جرس عرفطا .
فلمّا دخل على عائشة فدنا منها قالت : إنّي لأجد منك شيئاً ، ما أصبت ؟فقال : « عسل من بيت اُم سلمة » .
فقالت : يا رسول الله أرى نحله جرس عرفطا .
1 انظر صفة الصفوة 2 : 21 ، اُم سلمة لعلي دخيل : 12 .
ثم خرج من عندنا فدخل على حفصة فدنا منها فقالت مثل الذي قالت عائشة ، فلمّا قالتا جميعاً اشتدّ عليه ، فدخل على اُم سلمة بعد ذلك فأخرجت له العسل ، فقال : « أخّريه عني لا حاجة لي فيه » .
قالت عائشة : فكنتُ والله أرى أن قد أتينا أمراً عظيماً ، منعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً كان يشتهيه (1) .
نعم ، هكذا كانت اُم سلمة ترعى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ختمت حياتها مع الرسول على أحسن ما يكون ، ولم يحفظ التأريخ شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشين بكرامتها ، بينما حفظ له عليه السلام في غيرها من أزواجه الكثير الكثير .
وقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى عدة روايات تتعلّق بزواج اُم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
قال : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثنا عمر بن عثمان ، عن عبد الملك بن عبيد ، عن سعيد بن عبدالرحمان بن يربوع ، عن عمر بن أبي سلمة قال :
خرج أبي إلى اُحد فرماه أبوسلمة الجشمي في عضده بسهم ، فمكث شهراً يداوي جرحه ثم برىَ الجرح ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي إلى قطن في المحرّم على رأس خمسة وثلاثين شهراً ، فغاب تسعاً وعشرين ليلة ، ثم رجع فدخل المدينة لثمان خلون من صفر سنة أربع والجرح منتقض ، فمات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة ، فاعتدّت اُمي وحلّت لعشر بقين من شوّال سنة أربع ، فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليالٍ بقين من شوال سنة أربع ، وتوفيّت في ذي القعدة سنة تسع وخمسين .
وقال : أخبرنا محمّد بن محمّد بن عمر ، حدّثنا مجمع بن يعقوب ، عن أبي بكر بن محمّد بن عمر عن أبي سلمة ، عن أبي ه ، عن اُم سلمة :
« أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها : « إذا أصابتك مصيبة فقولي : اللّهم أعطني
1 اُم سلمة : 38 .
أجر مصيبتي وأخلفني خيراً منها » . فقلتها يوم توفي أبوسلمة ، ثم قلت : ومَن لي مثل أبي سلمة ؟ فعجّل الله لي خيراً من أبي سلمة .
وقال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن عبدالملك بن قدامة الجمحي ، قال : حدّثني أبي عن اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عن أبي سلمة أنّه حدّثها أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« ما من عبد يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمره الله به من قول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم آجرني في مصيبتي هذه وعوّضني خيراً منها ، إلاّ آجره في مصيبته ، وكان قمناً أن يعوّضه الله منها خيراً منها » .
فلمّا هلك أبوسلمة ذكرتُ الذي حدّثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم آجرني في مصيبتي وعوضني منها خيراً منها ، ثم قلت : إنّي اُعاض خيراً من أبي سلمة ؟ قالت : فقد عاضني خيراً من أبي سلمة ، وأنا أرجو أن يكون الله قد آجرني في مصيبتي .
وقال : أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، حدّثنا عبدالواحد بن زياد ، حدّثنا عاصم الأحول عن زياد بن أبي مريم قال : قالت اُم سلمة لأبي سلمة : بلغني أنّه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ثم لم تتزوّج بعده إلاّ جمع الله بينهما في الجنة ، كذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها ، فتعال اُعاهدك ألا تتزوّج بعدي ولا أتزوّج بعدك .
فقال : أتطيعيني ؟
قلت : ما استأمرتك إلاّ وأنا اُريد أن أطيعك .
قال : فإذا متُ فتزوجي ، ثم قال : اللّهم ارزق اُم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يحزنها ولا يؤذيها .
قالت : فلمّا مات أبوسلمة قلتُ : مَن هذا الفتى الذي هو خير لي من أبي سلمة ؟ فلبثت ما لبثت ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها أو إلى ابنها ، فقالت اُم سلمة : أرد على رسول الله ، أو أتقدّم عليه بعيالي .
قالت : ثم جاء الغد فذكر الخطبة ، فقلتُ مثل ذلك ، ثم قالت لوليّها : إن عاد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فزوّج ، فعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوّجها .
وقال : أخبرنا أبومعاوية الضرير وعبيدالله بن موسى قالا : حدّثنا الأعمش عن شقيق ، عن اُم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« إذا حضرتم فقولوا خيراً ، فإنّ الملائكة يؤمّنون ما تقولون » .
فلمّا مات أبوسلمة أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله : إنّ أباسلمة قد مات فكيف أقول ؟
قال : « قولي : اللّهم اغفر لي وله وأعقبني منه » .
قال أبومعاوية : « عقبى حسنة » ، وقال عبيدالله : « عقبى صالحة » .
قال : قالت فأعقبني الله خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال : أخبرنا معن بن عيسى ، حدّثنا مالك بن أنس ، عن ربيعة بن عبدالرحمان ، عن اُم سلمة قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« من اُصيب بمصيبة فقال ما أمره الله : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم آجرني في مصيبتي وأعقبني خيراً منها ، فعل الله ذلك به » .
قالت : فلمّا توفّي أبوسلمة قلتُ : ومَن خير من أبي سلمة ؟!
ثم قلتها فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوّجها .
وقال : أخبرنا محمّد بن مصعب القرقساني ، حدّثنا أبوبكر بن عبدالله بن أبي مريم ، عن حمزة بن صيب : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على اُم سلمة يُعزيها بأبي سلمة فقال : « اللّهم عزّ حزنها واجبر مصيبتها وأبدلها به خيراً منها » ، قال : فعزّى الله حزنها ، وجبر مصيبتها ، وأبدلها خيراً منها وتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال : أخبرنا عفان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا ثابت البناني ، قال : حدّثنا ابن عمر بن أبي سلمة بمنى عن أبيه : أنّ اُم سلمة قالت : قال أبوسلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا أصاب أحدكم مصيبةً فليقل : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم عندك أحتسب مصيبتي ، فآجرني فيها وأبدلني بها ما هو خير منها » .
فلّما احتضر أبوسلمة قال : اللّهم أخلفني في أهلي بخير .
فلمّا قبض قلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم عندك أحتسب مصيبتي فآجرني فيها ، وأردتُ أن أقول : وأبدلني بها خيراً منها فقلت : مَن خير من أبي سلمة ، فمازلت حتى قلتها .
فلمّا انقضت عدّتها خطبها أبوبكر فردّته ، ثم خطبها عمر فردّته ، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : مرحباً برسول الله وبرسوله ، أخبر رسول الله أنّي امرأة غيرى ، وأنّي مصبيّة ، وأنّه ليس أحد من أوليائي شاهد .
فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« أما قولك إنّي مصبيّة ، فإنّ الله سيكفيك صبيانك ، وأما قولك إني غيرى ، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك ، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلاّ سيرضاني » .
قال : قلت : يا عمر قم فزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما انّي لا أنقصك مما أعطيت اُختك فلانة » .
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتيها ، فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها ، فكان رسول الله يستحي ويرجع ، فعل ذلك مراراً ، ففطن عمار بن ياسر بما تصنع ، قال : فأقبل ذات يوم وجاء عمار وكان أخاها لاُمها فدخل عليها فامتشطها من حجرها وقال : دعي هذه المقبوحة التي آذيتِ بها رسول الله ، فدخل الرسول فجعل يقلّب بصره في البيت يقول : « زناب ما فعلت زناب » .
قالت : جاء عمّار فذهب بها .
قال : فبنى رسول الله بأهله ، ثم قال : « إن شئتِ أن أسبع لك سبّعت للنساء » .
وقال : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثنا عبدالرحمان بن أبي الزناد ، عن هشام بن عمرة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لما تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزنتُ حُزناً شديداً لِما ذكروا لنا من جمالها ، قالت : فتلطّفّت لها حتى رأيتها ، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي من الحسن والجمال .
قالت : فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يداً واحدة فقالت لا والله إنّ هذه إلاّ الغيرة ، ما هي
كما يقولون ، فتلطّفّتْ لها حفصة حتى رأتها ، فقالت : قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريب وانّها لجميلة ، قالت : فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة ، ولكني كنت غيرى .
وقال : أخبرنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، حدّثنا زهير ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثني عبدالله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عبدالملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أبيه : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوّج اُم سلمة في شوال ، وجمعها إليه في شوال .
وقال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقي المكي ، حدّثني مسلم بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، عن اُمّه ، عن اُم كلثوم قالت : لما تزوّج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اُم سلمة قال لها : « إنّي قد أهديتُ إلى النجاشي أواقي من مسك وحلّة ، وإني لا أراه إلاّ قد مات ، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلاّ سترد إليّ ، فإذا ردّت إليّ فهي لكِ » .
قال : فكان كما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مات النجاشي وردّت إليه هديته ، فأعطى كلّ امرأة من نساءه اُوقية اُوقية من المسك ، وأعطى سائره اُم سلمة وأعطاها الحلّة .
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على منزلتها من بين زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى ابن سعد أيضاً روايات اُخرى تدلّ على مكانتها العالية ، وسمو أخلاقها (1) .
وروى الحاكم النيسابوري أيضاً عدّة روايات تتعلّق بزواجها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
نصرتها للزهراء سلام الله عليها :
شهد المسلمون بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الإنقلاب الكبير ، الذي نبّه عليه القرآن الكريم قبل وقوعه :
﴿ وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرُسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
1 طبقات ابن سعد 8 : 86 .
2 المستدرك على الصحيحين 4 : 16 .
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ﴾ (1) .
نعم شهد المسلمون ذلك الإنقلاب الذي هو أساس فرقتهم ، ونقطة ضعفهم ، وما أعظم كلمة ( ليوبولد فايس ) حيث يقول : إنّ العنصر الذي خلق قوّة العالم الإسلامي من قبل هو المسؤول الآن عن ضعف المسلمين ، فإن المجتمع الإسلامي بُني مند أوّله على اُسس دينية ، وضعف هذا الأساس قاد بالضرورة إلى ضعف البناء الثقافي فيه (2) .
فالصحابة الأوّلون من مهاجرين وأنصار هم المسؤولون عما يعانيه المسلمون اليوم من خلاف وتفرقة وتفكك ، نعم لقد فاجأ المسلمون خطب رهيب أنساهم مصيبتهم في نبيهم العظيم ، فقد شاهدوا نفراً من الصحابة على شكل مظاهرة عنيفه يأخذون مَن وَجدوه في الطريق لبيعة أبي بكر ، ولا يسمحون له بالتردّد ، وما هي إلاّ ساعة ومثلها حتى أصبح أبوبكر أميراً تصدر منه الأوامر ، لقد تمّ الأمر لأبي بكر مع معارضة من بعض كبار الصحابة لا يستهان بمقامهم قد انضموا الى الإمام عليه السلام محتمين ببيته من الحاكمين الجدد .
واعتقد الحكام أنّ ما أحرزه من نصر هو غير تام وناقص؛ لعدم بيعة اُولئك النفر لأهميتهم ، وما لهم من رصيد في قلوب المسلمين ، وفكّروا فلم يجدوا بدّاً من مداهمة هؤلاء النفر وأخذهم بالقوة ليبايعوا قهراً ، وترجّح لهم هذا المعنى مع ما فيه من مخاطر ، فهم يقتحمون بيت فاطمة عليها السلام بضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، لكنهم لم يجدوا طريقاً سواه .
روى البلاذري : أنّ أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة منه فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة : « يا ابن الخطاب أتراك مُحرقاً عليّ بابي » ؟!!
قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء بك أبوك (3) .
نعم أخرجوا الإمام عليه السلام مقيّداً بحمائل سيفه تحفّ به أصحابه ، وفاطمة الزهراء سلام الله
1 آل عمران : 144 .
2 الإسلام على مفترق الطرق : 12 .
3 أنساب الأشراف 1 : 586 .
عليها تشاهد هذا المشهد المؤلم وما تلاه من تعسّفات الحاكمين ، فخرجت وأنكرت عليهم بخطبتها العصماء في مسجد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، منبّهة المسلمين على جناية القائمين بالأمر وتعدّيهم ، وقد هزّت خطبتها المسلمين ، وكادت أن تزلزل باُولي الأمر ، لولا تدارك أبي بكر للموقف .
وعادت الصدّيقة صلوات الله عليها إلى منزلها منكسرة من النصرة ، وبدا لأبي بكر أن يغيّر الموقف ، فهو كما عهد فيه يحسن استعمال اللين كما يحسن استعمال الشدّة ، فقد احتمل أن تأتي فاطمة عليها السلام مرّة اُخرى وتخطب ، وربما لا يحالفه الحظ في الهيمنة على الموقف واستعمال المغالطة كما حالفه في هذه المرة ، فرأى أن يتوعّد ويتهدّد .
وفعلاً فقد تكلّم أبوبكر وتطاول على فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، كما تطاول على مقام الإمام علي عليه السلام مستعملاً الكناية دون التصريح ، ولم يجرأ أحد على الإنكار عليه لشدّة اللهجة وخشية الصولة .
ولكن اُم سلمة رضي الله عنها كانت وحدها التي أنكرت عليه ، قالت له :
ألمثل فاطمة يقال هذا ؟! وهي والله الحوراء بين الإنس ، والآنس للنفس ، ربّيت في حجور الأنبياء ، وتناولتها أيدي الملائكة ، ونمت في المغارس الطاهرات ، ونشأت خير منشأ ، وربيت خير مربى .
أتزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرّم عليها ميراثه ولم يُعلمها ؟! وقد قال الله ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ (1) ، فأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان ، و اُم سادة الشباب ، وعديلة ابنة عمران ، وحليلة ليث الأقران ، تمّت بأبيها رسالات ربه ، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر ، فيوسّدها بيمينه ويدثّرها شماله ، رويداً فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمرأى لأعينكم ، وعلى الله تردّون ، فواهاً لكم وسوف تعلمون .
وخشي أبوبكر أن يجيبها فيفتح باباً هو في غنى عن فتحه ، لكنّه حرمها عطاءها ذلك العام
1 الشعراء : 214 .
عقوبة على المعارضة (1) .
مع عمر بن الخطّاب :
لاُم سلمة نهج خاص في حياتها مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي قبل أن تدخل بيته مشبعة بتعاليم الإسلام وبالحبّ لله ورسوله ، فهي قرينة رجل في طليعة المسلمين السابقين ، هاجرت معه الى الحبشة ، وتحمّلت المشاق في سبيل إعلاء كلمة الله ، وقد زادها الاقتران بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم إيماناً وبصيرة ، فهي حريصة على العمل بما يرضيه وتجنّب ما يسخطه ، وهي حريصة على حبّ مَن يحب وبغض مَن يبغض ، وهي حريصة على استماع حديثه الشريف ، فهي منصهرة به صلى الله عليه وآله وسلم انصهاراً كليّاً ، وهي عارفة بمكانتها ومكانة صويحباتها ، وأنّهنّ زوجات أعظم رجل خلقه الله سبحانه وتعالى .
لهذا وغيره ساءها أن يتدخّل بعض الصحابه في شؤونهن المتعلّقة بزوجهن العظيم ، فقد وقعت بينها وبين عمر بن الخطاب مشادّة ، وذلك أنّ عمر دخل على اُم سلمة فقال : يا اُم سلمة وتكلمنّ رسول الله وتراجعنه في شيء ؟
فقالت اُم سلمة : واعجباه ، وما لكَ والدخول في أمر رسول الله ونسائه ، والله إنّا لنكلّمه ، فإن حمل ذلك كان أولى به ، وإن نهانا كان أطوع عندنا منك .
قال عمر : فندمت على كلامي لنساء النبيّ لما قلت (2) .
وذكر الدكتور علي ابراهيم حسن ، والدكتورة بنت الشاطىَ أنّها قالت له : عجباً لك يا ابن الخطاب ، قد دخلتَ في كلّ شيء حتى تبغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه (3) .
وقال الحاج علي دخيل : ولا أدري سبب إنكارها على عمر هذا التدخل ، أهو ما تشعر به من عزّة ورفعة ، فهي قرينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم و اُم المؤمنين ، فهي أسمى من أن يتدخّل
1 دلائل الإمامة : 39 ، اُم سلمة لعلي دخيل : 46 .
2 الطبقات الكبرى 8 : 137 .
3 نساء لهن في التأريخ الإسلامي نصيب : 38 ، موسوعة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 315 .
بينها وبين زوجها الكريم شخص مهما كان ؟
أو أرادت أن تُنبّه عمر بأنّ لكلّ شخص حدّاً يجب أن لا يتجاوزه ؟
أو أرادت أن تعلّم نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يسمحن لأحدٍ أن يتحدّث إليهن وشبهه ، فهن أرفع مقاماً وأعلى منزلة من ذلك ، وأن يبقين بالمستوى الرفيع الذي جعلهنّ القرآن الكريم :
﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ﴾ (1) .
أو أنّها أرادت لزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يعشن بعيداً عن هؤلاء ، وتقطع صلتهن بالرجال؛ حذاراً من تزايد هذه الصلات ، فيستغلن للاقتحام في أغراض سياسية وغيرها كما حدث بالفعل ؟
وكيف كان فقد كان موقفها مشرّفاً ، ذكره لها التأريخ بإكبار (2) .
مع عثمان بن عفان :
شهد المسلمون في عهد عثمان وضعاً جديداً لم يشهدوه من قبل ، فحكّام البلاد الإسلامية بنو اُميّة ، وقد اتخذوا دين الله دخلاً ، وعباده خولاً ، وماله دولاً ، فكانت سيرته لا سيما في الأموال مدعاة لإثارة الرأي العام والإنكار عليه .
لقد أنكر المسلمون أعمال الخليفة ، لا سيّما كبار الصحابة ، وحاولوا إيقافه عند حدّه ، والحيلولة بينه وبين عاطفته . وذهبت كلّ هذه المساعي سدى ، وبقي حتى آخر مرحلة من حياته تحت سيطرة ابن عمّه وصهره مروان بن الحكم الوزغ بن الوزغ .
وفي الوقت الذي يحدّثنا فيه التأريخ عن المعارضة التي وقفت أمام الخليفة ، فقد كانت تكمن خلفها دوافع وأهداف لبعض أعلام المعارضين ، فعائشة كانت من أشدّ الناس عليه ، فقد كانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس وتقول : هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبل وعثمان
1 الأحزاب : 31 .
2 اُم سلمة : 40 .
وعثمان قد أبلى سنّته ، ثم تقول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً . . . أشهد أنّ عثمان جيفه على الصراط (1) . إلى مواقف كثيرة لها .
لكنّها كانت مقتنعة بأنّ الأمر من بعده لابن عمّها طلحة بن عبيدالله التيمي ، ولمّا علمت بيعة المسلمين للإمام أمير المؤمنين عليه السلام قالت : قتل عثمان مظلوماً ، والله لأطلبنّ بدم فقوموا معي .
فقال لها عبيد بن اُم كلاب : لِمَ تقولين هذا ؟ فوالله لقد كُنتِ تحرّضين عليه وتقولين : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر .
فقالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه .
فقال عبيد :
ومن الطبيعي أن تكون اُم سلمة من الناقمين على عثمان ، شأنها شأن كبار المهاجرين والأنصار وجمهور المسلمين ، ولكنّا نراها وهي ناقمة تجتمع بالخليفة محاولة توجيهه وارجاعه للطريق المستقيم ، فتقول له وهي تعظه :
يا بني مالي أرى رعيتك عنك نافرين ، وعن جناحك ناقدين ، لا تعف طريقاً كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبها ، ولا تقتدح بزند كان عليه السلام أكباه .
ويجيبها عثمان : أما بعد ، فقد قلتِ فوعيتُ ، وأوصيتِ فقبلتُ ، ولي عليكِ حقّ النصحة ، إن
1 شرح نهج البلاغة 20 : 22 .
2 تذكرة الخواص : 67 .
هؤلاء النفر رعاع . . . (1)
وأنتَ رعاك الله أيها القارىَ إذا تأمّلت كلمات هذه المرأة العظيمة تجدها قد جمعت الوعظ المتّزن والإرشاد المركّز والتوجيه الهادف ، ولم يحدّثنا التأريخ عن موقف لها مع عثمان استعملت فيه التهريج والتأليب عليه .
ومَن درس حياة هذه المرأة وجدها في كلّ الأوار التي مرّت بها تستعمل الحكمة وتلوذ بالعقل ، لم يستخفها حبّ ولم يستجشها عداء ، حتى أنّها بعد مقتل عثمان وطلب عائشة بدمه ونقمة اُم سلمة عليها في ذلك وكلامها معها ووعظها لها ، مضافاً لذلك حبها الصادق للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، مع هذا كلّه لم تخرج مع الإمام عليه السلام مراغمة لعائشة ، بل تكتفي بإرسال ولدها كي يكون جندياً في جيشه عليه السلام ، مدّلاً على نقمتها واستيائها من تصرفات عائشة (2) .
مع عائشة :
بعد رحيل الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ، مارست اُم سلمة دورها الريادي في المجتمع ، مستغلةُ مكانتها الرفيعة ، ومستعينةً بفصاحة لسانها ، نراها تُجيب هذا وترشد ذاك ولم تترك مقولة الحقّ أبداً .
وحينما عزمت عائشة على الخروج على الإمام علي سلام الله عليه ذهبت لاستماله اُم سلمة لعلمها بمنزلتها ، إلاّ أنّ اُم سلمة وعظتها وأرشدتها وذكّرتها بأشياء تناستها ، وأقامت الحجّة الدامغة عليها ، لذلك رجعت عائشة عن غيها ، لولا أن عبدالله بن الزبير نفث في اُذنها وأرجعها إلى رأيها الأوّل .
روى الشيخ المفيد في الإختصاص : حدّثنا محمّد بن علي بن شاذان ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى النحوي أبوالعباس ثعلب ، قال : حدّثنا أحمد بن سهل أبو عبدالرحمان ، قال : حدّثنا يحيى بن محمّد بن إسحاق بن موسى ، قال : حدّثنا أحمد بن قتيبة أبوبكر ، عن عبدالحكم
1 أعلام النساء 5 : 224 .
2 اُم سلمة لعلي دخيل : 50 .
القتيبي ، عن أبي كبسه ويزيد بن رومان ، قالا :
لمّا أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت اُم سلمة رضي الله عنها وكانت بمكة فقالت : يا بنت أبي اُميّة كنتِ كبيرة اُمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقمؤ في بيتك ، وكان يقسّم لنا في بيتك ، وكان ينزل الوحي في بيتك .
قالت لها : يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنتِ زوّاره ، ولأمر ما تقولين هذه المقالة ؟
قالت : إنّ ابني وابن أخي أخبراني أنّ الرجل ـ عثمان ـ قُتل مظلوماً ، وأنّ بالبصرة مائة ألف سيف يطاعون ، فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعلّ الله أن يصلح بين فئتين متشاجرتين ؟
فقالت : يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين ؟ فلقد كُنتِ أشدّ الناس عليه وإن كُنتِ لتدعينه بالتبري ، أم أمر ابن أبي طالب تنقضين ، فقد تابعه المهاجرون والأنصار ، إنّك سدّة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين اُمته ، وحجابه مضروب على حرمه ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه ، وسكِّني عقيراك فلا تضحي بها ، الله من وراء هذه الاُمة ، قد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانك ، ولو أراد أن يعهد إليكِ لفعل ، قد نهاكِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الفراطة في البلاد ، إنّ عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ، ولا يشعب بهنّ إن انصدع ، حماديات النساء غضٌّ بالأطراف وقصر الوهادة .
وما كنتِ قائلة لو أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصّة قلوصاً من منهل إلى آخر ، إنّ بعين الله مهواك ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تردين ، قد وجهت سدافته وتركت عهيداه ، اُقسم بالله لو سرتِ مسيرك ثم قيل لي : اُدخلي الفردوس لاستحييتُ أن ألقى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم هاتكة حجاباً قد ضربه عليّ ، اجعلي حصنكِ بيتكِ ، وقاعة الستر قبركِ ، حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع .
ثم قالت : لو ذكّرتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمساً في علي صلوات الله عليه لنهشتي نهش الحيّة الرقشاء المطرقة ذات الحبب .
أتذكرين إذ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً ، فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك ، فبينا نحن معه وهو هابط من قُديد ومعه علي عليه السلام ويحدّثه ، فذهبتِ لتهجمي
عليه فقلتُ لك : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه ابن عمّه ، ولعلّ له إليه حاجة ، فعصيتني ورجعتِ باكية ، فسألتكِ فقلت : بأنكِ هجمتِ عليهما فقلتِ له : يا علي إنّما لي من رسول الله يوم من تسعة أيام وقد شغلته عنّي ، فأخبرتيني أنّه قال لك : « أتبغضيه! ؟ فما يبغضه أحد من أهلي ولا من اُمتي إلاّ خرج من الإمان » ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم .
ويوم أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سفراً وأنا أجش له جشيشاً ، فقال : « ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبّ تنبحها كلاب الحوأب ؟ » ، فرفعتُ يدي من الجشيش وقلت : أعوذ بالله أن أكونه ، فقال : والله لابدّ لإحداكما أن يكونه ، اتّقي الله يا حُميراء أن تكونيه ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم .
ويوم تبذّلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلبست ثيابي ولبستِ ثيابك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس إلى جنبك فقال : « أتظنين يا حميراء أنّي لا أعرفك ، أما إنّ لاُمتي منك يوماً مرّاً أو يوماً حمراً » ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم .
ويوم كنتُ أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء أبوك وصاحبه يستأذن فدخلت الخدر فقالا : يا رسول الله لا ندري قدر مقامك فينا ، فلو جعلتَ لنا إنساناً نأتيه بعدك ؟
قال : « أمّا إنّي أعرف مكانه وأعلم موضعه ، ولو أخبرتكم به لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو اسرائيل عن عيسى بن مريم » . فلمّا خرجت إليه أنا وأنت وكنت حزينة عليه فقلت له : مَن كنتَ جاعلاً لهم ؟
فقال : « خاصف النعل » ، وكان علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يصلح نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تخرّقت ، ويغسل ثوبه إذا اتّسخ .
فقلتُ : ما أرى إلاّ علياً .
فقال : « هو ذاك » ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم .
ويوم جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت ميمونة فقال : « يا نسائي اتّقين الله ولا يسفر بكنّ أحد » ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم ، ما أقبلني لوعظكِ وأسمعني لقلولكِ ، فإن أخرج ففي غير حرج ، وإن أقعد ففي غير بأس .
وخرجت ، فخرج رسولها فنادى في الناس : مَن أراد أن يخرج فليخرج ، فإنّ اُم المؤمنين غير خارجة .
فدخل عليها عبدالله بن الزبير ، فنفث في اُذنها وقلبها في الذروة ، فخرج رسولها فنادى : مَن أراد أن يسير فليسر فإن اُم المؤمنين خارجة ، فلمّا كان من ندمها أنشأت اُم سلمة أبياتها المعروفة ، والتي سنذكرها قريباً .
قال أبوالعباس ثعلب : قوله : يقمؤ في بيتك يعني : يأكل ويشرب .
وقد جمع القرآن بذيلك فلا تبذخيه : البذخ : النفح والرياء والكبر .
سكّني عقيراك : مقامك ، وبذلك سمّي العقار؛ لأنّه أصل ثابت ، وعقر الدار : أصلها ، وعقر المرأة : ثمن بضعها .
فلا تضحّي بها : قال الله عزّ وجل : ﴿ وإنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى ﴾ (1) : لا تبرز الشمس ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لرجل محرم : « أضح لمن أحرمت له » أي : اُخرج إلى البزار والموضع الظاهر المنكشف من الأغطية والسقوف .
الفراطة في البلاد : السعي والذهاب .
لا ترأبه النساء : لا تضمّه النساء .
حمادي النساء : ما يحمد منهنّ .
غض بالأطراف : لا يبسطن أطرافهن في الكلام .
1 ـ طه : 119 .
قصير الوهادة : جمع وهد ووهاد ، والوهاد : الموضع المنخفض .
ناصّة قلوصها : النصّ : السوق بالعنف ، ومن ذلك الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنه إذا كان وجد فجوة نصّ : أي أسرع ، ومن ذلك نصُّ الحديث : أي رفعه إلى أهله بسرعة .
من مَنهل إلى آخر : المَنهَل : الذي يُشرب فيه الماء .
مهواك : الموضع الذي تهوين وتستقرين فيه ، قال الله عز وجلّ : ﴿ والنجم اذا هوى ﴾ (1) أي : نزل .
سدافته : من السدفة وهي شدة الظلمة .
قاعة الستر : قاعة الدار صحنها .
السدّة : الباب (2) .
مع علي بن أبي طالب :
انحرف الناس عن الحقّ بعد موت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، إلاّ القليل الذين بقوا مع علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ومن اُولئك القلّة اُم سلمة رحمها الله ، حيث بقيت مخلصة لسيّدها وولاها أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ لِما كانت تسمعه في كلّ نادٍ ومحفل ومنتدى ومجمع من مدح وثناء وإطراء من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الإنسان العظيم ، ونستطيع أن نلمس ذلك جيّداً من خلال أحاديث كثيرة نقلها لنا رواة الخاصة والعامة ، منها :
في بصائر الدرجات : عن عمران بن موسى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبدالله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن اُمّه اُم سلمة قال : قالت :
أقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام في بيتي ، ثم دعا بجلد شاة وكتب فيه حتى ملأ أكراعه ، ثم دفعه إليّ وقال : « من جاءكِ من بعدي بآيه كذا وكذا فادفعيه إليه » .
فأقامت اُم سلمة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبوبكر أمر الناس ، بعثتني اُمي
1 ـ النجم : 1 .
2 ـ الاختصاص : 116 .
فقالت : اذهب فانظر ما صنع هذا الرجل ، فجئتُ فجلستُ في الناس حتى خطب أبوبكر ثم نزل فدخل بيته ، فجئت فأخبرتها .
فأقامت حتى إذا ولي عمر بعثتني فصنع مثل ما صنع صاحبه ، فجئت فأخبرتها .
ثم أقامت حتى إذا ولي عثمان فبعثتني ، فصنع مثلما صنع صاحباه فأخبرتها .
ثم أقامت حتى إذا ولي علي عليه السلام ، فأرسلتني فقالت : انظر ماذا يصنع هذا الرجل ، فجئت فجلست في المسجد ، فلمّا خطب علي نزل فرآني في الناس فقال : « اذهب فاستأذن لي على اُمّك » .
قال : فخرجتُ حتى جئتها فأخبرتها وقلت : قال لي : استأذن لي على اُمّك ، وهو خلفي يريدك .
قالت : وأنا والله اُريده ، فاستأذن علي عليه السلام فدخل فقال لها : « أعطني الكتاب الذي دفعه اليك بآية كذا وكذا » ، فكأني انظر إلى اُمي حتى قامت إلى تابوت لها في جوفه تابوت صغير ، فاستخرجت من جوفه كتاباً فدفعته إلى علي عليه السلام ، ثم قالت لي اُمي : يا بُني ألزمه ، فلا والله ما رأيتُ بعد نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم إماماً غيره (1) .
وفيه أيضاً : حدّثنا ابراهيم بن هشام ، عن عبدالرحمان بن حمّاد ، عن جعفر بن عمران الوشا ، عن أبي المقدام ، عن ابن عباس قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً ودفعه إلى اُم سلمة فقال : « اذا قُبضتُ فقام رجل على هذه الأعواد ـ يعني المنبر ـ فأتاك يطلب هذا الكتاب فادفعيه اليه » .
فقام أبوبكر ولم يأتها ، وقام عمر ولم يأتها ، وقام عثمان فلم يأتها ، وقام علي عليه السلام فناداها في الباب فقالت : ما حاجتك ؟
فقال : « الكتاب الذي دفعه إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » .
فقالت : وانّك أنتَ صاحبه ، فقالت : أما والله إن الذي كنتُ لأحبّ أن يحبوك به ، فأخرجته
1 ـ بصائر الدرجات : 183 حديث 4 .
إليه ففتحه فنظر فيه ثم قال : « إنّ في هذا لعلماً جديداً » (1) .
وفيه أيضاً : حدّثنا الحجّال ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن صباح ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، عن اُم سلمة قالت : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً وقال : « امسكي هذا فإذا رأيتِ أمير المؤمنين صعد منبري فجاء يطلب هذا الكتاب فادفعيه إليه » .
قالت : فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صعد أبوبكر المنبر فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات صعد عمر فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات عمر صعد عثمان فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات عثمان صعد أمير المؤمنين ، فلمّا صعد ونزل جاء فقال : « يا اُم سلمة أريني الكتاب الذي أعطاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ، فأعطيته فكان عنده .
قال : قلت : أي شيء كان ذلك .
قال : « كل شيء يحتاج إليه ولد آدم » (2) .
وفيه أيضاً : عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عمرو ، عن الأعمش قال : قال الكلبي : يا أعمش أي شيء أشد ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ؟
قال : حدّثني موسى بن ظريف ، عن عباية ، قال : سمعتُ علياً عليه السلام وهو يقول :
« أنا قسيم النار ، فمن تبعني فهو مني ، ومن عصاني فهو من أهل النار » .
فقال الكلبي : عندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام كتاباً فيه أسماء أهل الجنة والنار ، وضعه عند اُم سلمة ، فلمّا وليّ أبوبكر طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عمر طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عثمان طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي علي عليه السلام دفعته اليه (3) .
وفيه أيضاً : عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معلّى بن أبي عثمان ، عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنّ الكتب كانت عند علي عليه السلام ،
1 ـ بصائر الدرجات : 186 حديث 16 .
2 ـ بصائر الدرجات : 188 حديث 23 .
2 ـ بصائر الدرجات : 211 حديث 3 .
فلمّا سار إلى العراق استودع الكتب عند اُم سلمة ، فلمّا مضى علي عليه السلام كانت عند الحسن عليه السلام ، فلمّا مضى الحسن عليه السلام كانت عند الحسين عليه السلام ، فلمّا مضى الحسين عليه السلام كانت عند علي بن الحسين ، ثم كانت عند أبي » (1) .
وفي إعلام الورى : روت اُم سلمة قالت : كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً في بيتي إذ انتبه فزعاً من منامه فقلت : الله جارك .
قال : « صدقتِ الله جاري ، ولكن هذا جبرائيل يخبرني أنّ عليّاً قادم » ، ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا علياً ، وقام المسلمون صفين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا بصر به علي ترجّل من فرسه وأهوى إلى قرب قدميه يقبلهما .
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان » ، فبكى علي عليه السلام وانصرف إلى منزله (2) .
وفي قرب الإسناد : عن السندي بن محمّد ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« كانت امرأة من الأنصار تدعى حسرة تغشى آل محمّد وتحن ، وإن زفر وحبتر لقياها ذات يوم فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقالت : أذهب إلى آل محمّد فأقضي من حقّهم ، واحدث بهم عهداً .
فقالا : ويلكَ إنّه ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذاعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانصرفتْ حسرة ولبثت أياماً ثم جاءت ، فقالت لها اُم سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبطأ بك يا حسرة ؟
فقالت : استقبلني زفر وحبتر فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقلت : أذهب إلى آل محمّد فأقضي من حقّهم الواجب .
فقالا : إنّه ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذا على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
1 ـ بصائر الدرجات 1820 حديث 2 .
2 ـ إعلام الورى : 197 .
فقالت اُم سلمة : كذبا لعنهما الله ، لا يزال حقّهم واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة » (1) .
وروى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه قال : « بلغ اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ مولى لها ينتقص عليّاً عليه السلام ويتناوله ، فأرسلت إليه ، فلمّا صار إليها قالت له : يا بُني بلغني أنّك تنتقص عليّاً وتتناوله ؟
قال لها : نعم يا أماه .
قالت : اُقعد ثكلتك اُمّك حتى اُحدّثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اختر لنفسك؛ إنّا كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة ، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو متهلّل ، أصابعه في أصابع علي واضعاً يده بيده .
فقال : يا اُم سلمة اُخرجي من البيت وأخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان أسمع الكلام وما أدري ما يقولان ، حتى إذا قمت فأتيت الباب فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
قال : لا .
قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطه ، أو نزل فيّ شيء من السماء ، ثم لم ألبث أن أتيت الباب الثانية فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
فقال : لا ، فكبوت كبوة أشد من الاُولى ، ثم لم ألبث حتى أتيت الباب الثالثة فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
فقال : اُدخلي يا اُم سلمة ، فدخلتُ وعلي جاث بين يديه وهو يقول : فداك أبي و اُمي يا رسول الله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني ؟
قال : آمرك بالصبر ، ثم أعاد عليه القول الثانية فأمره بالصبر ، فأعاد عليه القول الثالثة فقال له : يا علي يا أخي إذا كان ذاك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدماً حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم ، ثم التفت إليّ فقال لي : والله ما هذه الكآبة يا
اُم سلمة ؟
قلت : للذي كان من ردّك لي يا رسول الله .
فقال لي : والله ما ردّدتكِ من موجدة ، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله ، ولكن آتيتيني وجبريل عن يميني وعلي عن يساري ، وجبريل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي ، وأمرني أن اُوصي بذلك عليّاً ، يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب أخي في الدّنيا وأخي في الآخرة .
يا اُ مسلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة .
يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا وحامل لوائي غداً في يوم القيامة .
يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي ، وقاضي عداتي والذائد عن حوضي ، يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب سيّد المسلمين وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
قلتُ : يا رسول الله مَن الناكثون ؟
قال : الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة .
قلتُ : مَن القاسطون ؟
قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام .
قلت : من المارقون ؟
قال : أصحاب النهروان .
قال مولى اُم سلمة : فرّجتِ عنّي فرّج الله عنكِ ، لا سببتُ عليّاً ابداً » (1) .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عمرة بنت عبدالرحمان ، قالت : لمّا سار علي بن أبي طالب إلى البصرة دخل على اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يودّعها ، فقالت : سر في حفظ الله
1 ـ أمالي الطوسي 2 : 83 . أمالي الصدوق : 311 حديث 10 ، وعنه بحار الأنوار 22 : 221 .
وفي كنفه ، فوالله إنّك لعلى الحقّ والحقّ معك ، ولولا أنّي أكره أن أعصي الله ورسوله ، فإنّه أمرنا أن نقر في بيوتنا ، لسرتُ معك ، ولكن والله لأرسلن معكَ من هو أفضل عندي وأعزّ عليّ من نفسي ، ابني عمر (1) .
وروى أيضاً بسنده عن أبي سعيد التيمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : كنتُ مع علي يوم الجمل ، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر ، فكنت مع أمير المؤمنين ، فلمّا فرغ ذهبتُ إلى المدينة فأتيتُ اُم سلمة فقلتُ : إنّي والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ، ولكني مولى لأبي ذر .
فقالت : مرحباً ، وقصصتُ عليها قصتي .
فقالت : أينَ كنتَ حين طارت القلوب مطائرها ؟
قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس .
قالت : أحسنتَ ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » (2) .
وروى أيضاً بسنده عن أبي عبدالله الجدلي قال : حججتُ وأنا غلام ، فمررتُ بالمدينة ، وإذا الناس عنق واحد ، فاتبعتهم فدخلوا على اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فسمعتها تقول : يا شبيب بن ربعي ، فأجابها رجل جلف : لبيك يا اُم تاه .
قالت : يُسَبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناديكم ؟!
قال : وأنى ذلك ؟!
قالت : فعلي بن أبي طالب ؟
قال : إنّا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا .
قالت : فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 119 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 120 . ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2 : 294 وعنه في بحار الأنوار 22 : 223 .
« مَن سبّ عليّاً فقد سبني ، ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى » (1) .
وعنه أيضاً قال : دخلتُ على اُم سلمة فقالت لي : أيُسبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ؟!
قلت : سبحان الله ، أو معاذ الله .
قالت : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « مَن سبَّ عليّاً فقد سبني » (2) ، ورواه أيضاً النسائي في الخصائص (3) .
وعنه أيضاً قال : دخلتُ على اُم سلمة فقالت : يا أبا عبدالله أيُسبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله فيكم ؟
قلت : معاذ الله .
قالت : أليسوا يسبون عليّاً ومن أحبه ؟ قلت : بلى (4) .
مع الحسين عليه السلام :
قال المامقاني في تنقيح المقال : ومن فضائلها تسليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها تربة سيّد الشهداء الحسين عليه السلام . وإخباره إياها بأنّها متى فاضت دماً فاعلمي أنّ الحسين عليه السلام قد قتل ، وكذلك فَعَلَ الحسين عليه السلام (5) .
وروى الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام :
« أنّ الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع اُم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصايا ، فلمّا رجع علي بن الحسين عليه السلام دفعتها إليه » (6) .
وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحن : أخبرنا أبوالقاسم الحسين بن
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 121 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 121 .
3 ـ خصائص أمير المؤمنين عليه السلام : 99 .
4 ـ أنساب الأشراف 2 : 182 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 72 ، البداية والنهاية 8 : 199 .
6ـ تنقيح المقال 3 : 72 ، البداية والنهاية 8 : 199 .
محمّد السكوني بالكوفة ، حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، حدّثنا أبوكريب ، حدّثنا أبوخالد الأحمر ، حدثنا زريق ، حدّثني سلمان قال : دخلتُ على اُم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟
قالت : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلتُ : مالكَ يا رسول الله ؟ قال : « شهدتُ قتل الحسين آنفاً » (1) .
وفي تذكرة الخواص : وذكر ابن سعد عن اُم سلمة لمّا بلغها قتل الحسين عليه السلام قالت : أوقد فعلوها ؟! ملأ الله بيوتهم ناراً ، ثم بكت حتى غشي عليها ، وقالت : لعن الله أهل العراق (2) .
شعرها :
قالت في موكب زفاف الزهراء عليها السلام :
وقالت وهي تربّي الحسين عليه السلام :
وقالت في نهيها لعائشة من الخروج لحرب الإمام عليه السلام :
1 ـ مستدرك الحاكم 4 : 20 .
2 ـ تذكرة الخواص : 240 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد . مجلة تراثنا 10 : 196 .
3 ـ المناقب لابن شهرآشوب 3 : 130 .
4 ـ سفينة البحار 1 : 258 .
وقالت في ترك عائشة لنصيحتها وندمها بعد ذلك :
ما يدل على مكانتها :
إضافة لما ذكرناه من روايات ووقائع كثيرة دلّت على منزلة رفيعة لاُم المؤمنين اُم سلمة ، فهناك روايات وأحداث اُخرى كثيرة نذكر بعضاً منها :
روى الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين عليهم السلام قال :
« لمّا أجمع الحسن بن علي على صلح معاوية خرج حتى لقيه . . . ـ إلى أن قال سلام الله عليه ـ فلمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخي و اُمي و أبي فجعلنا ونفسه في كساء لاُم سلمة . . . فقالت اُم سلمة : أدخل معهم يا رسول الله ؟ فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم : يرحمكِ الله أنت على خير وإلى خير ، وما أرضاني عنكِ ولكنّها خاصة لي ولهم » (3) .
وكانت اُم سلمة فقيهة عارفة بغوامض الأحكام الشرعيّة ، حتى أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري الصحابي المعروف كان يستشيرها ويرجع إلى رأيها ، فقد ذكر ابن الأثير في
1 ـ تذكرة الخواص : 72 .
2 ـ الإختصاص : 116 .
3 ـ أمالي الشيخ الطوسي 2 : 174 .
حوادث سنة 40هـ ، انّه لمّا أرسل معاوية بسر بن أرطاة في ثلاثة آلاف حتى قدم إلى المدينة أرسل إلى بني سلمة : والله مالكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبدالله ، فانطلق جابر الى اُم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها : ماذاترين إنّ هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اُقتل ؟
قالت : أرى أن تبايع (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : كانت اُم سلمة من أعقل النساء ، وكانت لها أساليب بديعة في استعطاف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه ، وأدب بارع في مخاطبته وطلب الحوائج منه ، فمن ذلك لما لقيه ابن عمّه وأخوه من الرضاعة أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وابن عمته ـ عاتكة بنت عبدالمطلب ـ عبدالله بن أبي اُميّة المخزومي أخو اُم سلمة لأبيها وهو في طريقه إلى فتح مكة ، فاستأذنا إليه فأعرض عنهما .
فقالت اُم سلمة : يا رسولَ الله ابن عمّك وابن عمّتك وصهرك .
فقال : « لا حاجة لي بهما ، أمّا ابن عمّي فهتك عرضي ـ وكان يهجوز رسول الله ـ ، وأمّا ابن عمّتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال ، يعني قوله له : والله ما آمنت بكَ حتى تتخذ سلّماً إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر اليك ، ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أنّ الله أرسلك .
فقالت اُم سلمة : لا يكن ابن عمّك وابن عمّتك أشقى الناس بك .
فقال أبوسفيان : والله ليأذن لي أو لآخذنّ بيد ابني هذا ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ، فرّق لهما النبيّ فدخلا عليه وأسلما .
وقالت اُم سلمة : لما أراد علي عليه السلام أن يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الإذن له في إدخال فاطمة عليه ، فدخلت اُم أيمن على اُم سلمة فأخبرتها وأخبرت سائر نسائه بذلك ، فاجتمعن عنده وقلتُ : فديناك بآبائنا و اُمهاتنا يا رسول الله ، إنّا قد اجتمعنا لأمر لو كانت له خديجة من الأحياء لقرّت عينها .
1 ـ الكامل في التأريخ 3 : 383 .
قالت اُم سلمة : فلمّا ذكرنا خديجة بكى وقال : « وأين مثل خديجة » ، وأخذ في الثناء عليها .
فقالت اُم سلمة من بينهن : فديناك بآبائنا و اُمهاتنا ، إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلاّ وقد كانت كذلك ، غير أنّها قد مضت إلى ربّها ، فهنّأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته ، يا رسول الله هذا أخوك وابن عمّك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه زوجته .
قال : « حبّاً وكرامة » ، ثم إلتفت إلى النساء بعد ما دخلن البيت فقال مَن هاهنا ؟
فقالت اُم سلمة : أنا وهذه فلانة وفلانة ، فكانت هي المبادرة بالجواب ، فأمرهن أن يصلحن من شأن فاطمة في حجرة اُم سلمة ، وابتدأتهن اُم سلمة بالرجز أمام فاطمة حين زفت (1) .
وهي التي أشارت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مشورتها المعروفة يوم صلح الحديبية (2) .
وغير ذلك من الروايات والوقائع الكثيرة ، فمن أراد مزيد الإطلاع فليراجع المصادر التي ذكرناها في أوّل الترجمة .
وفاتها :
اُختلف في وفاة اُم سلمة شأنها شأن الكثير من الصحابة :
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبدالله بن نافع ، عن أبيه قال : ماتت اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع وخمسين وصلّى عليها أبوهريرة .
وقال : أخبرنا محمّد بن عمر ، عن الزبير بن موسى ، عن مصعب بن عبدالله ، عن عمر بن أبي سلمة قال : نزلتُ في قبر اُم سلمة أنا وأخي سلمة وعبدالله بن أبي اُميّة وعبدالله بن وهب بن زمعة الأسدي ، فكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة (3) .
1 ـ أعيان الشيعة 10 : 272 .
2 ـ أعلام النساء 5 : 223 .
3 ـ الطبقات الكبرى 8 : 68 .
وقال الحاكم النيسابوري : حدّثنا ابن عمر ، وحدثني عبدالله بن نافع ، عن أبيه قال : أوصت اُم سلمة أن لا يصلّي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين وصلّى عليها ابن أخيها عبدالله بن عبدالله بن أبي اُميّة (1) .
وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أحداث سنة 61هـ : وفيها توفَيت هند المعروفة باُم سلمة ، وقيل : توفيّت سنة تسع وخمسين (2) .
405 وحيدة النجفيّة
فاضلة ، أديبة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، راثية لأهل البيت ـ خصوصاً الإمام الحسين ـ عليهم السلام . توفيّت في مدينة النجف الأشرف سنة 1356هـ 1937م ، ودفنت فيها ، ولازال الناس يذكرون شعرها ومجالسها ، ويتناقلونه خلفاً عن سلف ، ذكرها عدد من الأعلام وأصحاب التراجم والسِير :
قال صاحب الأعيان السيّد محسن الأمين في ترجمة نفسه ، عند ذكر بعض عادات النجفيين : والنساء أيضاً يجلسون للعزاء منفردات عن الرجال ، ولهنّ نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسين عليه السلام في أيام عاشوراء وغيرها ، ومنهنّ مَن تنشد الشعر الزجلي ـ العامي ـ ارتجالاً ، ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال .
وكانت رئيستهن نائحة تسمّى « ملا وحيدة » بتشديد الياء ، وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالاً ، ولها مجموعة كبيرة من انشائها في الحسين عليه السلام وفي غيره (3) .
وذكرها في موضعٍ آخر من كتابه أيضاً قائلاً : كانت ممتازة بين أبناء صنعتها ، بارعة في انشاء الرثاء الزجلي باللسان العامي ، تقوله ارتجالاً فيجىء في أعلى الطبقات ، وتصف الشخص بما فيه ، ولها مراثي كثيرة زجليّة في الحسين عليه السلام باللسان العامي مطبوعة ، وكانت لها
1 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 20 .
2 ـ شذرات الذهب 1 : 69 .
3 ـ أعيان الشيعة 10 : 360 .
عصابة يُضرب بها المثل (1) .
وقال عنها الأديب المؤرّخ الاُستاذ جعفر الخليلي : هي امرأة شاعرة ، عدّادة ، ومن العباقرة (2) .
وذكرها الشاعر العربي الكبير محمّد مهدي الجواهري قائلاً : الشاعرة الفذّة والمبدعة في أعراس ومآتم النجف ، والتي كاد أن ينطبق الاسم على المسمّى ، فهي وحيدة آنذاك ومتفرّدة عن غيرها (3) .
وذكر ديوانها المطبوع گورگيس عوّاد في معجم المؤلّفين العراقيين (4) .
ومدحها وأثنى عليها وأطراها كثيراً الشيخ محمّد هادي الأميني (5) .
406 ونسة الفتلاويّة
ونسة بنت ضاحي ، من عشيرة آل فتلة في منطقة طويريج .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة ، شجّعت زوجها على المشاركة في ثورة العشرين ، وعندما رأته قد جلس في البيت ولم يشارك مع الثوّار ، خاطبته بهذه الابوذيّة :
فأجابها بأنّه لا يملك سلاحاً يقارع به العدوان ، فذهبت إلى الحاج عبدالواحد وطلبت منه بندقيّة ، فأعطاها بعد أن أعلمته بذلك ، وزغردت فرحة مستبشرة (6) .
1 ـ أعيان الشيعة 10 : 273 .
2 ـ هكذاء عرقتهم 1 : 117 .
3 ـ ذكرياتي 1 : 129 .
4 ـ معجم المؤلّفين العراقيين 3 : 453 .
5 ـ معجم رجال الفكر والأدب 23 : 1322 .
6 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 366
(1) فهرس الآيات القرآنيّة الكريمة
(2) فهرس الأحاديث الشريفة
(3) فهرس الأبيات الشعريّة
(4) فهرس التراجم
(5) فهرس الراويات :
الراويات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الراويات عن الإمام علي عليه السلام
الراويات عن فاطمة الزهراء عليها السلام
الراويات عن الإمام الحسن عليه السلام
الراويات عن الإمام الحسين عليه السلام
الراويات عن الإمام زين العابدين عليه السلام
الراويات عن الإمام الباقر عليه السلام
الراويات عن الإمام الصادق عليه السلام
الراويات عن الإمام الكاظم عليه السلام
الراويات عن الإمام الرضا عليه السلام
الراويات عن الإمام الجواد عليه السلام
الراويات عن الإمام الهادي عليه السلام
الراويات عن الإمام العسكري عليه السلام
(6) فهرس أسماء المحدّثات
(7) فهرس أسماء اللواتي لهنّ إجازة رواية
(8) فهرس أسماء حافظات القرآن الكريم
(9) فهرس أسماء المجتهدات
(10) فهرس أسماء الفقيهات
(11) فهرس أسماء مدرّسات العلوم الإسلامية
(12) فهرس أسماء المؤلِّفات
(13) فهرس أسماء مؤلَّفات النساء
(14) فهرس أسماء الشاعرات
(15) فهرس أسماء ذوات الفصاحة والبلاغة
(16) فهرس أسماء الشهيدات
(17) فهرس أسماء اللواتيلهنّ ارتباط بواقعة الطفّ
(18) فهرس أسماء المشاركات في ثورةالعشرين
(19) فهرس أسماء الخطيبات
(20) فهرس أسماء النائحات
(21) فهرس أسماء الخطّاطات
(22) فهرس مواضيع المقدّمة
(23) فهرس مصادر الكتاب
مرضيّة القزوينيّة / 374 | 721 |
معصومة الصدرائيّة / 379 | 723 |
نرگس القزوينيّة / 387 | 732 |
نفيسة بنت الحسن بن زيد ابن الإمام الحسن عليه السلام / 397 | 766 |
الأسم / الرقم | الصفحة |
بنت أبي يشكر / 141 | 289 |
حيدر الادي / 205 | 360 |
خلب النائحة / 211 | 376 |
فاطمة العقيليّة « بنت الهريش » / 334 | 602 |
وحيدة النجفيّة / 405 | 808 |
الأسم / الرقم | الصفحة |
اُخت المولى رحيم الأصفهاني / 19 | 120 |
أسيري الأردكانيّة / 31 | 150 |
زكيّة المازندرانيّة / 244 | 424 |
فضّة البلاغيّة / 351 | 692 |
ماه شرف القزوينيّة / 373 | 720 |
1 ـ القرآن الكريم :
2 ـ الآداب الدينيّة : للفضل بن الحسن الطبرسي ، نسخة مصوّرة عن مخطوطة محفوظة في المكتبة الرضويّة
3 ـ أجوبة المسائل الحاجبية : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد النعمان العكبري البغدادي ، ت413هـ ، مكتبة المفيد ، قم المقدّسة .
4 ـ أجوبة المسائل السروية : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، ت413 هـ ، مكتبة الشيخ المفيد ، قم .
5 ـ أخبار الزينبات : لأبي الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين الأصغر ابن الإمام زين العابدين عليه السلام ، ت 277هـ ، نشر مكتبة السيد المرعشي النجفي ، قم 1401 هـ .
6 ـ أدب الطف : للسيد جواد شبر ، دار المرتضى ، بيروت 1409 هـ .
7 ـ الأربعون حديثاً : للشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني العاملي ، ت 786 ، تحقيق ونشر مكتبة الإمام المهدي عليه السلام ، قم 1407 هـ .
8 ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة : لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم الجزري المعروف بابن الأثير ت 630 هـ ، اُفسيت المطبعة الاسلامية ، طهران .
9 ـ الأعلام : لخير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، لبنان الطبعة السادسة 1984 م .
10 ـ أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام : لعمر رضا كحالة ، نشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الخامسة 1404 هـ .
11 ـ أعيان الشيعة : للسيد محسن الأمين ، ت 1371 هـ ، تحقيق حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت لبنان ، 1403 هـ .
12 ـ أعيان النساء : للشيخ محمد رضا حكيمي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
13 ـ الأغاني : لأبي فرج الأصفهاني علي بن الحسين ، ت 976 هـ ، دار احياء التراث العربي 1963 م .
14 ـ الأمالي : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق ، ت 381 هـ ، تقديم حسين الأعلمي ، منشورات مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، لبنان 1400 هـ .
15 ـ الأمالي : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ت 460 هـ ، قدّم له السيد محمد صادق بحرالعلوم ، نشر المكتبة الأهلية ، بغداد ، اُفسيت مكتبة الداوري ، قم .
16 ـ أمالي الزجّاج : لأبي إسحاق ابراهيم بن السري الزجّاج ، ت 311 هـ .
17 ـ أمل الآمل : تأليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، ت 1104 هـ ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف .
18 ـ الأمان من أخطاب الأسفار والأزمان : لرضي الدين علي بن موسى بن طاووس ، ت664هـ ، نشر المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف .
19 ـ الأنساب : لأبي سعيد عبدالكريم بن محمد بن منصور السمعاني ، ت 652 هـ ، تحقيق وتعليق عبدالرحمان بن يحيى المعلمي اليماني ، نشر محمد أمين دمج ، بيروت لبنان ، الطبعة الثانية 1400 هـ .
20 ـ أنوار المشعشعين في شرافة قم والقميين : للشيخ محمد بن علي بن حسن كاتوزيان الطهراني .
21 ـ الأنوار النعمانية : للسيد نعمة الله الجزائري التستري ، ت 1112 هـ ، نشر مكتبة بني هاشم ، تبريز .
22 ـ إثبات الوصية : لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي ، ت 346 هـ ، المكتبة المرتضوية ، النجف الأشرف .
23 ـ الإجارة الكبيرة : لسماحة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، تالمكتبة المرعشية قم .
24 ـ الاحتجاج : لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، نشر مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، 1403هـ .
25 ـ إحياء علوم الدين : لأبي حامد محمد بن محمد الغزّالي ، ت 505 ، دار الندوة الجديدة ، بيروت ، لبنان .
26 ـ الإختصاص : للشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، ت 413 هـ ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، اُفسيت مؤسسة الأعلمي بيروت ، لبنان 1402 هـ .
27 ـ إختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) : لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ، ت460هـ ، طبع جامعة مشهد 1348 هـ .
28 ـ تأريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس : للشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري ، نشر مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع ، بيروت .
29 ـ الإرشاد : للشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد ، ت 413 هـ ، اُفسيت مكتبة بصيرتي في قم ، طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف .
30 ـ إرشاد القلوب : لأبي محمد الحسن بن محمد الديلمي ، منشورات الرضي ، قم ، ايران .
31 ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ، ت 460 هـ ، تحقيق السيد حسن الخرسان ، نشر دار الكتب الاسلامية ، الطبعة الثالثة ، 1390 .
32 ـ الاستغاثة : لأبي القاسم الكوفي علي بن أحمد بن موسى ابن الإمام الجواد عليه السلام ، ت 352 هـ .
33 ـ الاستيعاب : لأبي عمرو يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر ، ت 463 هـ ، المطبوع بهامش الإصابة في تمييز الصحابة ، الطبعة الأولى 1328 هـ ، مصر ، مطبعة السعادة .
24 ـ الإصابة في تمييز الصحابة : لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
ت852 هـ ، الطبعة الاُولى سنة 1328 هـ ، مطبعة السعادة .
35 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى : لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، تقديم السيد محمد مهدي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، منشورات دار الكتب الإسلامية .
36 ـ الإفصاح في فقه اللغة : تأليف حسين بن يوسف موسى وعبدالفتاح الصعيدي ، مكتب الإعلام الاسلامي ، الطبعة الثالثة 1404 هـ .
37 ـ الإمامة والسياسة : لأبي محمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، ت 276 هـ ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ، الطبعة الثالثة 1401 هـ .
38 ـ إيضاح المكنون : لإسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم البابائي البغدادي ، اُفسيت دار الفكر بيروت 1402 هـ .
39 ـ بانو مجتهد ايراني : لناصر باقري بيدهندي ، دفتر تبليغات اسلامي ، قم ، 1372 هـ ، ش .
40 ـ بحار الأنوار : للمولى محمد باقر المجلسي ، ت 1110 هـ ، الطبعة الثالثة 1403 هـ ، دار إحياء التراث ، بيروت .
41 ـ البداية والنهاية : لعماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي ، ت 774 هـ ، دار الفكر ، بيروت 1402 هـ .
42 ـ البرهان في تفسير القرآن : للسيد هاشم الحسيني البحراني ، ت 1107 هـ ، مؤسسة اسماعيليان ، قم .
43 ـ بشارة المصطفى : لمحمد ابن أبي القاسم الطبري ، المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف سنة 1383 هـ .
44 ـ بصائر الدرجات الكبرى : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار ، ت 290 هـ ، تقديم وتعليق وتصحيح الحاج ميرزا محسن كوچه باغي ، نشر مؤسسة الأعلمي ، طهران .
45 ـ بلاغات النساء : لأبي الفضل أحمد ابن أبي طاهر المعروف بابن طيفور ، ت 380 هـ ، نشر مكتبة بصيرتي ، قم .
46 ـ بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية : أو تأريخ علمي واجتماعي أصفهان در
دو قرن أخير .
47 ـ تأريخ الأئمة : لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي .
48 ـ تأريخ الإسلام : لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت 748 هـ تحقيق الدكتور عمر عبدالسلام تدمري ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت 1407 هـ .
49 ـ تأريخ بغداد : لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، ت 463 هـ ، نشر المكتبة السلفية ، المدينة المنورة .
50 ـ تأريخ تذكرههاى فارسي : لأحمد گلچين معاني ، مكتبة سنائي ، طهران ، 1363 هـ .
51 ـ تأريخ الطبري : لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، ت 310 هـ ، دار سويدان ، بيروت .
52 ـ تأريخ قم : لحسن بن محمد بن حسن القمي ، تصحيح سيد جلال الدين طهراني ، انتشارات طوس ، طهران 1361 هـ .
53 ـ تأريخ اليعقوبي : لأحمد ابن أبي يعقوب بن واضح اليعقوبي ، ت 284 هـ ، دار صادر ، بيروت ، اُفسيت مؤسسة ونشر فرهنك اهل البيت عليهم السلام قم .
54 ـ تاج العروس : لمحمد مرتضى الزبيدي ، ت 1205 هـ ، نشر المطبعة الخيرية ، مصر1306هـ .
55 ـ تاج المواليد في الأنساب : لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي .
56 ـ التحرير الطاووسي : المستخرج من كتاب حل الاشكال في معرفة الرجال للسيد أحمد بن طاووس الحسيني المتوفى سنة 664 هـ .
للشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، ت 1011 هـ ، تحقيق السيد محمد حسن ترحيني ، افسيت دار الذخائر ، قم 1368 هـ . ش .
57 ـ تحفة العالم في شرح خطبة المعالم : للسيد جعفر آل بحر العلوم ، ت 1377 هـ ، مكتبة الصادق ، طهران 1401 هـ .
58 ـ تذكرة الحفّاظ : لأبي عبدالله شمس الدين الذهبي ت 748 هـ ، نشر مكتبة الحرم المكي بمكة المعظمة 1374 هـ ، اُفست دار احياء التراث العربي ، لبنان .
59 ـ تذكرة الخواتين : لمحمّد بن محمّد رفيع الملّقب بملك الكتّاب الشيرازي ، مطبعة الميرزا محمد الشيرازي ، الهند ، 1306 هـ .
60 ـ تذكرة الخواص : للعلاّمة سبط بن الجوزي ، ت 654 هـ ، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام ، بيروت 1401 هـ .
61 ـ تذكرة القبور : للسيد مصلح الدين مهدوي .
62 ـ تراجم أعلام النساء : للشيخ محمد حسين الأعلمي الحائري ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت 1407 هـ .
63 ـ تظلّم الزهراء من اهراق دماء آل العباء : للسيد رضي بن نبي القزويني .
64 ـ التعليقة على منهج المقال : للشيخ الوحيد البهبهاني محمد بن باقر بن محمد اكمل من اعلام القرن 13 ، الطبعة الحجرية ت 1307 .
65 ـ التفسير : لعلي بن ابراهيم القمي ، تعليق السيد طيب الموسوي الجزائري ، مؤسسة دار الكتاب ، قم 1404 هـ .
66 ـ التفسير : لأبي النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي ، تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي ، نشر المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران .
67 ـ تفسير الطبري ( جامع البيان في تفسير القرآن ) : لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، ت310 هـ ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .
68 ـ تقريب التهذيب : لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 هـ ، حقّقه وعلّق عليه عبدالوهاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية 1395 هـ ، افسيت دار المعرفة بيروت لبنان .
69 ـ تكملة أمل الآمل : للسيد حسن الصدر ، ت 1354 هـ ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، نشر مكتبة السيد المرعشي بقم 1406 هـ .
70 ـ تكملة الرجال : للشيخ عبدالنبي الكاظمي ، ت 1256 هـ ، تحقيق وتقديم السيد صادق بحر العلوم ، مطبوعات مكتبة السيد الحكيم العامة ، النجف الأشرف .
71 ـ تنقيـح المقال : للشيخ عبـدالله المامقاني ، 1359 هـ ، المطبعـة المرتضويـة في النجـف
الأشرف 1350 .
72 ـ تهذيب الأحكام : لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ، ت 460 هـ ، تحقيق السيد حسن الخرسان ، دار الكتب الاسلامية طهران 1390 .
73 ـ تهذيب الأسماء واللغات : لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي ، ت 676 هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
74 ـ تهذيب التهذيب : لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 هـ ، الطبعة الأولى 1325 هـ ، دائرة المعارف النظامية ، الهند ، حيدر آباد الدكن .
75 ـ التوحيد : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق ت 381 هـ ، صحّحه وعلّق عليه هاشم الحسيني الطهراني ، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم .
76 ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : لأبي منصور عبدالملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي النيسابوري ، ت 429 هـ ، تحقيق محمّد أبو الفضل ابراهيم ، دار المعارف ، القاهرة ، 1985 م .
77 ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق علي أكبر الغفاري قم 1391 هـ .
78 ـ ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : للشيخ محمّد مهدي شمس الدين .
79 ـ جامع الرواة : تأليف محمد علي الأردبيلي الغروي الحائري ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي ، قم ، 1403 هـ .
80 ـ الجامع الصغير : لجلال الدين عبدالرحمان ابن أبيبكر السيوطي ، ت 911 هـ ، دار الفكر ، بيروت 1401 هـ .
81 ـ جريدة الجهاد : اصدار المكتب الاعلامي لحزب الدعوة الاسلامية في ايران .
82 ـ جمهرة النسب : لابن الكلبي ، تحقيق عبدالستار أحمد فرّاج ، مطبعة حكومة الكويت 1403هـ .
83 ـ جواهر العجائب : لسلطان محمّد بن أميري هروي ، المتخلص بفخري ، الهند 1873 م .
84 ـ الجواهر السنية : للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ت 1104 هـ ، اُفسيت انتشارات طوس .
85 ـ الحسين في موكب الخالدين : للشيخ حسين معلم .
86 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ت 430 هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الرابعة 1405 هـ .
87 ـ الخرائج والجرائح : لسعيد بن هبة الله الراوندي ، ت 573 هـ ، انتشارات مصطفوي ، قم .
88 ـ الخصال : للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت 381 ، تعليق علي أكبر الغفاري ، نشر جماعة المدرسين ، قم ، 1403 هـ .
89 ـ خلاصة الأقوال : للعلاّمة الحلي ، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر ، ت726هـ ، تصحيح السيد محمد صادق بحر العلوم ، الطبعة الثانية ، منشورات المطبعة الحيدرية 1381 هـ ، اُفسيت مكتبة الرضي قم .
90 ـ خيّرات حسان : لمحمّد حسن خان اعتماد السلطنة ، طهران ، 1307 هـ .
91 ـ دائرة المعارف تشيّع : اشراف أحمد صدر حاج سيد جوادي وكامران خنائي وبهاء الدين خرمشاهي ، بنياد اسلامي طاهر ، طهران ، 1366 هـ .
92 ـ دانشمندان آذربايجان : لمحمّد علي تربيت تبريزي ، مطبعة مجلس الشورى ، طهران ، 1314 هـ .
93 ـ الدر المنثور في طبقات ربات الخدور : لزينب بنت يوسف فواز العاملي ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت 1312 هـ .
94 ـ الدراية في مصطلح الحديث : للشهيد الثاني زين الدين العاملي ، ت 965 ، مطبعة النعمان ، النجف الأشرف ، افسيت مكتبة المفيد في قم .
95 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : لصدر الدين علي خان المدني الشيرازي الحسيني ، ت 1120 هـ ، مكتبة بصيرتي ، قم 1397 هـ .
96 ـ دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري ، منشورات المطبعة الحيدرية
ومكتبتها ، النجف الأشرف ، 1383 هـ ، الطبعة الثالثة .
97 ـ ديوان الشريف الرضي : للشريف الرضي الحسن بن محمد الحسني ، نشر وزارت الإرشاد الاسلامي ، طهران 1406 هـ .
98 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للشيخ آقا بزرگ الطهراني ، دار الأضواء 1389 هـ ، بيروت الطبعة الثالثة 1403 هـ .
99 ـ ذكرياتي : للشاعر الكبير محمّد مهدي الجواهري ، ت 1418 هـ ، دار الرافدين .
100 ـ رجال ابن داود : للحسن بن علي بن داود ، ت 740 هـ ، نشر جامعة طهران ، ايران سنة 1343 هـ .
101 ـ رجال البرقي : لأبي جعفر أحمد ابن أبي عبدالله البرقي ، نشر جامعة طهران ت 1342 .
102 ـ رجال الشيخ : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت 460 هـ ، حققه وعلّق عليه وقدّم له السيد محمد صادق بحر العلوم ، الطبعة الاُولى ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1381 هـ .
103 ـ رسالة آل أعين ( رسالة أبو غالب الزراري ) : لأبي غالب الزراري ، ت 368 هـ ، شرح السيد محمد علي الموسوي الموّحد الأبطحي الأصفهاني ، مطبعة رباني ، اصفهان1399هـ .
104 ـ روضات الجنّات : للميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري الأصبهاني ، المطبعة الحيدرية ، طهران 1390 هـ .
105 ـ روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه : للمولى محمد تقي المجلسيت1070هـ ، تحقيق السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي ، نشر بنياد فرهنگ اسلامي ، المطبعة العلمية ، قم .
106 ـ رياحين الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة : للشيخ ذبيح الله المحلاتي ، دار الكتب الإسلامية .
107 ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء : للميرزا عبدالله أفندي الأصبهاني ، تحقيق السيد أحمد
الحسيني ، نشر مكتبة آية الله المرعشي ، قم 1401 هـ .
108 ـ رياحنة الأدب : في تراجم المعروفين بالكنية واللقب للشيخ محمد علي المدرس من أعلام القرن الرابع عشر ، مكتبة خيام تبريز .
109 ـ زنان سخنور : لعلي أكبر مشير سلجمي ، مؤسسة مطبوعات علي أكبر علمي ، طهران ، 1338 هـ .
110 ـ زينب الكبرى : للشيخ جعفر النقدي .
111 ـ سعد السعود : لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس ، ت 664 هـ ، منشورات الشريف الرضي ، قم .
112 ـ سفينة البحار : للشيخ عباس القمي ت 1359 هـ ، النجف الأشرف 1355 هـ ، افسيت مروي ، طهران .
113 ـ سنن أبي داود : لأبي داود السجستاني ، ت 275 هـ ، دار الفكر ، بيروت .
114 ـ سنن ابن ماجة : لأبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ، ت 275 هـ ، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، نشر دار الفكر ، بيروت .
115 ـ سنن الترمذي : لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، ت 279 هـ ، حقّقه وصحّحه عبدالوهاب عبداللطيف ، نشر دار الفكر ، بيروت 1400 هـ .
116 ـ سنن الدارمي : لأبي محمد عبدالله بن بهرام الدارمي ، ت 255 هـ ، دار الفكر ، بيروت 1398هـ .
117 ـ سنن الدارقطني : لعلي بن عمر الدارقطني ، ت 385 هـ ، دار المحاسن ، القاهرة 1386 هـ .
118 ـ سنن النسائي : لأبي عبدالرحمان أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي ، ت303 هـ ، دار الفكر ، بيروت 1348 هـ .
119 ـ سير أعلام النبلاء : لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت 748 هـ ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثالثة ، بيروت 1405 هـ .
120 ـ السيرة النبوية : لابن هشام ، تحقيق مصطفى السقا وابراهيم الأبياري وعبدالحفيظ شلبي ،
نشر دار احياء التراث العربي ، بيروت .
121 ـ السيرة النبوية : لأبي الفداء اسماعيل بن كثير ، ت 747 هـ ، تحقيق مصطفى عبدالواحد ، دار احياء التراث العربي ، بيروت .
122 ـ الشاعرة العربية المعاصرة : لبنت الشاطىء ، معهد الدراسات العربيّة العاليّة ، القاهرة ، 1963 م .
123 ـ شاعرات في ثورة العشرين : لعلي الخاقاني ، مقالة مطبوعة في كتاب معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى : للسيّد محمّد علي كمال الدين ، دار البيان ، 1971م .
124 ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب : لأبي الفلاح عبدالحي ابن العماد الحنبلي ، ت1089هـ ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت .
125 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام : للقاضي النعمان بن محمد بن منصور ، ت365هـ ، تحقيق السيد محمـد الحسيني الجلالي ، الطبعـة الأولى مبطعة سيد الشهداء ، قم 1404 هـ .
126 ـ شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل ، دار احياء الكتب العربية ، الطبعة الثانية ، اُوفسيت منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم .
127 ـ الصحاح : لاسماعيل بن حماد الجوهري ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطار ، نشر دار العلم للملايين ، بيروت .
128 ـ صحيح البخاري : لأبي عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري ، دار احياء التراث العربي ، بيروت .
129 ـ صحيح مسلم : لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، ت 261 هـ ، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، دار الفكر ، بيروت .
130 ـ صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم 1408 هـ .
131 ـ الصراط السوي فيمناقب آلالنبي صلى الله عليه وآله وسلم : للسيد محمود الشيخاني القادري ( مخطوط ) .
132 ـ صراع من واقع الحياة : للشهيدة بنت الهدى ، نشر دار التعارف للمطبوعات ضمن المجموعة القصصية الكاملة للشهيدة بنت الهدى .
133 ـ صفة الصفوة : لجمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي ، ت 597 هـ ، تحقيق محمودخاخوري ، دار المعرفة ، بيروت 1406 هـ .
134 ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : لشمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي ت902هـ دار مكتبة الحياة ، بيروت .
135 ـ طبقات أعلام الشيعة : للشيخ آقا بزرگ الطهراني ، تحقيق ولده علي نقي المنزوي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الاُولى 1972 م .
136 ـ الطبقات الكبرى : لمحمد بن سعد ، ت 230 هـ ، نشر دار صادر ، بيروت 1405 هـ .
137 ـ العبر في خبر من غَبَر : للحافظ الذهبي ، ت 748 هـ ، تحقيق أبوهاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 هـ .
138 ـ عدة الداعي ونجاح الساعي : لأحمد بن فهد الحلبي ، تصحيح أحمد الموحدي القمي ، نشر مكتبة الوجداني ، قم .
139 ـ عذراء العقيدة والمبدأ الشهيدة بنت الهدى : تأليف جعفر نزار حسين ، نشر دار التعارف للمطبوعات .
140 ـ العقد الفريد : للفقيه أحمد بن محمد بن عبدربّه الاُندلسي ، ت 328 هـ ، تحقيق الدكتور مفيد محمد قميحة ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1404 هـ .
141 ـ علي بن الحسين الأكبر عليه السلام : لمحمد علي عابدين ، نشر دار الكتاب الإسلامي 1404 هـ .
142 ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : تأليف جمال الدين أحمد بن علي بنالحسينبن علي بن مهنا بن عنبة الأصغر الداودي الحسيني ت 828 هـ ، مطبعة أمير ، قم ، الطبعة الثانية 1362 .
143 ـ عوالي اللئالي العزيزية : لابن أبي جمهور الأحسائي محمد بن علي بن ابراهيم ، من أعلام القرن التاسع الهجري ، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ، مبطعة سيد الشهداء 1405 هـ .
144 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام : للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تصحيح السيد مهدي اللاجوردي ورضا مشهدي ، 1363 هـ . ش .
145 ـ الغدير في الكتاب والسنة والأدب : للشيخ عبدالحسين الأميني النجفي ، ت 1390 هـ ، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ، طهران .
146 ـ الغيبة : لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ، ت 460 هـ ، مكتبةنينوى الحديثة ، طهران .
147 ـ الغيبة : لابن أبي زينب محمد بن ابراهيم النعماني ، نشر مكتبة الصدوق ، طهران .
148 ـ فاطمة اُم أبيها : للسيد فاضل الحسيني الميلاني ، نشر مؤسسة تراث أهل البيت عليهم السلام ، الطبعة الرابعة 1403 هـ .
149 ـ فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام : للحاج علي محمد علي دخيل ، نشر دار المرتضى بيروت 1399 هـ .
150 ـ فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام : للشيخ هادي الأميني ، مطبعة المهدية ، قم 1405 هـ .
151 ـ فرائد السمطين : لابراهيم بن المؤيد بن عبدالله بن علي بن محمد الجويني الخراساني ، ت730هـ ، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، نشر مؤسسة المحمودي ، بيروت 1398هـ .
152 ـ الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام : لابن الصباغ علي بن محمد بن أحمد المالكي ، المكي ، ت 855 هـ ، نشر مكتبة دار الكتب التجارية في النجف الأشرف .
153 ـ الفضائل : لأبي الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن اسماعيل ابن أبي طالب القمي ، ت حدود 660 هـ ، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف 1381 هـ .
154 ـ الفضائل الخمسة من الصحاح الستة : للسيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي ، منشورات مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الرابعة 1402 هـ .
155 ـ الفهرست : لابن النديم محمد بن اسحاق بن محمد ، ت 380 هـ ، نشر جامعة طهران سنة 1350 هـ .
156 ـ الفهرست : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت 460 هـ ، نشر جامعة
مشهد المقدسة .
157 ـ فهرست أسماء مصنفي الشيعة ( رجال النجاشي ) : لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس النجاشي ت 450 هـ ، افسيت مكتبة الداوري ، قم .
158 ـ الفضيلة تنتصر : للشهيدة بنت الهدى ، نشر دار التعارف للمطبوعات ضمن المجموعة القصصية الكاملة للشهيدة بنت الهدى .
159 ـ فقه القرآن : لأبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي ، ت 573 هـ ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، نشر مكتبة السيد المرعشي ، قم 1397 هـ .
160 ـ فلاح السائل : للسيد علي بن طاووس ت 664 هـ ، دفتر تبليغات اسلامي ، قم .
161 ـ فوات الوفيات : لمحمد بن شاكر الكتبي ، ت 764 هـ ، تحقيق الدكتور احسان عباس ، دار صادر 1973 م .
162 ـ الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الجعفرية : للشيخ عباس القمي ، ت1359هـ .
163 ـ قادتنا كيف نعرفهم : لآية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، بيروت .
164 ـ قرب الإسناد : لعبدالله بن جعفر الحميري ، المتوفى حدود 310 هـ ، نشر مكتبة نينوى الحديثة ، طهران .
165 ـ القاموس المحيط : للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، دار الفكر ، بيروت ، 1403هـ .
166 ـ كتاب سليم بن قيس : الكوفي الهلالي العامري ، ت 90 هـ ، نشر دار الفنون ، بيروت 1407هـ .
167 ـ الكاشف في معرفة من له رواية من الكتب الستة : لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت748هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1403 هـ .
168 ـ الكافي : لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي ت 328 هـ ،
تصحيح السيد نجم الدين الآملي وعلي أكبر الغفاري ، المكتبة الاسلامية ، طهران1388هـ .
169 ـ الكامل في التأريخ : لأبي الحسن عزالدين علي ابن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني ت 630 هـ ، دار صادر بيروت .
170 ـ كامل الزيارات : لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولوية ، ت 367 هـ ، المطبعة المرتضوية ، النجف الاشرف ، 1356 هـ .
171 ـ كشف الظنون : للچلبي ، المعروف بحاجي خليفة ت 1067 هـ ، دار الفكر ، بيروت ، 1402هـ .
172 ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة : لأبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأردبيلي ، تعليق السيد هاشم الرسولي ، سوق المسجد الجامع ، تبريز .
173 ـ كشف المحجة لثمرة المهجة : لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس ، ت664هـ ، المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف 1370 هـ .
174 ـ كفاية الأثر في النصوص عن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام : للشيخ محمد بن علي الخزاز الرازي .
175 ـ كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام : لأبي عبدالله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي ت 658 هـ ، تحقيق وتصحيح وتعليق محمد هادي الأميني ، دار احياء تراث أهل البيت عليهم السلام ، مطبعة الفارابي ، طهران 1404 هـ .
176 ـ كمال الدين وتمام النعمة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي ، ت381هـ ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم ، 1405 هـ .
177 ـ الكنى والألقاب : للشيخ عباس القمي ، ت 1359 هـ ، مطبعة العرفان ، صيدا 1358 هـ .
178 ـ كنز العمال : لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي ت 975 هـ ، تحقيق بكري حيائي وصفوة السقا ، الطبعة الخامسة 1405 هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
179 ـ لؤلؤة البحرين : للشيخ يوسف بن أحمد البحراني ت 1186 هـ ، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم ، نشر مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر ، قم ، الطبعة الثانية .
180 ـ لسان العرب : لأبي الفضل جمال الدين أحمد بن كرم بن منظور الإفريقي المصري ت711هـ ، نشر أدب الحوزة ، قم .
181 ـ اللهوف في قتلى الطفوف : للسيد ابن طاووس ت 664 هـ ، منشورات مكتبة الداوري ، قم .
182 ـ ماضي النجف وحاضرها : للشيخ جعفر محبوبة ، دار الأضواء ، بيروت ، 1406 هـ .
183 ـ مثير الأحزان : للشيخ الجليل ابن نما الحلبي ، ت 645 هـ ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم 1406 هـ .
184 ـ مجالس المؤمنين : للقاضي السيد نور الله التستري الشهيد سنة 1019 ، نشر المكتبة الإسلامية طهران 1354 هـ .
185 ـ مجالس النفائس : للمير نظام الدين علي شير نوائي ، باهتمام علي أصغر حكمت ، منوچهري ، طهران ، 1363 هـ .
186 ـ مجلة الأضواء الاسلامية : اصدار جماعة العلماء في النجف الأشرف .
187 ـ مجلة المنطلق : اصدار الإتحاد اللبناني للطلبة المسلمين .
188 ـ مجمع الأمثال : لأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني ت 518 هـ ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، الطبعة الثالثة 1393 هـ ، اُفسيت دار الفكر ، بيروت .
189 ـ مجمع البحرين : للشيخ فخر الدين الطريحي ت 1085 هـ ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، طهران .
190 ـ مجمع البيان : لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، ت 548 هـ ، مطبعة العرفان ، صيدا 1333 هـ .
191 ـ مجمع الرجال : لزكي الدين المولى عناية الله بن علي القهپائي ، صحّحه وعلّق عليه السيد ضياء الدين الشهير بالعلاّمة الأصفهاني ، اصفهان 1384 هـ ، اُفسيت اسماعيليان ، قم .
192 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : لنور الدين علي ابن أبي بكر الهيثمي ، ت 807 هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1402 هـ .
193 ـ المحاسن : لأبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، تحقيق السيد جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدّث ، دار الكتب الاسلامية ، قم ، 1371 هـ .
194 ـ مدينة المعاجز : للسيد هاشم الحسيني البحراني ، نشر مكتبة المحمودي ، طهران .
195 ـ مرآة الأحوال جهات نما : لآقا أحمد البهبهاني ، مركز فرهنگى قبله ، طهران ، 1373 هـ .
196 ـ مرآت الخيال : لشير علي خان اللودي ، الهند ، 1313 هـ .
197 ـ المرأة في ظل الإسلام : للسيدة مريم نور الدين فضل الله ، نشر دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع 1401 هـ .
198 ـ المستجاد من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد : للعلاّمة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت726هـ .
199 ـ مستدركات أعيان الشيعة : للسيد حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، 1413 .
200 ـ مستدرك الوسائل : للشيـخ ميرزا حسين النـوري ، ت 1320 هـ ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الاُولى .
201 ـ المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري أبي عبدالله محمد بن عبدالله ، دار الفكر ، بيروت 1398 هـ .
202 ـ المسند : لأحمد بن حنبل ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان .
203 ـ مصارع العشاق : لأبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري ، تصحيح السيد محمد بدر الدين النعساني ، الطبعة الاُولى 1325 هـ ، مطبعة السعادة ، مصر .
204 ـ المصباح : لتقي الدين ابراهيم بن علي بن الحسن بن محمد الكفعمي ، الطبعة الثالثة 1403هـ ، اُفسيت مؤسسة الأعلمي ، بيروت .
205 ـ مصباح الزائر : للسيد علي بن طاووس ، ت 664 هـ ، نسخة خطية محفوظة في مكتبة
السيد المرعشي بقم ، تحت رقم 160 .
206 ـ مصفّى المقال في مصنفي علم الرجال : للعلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهراني ، ت 1389 هـ صححه ونشره ولده أحمد منزوي 1378 هـ .
207 ـ مطالب السؤل في مناقب آل الرسول : لمحمد بن طلحة بن محمد بن الحسن العدوى النصيبي .
208 ـ معادن الجوهر ونزهة الخواطر : للسيد محسن الأمين ، 1371 هـ ، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت 1401 هـ .
209 ـ معجم المؤلّفين العراقيين : لكوركيس عوّاد .
210 ـ معجم المطبوعات النجفيّة : للشيخ محمّد هادي الأميني .
211 ـ مقتل الإمام الحسين عليه السلام : لأبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم ، ت568هـ ، تحقيق الشيخ محمد السماوي ، نشر مكتبة المفيد ، قم .
212 ـ مقدمة الروضة البهية : للشيخ محمد مهدي الآصفي ، منشورات جامعة النجف الدينية ، افست دار العلم الإسلامي ، بيروت .
213 ـ معالم العلماء : لمحمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، ت 588 هـ ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1380 هـ .
214 ـ معاني الأخبار : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوقت381هـ ، تصحيح علي أكبر الغفاري ، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم1361 هـ . ش .
215 ـ معجم البلدان : لأبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي ، دار صادر ، بيروت 1399هـ .
216 ـ معجم رجال الحديث : تأليف السيد أبوالقاسم الخوئي ، بيروت لبنان ، 1403 هـ .
217 ـ معجم قبائل العرب : لعمر رضا كحالة ، الطبعة الثالثة 1402 هـ ، منشورات مؤسسة الرسالة ، بيروت .
218 ـ معجم المؤلفين : لعمر رضا كحالة ، در إحياء التراث العربي ، بيروت لبنان .
219 ـ المغازي : للواقدي محمد بن عمر بن واقد ت 207 ، تحقيق الدكتور مارسدن جهرنس ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات .
220 ـ مقابس الأنوار : للشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي ، ت 1237 هـ ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث ، قم .
221 ـ مقاتل الطالبيين : لأبي فرج الأصفهاني ، ت 356 هـ ، تحقيق السيد أحمد صقر ، نشر دار المعرفة ، بيروت .
222 ـ مكارم الأخلاق : لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ، تحقيق محمد الحسين الأعلمي ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت 1392 هـ .
223 ـ مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، ت 588 ، نشر علاّمة في قم .
224 ـ المناقب : لابن المغازلي علي بن محمد بن محمد الواسطي ، ت 483 هـ المطبعة الإسلامية ، طهران .
225 ـ منتهى المقال : تأليف محمد بن اسماعيل المدعو بأبي علي ، الطبعة الحجرية .
226 ـ من لا يحضره الفقيه : للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان بيروت 1401 هـ .
227 ـ منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال : للميرزا محمد الاسترابادي ، ت 1028 هـ ، الطبعة الحجرية في طهران .
228 ـ الموسم : مجلّة فصليّة مصوّرة تُعنى بالآثار والتراث ، صاحبها ورئيس تحريرها محمّد سعيد الطريحي ، تصدر في الهند .
229 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تحقيق علي محمد البجاوي ، اُفسيت دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، مصر الجديدة 1382 هـ .
230 ـ الميزان في تفسير القرآن : للعلاّمة السيّد محمد حسين الطباطبائي ، ت مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، 1400 هـ .
231 ـ النفحات الرحمانية : للعلوية الأمينية الأصفهانية .
232 ـ نهج البلاغة : جمع الشريف الرضي ، ت 406 هـ ، شرح محمد عبده ، تحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد ، مطبعة الاستقامة ، مصر .
233 ـ هدية الأحباب : للشيخ عباس القمي ، ت 1359 هـ ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، افسيت مكتبة الصدوق ، طهران 1362 هـ .
234 ـ هدية العارفين : لاسماعيل باشا البغدادي ، اُفسيت دار الفكر 1402 هـ ، بيروت .
234 ـ وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري ، ت 212 هـ ، تحقيق وشرح عبدالسلام محمد هارون ، افسيت مكتبة السيد المرعشي النجفي في قم المقدسة على طبعة المؤسسة العربية الحديثة ، القاهرة .